كتاب الوضوء (36)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا عنده اقتراح، أتصور أن هذا الاقتراح بعد أن نقرأه، يعيق عن السير وهو يقول: من أجل أن ننجز.

يقول: أقترح أن نسير على طريقة مناسبة لننجز الكتاب الصحيح، وذلك بأن يجمع طرق أحاديث الباب في الموضع الأول منه، ويشرح كما في طريقتكم بالتجريد، وإن أضيف إليها رواية مسلم، وإن قرئ شرح ابن حجر فلا مانع، أحسب بهذه الطريقة سننجز شيئًا كثيرًا. انظر نجمع طرق الحديث ونتكلم عليها مثل ما في التجريد، التجريد طويل جدًّا يعني في حديث واحد وإن كان معه طرقه، لكن نجلس أشهرًا، لكن ما أدري والله إذا كانت، هو يقول أيضًا: لأنه خلال سنة إلا قليلاً سنة إلا شهرين، ثلاثة أشهر لم يشرَح سوى سبع وخمسين حديثًا.

الله يبشرك بالخير كنت أحسبه خمسين حديثًا، لا، جمع الطرق يحتاج إلى جهود ما هي بجهد واحد.

طالب:...

من يتكلم؟

طالب:...

جمع طرق نعم، وهي بالبداية القديمة، وأخذنا في بدء الوحي سبعة أحاديث مائة وعشرة دروس، مائة وعشر ساعات.

طالب:...

سبعة أحاديث بدء الوحي، وبعضها ما يحتاج شيئًا، أخذنا مائة وعشر ساعات، المسألة جمع الطرق يحتاج إلى تعب، يحتاج إلى وقت وجهد، نعم لو أن الدرس يومي، وبعد صلاة الفجر ثلاث ساعات، أربع ساعات يمكن أن نمشي.

طالب:...

 لا، طيب الآن سبعة وخمسون حديثًا خلال عشرة أشهر أو عشرة ونصف، لكن إكمال الكتب المطولة ميئوس منه، اللهم إلا لو أردنا أن نقتصر على المتون، يعني البخاري فقط متن ويعلَّق عليه بدون شرح، ولا شك.

طالب:...

مثل مسلم على السابق، نعم.

طالب:...

مثل مسلم والترمذي وأبي داود، كلها على هذه الطريقة، والبخاري سابقًا قرئ أكثر من مرة بهذه الطريقة، على كل حال كان على يأس من التكميل، إلا أن يسر الله أوقات وأيضًا ودورات، أو ننتقل إلى المتن بدل الشرح، وسوف تقل الفائدة جدًّا؛ لأن الشرح مشحون بالفوائد، ومجال التعليق عليه في الشرح أكثر مما في المتن.

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا وارفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا واغفر لنا ولشيخنا.

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب البول قائمًا وقاعدًا.

 حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائمًا ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب البول قائمًا وقاعدًا، باب البول قائمًا، يعني جواز ذلك، ودليله حديث الباب، وقد اتفق على تخريجه السبعة، حديث حذيفة البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد في المسند، باب البول قائمًا دليله معروف انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى سباطة قوم زبالة أو مزبلة، فبال قائمًا، الحديث نصّ في فعله -عليه الصلاة والسلام-، مما يدل على جوازه، وقاعدًا ما في الباب ما يدل على جواز البول من قعود إلا أنه من باب الأولى، أنه من باب الأولى، فإذا جاز البول قائمًا فالقاعد من باب أولى.

 قال -رحمه الله-: "حدثنا آدم" وهو ابن أبي إياس ابن أخت مالك صح؟

طالب:...

ابن أخت مالك بن أنس، قال: "حدثنا شعبة" وهو ابن الحجاج "عن الأعمش عن أبي وائل" عن الأعمش عن أبي وائل والأعمش كما هو معلوم مدلس، ويروي بالعنعنة عن أبي وائل شقيق بن سلمة، وجاء في بعض الطرق التصريح، في بعضها عن الأعمش قال: سمعت أبا وائل، في بعضها حدثني أبو وائل، ولو لم يرد التصريح فمعنعن عنعنة المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال، والحديث من رواية شعبة عن الأعمش وشعبة لا يروي عن المدلسين إلا ما ثبت سماعهم له، عن أبي وائل شقيق بن سلمة "عن حذيفة بن اليمان قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائمًا"، السباطة المزبلة، وهي ما يلقى فيها القمامة، والزِّبل، فبال قائمًا؛ مما يدل على جواز ذلك، ويشترط أهل العلم لجواز البول قائمًا أن يأمن الرشاش، لا يرتد عليه البول، وأن يستتر، لا بد من هذين الشرطين بال قائمًا، زبالة قوم وسباطة قوم ألا يحتاج هذا الأمر للاستئذان منهم؟

طالب:...

نعم، في الطريق، ليست في بيت ولا في فناء، إنما هي فيه.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لكنها أضيفت لهم إضافة اختصاص؛ لأن السباطة لا تخلو من نجاسة، والنجاسة لا تملَك، فهي ليست إضافة ملك، وإنما هي إضافة اختصاص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يستأذن منهم، وذكر الشراح أسبابًا منها ما ذكرنا أنها لا تملَك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بهم من أنفسهم، فكيف بأموالهم؟ ومنهم من يقول: إن هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن كل مسلم يتشرف أن يقدم أدنى أي خدمة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، على كل حال هذا ذكره الشراح وإلا ما ينبغي أن يذكر؛ لأنه سهل، يعني ما يحتاج إلى ذكر.

طالب:...

طلعته أنت؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ابن أخت مالك إسماعيل، هذا آدم غيره، المقصود أنه بال قائمًا. وبعض العلماء استنادًا إلى نفي عائشة، وأنه ما بال قائمًا منذ أن نزل عليه القرآن قالوا: هذا على حد علمها، يعني على حد علمها، وعلم حذيفة ما خفي عليها، وعلم حذيفة ما خفي عليها، والحديث لا مجال للكلام فيه، فإنه في الصحيحين وغيرهما، ومنهم من يعتذر عن بوله قائمًا، وأن الأصل البول من قعود أولاً: فعله -عليه الصلاة والسلام- إنما هو لبيان الجواز، والأصل القعود، وإن كانوا يقولون: إن عادة العرب البول من قيام، وأنهم ينسبون البول من قعود للنساء، لا للرجال، وقالوا: إنه فعل ذلك لوجع كان بمأبضه، والمـأبض باطن الركبة، "ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ"، من حذيفة، يأتي في طرق الحديث ما سيأتي في الروايات أنه ذهب ليبعد عنه، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدنو، حتى كان عند قدميه، وهذا سيشير إليه الشارح على ما سيأتي.

قال الحافظ -رحمه الله-: "قوله: (باب البول قائما وقاعدا) قال ابن بطال: دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى؛ لأنه إذا جاز قائمًا فقاعدًا أجوز.

قلت: ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما فإن فيه: "بال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة"، وحكى ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال: كان من شأن العرب البول قائمًا، ألا تراه يقول في حديث عبد الرحمن بن حسنة: "قعد يبول كما تبول المرأة" انتهى.

وقال في حديث حذيفة: "قام كما يقوم أحدكم"، ودلَّ حديث عبد الرحمن المذكور على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخالفهم في ذلك فيقعد؛ لكونه أستر وأبعد من مماسة البول، وهو حديث صحيح صححه الدارقطني وغيره، ويدل عليه حديث عائشة قالت: "ما بال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائمًا منذ أنزل عليه القرآن" رواه أبو عوانة في صحيحه والحاكم. قوله: (عن أبي وائل) ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن الأعمش أنه سمع أبا وائل".

هنا وقع التصريح بالسماع.

"ولأحمد عن يحيى القطان عن الأعمش حدثني أبو وائل.

قوله: (سباطة قوم) بضم المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقًا لأهلها، وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل، وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك؛ لأنها لا تخلو عن النجاسة، وبهذا يندفع إيراد من استشكله لكون البول يوهي الجدار ففيه إضرار، أو نقول: إنما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار، وهو صريح في رواية أبي عوانة في صحيحه، وقيل: يَحتمل أن يكون عَلِمَ إذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره، أو لكونه مما يَتسامح الناس به، أو لعلمه بإيثارهم إياه بذلك، أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره؛ لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم، وهذا وإن كان صحيحَ المعنى لم يكن يعهد ذلك".

لكن.

"لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-".

لأنه لم يعهد من حاله -عليه الصلاة والسلام- أنه يتصرف في أموال أصحابه، لم يعهد عنه أنه يفعل ذلك، بل عُهِد عنه ضد ذلك، وفي القرض أو في الدين يستدين من يهودي، ولا يستدين من مسلم، خشية أن يحرجه، خشية أن يحرجه، المسلم لا ترضى نفسه أن يقرض النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن اقترض النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن الدين استدان من يهودي، وأرهنه دِرعه خشية أن يحرج الصحابة وإلا في الصحابة من يستطيع من عنده فائض من الأموال، يقضي حاجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن كريم خلقه -عليه الصلاة والسلام- يأبى ذلك؛ لئلا يحرج أمته، -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:...

مملوكة، لكن البول في السباطة ما يصل إلى الأرض، لكن الكلام في أصل الجدار، ولا يلزم من ذلك أن يصل إلى أصل الجدار، ليس من لازم البول أن يصل في السباطة إلى أصل الجدار.

"قوله: (ثم دعا بماء) زاد مسلم وغيره من طرق عن الأعمش: "فتنحيت فقال: «ادنه» فدنوت حتى قمت عند عقبيه" وفي رواية أحمد عن يحيى القطان: "أتى سباطة قوم فتباعدت منه فأدناني، حتى صرت قريبًا من عقبيه فبال قائمًا، ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه"، وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين، وهو ثابت أيضًا عند الإسماعيلي وغيره من طرق عن شعبة عن الأعمش، وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش أن ذلك كان بالمدينة، أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بإسناد صحيح، وزعم في الاستذكار أن عيسى تفرد به، وليس كذلك، فقد رواه البيهقي من طريق محمد بن طلحة بن مُصَرِّف عن الأعمش كذلك، وله شاهد من حديث عصمة بن مالك سنذكره بعد.

 واستُدِلَ به على جواز المسح في الحضر، وهو ظاهر، ولعل البخاري اختصره؛ لتفرد الأعمش به، فقد روى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصمًا رواه له عن أبي وائل عن المغيرة: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى سباطة قوم فبال قائمًا" قال عاصم: وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه، يعني أن روايته هي الصواب. قال شعبة: فسألت عنه منصورًا فحدَّثنيه عن أبي وائل عن حذيفة، يعني كما قال الأعمش، لكن لم يذكر فيه المسح، فقد وافق منصورٌ الأعمش على قوله عن حذيفة دون الزيادة، ولم يلتفت مسلم إلى هذه العلة، بل ذكرها في حديث الأعمش؛ لأنها زيادة من حافظ".

مثل هذا مما يختلف فيه المتقدمون في مثل هذه الزيادة، البخاري لم يذكر هذه الزيادة؛ لأن منصورًا والأعمش أحفظ من غيرهما، فاعتمد على روايتهما، ومسلم أثبت الزيادة؛ لأنها زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، وليس هذا الكلام على إطلاقه عند الأئمة، بل القبول لما تؤيده القرائن.

"وقال الترمذي".  

يعني لا هذا قول، ولا هذا قول، وسط بينهما قضية قبول الزيادة.

لا لا لا، لا القبول مطلقًا ولا الرد مطلقًا.

"وقال الترمذي: حديث أبي وائل عن حذيفة أصح، يعني حديثه عن المغيرة وهو كما قال، وإن جنحَ ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين؛ لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصمًا على قوله عن المغيرة، فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما، فيصح القولان معًا، لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور لاتفاقهما أصح من رواية عاصم وحماد؛ لكونهما في حفظهما مقال".

 والترجيح هو طريقة الأئمة الكبار، الذين حفظوا من الطرق والأحاديث ما يترجح به لديهم الراجح من غيره، أما من يعتمد على القواعد غير مستندٍ إلى حفظ كبير فإن مثل هذا يمشي على قواعده، ويمشي على القواعد، فيرجح ما ترجحه القواعد، ونقل الاتفاق كما عند البيهقي وغيره على قبول زيادة الثقة، وهذه على طريقة المتأخرين، ليست على طريقة الأئمة،

 واقبل زيادات الثقات منهم             ومن سواهم فعليه المعظم

طالب:...

نعم، ما الإشكال؟ لكن يجيئك واحد بعيد كل البعد عن طريقتهم ومسلكهم، ويحفظ هذه القواعد ويطبقها، ومن أراد أن يعرف دقة مسالكهم، وعدم توفيق كثير من الباحثين الذين يخرجون الأحاديث، ويحكمون على ضوء قواعد المتأخرين فلينظر إلى حديث: «لا نكاح إلا بولي» البخاري رجَّح الوصل، وكثير من أهل العلم رجحوا الإرسال؛ لأن الإرسال من رواية شعبة وسفيان، ومن يرجح على شعبة وسفيان؟ لكن لماذا رجح البخاري رواية غير شعبة وسفيان؟ طالب:...

ماذا؟

طالب:...

هل يُرجَّح على شعبة وسفيان؟

طالب:...

ومع كون من رواها كالجبلي، الترمذي أشار إشارة لا يدركها إلا من كان بمنزلتهم في الحفظ والضبط والإتقان، قال: والبخاري رجح رواية غير شعبة وسفيان؛ لأنهما روياه في مجلسٍ واحد، فكانا كالراوي الواحد، نحن ندرك مثل هذا؟

طالب:...

 لا والله..

طالب:...

نعم، أنا أقول لك هم عندهم مثل ما تنقل عن الذي عندك وأمامك وقريبكم ومعارفكم وما في داخل بيتك، يعني أنت بالمشاهدة، والمعاصرة والرؤية والمداولة، وكثرة التردد مثلك، عارف الراوي الفلاني؛ لأنه جاره، أنت بينك وبينه مئات السنين، ما تعرف عنه إلا ما ذُكِر عنه، ولذلك يضطرب كثير من أهل العلم بسبب هذا في الحكم على رواية الراوي بسبب خفاء حاله، لذلك ضعَّف ابن حزم حديثًا من رواية المنهال بن عمرو، وقال: ضعّفه شعبة، طيب لماذا ضعّفه شعبة؟ ضعّفه شعبة؛ لأنه سُمِع من بيته صوت الطمبور، هذا يؤثر عندك يا ابن حزم في تضعفيه أم ما يؤثر؟ ما يؤثر عندك.

قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط.

 حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن حذيفة قال: رأيتني أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه فأشار إليَّ فجئته، فقمت عند عقبه حتى فرغ".

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: باب البول عند صاحبه. يعني قريبًا منه، وأما بالنسبة للحدث الثاني الذي هو الغائط فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يبعد إذا أراد المذهب أبعد، والبول أمره سهل؛ لأنه لا رائحة له، ولا يلزم منه مثل ما يلزم عند الحدث الثاني، فيبول النبي -عليه الصلاة والسلام- عند صاحبه، وقريبًا منه، مع الاستتار، ولا يلزم من الانكشاف في البول مثل ما يلزم من الانكشاف عند الغائط، والتستر بالحائط، وهذا الواقع، استقبل الحائط واستدبر حذيفة فبال -عليه الصلاة والسلام-.

 قوله: قال -رحمه الله-: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير" وهو ابن عبد الحميد الضّبي، "عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن حذيفة، قال: رأيتني" رأيتني، الفاعل والمفعول واحد يجيء أم ما يجيء؟ لأن الفاعل من وقع منه الفعل، والمفعول من وقع عليه، ولا مانع أن يرى الإنسان نفسه فيكون هو الرائي وهو المرئي، رأيتني أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم-، "رأيتني أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- نتماشى" يعني نمشي مع بعض، نتماشى نتفاعل، التفاعل يكون من الطرفين، كل واحد يمشي مع الثاني، "فأتى سباطة قوم" تقدم الكلام فيه، خلف حائط وهذا الشاهد لقوله: والتستر بالحائط، "فقام كما يقوم أحدكم" مما يدل على أن الأصل في البول عند الرجال من قيام كما يقوم أحدكم، فبال -عليه الصلاة والسلام-، "فانتبذت منه" أخذت منه نبذة يعني أبعدت عنه، يعني مثل ما ينبذ الشيء فيبعِد، الشيء المنبوذ المرمي فيه بعد.

طالب:...

{انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} [سورة مريم: 16] "فأشار إليَّ أن ادنه" كما صُرِّح به في بعض الروايات، "فجئته" يعني قربت منه، "وقمت عند عقبه" قريبًا جدًّا حتى فرغ من بوله -عليه الصلاة والسلام-.

قال الحافظ -رحمه الله-: "قوله: (باب البول عند صاحبه) أي صاحب البائل. قوله: (جرير) هو ابن عبد الحميد ومنصور وهو ابن المعتمر. قوله: (رأيتني) بضم المثناة من فوق، قوله: (فانتبذت) بالنون والذال المعجمة أي تنحيت".

ما قال: المعجمتين بالنون والذال المعجمة.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني ما تلتبس، النون ما تلتبس، فإذا قيل بالنون ما يحتاج أن يقال: معجمة، والذال تلتبس بالدال، لا بد أن يقال: معجمة.

"يقال: جلس فلان نبذة بفتح النون وضمها أي ناحية. قوله: (فأشار إلي) يدل على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه. وإنما صنع ذلك ليجمع بين المصلحتين: عدم مشاهدته في تلك الحال وسماع ندائه".

الحال أم الحالة؟

"ليجمع بين المصلحتين: عدم مشاهدته في تلك الحالة، وسماع ندائه لو كانت له حاجة، أو رؤية إشارته إذا أشار له وهو مستدبره. وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول؛ لأن هذه الرواية بيَّنت أن قوله في رواية مسلم «ادنه» كان بالإشارة لا باللفظ، وأما مخالفته- صلى الله عليه وسلم- لما عرف من عادته من الإبعاد عند قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة، وعن أعين النظارة فقد قيل فيه: إنه -صلى الله عليه وسلم- كان مشغولاً بمصالح المسلمين، فلعله طال عليه المجلس فاحتاج إلى البول فلو أبعد لتضرر، واستدنى حذيفة ليستُرُه".

ليسترَه.

"ليسترَه من خلفه من رؤية من لعله يمر به، وكان قدامه مستورًا بالحائط، أو لعله فعله لبيان الجواز. ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف، ولما يقترن به من الرائحة. والغرض من الإبعاد التستُّر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر. وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال: «يا حذيفة استرني»" فذكر الحديث. وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة، وكان حذيفة لما وقف خلفه عند عقبه استدبره، وظهر أيضًا أن ذلك كان في الحضر لا في السفر.

 ويستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين بأخفهما، والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معًا. وبيانه أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة، ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم، فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته؛ لما يترتب على تأخيره من الضرر، فراعى أهم الأمرين وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه؛ ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما".

مثل ما حصل في قصة بول الأعرابي في المسجد فيه ارتكاب أخف الضررين، وتحصيل أعلى المصلحتين وإلا فالبول في المسجد لا شك أنه مفسدة، لكنها أخف من لو قطع عليه بوله وتعددت مواضع النجاسة، أو قطع البول فورًا وتضرر بذلك في صحته، فمثل هذه المفسدة ترتكب لدفع المفسدة العليا.

طالب:...

نعم، هذا قبل، قبل أن يبدأ. لكن قوله: «ادنه» هذا الذي بعد.

طالب:...

قبل.

طالب:...

نعم، الظرف يقتضي.

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.

طالب:...

نعم، أيهما؟

طالب:...

على كل حال ابن حجر ما قال فيه شيئًا، وجرت عادته أنه لا يسكت عن حديث يورده في الشرح إلا إذا كان صحيحًا أو حسنًا، وذكرنا في مواضع متعددة أن ابن حجر قد يسكت، وأُخذ عليه بعض الأحاديث التي سكت عنها وهي ضعيفة، وهذه عادة من يطلق القواعد العامة ويرسلها هكذا، لا بد أن يوجد في كلامه ما تختلّ معه القاعدة.

 وأشد من ذلك قول أبي داود: وما سكتُّ عنه فهو صالح. سكت عن أحاديث كثيرة جدًّا ضعيفة، بل فيها ما ضعفه شديد، وهو يقول: وما فيه وهنٌ شديد بيَّنته أو قلته. لكنه حصل هذا مثل هذه القواعد العامة لا بد لها من شواذ أو ما يخلُّ بها، والأصل أنها قواعد أغلبية وليست كلية.

أحسن الله إليك.

 قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب البول عند سباطة قوم.

 حدثنا محمد بن عرعرة قال: حدثنا شعبة عن منصور عن أبي وائل قال: كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول، ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه، فقال حذيفة: ليته أمسك، أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائمًا".

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب البول عند سباطة قوم" كرر الحديث؛ لأنه استنبط منه أكثر من حكم، وأفرد كل حكم في باب، "باب البول عند سباطة قوم" هذا في أول طريق ما يدل عليها، يعني في الباب الأول، قال: "حدثنا محمد بن عرعرة قال: حدثنا شعبة عن منصور عن أبي وائل قال: كان أبو موسى الأشعري" عبد الله بن قيس، "يشدد في البول ويقول إن بني إسرائيل.." إلى آخره.

 التشديد في البول؛ لأنه جاءت أدلة تدل على التشديد فيه، حديث صاحبي القبرين أحدهما كان لا يستبرئ من بوله، ولا يستنزه من بوله، ولذا أهل العلم يختلفون في التسامح في مثل رؤوس الإبر، الجمهور ما يتسامحون فيه، إذا تحققوا من وجوده فإنه لا بد من غسله، وفي مذهب مالك ما يدل على أنه يعفى عنه، فأبو موسى على الأصل البول نجاسة، وليست خفيفة، نجاسة مغلظة لا بد من غسلها، وجاء الوعيد الشديد على من تساهل في ذلك، يشدد في البول، لكن قد يصل أحيانًا التشديد ببعض الناس إلى أن يبلغ حد الوسواس فمثل هذا يعالج بمثل هذا الأسلوب ليته ترك، وليته أمسك؛ لأن بعض الناس في باب النجاسات يصل به الحرج والعنت إلى أن يخرج الوقت وقت الصلاة وهو يزعم أنه لم يطهر، مثل هذا يعالج بالتخفيف.

طالب:...

يعالَج بالتخفيف، انغمس في البحر ويسأل: هل تراني طهرت؟ قال: أنت ما عليك لا وضوء ولا صلاة.

طالب:...

فقال: تراني مجنونًا؟

تنغمس في البحر وتقول: طاهر، نعم يصل بهم الحد إلى هذا، نسأل الله العافية في الوسواس، جاء لي شخص الساعة الثامنة صباحًا قبل عشر سنين يقول: إنه إلى الآن ما صلى العشاء يتوضأ ويرجع يتوضأ ويرجع، كان في الشتاء الساعة الثامنة، يعني خمس عشرة ساعة أو أربع عشرة ساعة يحاول أن يتوضأ، فمثل هذا يعالج بقوله: ليته أمسك، لا نقول: إن أبا موسى من هذا النوع، لا، لكن عنده الأصل في الأحاديث التي تشدد في البول، ومشى عليها ونُبِّه إلى هذا الحديث الذي لا بد أن يحصل شيء من مزاولة أو من مباشرة هذه السباطة أو ما أشبه ذلك.

 على كل حال الصحابة كلهم قدوات، ولكن الأولى بالاقتداء من معه الدليل، "ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه" بنو إسرائيل يعني اليهود يشددون في الطهارات، وجاء في بعض الروايات أنه يقرض جلده إذا أصابه البول، وهذا من الأغلال والآصار التي عليهم بخلاف النصارى، النصارى لا يكترثون بهذه النجاسات، ولا يلتفتون إليها، بل لا يغسلونها، وذُكِر في بعض الوسائل قبل سنين أن غسالاً للثياب أسلم من غير أن يدعى إلى الإسلام، فقيل له في ذلك، قال: السبب أن ثياب المسلمين نظيفة وروائحها طيبة، وثياب النصارى نتنة قذرة، والسبب في ذلك ما في ديننا من الحث على النظافة والاستنجاء والتطهر وغسل النجاسات أولئك ما يبالون.

طالب:...

نعم، لا يهمنا هذا، هذا قريب، هذا من عشر سنين أو أقل.

طالب:...

ما دام دينهم الذي يزعمون أنهم يتدينون به يقول ذلك. ولا يمكن أن يثبت عن المسيح عليه السلام مثل هذا الكلام أبدًا.

طالب:...

نعم، وبدؤوا يضعونها عندنا في بعض المطارات يضعون مَباول، ولا يضعون عندها ماءً، ومشكلة، فالمسلم يستنجي بما تيسر له من مناديل ونحوها وإلا.

طالب:...

ماذا فيه؟

طالب:...

إذا كان فيها ما يستنجي به فما فيها إشكال لأنها من قيام وأحاديث الباب تدل على الجواز.

طالب:...

 لا ما يرتد؛ لأن محل انسياب البول ما يرتد، وإذا سلطه على الصلب ارتد إليه، لكن بإمكانه أن يسلطه على موضع الماء الذي ينساب مع البول فلا يرتد عليه.

طالب:...

أين؟ هذا الكشف مسألة أخرى، تشوفون في الطرقات وغيرها. ما يبالون بشيء أبدًا، على الحضارة والتقدُّم.

"فقال حذيفة: ليته" يعني أبا موسى، "أمسك" يعني أمسك عن مثل هذا الكلام المقتضي للتشديد، "أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائمًا" هذا فهم من حذيفة وأنه يدل على التساهل نوع تساهل في مثل هذا المقابل لتشديد أبي موسى، وإلا الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- أن البول نجس، وأن نجاسته مغلظة، ليست مخففة، ويختلف أهل العلم فيما يعبرون عنه بمثل رؤوس الإبر، والجمهور على أنه نجس يجب غسله، وفي مذهب مالك ما يدل على العفو عنه.

"قوله: (باب البول عند سباطة قوم) كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول، بين ابن المنذر وجه هذا التشديد فأخرج من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه: أنه سمع أبا موسى ورأى رجلاً يبول قائمًا فقال: ويحك! أفلا قاعدًا، ثم ذكر قصة بني إسرائيل، وبهذا يظهر مطابقة حديث حذيفة في تعقبه على أبي موسى".

لأنه رأى أن البول قائمًا فيه تساهل بخلاف ما يراه أبو موسى ويستدل له، ولكن خفي عليه حديث حذيفة وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بال قائمًا وإلا لو بلغه ما بلغ حذيفة أن النبي- عليه الصلاة والسلام- بال قائمًا ما تشدد هذا التشدد، وأنكر على من بال قائمًا.

طالب:...

لا، ما هي بعلة؛ لأنه لا يلزم من نجاسته شيء فيها أو جزء منها أن تكون كلها نجسة ما هي بكلها نجسة. أنت ما أدركت السباطة في البيوت، أدركت أنت؟

طالب:...

ماذا تقول؟

طالب:...

هذه إشارة أن نعم.

طالب:...

يعني قبل خمسين سنة، قبل خمسين سنة موجودة عند بعض الناس، موجودة عند أوساط الناس فما دون يجمعونها في زاوية من الفناء، ويكنس فيها الكناس الطاهر والنجس كل شيء موجود، تجعل على زاوية ثم يأتي من يأخذها يأخذ هذا الزبل، ويستعمل أسمدة للزراعة، يستعمل هنا.

كنت أقول لأبي عبد الله كان ينشر. وكان ينكر.

طالب:...

 لا ما رأيت شيئًا.

طالب:...

والله لعله ما أدركه.

طالب:...

تحاسب على هذا الكلام؛ لأنه كذب هذا.

طالب:...

كذب صريح.

طالب:...

نعم.

"قوله: (ثوب أحدهم) وقع في مسلم: "جلد أحدهم" قال القرطبي: مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها، وحمله بعضهم على ظاهره، وزعم أنه من الإصر الذي حملوه، ويؤيده رواية أبي داود ففيها".

ووقع في مسلم: جلد أحدهم الجلد، ما المتبادر منه؟

طالب:...

ماذا؟ جلد البدن؟

طالب:...

قال: ومراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها، فيكون بمعنى الثوب في أصل الرواية.

"ويؤيده رواية أبي داود ففيها: "كان إذا أصاب جسد أحدهم"، لكن رواية البخاري صريحة في الثياب، فلعل بعضهم رواه بالمعنى".

ولا يُمنع أن الجلد يُقرض، والثوب يقرض، ما يمنع أنهم يفعلون ذلك كله.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ما فيه غسل للنجاسة.

"قوله: (قرضه) أي قطعه. زاد الإسماعيلي بالمقراض، وهو يدفع حمْل من حمَل القرض على الغسل بالماء".

فيه القرض والقرص بالماء يكون، ويكون أيضًا بالماء والقرظ، قرظ ينظف مثل الأسنان وفي حكمه الصابون، فإذا قرضه بالماء يعني معه في الأصل القرظ أو معه القرض والقبص يسمونه والقرص بالأصابع. وسيأتي في الحديث الذي يليه حديث فاطمة عن أسماء: «ثم تقرضه».

"قوله: (ليته أمسك) للإسماعيلي".

وللإسماعيلي. ما فيه واو عندك؟ خلاص لو ما عندك خلاص.

"قوله: (ليته أمسك) للإسماعيلي: "لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد"، وإنما احتج حذيفة بهذا الحديث؛ لأن البائل عن قيام قد يتعرض للرشاش، ولم يلتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا الاحتمال، فدل على أن التشديد مخالف للسنة، واستُدِلَّ به لمالك في الرخصة في مثل رءوس الإبر من البول، وفيه نظر؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- في تلك الحالة لم يصل إلى بدنه منه شيء، وإلى هذا أشار ابن حبان في ذكر السبب في قيامه قال: لأنه لم يجد مكانًا يصلح للقعود فقام؛ لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليًا فأمن أن يرتد إليه شيء من بوله. وقيل: لأن السباطة رخوة يتخللها البول".

رخوة مثلثة، لكن الأكثر على الكسر رِخوة.

"وقيل: لأن السباطة رِخوة يتخللها البول، فلا يرتد إلى البائل منه شيء. وقيل: إنما بال قائمًا؛ لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك؛ لكونه قريبًا من الديار. ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن عمر -رضي الله عنه- قال: "البول قائمًا أحصن للدبر". وقيل: السبب في ذلك ما روي عن الشافعي وأحمد أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بذلك فلعله كان به. وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال: "إنما بال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا لجرح كان في مَأبِضه" والمأبض بهمزة ساكنة بعدها موحدة ثم معجمة: باطن الركبة، فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود، ولو صحَّ هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم، لكن ضعَّفه الدارقطني والبيهقي، والأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله البول عن قعود والله أعلم.

 وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكًا آخر، فزعما أن البول عن قيام منسوخ، واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه: "ما بال قائمًا منذ أنزل عليه القرآن"، وبحديثها أيضًا: "من حدثكم أنه كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا"، والصواب أنه غير منسوخ، والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها".

يعني تحدثت عما اطلعت عليه، وما علمته من حاله -عليه الصلاة والسلام-، وما عند حذيفة زيادة علم خفيت عليها.

"والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت، وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه، وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة، وقد بيَّنا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الردّ على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن. وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قيامًا، وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، والله أعلم".

واستتر مع ذلك، لا بد من الاستتار وأمن الرشاش.

"ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - في النهي عنه شيء كما بيَّنتُه في أوائل شرح الترمذي، والله أعلم".  

يعني شرح الترمذي لابن حجر، وهذا مما لم يوقف له على ذكر.

أحسن الله إليك، قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب غسل الدم.

 حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى عن هشام قال: حدثتني فاطمة عن أسماء قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم-، فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: «تَحُتُّه ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه»".

طالب:...

ماذا؟

طالب: الحديث؟

الحديث.

"حدثنا محمد قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا هشام عن أبيه".

طالب:...

طالب:...

حدثنا محمد قال: حدثنا أبو معاوية.

طالب: لا يا شيخ ليس موجودًا.

ماذا؟

طالب: قال: حدثنا محمد.

طيب بعده.

طالب: قال: حدثنا أبو معاوية، سقط.

هذا هو. هذا الذي نقوله.

طالب:...

"حدثنا محمد قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي» قال: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت".

طالب:...

يقول الإمام -رحمة الله عليه- الإمام البخاري: باب غسل الدم، والنصّ في دم الحيض ولا خلاف في نجاسته، وحديث الباب صريح في ذلك وأنه يُغسَل، والجمهور على قياس غيره من الدماء، أما المسفوح فلا إشكال في نجاسته، {قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [سورة الأنعام: 145] مع أنه جاء الإطلاق: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [سورة المائدة: 3]، والعلماء في مثل هذا يحملون المطلق على المقيَّد، للاتفاق في الحكم والسبب، وأما حديث الباب فهو في دم الحيض، باب غسل الدم يعني لنجاسته.

 حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى وهو ابن سعيد القطان، عن هشام وهو ابن عروة قال: حدثتني فاطمة بنت المنذر بنت عمه المنذر بن الزبير، عن أسماء جدتهما أسماء بنت أبي بكر، جدة هشام وجدة فاطمة قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ ليس عندهم مثل ما عندنا الترف والزيادة في التنعم بحيث تكون عنده الثياب الكثيرة، وذُكر عن بعض المترفين أنه يخيط لكل سنة ثلاثمائة وستين ثوبًا، فإذا لبسه في يوم لا يعود إليه، وإلى وقت قريب قبل انفتاح الدنيا بعض الناس ما عنده إلا ثوب واحد، وتجد آثار الاستعمال عليه ظاهرة من التمزق والأوساخ، وعمر -رضي الله عنه- كان يلبس ثوبًا فيه أكثر من رقعة.

 وقد ذكر فيما مضى أيام الشدة قالوا: إن شخصًا أصابه الجوع هو وامرأته الجوع الشديد، فطرق الباب على الجار يطلب منه شيئًا يأكله أو يقرضه قال: والله ما عندي شيء، الثاني كذلك، الثالث، الرابع، لما وصل إلى آخر باب قال: والله ما تعدى حتى تعطيني شيء، سأموت، فبحث فوجد ريالًا، الريال من النوع الفضة القديم، فوضعه في جيبه، وذهب إلى المسجد لصلاة الفجر، ما دعاه إلى السؤال في هذا الوقت إلا خشية الموت، فذهب إلى المسجد وفي جيبه الريال، وكان الماء في المسجد في بئر، يستخرج بالدلو ويتوضأ، سقط الريال في البئر، سقط الريال في البئر، خلع ثوبه ونزل في البئر، بحث ما وجد، لما خرج وجد الثوب قد سُرِق، فانطلق لما كبَّر الإمام للصلاة أمن؛ لأنهم ما يتأخرون قبل، فخرج في ظلمة أو في الغلس مسرعًا إلى بيته فدخل، الجماعة فقدوه قالوا: أين فلان، موجود ما سافر، وطرقوا على زوجته فقالت: ما هو موجود، قالوا: بلى موجود، أين راح، صلى العشاء معنا، لما أصروا خرج عليهم ما خرج بيّن وجهه فقط، وقد لفّ بقية جسده في ثوب المرأة، فأخبرهم بالخبر، وما بالعهد من قدم.

 فهذا من ستين أو سبعين سنة، هذا ليس بالأيام الخوالي هذا قريب، وعندنا في نجد، وسمعنا وتداول الناس الفتوى من أهل الصومال بجواز صرف الزكاة لأهل نجد، نقل الزكاة من الصومال لنجد، فالأيام دول، والإنسان يخاف من هذا النعيم الذي نعيشه ونسوف نحاسب عليه ونسأل عنه، والسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [سورة إبراهيم: 7]، وشواهد الأحوال من حولنا ظاهرة، يعني قبل أربعين سنة وبلد الآن يعاني من ذلك الوقت إلى يومنا هذا من الحروب والمسغبة والجوع ما يعاني، وكانوا قبل فيما أدركناه ونحن طلاب يمسحون الماصات والجزم -على ما قالوا- خفاف برقائق الخبز، وذكر المعافى بن عمران صاحب كتاب الجليس الصالح بسند صحيح إلى الحسن قال: ذكر أن قومًا استنجوا بالخبز، يعني حملهم الطغيان والبطر إلى أن استنجوا بالخبز، فما لبثوا إلا يسيرًا حتى أكلوا العذرة، نسأل الله العافية، إن الله لا يظلم مثقال ذرة، بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير.

 ونحن نعيش فترة فيها شيء من الترف، والبطر، والإسراف، ما يخشى من عواقبه.

 قالت: جاءت امرأة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: «تَحُتُّه ثم تقرصه» تفركه بأصابعها بالماء، «وتنضحه وتصلي فيه» تنضحه بعد ذلك؛ ليذهب بقية الأثر، مع أنه قد لا يذهب أثر الدم، يبقى شيء من الصفرة؛ لأنهم ما عندهم من المنظفات مثل ما عندنا، ولا يضر هذا الأثر، إذا ذهب عين الدم فهذا الأثر لا يضر. 

"