عمدة الأحكام - كتاب العتق (1)

قال -رحمه الله تعالى-:

كتاب العتق

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أعتق شركاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق)).

العتق: تحرير الرقاب وتخليصها من الرق، والرق يعرفه أهل العلم بأنه: عجز حكمي يقوم بالمرء سببه الكفر، السبب الأصلي الكفر؛ لأن الأرقاء إنما يسترقون في الجهاد في السبي، هذا الأصل ثم يتوالدون، وهو عجز حكمي، من الأرقاء من هو أقوى حقيقة من أكثر الأحرار، لكنه عجز حكمي، تقييد لتصرفات هذا العبد المسترق، وجاء فضل العتق، عتق الرقاب، وتشوف الشرع لعتقها، وجعله كفارة لكثير من المخالفات، كفارة مقدمة في كثير من المخالفات، وجاء الحث عليه {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [(11) سورة البلد] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [(13) سورة البلد] يعني عتق ((من أعتق عبداً أعتقه الله به من النار، ومن أعتق امرأتين كانتا فكاكاً له من النار)) وهذا من المواضع التي فيها المرأة على النصف من الرجل، في العتق، عتق امرأتين يعادل عتق رجل واحد؛ لأن المواضع خمسة هذا منها، ومنها الإرث، ومنها الدية، ومنها الشهادة، هاه؟ الإرث، والعتق والدية والشهادة، بقي خامس، كيف العقيقة؟ خمس ((فمن أعتق امرأتين كانتا فكاكاً له من النار)) وجاءت النصوص الكثيرة المتوافرة بفضل العتق وهو تحير الأرقاء، وتخليصهم من الرق، وجاءت نصوص في الكتاب والسنة تدل على فضله.

"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أعتق شركاً له في عبد))" شخص يملك ربع عبد، ثلث عبد وله فيه شريكان أو ثلاثة "((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل))" يعني هذا العبد له ربعه، والعبد بأربعة آلاف، إن كان عنده ثلاثة آلاف نعم ((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوم عليه قيمة عدل)) يعني قيمة العبد أربعة آلاف ولك ربعه، وعندك ثلاثة آلاف، عندك مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطى الشركاء حصصهم، يعطي الشريك ألف، والثاني ألف والثالث ألف، وعتق عليه العبد، هذا إذا كان له مال، لماذا؟ لأن الشرع يتشوف إلى الحرية التامة، إلى تحرير الأرقاء؛ لأن كونه مبعض لا يزال عبد ليس بحر، تصرفاته محدودة، ومشغول بخدمة أسياده، وقد جاء ما يدل على فضل الرق، يعني كون الإنسان رقيق، العبد المملوك له أجران، إذا وفى حقوق الله -جل وعلا-، وحقوق سيده، في الحديث الصحيح: "لولا الجهاد -وبر أمي- لأحببت أن أموت وأنا مملوك" لكن هذا قرر أهل العلم أنه مدرج من كلام أبي هريرة، على كل حال الشرع لا يظلم فكون الإنسان حر لا شك أن هذا أكمل في الميزان الشرعي، والعبودية نقص، لكن في مقابل هذا النقص شرع في الشرع أمور، كما أن الذكورة كمال والأنوثة نقص، وشرع في الشريعة جاء في شريعتنا -ولله الحمد المبنية على العدل والإنصاف- ما يسد هذا النقص، فكون المملوك له أجران هذا إهدار لهذا الشخص الذي حكم عليه من غير يد منه ولا قدره له على التحرير، كونه يجب له النفقة على سيده، والمرأة تجب عليها النفقة على زوجها أيضاً هذا من عدل الإسلام، يعني تصور لو كان مملوك ونفقة سيده عليه، ونفقة أولاد سيده عليه هذا ظلم، ما يأتي الشرع بمثل هذا، ولا يجوز أن يكلف العبد ما لا يطيق، ولا يجوز أن يهان، ولا أن يضرب، ولا أن يعير، نعم إذا أخطأ نعم، وجاء في الزانية الأمة إذا زنت ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها)) خفف عنها حتى الحد، عليها نصف حد، لماذا؟ في مقابل ما هي فيه من امتهان من قبل أسيادها، فهذا تخفيف من الشارع عليها ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليبعها ولو بظفير)) فالشارع يعني وضع هناك أمور تقابل هذا النقص، لا شك أن الرجل في الجملة أكمل، مع أنه يوجد في النساء من هي خير من كثير من الرجال، لكن المسألة تفضيل إجمالي، كما أنه يوجد في العبيد من هو أفضل من ألف من سيده في الميزان الشرعي، ومع ذلك الشرع لم يهمل حقوق الأرقاء، ولو نظر إلى المسألة بعين البصيرة لوجدنا الفرق ليس بكبير بين السيد وعبده؛ لأن الكل عبيد لله -جل وعلا-، إذا كان لا يجوز له أن يضرب العبد إلا إذا أخطأ، لا يجوز له أن يجرؤ عليه بقطع شيء من أعضائه، لا يجوز له أن يتصرف فيه إلا ضوء التصرف..، ومع ذلك يطعمه مما يطعم، ويكسوه مما يلبس، محل عناية واحترام، لكن وجود مثل هذا التفاوت ليتم عمار الكون، ليتم عمارة الأرض التي استعمرنا الله فيها، فلولا هذا التفاوت، لو كان الناس كلهم طبقة واحدة، كل واحد ممن على وجه الأرض يملك مليون، ما في فقير ولا غني، كلهم يملكون مبلغ واحد، وكلهم طولهم واحد، ولونهم واحد، ومحبتهم لطعام واحد، وشراب واحد، وما يريدون من أوصاف النساء واحد، بل النساء وصفهن واحد، يمكن يتم العمار، عمارة الكون تتم بهذا؟ ما يمكن، ولذلك العوام يقولون: لولا اختلاف الأنظار بارت السلع، صحيح، يعني لو أن الناس كلهم محتاجين إلى نوع واحد من الطعام، كلهم ما يأكلون إلا هذا النوع بقية السلع تجلس، وهذه يصير عليها قتال، يعني لو تأمل الإنسان بدقة وجود هذه الفروق، يعني تصور مثلاً أنتم بالطائف الجو عندكم جميل هذه الأيام، تصور ناس في بلد من البلدان الحرارة خمسين، والرطوبة ما أدري إيش؟ حياة يمكن يتمنى الإنسان يخرج منها، لو كل الناس اجتمعوا على هذا البراد تقاتلوا، لكن عمارة الأرض، البلد الفلاني ذاك اللي عنده الرطوبة والحرارة، قرف يعني عندهم، ومع ذلك ما يبيع ولا يشري ببلده، الله -جل وعلا- رغبه في هذه البقعة لئلا يتقاتل الناس، يعني لو تصور الإنسان تفرق الصحابة وهم الصحابة في الأمصار مع علمهم يقيناً أن الصلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، كان الصحابة كلهم في مكة أو في المدينة على أقل الأحوال تركت البلدان الأخرى، تتم عمارة الأرض بمثل هذا؟ ما تتم، فتفاوت الموجود حكمة إلهية من أجل التكامل، والسعي لإلغاء ما شرعه الله -جل وعلا- معارضة لهذه الحكمة، والطعن في التشريع أيضاً إلحاد، نصوص صحيحة صريحة قطعية تبين أن جنس الرجل أفضل في الجملة من جنس المرأة {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [(36) سورة آل عمران] {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] نصوص قطعية ما لأحد كلام، لكن يبقى أن كل إنسان وعمله، امرأة اجتهدت أكثر من رجل هي أفضل من الرجل، يعني حققت العبودية أكثر من تحقيق هذا الرجل، هي أفضل منه، لكن في الجملة الكمال في الرجال أكثر، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا)) عدد يسير، فالذي له شرك في عبد، يعني ثلث عبد، ربع عبد إذا أعتق إن كان له مال لا شك أنه يلزمه أن يعطي........

ليس من تحقيقه، هذا تشوف، هذا بين المسلمين الذين يتدينون بالأوامر والنواهي، فهم المأمورون بالعتق، ويبقى أن الأصل مشروع، الرق موجود، وحكمه شرعي، ترتبت عليه أحكام، وبعض الناس يقول: لا داعي نقرأ كتاب العتق، لماذا؟ لأنه لا يوجد أرقاء الآن، فلا داعي لنقرأ أحكام الرق، نقول: لا يا أخي، إذاً نقول للرجل: ليش تقرأ كتاب الحيض؟ في يوم من الأيام تبي تحيض، لا تقرأ، والمرأة لا تقرأ كتاب الجهاد، لا تقرأ، مش صحيح ((ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) إيش معنى الدين؟ الدين بجميع أبوابه، عن الإيمان والإسلام والإحسان قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فالدين يشمل جميع الأبواب، ومنها هذا الباب، فالذي لا يتفقه في الدين فقهه ناقص، الذي لا يتفقه في كتاب العتق فقهه ناقص، أنه باب من أبواب الدين، نعم.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أعتق شقصاً من مملوك فعليه خلاصه في ماله، فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل، ثم استسعي غير مشقوق عليه)).

استسعي العبد أو ما عندك؟

أن يملك، في من أعتق الشقص وهو يملك قيمة الباقي، الحديث الثاني عن أبي هريرة في من أعتق الشقص النصيب، وهو لا يملك، قلنا في الصورة الأولى: يعتق؟ يعتق، نقول: هل يعتق على الجميع من دون أن يعتقوا؟ لا هذا ظلم لهم، إخراج لملكهم من غير طوعهم ولا اختيارهم، أنت خرجت بطوعك واختيارك كثر خيرك، عندك قيمة الباقي؟ لا والله ما عندي، ما عندي إلا ها الربع، نقول: كثر خيرك، خلاص الباقي على من؟ هل يلزم الثلاثة بأن يعتقوا مجاناً؟ لا، لا يلزموا، فعليه خلاصه كله في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل، هو المملوك السابق أبو أربعة آلاف، يبقى ثلاثة آلاف استسعي العبد، يحصل يومياً يحصل مائة ريال، تحصل مائة ريال تعطي هؤلاء كل واحد ثلاثة وثلاثون يومياً، أو تأخذ ما يكفيك منها، تأخذ عشرة عشرين طعام، وتوزع الباقي على هؤلاء الثلاثة........

لا بد تحصل خمسمائة؛ لأن المشقة تدعوه إلى أمور ارتكاب مخالفات، يمكن تضطر إلى سرقه، الآن أهل الليموزينات لما يقرر عليهم مبلغ يقال: عليك مائة ريال يومياً يستطيع المائة، لكن لو قيل: عليك........ يسيء إلى الناس، يعني تصور هذا العبد لا يستطيع أن يكتسب إلا مائة، نقول: هذه مائة، عشرين ثلاثين يكفيك أكل؟ يكفي، سبعين توزع على الثلاثة حتى ينتهي نصيبهم، وهذا معنى ثم استسعي العبد غير مشقوق عليه، نعم.

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: دبر رجل من الأنصار غلاماً له، وفي لفظ: بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً من أصحابه أعتق غلاماً عن دبر لم يكن له مال غيره، فباعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بثمانمائة درهم، ثم أرسل ثمنه إليه.

آخر كتاب العمدة في الأحكام.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب بيع المدبر

والتدبير: تعليق العتق بالموت، يعني فيه شبه كبير من إيش؟ من الوصية، الوصية التي لا تنفذ إلا بالموت، المدبر إذا قال: إذا مت فهو فلان حر، إذا مت فبكر حر، أو زيد حر، أو بلال حر.

"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: دبر رجل من الأنصار غلاماً له" يعني إذا مات فهو حر، علق عتقه على وفاته "وفي لفظ: بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً من أصحابه أعتق غلاماً له عن دبر لم يكن له مال غيره" تصور أنه يملك ألف ريال، فأوصى إذا مات هذه الألف تصرف في كذا، يمضي وإلا ما يمضي؟ الوصية لا تزيد على الثلث إلا إذا أجاز الورثة، وهذا لا يملك إلا هذا الغلام فيحرم الورثة من هذه التركة بسبب تصرف..، لو أعتقه فوراً في حياته يكون كمن أوقف وقفاً منجزاً، لكن هذه أعتقه عن دبر بموته انتقل المال منه إلى الورثة، ما يملك خلاص، لو أعتقه في مرض موته المخوف، لو أوصى بأكثر من الثلث في مرض موته المخوف ما تنفذ الوصية؛ لأنه المظنون به أنه يقصد بذلك حرمان الورثة، فيعامل بنقيض قصده، فهذا أعتق غلاماً عن دبر لم يكن له مال غيره، والمال بموته ينتقل، ينتقل هذا العبد ينتقل بموته إلى ورثته، فباعه بثمانمائة درهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- باع هذا الغلام بثمانمائة درهم، ثم أرسل بثمنه إليه، أنت ما عندك مال فكيف تفوت هذا المال على نفسك وعلى ورثتك؟ ((إنك إن تدع -كما في حديث سعد- ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)) فالوصية بأكثر من الثلث لا تجوز، هذا ليس له مال ألبتة، ليس له مال غيره، هو محتاج إلى نفقة، وهذا حكم من يخرج من جميع ماله، كما فعل أبو بكر في حياته، شخص يملك مائة ألف وقال: هذه مائة ألف في سبيل الله هو لا يملك غيرها، والناس منازل يتفاوتون ومراتب، من قدر على أن يصنع مثل ما صنع أبو بكر، وعنده من اليقين والتوكل والاعتماد على الله -جل وعلا- مثل ما عند أبي بكر الله يقويه، لكن أنه يبقي شيء من هذا المال يتقوت منه، ولا يتكفف الناس خير له، ومثله لو علق ذلك بموته، فأن يدع ورثته أغنياء خير من أن يدعهم عالة يتكففون الناس، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.