شرح الموطأ - كتاب الصيام (6)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما يفعل المريض في صيامه:

قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: الأمر الذي سمعت من أهل العلم أن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه، ويتعبه، ويبلغ ذلك منه، فإن له أن يفطر، وكذلك المريض الذي اشتد عليه القيام في الصلاة، وبلغ منه، وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد، ومن ذلك ما لا تبلغ صفته فإذا بلغ ذلك صلى وهو جالس، ودين الله يسر، وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصيام من المريض قال الله تعالى في كتابه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[(184) سورة البقرة].

فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصوم من المريض، فهذا أحب ما سمعت إلي، وهو الأمر المجتمع عليه".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما يفعل المريض في صيامه:

المرض يتفاوت، فمنه ما يطاق معه الصوم، ومنه ما يمنع من القدرة على الصوم، ومنه ما يطاق معه الصوم إلا أنه يؤخر البرء، أو يزيد في المرض.

من أهل العلم من يرى أن الفطر لكل من حصل له هذا الوصف، وهو المرض، سواءً كان المرض خفيفًا يطاق معه الصوم، أو شديدًا لا يطاق معه، وسواءً تسبب في تأخر البرء أو الزيادة في المرض أو لا، وذكر عن بعض السلف ولعله محمد بن سيرين أنه أفطر يومًا من رمضان، فقيل له: فأشار إلى أصبعه، وأن فيه جرح، هذا مرض.

وآية الصيام التي فيها العذر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا}[(184) سورة البقرة] هذا مرض، (مريض) نكرة في سياق الشرط تعم المرض الشديد والمرض الخفيف، كما أن السفر عذر مبيح للفطر، وقد يكون المسافر أثناء سفره أكثر راحة منه في بلد أقامته، فإذا وجد الوصف المؤثر جاز له الترخص؛ لكن لا شك أن الاحتياط والاهتمام للعبادة والبراءة منها، والخروج من عهدة الواجب بيقين واستبراء الدين والعرض، هذا هو المطلوب من المسلم، فلا يترخص بأدنى سبب، تلاحظون أثناء الأيام الشتاء التي توجد فيها الأمطار، بعض الناس يجمع بين الصلاتين لأدنى سبب، وبعض الناس لو صارت المسألة طوفان ما جمع، ودين الله بين الغالي والجافي، بعض العامة يبلغ به المرض ما يبلغ بحيث يتضرر ضرر بالغًا، وينصحه الثقات من الأطباء أن يفطر فلا يفطر، كما أن بعض الناس، وهو مسافر يلحقه من المشقة ما يقرب معها من الهلاك ولا يفطر، وهذا ليس من شرع الله في شيء، الدين يسر، ولله الحمد.

الإمام مالك -رحمه الله تعالى- فيما ذكر هنا، قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: "الأمر الذي سمعته من أهل العلم" ماذا تشمون من هذا الأسلوب؟ (الأمر الذي سمعته من أهل العلم) والإمام مالك من الأئمة الحفاظ، نجم السنن، إمام دار الهجرة، إمام باتفاق المسلمين، يقول: "الذي سمعته من أهل العلم" ويأنف بعض طلاب العلم أن ينسب القول إلى قائله، ولو كان ممن اختص به صاحبه، فيأنف أن ينسب القول، وينقل عن غيره من الأحياء والأموات مضيفًا ذلك إلى نفسه أنفة؛ لأنه لو كان مجرد نقال فماذا صنع؟ والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: "الأمر الذي سمعته من أهل العلم"، يعني كأنه طويلب علم بالنسبة لأهل العلم، فنحتاج إلى مثل هذا.

إن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه ويتعبه، ويبلغ ذلك مبلغًا من المشقة والتعب، يبلغ ذلك منه، يكون له أثر عليه، وليس أدنى مرض، فإن له أن يفطر.

والضابط للمرض المبيح للفطر عند أهل العلم الذي يزيد في مرضه، أو يتسبب في تأخر البرء، والصوم لا شك أنه مما يؤتمن عليه المسلم؛ لأن مقدار المرض لا يستطيع أحد يقدره غير المريض نفسه، والأطباء لهم أمارات وعلامات يستدلون بها، وإلا فالأصل أن المريض هو الذي يقدر ذلك، وهو مما يؤتمن عليه المسلم. "فإن له أن يفطر، وكذلك المريض إذا اشتد عليه القيام في الصلاة، وبلغ منه، وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد" (الواو) هذه زائدة، بلغ منه ما الله أعلم بعذر ذلك من العبد، ومن ذلك ما لا تبلغ صفته، فإذا بلغ ذلك يعني ذلك المبلغ الذي يؤثر فيه، ويشق معه القيام على المصلي، صلى وهو جالس للعذر، حديث عمران بن حصين: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا)) فهذه الاستطاعة ليس معناه أن يكون بمثابة المقعد هذه الذي لا يستطيع الوقوف، لا، إذا شق عليه ذلك مع أنه إذا تحامل على نفسه، وصلى من قيام مع وجود هذه المشقة التي لا تخل بصلاته، ولا يترتب عليها تأخر برء، ولا زيادة في المرض، له ذلك، صلاته صحيحة.

"صلى وهو جالس لعذر، ودين الله يسر" كما يقول الله -جل وعلا-: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[(185) سورة البقرة] ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ((اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) المقصود أن النصوص في هذا كثيرة جدًّا؛ لكن ليس فيها مستمسك لأهل التساهل والتراخي والتنصل عن الواجبات، لا، بقدر ما هو بدين يسر إلا أنه دين تكاليف، والجنة حفت بالمكاره، والدين عبودية، ليس معنى هذا أن الإنسان يترخص بأدنى رخصة، أو يرتكب المحظورات، أو يترك المأمورات لأن الدين يسر، لا.

طالب:........

والله على كل حال المسألة تتفاوت، يعني إذا كان تحامله على نفسه لا يضر، لا يخل بصلاته، والقيام ركن من أركان الصلاة، وتقديره أيضًا فيه ما فيه، فالمسألة تحتاج إلى دقة نظر، إذا كان يشق عليه وتحامل على نفسه، واستطاع لأنه أثر عن بعض الصحابة ذلك، أنهم يعتمدون على العصي، وأن الرجل يهادى بين الرجلين.

المقصود أن الإنسان عليه أن يخرج من عهدة الواجب بيقين.

فيه شيء، كأنك أردت؟

طالب:.........

ما دام ما يشق عليه الصيام...

طالب:.........

والله إذا قال: أنا مريض، فهذا مما يؤتمن عليه المسلم، ما دام ثبت أنه مريض، فالمرض عذر، "وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصيام من المريض"، المسافر يستطيع الصيام أقوى على الصيام من المريض، قال الله تعالى في كتابه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}[(184) سورة البقرة]  يعني فأفطر، فالواجب عليه عدة من أيام أخر، ولا بد من هذا التقدير، إذا أفطر عليه عدة، وإذا صام ليس عليه شيء، كما تقدم في صيام المسافر، بعدد ما أفطر، فيصومها بدلًا مما أفطره، فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصوم من المريض.

هذا يقول: كما يقول الباجي: احتجاج الإمام -رحمة الله عليه- على من أنكر الفطر للمريض إلا لخوف الهلاك، دون المشقة الزائدة، يقول الباجي: "وما أعلم أحدًا قاله؛ ولكنه خاف من اعتراض المعترض، فبادر بالحجة" انتهى.

وقد حكى ابن عبد البر أنه قيل: لا يفطر لخشية زيادة المرض؛ لأنه ظن، وخشية زيادة المرض ظن، وظن لا يقين، والصيام واجب بيقين، فلا يخرج من عهدة الواجب اليقيني إلا بيقين مثله؛ لكن الأحكام جلها مبني على غلبة الظن، جل الأحكام مبني على غلبة الظن.

يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "فهذا أحب ما سمعت إلي، وهو الأمر المجتمع عليه" عندهم بالمدينة، وعلى كل حال المرض عذر، وينبغي أن يتقي الله المسلم ما استطاع.

باب النذر في الصيام والصيام عن الميت:

حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر، هل له أن يتطوع؟ فقال: سعيد -رحمه الله-: ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع، قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، قال مالك: من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها، أو صيام أو صدقة أو بدنة، فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه، وهو يبدّى على ما سواه من الوصايا إلا ما كان مثله، وذلك أنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها كهيئة ما يتطوع به، مما ليس بواجب، وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة، دون رأس ماله؛ لأنه لو جاز له ذلك في رأس ماله لأخر المتوفى مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه حتى إذا حضرته الوفاة، وصار المال لورثته سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضاها منه متقاض، فلو كان ذلك جائزًا له أخر هذه الأشياء حتى إذا كان عند موته سماها، وعسى أن يحيط بجميع ماله فليس ذلك له.

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد؟ أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب النذر في الصيام والصيام عن الميت:

يعني هل الصيام تدخله النيابة كالحج أو لا تدخله النيابة كالصلاة؟ مسألة ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى-، قال: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر هل له أن يتطوع؟ يعني قبل صوم نذره، والنذر واجب يجب الوفاء به؛ لأنه نذر طاعة، هل له أن يتطوع قبل صيام الواجب؟ وقل مثل هذا فيمن عليه قضاء، هل له أن يتطوع قبل أن يقضي؟ عليه كفارة واجبة هل له أن يتطوع قبلها؟

فقال سعيد: ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع؛ لأنه واجب قبل أن يتطوع، مبادرة إلى إبراء الذمة من الواجب، قال مالك: "وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، فإن قدم التطوع أساء، وصح صومه، وبقي النذر في ذمته".

مسألة مختلف فيها بين أهل العلم: من عليه قضاء من رمضان، وأراد أن يتطوع، افترض المسألة في شخص عليه أيام من رمضان ستة أيام، فلما كان في أواخر شوال بقي منه ستة أيام، هل يصوم القضاء أو يصوم الست؟ يصوم القضاء؛ لأنه واجب، أو يصوم الست؛ لأنه مضيق؛ لأن وقته مضيق، وإذا بقي عليه شيء من صيام الواجب هل يتطوع بصوم يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء؟

عائشة -رضي الله عنها- كانت تؤخر القضاء إلى شعبان لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها، فهل يقول قائل: إن عائشة لا تتطوع بشيء من التطوعات؟ لا تصوم يوم عرفة، ولا ست من شوال، ولا يوم عاشوراء، يعني هل يتصور هذا من عائشة يكون عليها القضاء من رمضان فما تستطيع أن تقضيه إلا في شعبان لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها؟ وهنا يقول: يبدأ بالنذر قبل أن يتطوع.

وجاء في خبر أنه لا يقبل نافلة ما لم تؤد فريضة، وهذا ظاهر فيمن عزم على ترك الفريضة، يعني الذي لا يصلي الفرائض ويتنفل، أو لا يصوم رمضان ويتنفل، هذا معروف أن صيامه وصلاته مردودة عليه؛ لكن المسألة في الواجب الموسع، مع النفل المضيق، أيهما الذي يقدم؟

مسألة مختلف فيها، وابن رجب في قواعده ذكر هذه المسألة، وذكر لها نظائر، وكأنه مال إلى جواز ذلك، جواز أن يتنفل في الوقت الموسع قبل أن يقضي الفرض، مادام وقته موسع.

طالب:.........

نعم، صاحب الست الذي لم يبق له من شوال إلا ستة أيام على كل حال المتجه والمرجح أنه لا يتطوع ما دام في ذمته فرض، نعم هذا الذي يظهر، وعندنا مسألة الست التي أشرنا إليها وافترضناها في شخص بقي من شوال ستة أيام هل ينطبق عليه أنه صام رمضان ثم أتبعه ست من شوال، إذا قدم الست على رمضان، على القضاء؟ ما ينطبق عليها، ولا يتحقق فيه الوعد، قد يقول قائل: إن رمضان إذا كمل عن عشرة أشهر، ولو بعد الست؛ لأن الحساب معروف لماذا صام من رمضان وأتبعه ستة من شوال كان كمن صام الدهر كله؟ لأن رمضان بعشرة أشهر، والست من شوال بشهرين، هذا كمن صام الدهر.

يقول قائل مثلًا: أنا صمت أربعة وعشرين من رمضان، وبقيت ستة أصومها في القعدة مثلًا، هذا شهر كامل، عن عشرة أشهر والست تبقى في وقتها عن شهرين، وما الفرق؟

طالب:.......

يعني الاتباع، ثم أتبعه، ويبقى أن الست لا بد أن تكون في شوال، وإلا قد يقول قائل: أنا أصوم رمضان وأتبعه ستًّا من محرم، الست الحسنة بعشر أمثالها، والست بشهرين، وما الفرق بين شوال والمحرم؟

طالب:........

كيف؟ وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها، وما المانع؟ يعني فيه واحد يقول: بأن الحسنة لا تبلغ عشرة أمثالها؟

طالب:........

نعم، يعني كون رمضان بعشرة أشهر، هل نستطيع أن نقول: لو صام المحرم كاملاً بعشرة أشهر؟ نعم عشرة أشهر، لكن ليست مثل أشهر رمضان، يعني عشرة أشهر من مثل رمضان، والست من شوال بهذا النص إلحاقًا برمضان فتكون مثله، فلا تكون الست من القعدة أو من ذي الحجة أو من المحرم مثل الست من شوال.

طالب:.........

لا أنا أقول: إن هذه الست ملحقة برمضان.

طالب: التي أفطرت رمضان بعذر، هل يكتب لها الأجر مثل المريض والمسافر.

 لا، ما يكتب، هم اختلفوا فيمن أفطر بعذر كالحائض والنفساء، منهم من يقول كما قال الله -جل وعلا-: {هُوَ أَذًى}[(222) سورة البقرة] فهو كالمرض، والمانع لها خارج عن إرادتها فيكتب لها مثل المسافر والمريض، ومنهم من يقول: إنه لا يكتب لها ما كانت تعمله؛ لأنه لو كتب لها ما كانت تعمله ما صار نقصًا في دينها، ما سمي نقص في دينها، نقص في دينها أنها تبقى الليالي والأيام ما تصوم ولا تصلي، هذا أثبت الشرع أنه نقص، ولو كانت تعطى مثل ما تعطاه في مكان الطاهرة ما صار نقصًا، مثل المسافر، المسافر ما هو بناقص، المريض ما هو بناقص، بينما الحائض ناقصة، هذه حجة من يقول: إنه لا يكتب لها ما كانت تعمله حال طهرها.

طالب:.......

نعم، تقضي، لا بد أن تقضي، لا بد من الاتباع، ما تصوم الست.

طالب:........

لا، فات محلها، إذا انتهى شوال لا تقضى الست.

طالب:.......

ما هو ببعيد؛ لأنه قرن به في النص، وإلا لو لم نقل هذا قلنا: صيام ست من القعدة، وماذا يصير؟ لا تصوم من شوال، تصوم من القعدة، والحسنة بعشرة أمثالها عن شهرين، إذًا كمن صام الدهر.

طالب:.......

كمن صام الدهر.

طالب:.......

صام ثلاثة أيام أين؟

طالب:.......

لا؛ لأنها نفل، كلامه عام، أي نفل لا يقدم على الفرض ((وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) لأن الكلام طويل، ولا عندنا إلا ثلاثة أيام.

قال مالك: "من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها، أو صيام أو صدقة أو بدنة" بعير ذكرًا كان أو أنثى "يهديه فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه، لا من رأس ماله"، لنفهم كلام الإمام مالك -رحمه الله-، والسبب الذي من أجله قال هذا الكلام.

"فمن مات وعليه نذر" يعني يتطلب مال، عليه نذر رقبة يعتقها، نذر أن يعتق رقبة، أو نذر أن يصوم صيامًا، أو صدقة يتصدق بها، أو بدنة يهديها، فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه، "لا من رأس ماله، وهو يبدّى على ما سواه"، يقدم على ما سواه من الوصايا، إلا ما كان مثله أو مساويًا له، وذلك التقديم لأنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها كهيئة ما يتطوع به مما ليس بواجب بل دونه"، بل ما ليس بواجب دونه، يعني الذي يبدّى ويقدم الواجب؛ لكنه لا يكون من رأس المال، وإنما يكون من الثلث.

يقول: "وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة دون رأس ماله"، يقول: "لأنه لو جاز له ذلك برأس ماله لأخر المتوفى الميت مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه حتى إذا حضرته الوفاة" أي علامات الموت، "وصار المال لورثته حكمًا" انتقل إليهم المال حكمًا "سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضها منه متقاض، بل يؤمر بها، فلو كان ذلك جائزًا له أخر هذه الأشياء حتى كان عند موته سماها، وعسى أن يحيط بجميع ماله فليس له ذلك لإضراره بالورثة واتهامه بحرمانهم".

الإمام مالك -رحمه الله- يقول: هذه الأمور التي لزمته، نذرها ولزمته، أو عليه كفارات واجبة، تكون كلها من الثلث، لماذا؟ لئلا يحمله ذلك على حرمان الورثة، فإذا أراد أن يحرم الورثة نذر أن يطعم ألف مسكين، نذر أن يهدي عشر بدنات، نذر أن يعتق رقبة، وقد تأتي هذه على جميع ماله، والمال المفترض أنه للورثة لا سيما إذا حضرته الوفاة.

غير الإمام مالك ماذا يقول؟ يقول: لا، أبدًا، هذه الأمور كالديون، ديون الآدميين ((دين الله أحق بالقضاء)) ويقول: إن هذه الأمور لا تخلو إما أن تكون في حال الصحة وحينئذ تكون من رأس ماله، إن كانت في مرض موته المخوف فهي من الثلث؛ لأن الاتهام ظاهر، أما إذا كان في حال الصحة ما فيه اتهام، ما يتهم بأن يحرم الورثة، نعم، هم يتفقون مع مالك أنه في مرض موته المخوف بحيث يغلب على الظن أنه يريد حرمان الورثة يكون من الثلث؛ لكن إذا كان في حال الصحة وتوفي، هذا دين من الديون، والمعروف أن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة: الأول: مؤن التجهيز، الثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة كالديون التي تكون برهن، هذه مقدمة، الثالث: الحقوق المطلقة كديون الآدميين، وديون الله تعالى كالكفارات والنذور، هذه من أصل التركة، الرابع: الوصايا، وهذه من الثلث، والخامس: الإرث.

فالمسألة تدور على قصد هذا الموصي أو الناذر فإن كان قصده الحرمان، ولا يتصور الحرمان في حال الصحة، إنما يتصور الحرمان في حال المرض، مرض الموت المخوف، في حال مرض الموت المخوف، وفي حال مرض الموت المخوف يتجه القول بأنها من الثلث، أما في حال الصحة فلو تبرع بجميع ماله ولديه قدرة على الاكتساب، وعنده أيضًا صبر واحتساب، فعل ذلك أبو بكر -رضي الله عنه- فخرج من جميع ماله، وهذا لا إشكال فيه.

يقول: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد؟ أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: "لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد".

لماذا؟ لأنها عبادات بدنية لا تدخلها النيابة، أما الصلاة فإجماع، ما فيه أحد يصلي عن أحد، لا تدخلها النيابة بحال، وأما الصيام فخلاف، فمنهم من قال بهذا القول، لا يصوم أحد عن أحد، كالصلاة وهو رأي مالك وبعض العلماء، وقيل: ((من مات وعليه صوم فإنه يصوم عنه وليه)) وهذا الحديث مخرج في الصحيح ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) ومن أهل العلم من حمله على الصوم الواجب، سواءً كان مما وجب بأصل الشرع، أو أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر، وعند الإمام أحمد أنه لا يصام إلا ما أوجبه الإنسان على نفسه، وأما ما وجب بأصل الشرع فكالصلاة، يقول شيخ الإسلام وابن القيم: "إن هذا هو الأقيس".

وجاء في بعض روايات الحديث: ((من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه)) فالمتجه أن الذي يقبل النيابة صيام النذر، وأما ما أوجبه الشارع، ما وجب بأصل الشرع فإنه لا يقبل النيابة كالصلاة وهذا القول وسط، وعليه يدل الحديث برواياته.

طالب:..........

هو الواجب، الكلام على الواجب، هل يشمل؟ عليه صوم من رمضان، يصوم عنه وليه وإلا ما يصوم؟

طالب:.......

لا، ما يصوم وجوبًا، صام عنه وليه إذا تبرع، بدليل أنه لو امتنع وحمله من يليه أو الذي يليه أو تحمله البعيد، لكن الأولى المفترض أن يصوم الولي.

طالب:........

عن ابن عمر؟

طالب:......

نعم الكلام في الصيام؛ لأنه لا يقبل النيابة، فيرجع فيه إلى البدل، وهو الإطعام فيكون ماليًّا، نعم نذر أن يصوم، والصيام لا يقبل النيابة، فيخرج عنه إطعام، من رأس ماله، لا من ثلثه.

هل يقال: هذا مذهب الإمام مالك؟

هذا مذهب مالك، نعم، هذا هو النص في موطئه.

باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات:

حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنه قد أمسى، وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين طلعت الشمس، فقال عمر: "الخطب يسير، وقد اجتهدنا".

قال مالك -رحمه الله-: "يريد بقوله: الخطب يسير، القضاء فيما نرى، والله أعلم، وخفة مؤونته، ويسارته يقول: "نصوم يوما مكانه".

وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "يصوم قضاء رمضان متتابعًا من أفطره من مرض أو في سفر".

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وأبا هريرة -رضي الله عنه- اختلفا في قضاء رمضان، فقال أحدهما: "يفرق بينه"، وقال: "الآخر لا يفرق بينه"، لا أدري أيهما قال: يفرق بينه؟".

وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "من استقاء وهو صائم فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء".

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب -رحمه الله- يُسأل عن قضاء رمضان فقال سعيد: "أحب إلي أن لا يفرق قضاء رمضان، وأن يُواتَر".

قال يحيى سمعت مالكًا يقول: فيمن فرق قضاء رمضان فليس عليه إعادة، وذلك مجزئ عنه، وأحب ذلك إلي أن يتابعه.

قال مالك -رحمه الله-: "من أكل أو شرب في رمضان ساهيًا أو ناسيًا، أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوم مكانه".

وحدثني عن مالك عن حميد بن قيس المكي أنه أخبره قال: "كنت مع مجاهد، وهو يطوف بالبيت، فجاءه إنسان فسأله عن صيام أيام الكفارة أمتتابعات أم يقطعها؟ قال حميد: فقلت له: نعم يقطعها إن شاء، قال مجاهد: "لا يقطعها، فإنها في قراءة أبي بن كعب: "ثلاثة أيام متتابعات".

قال مالك -رحمه الله-: "وأحب إلي أن يكون ما سمى الله في القرآن يصام متتابعًا" وسئل مالك -رحمه الله- عن المرأة تصبح صائمة في رمضان، فتدفع دفعة من دم عبيط في غير أوان حيضها، ثم تنتظر حتى تمسي أن ترى مثل ذلك فلا ترى شيئًا، ثم تصبح يومًا أخرى، فتدفع دفعة أخرى، وهي دون الأولى، ثم ينقطع ذلك عنها قبل حيضتها بأيام، فسئل مالك كيف تصنع في صيامها وصلاتها؟ قال مالك -رحمه الله-: "ذلك الدم من الحيضة فإذا رأته فلتفطر ولتقض ما أفطرت، فإذا ذهب عنها الدم فلتغتسل وتصوم".

وسئل عمن أسلم في آخر يوم من رمضان هل عليه قضاء رمضان كله أو يجب عليه قضاء اليوم الذي أسلم فيه، فقال: "ليس عليه قضاء ما مضى، وإنما يستأنف الصيام فيما يستقبل، وأحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه".

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات:

حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أفطر ذات يوم في رمضان، في يوم ذي غيم (سحاب) جزم أو غلب على ظنه أنه قد أمسى، يعني غابت الشمس، لا أنه دخل في المساء؛ لأن المساء يدخل قبل ذلك، أنه قد أمسى، وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين طلعت الشمس، يعني ظهرت، انجلى الغيم والسحاب فظهرت الشمس، فقال عمر: "الخطب يسير" الأمر سهل؛ لأن هذا الفطر كان عن اجتهاد لا عن تفريط، فلا إثم، وقضاء يوم مكان يوم ما يؤثر، "الخطب يسير، وقد اجتهدنا" يعني في الوقت، حتى غلب على الظن أن الشمس قد غابت، قال مالك: "يريد بقوله: الخطب يسير، القضاء فيما نرى" يعني نظن، والله أعلم، وخفت مؤونته ويسارته" نعم كان الصيام ما يشق على الناس لعدم إخلادهم إلى الدنيا وزخرفها؛ لكن الذي يركن إلى الدنيا الصيام من أشق الأمور عليه، ولذلك تجده يصوم مع الناس مهما بلغت به المشقة؛ لئلا يقضي يومًا يصوم والناس يأكلون ويشربون، هذا قاتل بالنسبة لبعض الناس، والإمام مالك يقول: "القضاء فيما نرى -والله أعلم- وخفت مؤونته ويسارته" يقول: نصوم يومًا مكانه.

روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنتي أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "أفطرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم غيم، ثم طلعت الشمس"، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: بد من القضاء، وقال معمر: سمعت هشامًا يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟

والجمهور على أنه لا بد من القضاء لماذا؟ لأن الأصل بقاء النهار، فلا يخرج من هذا الأصل إلا بيقين، ولا يكفي فيه غلبة ظن، لا بد من يقين.

ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لو غم هلال رمضان فأفطروا، ثم ثبت الهلال أن عليهم القضاء، ويستدل بالإجماع على أنه إذا لم يُر الهلال ليلة الأول من رمضان، وغم عليهم، وأصبحوا مفطرين؛ لأنه يوم الشك، ثم تبين أنه من رمضان بأن رؤي الهلال ليلة تسعة وعشرين من رمضان يلزمهم قضاء اليوم الأول الذي أفطروه، وهذا أمر متفق عليه، ما قالوا: اجتهدنا وأفطرنا يكفينا هذا الاجتهاد.

نقول: الإمام مالك يستدل بالإجماع على هذه المسألة، وذهبت طائفة إلى عدم القضاء بمنزلة من أفطر ناسيًا، ونسب الحافظ ابن حجر في فتح الباري عدم القضاء لمجاهد والحسن يقول: وبه قال إسحاق وأحمد في رواية واختاره ابن خزيمة أنه لا قضاء.

على كل حال الخبر الذي في البخاري، الكلام ليس بصريح على وجوب القضاء، ولا بعدم وجوبه، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ فقال: بد من قضاء، اللفظ يحتمل أنه لا بد من القضاء، ويحتمل أنه ينكر، هل يلزم القضاء؟ وقال معمر: سمعت هشامًا يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟ فالنص محتمل، وعلى كل حال الأصل بقاء النهار، فلا يخرج منه إلا بيقين، ولا يكفي فيه غلبة الظن، وحصل لبعض الناس أنهم في مكان داخل بيت وعندهم ضيوف ما يسمعون الأذان لكثرة الكلام وجلبة الأصوات، فقالوا لطفل: اخرج فاستمع الأذان، مميز هو لكنه غير مكلف، صبي، قالوا: اخرج استمع الأذان فإذا أذن أخبرنا، خرج الولد مجرد ما خرج من الباب أذن هو نفسه الصبي هذا، أذن فأفطروا، ثم بعد ربع ساعة سمعوا الأذان، وهل بد من قضاء؟

طالب:.......

لا، هو عند الباب والباب مفتوح، والمجلس يعني يسمعون الأذان.

طالب:.......

النفس تستروح لمثل هذا، المقصود أن مثل هذا لا بد من قضائه، وهو قول الجمهور.

يقول: وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "يصوم قضاء رمضان متتابعًا من أفطره من مرض أو في سفر"، يصوم متتابعًا، مذهب ابن عمر وجوب التتابع لماذا؟ لأن القضاء يحكي الأداء، والأداء متتابع؛ فليكن القضاء كذلك، وبه قال بعض أهل الظاهر، وذهب الجمهور إلى استحبابه فقط، استحباب التتابع، وأما وجوبه فلا، لأن النص {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[(184) سورة البقرة] (عدة) ليس فيها ذكر للتتابع.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عبد الله بن عباس، ابن شهاب يحكي قصة لم يشهدها فهي منقطعة، أن عبد الله بن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان، فقال أحدهما: "يفرق بينه" يعني جوازًا، يعني يجوز أن يفرق بينه، وقال الآخر: "لا يفرق بينه" متتابع، لا أدري أيهما قال يفرق بينهم؟ أحدهما قال ابن عباس أو أبو هريرة، أحدهما اختار هذا، والثاني اختار هذا؛ لكن لا يدري هل ابن عباس اختار التفريق أو أبو هريرة؟

يقول ابن عبد البر: "لا أدري عمن أخذ ابن شهاب هذا، وقد صح عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما أجازا التفريق في قضاء رمضان، وقالا: لا بأس بتفريقه، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[(184) سورة البقرة].

وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "من استقاء (السين والتاء) للطلب يعني طلب القيء، وتكلفه وطلبه، يعني بذل الأسباب لاستخراج القيء، "من استقاء وهو صائم فعليه القضاء" هذا كلام ابن عمر، ومن ذرعه القيء أي سبقه وغلبه فليس عليه القضاء" إلا أن يتيقن أنه خرج من جوفه شيء، ثم عاد إليه، أنه رجع إلى جوفه شيء مما خرج بعد أن صار في فمه، بطوعه واختياره لا قهرًا عنه, وإلا لو خرج شيء، ثم عاد بعد أن بذل الوسع واستفرغ الجهد في أن يخرجه فلم يستطع، فهذا كمن طار إلى حلقه ذباب أو غبار، هذا لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

في المسند والسنن من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)) صححه جمع، وقواه الدار قطني، وقال: "رواته كلهم ثقات" وأعله أحمد، وعلى كل حال قال بهذا جمع من أهل العلم أن من استقاء فعليه القضاء، ومن يقول: إن الفطر مما يدخل لا مما يخرج، لا يرى أن في القيء نقضًا للصيام، ولا إبطالًا له كالحجامة.

وعلى كل حال فالحديث قوي، يعني من حاول استخراج القيء فالحديث فيه قوي، عليه القضاء.

وتقدم الكلام فيمن تعرض للحجامة هل بتعرضه لها يكون نوى الإفطار؟ وكذلك من استدعى القيء وطلبه هل يكون نوى بذلك الإفطار؟ أو يفرق بين من يعرف الحكم ومن لا يعرف الحكم؟ وهو الظاهر.

الحنابلة يعلقونه على القيء، لا على مجرد الاستقاء، مع أنهم يقولون: من نوى الإفطار أفطر؛ ولذلك يقولون: من استقاء فقاء يفطر، فعلى هذا من استقاء فلم يقيء لا يفطر، مع أنه من نوى الإفطار يفطر عندهم، هذا عندهم؛ لكن يفرق بين من يعرف أن الاستقاء مفطر يكون نوى الإفطار بهذا، والذي لا يعرف أن استدعاء القيء مفطر، بحيث إذا سئل أو سأل عن هذا الحكم أجيب بأنه أفطر، مثل هذا ما نوى الإفطار، وإن استدعى القيء، فهنا ملحظ ينبغي أن يلاحظ؛ لأن المسألة دقيقة يا إخوان، المسألة دقيقة.

طالب:.......

على كل حال العبرة بالنص، النص المرفوع.

طالب:......

تعرف رأي ابن عباس الذي ذكره البخاري؟ الفطر مما دخل لا مما خرج، يشمل القيء والحجامة؛ لكنه لا يشمل الإنزال يرد عليه.

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع سعيد بن المسيب -رحمه الله- يُسأل عن قضاء رمضان، يعني هل يجب تتابعه أم لا؟ هل يجب تتابعه أم لا؟ فقال: "سعيد أحب إلي أن لا يفرق قضاء رمضان"، يعني مثل ما ذكرنا أنه يحكي الأداء، "وأن يواتر" يعني يتابع، والتواتر هو التتابع، يقال: تواترت الإبل إذا جاءت بعضها إثر بعض، ولم تأتِ دفعة واحدة.

قال يحيى: سمعت مالكًا يقول فيمن فرق قضاء رمضان فليس عليه إعادة، وذلك مجزئ عنه، وأحب ذلك إلي أن يتابعه، يعني إلحاقًا بأصله؛ لأن القضاء كما ذكرنا يحكي الأداء.

قال مالك: "من أكل أو شرب في رمضان ساهيًا أو ناسيًا أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوم مكانه"، من أكل أو شرب في رمضان ساهيًا أو ناسيًا عليه القضاء عند مالك؛ لكن ليس عليه كفارة، أما من أكل أو شرب متعمدًا عليه القضاء والكفارة عند مالك، والجمهور على أنه إذا أكل وشرب ناسيًا فإنما أطعمه الله وسقاه، هذا بالنسبة للناسي، أما بالنسبة للمتعمد فهو يفطر؛ لكن لا كفارة عليه إلا بالجماع.

في الحديث في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه))، وللحاكم ((من أفطر في رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة)) وهو حديث صحيح.

طيب ما الفرق بين رواية الصحيحين ورواية الحاكم؟ رواية الصحيحين فيها الأكل والشرب، بينما رواية الحاكم فيها ما هو أعم من ذلك من أفطر ناسيًا، بل فيها ما يشير إلى أنه لو أفطر ناسيًا بالجماع بدليل قوله: ((فلا قضاء عليه ولا كفارة)) فمن نسي فأفطر بأكل أو شرب أو جماع لا قضاء عليه ولا كفارة، ومن أهل العلم من أخذ بالنص المتفق عليه وخص ذلك بالأكل والشرب دون الجماع، وقال: إن المسألة مشت على الغالب، الغالب أن الذي ينسى هو الأكل والشرب، أما الجماع فلا يتصور من مسلم أن ينسى ويجامع في رمضان، وهو يعرف أن الجماع يبطل الصوم.

القاعدة في النسيان يعني مالك يرى أن ركن الصيام الأعظم هو الإمساك، وتُرك هذا الركن، فيبطل الصيام بترك هذا الركن، كما لو ترك المصلي ركعة أو سجدة، ترك ركوعًا أو سجودًا تصح صلاته وإلا ما تصح؟ ولو كان ناسيًا، لو ترك سجدة تصح صلاته أو ما تصح؟ وهو ناسي، ما تصح صلاته؛ لأن السجود والركوع من أركان الصلاة، وهذا ركن الصيام الذي هو الإمساك، فإذا تركه وأكل فسد صومه، ولو كان ناسيًا، هذه وجهة نظر الإمام مالك؛ لكن الجمهور يرون أن الأكل والشرب إيجاد وإلا إعدام؟ إيجاد، وترك الركوع والسجود إعدام، والنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني شخص صلى الظهر ثلاث ركعات ناسيًا، نقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ما عليك شيء؟ لا بد بأن يأتي برابعة، وشخص صلى الظهر خمس ركعات يعيد الصلاة ناسيًا؟ لا؛ لأن النسيان ينزل الموجود هذه الركعة الخامسة منزلة المعدوم كأنها غير موجودة، بينما المعدوم الركعة الرابعة لا بد من الإتيان بها.

 

اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم.