كتاب الوضوء (35)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب بول الصبيان.

 حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: أُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه.

حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأجلسه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب بول الصبيان، الصغار من الذكور ويقال لهم: صبيان، كما أن الصغار من الإناث يقال لهن: صبايا، والصبيان جمع صبي، والصبايا جمع صبية، باب بول الصبيان، يعني ما حكمه؟ والحكم جاء مبينًا في الحديثين في الباب، حيث قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عبد الله بن يوسف" التنيسي، "قال: أخبرنا مالك" ابن أنس، "عن هشام بن عروة" بن الزبير، "عن أبيه" عروة بن الزبير، عن خالته "عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: أُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه".

 أُتي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بصبي، في حديث أم محصن وأنها أتت بابن لها، ليحنِّكَه فأجلسه في حجره فبال، الحكم واحد أنه صبَّ عليه الماء يعني نضح عليه الماء، والصبي الصغير جاء تقييده ووصفه بأنه لم يأكل الطعام، يعني غير اللبن الذي يقتات به، وغير التمر الذي يُحنَّك به، وغير العسل الذي يُعالج به، يعني لا يستقل بأكل الطعام ويكتفي به عن اللبن، والحديث نصٌّ في الصبي الذكر، وقاس بعضهم عليه الأنثى، وطرده بعضهم في قولٍ شاذ في الذكور مطلقًا دون الإناث، هذا قول شاذ يذكر عن بعض الظاهرية.

 على كل حال الحديث نصّ في الصبي، والصبية أكثر أهل العلم على أنها لا تدخل، وقاسها بعضهم على الصبي؛ إذ لا فرق، ومنهم من يقول بوجود الفرق؛ نظرًا إلى ما يفترق به الصبي عن الصبية من كثرة حمل الناس له دونها، جريًا على قاعدة العرب في تفضيل الأبناء على البنات، ومنهم من يقول: إن المشقة في بول الصبي أكثر منها في بول الصبية؛ لأن بول الصبي ينتشر، وتكثر المواضع التي يصل إليها، خلاف الصبية التي يقع بولها في موضع واحد فيسهل غسله.

 على كل حال الحكم أنه إذا بال الصبي الصغير الذي لم يأكل الطعام الذكر من صغار الأولاد فإنه يُنضَح بالماء، يُتبَع الماء، وليست كذلك الصبية، اقتصارًا على ما ورد به النصّ؛ لأنه خلاف الأصل، فالبول نجس بالإجماع، وتطهير النجس معلوم بالنصوص، ما دام خرج على الأصل وصار خلاف الأصل يقتصَر على مورده، ولا يُتعدَّى به إلى غيره.

 اقرأ.

أحسن الله إليك.

 قال الحافظ -رحمه الله-: "قوله: (باب بول الصبيان) بكسر الصاد، ويجوز ضمها جمع صبي: أي ما حكمه؟ وهل يلتحق به بول الصبايا -جمع صبية- أم لا؟ وفي الفرق أحاديث ليست على شرط المصنف: منها حديث علي مرفوعًا في بول الرضيع: ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية. أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه قال قتادة: هذا ما لم يطعما الطعام، وإسناده صحيح".

والحديث صحَّح إسناده ابن حجر، وفيه النصّ على التفريق بين الغلام والجارية.

"ورواه سعيد عن قتادة فوقفه، وليس ذلك بعلة قادحة".

لأنه إذا تعارض الوقف مع الرفع قُدِّم الرفع، الحكم لمن رفع على جادة المتأخرين، وابن حجر معهم في هذا، وإن كان المتقدمون ينظرون إلى القرائن المرجِّحة، وقد يرجحون الرفع، وقد يرجحون الوقف.

طالب:...

 ماذا؟

طالب:...

قال: ورواه سعيد عن قتادة فوقفه.

طالب:...

لا، ابن حجر نظر إلى تعارض الوقف مع الرفع، وأن من رفع معه زيادة علم، فيرجَّح، هذا مذهب المتـأخرين حتى من أهل الحديث، هذا الترجيح بالزيادة مطلقًا سواء كانت رفع أو وصل مرسل وزيادة الثقات مقبولة عندهم مطلقًا، لكن جادة المتقدمين الترجيح بالقرائن.

"ومنها حديث لُبابة بنت الحارث مرفوعًا: «إنما يُغسَل من بول الأنثى، ويُنضَح من بول الذكر» أخرجه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وغيره. ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ: «يُرَش» رواه أبو داود والنسائي، وصحَّحه ابن خزيمة أيضًا".

بمجموعها ترتقي إلى درجة الاحتجاج، وإن كان فيها ما فيها من الكلام.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

الأصل، أين المعارض؟

طالب:...

هذا الأصل.

طالب:...

لا، بعضهم يقول: إن عدول البخاري عن ذكر الفرق الذي ذكره غيره إعلال، لكن هذا ليس بمطرد كما هو معلوم؛ لأن البخاري ما عمَّ الأحاديث الصحيحة، ولم يعُمَّاه، يعني البخاري ومسلم، يعني الصحيح، ولكن قلَّما عند ابن الأخرم منه قد فاتهما، وفيه ما فيه ورُدَّ، وفيه ما فيه ورُدَّ، لكن قال يحيى البرُّ: لم يفت الخمسة إلا النذر، وفيه ما فيه، كناية عن ضعفه، قول الجعفي إلى آخر الكلام.

"قوله: (بصبي) يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس المذكور بعده". نعم يا شيخ!

ابنُ.

"ابنُ أم قيس المذكور بعده، ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين، فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت: بال الحسن -أو الحسين- على بطن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتركه حتى قضى بوله، ثم دعا بماء فصبه عليه. ولأحمد عن ابن ليلى نحوه".

عن أبي.

"ولأحمد عن أبي ليلى نحوه، ورواه الطحاوي من طريقه قال: فجيء بالحسن. ولم يتردد، وكذا للطبراني عن أبي أمامة. وإنما رجحت أنه غيره؛ لأنه عند المصنف في العقيقة من طريق يحيى القطان عن هشام بن عروة: أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بصبي يحنكه، وفي قصته أنه بال على ثوبه، وأما قصة الحسن ففي حديث أبي ليلى وأم سلمة أنه بال على بطنه -صلى الله عليه وسلم-. وفي حديث زينب بنت جحش عند الطبراني أنه جاء وهو يحبو".

يمكن التوفيق بينهما بأنه بال على ثوبه، أو بال على بطنه وهو مستور بالثوب، ما يلزم أن يكون مكشوفًا.

"وفي حديث زينب بنت جحش عند الطبراني أنه جاء وهو يحبو والنبي -صلى الله عليه وسلم- نائم، فصعد على بطنه ووضع ذكره في سترته فبال".

سُرَّته.

طالب: نعم يا شيخّ

في سُرَّته.

"ووضع ذكره في سُرَّتِه فبال".

دل على أنه منكشف.

"فذكر الحديث بتمامه، فظهرت التفرقة بينهما. قوله: (فأتْبعه) بإسكان المثناة أي: أتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البول الذي على الثوب الماءَ يصبه عليه. زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام".

وهو في معنى النضح بحيث لا يغسل الغسل الذي من العادة فيه العصر والفرك.

"زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام: فأتبعه ولم يغسله. ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام: "فصب عليه الماء"، وللطحاوي من طريق زائدة الثقفي عن هشام "فنضحه عليه".

لكن قوله: فأتبعه ولم يغسله مع الرواية التي تنصّ على الصبّ؛ لأنه ليس من مسمى الغسل الفرك، بل مجرد سيلان الماء على الموضع يُسمى غسلًا، ولذلك يقولون: غسله العرق، وغسله المطر، ولم يشترطوا في غسل الأعضاء الدلك، خلافًا لمالك، فلعل الصبّ صبّ شيء يسير، بحيث يكون قريبًا من الرش، ولا يصل إلى الغسل.

 قال -رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي راوي الحديث، قال: أخبرنا مالك وهو شيخه في الحديث السابق، عن ابن شهاب، محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أحد الفقهاء السبعة فقهاء المدينة، عن أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن المذكور في حديث السبعين الألف، أنها أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام، وهذا قيد معتبر عند أهل العلم، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في حَجره، الفتح أشهر، وإن جاز الكسر حِجره.

 فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله هذا تفسير للصبّ، وأنه لا يصل إلى حد أن يسيل الماء ويتردد، كما هو شأن الغسل.

أحسن الله إليك.

 قال الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قوله: (عن أم قيس) قال ابن عبد البر: اسمها جذامة يعني بالجيم والمعجمة، وقال السهيلي: اسمها آمنة، وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي، وكانت من المهاجرات الأول، كما عند مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث، وليس لها في الصحيحين غيره وغير حديث آخر في الطب، وفي كل منهما قصة لابنها، ومات ابنها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صغير، كما رواه النسائي، ولم أقف على تسميته.

 قوله: (لم يأكل الطعام) المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يُحَنك به، والعسل الذي يَلعَقه للمداواة وغيرها".

يُلعَقه، ما يَلعقه بنفسه.

طالب:...

هو يلعقه من نفسه يأخذ ويلعق، أو يُلعَق؟ يُلعَق.

"والعسل الذي يُلعَقه للمداواة وغيرها".

وغيرِها، للمداواة وغيرِها. ليس بغير هذه الأشياء، لا.

"للمداواة وغيرِهِا، فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال، هذا مقتضى كلام النووي في شرح مسلم وشرح المهذب، وأطلق في الروضة -تبعًا لأصلها- أنه لم يطعم ولم يشرب غير اللبن".

الروضة ما أصلها؟

طالب:...

لا، روضة الطالبين للنووي، أصلها شرح الرافعي على الوجيز.

"وأطلق في الروضة -تبعًا لأصلها- أنه لم يطعم ولم يشرب غير اللبن، وقال في نُكَت التنبيه: المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه. وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قوله: "لم يأكل".

قولَه.

"قولَه: "لم يأكل" على ظاهره فقال: معناه لم يستقل بجعل الطعام في فيه. والأول أظهر وبه جزم الموفق بن قدامة وغيره. وقال ابن التين: يحتمل أنها أرادت أنها..".

أنه.

 "يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام، ولم يستغن به عن الرضاع. ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه -صلى الله عليه وسلم-، فيحمل النفي على عمومه، ويؤيد ما تقدَّم أنه للمصنف في العقيقة".

طالب:...

القيود في الأصل أنها معتبرة، لكن إذا عورضت؛ لأن اعتبار القيد إنما هو بمفهومه، فإذا عورضت بمنطوق قُدِّم المنطوق وأُلغي المفهوم.

طالب:...

أين؟

 طالب:...

لا، هو واضح أنه صغير لم يأكل الطعام، ما أكل، لكن لو أعطي شيئًا يسيرًا من الطعام؛ لأن بعض الناس يبادر بإدخال الطعام اللين في فم الطفل، وإن كان رضيعًا ابن يوم أو يومين أو ثلاثة، ويعوِّده على ذلك، لكن ما يُسمى هذا الأكل.

طالب:...

مسألة يشتهيه يعني مثل الطعام اللين نقول مثلًا: الجريش، لو أن امرأة ألعقت ولدها شيئًا منه وصار عادة، هل نقول: إنه استقل بالطعام، أو ما زال رضيعًا؟

طالب:...

 ما زال رضيعًا نعم. كذلك العسل يُلعَق العسل للمداواة، وقد يكون غذاءً وتنشئة على الصلابة، لكنه يضره في أول الأمر، ما يُكثَر منه فلا يكون طعامًا.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

هو لا بد من القيد، إذا أكل الطعام واستقل به.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ذُكر المشقة علة ثانية، لكن هذه علة منصوصة، لم يأكل الطعام.

طالب:...

لا، لا، علة ثانوية ليست بالمنصوصة التي يدور معها الحكم.

طالب:...

 لا لا الكلام على الأصل، الكلام على الأصل، فإذا أكل الرضيع في أيامه الأولى، أعطي طعامًا وابتلعه هذا ما أكل طعامًا، الأصل فيه اللبن، والكبير لو مثل ما يقول بعض الناس: يستمر كم شهرًا ما يأكل إلا عنبًا، أو شهرًا ما يأكل إلا تمرًا، ولا شهرًا ما يشرب إلا لبنًا هذا ما يقال: إنه رضيع.

طالب:...

لا، قد يستقل بالطعام قبل الفطام، قد يأكل الطعام، بعضهم يفطم لسنة، ويكون مستقلاً بالطعام، بعض الأطفال قد تموت أمه وهو صغير جدًّا، فيعاف الرضاعة من غيرها، هذا موجود عند بعض الأطفال، وبعضهم قد يأكل.

طالب:...

 ممكن ممكن، ما المانع؟ إذا ثبت بالتحاليل والمختبرات أنه جسد فهذا من حكم التشريع.

طالب:...

إما أن يأكل بنفسه أو تكون تغذيته عليه، نعم سيأتي الكلام عليه.

"قوله: (فأجلسه) أي وضعه إن قلنا: إنه كان لما ولد".

يعني لا يجلس بنفسه أو لو كان حتى في اليوم الذي يولد فيه ما يمكن أن يجلس.

"ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا: كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن.

قوله: (على ثوبه) أي ثوب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال: المراد به ثوب الصبي، والصواب الأول".

بال على ثوب الصبي؟ الصبي بال على ثوب نفسه؟ هذا كلام ابن شعبان، لكن ليس صحيحًا، حتى لو بال على ثوب نفسه وصل البول إلى ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في حجره.

قوله: (فنضحه)، ولمسلم من طريق الليث عن ابن شهاب: "فلم يزد على أن نضح بالماء" وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب: "فرشه"، زاد أبو عوانة في صحيحه: "عليه". ولا تخالف بين الروايتين -أي بين نَضَح ورَش-؛ لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش، وهو تنقيط الماء، وانتهى إلى النضح، وهو صب الماء".

صبُّ الماء الذي لا يصل إلى الغسل؛ لأن الماء إذا صُبّ، وتردد على الموضع صار غسلاً، نعم.

"ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام: "فدعا بماء فصبه عليه"، ولأبي عوانة: "فصبه على البول يتبعه إياه". قوله: (ولم يغسله) ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث، وأن المرفوع انتهى عند قوله: فنضحه".

يعني مُدرج لتفسير النضح، على هذه الدعوى دعوى الأصيلي.

"قال: وكذلك روى معمر عن ابن شهاب، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال: "فرشه" لم يزد على ذلك. انتهى. وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك، لكنه لم يقل: "ولم يغسله"، وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب، أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم، وهو لمسلم عن يونس وحده. نعم زاد معمر في روايته قال: "قال ابن شهاب: فمضت السنة أن يرش بول الصبي، ويغسل بول الجارية"، فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج، لكنها غيرها فلا إدراج. وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب، وقد ذكرناها عن مسلم وغيره، وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك، والله أعلم".

يعني دعوى الإدراج بمجرد وجود اللفظة في بعض الروايات دون بعض ما يستقيم، ما يستقيم؛ لأن بعضهم يروي الحديث كاملًا، وبعضهم يرويه ناقصًا، وبعضهم ينشط أحيانًا، فيرويه كاملاً، وبعضهم يختصره في حين آخر، فدعوى الإدراج لا تستقيم على هذه الطريقة، اللهم إلا أن يُنَصّ على أنها مدرجة من الأئمة الحفاظ الكبار، الذين جمعوا جميع ألفاظ الخبر، فوجدوا الرواة كلهم اتفقوا على عدم ذكرها، إلا ما يستقلُّ به من عُرِف منه إدراج كالزهري، كثيرًا ما يفصِّل أو يفسِّر في أثناء الحديث أو في آخره.

 وعلى كل حال مثل ما جاء في حديث بدء الوحي، وأنه كان يتحنث فيه وهو التعبُّد هذا مدرج من كلام الزهري؛ لأنه ما جاء عن غيره، كل من روى الحديث عنه، من روي عنه الحديث غير الزهري ما ذكر هذا، وجاء التنصيص عليه ببعض الروايات بيان أنها من كلامه، فإذا وجد في بعض الروايات ما يدل على الإدراج من البيان بأنها مدرجة حكم بإدراجها بلا شك، نعم.

طالب:...

فقط؟

طالب:...

لا، أحيانًا الجمع يكون بالاستقراء التام، وأحيانًا الاستقراء فيه غير تام، يعني الجمع نسبي، بعضهم يقول: جمع فيقف على بعض الطرق ولو كانت كثيرة، لكنه لا يستقصي، وقد يكون في بعض الطرق التي تركها ما يبين المراد ويوضحه.

"وفي هذا الحديث من الفوائد: الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع والرفق بالصغار، وتحنيك المولود".

النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أشرف الخلق وأكمل الخلق وضع هذا الصبي في حجره، وتلطف معه، ومع ذلك بال عليه هذا الصبي، ولم يصدر منه أي تصرف يخلّ بهذا الرفق وهذا التواضع، بخلاف بعض الناس، بعض الناس يصل به الحمق لو بال عليه رمى الصبي رميًا، وتكلم بكلام يدل على نوع من الخفة والسفه والله المستعان.  

"والتبرك بأهل الفضل".

التبرك بأهل الفضل؛ لأنها جاءت به ليحنِّكه، والتحنيك جرت عادة الصحابة أن يأتوا بأطفالهم المواليد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- للتحنيك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- جُعل فيه من البركة ما لا يوجد في غيره، ولذلك لم ينقَل عن أحد منهم أنه جاء بولده أو بنته لأبي بكر ولا لعمر، مما يدل على أن هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان التحنيك لا يقصَد به التبرك وإنما يقصَد به كما يقولون: تقوية اللثة أحيانًا التمر ينفع في تقوية اللثة، فهو مجرَّب، فهذا تحنكه أمه أو يحنكه أبوه وأي شخص، ويحصل به المقصود، ولا يلزم أن يؤتى به لأهل الفضل، والدين والعلم.

طالب:...

ما عنده مشكلة في التبرك.

طالب:...

ماذا فيه؟

طالب:...

على إطلاقه وهو يحتمل الأمرين، لكن ابن حجر في الجملة ما عنده مشكلة في التبرك.

طالب:...

عنده نعم.

"والتبرك بأهل الفضل، وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها".

تعليق الشيخ ابن باز -رحمه الله- بنحو ما قلت، يقول: هذا فيه نظر، والصواب أن ذلك خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يقاس عليه غيره؛ لما جعل الله فيه من البركة، وخصّه به دون غيره، والصحابة -رضي الله عنهم- لم يفعلوا ذلك مع غيره -صلى الله عليه وسلم-، وهم أعلم الناس بالشرع، ووجب التأسي بهم؛ ولأن جواز مثل هذا لغيره -صلى الله عليه وسلم- قد يفضي إلى الشرك، فتنبَّه! ويفضي إلى الغلو، والغلو من وسائل الشرك.

طالب:...

وهذا حاصل، كل ما يصدر منه -عليه الصلاة والسلام- أو يمسه فيه بركة هذا غير مسألة التحنيك، لكن التحنيك فيه قدر زائد، وهو مسألة طبية وهي خاصة بالتمر.

طالب:...

ويدعو لأبيه بعد، هو أولى بالدعاء ليس خاصًّا بالصغار.

طالب:...

ما المانع؟ لتقوية اللثة لا للتبرك.

طالب:...

نعم.

طالب:...

باعتبار أنه ما اقترف ذنبًا، باعتبار أنه ما اقترف ذنبًا، ومظنة للإجابة ما دام ما اقترف ذنبًا نعم.

"وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما، وهو مقصود الباب، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية: أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم".

وابنِ وهب وغيرهم، كلها مجرورة.

"وإسحاق وابنِ وهب وغيرِهم، ورواه الوليد بن مسلم عن مالك، وقال أصحابه هي رواية شاذة. والثاني: يكفي النضح فيهما، وهو مذهب الأوزاعي، وحُكي عن مالك والشافعي، وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شيء أصلاً".

أجوافَهما شيء أصلاً.

"وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل أجوافَهما شيءٌ أصلاً، والثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية والمالكية، قال ابن دقيقٍ العيد: اتَّبَعُوا في ذلك القياس، وقالوا المراد بقولها: "ولم يغسله" أي غسلاً مبالغًا فيه، وهو خلاف الظاهر، ويبعده ما ورد في الأحاديث الأُخَر -يعني التي قدمناها- من التفرقة بين بول الصبي والصبية، فإنهم لا يفرقون بينهما.

 قال: وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه: منها ما هو ركيك، وأقوى ذلك ما قيل: إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث، يعني فحصلت الرخصة في الذكور؛ لكثرة المشقة. واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لا بد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء إلى المحل".

ولذلك يشترطون الدلك في الوضوء وفي الغسل.

"قلتُ: وهو مشكل عليهم؛ لأنهم يدعون أن المراد بالنضح هنا الغسل.

تنبيه: قال الخطابي: ليس تجويز من جوَّزَ النضح من أجل أن بول الصبي غير نجس، ولكنه لتخفيف نجاسته، انتهى".

كما يُنضَح المذي وهو نجس، لكن تكون هذه النجاسة مخففة.

"وأثبت الطحاوي الخلاف فقال: قال قوم بطهارة الصبي قبل الطعام".

بطهارة بول الصبي.

"قال قوم بطهارة بول الصبي قبل الطعام، وكذا جزم به ابن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرُهما".

وغيرِهما.

"وغيرِهما، ولم يُعرَف ذلك عن الشافعية ولا الحنابلة. وقال النووي: هذه حكاية باطلة، انتهى. وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب المذهب أعلم بمراده".

أخذوه من طريق اللازم أنه لم يغسله إذًا هو طاهر، لكن هذا القول ليس بصحيح.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا، قد يكون النضح من أجل تغيير اللون ولا يبقى بقع ولا شيء، لكن مع ذلك هو نجس بالاتفاق، وما نُقل من الخلاف لا يثبت لا عن أحمد ولا عن الشافعي.

"وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب المذهب أعلم بمراده من غيرهم. والله أعلم".

يعني من الشافعية والحنابلة أعلم من ابن عبد البر ومن غيره في هذا الباب، رحم الله الجميع. طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني أتباع أحمد وأتباع الشافعي أعلم بمذهبهم من غيرهم، ولذا في المنهجية العلمية النقل عن الأئمة أو عن عموم أهل العلم أن تكون من كتبهم من مؤلفاتهم، إن أمكن، وإن لم توجد فمن أقرب مؤلف إليه من أتباعه ممن يعرف مذهبه، أما أن أنقل مذهب الحنابلة من كتب الحنفية أو من كتب الشافعية فهذا الكلام ليس بصحيح، وليست منهجية، وكثيرًا ما يحصل الخطأ؛ لأنهم ينقلون من الروايات ما قد يكون غير معتمد في المذهب، قد يكون غير معتمد في المذهب، لأن المذهب فيه روايات، في راجحة ومرجوحة، ورواية عليها العمل، وعند الشافعية أقوال، القديم والجديد، والعمل على الجديد دون القديم، إلا في مسائل، فأهل المذهب أدرى وأعلم بمذاهبهم.

واحد يسأل يقول: هل يوجد درس غدًا؟

إن شاء الله يوجد درس تفسير قائم وما أدري ما سبب التردد، قال: وكذلك الأسبوع القادم وكذلك الأسبوع القادم، الأسبوع القادم إذا كان فيه اختبارات فبدون إحراج لإخواننا الطلاب، وإن كان ما فيه اختبارات فكل مراحل التعليم ما فيها اختبارات، قيام الدروس خير، إن شاء الله.

طالب:...

فيه تعارض وفيه بديل وفيه أشياء لكن الذي ترونه.

طالب:...

أنتم أعرف أنتم أهل الشأن.

يقول: هل التاريخ الصغير للبخاري مطبوع؟ وما أفضل طبعات التاريخ الكبير الموجودة؟ التاريخ الصغير طبع بتحقيق محمود إبراهيم زايد، ثم ترجَّح لدى بعض الباحثين أن هذا هو الأوسط، وليس الصغير، وطُبع بهذا الاسم التاريخ الأوسط، التاريخ الكبير يبقى هو التاريخ الكبير المطبوع في ثمانية مجلدات، ومن استروح إلى أن الصغير المطبوع، الصغير هو الأوسط قال: إن الصغير هو الضعفاء، تاريخ صغير للبخاري فيه كلام على الرواة، وطبع باسم الضعفاء للإمام البخاري، وهذا الكتاب الضعفاء تعقبه ابن أبي حاتم في أربعين ترجمة، فقال: سألت أبي عن فلان، يعني ممن أدخله البخاري في الضعفاء، أربعين ترجمة سألت أبي عن فلان فقال: ينبغي أن يحوَّل، ذكره البخاري في الضعفاء فقال: ينبغي أن يُحوَّل، أربعين ترجمة، يعني يحول أين؟

طالب:...

للثقات؟ سؤال؟

طالب:...

يحول للثقات ما دام ليس ضعيفًا، فأين يروح؟

طالب:...

لأنه قال: سألت أبي فقال: ينبغي أن يُحوَّل، قلت: أتحتج به؟ قال: لا، ماذا تفعل بعد؟

طالب:...

 ماذا؟

طالب:...

هو عند ابن أبي حاتم الصدوق ما يحتج به، ما يحتج بالصدوق.

طالب:...

ماذا يصير؟

طالب:...

بين منزلتين؟

طالب:...

لا، حتى لو قلنا: إنه صدوق مثلاً ينقل من ضعيف إلى صدوق، أبو حاتم ما يحتج بالصدوق.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا يحتج به.

طالب:...

تحتج به؟ قال: لا، حتى قال: سئل عن فلان فقال: صدوق، قال: أتحتج به؟ قال: لا.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

طيب هو ضعيف. صار صعفه محتمَلًا؟ يعتبَر وينجبر حديثه؟

طالب:...

متشدد جدًّا، ما سمحت نفسه للبخاري إلا بصدوق، رحم الله الجميع.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

لا ليس أنه غير ثقة، لا لا حاشا وكلا، المقصود أنه متشدِّد أبو حاتم ولا يزال كلامه مشكِلًا، يحوَّل من الضعفاء، تحتج به؟ قال: لا، وفي مرحلة ومرتبة عند أهل العلم أنهم يكتبون حديث الرجل للاختبار، فيبقى أمره مُرجأً حتى يوجد من يشهد له.

طالب:...

نعم. يبقى للاختبار.

طالب:...

سُرَّته -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:...

طفل يحبو! تظن أنه قاصد هذا الطفل؟ خلاص.

طالب:...

ما فيه شيء، نعم، صحيح أنه في بادئ الأمر وفيما نعيشه من حياة تغير فطر وما أشبه ذلك يكون فيه نوع اتهام لو كان كبيرًا أو شيئًا من هذا، لكن هذا طفل، يضعه كيفما اتفق.

طالب:...

مثل غسل النجاسة، مثل ما تغسل به النجاسة، ما تزول به النجاسة، لكن هل تزول النجاسة بغير الماء؟

طالب:...

محل خلاف.

 اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

طالب:...

ماذا؟

 نعم، قال: ما هي أفضل طبعة؟ هو طبع في الهند مرتين، طبع في الهند مرتين الثانية تمتاز في شيء من التعليقات الزائدة على الأولى، لكن تبقى الأولى هي الأصل. هي الأصل، وهي المشار إليها عند أهل العلم، وهي المبالغ فيها.