شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الاعتكاف - 28

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله مُحمد بن عبد الله وعلى آله وصحبِهِ ومن والاه، أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم مُستمعينا الكِرام إلى لقاءٍ جديد في شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، والذي يشرحُهُ فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخُضير -وفقهُ الله- عضو هيئةِ كِبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، فأهلًا بكم معالي الشيح ومرحبًا.

 

حياكم الله وبارك فيكم، وفي الإخوة المُستمعين

المقدم: وبِكُم حفظكم الله.

لا يزال الكلام مُستمعينا الكرام في حديث صفية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل في أطرافِهِ، حيث بدأ الشيخ شيئًا من ذلك في الحلقة الماضية، ولعلكم تتفضلون بإتمام ما بدأتموه فضيلة الشيخ من ذكر الأطراف.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد فمازال الحديث في الطرف الثالث في كتاب الاعتكاف، هل يدرأُ المُعتكف عن نفسِهِ، وذكرنا سند الحديث ومتنه في هذا الموضع.

يقول ابن حجر، قولهُ: بابٌ هل يدرأُ بفتح أولِهِ وسكون الدال بعدها راءٌ ثم همزة مضمومة أن يدفع، لو قال ثم همزة بدون مضمومة، هي في هذا الموضع مضمومة، والعادة ما تُضبط حركة الإعراب؛ لأنها تتغير نعم، ترك العادة بذلك، أن حركة الإعراب لا تُضبط إلا إذا كان فيها اختلاف، بين الرواية والقواعد أو في بين الروايات بعضها عن بعض، أن يدفع، وقوله: عن نفسه أي بالقول والفعل، وقد دل الحديث على الدفع بالقول، فيلحق به الفعل وليس المعتكف بأشد في ذلك من المصلي، المصلي يدفع عن نفسه وهو يصلي، ويدفع من أراد أن يمر بين يديه.

ثم أورد المصنف فيه حديث صفية أيضًا من وجهين عن الزهري أحدهما طريق بن أبي عتيق وهي موصولة، وإسماعيل بن عبد الله شيخه وابن أبي أويس وأخوه أبو بكر وسليمان هو ابن بلال، والإسناد كله مدنيون، والأخرى طريق سفيان وهي مرسلة ،وساقه على لفظ سفيان. مثل ما تقدم في الطرف الثاني التفريق بين الطريقين بأن أحدهما موصول، والآخر مرسل مثل ما قلنا إنه في الطريق الأول يحكي القصة عن صاحبتها، والثاني يحكي قصة لم يشهدها؛ لأنه قال في الطريق الأول: عن علي بن حسين -رضي الله عنهما- أن صفية أخبرته، في الطريق الثاني قال: عن علي بن الحسين أن صفية -رضي الله عنها- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ويقال في هذا المقام مثل ما قيل في حديث عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، والطريق الأخرى عن محمد بن الحنفية أن عمارًا مر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحكم الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة على الأول بأنه متصل، والثاني منقطع لهذا السبب، أنه يحكي القصة عن صاحبها في الطريق الأول، ويحكي قصة من تلقاء نفسه لم يشهدها، فيحكم عليها بأنها مرسلة.

والأخرى طريق سفيان وهي مرسلة، وساقه على لفظ سفيان، وأعاده بالإسناد المذكور هنا من طريق بن أبي عتيق في الأدب على لفظه.

وساقه على لفظ سفيان. الطريق الثاني هو جارٍ على القاعدة أن البخاري إذا خرَّج الحديث عن اثنين فاللفظ للأخير منهما، وأعاده بالإسناد المذكور هنا من طريق ابن أبي عتيق في الأدب على لفظه، وقد بيَّنت ما فيه أيضًا. قوله: قلت لسفيان وهو ابن عيينة؛ لأنه في آخر الحديث قال: قلت لسفيان: أتته ليلاً؟! قال: وهل هو إلا ليلاً؟ من القائل لسفيان؟ القائل: الراوي عنه علي بن المديني شيخ البخاري. قلت لسفيان وهو بن عيينة والقائل: هو علي بن المديني شيخ البخاري، وقوله: وهل هو إلا ليلاً أي: وهل وقع الإتيان إلا في الليل، وليس المراد نفي إمكانه، بل نفي وقوعه، لا يراد إمكان الزيارة بالنهار، الزيارة بالنهار ممكنة، لكن النفي للإمكان أو للوقوع؟

النفي للوقوع الإمكان ممكن، وقد وقع عند النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن سفيان بن عيينة في نفس الحديث أن صفية أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة.

والموضع الرابع: في كتاب فرض الخمس باب ما جاء في بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما نسب من البيوت إليهن، وقول الله -عز وجل-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، أضاف البيوت.

المقدم: إليهن.

أي نعم، وقوله -جل وعلا-: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب:53]، قرن في بيوتكن، وهنا قال: بيوت النبي يعنى إضافة البيوت إلى صاحبه أو.. إضافة البيت إلى صاحبه هو الأصل، المالك، وقد يضاف إلى غيره لأدنى ملابسة أو مناسبة، فباعتبار أن المرأة قعيدة البيت ملازمة البيت تضاف إليه فيقال: بيت فلانة كما يقال: بيت فلان، فهنا واضح {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الإضافة في الآية الثانية حقيقة، والثانية من باب الإضافة للملابسة والمناسبة.

قال رحمه الله: حدثني سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن علي بن الحسين أن صفية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أنها جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوره وهو معتكف في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، ثم قامت تنقلب فقام معها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حتى إذا بلغ قريبًا من باب المسجد عند باب أم سلمة، فذكره، فأضاف الباب باب البيت إلى أم سلمة.

قال بن حجر: قال ابن المنيِّر: غرضه بهذه الترجمة أن يبين أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين، إذا توفي صاحب البيت فهل تستمر زوجته في بيته؟ غير النبي -عليه الصلاة والسلام-؟

المقدم: اللهم صلي وسلم عليه، تستمر.

الذي يتركه تركة توزع على الورثة، لكن بالنسبة لبيوته وما يتركه النبي -عليه الصلاة والسلام- مما ينتفع به أزواجه من بعده يستمر، تستمر السكنى. قال: غرضه بهذه الترجمة أن يبين أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بقين؛ لأن نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، نفقتهن تستمر وسكناهن يستمر، والسر فيه حبسهن عليه، السر في ذلك أنهن لا يُبحن للأزواج، وأيضًا ما يتركه النبي لا يورث، ثم ذكر سبعة أحاديث ثالثها حديث صفية بنت حيي أنها جاءت يعنى ذكر في الباب، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وما نُسب من البيوت إليهن، ذكر فيه سبعة أحاديث ثالثها حديث صفية بنت حيي أنها جاءت تزوره وهو معتكف، والغرض منه قولها فيه: عند باب أم سلمة، فأضاف الباب إلى أم سلمة، ولا يتصور إضافة الباب مجردًا عن البيت، هل يتصور أن الباب لأم سلمة والبيت ليس لأم سلمة؟

المقدم: لا يتصور.

إنما من باب إطلاق.

المقدم: الجزء...

نعم، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل. عند باب أم سلمة، وقد تقدم شرحه في الاعتكاف.

الخامس في بدء الخلق في كتاب بدء الخلق في باب صفة إبليس وجنوده، قال رحمه الله: حدثنا محمد بن غيلان، قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن صفية بنت حيي قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتكفًا فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان سكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فذكر الحديث بنحوه. يقول ابن حجر: قوله: باب صفة إبليس وجنوده، إبليس اسم أعجمي عند الأكثر، وهو مشتق من أبلس أي أيأس، ولعلها إذا يئس، قال ابن الأنباري: لو كان عربيًّا لصرف، يقول: أعجمي عند الأكثر، وقيل: مشتق من أبلس يعنى عربي، له مادة يشتق منها في العربية.

قال الأنباري: لو كان عربيًّا لصرف كإكليل، وقال الطبري: إنما لم يصرف وإن كان عربيًّا؛ لقلة نظيره في كلام العرب، فشبهوه بالأعجمي. المقصود أن ابن حجر أطال في تقرير هذه المسألة وقال: إن المصنف -رحمه الله- ذكر في هذا الباب سبعة وعشرين حديثًا كلها ورد فيها ذكر إبليس. الثالث عشر من هذه السبعة عشر حديث صفية، وتقدم في الاعتكاف، وفيه أن الله جعل للشيطان قوة على التوصل إلى باطن الإنسان يعني من صفته، لذلك تظهر المطابقة، صفة إبليس. من صفته أن الله جعل له قوة على التوصل إلى باطن الإنسان، وقيل: ورد على سبيل الاستعارة أي أن وسوسته تصل في مسام البدن مثل جري الدم من البدن، وهذا تقدم تقريره هل المراد حقيقة أن إبليس يجري؟

المقدم: يمازج الدم نعم.

يجري مع الدم كما يبيت على الخيشوم، ويبول في الأذن، والله أعلم بحقيقة الحال، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولا ينبغي أن يسترسل الإنسان ويورد.

المقدم: يتكلف.

ويتكلف الأجوبة، لكن من أهل العلم من قال: إنه ورد على سبيل الاستعارة أي أن وسوسته تصل في مسام البدن مثل جري الدم من البدن.

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما ذكرتم، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيكم عنه خيرًا، أيها الأخوة المستمعون الكرام إلى هنا نصل إلى ختام هذه الحلقة، أتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لمعالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير -وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، شكر الله له ولكم، ونلقاكم في حلقة مقبلة بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.