شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (215)

المقدم:

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

يسرني مع بداية هذه الحلقة أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، وأشكر له تفضله باستجابة دعوة البرنامج، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: كنا في الحلقة الماضية ولا زلنا في حديث باب السمر في العلم حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- أنهيتم الحديث حول مسألة موت الخضر من حياته، لعلنا نستكمل ما تبقى بإذن الله.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد،

الحديث ترجم عليه الإمام كما تقدم الحديث عن ذلك في "باب السمر في العلم": يقول ابن بطال -رحمه الله تعالى-: فيه أن السمر بالعلم والخير مباح، حكم تعلم العلم ومباحثة الخير هل يكفي أن نقول: مباح؟

المقدم: لا.

لا يكفي أن نقول: مباح، اللهم إلا إذا كان من باب مقابلة النهي، فيكون هذا من باب الحث، والعلماء يقولون: الأمر بعد الحظر للإباحة، يطلقون هذا، والصواب في هذه المسألة أن الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، هنا يقول: السمر بالعلم والخير مباح، وقد سمر السلف الصالح في مذاكرة العلم.

وقد روى شريك، عن ليث، عن أبى بردة، عن أبى موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه-، قال: أتيت عمررضى الله عنه- أكلمه في حاجة بعد العشاء، فقال: هذه الساعة؟ -يستنكر عليه- فقال: إنه شيء من الفقه؛ لأنه ظن أنه يكلمه في حاجة من أمور الدنيا قال: نعم، فكلمته، فذهبت لأقوم فقال: اجلس، فقلت: الصلاة، فقال: إِنَّا في صلاة، فلم نزل جلوسًا حتى طلع الفجر.

واختلف قول الإمام مالك في هذه المسألة فقال مرة: الصلاة أحب إلي من مذاكرة العلم، وقال في موضع آخر: إن العناية بالعلم أفضل إذا صحت النية. عامة أهل العلم على أن مدارسة العلم مقدم على نوافل العبادات، لكن الأوقات تختلف، ويتبعها الاختلاف في التفضيل بين هذه العبادات، فالليل وقت صلاة ووقت قيام، كما أن الاعتكاف للتفرغ للعبادات الخاصة، ولذا كثير من أهل العلم لا يزاول العلم وقت الاعتكاف، وإنما يترك ذلك للعبادات الخاصة من صلاة وقراءة وذكر، فهنا في الليل لاسيما في آخره لو رُجِّحت الصلاة على العلم لكان له وجه، ولذا اختلف قول الإمام مالك في هذه المسألة فقال مرة: الصلاة أحب إلي من مذاكرة العلم؛ لأنها وقت قيام. وقال في موضع آخر: إن العناية بالعلم أفضل إذا صحت النية، وجمع من أهل العلم يقسمون الليل للنوم في أوله، وللعلم ومذاكرته وحفظه في أثنائه وللصلاة في آخره، يصنعون هذا.

النوم في أوله؛ ليرتاح من عناء النهار وتعبه، وليتفرغ إلى حفظ العلم وفهمه، ثم بعد ذلك إلى الصلاة، يُذكر عن سحنون أنه قال: يلتزم أثقلهما عليه، ينظر في الأثقل، هل الأثقل الصلاة؟ أصلي، هل الأثقل العلم؟ ينظر في العلم، من باب ماذا؟ أن «الجنة حفت بالمكاره» فالثقيل على نفسه لا شك أن نفسه تكرهه وتنفر منه، لكن يلزم الأثقل؛ لأن الجنة حفت بالمكارم، وهل هذا كلام مطرد أم لا؟

المقدم: غير مطرد.

المسألة خلافية في الأفضل عند أهل العلم من يأتي العبادة وهو مرتاح لها منشرح الصدر بها، أو يأتي إليها على شيء من الثقل ويجاهد نفسه لأدائها، لا شك أن الذي يأتي إلى العبادة مع شيء من الثقل -لأن الأصل في العبادات أنها تكليف، وهي مما حفت الجنة به، فهي مكاره في الجملة- أن هذا له أجر فعل العبادة، وله أجر المجاهدة، مجاهدة النفس، لكن الذي يأتي إليها وهو مرتاح فهذه حال النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي أكمل الحالات، والمظنون بمثل هذا أنه تجاوز مرحلة المجاهدة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقول: «أرحنا يا بلال بالصلاة»، فالذي يصل إلى هذه المرحلة لا شك أنه قد تجاوز مرحلة المجاهدة.

 ويُذكر عن سلف هذه الأمة أنهم جاهدوا وكابدوا قيام الليل سنين، ثم تلذذوا به، فلا يمكن أن يصل الإنسان مباشرة إلى مرحلة التلذذ قبل أن يمر بمرحلة الابتلاء.

 يقول القرطبي في تفسيره- وكثير منه منقول من أحكام القرآن لابن العربي، لكن كلام القرطبي أوفى- يقول القرطبي في تفسيره بعد أن ذكر حديث أبي برزة قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤخر العشاء، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها»، وذكر سبب الكراهة للنوم قبلها لأنه قد يترتب عليه أن ينام عن الصلاة ثم قال: وأما كراهية الحديث بعدها فلأن الصلاة قد كفرت خطاياه، فينام على سلامه، وقد ختم الكتّاب صحيفته بالعبادة، فإن هو سمر وتحدث فيملؤها بالهوس، ويجعل خاتمتها اللغو والباطل، وليس هذا من فعل المؤمنين، يعني كأنك ترى حال كثير من الناس اليوم بمن فيهم بعض من ينتسب إلى العلم، وأيضًا فإن السمر في الحديث مظنة غلبة النوم آخر الليل، فينام عن قيام الليل، فينام عن قيام آخر الليل، ولا شك أن الذي يعوق عن المستحب مكروه، لكن الذي يعوق عن الواجب محرم، إذا كان الإنسان يسهر سهرًا واطرد من عادته أنه بسبب هذا السهر..

المقدم: يترك صلاة الفجر.

يترك صلاة الفجر.

المقدم: محرم.

يكون السهر بالنسبة له محرمًا، لا بد من بذل الأسباب وانتفاء الموانع، والسهر مانع للقيام إلى الواجب، فلابد من انتفائه، وربما ينام عن صلاة الصبح، «وروي عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء، ويقول: أسمرًا أول الليل ونومًا آخره؟ أريحوا كتَّابكم».

المقدم: أريحوا كتابكم الملائكة؟

نعم.

المقدم: مقبول هذا.

الذين يكتبون الحسنات والسيئات.

المقدم: يعني مقبول أريحوهم؟

 يعني هل الكتابة شقاء وعناء؟

المقدم: وحتى هم لا يلحقهم تعب.

نعم، لكن هذا من باب ضرب الغائب بالحاضر، ضرب المثل الغائب بالحاضر فقط، لا أكثر ولا أقل؛ لأنه مثلًا الذي يسهر معك ليكتب كل ما تقول يشقى، فيقول: أريحوا كتابكم لا شك أن..

المقدم: يعني الكلمة الدارجة عند الناس "ريح ملائكتك" ويُنكرها بعض العلماء..

هو لا يراد بها حقيقتها أبدًا، ولذا جاءت في كلام عمر، إن صح عنه، أريحوا كتَّابكم، ولا أرى فيها ما يمنع؛ لأنه لا يلزم منه أن يكونوا في شقاء وعناء وتعب أبدًا، لكن هم من باب تشبيه الغائب بالحاضر فقط، وقد قيل: إن الحكمة في كراهية الحديث بعدها إنما هو لأن الله -جل وعلا- جعل الليل سكنًا أي يسكن فيه، فإذا تحدث الإنسان في الليل فقد جعله في النهار، فقد جعله -يعني النوم والسكن- فقد جعله في النهار الذي هو متصرف المعاش، فكأنه قصد إلى مخالفة حكمة الله تعالى التي أجرى عليها وجوده، يعني السنة الإلهية أن الليل سكن، والنهار معاش، فكثير من الناس قلب فجعل السكن في النهار، والمعاش في الليل، فكأنه قصد إلى مخالفة حكمة الله تعالى التي أجرى عليها وجوده فقال: {وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان:47].

ثم قال القرطبي: هذه الكراهة إنما تختص بما لا يكون من قبيل الكُرب والأذكار وتعليم العلم ومسامرة الأهل بالعلم وبتعليم المصالح وما شابه ذلك، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن السلف ما يدل على جواز ذلك، بل على ندبيته.

وفي شرح ابن بطال: وإنما يكره السمر إذا كان في غير طاعة، وأحب أن يجعل الصلاة آخر أعمالهم بالليل؛ لتكون كفارة لما زاولوه بينه وبين الصلاة التي قبلها، وأحَب أن يجعل الصلاة آخر أعمالهم بالليل أي صلاة العشاء، وكرهوا الحديث بعد العتمة؛ لأن النوم وفاة فأحبوا أن يناموا على خير أعمالهم، «وقد كان ابن عمر- رضي الله عنهما- إذا تكلم أو قضى شيئًا من أموره قبل نومه قام فصلى ثم نام؛ لينام عن صلاة»، ابن عمر- رضي الله عنهما- إذا تكلم أو قضى شيئًا من أموره قبل نومه قام فصلى ثم نام؛ ليختم يومه بالصلاة ولم يفعل بين نومه وصلاته شيئًا.

 وهذا الحديث خرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ثلاثة مواضع من صحيحه:

الأول: هنا في كتاب "العلم باب السمر في العلم" قال: «حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن سالم وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: صلى بنا النبي -صلى الله عليه وسلم- العشاء في آخر حياته...» فذكر الحديث، والمناسبة كما تقدم ظاهرة.

والثاني: في كتاب "مواقيت الصلاة" باب ذكر العشاء والعتمة، ومن رآه واسعًا، ومن رآه الضمير يعود على ماذا؟

المقدم: العشاء.

عن وقت صلاة العشاء أو التسمية العتمة التي جاء النهي عنها، «لا تغلبنكم الأعراب».

المقدم: ومن رآه واسعًا.

أي يعني إطلاق هذا الاسم.

المقدم: لكن ما يضعه في باب مواقيت الصلاة يا شيخ؟

يقول: في مواقيت الصلاة، باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعًا، قال: «حدثَنَا عَبْدَانُ -عبد الله بن عثمان المروزي- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، هو ابن المبارك، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عنَ سَالِم قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن عمر قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءِ -وَهْيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَة- ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ... » فذكر الحديث، وهي التي يدعو الناس العتمة، لكن لو نظرنا إلى مواقيت الصلاة، هل فيه ما يدل على وقت صلاة العشاء؟ حديث؟

المناسبة ظاهرة لذكر صلاة العشاء والإشارة إلى تسمية الناس لها بالعتمة مع صحة النهي عن ذلك، فدل على السعة في الأمر، وأن النهي للكراهة لا للتحريم.

ذكرنا أن الإمام البخاري هذا الترقيم الموجود في مواقيت الصلاة وغيرها هذا الباب أدرج فيه أبوابًا كثيرة جدًّا لا ترتبط بمواقيت الصلاة، وإنما هو مجرد ترتيب فني للأرقام؛ لتتفق مع الفهارس ومع المعجم.

والموضع الثالث: في كتاب "مواقيت الصلاة" أيضًا في باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء، قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثني سالم بن عبد الله وأبو بكر بن أبي حزمة أن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْعِشَاءِ في آخر حياته،  فلما سلم قام النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: أَرَأَيْتُكمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد»، فوهل الناس في مقالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض، يريد بذلك أن تخرم ذلك القرن يعني الموجود في حياته -عليه السلام-، والمناسبة ظاهرة، باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء؛ لأن مناسبته لهذه الترجمة هي المناسبة للموضع الأول، والمعنى أنهم فزعوا؛ لأنه قال: فوهل الناس، والمعنى أنهم فزعوا ووهموا، حيث ظنوا أن الساعة تقوم بعد انقضاء مائة سنة.

 والحديث خرجه الإمام مسلم فهو متفق عليه.

المقدم: قال -رحمه الله تعالى-: «عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها في ليلتها، فصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- العشاء، ثم جاء إلى منزله، فصلى أربع ركعات، ثم نام ثم قام ثم قال: نام الغُليم -أو كلمة تشبهها- ثم قام فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه، فصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم نام حتى سمعت غطيطه –أو خطيطه- ثم خرج إلى الصلاة».

راوي هذا الحديث حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- تقدم ذكره مرارًا.

 وهذا الحديث ضمن الترجمة السابقة باب السمر في العلم، قال ابن المنيِّر ومن تبعه فيما نقله ابن حجر: يحتمل أن يريد أن أصل السمر يثبت بهذه الكلمة وهى قوله: «نام الغُليم»، ويحتمل أن يريد ارتقاب ابن عباس لأحوال النبي -صلى الله عليه وسلم-، ابن عباس بات وهو يراقب حال النبي -عليه الصلاة والسلام- ولذلك ذكر ما حصل منه من نوم وقيام.

المقدم: وهذا من العلم.

وهذا من العلم العملي تلقي أفعال النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأفعاله من سنته؛ لأن سنته عبارة عن ...

المقدم: القول والفعل والتقرير.

القول والفعل والوصف أيضًا، ويحتمل أن يريد ارتقاب ابن عباس لأحوال النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا فرق بين التعليم من القول والتعليم من الفعل، فقد سمر ابن عباس ليلة في طلب العلم، هذه الليلة سمرها ابن عباس في طلب العلم العملي، أما قوله -عليه الصلاة والسلام-: «نام الغُليم» فمثل هذا يعد سمرًا بكلمة أو كلمتين؟ سيأتي ما في هذا من النزاع.

 زاد الكرماني بعد «نام الغُليم» في بيان الترجمة والمناسبة والرابط بين الخبر والترجمة أو ما يُفهم من جعله عن يمينه، كأنه -صلى الله عليه وسلم- قال لابن عباس: قف عن يميني، ابن عباس..

المقدم: ما نقل هذا.

لا، ابن عباس صفَّ عن يساره -عليه الصلاة والسلام-، فأداره النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمين، قال: أو ما يفهم من جعله عن يمينه كأنه -صلى الله عليه وسلم- قال لابن عباس: قف عن يميني، يعني هذا من باب القول بالفعل، يعني فهم القول من الفعل، فكثيرًا ما يطلق القول ويراد به الفعل والعكس، فقال بيده هكذا إلى آخره، فيطلق القول ويراد به الفعل، فقال: وقفت، هل حصل هذا؟ هل قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قف عن يميني؟ أو قال: وقفت؟ لم يحصل شيء من هذا؛ بدليل أن ما حصل كله فعل، وقف ابن عباس عن يساره- عليه الصلاة والسلام-، ثم أداره بفعله إلى جهة اليمين فقال: وقفت، ويجعل الفعل بمنزلة القول أو أن الغالب أن الأقارب إذا اجتمعوا لابد أن يجري بينهم حديث للمؤانسة، وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- كله فائدة وعلم، ويبعد من مكارمه أن يدخل بيته بعد صلاة العشاء بأصحابه ويجد ابن عباس -رضي الله عنه- مبايتًا له ولا يكلمه فهو من باب اللازم.

 دخل البيت ووجد فيه ابن عباس، هل يدخل مباشرة ويذهب إلى فراشه أو يؤانس هذا الذي وجده في بيته، يقول: ويبعد من مكارمه -عليه الصلاة والسلام- أن يدخل بيته بعد صلاة العشاء بأصحابه ويجد ابن عباس -رضي الله عنه- مبايتًا له ولا يكلمه، الآن المناسبة في قوله «نام الغُليم»، ويكفي في هذا أنه سمر في العلم، وفي وقوف ابن عباس عن يساره وإدارة النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا علم عملي، الاستنباط الذي أبداه الكرماني في الأخير وهو أنه يبعد أن يدخل فيجد في البيت شخصًا ليس من أهله –من أهل البيت- ثم بعد ذلك لا يؤانسه بكلمة أو كلمات. كل هذا سمر، وكل هذه..

المقدم: وجيهة، لكن الثالثة كأنها أوجه.

 يعني هل مثل هذا يُسمى سمرًا؟

المقدم: الثالث ممكن يا شيخ.

لكن استنباط، هل نحتاج إلى استنباط ومعنى ما يدل على السمر صراحة؟

الإشكال أنهم حينما يريدون أن يبدوا المناسبة بين الحديث والترجمة ينصب النظر إلى ما في الباب، الرابط بين الحديث المذكور في الباب وترجمته، وهذا فعل من لم يتصف بالحفظ واستحضار الروايات الأخرى، ولذا نسمع في كلام ابن حجر قال: كل ما ذكره معترَض؛ لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يُسمى سامرًا، من تكلم بكلمة لا يُسمى سامرًا، يعني لو افترضنا أنه خرج من المسجد مع الناس، ووجد في الطريق أناسًا وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ووجد قومًا آخرين وسلم عليهم وفئة ثالثة ورابعة وخامسة.. وهكذا، هل نقول: إن هذا سمر؟ تكلم بكلام، ولا شك أن إلقاء السلام عبادة، لكن «نام الغُليم» هذا خبر أو استفهام على ما سيأتي، فهل هذا سمر في العلم؟ يقول: كل ما ذكره معترض؛ لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرًا، وصنيع ابن عباس يسمى سهرًا لا سمرًا، بات يراقب ما سمر؛ لأن السمر والمسامرة تكونا بين طرفين في المحادثة بين طرفين، وابن عباس صنيعه لا يسمى سمرًا، وإنما يسمى سهرًا، إذ السمر لا يكون إلا عن تحدث كما قال الإسماعيلي، وأبعدها الأخير؛ لأن ما يقع بعد الانتباه من النوم لا يسمى سمرًا؛ لأن مراقبة ابن عباس لحال النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن نام كما في الخبر «نام الغُليم».

 قال ابن حجر: والأولى من هذا كله أن مناسبة الترجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طرق أخرى، الآن ميزة ابن حجر وبيان فضله عن غيره من الشراح..

المقدم: جمعه للطرق.

أنه يستحضر جميع روايات الحديث سواء كانت في الصحيح أو في غيره والبخاري -رحمه الله تعالى- له مغازٍ بعيدة بحيث يشق طريقته على كثير من العلماء فضلًا عن طلاب العلم، الذي لا يجمع الطرق لا يستطيع أن يوجد المناسبات والمغازي التي يريدها الإمام البخاري والإشارات الدقيقة، الأولى يقول ابن حجر من هذا كله أن مناسبة الترجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طرق أخرى، وهذا يصنعه المصنف كثيرًا، يريد به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبع الطرق والنظر في مواقع ألفاظ الرواة؛ لأن تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن.

المقدم: وساق الطرق.

ذكر رواية في الصحيح تدل عليها، وإنما أراد البخاري هنا ما وقع في بعض طرق هذا الحديث مما يدل صريحًا على حقيقة السمر بعد العشاء، وهو ما أخرجه في التفسير، وغيره من طرق كريب عن ابن عباس قال: «بت في بيت خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أهله ساعة ثم رقد».

المقدم: هذا معقول.

نحتاج أن نقول: إن السمر في قوله «نام الغُليم» أو أن نستنبط أمورًا مع وجود هذا النص عليه في طريقه، لكن الإشكال أن مثل هذا الكلام لا يعجب بعض من تصدى للاعتراض على ابن حجر، يعني هل هذا كلام مقنع من ابن حجر أم غير مقنع؟

المقدم: بلى.

مقنع، ومر بنا مرارًا كلامًا يقره مثل هذا يقره بل ينقله من انتقد ولا يعترض عليه، يقول: «بت في بيت خالتي ميمونة فتحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أهله ساعة ثم رقد»... الحديث، فصحت الترجمة بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن، فإن قيل: إن هذا إنما يدل على السمر مع الأهل لا في العلم؟ فالجواب أنه يلحق به؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق بغير علم، جميع ما ينطق به -عليه الصلاة والسلام- علم وفائدة، فالجواب أنه يلحق به، والجامع تحصيل الفائدة أو هو بدليل الفحوى؛ لأنه إذا شرع في المباح افترض أنه مباح تحدث معها لساعة في المباح، فلأن يكون في العلم من باب أولى، وقال: هو بدليل الفحوى؛ لأنه إذا شرع في المباح ففي المستحب من طريق الأولى.

المقدم: أحسن الله إليكم، لعلنا إن شاء الله نستكمل ما تبقى من هذا الموضوع في حلقة قادمة. أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. لقاؤنا بكم يتجدد في حلقة قادمة بإذن الله، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،