شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (154)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

 والحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. إخوتنا وأخواتنا المستمعين الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى لقاء جديد نستكمل وإياكم فيه اللقاء الذي ابتدأناه في الحلقة الماضية في شرح حديث عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في باب التناوب في العلم من كتاب العلم، كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح مع فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لعلكم تتفضلون بإكمال ما تبقى من ألفاظ الحديث الذي ابتدأناه في الحلقة الماضية يا شيخ، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صلَّ وسلم وبارك عليه.

في الحديث يقول: بعد قوله حدث أمر عظيم فدخلت على حفصة "فإذا هي تبكي" (إذا) فجائية، وهي للمفاجأة، وهي مبتدأ، وتبكي خبر "فقلت: طلقكن؟" بدون همز، وفي رواية "أطلقكن" بهمزة الاستفهام "رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قالت حفصة:  لا أدري" أي لا أعلم أنه طلّق.

المقدم: أو لم يطلق.

نعم، هي لا تدري أنه طلق باعتبار أنها لم تسمع من لفظه- عليه الصلاة والسلام-  الطلاق، ولا تستطيع أن تنفي لقوة الإشاعة، ووجود القرينة وهو اعتزال النبي- عليه الصلاة والسلام- فقالت: "لا أدري"، أي لا أعلم أنه طلق ومفعوله محذوف، "ثم دخلتُ على النبي- عليه الصلاة والسلام-"  يعني استأذن مرارًا عمر -رضي الله تعالى عنه -والنبي صلى الله عليه وسلم في المشربة ثم دخل في الأخير، أُذن له، دخل على النبي- عليه الصلاة والسلام-، "يقول: ثم دخلتُ على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقلت: وأنا قائم".

المقدم: أين المشربة هذه يا شيخ؟

المشربة غرفة قريبة من مسجد النبي- عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: تابعة لبيته- عليه الصلاة والسلام-؟

لبيوته، ويأتي الكلام عنها في كتاب المظالم؛ لأن البخاري خرّج هذا حديث في كتاب المظالم يأتي الحديث عن هذا.

"يقول: ثم دخلتُ على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقلت وأنا قائم: يا رسول الله أطلّقت نساءك؟" بهمزة الاستفهام كذا في النونية وفرعها قاله القسطلاني، وقال العيني بحذفها، "قال- عليه الصلاة والسلام-: «لا»، فقلتُ:" ، يقول عمر: عن الأصيلي (قلت) بدون الفاء، "فقلت: الله أكبر" يقول الكرماني: فإن قلت: هذا الكلام في أمثال هذه المقامات يدل على التعجب، فما ذلك ههنا، يقول: قلت: كأن الأنصاري ظن الاعتزال طلاقًا أو ناشئًا عن الطلاق فأخبر عمر بالطلاق بحسب ظنه، ولذا سأل عمر -رضي الله تعالى عنه- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الطلاق، فلما رأى عمر أن صاحبه لم يُصب في ظنه تعجب منهم بلفظ الله أكبر. يعني الأنصاري ظن الطلاق بناءً على الاعتزال.

المقدم: وعمر ظنه.

وعمر أيضًا في قرارة نفسه أن ذلك أمر  وارد عنده لبعض الأمور التي حصلت بين النبي الله- عليه الصلاة والسلام- وبين نسائه من المطالب التي لا يستطيعها، النبي- عليه الصلاة والسلام- حاله معروف عيشه- عليه الصلاة والسلام- لم يبسط البساط على هذه الدنيا، وأيضًا هو عازف عنها على ما سيأتي بعضه إن شاء الله تعالى، فهذه قرائن جعلت النفس تقبل الخبر، وهو مجرد إشاعة في الأصل، ولذا الإشاعات ينبغي أن يتثبت فيها ولا تقال ولا على سبيل الترجي، تترك حتى يتأكد منها، ولا يقال: لعل كذا لعل كذا كما هو سائر الآن في كثير من مجالس الناس، مع الأسف في بعض وسائل الإعلام يعني يبني على إشاعة أو خبر غير ثابت.

المقدم: بعضهم يصل الأمر يا شيخ إلى الحديث عن أعراض الناس بالإشاعات.

 نسأل الله السلامة والعافية، في شرح ابن بطال يقول: الحديث فيه الحرص على طلب العلم، وهذا معروف من التناوب؛ لئلا يفوت شيء، وفيه أن لطالب العلم أن ينظر في معيشته وما يستعين به على طلب العلم، ما الداعي للتناوب؟ لماذا لا ينزل عمر كل يوم؟

المقدم: يومًا ينزل لطلب المعيشة.

نعم لطلب المعيشة في يوم ويوم ينزل لتلقي العلم، وفيه أن لطالب العلم أن ينظر في معيشته وما يستعين به على طلب العلم، لكن يكون هذا مع التوازن، ما يكون هذا على حساب هذا، لكن إذا لم يمكن الجمع، إذا لم يمكن الجمع بالنسبة لطالب علم متميز متأهل اجتمعت فيه أدواته، مثل هذا ينبغي أن يُحرص عليه ويفرّغ لطلب العلم.

المقدم: مسؤولية المجتمع.

بلا شك، مسؤولية بيت المال بالدرجة الأولى مسؤولية..

المقدم: أهل الخير.

أهل الثراء، أهل البذل، أهل الإحسان لا بد من هذا.

المقدم: وهذا حصل في تاريخ الأمة الإسلامية.

نعم معروف الإنفاق على أهل العلم من الأوقاف والأربطة وغيرها معروفة في تاريخ الإسلام.

المقدم: بحيث أنه يُفرغ لطلب العلم.

يفرغ تفرغًا تامًّا.

المقدم: ويُعطى مرتب على طلب العلم.

 بلا شك وليس بكثير هذا، لكن إذا لم يتيسر هذا وأمكن الجمع بين طلب المعيشة يعني بقدر ما يكفيه من غير توسع؛ لأن بعض الناس إذا ذاق طعم الأرباح والمكاسب المادية انصرف عن العلم، وهذا تضييع للنفس لاسيما بعد أن يذوق حلاوة العلم هذا خسارة هذا. فعلى طالب العلم أن يتوازن في هذا الباب وإليه الإشارة بقوله -جل وعلا-: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77] يعني كون الإنسان يجلس عالة يتكفف الناس، يكون فقيرًا يزدريه الناس ويحسنون إليه، هذا ليس  بوارد في المسلم عمومًا فضلاً عن طالب علم، لكن إذا لم يمكن الجمع وطالب العلم هذا أهل لأن يُفرّغ لطلب العلم فهذا من أهم المهمات، وفيه قبول خبر الواحد؛ لأن عمر يقبل خبر..

المقدم: الأنصاري.

الأنصاري، والأنصاري يقبل خبر عمر، يقبل خبر الواحد، لكن إذا تبين أن الخبر الواحد ليس بصحيح.

المقدم: يتأكد منه.

لابد من التأكد، نعم، وفيه أن الصحابة كان يخبر بعضهم بعضًا بما يسمعون من الرسول- صلى الله عليه وسلم-، ويقولون: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويجعلون ذلك كالمُسند، إذ ليس في الصحابة من يكذب ولا غير ثقة، هذا قول طائفة من العلماء، وهو قول من أجاز العمل بالمراسيل، وبه قال أهل المدينة وأهل العراق، يعني أن عمر يقبل قول..

المقدم: الأنصاري.

 الأنصاري، والأنصاري يقبل قول عمر، وقد يُسقط الواسطة الأنصاري يقول: قال رسول الله وهو قد سمع من عمر والعكس، وهذا في الاصطلاح يسمى مرسل صحابي، مرسل صحابي، والمرسل الذي تحدث عنه ابن بطال في الكلام الذي سقناه يقول: ويجعلونه كالمسند؛ إذ ليس في الصحابة من يكذب ولا غير ثقة، هذا قول طائفة من العلماء، وهذا قول من أجاز العمل بالمراسيل وبه قال أهل المدينة وأهل العراق.

المقدم: ويقصد مراسيل الصحابة.

 هذا كلامه منصب على مراسيل الصحابة؛ لأن القصة في مراسيل الصحابة، والكلام عن الصحابة؛ لأنه ليس فيهم من يكذب ولا غير ثقة، لكن الذي قال به أهل المدينة وأهل العراق نعم هو مرسل غير الصحابي، أما قبول مرسل الصحابي فهو قول عامة أهل العلم، بل نُقل عليه الاتفاق، وحُكي الخلاف فيه عن أبي إسحاق الإسفراييني يقول الحافظ العراقي:

أما الذي أرسله الصحابي        فحكمه الوصل على الصواب  

 أما الذي يحتج به أهل المدينة وأهل العراق فهو مراسيل غير الصحابة من التابعين فمن بعدهم، هذه المراسيل هي التي يقبلها أهل المدينة وأهل العراق ويردها غيرهم ولذا يقول الحافظ العراقي: واحتج مالك كذا النُعمان به وتابعوهما ودانوا، أهل المدينة هم إشارة إلى مالك، وأهل العراق إشارة إلى أبي حنيفة، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

 واحتج مالك كذا النُعمان           به وتابعوهما ودانوا

 يعني مراسيل غير الصحابة

     مرفوع تابع على المشهور      مرسل أو قيده بالكبير

ولما قال:

ورده جماهر النقاد                  للجهل بالساقط بالإسناد  

وصاحب التمهيد عنهم نقله      ومسلم صدر الكتاب أصّله  

 فالخلاف في مراسيل غير الصحابة، أما مراسيل الصحابة فالخلاف لا يكاد يُذكر فقبوله قول عامة أهل العلم، يقول العيني وقبله الكرماني: فيه جواز ضرب الباب ودقه، يعني بلا نكير فكيف يستأذن إلا من خلال جواز..

المقدم: ضرب الباب

نعم، بلا شك يعني لو لم يمكن ضرب الباب فلا استئذان، اللهم إلا لو كان الناس بيوتهم في العهد السابق مثلًا بيوت صغيرة وتجد قرب الباب من يسمع الكلام لو تكلم الشخص، ودخول الآباء على البنات؛ لأن عمر دخل على ..

المقدم: حفصة.

حفصة بغير إذن أزواجهن، ما ذهب يستأذن من النبي- عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: ليدخل على ابنته.

بلا شك نعم ودخول الآباء على البنات بغير إذن أزواجهن؛ لأن عمر لم يذهب ليستأذن من النبي- عليه الصلاة والسلام- قبل أن يدخل على حفصة، وبيوت الأبناء والبنات مثلهم مثل هذا لا يحتاج إلى استئذان، اللهم إلا لو كان الزوج يكره دخول الأب، فإنه حينئذ الحكم يختلف، لكن الأصل أن الابن ومثله البنت بضعة منه، ولذا في آية الأكل من البيوت.

المقدم: {تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ}.

{مِنْ بُيُوتِكُمْ}.

المقدم: {أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ}.

{أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ}.

المقدم: {أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ}.

{أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ}.

المقدم: {أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [سورة النور:62].

طيب لم يذكر الأبناء ولا البنات لماذا؟ لأنهم داخلون في بيوت النفس {مِنْ بُيُوتِكُمْ} ويدخل في ذلك...

المقدم: بيت الابن.

بيت الابن وبيت البنت؛ لأن الابن وما يملك.

المقدم: لأبيه.

لأبيه، وكذلك البنت، اللهم إلا إذا وجد منازعة بين الأب والزوج، فلا شك أن أمر الزوج مقدم في مثل هذه الحالة، وإلا فالأصل أن بيت الابن بيت وبيت البنت بيت، ولذا لم يذكر لا بيوت الأبناء ولا بيوت البنات، كما ذُكر بيوت الآباء والأمهات لا بد من الاستئذان؛ لأنها ليست خالصة لهم، بخلاف بيته وبيت ولده وبنته، بغير إذن أزواجهن، والتفتيش عن الأحوال لاسيما ما يتعلق بالمزاوجة، يسأل عن حال بنته وكيف علاقتها بزوجها؟ وكيف علاقة زوجها بها؟ ويحثها على المعاشرة بالمعروف وعلى احترام الزوج وعلى تقديره وأداء جميع حقوقه، بلا شك هذا مطلوب، يقول الكرماني: وفيه السؤال قائمًا، فيه السؤال قائمًا؛ لأنه سأل النبي- عليه الصلاة والسلام- وهو قائم لم يجلس.

 المقدم: قال وأنا قائم، «قلت وأنا قائم: أطلقت نساءك«؟

  بلا شك نعم، فسأله وهو قائم، وفيه التناوب في العلم والاشتغال به، وهذا هو ما ترجم به وله، يقول ابن حجر: وفيه أن من شرط التواتر أن يكون مستندًا نقلته الأمر المحسوس لا الإشاعة التي لا يُدرى من بدأ بها؛ لأنه قد يصدر خبر لا أساس له، لا أساس له من الصحة يختلقه شخص ثم يتلقف، يقوله في مجلس هذا المجلس كل واحد من أفراده يشيعه في مجلس وهكذا، ثم يكثر ناقلوه.

المقدم: يصبح الخبر الكبير، نعم.

 لكنه لم يستند إلى أصل يمكن الاعتماد عليه، فينتبه لهذه الإشاعات، وكثرت الإشاعات في الظروف التي نعيشها، وكثير منها مصدره من الأعداء الذين يريدون الوقيعة بالمسلمين، وكتب بعضهم فيما بلغني أثر الإشاعة في المجتمع، وجعل له وسيلة تجعل هذا الخبر من الأخبار تبناه ينتشر بطريقة واسعة جدًّا، فوجد أن الإشاعات لها أناس، لكن الشرع وأمور العلم وما يتعلق بها لا تبن على مثل هذا، فضلاً على أن يرتب على ذلك أحكامًا، يرتب على ذلك أحكامًا قد تبنى بعض الأحكام على ظنون فضلاً عن إشاعات، يعني يتوقع أن فلانًا يقول كذا، أو يقال مثلاً لعل فلان ذكر كذا، ثم في مجلس آخر يحذف حرف الترجي ثم يصير.

المقدم: تأكيد.

 على سبيل الجزم، وهذا مع الأسف قد يوجد عند بعض الناس.

المقدم: يدخل في هذا يا شيخ من ينقل الإشاعات يدخل في حديث «كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سُمع».

 نعم دخولاً أوليًّا هذا يُحدث بكل ما سمع، لكن على الإنسان أن يتحرى ويتثبت إذا جاء من جاء بالخبر يُنظر من حاله هل هو ثقة يقُبل خبره؟ وثقة عمن؟ يُسأل ما فيه إشكال، من خبّرك بهذا عله أن يكون سمعه من غير ثقة، أو يكون سمعه من مجرد إشاعة أو ممن لا يعتمد على خبره، أما إذا جاء بالخبر غير ثقة فلابد من التثبت.

 المقدم: بعضهم على الإنترنت يا شيخ، يعني ينقله مكتوبًا في الإنترنت مع كل أسف ثم يُشيع به.

 يعني عن مجاهيل لا يُدرى من هم، لا لا المجهول لا يمكن أن يعتمد خبره، والجهالة ضرب من الجرح عند أهل العلم، ذُكرت في مراتب التجريح، فالمجهول لا يُقبل خبره أيضًا، لا يُقبل الخبر إلا عن عدل مرضي، فالذي لا تُعرف عينه لا يُقبل خبره، فضلاً عمن لا تُعرف عدالته وثقته وضبطه.

 المقدم: بعض الناس يتعامل مع الرسائل الجوال يا شيخ- أحسن الله إليك- فبمجرد أن تصله رسالة إما فيها خبر معين أو قدح في شخص معين أو في جهة معينة يقوم هو بإرسالها أيضًا مرة أخرى لأشخاص آخرين.

هذا إن كانت الرسالة فيها شيء من الزور، والكذب، والبهتان شارك صاحبها في إشاعته، وعليه أن يتثبت ويتبين الأمر، هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في عشرة مواضع: الحديث خرجه الإمام البخاري في عشرة مواضع الأول هنا في كتاب العلم في باب التناوب في العلم يقول الإمام البخاري- رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو اليمان اسمه إيش؟ أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، الإمام محمد بن مسلم بن شهاب حاء وهذه حاء التحويل، حاء قال أبو عبد الله من؟ البخاري وقال ابن وهب، هذا إيش؟

المقدم.... :

 تعليق لا لا ليس بشيخه، تعليق وقال ابن وهب: أخبرنا يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن عبد الله بن عباس عن عمر- رضي الله عنه- قال: «كنت أنا وجار لي من الأنصار» فذكر الحديث، تقدم ذكر المناسبة والربط بين الحديث والباب والباب مع كتاب العلم  قول البخاري وقال: ابن وهب هذا التعليق وصله ابن حبان في صحيحه، وليس فيه محل الشاهد، وإنما وقع ذلك في رواية شعيب وحده عن الزهري، نص على ذلك الذهلي والدارقطني والحاكم وغيرهم قاله الحافظ، الآن البخاري يروي الحديث من طريق أولاً عن عمر، وعن عمر عن ابن عباس، عن عمر يرويه ابن عباس، وعن ابن عباس يرويه عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور وعنه ابن شهاب، الذي هو الزهري في الطريق الأول يرويه عن ابن شهاب كل من شعيب ويونس، الآن اللفظ الذي فيه الشاهد إنما وقع في رواية شعيب وحده، والبخاري -رحمه الله تعالى- إذا روى الحديث من طريق اثنين، وهذه فائدة مهمة جدًّا إذا روى البخاري الحديث من طريق اثنين فاللفظ للآخر منهما، اللفظ للآخر منهما عندنا الطريق الأول طريق شعيب، والثاني طريق يونس، كلاهما عن الزهري.

 المقدم: واللفظ لشعيب.

 واللفظ لشعيب الذي هو إيش الأول أم الثاني؟

المقدم: الأول

الأول، القاعدة تقول ظهر بالاستقراء، يقول ابن حجر: ظهر بالاستقراء من صنيع الإمام البخاري أنه إذا روى حديثًا من طريق اثنين أن اللفظ للآخر منهما، وهنا يخرم القاعدة أم ما يخرمها؟

المقدم: يخرم.

يخرم القاعدة إلا على قول بعضهم إن القاعدة إنما تنصب إذا رواه عن اثنين من شيوخه، عن شيخين من شيوخه، لا يكون الاثنان في أثناء السند، لكن من لازم هذا أيضًا من لازم السياق الذي معنا شيخه في الطريق الأول أبو اليمان، وشيخه في الطريق الثاني محذوف، محذوف، والواسطة بينه وبين ابن وهب محذوفة،  فاللفظ للأول منهما وليس للثاني، للموجود الذي هو أبو اليمان، وليس للثاني الذي هو الواسطة بينه وبين ابن وهب، وعلى كل حال فالقاعدة أغلبية وليست كلية، وعندنا أمثلة خرجت عن هذه القاعدة.

 الموضع الثاني: في كتاب المظالم، باب الغرفة والعليّة المشرفة، باب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة في السطوح وغيرها، يقول الإمام البخاري- رحمه الله تعالى-: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- عن المرأتين من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- اللتين قال الله لهما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم:4] فحججت معه فعدل  فعدلت معه"،  يعني عدلا معًا عن الطريق  "فعدلت معه بالإداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ"،  تحين فرصة يسأل عمر، يعني هذا من احترام الأكابر، يعني هذا أدب جم من ابن عباس مع الأكابر، ومع الأسف تجد من يتطاول على الكبار سواء كان بحضورهم أو بغيبتهم، هذا مؤذن حقيقة بشر وليس علامة خير أن يتطاول الصغار على الكبار، فذكر الحديث مطولًا جدًّا، وفيه أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- قد اعتزل النساء في مشربة له، والمشربة: الغرفة العالية، وهذا الشاهد من الحديث للترجمة، الكتاب كتاب المظالم، وباب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة في السطوح وغيرها، هذا هو الشاهد من حديث الترجمة، وإذا جاز اتخاذ الغرفة العالية جاز اتخاذ غير العالية من باب أولى؛ لأنه قال: المشرفة وغير المشرفة يعني العالية وغير العالية من باب الأولى، ما المناسبة لكتاب المظالم؟ المناسبة لكتاب المظالم لأن العلو على الجيران لا يسلم من ظلم وتعدٍّ؛ لأنه يُشرف على عورات المنازل، فإذا انتفت هذه المفسدة جاز ذلك، لا مانع أن يتخذ الإنسان غرفة فوق.

المقدم: السطح.

فوق ولتكن فوق خزان مثلاً أعلى شيء، ما المانع؟ لكن بحيث لا يصير من خلالها منافذ يطلع منها على الجيران، أما إذا كان هناك أدنى ضرر للجيران فلا يجوز، ولذا أدخل البخاري هذا الحديث في كتاب المظالم، ولذا أدخل البخاري هذا الحديث في كتاب المظالم، ويحصل مظالم كثيرة بين الجيران ومن جراء ذلك وما عمت به البلوى من طريقة بناء البيوت الآن في الطريقة الحديثة يصعب التحرز من مثل هذا، اللهم إلا بسواتر عالية جدًّا تمنع الهواء وتمنع الشمس وتمنع..

المقدم: وهذا فيه مفسدة.

 وهذا فيه مفاسد، لكن مثل هذا لا بد أن يُعالج، لا بد أن يعالج، وكانت بيوت المسلمين مستورة، يعني نوافذها كلها إلى جوف البيت لا إلى خارجه، ولهذا لابد من إعادة النظر في تصميم البيوت المناسبة لوضع المسلمين، وعلى كل حال إذا انتفت هذه المفاسد جاز، جاز الأمر، ولذا تجد بعض الأحياء يُفسح فيها بدورين، وبعضها يُفسح فيها بثلاثة أدوار، وبعضها أكثر، وبعضها أقل؛ نظرًا لهذه المحاذير، يعني نظرًا لهذه المحاذير، وعلى كل حال على من ولّاه الأمر في هذه أن يتقي الله في عورات المسلمين، وأن يكون عونًا للمسلمين على الابتعاد عن مثل هذه الأمور، لذا كثير من الناس يتأذى من الخروج إلى فناء بيتهم من أجل هذا، وبعض الناس -هداهم الله- تجد ما عندهم من احترام الناس ومشاعر الناس ومراعاة عورات الناس ما  يجعله لا يتطلع أحيانًا، وقد يوجد بعض الشباب وبعض المراهقين من يقصد بعض هذه الأمور، وهذا موجود على مر العصور، يعني ليس في عصرنا أو في بلدنا، لا، هذا موجود في كل مكان، لكن على الإنسان أن يحتاط لنفسه.

 وعلى من ولاه الله الأمر أن يُعنى بمثل هذه الأمور فلا يُعرض عورات المسلمين لاطلاع بعضهم على بعض، يعني إذا وجد هذا عند غيرنا الذين لا يتدينون بدين، ولا يغارون على أعراض هذا عندهم الأمر فيه سعة، يعني ما بعد الكفر ذنب، لكن ببلاد المسلمين ينبغي أن يُلاحظ مثل هذا، والمسؤولون عمومًا يقدرون مثل هذه الأمور، ويلزمون بالحواجز، ويقيمون السواتر، ولا يأذنون بأدوار أكثر من الأدوار التي يسمح بها الحي، لكن مع ذلك...

 المقدم: تبقى المسؤولية الفردية.

  تبقى المسؤولية الفردية، وأيضًا إنَّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، أحيانًا بعض الأفراد ما يراعون مثل هذه الأمور، فعلى ولي الأمر، من ولاه الله الأمر، ومن وكل إليه ولي الأمر هذا الأمر من المسؤولين أن يُعني بهذه المسائل، ونجد -ولله الحمد- الحرص والتجاوب من المسؤولين هذا أمر مفروغ منه، يعني لو قُدم أدنى شكوى من شخص بادروا إلى الإنكار عليه وإلزامه بما يردعه والله المستعان.

المقدم: أحسن الله إليكم، نستأذنك فضيلة الدكتور أن نعد المستمع باستكمال أطراف الحديث في حلقة قادمة لانتهاء هذه الحلقة بإذن الله مستمعينا الكرام بقي معنا أطراف هذا الحديث، حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، نعدكم بأن تكون هي موضوع الحلقة القادمة أو بداية الحلقة القادمة بإذن الله، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.