شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (285)

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: قال المصنف- رحمه الله-: عن أَنَسٍ- رضي الله عنه- قال: كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

فراوي الحديث الصحابي الجليل خادم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنس بن مالك الأنصاري النجاري مرَّ ذكره مرارًا.

 وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب ما يقول عند الْخَلاءَ، قال ابن حجر: باب ما يقول عند الْخَلاءَ، أي عند إرادة الدخول في الْخَلاءَ إن كان معدًّا لذلك وإلا فلا تقدير. يعني فلا تقدير إرادة، وهذا التقدير كما سيأتي جاء في بعض روايات الحديث أنَّ عبد العزيز بن صهيب، عن أنس «إذا أراد أن يدخل»، وستأتي الإشارة إلى هذه الرواية، وإدخال هذا الباب والأبواب التي بعده إلى باب الوضوء مرة مرة أشكل على كثير من الشراح، يعني إدخال هذا الباب ما يقول عند الْخَلاءَ.

المُقَدِّم: إلى باب الوضوء.

بين أبواب الوضوء.

المُقَدِّم: نعم.

إلى باب الوضوء مرة مرة ليعود إلى أحكام الوضوء هذا أشكل على كثير من الشراح.

المُقَدِّم: صحيح.

لأنَّه شرع في أبواب الوضوء- يعني كما يقول ابن حجر-؛ لأنَّه شرع في أبواب الوضوء، فذكر منها فرضه وشرطه وفضيلته وجواز تخفيفه.

المُقَدِّم: وإسباغه.

وأسباب إسباغه ثم.

المُقَدِّم: صفته.

ثم غسل الوجه ثم التسمية، والأصل أن تكون التسمية قبل غسل الوجه، لكن ابن حجر قال: لا أثر لتأخيرها عن غسل الوجه؛ لأنَّ محلها مقارنة أول جزء منه فتقديمها في الذكر عنه وتأخيرها سواء، لكن ذكر بعدها القول عند الْخَلاءَ، يعني بعد التسمية ذكر بعدها القول عند الْخَلاءَ، واستمر في ذكر ما يتعلق بالاستنجاء، ثم رجع فذكر الوضوء مرة مرة.

هذه مناسبة الترتيب سبق أن نقلناه عن ابن حجر، لمَّا استشكله الكرماني وقال: إنَّ البخاري لا يهتم بالترتيب، وإنَّما غاية أمره جمع الأحاديث الصحيحة؛ ولذا قال- أعني الكرماني-: ما وجه الترتيب بين هذه الأبواب مع أنَّ التسمية إنَّما هي قبل غسل الوجه لا بعده ثم توسيط أبواب الْخَلاءَ بين أبواب الوضوء؟ أجاب بقوله الذي تقدم أن ذكرناه، قلت: البخاري لا يراعي حسن الترتيب وجملة قصده إنَّما هو في نقل الحديث وما يتعلق بتصحيحه لا غير.

هذا الكلام سبق أن ذكرناه.

المُقَدِّم: تكلمنا عنه.

ورد الحافظ ابن حجر عليه.

المُقَدِّم: صحيح.

يقول ابن حجر: إنَّ الكرماني أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير، فقد ناقش البخاري في أشياء ذكرها من تفسير بعض الألفاظ بما معناه لو ترك البخاري هذا لكان أولى؛ لأنَّه ليس من موضوع كتابه، وكذلك قال في مواضع أخر إذا لم يظهر له توجيه ما يقوله البخاري، الآن يقول لمَّا رد ابن حجر على الكرماني استشكاله إدخال هذه الأبواب، وأجاب ابن حجر بمناسبات سبق ذكرها، استوفيناها في حلقات سبقت، عاب ابن حجر على الكرماني وقال: إنَّه أبطل هذا الجواب أنَّه يهتم بنقل الحديث والتصحيح، في كتاب التفسير من شرح الكرماني لمَّا ناقش البخاري في أشياء ذكرها من تفسير بعض الألفاظ بما معناه لو ترك البخاري هذا لكان أولى؛ لأنَّه ليس من موضوع كتابه، وكذلك قال في مواضع أخر إذا لم يظهر له توجيه ما يقوله البخاري، هذا كلام ابن حجر لكن الذي انتقده الكرماني من إدخال تفسير الغريب في صحيح البخاري، البخاري يُعنى بتصحيح الغريب، بتفسير الغريب، سواءٌ كان من القرآن، أو من السُّنَّة إذا كان لها أدنى مناسبة في الخبر، فيأتي بالكلمة الغريبة من القرآن ما لها علاقة بالحديث إلا أنَّها مشبهة للفظة في الحديث، أو من حديث آخر يشرحها البخاري- رحمه الله-.

كأنَّ الحافظ ابن حجر في قوله: إنَّ البخاري أبطل..، إنَّ الكرماني أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير يشير، كأنَّ الحافظ ابن حجر يشير إلى قول الكرماني في سورة يوسف، قال البخاري: وقال فضيل عن حصين عن مجاهد: «متْكأ» في تفسير سورة يوسف، القراءة {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [سورة يوسف: 31] قال البخاري: وقال فضيل عن حصين عن مجاهد: متْكأ الأترج، قال فضيل: الأترج بالحبشية متكأ، وقال ابن عيينة عن رجل عن مجاهد: متكأ، وكل شيء أو متكأ كل شيء قطع بالسكين، قال الكرماني: واعلم أنَّ البخاري يريد أن يبين أن المتَّكأ في قوله:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [سورة يوسف: 31] اسم مفعول من الاتكاء، وليس هو متّكأ بمعنى الأترج ولا بمعنى طرف الفرج، فجاءت بعبارات معجرفة؛ لأنَّ البخاري أيضًا ذكر عن بعضهم أنَّ المراد بالمتْكأ.

المُقَدِّم: طرف الفرج.

نعم، وإنَّما المتك طرف البظر، ومن ذلك قيل.. لكن هل مثل هذا الكلام يناسب السياق؟ يعني أطالوا في المراد بالمتْكأ هذا، لكنهم منهم من يفسره بحقيقته، وهو ما يتّكَأ عليه من فرش ونمارق وغيره، ومنهم من يقول: ما يستلزمه هذا المتَّكأ من طعام وغيره كالأترج مقلًا، وما يقطع بالسكين؛ لأنَّ الذي يستقبل الضيوف ويضع لهم التكآت، يقدم لهم شيئًا.

المُقَدِّم: صح.

هذا الكلام أثار حفيظة الكرماني، يقول: هذا أولًا ليس بأخبار مرفوعة التي هي موضوع الكتاب؛ لأنَّ الكتاب جملة قصده نقل الحديث وما يتعلق بتصحيحه، فلماذا يورد مثل هذه الألفاظ الغريبة؟

فالكرماني أنكر على البخاري لمَّا نقل هذه الألفاظ الغريبة ثم نقضها، يقول: لماذا ينقلها ثم ينقضها؟ المفترض أنَّه لم ينقلها أصلًا، يقول الكرماني: وأبطل الذي قال: الأترج وليس في كلام العرب الأترج، فلمَّا احتج عليهم بأنَّه المتّكأ، بأنَّ المراد المتكأ من نمارق فروا إلى شر منه فقالوا: إنَّما هو المتْك ساكنة التاء، وإنما المتك طرف البظر ومن ذلك قيل لها: متكاء، وابن المتكاء، فإن كان ثَمَّ أترج فإنَّه بعد المتّكأ، يعني إذا كان ثم أكل.

المُقَدِّم: فهو بعدما اعتدت لهنَّ المتكأ.

المقصود ماذا عليه؟ ابن حجر يريد أن يقرر أنَّ الكرماني تدخل فيما لا يعنيه هذا موضوع الكتاب، موضوع إيراد الأحاديث الصحيحة هذا الأصل، ثم بعد ذلك قد يحتاج إلى تفسير غريب القرآن وتفسير غريب الحديث، يحتاج البخاري إلى تفسير غريب القرآن وغريب الحديث، لكنه أحيانًا يأتي بلفظة تفسر لفظة في رواية لم يذكرها، ثم بعد ذلك يأتي من الشراح من لا يلوح له أدنى مناسبة لذكر هذه الكلمة، لماذا؟ لأنَّه لم يستحضر الرواية التي فيها مثل هذا اللفظ والبخاري لم يذكرها.

المُقَدِّم: جيد.

لأنَّ البخاري أحيانًا يترجم حكمًا شرعيًّا ويورد حديثًا ما فيه.

المُقَدِّم: دلالة.

دلالة على الحكم، لماذا؟ لأنَّ الحكم موجود في رواية لم يذكرها، فصحيح البخاري يحتاج إلى شخص له اطلاع على الروايات؛ ولذلك الحافظ ابن حجر لمَّا كان لديه...

المُقَدِّم: اطلاع.

هذا الشرط الذي يشترط لمن يُعاني صحيح البخاري أن يعرف الروايات؛ لئلا يقع في مثل هذه الكلمات، فجاء بعبارات معجرفة، الكرماني يعني البخاري، وهذا لا شك أنَّ فيه إساءة أدب لهذا الإمام الذي أجمعت الأُمَّة على تلقي كتابه بالقبول، ابن حجر لا يحصل له مثل هذه الأمور، ولا يشكل عليه كثير من المناسبات التي أشكلت على كثير من الشراح، لماذا؟ لأنَّ له اطلاع واسع على الروايات، لكن بعض الشراح تخفى عليه بعض الروايات الموجودة في الصحيح لكن في غير الباب.

المُقَدِّم: نعم.

مثل الكرماني، ليس من أهل الرواية، وليست له عناية بجمع الروايات يشرح الكتاب وحقيقة هو بنى لبنة من اللبنات الأولى لشرح الكتاب، وأفاد كل من جاء بعده من كتابه، وأحسن كثيرًا في كثير من كتابه إلا أنَّه في بعضها حصل له ما حصل، والسبب في ذلك أنَّه ليس من أهل الصناعة، وليس من أهل الروايات الواصلة.

في عمدة القاري: أي هذا باب في بيان ما يقول الشخص عند إرادة دخول الْخَلاءَ، وهو بفتح الخاء وبالمد موضع قضاء الحاجة سُمي بذلك لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة، يعني الموضع المعد في غير وقت قضاء الحاجة يُعمر أم خالٍ؟ هو خالٍ.

المُقَدِّم: خالٍ، نعم.

نعم، سمي بذلك لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة، وهو الكنيف والحش والمرفق والمرحاض أيضًا، هذه من أسمائه، وأصله المكان الخالي، ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك، يعني إذا قيل: الْخَلاءَ، إذا قيل الْخَلاءَ  هل ينصرف إلى الحشيش؟

المُقَدِّم: أبدًا.

أو ينصرف إلى البر الواسع الخالي.

المُقَدِّم: صار اسمًا معروفًا على..

ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك، يعني عن المكان المعد لقضاء الحاجة.

يقول العيني: وأمَّا الخلى بالقصر فهو الحشيش الرطب والكلأ الخشن أيضًا، وقد يكون خلى مستعملًا في باب الاستنجاء يعني بالقصر، مستعملًا في باب الاستنجاء فإن كسرت الخاء مع المد خِلاء فهو عيب في الإبل كالحِران في الخيل، فإن كسرت الخاء خِلاء مع المد، فهو عيب في الإبل كالحِران في الخيل، يعني لمَّا جاء في الحديث مثلًا «ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق» يعني لما حرنت، هذا عيب في الإبل لا يوجد في هذه الدابة التي هي القصواء.

 يقول الجوهري: الْخَلاءُ ممدود المتوضئ والْخَلاءُ أيضًا المكان الذي لا شيء به، قال العيني: كل منهما يصح أن يكون مرادًا هاهنا. المتوضَأ والمكان الذي لا شيء به، كل منهما يصح أن يكون مرادًا هنا، ووجه المناسبة بين البابين ظاهر هذا الباب ما يقول عند الْخَلاءَ والذي قبله؛ التسمية على كل حال وعند الوقاع يعني مما لم يذكره المختصر.

المُقَدِّم: وهي ليست عندنا.

هي ليست في المختصر، وجه المناسبة بين البابين بين التسمية على كل حال وعند والوقاع، وباب ما يقول عند الْخَلاءَ ظاهرة، أو وجه المناسبة ظاهر؛ لأنَّ في كل منهما بيان ذكر اسم الله تعالى؛ لأنَّ في الباب الأول التسمية على كل حال «لو أنَّ أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله» إلى آخره، هذا فيه ذكر الله، نعم، و«إِذَا دَخَلَ أحدكم الْخَلاءَ قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» وهذا ذكر، يقول: لأنَّ في كل منهما بيان ذكر اسم الله تعالى.

«كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-» الصيغة تدل على الاستمرار.

المُقَدِّم: الموالاة.

على الاستمرار، «إِذَا دَخَلَ» أي أراد دخول الْخَلاءَ، يعني كما بينه البخاري في الرواية التي في الباب. هذه ليست عندك.

المُقَدِّم: نعم، ما هي موجودة.

لأنَّ البخاري لمَّا ذكر الحديث قال: تابعه ابن عرعرة عن شعبة، وقال غندر عن شعبة: «إذا أتى الْخَلاءَ» ونحتاج هذه الرواية.

المُقَدِّم: نعم.

وقال موسى عن حماد: «إِذَا دَخَلَ»، وقال سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز: «إذا أراد أن يدخل».

المُقَدِّم: نحتاج «إذا أتى» في البر يا شيخ.

أين؟

المُقَدِّم: «إذا أتى الْخَلاءَ» نحتاجها في البر، ما فيه دخول.

لكونها أعم من غيرها، لكونها أعم الروايات، أعم من «إِذَا دَخَلَ»، وأعم من «إذا أراد أن يدخل».

المُقَدِّم: يعني دخل وأراد.

يعني تشمل «إذا أتى» تشمل المكان المعد، والمكان غير المعد.

قوله: «إذا أراد أن يدخل»، «إِذَا دَخَلَ» «إذا أراد أن يدخل» الفعل الماضي الأصل فيه الفراغ منه، إذا قلت: قام زيد هل تقول: هذا قبل أن يقوم؟

المُقَدِّم: قام وانتهى.

أو أثناء قيامه، أو بعد فراغه؟ بعد فراغه.

المُقَدِّم: انتهى.

لماذا؟ لأنَّ الفعل اسمه.  

المُقَدِّم: ماضٍ.

يعني مضى في الوقت الذي..

المُقَدِّم: مضى.

في الزمان الماضي، الفعل الماضي هو ما دل على حدث في الزمان الماضي، كيف يقول: «إِذَا دَخَلَ»، «إذا أراد أن يدخل»، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [سورة النحل 98]، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [سورة المائدة 6]، كل هذا قال أهل العلم إنَّه المراد به إرادة الدخول في الْخَلاءَ كما في الرواية، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ} [سورة النحل 98] إذا أردت القراءة.

المُقَدِّم: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [سورة المائدة 6].

إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وهذا ظاهر.

المُقَدِّم: نعم.

نعم، فالفعل الماضي الأصل فيه الفراغ منه، وقد يطلق ويراد به الشروع في الفعل، يعني مثلًا «إذا كبر فكبروا» يعني إذا فرغ من التكبير كبروا، إذا انقطع صوته من التكبير فكبروا، لكن «إذا ركع فاركعوا» هل نقول: إنَّه إذا فرغ من الركوع اركعوا؟ أو إذا شرع فيه؟

المُقَدِّم: إذا شرع.

يطلق ويراد به إرادة الشيء كما ذكرنا هذه الأمثلة، «إذا أراد أن يدخل»، إذا أردت قراءة القرآن، الظاهرية منهم من يقول: {قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ} [سورة النحل 98] إذا فرغت من القراءة استعذ بالله؛ لأنَّ الأصل في الفعل هذا، فيُطلق الفعل الماضي ويُراد به إرادته، ويُراد به الشروع فيه، ويُراد به الفراغ منه، وهذا هو الأصل.

في الأدب المفرد للإمام البخاري قال: حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا سعيد بن زيد، قال: حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال: حدثني أنس قال: «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدخل الْخَلاءَ قال:» فذكر مثل حديث الباب، قال ابن حجر: وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله: «إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ»، أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده.

يقول ابن بطال: وأمَّا اختلاف ألفاظ الرواة في قوله: «إِذَا دَخَلَ» و«إذا أراد أن يدخل» فالمعنى فيه متقارب، ألا ترى قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [سورة النحل 98]، المراد أنَّه إذا أردت أن تقرأ، غير أنَّ الاستعاذة بالله متصلة بالقراءة، لا زمان بينهما، وكذلك الاستعاذة بالله من الخبث والخبائث لمن أراد دخول الْخَلاءَ متصلة بالدخول، فلا يمنع من إتمامها في الْخَلاءَ، يقول مثلًا: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ} [سورة النحل 98] هل تستعيذ بالبيت وتقرأ في المسجد؟   

المُقَدِّم: لا، لازم.

يعني متصلة.

المُقَدِّم: متصلة.

إذا أردت دخول الْخَلاءَ هل تقول: هذا وأنت في مجلسك ثم بعد ذلك تذهب فتدخل الْخَلاءَ استصحابًا للذكر السابق أو متصل؟

المُقَدِّم: متصل.

نعم، بينما {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [سورة المائدة 6] متصل أم منفصل؟

المُقَدِّم: منفصل.

نعم، يعني ليست على كلها على وتيرة واحدة، وإنَّما الذي يبين الاتصال والانفصال هو ماذا؟

المُقَدِّم: الحال.

النصوص الأخرى يعني معروفة، النبي- عليه الصلاة والسلام- يتوضأ في مكان في بيته مثلًا، أو مكان آخر ثم يذهب إلى المسجد، بينما القراءة ملاصقة، يعني مثلما قيل عند الحنفية أنَّ تكبيرة الإحرام شرط، لكن هل من مقتضى كونها شرطًا أن يكبر تكبيرة الإحرام في البيت ثم يأتي الصلاة في المسجد، مثلما توضأ في البيت ويأتي إلى الصلاة في المسجد؟ لا، قالوا شرط ملاصق.

يقول هنا: فلا يمنع من إتمامها في الْخَلاءَ، فيه ما يمنع أم ما فيه ما يمنع؟ يقول ابن بطال: لا يمنع من إتمامها في الْخَلاءَ، يعني المحظور في الْخَلاءَ ذكر الله- جلَّ وعلا-.

المُقَدِّم: التسمية.

فتقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ»، خارج الْخَلاءَ لابد، بينما إتمامها «مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ».

المُقَدِّم: تكون في الداخل.

ما يمنع على كلام ابن بطال، لكن هل الحديث كله بجملته ذكر، أو الذكر «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» وما بعده مناسب لئن يذكر بها «الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» مناسب؟

المُقَدِّم: لا، كله ذكر.

لكن هل على قولك كله ذكر يعني ما تقول: «مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» داخل الدورة؟ يعني بعض الناس إذا وقف عند الباب قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» ودخل «مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» وابن بطال يقول: فلا يُمنع من إتمامها في الْخَلاءَ، فإذا نظرنا إلى اللفظ الممنوع من ذكره في الْخَلاءَ هو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» هذا ما يتعلق بالله- جلَّ وعلا-، أمَّا ما يتعلق بالخبث والخبائث فلا مانع من ذكره في الْخَلاءَ.

وإذا قلنا إنَّ المجموع كله ذكر.

المُقَدِّم: تكون قبل الدخول.

نعم، قبل الدخول، لكن كلام ابن بطال لا شك أنَّ له وجهًا، مع أنَّه من روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم- «أنَّه كان يقول ذلك إذا أتى الْخَلاءَ»، يقول: مع أنَّه من روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم- «أنَّه كان يقول ذلك إذا أتى الْخَلاءَ» أولى من رواية من روى «إذا أراد أن يدخل الْخَلاءَ»؛ لأنَّها زيادة، والأخذ بالزيادة أولى.

قلت، انتهى كلام ابن بطال، قلت: الزيادة المشار إليها في كلام ابن بطال في المعنى؛ لأنَّ هذه الرواية «إذا أتى» تشمل الأماكن المعدة، وغير المعدة، فالمعدة إذا أراد دخولها، كما في الرواية المشار إليها، وغير المعدة فيقول ذلك في أول الشروع عند تشمير الثياب.

المُقَدِّم: واضحة. يعني غير المعدة مثل البر.

نعم، البر، يعني كما كانوا يقضون حاجتهم خارج البيوت؛ لأنَّه ليس عندهم كُنف، على طريقة العرب الأوائل.

«قَالَ: اللَّهُمَّ» أصله يا الله، حذف حرف النداء وعوّض عنه الميم، ولا يُجمع بينهما إلا نادرًا، يا اللهم، لا يُجمع بين (الياء) المحذوفة وبين (الميم)؛ لأنَّه لا يجمع بين العِوض والمعوض، بين البدل والمبدل منه إلا نادرًا كما يقول الشاعر:

إني إذا ما حدث ألمّ

 

 

أقول يا اللهم يا اللهم

 

«إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» أي ألوذ وألتجأ من العوذ، وهو عود يلجأ إليه الحشيش في مهب الريح، يعني إذا وجد عود مرتفع ثم جاء الريح وهب بالحشيش الخفيف، تجد هذا العود يرده، فيجتمع عنده، يسمونه عوذًا، أي ألوذ وألتجئ من العوذ وهو عود يلجأ إليه الحشيش في مهب الريح، وقال ابن الأثير: يُقال عوذت به عوذًا، وعياذًا، ومعاذًا أي لجأت إليه، والمعاذ المصدر والمكان والزمان، أي لقد لجأت إلى ملجئٍ ولذت بملاذ، يعني لمَّا قالت الجونية لمَّا دخل عليها النبي- عليه الصلاة والسلام-: أعوذ بالله منك، قال: «لقد عذت بمَعاذ» وهو الله- جلَّ وعلا-.

«مِنَ الْخُبُثِ» والكلام فيه طويل، لعلنا نرجئه.

المُقَدِّم: نتركه للحلقة القادمة إن شاء الله، شكر الله لكم، ونفع بما قلتم، أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام هذه الحلقة في برنامجكم شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" لنا بكم لقاء بإذن الله لاستكمال ما تبقى من ألفاظ وأحكام هذا الحديث أيضًا في حلقة قادمة، شكرًا لطيب المتابعة.

 

 سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.