كتاب الإيمان (32)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: أقرأ يا شيخ؟

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال الإمام أبو عبد الله -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابٌ: مِنَ الدِّينِ الفِرَارُ مِنَ الفِتَنِ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فهذا الحديث لا شك أنه أو أن العلامات المحسوسة الملموسة تدل على أن زمانه قد قرب، وأكثر الشراح بين القرن السابع والثامن يرون أنه في زمانهم قد وقع، وأن المتعيِّن في زمانهم العزلة، وألّف فيها المؤلفات، فكيف بزماننا؟ يعني بعدهم بسبعة قرون أو ستة قرون، يقولون: المتعين في زماننا العزلة؛ لاستحالة خلو المحافل من المنكرات. هذا في زمانهم، فإذا كانت محافلهم لا تخلو من المنكرات، فمن اعتزل في زماننا هذا إن لم يحتط لنفسه فإنه لن يسلم من ملاحقة المنكرات. إذا لم يحسم أمره، ويأخذ نفسه بالعزيمة، ويقطع اتصاله بكثير من الأمور التي لا تدعو الحاجة والضرورة إليها.  

الآن الإنسان وهو في فراشه وتحت غطائه ولحافه بإمكانه أن يطلع على ما في أقصى الدنيا، وكان الصراع بين الآباء والأبناء حول مشاهدة ما يُخل بالأديان والأخلاق وإمكان السيطرة عليها؛ لأنها يمكن الاطلاع عليها. أما الآن فالشاب والشابة صغيرًا أو كبيرًا والشيخ والشاب كلهم في إمكان كل واحد منهم أن يطلع على ما يريد من غير أن يعلم به لصيقه في الفراش، يعني هذا في فراش، وهذا في فراش، ويطلع على ما يريد، وهذه مشكلة، هذه كارثة تحتاج إلى نية صادقة وعزيمة جادة تحسم الموضوع من أوله، من بدايته لمن أراد النجاة والسلامة لنفسه؛ لأنه افترض أنه هاجر هو وأولاده واتخذوا غنمًا يتبعون به شعف الجبل، ثم ماذا إذا كان بيد هذا الجوال بأنواعه وأشكاله التي نعرف والتي لا نعرف وأولاده كذلك، كيف هذا؟ إذا كان الاعتكاف ما سلم من هذه الأمور؟

يعتكفون وعندهم آلاتهم، هذا اعتكاف؟ ومثل هذه تسمى عزلة؟ لا، أهم شيء عزلة القلب وهجرة القلب إلى الله ورسوله، أما أن يعتزل، يبعد عن الناس في استراحة أو فلاة وعنده كل ما يحتاج إليه من الآلات، فهذا ما اعتزل.

ثم بعد ذلك العزلة لا شك أنها راجحة بالنسبة لشخص يتأثر بما عند الناس من مخالفات، ولا يستطيع أن يؤثِّر فيهم خيرًا، وأما من كان بالعكس يؤثِّر في الناس بالخير، ويدعوهم إلى الخير، ويبين لهم ولا يتأثر بما عندهم، فهذا تتعين عليه الخلطة، وبقية الناس سجال على حسب الغالب، وعليه أن يقلل من الخلطة إلا بقدر الحاجة.

يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "باب: من الدين الفرار من الفتن"؛ لأن الدين رأس المال، فإذا أحرز رأس المال فالمكسب لاحق عليه على ما يقول العوام. والفتن قد لا تظهر على صورة الإنسان وعلى شكله، فإن الفتن تُعرض على القلوب كالحصير عودًا عودًا، وتجد الإنسان شكله واحد، ثلاثين سنة، أربعين سنة، لكن ماذا عن قلبه خلال هذه السنوات؟ يعني هل قلوبنا قبل ثلاثين سنة مثلها اليوم؟ أو قبل عشرين مثلها اليوم؟ أو قبل عشرة مثلها اليوم؟ لا واللهِ، واللهِ إن الإنسان يدخل لمعتكفه ويخرج منه كما دخل إن لم يكن أسوأ، ويدخل رمضان ويصلي مع المسلمين، ويسمع القرآن بأصوات ندية ومؤثرة، ومع ذلك كأن شيئًا لم يكن. هذا من الفتن، هذا من أعظم الفتن: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ} [التوبة: 126]، ما يحس بشيء أصلاً.

من أعظم الفتن مسخ القلوب، تجد الإنسان يقرأ كتاب الله، ويسمع كتاب الله وكأن شيئًا لم يكن، وإذا لم يجد قلبه حاضرًا عند سماع القرآن أو في الصلاة أو في الذكر، فهذا يعرف كما قال أهل العلم أن الباب مغلق، يسعى لفتح الباب أولاً. والعلاج في كلام الله وكلام رسوله، لا تبحث عنه في غير هذين المصدرين. من أهل العلم من يقتبس من مشكاة الوحيين، ويكون على كلامه نور، وله أثر كابن القيم وابن رجب وغيرهما من أئمة التحقيق، هؤلاء يستفاد في كلامهم في فهم النصوص.

يقول: "بَابٌ: مِنَ الدِّينِ الفِرَارُ مِنَ الفِتَنِ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ»".

يقول ابن حجر: (قوله: "باب: من الدين الفرار من الفتن"

عدل المصنف عن الترجمة بالإيمان مع كونه ترجم لأبواب الإيمان مراعاةً للفظ الحديث)، لأنه قال: «يفر بدينه». (مراعاة للفظ الحديث، ولما كان الإيمان والإسلام مترادفين في عُرف الشرع). هذا عند الإمام البخاري الإسلام بمعنى الإيمان، مترادفان. في جمع من السلف كمحمد بن نصر المروزي والجمهور على أنهما يتفقان ويفترقان.

(ولما كان الإيمان والإسلام مترادفين في عُرف الشرع وقال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]؛ صح إطلاق الدين في موضع الإيمان)، يعني كأن المسألة معادلة: الإيمان يساوي الإسلام، والإسلام يساوي الدين، إذًا الدين الإيمان. هذا مقتضى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-.

(قوله: "حدثنا عبد الله بن مسلمة" هو القعنبي أحد رواة الموطأ، نُسب إلى جده قعنب، وهو بصري أقام بالمدينة مدةً.

قوله: "عن أبيه" هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي صعصعة، فسقط الحارث من الرواية، واسم "أبي صعصعة" عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري ثم المازني، هلك في الجاهلية، وشهد ابنه الحارث أُحدًا واستشهد باليمامة.

قوله: "عن أبي سعيد" اسمه سعد على الصحيح، وقيل: سنان بن مالك بن سنان، استشهد أبوه بأُحد وكان هو من المكثرين. وهذا الإسناد كله مدنيون، وهو من أفراد البخاري عن مسلم، نعم أخرج مسلم في الجهاد، وهو عند المصنف أيضًا من وجه آخر عن أبي سعيد حديث الأعرابي الذي سأل: أي الناس خير؟ قال: «مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وماله»، قال: ثم من؟ قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره». وليس فيه ذكر الفتن، وهي زيادة من حافظ فيقيَّد بها المطلق، ولها شاهد من حديث أبي هريرة عند الحاكم ومن حديث أم مالك البهزية عند الترمذي، ويؤيده ما ورد من النهي عن سكنى البوادي والسياحة والعزلة، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن.

قوله: «يوشك» بكسر الشين المعجمة أي يقرب.

قوله: «خيرًا» بالنصب على الخبر، و«غنم» الاسم، وللأصيلي برفع «خير»)، على أنه هو الاسم (ونصب «غنمًا» على الخبرية، ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر ويقدَّر في يكون ضمير الشأن؛ قاله ابن مالك، لكن لم تجئ به الرواية.

قوله: «يتَّبع» بتشديد التاء ويجوز إسكانها)، عندك بها المتن مشكلة؟

طالب: ..........

«يَتْبَعُ»؟

طالب: «يَتْبَع».

وجوز أيضًا القسطلاني وغيره تشديد التاء وكسر الباء. لكن ابن حجر قدمها: («يتَّبع» بتشديد التاء ويجوز إسكانها)، دل على أن الرواية عنده بالتشديد. «شَعَف» بفتح المعجمة والعين المهملة جمع شعفة كأكم وأكَمة، وهي رؤوس الجبال.

قوله: «ومواقع القَطر» بالنصب عطفًا على «شعف» أي بطون الأودية، وخصهما بالذكر؛ لأنهما مظان المرعى.

قوله: «يفر بدينه» أي بسبب دينه، و«من» ابتدائية. قال الشيخ النووي في الاستدلال بهذا الحديث: للترجمة نظرٌ؛ لأنه لا يلزم من لفظ الحديث عدُّ الفرار دينًا، وإنما هو صيانة للدين. قال: فلعله لما رآه صيانةً للدين أطلق عليه اسم الدين)؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات. (وقال غيره: إن أريد بـ«من» كونها جنسيةً أو تبعيضيةً فالنظر متجه)، «من الدين» إذا قيل: إنها تبعيضية، يعني جزء من الدين بعض من الدين، هذا ما فيه إشكال. وكونها جنسية: (إن أريد بـ«من» كونها جنسية أو تبعيضية فالنظر متجه)، تبعيضية ظاهر، يعني بعض وجزء من الدين، لكن كونها جنسية؟

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، منهم من يقول: «من» على أنها تبعيضية أو جنسية فتعقب النووي ..........

نعم. إن أريد كونها تبعيضية، يعني بعض من الدين، الفرار بعض من الدين.

طالب: ..........

فالنظر متجه، نظر النووي؛ لأن النووي يقول: (في الاستدلال بهذا الحديث: للترجمة نظر)، تنظير النووي متجه إذا قلنا: إنها تبعيضية، لكن إذا قيل: إنها جنسية؟

طالب: ..........

طيب وما معنى كونها جنسية؟

طالب: يعني أن الدين هو ..........

ماذا؟

طالب: أن الدين هو ..........

طالب: مثل ما يقال كمال الدين يا شيخ؟

لا، «من» هو يريد «من» جنسية، أو أن «الدين» أل هنا جنسية؟ هو يقول: (إن أريد بـ«من» كونها جنسية أو تبعيضية)، تبعيضية ظاهر، («من» كونها جنسية)، بمعنى أنها، بمعنى الدين بالمطابقة، فالدين جنس، ومن جنسية، إذًا الدين هو الفرار، إذا قلنا: إنها جنسية، فيكون «الدين» جنسًا؛ لأن فيه ال، و«من» أيضًا جنسية، فهنا يتطابق «من» وال، مع أن هذا بعيد.

(وإن أريد كونها ابتدائيةً أي الفرار من الفتنة منشؤه الدين فلا يتجه النظر)، (أي الفرار من الفتنة منشؤه الدين)، يعني الباعث عليه الدين (فلا يتجه النظر. وهذا الحديث قد ساقه المصنف أيضًا في كتاب الفتن، وهو أليق المواضع به، والكلام عليه يستوفي هناك).

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: القسطلاني ..........

نعم، لكن عندنا.

طالب: ..........

الحاشية التي هي الغالب أنها مطابقة للقسطلاني: وجوز أيضًا القسطلاني تشديد التاء وكسر الباء.

طالب: ..........

هذا القسطلاني موجود.

طالب: .......... ويجوز إسكانها.

هذا القسطلاني: («يتَّبع بها» بتشديد المثناة فوقية افتعال من التِّبعة اتِّباعًا، ويجوز إسكانها من تَبِع بكسر الموحدة يَتْبع بفتحها، أي يَتْبع بالغنم...)، إلى آخره. هذا كلام القسطلاني، وهو يختلف عما في الفروق المأخوذة من اليونينية، والقسطلاني يعتمد اليونينية.

النووي -رَحِمَهُ اللهُ- في شرحه يقول: (تقدم ذكر مالك، وأما أبو سعيد فهو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد الأبجر، وهو خُدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري -رَضِيَ اللهُ عنهُ-. قال ابن سعد: وزعم بعض الناس أن خُدْرة هي أم الأبجر. استصغر يوم أُحد فرُدَّ، واستشهد أبوه -رَضِيَ اللهُ عنهُ- يوم أُحد، وغزا أبو سعيد -رَضِيَ اللهُ عنهُ- بعد ذلك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثنتي عشرة غزوة، رُوي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألف حديث ومائة وسبعون حديثًا، اتفقا على ستة وأربعين، وانفرد البخاري بستة عشر حديثًا، ومسلم باثنين وخمسين. وروى عن جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر وعمر وعثمان، وأبوه مالك بن سنان -رَضِيَ اللهُ عنهُم-. وروى عنه جماعة من الصحابة -رَضِيَ اللهُ عنهُم- منهم ابن عمر وابن عباس وجابر وزيد بن ثابت وخلائق من التابعين.

توفي بالمدينة سنة أربع وستين، وقيل: أربع وسبعين. وروى حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أشياخه قالوا: لم يكن في أحداث أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفقه من أبي سعيد، وفي رواية: أعلم.

وأما عبد الرحمن بن عبد الله وأبوه فأنصاريان مازنيان مدنيان، ثقتان، وصعصعة بفتح الصادين المهملتين.

وأما عبد الله بن مسلمة فهو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي الحارثي المدني. أبو عبد الرحمن سكن البصرة، وسمع مالكًا والليث وحماد بن سلمة وخلائق لا يُحصون من الأعلام وغيرهم. روى عنه الزهري والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وخلائق من الأعلام، وأجمعوا على جلالته وإتقانه وحفظه)، (روى عنه الزهري)، أو: عن الزهري؟ والزهلي..

طالب: ..........

نعم، الزهلي ما هو بالزهري، لا، متقدم الزهري، الزهلي ممكن.

(وأجمعوا على جلالته وإتقانه وحفظه وصلاح وورعه وزهادته. قال أبو زرعة: ما كتبت على أحد أجل في عيني منه. وقال أبو حاتم: لم أرَ أخشع منه. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة، رجل صالح. وروينا عن الإمام مالك أن رجلاً جاءه فقال: قدم القعنبي، فقال مالك: قوموا بنا إلى خير أهل الأرض. وروينا عن أبي سبرة الحافظ قال: قلت للقعنبي: حدثت ولم تكن تحدث؟ فقال: رأيت كأن القيامة قد قامت فصيح بأهل العلم فقاموا فقمت معهم فصيح بي: اجلس، فقلت: إلهي ألم أكن معهم أطلب؟ قال: بلى، ولكنهم نشروا وأخفيته، فحدثتُ. وروينا عن عمرو بن علي أن الإمام قال: كان القعنبي مجاب الدعوة، توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين).

يقول: (فصل: في هذا الإسناد لطيفة، وهي أن إسناده كلهم مدنيون وهذا مستطرف.

فصل: قوله -صلى الله عليه وسلم- «يوشك» هو بضم الياء وكسر الشين أي يسرع ويقرب، ويقال في ماضيه: أوشك، ومنهم من قال: لم يستعمل منه ماض، وهذا غلط، وقد كثر استعمال ذلك. قال الجوهري: أوشك فلان يوشك إيشاكًا أي أسرع. قال جرير: إذا جهل الشقي ولم يُقدر ببعض الأمر أوشك أن يصابا. قال: والعامة يقولون: يوشَك بفتح الشين وهي لغة رديئة. قال أبو يوسف)، يعني ابن السكيت، اسمه يعقوب (واشك يواشِك وِشاكة مثل أوشك، ويقال: إنه مُواشك أي مسارع.

وقوله: «يَتَّبع بها شعف الجبال»، «يتَّبع» بتشديد التاء، وأما «شعف الجبال» فهي بفتح الشين والعين وهي رءوس الجبال، الواحدة: شعفة.

وقوله: «يفر بدينه من الفتن» أي من فساد ذات البين وغيرها.

ويجوز في «خير مال المسلم غنم» وجهان: نصب «خير» ورفعه ونصبه هو الأشهر في الرواية، وهو خبر يكون مقدمًا، ولا يضر كون الاسم وهو «غنم» نكرة؛ لأنها وُصفت بـ«يتبع» بها. وأما الرفع فعلى أن يكون في يكون ضمير الشأن، ويكون «خير مال المسلم غنم» مبتدأ وخبر، وقوله: «غنمًا» بالنصب. والله أعلم.

وخصت الغنم بذلك؛ لما فيها من السكينة والبركة، وقد رعاها الأنبياء والصالحون -صلوات الله عليهم وسلامه- مع أنها سهلة الانقياد خفيفة المؤونة كثيرة النفع.

وفي الحديث فوائد كثيرة منها فضل العزلة في أيام الفتن إلا أن يكون الإنسان ممن له قدرة على إزالة الفتنة، فإنه يجب عليه السعي في إزالتها إما فرض عين وإما فرض كفاية بحسب الحال والإمكان، وأما في غير أيام الفتنة فاختلف العلماء في العزلة والاختلاط أيهما أفضل؟ فذهب الشافعي والأكثرون إلى تفضيل الخلطة؛ لما فيها من اكتساب الفوائد وشهود شعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال الخير إليهم ولو بعيادة المرضى وتشييع الجنائز وإفشاء السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى وإعانة المحتاج وحضور جماعاتهم وغير ذلك مما يقدر عليه كل أحد، فإن كان صاحب عِلم أو تسليك في الزهد)، كيف؟ تسليك في الزهد! كيف؟ طبعة جديدة معكم؟

طالب: تسليك.

(ونحو ذلك تأكد فضل اختلاطه.

وذهب آخرون إلى تفضيل العزلة لما فيها من السلامة المحققة، لكن بشرط أن يكون عارفًا بوظائف العبادة التي تلزمه وما يكلف به. والمختار تفضيل الخلطة لمن لا يغلب على ظنه الوقوع في المعاصي، وبالله التوفيق.

وفي الاستدلال بهذا الحديث للترجمة نظر؛ لأنه لا يلزم عد الفرار دينًا وإيمانًا، بل هو صيانة للدين، فلعل البخاري نظر أنه صيانة للدين فترجم له هذه الترجمة. والله أعلم).

ابن رجب -رَحِمَهُ اللهُ- أطال في شرح الحديث وإيراد الآثار والأحاديث الواردة في الباب، فيحتاج إلى درس كامل ابن رجب.

يقول الكرماني -رَحِمَهُ اللهُ-: (قوله: "باب من الدين الفرار من الفتن". قوله: "من الدين" هذا حيث لم يقل: من الإيمان، مع أن عقد الكتاب إنما هو في الإيمان مشعر بأن الدين والإيمان واحد، كما أن الإيمان والإسلام أيضًا عنده واحد. الطيبي: اصطلحوا على ترادف الإيمان والإسلام والدين، ولا مشاحة في الاصطلاحات)، ولا شك أن الدين أشمل، فهو شامل للإيمان والإسلام والإحسان؛ لأنه لما سأل عنها جبريل -عليهِ السَّلامُ- عن الثلاثة النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، لما انصرق قال النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»، وهو سأل عن الثلاثة، فهو أشمل من الإيمان كما هو أشمل من الإسلام. ولا مانع أن يطلق اللفظ العام ويراد بعض فروعه.

(قوله: "عبد الله بن مَسلمة" بفتح الميم واللام وسكون السين المهملة، ابن قعنب القعنبي المدني أبو عبد الرحمن، سكن البصرة، روى عنه الشيوخ الخمسة الترمذي والنسائي عن رجل عنه والثلاثة عنه، أجمع العلماء على جلالته وعلمه وعمله، وروي أن رجلاً جاء إلى الإمام مالك فقال: قدم القعنبي، فقال مالك: قوموا بنا إلى خير أهل الأرض. وقيل للقعنبي: حدثت ولم تكن تحدث؟ فقال: رأيت...)، يعني القصة التي ذكرها النووي، قال: (رأيت كأن القيامة قد قامت فصيح بأهل العلم فقاموا فقمت معهم، فصيح بي أن اجلس، فقلت: إلهي ألم أكن معهم وأطلب؟ قال: بلى ولكنهم نشروا وأخفيته، فحدثت.

وقال عمرو بن علي: كان القعنبي مجاب الدعوة ومات بمكة وكان مجاورًا بها في المحرم سنة إحدى وعشرين ومائتين.

قوله: "مالك" هو إمام المسلمين إمام دار الهجرة المستغني عن التعريف، وقد مر بعض فضائله التي لا تُعد ولا تُحد)، والحافظ العراقي يقول: وصحّحوا استغناء ذي الشهرة عن؛ لأنه يقول هنا: (المستغني عن التعريف)، وصححوا استغناء ذي الشهرة عن تزكية كمالك نجم السنن.

(وقد مر بعض فضائله التي لا تعد ولا تحد. وأما عبد الرحمن وأبوه عبد الله فهما أنصاريان مازنيان مدنيان. و"صعصعة" بفتح الصادين المهملتين وبالعينين المهملتين الأولى منهما ساكنة.

قوله: "عن أبي سعيد" هو سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري الخُدْري بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة، منسوب إلى خُدرة أحد أجداده أو إحدى جداته، وخدرة بطن من الأنصار)، بالقاموس: خدرة وخدارة بطنان من الأنصار.

انظر القاموس.

طالب: ..........

خدرة..

(استشهد أبوه يوم أحد وهو كان صغيرًا، وغزا بعد ذلك ثنتي عشرة غزوة. روي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألف حديث ومائة وسبعون حديثًا، ذكر البخاري اثنين وستين منها. توفي بالمدينة سنة أربع وستين أو سبعين، ودفن بالبقيع. روى حنظلة بن أبي سفيان عن أشياخة قالوا: لم يكن في أحداث الصحابة أفقه من أبي سعيد، وفي رواية: أعلم. وهذا الإسناد من المستطرفات؛ لأن الرواة كلهم مدنيون.

قوله: «يُوشِك» هو بضم الياء وكسر الشين، أي يقرب، ويقال في ماضيه: أوشك، وهو من أفعال المقاربة، وقد وضع لِدنو الخير أخذًا فيه، وهو مثل: كاد وعسى في الاستعمال، فيجوز: أوشك زيد يجيء وأن يجيء، وأوشك أن يجيء زيد على الأوجه الثلاثة.

قوله: «يتَّبع» بتشديد التاء المفتوحة وجاء بسكونها. والـ«شعف» بفتح الشين المهجمة والعين المهملة رءوس الجبال وأعاليها والواحدة شعفة. «ومواقع القَطر» يعني الأودية والصحاري. وفي بعض النسخ: «يتَّبع بها» بزيادة «بها»، والضمير راجع إلى الغنم وهو اسم الجنس، يجوز تأنيثه باعتبار معنى الجمع، ويجوز في «خير مال المسلم غنم» وجهان: نصب «خير» ورفعه، ونصبه هو الأشهر في الرواية، وهو خير يكون مقدمان، ولا يضر كون الاسم وهو «غنم» نكرة؛ لأنها موصوفة بقوله: «يتبع». وأما الرفع فبأن يُقدر في «يكون» ضمير الشأن ويكون «خير مال المسلم غنم» مبتدأً وخبرًا، وقد روي «غنمًا» بالنصب.

 وقيد بالغنم؛ لأن هذا النوع من المال نموُّه وزيادته أبعد من الشوائب المحرمة كالربا والشبهات المكروهة، وخُصت الغنم بذلك لِما فيها من السكينة والبركة، وقد رعاها الأنبياء -عليهم السلام- مع أنها سهلة الانقياد خفيفة المؤونة كثيرة النفع، وقُيد الاتباع بالمواضع الخالية من ازدحام الناس؛ لأنه أسلم غالبًا عن المقاولات المؤدية إلى الكدورات.

وقال: «يفر بدينه» إشعارًا بأن هذا الاتباع ينبغي أن يكون استعصامًا للدين لا لأمر دنيوي كطلب كثرة العلف وقلة أطماع الناس فيه، ولما كان الجمع بين الرفق والربح صيانة الدين كان خير الأموال الذي يعتني بها المسلم. وفيه إخبار بأنه يكون في آخر الزمان فتن وفساد بين الناس، وهو يكاد يكون من المعجزات).

 يختلف أهل العلم في أطيب المكاسب، الآن هذا الحديث يدل على أن أفضل المكاسب «خير مال المسلم» اقتناء الغنم والبعد بها عن الناس في الفلوات والشعاب، هذا ما يدل عليه الحديث، لكن متى؟ في أوقات الفتن. فهل يفضل هذا النوع من المكاسب على غيره مطلقًا؟ من العلماء من يفضل الزراعة، وهذا قول جمع غفير من أهل العلم، ومنهم من يفضل الصناعة؛ لأن من الأنبياء من امتهنه كداود -عليهِ السَّلامُ-، والذي يرجحه ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- أن أطيب المكاسب المغانم، فهي كسبه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «وجعل رزقي تحت ظل رمحي»، فهو أفضل المكاسب، والله المستعان.

طالب: ..........

(«يفر بدينه من الفتن» إما جملة حالية وذو الحال هو الضمير المستتر في «يتَّبع»، ويحتمل أن يكون هو المسلم، ويجوز الحال من المضاف إليه)، (وذو الحال هو الضمير المستتر في «يتَّبع»، ويحتمل أن يكون هو المسلم)، «أن يكون خير مال المسلم»، «المسلم» مضاف إليه، و«يفر بدينه من الفتن» قالوا: يجوز أن يكون هذا جملة حالية من المسلم وهو من المضاف إليه. قال: (ويجوز الحال من المضاف إليه نحو: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: 125]).

 في كم صورة يجوز الحال من المضاف إليه؟

طالب: ..........

وَلا تُجِزْ حَالًا مِنَ الْمُضَافِ لَهْ ... إِلا إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ

أوْ كَانَ جُزْءَ مَا لَهُ أضِيفَا   ....... أوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلا تَحِيفَا

إذا اقتضى المضاف عملاً، مثل ماذا؟ {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس: 4]. وهنا: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} ليست بجزء أن مثل جزئه فلا تحيف. قُطعت بعض أصابعه أو قُطعت أصابعه قائمًا، أصابع مضاف، والمضاف إليه الضمير، وقائمًا صاحبه حال من الضمير الذي هو مضاف إليه.  

(ويجوز الحال من المضاف إليه نحو: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: 125]. فإن قلتَ: إنما يُجعل حالاً من المضاف إليه إذا كان المضاف جزءًا من المضاف إليه أو في حكمه، كما في: رأيت وجه هند قائمة، لا في نحو: رأيت غلام هند قائمة)، (لا في نحو: رأيت غلام هند قائمة) يعني غلام ليس بجزء ولا مثل الجزء، نعم. (رأيت غلام هند قائمة، والمال ليس كذلك)، «مال المسلم» وغلام هند، واحد أم ما هو بواحد؟ غلام ما هو بمال؟

طالب: واحد.

نعم. لكن هل هو مثل الجزء أم ليس مثله، المال؟

طالب: شبيه بالجزء.

{مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} الدين جزء من الإنسان من تركيبة الإنسان، ولذلك قال في بعض الصفات المقدمة عند الإنسان في حكم الجزء، قال: «يشب ابن آدم ويشب منه خصلتان: حب الدنيا وطول الأمل»، كأنها صارت جزءًا منه، والدين عند من يتدين به ولا يقال: عموم الناس بعد، بعض الناس الدين رخيص عليه، لكن الأصل في المسلم أنه أهم عليه من جزئه: «وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يعود في النار». فالدين مثل الجزء: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} مثل الجزء، أو مثل جزئه فلا تحيف. وهنا المال.

طالب: شيخ، أبو سعيد الخدري روي له في الفقه والفتوى؟

نعم، كثير، أقواله مدونة.

(فإن قلتَ: إنما يُجعل حالاً من المضاف إليه إذا كان المضاف جزءًا من المضاف إليه أو في حكمه، كما في: رأيت وجه هند قائمة)، هذا جزء (لا في نحو: رأيت غلام هند قائمة، والمال ليس كذلك؟ قلتُ: المال لشدة ملابسته بذي المال كأنه جزء منه، وأما اتحاد الخير بالمال فظاهر، أو جملة استئنافية على تقدير جواب سؤال يقتضيه المقام)، يعني اعتبر المال مثل الجزء.

طالب: ..........

من المال، لكن فرق بين المال بالكلية، الأصل أن المال ليس بجزء ولا شبيه بالجزء، هذا الأصل. لكن بمجموع المال الذي له أثره في نفس الإنسان، لكن شيئًا من ماله ما يعتبر جزءًا، فرق بين هذا وهذا.

طالب: ..........

لا، «خير مال المسلم» المال مضاف والمسلم مضاف إليه.

طالب: ..........

هو يفر بدينه، والحال من المضاف إليه «المسلم»، وما هو بمسألة يفر، يفر بغلامه بعد. لا، المسألة إيش؟

أن المسألة أن جزء من المال لا يعتبره الإنسان من تركيبه، لكن ماله كله، كل ماله، يعني فرق بين أن يخسر الإنسان بعض تجارته، أثره فيه مثل ما يخسر جميع تجارته؟ لا.

(قوله: «من الفتن» وهو جمع فتنة، أي من فساد ذات البين وغيرها.

فإن قلتَ: كيف يُجمع بين مقتضى هذا الحديث من اختيار العزلة، وبين ما ندب إليه الشارع من اختلاط أهل المحلة لإقامة الجماعة وأهل البلدة للجمعة وأهل السواد مع أهل البلدة للعيد وأهل الآفاق لوقوف عرفة، وفي الجملة اهتمام الشارع بالاجتماع معلوم، ولهذا قال الفقهاء: يجوز نقل اللقيط من البادية إلى القرية، ومن القرية إلى البلد لا عكسهما)، (يجوز نقل اللقيط من البادية إلى القرية ومن القرية إلى البلد لا عكسهما)؛ لأن المراعى مصلحته، ومصلحته في الاجتماع لا في الانفراد. (لا عكسهما، ولا شك أن الإنسان مدني بالطبع، وهو محتاج إلى السواد الأعظم).

 الإنسان مدني بالطبع هذه ينسبونها إلى ابن خلدون، كل من تكلم في علم الاجتماع يقول: قال ابن خلدون، مع أن الكرماني قبله، ووجدته في كلام ابن القيم وهو قبلهما.

(محتاج إلى السواد الأعظم، وكمال الإنسانية لا يحصل إلا بالتمدن.

قلتُ: ذلك عند عدم الفتنة وعدم وقوعه في المعاصي، وعند الاجتماع بالجلساء الصلحاء، وأما اتباع الشعف والمعاطن وطلب الخلوة والانقطاع إنما هو في أضداد هذه الحالات. النووي: وفي الحديث فوائد)، يعني قال النووي.

 (وفي الحديث فوائد: منها فضل العزلة في أيام الفتن، إلا أن يكون الإنسان ممن له قدرة على إزالة الفتنة، فإنه يجب عليه السعي في إزالتها إما فرض عين، وإما فرض كفاية بحسب الحال والإمكان. وأما في غير أيام الفتنة فاختلف العلماء في العزلة والاختلاط أيهما أفضل؟

مذهب الشافعي والأكثرين إلى تفضيل الخلطة لما فيها من اكتساب الفوائد وشهود شعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال الخير إليهم ولو بعيادة المرضى وتشييع الجنائز وإفشاء السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى وإعانة المحتاج وحضور جماعاتهم، وغير ذلك مما يقدر عليه كل أحد، وإن كان صاحبَ علم أو زهد تأكد فضل اختلاطه.

وذهب آخرون إلى تفضيل العزلة؛ لما فيها من السلامة المحققة، لكن بشرط أن يكون عارفًا بوظائف العبادة التي تلزمه وبما يُكلف به. قال: والمختار تفضيل الخلطة لمن لا يغلب على ظنه الوقوع في المعاصي. وأقول: والمختار في عهدنا تفضيل الانعزال؛ لندور خلو المحافل عن المعاصي)، أكثر الشراح قالوا هذا. (والمختار في عهدنا تفضيل الانعزال؛ لندور خلو المحافل عن المعاصي، والله أعلم.

قال: وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر؛ لأنه لا يلزم من لفظ الحديث عد الفرار دينًا وإيمانًا، بل هو صيانة للدين، فلعل البخاري نظر إلى أنه صيانة له فترجم له هذه الترجمة. وأقول: لا نظر؛ إذ كله من ابتدائه أي الفرار من الفتن منشؤه الدين، والحديث يدل عليه؛ لأن الباء للسببية، وثم التقريب ظاهر).

يعني القرب بين الوسيلة والغاية ظاهر، حتى إن من الوسائل ما يقرب من أن يكون غاية، ومن الوسائل ما يبعد.

المقصود أن، مثل الوضوء مثلاً هو وسيلة للصلاة، لكنه بحد ذاته غاية رُتِّب عليه أجور، ورتِّب على الخلل به أوزار، فهو بحد ذاته غاية، وفي نفس الأمر وسيلة. لكن إذا لم يتم حفظ الدين إلا بالفرار؟ صار الفرار دينًا؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما دخل في إطار الأحكام الشرعية من الوجوب والاستحباب فهو دين.

نعم.

طالب: ..........

يعني لأجل الفرار؟

طالب: ..........

 لا.

طالب: ..........

لأنه يلزم عليه أن الدين... ما أدري... فيبعد قليلًا.

يقول: ما هي أفضل طبعة لتفسير ابن كثير؟

ابن كثير طبعاته كثيرة جدًّا، وظهر لي الأوقات المتأخرة في هذه السنة والتي قبلها أيضًا طبعات لها قيمة، مثل طبعة دار ابن الجوزي تأملتها فإذا بها من خير الطبعات، وعليها خدمة وتخريج وتصحيح، فهي نافعة.

يقول: وما رأيك في كتاب منحة العلام شرح بلوغ المرام للشيخ الفوزان، وهل تنصحون طالب العلم أن يبدأ به؟

واللهِ ما قرأت في الكتاب، لكن الشيخ مظنة التجويد، الشيخ يؤلف في مكتبته ثم يدرس هذا التأليف، فيتضافر إليه التوثيق من المصادر، ثم بعد ذلك تحرير المسائل بالتدريس، وهو مظنة التجويد، والشيخ معروف، وهو الشيخ عبد الله ليس الشيخ صالح، الشيخ صالح له شرح، لكنه دروس ليس بتأليف.

هذا يقول: ما أفضل طبعة لفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية؟

ما زال المعول على الطبعة الأولى أي مجموع فتاوى، المجموع التي جمعها الشيخ عبد الرحمن بن القاسم، السبعة والثلاثين مجلدًا التي طبعها الملك سعود، وأتمها الملك فيصل، ثم صُورت عنها تصويرات كثيرة، وأفضلها تصوير المجمع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف؛ لأنه رُسمت الآيات برسم المصحف، كانت مطبوعة طباعًا مثل حروف الكتاب، لكنها نُزلت من مصحف المجمع، ووجد -بعض وإن كان قليلًا- بعض الأخطاء في الآيات التي في الطباعة الأصلية، لكن لما نزلت من المصحف تلافوا هذه الأخطاء. هذا بالنسبة لطباعة الفتاوى المجموع الكبير.

 أيضًا هناك أكثر من إصدار لفتاوى شيخ الإسلام، منها الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام المطبوعة في خمسة مجلدات كبار في مطبعة فرج الله الكردي من مصر، هذه الطبعة فيها أخطاء وأوهام وتصحيف وتحريف أشياء كثيرة يمكن كثير من المواضع ما يستقيم معها الكلام، وهو طبع من كتب شيخ الإسلام الشيء الكثير وطبع لغيره من كتب أهل العلم. ورأيت في مقدمة الاختيارات للشيخ حامد الفقي طبعة أنصار السنة المحمدية قدح في فرج الله الكردي، وقال إنه طبع الاختيارات في مطبعته مطبعة كردستان العلمية، وقال: إنه بهائي، الرجل بهائي، واتهمه بأنه يحرف الكلام. لكن الرجل طبع ونشر وأوجد كتبًا كانت مفقودة واستفاد الناس منها فيظ مدة ثم بعد ذلك إلى أن صحح.

على كل حال الشيخ حامد أيضًا يتصرف فيما يطبع، وحصل له في بعض مطبوعاته أخطاء وأوهام كثيرة جدًّا، وهو رئيس أنصار السنة، يعني ما يشك في عقيدته، ولا يشك في ديانته، رجل يعني ما فيه إشكال، لكنه عنده جرأة -رَحمةُ اللهِ عَليهِ-، وعنايته في الطباعة والتصحيح أقل من مستواه العلمي، حتى إنه طبع شرح الكوكب، ووجد سقط في موضع واحد أكثر من مائتي صفحة! في موضع واحد أكثر من مائتي صفحة سقط. قد يقال: إنه ما وجد إلا هذه الطبعة ذي؟

لكن يبقى أنه أين؟ خلل كبير، لم ينتبه له، صغار الطلبة ينتبهون لمثل هذا الخلل، وأيضًا في هذه الطبعة ما يزيد على خمسين صفحة خطأ وصواب، وكثير من مطبوعاته فيها أخطاء، لكن مع ذلك يبقى أنه من أهل العلم ومن أهل الدين ومن أهل الدعوة، وحرصه على توحيد العبادة، كما أن الجماعة أيضًا عندهم حرص على توحيد العبادة معروف ومشهود.

يقول: ذكرتم في درس سابق ما ورد عن الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- أنه كان يصلي في اليوم ثلاثمائة ركعة، وقد ذكر هذا الخبر أحد الأساتذة في الكلية، وعلق عليه بأنه من الصعوبة بمكان أن يتصور مثل هذا الأمر، ثم كأنه بدأ يحسب هذا بالساعات والدقائق مؤكدًا أنه غير متصور، مع العلم أن من ذكره من الأساتذة حديث السن لا أظنه بلغ الأربعين من العمر؟

الذي ما جرب ما يقدر الأمور قدرها، الذي ما جرب يصعب عليه أن يتصور، وإذا حسبنا الركعة بدقيقة، الركعة المجزئة أقل ما تؤدى بدقيقة، وعندك ثلاثمائة دقيقة يعني كم؟ خمس ساعات في اليوم والليلة. ناس أوقاتهم محفوظة، ما فيها ضياع ولا فيها فضول ولا فيها اجتماعات لا خير فيها مثل ما عندنا.

يقول: كيف يُرد على من احتج بعدم سنية جلسة الاستراحة إلا للعاجز بقوله: إن وائل بن حُجر -رَضِيَ اللهُ عنهُ- روى صفة صلاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكرها، ومالك ذكرها، وقد جاء في آخر حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما دل على أنه ما جلسها إلا حين عجز؟

أولاً ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- قرر أنه لا يفعلها إلا عند الحاجة، أقول: الحاجة تدعو إلى تركها لا إلى فعلها، والواقع يشهد بذلك. الآن العاجز الكبير السن أو مريض الروماتزم لا مريض ركب ولا... يقدر جلسة الاستراحة، أم يقوم فورًا وأول ما تقوم مؤخرته؟ العاجز لا يستطيع أن يجلس جلسة استراحة، وهم يقولون: ما يجلس إلا عاجز.

الأمر الثاني أنها جاءت في حديث مالك بن الحويرث في صحيح البخاري، وجاءت في بعض طرق حديث المسيء في صحيح البخاري، وجاءت في بعض طرق حديث أبي حميد بمحضر عشرة من الصحابة. المسيء الآن من أين أُتي، من عجزه أم من عجلته وخفته؟ من خفته، وجاءت في بعض طرق حديثه. الإشكال أن الإنسان قد يهجم على عقله شيء ثم لا يستطيع أن يفكر، ابن القيم محل قناعة من الناس، ومن قرأ كلامه يقتنع، ولا هو يفكر إطلاقًا. لكن لو أدنى نظر في الموضوع ما يحتاج إلى أن يلغي عقله، ويتبع ابن القيم أو غير ابن القيم، مع أنه إمام وعالة عليه كثير من الناس، واستفدنا منه فوائد عظيمة، لكن ما يلزم أن نقلده في كل ما نقول.

طالب: ..........

إذا كان في وتر من صلاته لم يقم حتى يجلس.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"