كتاب الإيمان (17)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بابٌ: أيُّ الإسلامِ أفضلُ؟".

انتهينا منه.

طالب: لا، شرحته ولا قريناه.

هاه؟

طالب: شرحته ولا قريناه.

أوما قرأته؟

اقرأ.

طالب: "حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»".

"بَابٌ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلاَمِ.

 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

 فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "باب"، والترجمة أو لفظ الباب لا يوجد عند الأصيلي، و"إطعام الطعام من الإسلام" في بعض النسخ: من الإيمان، إطعام الطعام من الإيمان. وأما إبدال النبي بالرسول في قوله: "سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-"، في بعض الروايات كرواية أبي ذر والمستملي: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقلنا: إن مثل هذا لا يؤثر؛ لأن المتحدث عنه واحد، والمنضاف إليه الكلام واحد، فلا يتأثر بتغيير لفظ الرسول بلفظ النبي.

"أي الإسلام خير؟"، في الباب الذي قبله: "أي الإسلام أفضل؟"، وسبق شرحه في الباب الذي قبله.

"قال" عند أبي ذر: فقال، في الجواب: فقال.

"قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»".

يقول الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في شرح الباب، يقول: (قوله: "بابٌ" هو منون، وفيه ما في الذي قبله)، يعني من جواز التنوين وعدمه، كل الأبواب التي مضت يجوز فيها التنوين وعدمه؛ لأنه مضاف إلى جملة، فيقطع عن الإضافة، ويضاف إلى الجملة، أما لو كان مضافًا إلى مفرد: كتاب الإيمان أو باب الإيمان، فهذا يتعين فيه الإضافة.

(قوله: "من الإسلام"، للأصيلي: من الإيمان، أي: من خصال الإيمان. ولما استدل المصنف على زيادة الإيمان ونقصانه بحديث الشُّعب) الماضي (تتبع ما ورد في القرآن والسنن الصحيحة من بيانها)، يعني الشعب جاءت مجملة واقتصر على ذِكر أعلاها وأدناها، وترك ما بين الأعلى والأدنى، واجتهد العلماء في تتبع ما بينهما كما تقدم، وصنفوا في شعب الإيمان: أبو عبد الله الحليمي صنف المنهاج في شعب الإيمان، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات، وعمل عليه البيهقي كتابه شعب الإيمان فرع عن كتاب الحليمي، ويصلح أن يكون فرعًا، ويصلح أن يكون أصلاً، كيف يكون فرعًا، وكيف يكون أصلاً؟

طالب: فرع باعتبار.......

فرع باعتبار أن الحليمي متقدم عليه، والبيهقي عمل على كتاب الحليمي، وهو أصل باعتبار أنه مسند، الحليمي بدون أسانيد والبيهقي بالأسانيد، والكتب الأصلية عند أهل العلم هي التي تُروى الأحاديث فيها بالأسانيد بأسانيد مؤلفيها، فهو فرع باعتبار أصل باعتبار.

ونظيره في المصنفات الفردوس للديلمي الأب مجرد عن الأسانيد، ومسند الفردوس للابن مسند، فهو فرع باعتبار أنه مبني على كتاب سبقه وأصل باعتبار أنه يروي الأحاديث بالأسانيد الخاصة بالمؤلف، والكتب الأصلية عند أهل العلم التي تُروى فيها الأحاديث بالأسانيد.

يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: (ولما استدل المصنف على زيادة الإيمان ونقصانه بحديث الشعب تتبع ما ورد في القرآن والسنن الصحيحة من بيانها).

 لكن هل استوعب البخاري العدد الذي ذكره في حديث الشعب: بضع وستين؟ ما استوعب، ترك بعض الأشياء للمتعقب، ويكفيه أنه ذكر ما وجده على شرطه، ما وجده على شرطه، البخاري ما يخفى عليه ما جمعه غيره من الشعب، لكنه التزم بشرط معين لا يخرج في صحيحه إلا ما تحقق فيه هذا الشرط، والذين تتبعوا ووجدوا العدد المطلوب ما التزموا بشرط البخاري، البخاري ما يخرج عن شرطه من أجل أن يكتمل العدد عنده، ويورد ما ينطبق عليه شرطه.

(فأورده في هذه الأبواب تصريحًا وتلويحًا، وترجم هنا بقوله: "إطعام الطعام")، "إطعام الطعام من الإسلام"، (ولم يقل: أي الإسلام خير؟ كما في الذي قبله؛ إشعارًا باختلاف المقامين وتعدد السؤالين كما سنقرره)، في الباب السابق: "أي الإسلام أفضل؟"، وهنا: "أي الإسلام خير؟"، عرفنا الفرق بين أفضل وخير في الدرس الماضي، لكن لماذا لم يترجم البخاري: باب أي الإسلام خير؟ كما ترجم في الذي قبله: أي الإسلام أفضل؟ قال: (وترجم هنا بقوله: "إطعام الطعام" ولم يقل: أي الإسلام خير؟ كما في الترجمة السابقة)؛ لأن هذا تكرار، خير وأفضل متقاربة من حيث المعنى بينهما فرق دقيق تقدم ذكره.

(ولم يقل: أي الإسلام خير؟ كما في الذي قبله؛ إشعارًا باختلاف المقامين، وتعدد السؤالين كما سنقرره)، البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- يتفنَّن في التراجم، فتجده في ترجمة يذكر من لفظ الحديث، وتجده في ترجمة من معنى الحديث وفحوى الحديث، وتجده في ترجمة يأخذها من بعض روايات الحديث التي ذكرها في مقام آخر أو كتاب آخر، وأحيانًا يأخذ الترجمة من رواية لم يخرجها هو، وإنما هي مروية عند غيره. كل هذا من أجل شحذ همة الطالب ليتتبع طرق الحديث.

(إشعارًا باختلاف المقامين وتعدد السؤالين كما سنقرره. قوله: "حدثنا عَمرو بن خالد" هو الحَرَّاني وهو بفتح العين وصحَّف من ضمَّها)، قال: عُمر بن خالد، صوابه: عَمرو بفتح العين، والواو جُعلت للفرق بين عَمرو وعُمر، إذا سلم من ضبط العين تفرق بينهما هذه الواو. ويخطئ من ينطقها بالواو في جميع الحالات، بعض الناس يقول: عَمرُو باستمرار! هي تُنطق عَمرُو في حال الرفع، حدثنا عَمرُو بن خالد هذا رفع، في حال النصب سمعت عَمرَو بن خالد؛ لأن الواو ما جيء بها من أصل بناء الكلمة، إنما جيء بها للتفريق بين عَمرو وعُمر، سمعت عَمرًا، مررت بعمرِو بن خالد، وهنا يقول: (هو الحراني وهو بفتح العين وصحف من ضمها). 

عمرو بن عثمان صحفه الإمام مالك -رَحِمَهُ اللهُ- وهو إمام دار الهجرة ونجم السنة مثل ما قيل في هذا أو عكس ما قيل في هذا، قال: عُمر بن عثمان، ومالك سمى ابن عثمان عُمر، ومالك -رَحِمَهُ اللهُ- إمام على قدر كبير من الضبط والحفظ والإتقان، ومع ذلك كان يشير إلى بيته إذا مر به: هذا بيت عُمر بن عثمان، وغيره يقولون: عَمرو بن عثمان، ومالك سمى ابن عثمان عُمر، وهنا الأصل عمرو كما هو الشأن في عمرو بن عثمان وصحَّف من ضمها فقال عمر.

(قوله: "الليث" هو ابن سعد فقيه أهل مصر)، حدثنا الليث ما ينصرف إلا إليه في كتب الحديث، وفي كتب الفقه إذا ذُكر رأي لليث فهو ابن سعد فقه أهل مصر، وأما إذا ذكر في كتب اللغة: قال الليث، ذكر الليث، الليث ابن المظفر ما هو ابن سعد، بعض الناس خلاص يستقر في ذهنه الليث ابن سعد ويترجم له، والنقل في مسألة لغوية، كما هو شأن من ترجم لأبي حاتم الرازي في نقل لغوي، أبو حاتم السجستاني، كل مقام له من يناسبه ممن يقول به.

فعلى طالب العلم أن ينتبه لهذه الأمور، لهذه الأشياء.

في كتب من الكتب المتقدمين يذكر رأي بكر بن عبد الله المزني ويترجم لبكر بن عبد الله أبو زيد! نعم! يعني بعد بكر بن عبد الله المزني باثني عشر قرنًا. طالب العلم يجب أن يكون نبيهًا لمثل هذه، ينتبه لمثل هذه الأمور، وذكرنا مثالاً مرارًا رددناه وهو ما يُذكر في تفسير القرطبي: سمعت شيخنا أبا العباس، هذه كلمة يكررها ابن القيم كثيرًا، وقد راجعت شيخنا أبا العباس مرارًا، هذه بالحرف يقولها ابن القيم، فلما جاءت هذه الكنية في تفسير القرطبي، فإذا بأحدهم يقول: هو شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، والقرطبي المفسر توفي وعمر شيخ الإسلام يمكن خمس سنوات أو ست، طفل. رحمة الله على الجميع. شيخه أبو العباس القرطبي صاحب المفهم. دعنا من لم يجد ترجمة لابن اللبون! أو «بضع وستون شعبة» يترجم شعبة بن الحجاج! فهؤلاء منتهون!!

طالب: .......

نعم، معروفون، هذا ما يختلف، مذكورون في كتب المصطلح في باب المتفق والمفترق، مذكورون في المتفق والمفترق، الخليل بن أحمد سبعة. طالب العلم يجب أن يكون نبيهًا، ما تمشي عليه مثل هذه الأمور.

("عن يزيد" هو ابن أبي حبيب الفقيه أيضًا.

قوله: "أن رجلاً" لم أعرف اسمه)، يعني السائل الذي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول الحافظ: (لم أعرف اسمه)، وهذا يُبحث في كتب المبهمات وهي مصنفات كثيرة، منها للخطيب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة، ومنها للنووي، ومن أجمعها المستفاد من مبهمات المتن والإسناد لأبي زرعة ابن الحافظ العراقي هذا من أجمع ما كُتب في الباب.

(لم أعرف اسمه، وقيل: إنه أبو ذر، وفي ابن حبان أنه هانئ بن يزيد والد شريح)، يعني ابن هانئ (سأل عن معنى ذلك فأجيب بنحو ذلك.

قوله: «أي الإسلام خير؟» فيه ما في الذي قبله من السؤال، والتقدير: أي خصال الإسلام؟ وإنما لم أختر خصال في الأول)، هناك: أي الإسلام.

طالب: أفضل.

ماذا؟

طالب: أفضل.

أفضل. فقال: «المسلم من سلم المسلمون»، أي الإسلام أفضل؟ قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». الكرماني لما قال: المراد الخصال، احتاج أن يؤول ويقدر قبل «المسلم من سلم المسلمون» ليوافق السؤال. وهنا: (أي خصال الإسلام؟)؛ لأن الجواب بخصال، وفي الموضع الأول بالمسلم بصاحب الخصال، وقلنا: إنه يمكن أن يُسأل عن الخصال أو يُسأل عن صاحب الخصال ويجاب بالعكس، وذكرنا مثالاً على ذلك: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؟ الجواب: {قُلِ اللَّهُ} [الرعد: 16]، {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؟

طالب: السبع لا الأرض.

{مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ} [المؤمنون: 86]؟ {قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام: 12]، الجواب: قلنا إنه يمكن أن يقال في الجواب: قل الربوبية المأخوذة من قوله {قُلْ مَنْ رَبُّ} الربوبية {لِلَّهِ}. وهذا يمشي عند أهل العلم وجارٍ عليه التقدير مثل هذا، لكن ما لا يحتاج إلى تقدير عند أهل العلم أولى مما يحتاج إلى تقدير، فتقدير الكرماني يحتاج إلى تقديرين، بينما تقدير الحافظ يحتاج إلى تقدير واحد وهو أولى.

(وإنما لم أختر تقدير خصال في الأول؛ فرارًا من كثرة الحذف، وأيضًا فتنويع التقدير يتضمن جواب من سأل فقال: السؤالان بمعنًى واحد والجواب مختلف، فيقال له: إذا لاحظت هذين التقديرين بان الفرق)، في الموضع الأول السؤال عن ذوي الخصال، وفي الموضع الثاني عن الخصال، فلا يكون هناك تكرار في السؤالين.

(وأيضًا فتنويع التقدير يتضمن جواب من سأل فقال: السؤالان بمعنًى واحد والجواب مختلف. فيقال له: إذا لاحظت هذين التقديرين بان الفرق، ويمكن التوفيق بأنهما متلازمان؛ إذ الإطعام مستلزم لسلامة اليد، والسلام لسلامة اللسان)، يعني هل الذي يطعم الطعام بيؤذيهم بيده؟ وهل الذي يبذل السلام للعالَم من عرف ومن لم يعرف يؤذيه بلسانه؟ وهذا ملحظ جيد من الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-.

(ويمكن التوفيق بأنهما متلازمان؛ إذ الإطعام مستلزم لسلامة اليد، والسلام لسلامة اللسان؛ قاله الكرماني، وكأنه أراد في الغالب)، لأن بعض الناس قد يكون كريمًا لكنه يؤذي. (وكأنه أراد في الغالب، ويحتمل أن يكون الجواب اختلف لاختلاف السؤال عن الأفضلية إن لوحظ بين لفظ أفضل ولفظ خير فرق، وقال الكرماني: الفضل بمعنى كثرة الثواب في مقابلة القلة، والخير بمعنى النفع في مقابلة الشر)، الفضل «أي الإسلام أفضل؟» و«أي الإسلام خير؟»، يقول: (الفضل) هذا كلام الكرماني (بمعنى كثرة الثواب في مقابلة القلة، والخير بمعنى النفع في مقابلة الشر، فالأول من الكمية والثاني من الكيفية فافترقا.

واعتُرض بأن الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، أما إذا كان كل منهما يُعقل تأتيه في الأخرى فلا).

 يعني يمكن أن يقال: «أي الإسلام خير؟» فيقول: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، ويمكن أن يقال: «أي الإسلام أفضل؟» فيقال: «إطعام الطعام» إلى آخره.

(واعتُرض بأن الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، أما إذا كان كل منهما يُعقل تأتيه في الأخرى فلا، وكأنه بنى على أن لفظ خير اسم لا أفعل تفضيل، وعلى تقدير اتحاد السؤالين جواب مشهور، وهو الحمل على اختلاف حال السائلين أو السامعين).

 لأنه تكرر السؤال الواحد من سائلين متعددين وتعدد الجواب، فمن أهل العلم من يقدر: مِن، مِن أفضل كذا، أفضل الأعمال كذا، فيقدر: مِن أفضل الأعمال، فتكون كل الأجوبة: مِن أفضل الأعمال، ومنهم من يقول: إن أجوبته -عليه الصلاة والسلام- التي اختلفت من سائل إلى سائل؛ نظرًا لاختلاف أحوالهم، يعني هل يمكن أن يجيئك شخص تفهم من سؤاله الغباء، فتقول له: أفضل الأعمال العلم؟

طالب: لا.

ما يمكن.

طالب: .......

شخص ليس عليه علامات نجابة ولا فهم ولا حفظ وعنده قوة وجرأة تقول: «أفضل الأعمال الجهاد في سبيل الله»، ويجيئك شخص ضعيف الخِلقة تهزه الريح، وعليه علامات نجابة أو كذا تقول له: «أفضل الأعمال الجهاد في سبيل الله»؟ لا، ولذلك يختلف الجواب باختلاف أحوال السائلين.

(وكأنه بنى على أن لفظ خير اسم لا أفعل تفضيل)، مع أنها تجيء، خير وشر تجيء أفعل تفضيل، وهذا الأصل فيها: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24].

(وعلى تقدير اتحاد السؤالين جواب مشهور وهو الحمل على اختلاف حال السائلين أو السامعين، فيمكن أن يُراد في الجواب الأول تحذيرُ من خُشي منه الإيذاء بيد أو لسان، فأُرشِد إلى الكف، وفي الثاني ترغيبُ من رُجي فيه النفع العام بالفعل والقول، فأُرشِد إلى ذلك. وخص هاتين الخصلتين بالذكر؛ لمسيس الحاجة إليهما في ذلك الوقت؛ لما كانوا فيه من الجَهد ولمصلحة التأليف، ويدل على ذلك أنه -عليه الصلاة والسلام- حث عليهما أول ما دخل المدينة، كما رواه الترمذي وغيره مصححًا من حديث عبد الله بن سلام).

 وفي التعليق: ولفظه «أيها الناس أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».

كلام واضح، لكن هل مثل هذا الكلام الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، هل مثل هذا الكلام يعجب العيني؟

العيني يقول: (الفرق تام بلا شك)، (واعترض بأن الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة).

العيني في صفحة مائة وست وثلاثين من المجلد الأول، لما تكلم على الترجمة يقول، نبدأ من الأول، يقول: ("باب: إطعام الطعام من الإسلام". الكلام مثل الكلام فيما قبله في الإعراب وتركه، وفي رواية الأصيلي: من الإيمان. موضع: من الإسلام. والتقدير: إطعام الطعام من شعب الإسلام أو الإيمان؛ وذلك لأنه لما قال أولاً باب أمور الإيمان، وذكر فيه أن الإيمان له شعبًا، ذكر عقيبه أبوابًا كل باب منها يشتمل على شيء من الشعب، وهذا الباب فيه شعبتان: الأولى إطعام الطعام، والثانية إقراء السلام مطلقًا. وبقية المناسبة بين البابين، وهي أن الباب الأول فيه أفضلية من سلم المسلمون من لسانه ويده.

 وقد ذكرنا أن المراد من الأفضلية الخيرية وأكثرية الثواب، وهذا الباب فيه خيرية من يُطعم الطعام ويقرأ السلام، ولا شك أن المُطعِم في سلامة من لسان المُطعَم ويده؛ لأنه لم يُطعمه إلا عن قصد خير له) وكل واحد يَسلم من الثاني؛ لأن النفوس جُبلت على حب من أحسن إليها، وإذا وُجد الإحسان لن يكون هناك تعدٍّ لا بلسان ولا بيد.

(لأنه لم يُطعمه إلا عن قصد خير له، وكذلك المُسلَّم عليه في سلامة من لسان المُسلِّم ويده؛ لأن معنى السلام عليك: أنت سالم مني ومن جهتي.

فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: باب أي الإسلام خير؟ كما قال في الباب الأول: أي الإسلام أفضل؟ قلت: لاختلاف المقام؛ لأن أفضليته هناك راجعة إلى الفاعل، والخيرية هاهنا راجعة إلى الفعل، وهذا وجه، وأحسن من الذي قاله الكرماني، وهو أن الجواب هاهنا -وهو تطعم الطعام- صريح في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل الإطعام من الإسلام، بخلاف ما تقدم؛ إذ ليس صريحًا في أن سلامة المسلمين منه من الإسلام انتهى).

يعني لا يمكن أن يؤخذ الإسلام من لفظ المسلم، يعني المسلم المتصف بالإسلام، «أي الإسلام خير؟» قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فالسلامة تجمع الوصف والموصوف.

(إذ ليس صريحًا في أن سلامة المسلمين منه من الإسلام، انتهى. قلت: إذا كان مَن سلم المسلمون من لسانه ويده أفضل ذوي الإسلام، فبالضرورة إطعام الطعام يكون بكون السلامة منه من الإسلام، على أن الكناية أبلغ من التصريح. فافهم.

فإن قلت: هل فرق بين أفضل وبين خير؟ قلت: لا شك أنهما من باب التفضيل، لكن أفضل يعني كثرة الثواب في مقابلة القلة، والخير يعني النفع في مقابلة الشر، والأول من الكمية، والثاني من الكيفية. وتعقَّبه بعضهم بقوله)، يعني...

طالب: ابن حجر.

ابن حجر. (وتعقبه بعضهم بقوله: الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، أما إذا كان كل منهما يُعقل تأتيه في الأخرى فلا، وكأنه بنى على أن لفظ خير اسم لا أفعل تفضيل. انتهى.

قلت: الفرق تام بلا شك؛ لأن الفضل في اللغة الزيادة، ويقابله القلة، والخير إيصال النفع، ويقابله الشر، والأشياء تتبين بضدها. وفي العباب: الفضل والفضيلة خلاف النقص والنقيصة، وقال: الخير ضد الشر، وقوله: كأنه بنى على أن لفظ خير اسم لا أفعل تفضيل ليس موضع التشكيك؛ لأن لفظة خير هاهنا أفعل تفضيل قطعًا؛ لأن السؤال ليس عن نفس الخيرية وإنما السؤال عن وصف زائد وهو الأخيرية، غير أن العرب استعملت أفعل التفضيل من هذا الباب على لفظه، فيقال: زيد خير من عمرو، على معنى أخير، ولهذا لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث).

(قوله: «تطعم» هو في تقدير المصدر، أي: أن تطعم، ومثله: تسمع بالمُعَيْدي).

طالب: أحسن الله إليك.

نعم.

طالب: .......

أين؟

طالب: .......

كلٌّ له وجهه؛ لأن نظر ابن حجر من جهة ومن زاوية، والعيني نظر من جهة أخرى، فكلٌّ له وجهه.

قال: (هو في تقدير المصدر، أي: أن تطعم، ومثله: تسمع بالمُعَيْدي)، يعني أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وتأويله: سماعك بالمعيدي، وهنا: إطعامك الطعام.

(هو في تقدير المصدر) وإن لم يصرح بأن المصدرية، تقدر ثم يسبك منها وما دخلت عليه مصدر تقديره: طعامك أو إطعامك الطعام.

(وذَكَر الإطعام؛ ليدخل فيه الضيافة وغيرها)، يعني جاء في الضيافة، إكرام الضيف أحاديث، وإكرام الجار فيه أحاديث، بر الوالدين وإكرامهم فيه أحاديث، صلة الأرحام فيه أحاديث، لكن الحديث يجمع الجميع.

قال: (وذِكْر الإطعام؛ ليدخل فيه الضيافة وغيرها.

وقوله: «وتقرأ» بلفظ مضارع القراءة بمعنى تقول. قال أبو حاتم السجستاني: تقول اقرأ -عليهِ السَّلامُ- ولا تقول: أقرئه السلام)، طيب جبريل -عليهِ السَّلامُ- قال: «أقرئ أمتك مني السلام».

طالب: «أقرئ عائشة»، أو «خديجة».

«خديجة».

طالب: «خديجة».

«خديجة».

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

إبراهيم نعم. إبراهيم، «وأخبرهم أن الجنة قيعان»، نعم. أما جبريل فهو: «أقرئ خديجة، وبشرها ببيت من قصب».

(قال أبو حاتم: تقول اقرأ -عليهِ السَّلامُ- ولا تقول أقرئه السلام، فإذا كان مكتوبًا قلت: أقرئه السلام، أي اجعله يقرأه.

قوله: «ومن لم تعرف» أي لا تخص بذلك أحدًا تكبرًا أو تصنعًا)، المشكلة الآن أن الساري بين الناس أن السلام للمعرفة في الغالب، كثير للمعرفة، كثير من أبواب الخير التي جاء الحث عليها بالإطلاق تقيدت بالمعرفة، ما تصلي إلا على شخص تعرفه أو تعرف ذويه، ما تشيع إلا شخصًا تعرفه أو تعرف ذويه، وهكذا، ما تعزي إلا من تعرفه وتعرف ذويه، ما تعُود إلا من تعرفه وتعرف ذويه، هذا غالب في الناس، وبعض الناس يجعلها مقايضة.

طالب: صحيح يا شيخ.

مقايضة، تقول: واللهِ ما جاء يعزينا بوالدنا نروح نعزيه، أو ما صلى على أخينا نصلي على أخيه! المسألة حرمان، أنت اكسب الأجر بغض النظر هو صلى أم ما صلى، إذا كنت ترجو الثواب منه لا تصلِّ، إذا كنت ترجو الثواب من الله -جَلَّ وعَلا- فأجرك على الله.

(«ومن لم تعرف» أي لا تخص بها أحدًا تكبرًا أو تصنعًا، بل تعظيمًا لشعار الإسلام ومراعاةً لأخوَّة المسلم. فإن قيل: اللفظ عام، فيدخل الكافر والمنافق والفاسق؟ أجيب بأنه خُص بأدلة أخرى، أو أن النهي متأخر)، «لا تبدءوا اليهود بالسلام» (أو أن النهي) جاء (متأخر، وكان هذا عامًّا لمصلحة التأليف، وأما من شُك فيه فالأصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص)، شككت، قابلك شخص ما تدري هو مسلم أم غير مسلم؟ أنت في ديار المسلمين الأصل الإسلام إلا إذا تأكدت، وفي ديار الكفار فأعمل غلبة الظن؛ هذا في البداءة بالسلام، أما في جوابه.

طالب: ....... على كل حال.

فيجاب.

طالب: على كل حال.

فيجاب، {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94]، يجاب، وكل يجاب بما يناسبه.

طالب: أحسن الله إليكم، ما يُنظر إلى.......

على كل حال من أنواع النظر هذا، قد يستدل عليه بشكله، قد يستدل عليه بجهته، قد يستدل عليه بجنسيته، إلى آخره.

طالب: .......

واللهِ اللفظ يقتضي أنه بلفظه، لكن كل ما ينشر المحبة والمودة بين المسلمين مطلوب.

(وأما من شُك فيه فالأصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص.

تنبيهان؛ الأول: أخرج مسلم من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الإسناد نظير هذا السؤال، لكن جعل الجواب كالذي في حديث أبي موسى، فادعى ابن منده فيه الاضطراب، وأجيب بأنهما حديثان اتحد إسنادهما وافق أحدهما حديث أبي موسى).

 هذه مسألة وهي متى يُعد الحديث واحدًا، ومتى يُعد أكثر من واحد؟ لأنه أحيانًا يكون اللفظ متقاربًا والصحابي واحدًا والمخرج متحدًا، فيحكم أهل العلم بأنه رواية أو طريق من طرق الحديث، ويحكم بعضهم بأنه حديث آخر في مناسبة أخرى، وإن كان الصحابي واحدًا.

قال: (أخرج مسلم من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الإسناد نظير هذا السؤال، لكن جعل الجواب كالذي في حديث أبي موسى، فادعى ابن منده فيه الاضطراب، وأجيب بأنهما حديثان اتحد إسنادهما فوافق أحدهما حديث أبي موسى، ولثانيهما شاهد من حديث عبد الله بن سلام كما تقدم.

الثاني هذا الإسناد كله بصريون، والذي قبله كما ذكرنا كوفيون، والذي بعده من طريقيه بصريون، فوقع له التسلسل في الأبواب الثلاثة على الولاء، وهو من اللطائف).

درسنا في المعهد مادة يقال لها الصحة، درسته يا شيخ؟

طالب: ...........

يقال لها الصحة، وفيها المنع من بَلِّ الأصبع عند تفتيش الكتب، ومن الطرائف أن المدرس درس لنا وهو يشرح هذه المسألة!!

في كتاب الإيمان فيما بعد خرج الإمام البخاري حديث رقم ثمانية وعشرين.

 في الموضع الثاني من مواضع تخريج الإمام البخاري لهذا الحديث في كتاب الإيمان قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "بَابٌ: إِفْشَاءُ السَّلاَمِ مِنَ الإِسْلاَمِ. وقَالَ عَمَّارٌ: ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ".

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ"، وهو ابن سعيد، "قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ"، وهو ابن سعد، "عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»".

(قوله: "باب" منون. وقوله: "السلام من الإسلام"، زاد في رواية كريمة: إفشاء السلام، والمراد بإفشائه نشره سرًّا أو جهرًا، وهو مطابق للمرفوع في قوله: «على من عرفت ومن لم تعرف». وبيان كونه من الإسلام تقدم في "باب إطعام الطعام" مع بقية فوائده)، يعني الموضع الذي شرحناه. (وغاير المصنف بين شيخيه اللذين حدثاه عن الليث؛ مراعاةً للإتيان بالفائدة الإسنادية وهي تكثير الطرق حيث يحتاج إلى إعادة المتن، فإنه لا يعيد الحديث الواحد)، هذه مهمة. (فإنه لا يعيد الحديث الواحد في موضعين على صورة واحدة)، (فإنه لا يعيد الحديث الواحد في موضعين على صورة واحدة)، وفي موضع آخر قال: (حصل له ذلك في نحو عشرين موضعًا) في الصحيح كله، يعني أعاده بسنده ومتنه من غير تغيير، أظن في صفحة ست عشرة أو ما أدري، نسيت، بعيد العهد (في نحو عشرين موضعًا).

 نعم في صفحة ست عشرة قال: (لأنه عرف بالاستقراء من صنيعه أنه لا يذكر الحديث الواحد في موضعين من وجهين، بل إن كان له أكثر من سند على شرطه ذكره في الموضع الثاني بالسند الثاني وهكذا ما بعده، وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر تارةً بالجزم إن كان صحيحًا وتارةً بغيره إن كان فيه شيء، وما ليس له إلا سند واحد يتصرف في متنه بالاقتصار على بعضه بحسب ما يتفق، ولا يوجد فيه حديث واحد مذكور بتمامه سندًا ومتنًا في موضعين أو أكثر إلا نادرًا، فقد عُني بعض من لقيته بتتبع ذلك فحصل منه نحو عشرين موضعًا)، (عشرين موضعًا).

وهذه المواضع العشرون ذكرها بالتفصيل القسطلاني في مقدمة شرحه. هذه فوائد ينتبه لها طالب العلم، هذه ينتبه لها طالب العلم، ما تفوته هكذا.

طالب: .......

العشرون من سبعة آلاف وخمسمائة.

طالب: .......

هو لا يوجد إلا نادرًا، حديث واحد..

طالب: .......

مثل من يقول: أكثر من ثلاث وسبعين، ما معنى أكثر من ثلاث وسبعين؟ تجيء؟ يعني لو قال: أكثر من سبعين ماشٍ، لكن!

(فإن قيل: كان يمكنه أن يجمع الحكمين في ترجمة واحدة ويخرِّج الحديث عن شيخيه معًا؟)، هناك عمرو بن خالد؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: شيخه في الحديث الأول.

عمرو بن خالد.

طالب: وهنا يا شيخ والحديث الثاني قتيبة.

قتيبة، يقول: حدثنا عمرو بن خالد وقتيبة، يجمعهما، ويجمع الترجمتين.

(فإن قيل: كان يمكنه أن يجمع الحكمين في ترجمة واحدة ويخرِّج الحديث عن شيخيه معًا؟ أجاب الكرماني باحتمال أن يكون كل من شيخيه أورده في معرض غير المعرض الآخر)، وهذا يلمز به الكرماني البخاري، وهذه أيضًا يجب التنبه له: أن البخاري -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- تابع لشيوخه في كل شيء، لا يتصرف في شيء يُخل بتلقيه عن شيوخه، سواء كان بلفظ أو حال أو استنباط. يقول: (باحتمال أن يكون كل من شيخيه أورده في معرض غير المعرض الآخر)، فالبخاري مقلد لشيوخه في كل شيء على كلام الكرماني. قال: (وهذا ليس بطائل)؛ يقوله ابن حجر: (لأنه متوقف على ثبوت وجود تصنيف مُبوب لكل من شيخيه)، يعني كأن عمرو بن خالد ترجم "أي الإسلام".

طالب: .......

وقتيبة ترجم على الحديث بـ"باب إفشاء السلام من الإسلام"، تبع شيخيه في الترجمة. يقول: (وهذا ليس بطائل؛ لأنه متوقف على ثبوت وجود تصنيف مبوب لكل من شيخيه، والأصل عدمه، ولأن من اعتنى بترجمة كل من قتيبة وعمرو بن خالد لم يذكر لواحد منهما تصنيفًا على الأبواب، ولأنه لزم منه أن البخاري يقلد في التراجم، والمعروف الشائع عنه أنه هو الذي يستنبط الأحكام في الأحاديث ويترجم لها ويتفنن في ذلك بما لا يدركه فيه غيرُه، ولأنه يبقى السؤال بحاله، إذ لا يمتنع معه أن يجمعهما المصنف ولو كان سمعهما مفترقين، والظاهر من صنيع البخاري أنه يقصد تعديد شُعب الإيمان كما قدمناه، فخص كل شعبة بباب، تنويهًا بذكرها، وقَصْد التنويه يحتاج إلى التأكيد، فلذلك غاير بين الترجمتين).

وهذا الكلام لا يعجب العيني، فقال في صفحة مائة وتسعة وتسعين من عمدة القاري، يقول: (قد ذكرنا فيما مضى أنه أخرجه في ثلاثة مواضع، وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا)، انظر الموضع الذي يليه.

 ما عندك رقم؟ في الشرح؟

طالب: .......

معك الشرح، انظر الذي مع الشرح أو أطرافه، انظر الموضع الثالث.

طالب: .......

الموضع الثاني ثمانية وعشرون، والموضع الثالث ستة آلاف و...

طالب: .......

كم؟

طالب: .......

ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين، أعطني إياه.

يقول: (قد ذكرنا فيما مضى أنه أخرجه في ثلاثة مواضع، وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا، وأخرجه فيما مضى: عن عمرو بن خالد عن ليث عن يزيد عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو، وهاهنا: عن قتيبة عن ليث إلى آخره بعين هؤلاء، ونبَّه بذلك على المغايرة بين شيخيه اللذين حدثاه عن الليث، وهي تُشعر بتكثير الطرق).

طالب: .......

(وهي تُشعر بتكثير الطرق، وقد عُلم أنه لا يعيد الحديث الواحد في موضعين على صورة واحدة، على أنه بوَّب به هناك على أن: "الإطعام من الإسلام"، وهاهنا على أن: "السلام من الإسلام".

وقال الكرماني: فإن قلت: كان يكفيه أن يقول ثمة أو هاهنا باب الإطعام والسلام من الإسلام، بأن يُدخلهما في سلك واحد، ويتم المطلوب.

قلت: لعل عمرو بن خالد ذكره في معرض في بيان أن الإطعام منه، وقتيبة في بيان أن السلام منه، فلذلك ميَّزهما، مضيفًا إلى كل راوٍ ما قصده في روايته. وقال بعضهم: هذا ليس بطائل)، يقصد ابن حجر (قال بعضهم: هذا ليس بطائل؛ لأنه يبقى السؤال بحاله، إذ لا يمتنع معه أن يجمعهما المصنف، ولو كان سمِعهما مفترقين. قلت: هذا الذي قاله ليس بطائل، وهو جواب حسن، ويندفع السؤال به، ولو كان المصنف جمعهما لكان تغييرًا لما أفرده كل واحد من شيخيه، ولم يرد تغيير ذلك، فلذلك ميزهما بالبابين. فافهم. وباقي الكلام ذكرناه فيما مضى مستوفًى).

 يعني أن العيني وافق الكرماني، وخالف ابن حجر، ويعني من خلال التصرف العيني في ردوده على ابن حجر أحيانًا يوافق الكرماني مثل ما مر بنا تعصبًا، يعني في مقابل ابن حجر.

(قوله: "وقال عمار" هو ابن ياسر أحد السابقين الأولين، وأثره هذا أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب الإيمان من طريق سفيان الثوري، ورواه يعقوب بن شيبة في مسنده من طريق شعبةَ وزهيرِ بن معاوية وغيرهما، كلهم عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن زُفر عن عمار، ولفظ شعبة: «ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان» وهو بالمعنى، وهكذا رُويناه في جامع معمر عن أبي إسحاق، وكذا حدَّث به عبد الرزاق في مصنفه عن معمر، وحدث به عبد الرزاق بأخرة، فرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، كذا أخرجه البزار في مسنده وابن أبي حاتم في العلل كلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي، وكذا رواه البغوي في شرح السنة من طريق أحمد بن كعب الواسطي، وكذا أخرجه ابن الأعرابي في معجمه عن محمد بن الصباح الصنعاني ثلاثتهم عن عبد الرزاق مرفوعًا، واستغربه البزار، وقال أبو زرعة: هو خطأ.

قلت: وهو معلول من حيث صناعة الإسناد؛ لأن عبد الرزاق تغير بأخرة، وسماع هؤلاء منه في حال تغيره، إلا أن مثله لا يقال بالرأي فهو في حكم المرفوع).

 يعني الموقوف من حيث الصناعة أرجح، لكن من حيث المعنى له حكم الرفع؛ لأنه لا يقال بالرأي.

(وقد رُويناه مرفوعًا من وجه آخر عن عمار، أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده ضعف، وله شواهد أخرى بينتُها في تغليق التعليق.

قوله: «ثلاث» أي ثلاث خصال، وإعرابه نظير ما مر في قوله: «ثلاث من كن فيه». و«العالَم» بفتح اللام والمراد به هنا جميع الناس. و«الإقتار»: القلة، وقيل: الافتقار، وعلى الثاني فـ«مِن» في قوله «من الإقتار» بمعنى مع أو بمعنى عند. قال أبو الزناد بن سراج)، أبو الزناد يكثر ابنُ البطال النقل عنه، وكثيرًا ما يقول: قال أبو الزناد، قال أبو الزناد، والذي ما عنده معرفة يقول: عبد الله بن ذكوان، عبد الله بن ذكوان أبو الزناد، والمراد به: ابن سراج، متأخر هذا.

(قال أبو الزناد بن سراج وغيره: إنما كان من جمع الثلاث مستكملاً للإيمان؛ لأن مداره عليها؛ لأن العبد إذا اتصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حقًّا واجبًا عليه إلا أداه)، الإنصاف من نفسك الخصلة الأولى. (ولم يترك شيئًا مما نهاه عنه إلا اجتنبه، وهذا يجمع أركان الإيمان. وبَذْل السلام يتضمن مكارم الأخلاق والتواضع وعدم الاحتقار، ويحصل به التآلف والتحابب. والإنفاق من الإقتار يتضمن غاية الكرم؛ لأنه إذا أنفق مع الاحتياج كان مع التوسع أكثر إنفاقًا، والنفقة أعم من أن تكون على العيال واجبةً كانت أو مندوبةً أو على الضيف والزائر، وكونه من الإقتار يستلزم الوثوق بالله والزهد في الدنيا وقصر الأمل وغير ذلك من مهمات الآخرة، وهذا التقرير يُقوي أن يكون الحديث مرفوعًا؛ لأنه يشبه أن يكون كلامَ مَن أوتي جوامع الكلم، والله أعلم).

الموضع الثالث في كتاب الاستئذان. ما دخل الحديث في كتاب الاستئذان؟

طالب: .......

السلام، السلام عليكم أأدخل؛ لأن الاستئذان قبله يسبقه سلام.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "بَابُ السَّلاَمِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ المَعْرِفَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ" يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ»".

(قوله: "باب السلام للمعرفة وغير المعرفة"، أي من يعرفه المسلِّم ومن لا يعرفه، أي لا يخص بالسلام من يعرفه دون من لا يعرفه، وصَدْر الترجمة لفظُ حديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن مسعود: «أنه مرَّ برجل فقال: السلام عليك يا أبا عبد الرحمن، فرد عليه، ثم قال: إنه سيأتي على الناس زمان يكون السلام فيه للمعرفة»).

 لعل هذا إنكار على هذا المسلِّم الذي قال: السلام عليك يا أبا عبد الرحمن؛ لاحتمال أن يكون معه غيره لكنه لا يعرفه.

(وأخرجه الطحاوي والطبراني والبيهقي في الشُّعب من وجه آخر عن ابن مسعود مرفوعًا ولفظه: «إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه، وأن لا يسلِّم إلا على من يعرفه»، ولفظ الطحاوي: «إن من أشراط الساعة السلام للمعرفة»، ثم ذكر فيه حديثين: أحدهما حديث عبد الله بن عمرو)، أو عُمر؟

طالب: عُمر.

نعم. لأنه في الشرح قال: عُمر.

(قال: "حدثني يزيد" هو ابن أبي حبيب، كما ذكر في رواية قتيبة عن الليث في كتاب الإيمان. "عن أبي الخير" وهو مَرْثَد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة وآخره دال مهملة، والإسناد كله بصريون. وقد تقدم شرح الحديث في أوائل كتاب الإيمان.

قال النووي: معنى قوله «على من عرفت ومن لم تعرف» تُسلِّم على من لقيته، ولا تخص ذلك بمن تعرف، وفي ذلك إخلاص العمل لله واستعمال التواضع وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة. قلت: وفيه من الفوائد أنه لو تَرك السلام على من لم يعرف لاحتمل أن يَظهر أنه من معارفه، فقد يوقعه في الاستيحاش منه. قال: وهذا العموم مخصوص بالمسلِم، فلا يَبتدئ السلامَ على الكافر. قلت: قد تمسك به من أجاز ابتداء الكافر بالسلام، ولا حجة فيه؛ لأن الأصل مشروعية السلام للمسلِم، فيُحمل قوله: «من عرفت» عليه، وأما «من لم تعرف» فلا دلالة فيه، بل إن عَرف أنه مسلِم فذاك، وإلا فلو سلَّم احتياطًا لم يمتنع حتى يعرف أنه كافر.

وقال ابن بطال: في مشروعية السلام على غير المعرفة استفتاحٌ للمخاطبة للتأنيس؛ ليكون المؤمنون كلهم أخوةً، فلا يستوحش أحد من أحد، وفي التخصيص ما قد يوقع في الاستيحاش، ويشبه صدود المتهاجرين المنهي عنه. وأورد الطحاوي في المشكِل)، مشكل الآثار (حديث أبي ذر في قصة إسلامه وفيه: «فانتهيت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد صلى هو وصاحبه، فكنت أول من حياه بتحية الإسلام».

قال الطحاوي: وهذا لا ينافي حديث ابن مسعود في ذم السلام للمعرفة؛ لاحتمال أن يكون أبو ذر سلَّم على أبي بكر قبل ذلك، أو لأن حاجته كانت عند النبي -عليه الصلاة والسلام- دون أبي بكر. قلت: والاحتمال الثاني لا يكفي في تخصيص السلام، وأقرب منه أن يكون ذلك قبل تقرير الشرع بتعميم السلام.

وقد ساق مُسلِمٌ قصة إسلام أبي ذر بطولها، ولفظه: «وجاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى استلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى، فلما قضى صلاته قال أبو ذر: فكنت أول من حياه بتحية السلام، فقال: وعليك ورحمة الله» الحديث، وفي لفظ قال: «وصلى ركعتين خلف المقام فأتيته، فإني لأولُ الناس حيَّاه بتحية الإسلام، فقال: وعليك السلام مَن أنت؟»، وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو بكر توجَّه بعد الطواف إلى منزله ودخل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- منزله فدخل عليه أبو ذر وهو وحده، ويؤيده ما أخرجه مسلم، وقد تقدم للبخاري أيضًا في المبعث من وجه آخر عن أبي ذر في قصة إسلامه: «أنه قام يلتمس النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يعرفه ويكره أن يسأل عنه، فرآه عليٌّ فعرفه أنه غريب، فاستتبعه حتى دخل به على النبي- صلى الله عليه وسلم- فسلَّم»).

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ.......

نعم، كأنه قد رتب شعب الإيمان على الأهمية.

طالب: .......

على حسب ما.....

طالب: .......

إذا كانت المناسبة واحدة يقال.....

"