كتاب العلم (25)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: (قال: وفي قصة موسى والخضر من الفوائد: أن الله يفعل في ملكه ما يريد)، (قال) الضمير يعود على من؟ أقرب مذكور، القرطبي أقرب مذكور.

(وفي قصة موسى والخضر من الفوائد: أن الله يفعل في ملكه ما يريد، ويحكم في خلقه بما يشاء بما ينفع أو يضر)، (يفعل في ملكه ما يريد) الله -جَلَّ وعَلا- فعال لما يريد، (ويحكم في خلقه بما يشاء بما ينفع أو يضر) الأصل هو النفع، لكن قد يصاحب هذا النفع ضرر يسير مغتفر في جانب النفع الذي هو الأصل، وقد يكون في ظاهر الأمر كما حصل في قصة خرق السفينة وقتل الغلام أنه ضرر محض، كما حصل لموسى -عليهِ السَّلامُ-، لكن تبين أن هناك مصلحة راجحة في الأمرين، كما بين ذلك الخضر -عليهِ السَّلامُ-، لا شك أن فيه ضررًا ظاهرًا، لكن المصلحة راجحة، وقد خفيت هذه المصلحة على موسى -عليهِ السَّلامُ-.

لكن قد يقول قائل: بالنسبة لخرق السفينة في شرعنا، الشرع الذي ورد في شرع من قبلنا أو الحكم الذي ورد في شرع من قبلنا وجاء منصوصًا عليه في الكتاب والسنة هذا لا كلام فيه، لكن في شرعنا هل لأحد مهما بلغ من العلم أن يصنع مثل هذا: سفينة فيها عدد كبير من الركاب يخرقها؛ لئلا تغتصب؟ غلام يُتوقع أن يرهق والديه طغيانًا وكفرًا فيقتله؟ ليس له ذلك، ليس لأحد ذلك؛ لأن الخضر لم يصنع ذلك من تلقاء نفسه، ولذلك قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82]، فلا بد من التأييد بالوحي، والوحي قد انقطع.

(فلا مدخل للعقل في أفعاله، ولا معارضة لأحكامه) الغالب أن الأحكام معللة، مصالحها مدركة بالشرع الذي جاء بهذا الحكم والعقل الذي لا يخالف الشرع في الأصل، (بل يجب على الخلق الرضا والتسليم، فإن إدراك العقول لأسرار الربوبية قاصر، فلا يتوجه على حكمه لِمَ ولا كيف) لم فعل كذا؟ ولا كيف فعل هذا؟

(كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيثَ) لم يرد في حديث الجارية: «أين الله»؟ نعم، فيه تعليقة للشيخ ابن باز -رحمه الله- يقول: الصواب عند أهل السنة وصف الله سبحانه بأنه في جهات العلو، وأنه فوق العرش، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، ويجوز عند أهل السنة السؤال بأين، كما في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للجارية: «أين الله؟» قالت: في السماء، الحديث وفيه قال: «أعتقها فإنها مؤمنة».

 (وإن العقل لا يُحسن ولا يقبح) هذه طريقة الأشاعرة، وأن الإنسان يدور مع الحكم، يعني اليوم لو قال: إن الزنا حرام فله أن يقول غدًا: إن الزنا حلال، وله أن يقول في الخمر اليوم: حرام، وغدًا يقول: حلال، ولا فرق. يعني مثلاً الحمر الإنسية كانت مباحة وداخلة في: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157]، حُرمت فانتقلت إلى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].

يعني مثل هذا الحكم فيه نوع أو فيه استدلال واستمساك من قِبلهم أنه لا بد أن يدور الإنسان مع الحكم، والعلة تدور معه، وهذا له أصل، لكن الأصل أن الأحكام معللة، والمصالح مرعية، والأوصاف ثابتة، هذا الأصل. طيب الخمر كانت حلالاً، وفيها منافع للناس، والميسر، فلما حرمت جاء في بعض الآثار أنها سُلبت المنافع. فهذا يدل على أن الحكم أو العلة تدور مع حكمها، إذا كان حلالاً فهو من الطيبات، وإن كان حرامًا فهو من الخبائث. لكن غالب الأحكام العقول تدرك حسنها وتدرك قبحها؛ لأنه ما من خير إلا دل الأمة عليه، وما من شر إلا حذرها منه.

نشوف تعليق الشيخ -رحمه الله-: (وإن العقل لا يحسن ولا يقبح)، قال الشيخ -رحمه الله-: هذا قول بعض أهل السنة، وذهب بعض المحققين منهم إلى أن العقل يحسن ويقبح؛ لما فطر الله عليه العباد من معرفة الحسن والقبح، وقد جاءت الشرائع الإلهية تأمر بالحسن، وتنهى عن القبيح، ولكن لا يترتب الثواب والعقاب على ذلك إلا بعد بلوغ الشرع، كما حقق ذلك العلامة ابن القيم -رحمه الله- في مفتاح دار السعادة، وهذا هو الصواب، والله أعلم.

 لكن قد يخرج عن هذا الإطار العام بعض المسائل؛ ليتبين للإنسان أن العقل لا يطرد إدراكه، لا بد أن يقف أمامه شيء.

طالب: .......

 نعم؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

يعني الإباحة لو كانت على البراءة الأصلية فقط يمكن أن نقول هذا، لو كانت على البراءة الأصلية فقط يمكن أن نقول هذا، لكنها أبيحت غير البراءة الأصلية.

طالب: .......

ما فيه إشكال، يمكن يوافقهم بعض أهل السنة أو أنه درجت العبارة على ما درجوا عليه أن الأشاعرة من أهل السنة؛ لأن كثيرًا من شيوخهم مع جلالة قدرهم واهتمامهم بالنصوص ومعرفتهم بالكتاب والسنة وعنايتهم بالآثار، بعض الاصطلاحات تمشي عليه، بعض الاصطلاحات التي ترد في ثنايا المسائل لا سيما الأشاعرة؛ لقربهم من أهل السنة، وكثرة تداول كلامهم في التفاسير والشروح، كثير من الشيوخ يقول: ما بيننا وبين الأشاعرة إلا الصفات، وإلا بيننا ما هو أعم من الصفات، وأن الصفات من أعظم الأبواب، لكن بيننا وبينهم أشياء كثيرة.

طالب: .......

لا، ليس منهم الأشاعرة.

طالب: .......

الجويني لا، الجويني منهم، من أئمتهم، كل واحد من الأئمة المنظرين في المذهب له بصمات.

طالب: .......

لا ما هم منهم، لا لا تخلط.

طالب: .......

لا، لا تخلط المسائل، أيضًا التأثر من مذهب إلى آخر هذا تأثر جزئي، يعني يمكن الشخص يكون صوفيًّا وأشعريًّا في نفس الوقت، وصوفيًّا بمعنى أنه يبالغ في العبادة، وله تأثر بكلام الصوفية وهو أثري على مذهب الإمام أحمد، وهكذا، هذه الأمور دخلت، يعني عندك من أهل السنة في باب ومبتدعة في باب.

طالب: .......

نعم، لكن هل تأثر بمذهب ابن عربي أو أشخاص؟ أشخاص ما هو بمذهب.

طالب: .......

لا، أشخاص، يعني يكون شخص من الأشعرية تأثر بكلام ابن عربي فهذا لا يعني أن مذهب وحدة الوجود دخل مذهب الأشعرية. لا تقل لي: المنظرون هؤلاء كل واحد منهم جاء له بزيادات.

طالب: .......

طيب منذر بن سعيد البلوطي من أهل السنة، وينفي وجود الجنة والنار، هل نقول: إن مذهب أهل السنة تأثر بهذا؟

طالب: .......

خلاص انتهينا.

طالب: .......

لا لا، المسألة في الأصل في المذهب، هو كون أناس تأثروا أصلهم أشاعرة وتأثروا بمسائل أخرى من مذهب الاعتزال .......

طالب: .......

 هذا شيء ثانٍ ما يؤثر على المذهب.

طالب: .......

الأشعري رأسهم متأثر بالمعتزلة.

طالب: .......

لما رجع صار أقرب.

طالب: .......

معروف، جوهرة التوحيد وشروحها عندهم معتبرة.

طالب: .......

نعم، معروفة.

طالب: .......

نعم، لكنه في الغالب ما فيه تنافر بين العقل والشرع، فالعقل مدرك لكثير من علل الأحكام الشرعية، لكنه لا يستقل بحكم.

طالب: .......

 كيف؟

طالب: .......

لا، لكن فرق بين من يقول: العقل لا مدخل له، ولا فرق بين الزنا والنكاح إلا النص، ما يدرك أن هناك مصالح مترتبة على هذا، ومفاسد مترتبة على هذا، شوفت الفرق؟ ما فيه فرق، ما فيه فرق بين الماء والخمر إلا أن الشرع جاء بإباحة هذا، وتحريم هذا فقط؛ لأن العقل لا يحسن ولا يقبح، لا مانع أنه يدرك الحسن والقبح.

 طيب المعروف والمنكر، المعروف ما يدرك حسنه، المعروف ما يدرك حسنه بالشرع والعقل يدرك هذا، يعني العقل ما يدرك أن الظلم ولو لم يرد به نص أنه قبيح؟ «كل مولود يولد على الفطرة».

طالب: .......

على كل حال العقل الصريح لا يمكن أن يناقد نصًّا صحيحًا.

طالب: .......

 لا لا لا، التشريع ما له علاقة، لا علاقة له بالتشريع.

(وإن ذلك راجع إلى الشرع، فما حسَّنه بالثناء عليه فهو حسن وما قبَّحه بالذم فهو قبيح، وإن لله تعالى فيما يقتضيه حِكمًا وأسرارًا في مصالح خفية اعتبرها كل ذلك بمشيئته وإرادته من غير وجوب عليه، ولا حكم عقل يتوجه إليه، بل بحسب ما سبق في علمه ونافذ حكمه، فما أطلع الخلق عليه من تلك الأسرار عُرف، وإلا فالعقل عنده واقف، فليحذر المرء من الاعتراض فإن مآل ذلك إلى الخيبة.

 قال: ولننبه هنا على مغالطتين:

 الأولى: وقع لبعض الجهلة أن الخضر أفضل من موسى تمسكًا بهذه القصة وبما اشتملت عليه، وهذا إنما يصدر ممن قصر نظره على هذه القصة، ولم ينظر فيما خص الله تعالى به موسى -عليهِ السَّلامُ- من الرسالة، وسماع كلام الله، وإعطائه التوراة فيها علمُ كل شيء، وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته، ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى، وأدلة ذلك في القرآن كثيرة).

 كون الخضر في هذه القصة صار عنده من العلم ما فاق به موسى -عليهِ السَّلامُ- هو لا شك أنه تفضيل جزئي، والتفضيل الجزئي لا يُقضى به على الكلي، مثل ما قلنا مرارًا: إن أول من يُكسى يوم القيامة إبراهيم -عليهِ السَّلامُ-، فهل معنى هذا أنه أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-؟ وكما جاء في موسى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أول من تنشق عنه الأرض، يقول: «فإذا موسى باطش بقائم العرش، فلا أدري أبُعث قبلي أم جوزي بصعقة الطور»، لا يعني هذا أنهما أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-.

 توجد مناقب لعمر منها أوفر من حظ أبي بكر، لكن الأصل والغالب أن أبا بكر أفضل، وهذا ملاحظ في أفراد الناس وآحادهم من علماء وعامة وغيرهم، تجد هذا أفضل في مزية، وذاك الأصل أنه أفضل، يعني التفضيل بين أهل العلم وأن يقال: هذا عالم الأمة أو شيخ الأمة، هل يعني أنه أعرف بجميع فروع العلم من غيره مطلقًا؟ ما هو بصحيح.

طالب: .......

 ماذا؟

طالب: .......

يتفاوتون، لكن الأكثر مع هذا الذي استفاض أمره في الأمة، وأنه أعلم من غيره، ولهذا استفاض أنه أفضل وأعلم.

طالب: .......

لا، في هذه المسائل لا شك أن العلم دلالة فضل.

طالب: .......

نعم، أقول: إن هذه المسائل بخصوصها الخضر أفضل؛ لأن من كان أعلم كان أفضل، لكن لا يعني أنه أفضل في ثلاث مسائل أو أربع مسائل أو عشر مسائل من غيره ممن هو أفضل منه بآلاف المسائل.

طالب: .......  

ماذا؟

طالب: .......

لا، بلا شك، المسائل بيَّنت لموسى -عليهِ السَّلامُ- ما وقع فيه وأرجعته إلى ما ينبغي أن يكون، وهذا أمر مشاهد وملموس، يعني الشخص وهو في درسه أو في محاضرته أو في مجمع تتجه إليه أنظار الناس ويسألونه، الله حكيم عليم، فإذا رأى في نفسه شيئًا من رؤية النفس فلا بد أن يقع له في هذا المجلس شيء يرده إلى الصواب.

(وأدلة ذلك في القرآن كثيرة، ويكفي من ذلك قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144]، وسيأتي في أحاديث الأنبياء من فضائل موسى ما فيه كفاية.

قال: والخضر وإن كان نبيًّا فليس برسول باتفاق، والرسول أفضل من نبي ليس برسول، ولو تنزلنا على أنه رسول فرسالة موسى أعظم، وأمته أكثر فهو أفضل. وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم).

 هذا على القول: بأنه نبي؛ لأن من أهل العلم، وهم جمع غفير من يقول: إنه ولي، وليس بنبي.

(وإن قلنا: إن الخضر ليس بنبي بل ولين فالنبي أفضل من الولي، وهو أمر مقطوع به عقلاً ونقلاً) خلافًا لغلاة المتصوفة الذين يفضلون الأولياء على الأنبياء.

(والصائر إلى خلافه كافر؛ لأنه أمر معلوم من الشرع بالضرورة.

قال: وإنما كانت قصة الخضر مع موسى امتحانًا لموسى ليعتبر.

الثانية: ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة، فقالوا: إنه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء، وأما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص).

طالب: .......

 (بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويُحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم؛ لصفاء قلوبهم عن الأكدار، وخلوها عن الأغيار، فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات، ويعلمون الأحكام الجزئيات، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما ينجلي له من تلك العلوم عما كان عند موسى، ويؤيده الحديث المشهور: «استفت قلبك وإن أفتوك».

 قال القرطبي: وهذا القول زندقة وكفر؛ لأنه إنكار لما عُلم من الشرائع، فإن الله قد أجرى سنته وأنفذ كلمته بأن أحكامه لا تُعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه المبينين لشرائعه وأحكامه، كما قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75]، وقال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتَهُ} [الأنعام: 124]) القراءة التي اعتبرها المؤلف.

(وأمر بطاعتهم في كل ما جاؤوا به، وحث على طاعتهم والتمسك بما أمروا به، فإن فيه الهدى، وقد حصل العلم اليقين وإجماع السلف على ذلك، فمن ادعى أن هناك طريقًا أخرى يُعرف بها أمره ونهيه غير الطرق التي جاءت بها الرسل يستغني بها عن الرسول فهو كافر يقتل ولا يستتاب.

قال: وهي دعوى تستلزم إثبات نبوة بعد نبينا؛ لأن من قال: إنه يأخذ عن قلبه؛ لأن الذي يقع فيه هو حكم الله، وأنه يعمل بمقتضاه من غير حاجة منه إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصةً النبوة، كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: «إن روح القدس نفث في روعي»).

 من قرأ في تراجم من يدّعى لهم الولاية، الطبقات الكبرى والوسطى والصغرى للشعراني أو للمناوي أو لغيرهما رأى مصداق هذا الكلام، فهؤلاء الأولياء كما يدّعون يُزعم أنهم يتصرفون في الكون، وأنهم وصلوا إلى مرحلة بحيث يدبرون الأمور ولا يقومون بأي عمل من التعبد. وفي رحلة ابن بطوطة يقول: إنه في يوم بارد قال له شخص يزعم أنه ولي: سوف تقدم على فلان ويلبسك جبته، يقول: قدمت على فلان بعد أيام فألبسني جبته فتعجبت. قال لي الثاني صاحب الجبة: أتعجب من مقالة فلان وهو الذي يتصرف في الكون؟!

نسأل الله العافية.

 كلام كثير من هذا النوع في هذا الرحلة وفي غيرها، هذا موجود في أوساط المتصوفة الغلاة منهم، كثير مثل هذا عندهم، مسألة التصرف، ومعرفة الغيب، والوجود في أكثر من مكان في آن واحد، أو الانتقال من مكان إلى مكان في لحظة، وساعة مع الحجاج، وساعة عند أهله بينهم، هذا يدعونه له، والشياطين لهم دور في هذا، لهم دور نعم، باعتبار أن كفره أو حتى توبته لا دليل عليها لو تاب؛ لأن كفره باطل خفي لا تُعرف توبته، كما قال أهل العلم في توبة من سب الله ورسوله، توبة غلاة المنافقين وكبارهم لا يُدرى عن صدقهم وكذبهم، هذا قول معروف عند أهل العلم، بل قول أكثر أهل العلم إن الزنديق لا تُقبل توبته، فمن سب الله ورسوله لا تُقبل توبته.

ومنهم من يرى أن توبته مقبولة كغيره كالمشرك وغيره.

طالب: .......

ماذا ؟

طالب: .......

تستفتي قلبك في الأحكام؟ في الأحكام؟ يعني ما عندك دليل وتستفتي قلبك تعمل به؟

طالب: .......

كيف مطلقًا؟

طالب: .......

استدلوا بهذا الحديث على باطلهم.

طالب: .......

استدلوا قالوا: إن القلب هذا الذي يملي عليهم أن له أن يصدر من الأحكام ما شاء، أما كوني أعرف أن هذا مما يُستحيى منه، أو أدرك في قلبي أن هذا مرجوح، أو أن هذا غير حسن، فهذا معروف.

(قال: وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال: أنا لا آخذ عن الموتى، وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت)، هم يأخذون على حد زعمهم من المعدن الأصلي الذي يأخذ منه جبريل -عليهِ السَّلامُ-.

 (وكذا قال آخر: أنا آخذ عن قلبي عن ربي. وكل ذلك كفر باتفاق أهل الشرائع، ونسأل الله الهداية والتوفيق.

وقال غيره: من استدل بقصة الخضر على أن الولي يجوز له أن يطلع من خفايا الأمور على ما يخالف الشريعة، ويجوز له فعله؛ فقد ضل، وليس ما تمسك به صحيحًا، فإن الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشرع، فإن نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعًا وعقلاً) إذا ترتب عليه غرقهم، كأن أخذ هذا اللوح لا يؤثر في الغرق، إنما يعيب السفينة، والملك ما يأخذ إلا سفنًا صالحة وهذه معيبة، لكن لا يورث الغرق، أما الغرق فهذا ما يمكن، خلها، إذا وصلوا إلى الأمان والبر خلها تغرق أو تؤخذ أيضًا.

طالب: .......

نعم، أين؟

طالب: .......

لا لا لا يترتب عليه غرق، هو يعيبها، ولا يترتب عليه غرق. لكن انظر ماذا قال له في المسألة الثانية.

(ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعًا وعقلاً، ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظاهر) الظاهر أن هذه السفينة إذا خُرقت تغرق، (وقد وقع ذلك واضحًا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم ولفظه: «فإذا جاء الذي يسخِّرها فوجدها منخرقةً تجاوزها فأصلحها»، فيستفاد منه وجوب التأني عن الإنكار في المحتملات) يعني الأمور المحتملة.

 (وأما قتله الغلام فلعله كان في تلك الشريعة، وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان، والله أعلم)، ولا شك أن مثل هذا أفضل.

 في قصة أبي سعيد مع اللديغ سيد القوم الذي لُدغ فطلب الرقية من أبي سعيد، فاشترط عليهم جُعلاً، وهو ثلاثون رأسًا من الغنم، رقاه فبرأ، فأخذ الغنم، وعرضها على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: «اضربوا لي منها بسهم». أيهما أكمل؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

وهؤلاء ما ضيفوا، أيهما أكمل يأخذ جعلًا أم ما يأخذ؟ هذا صنيع الخضر، لكن ما فعله أبو سعيد وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام- وأكل من الجعل؟ أيهما أفضل؟ عمل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟

طالب: .......

أقر أبا سعيد وأكل، ما فيه شيء.

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

 دليل على الجواز. أيهم أفضل؟

طالب: .......

لا لا، عموم الأحكام: شخص أعطاك ما أخذ منك، وشخص أعطاك وأخذ منك.

(قوله: «فعمد» بفتح المهملة والميم، وكذا قوله: فعمدت)، هي المسائل إذا كانت تحتمل والإنسان ما يعرف الحكم أو يخفى عليه الحكم ينتظر حتى يتبين له، أو أن الدليل على هذا الحكم يحتمل وجهين.

«نول» بفتح النون أي أجرة. قوله: «فانطلقا» أي فخرجا من السفينة فانطلقا كما صرح به أيضًا في التفسير. قوله: «قال الخضر بيده» هو من إطلاق القول على الفعل) يعني مثل ما جاء في حديث التيمم: «فقال بيده هكذا» فهو من إطلاق القول على الفعل، قال: (وسنذكر باقي مباحث هذا الحديث في كتاب التفسير، إن شاء الله تعالى) يعني في تفسير سورة الكهف.

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَنْ سَأَلَ، وَهُوَ قَائِمٌ، عَالِمًا جَالِسًا.

 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا القِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً. فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ، قَالَ: وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا، فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ؛ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -عزَّ وجلَّ-»".

يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَنْ سَأَلَ، وَهُوَ قَائِمٌ، عَالِمًا جَالِسًا" يعني حال كونه جالسًا، السائل قائم، والعالم جالس، يعني ما يقال: اجلس، ليس من الأدب أن تكون أرفع من العالم أو تكون كأنك بمثابة من هو أعلى منه، ما يقال مثل هذا لوجود هذا الدليل، وإلا فالمسألة والاستدلال لها فيه إغراب من الإمام البخاري ودقة استنباط، ومثل هذا يفعله البخاري كثيرًا -رَحمةُ اللهِ عَليهِ-، وهذا من بعد نظره.

قال: "حَدَّثَنَا عُثْمَانُ" وهو ابن أبي شيبة، "قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ" وهو ابن عبد الحميد، "عَنْ مَنْصُورٍ" ابن المعتمر، "عَنْ أَبِي وَائِلٍ" شقيق بن سلمة، "عَنْ أَبِي مُوسَى" الأشعري، "قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا القِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟" يعني القتال يوجد على صور متعددة، لكن أي هذه الصور هي التي في سبيل الله، "فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا" أثير فاستثار فحمل السيف، غضب. "وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً" دفاعًا عن أهله وعشيرته ولو كانوا على غير حق.

"فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ، قَالَ" يعني أبا موسى: "وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا" أن ترفع رأسك لأنه قائم، ونظير ذلك قول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: باب رفع البصر إلى السماء لقول الله -جَلَّ وعَلا-: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] في أحد التراجم، وفي بعضها ذكر الآية النص. لكن كيف ينظرون إلى الإبل بالنظر إلى السماء؟ لأن الإنسان مهما كان طوله إذا أراد أن ينظر إلى رأسه نظر إلى السماء. ومنهم من يقول: ترجم بهذه الآية لتقرأ ما بعدها التي هي نص في الموضوع. وعلى كل حال الإمام البخاري يفعل ذلك كثيرًا.

 "فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»"، هذا الضابط.

(قوله: باب من سأل وهو قائم، جملة حالية عن الفاعل) يعني السائل قائم، "من سأل" الذي هو السائل حال كونه قائمًا، والحال "جالسًا" حال من المفعول المسئول، وهذا ما يحتاج إلى تمييز فإنه متميز، كل حال بعد صاحبها. لكن لو كانت الترجمة: من سأل عالمًا قائمًا جالسًا، من سأل عالمًا الأصل أن يقول: من سأل عالمًا جالسًا قائمًا، ولا يجوز: من سأل عالمًا قائمًا جالسًا، لماذا؟

القاعدة أن أول الحالين لثاني الاسمين، وثاني الحالين لأول الاسمين، ولهذا لم يكن التمييز، أما إذا أمكن التمييز بأن كان أحدهم ذكرًا، والثاني أنثى، يعرف هذا من المطابقة، إذا قال: لقيتها منحدرًا مصعدةً، معروف منحدرًا للمذكر سواء تقدم أو تأخر. لكن إذا وُجد لبس: سألته قائمًا جالسًا، فأول الحالين لثاني الاسمين، وثاني الحالين لأول الاسمين. لكن هو هنا في الترجمة متميز، ما يحتاج إلى مثل هذه القاعدة؛ لأن كل حال بعد صاحبه.

(باب من سأل وهو قائم، جملة حالية عن الفاعل. وقوله: عالمًا مفعول، وجالسًا صفة له) صفة أم حال؟ صفة؛ لأنها بعد نكرة، والنكرة لا شك أنه بحاجة إلى الصفة أحوج منه إلى الحال. لكن لو قال: من سأل وهو قائم العالمَ جالسًا صارت حالاً.

(والمراد أن العالم الجالس إذا سأله شخص قائم لا يُعد من باب من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا) فلا يلام العالم، فيظن أنه دخل إلا إذا كان في قلب وقر ذلك، هذا شيء ثانٍ. لكن هذا ليس منه، وقد حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-. ولا يظن بالسائل أنه رأى نفسه في موقع أرفع من العالم. (بل هذا جائز بشرط الأمن من الإعجاب؛ قاله ابن المنير.

 قوله: حدثنا عثمان هم ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد) الضبي، (ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل هو شقيق، وأبو موسى هو الأشعري، وكلهم كوفيون.

قوله: قال: وما رفع إليه رأسه، ظاهره أن القائل هو أبو موسى، ويحتمل أن يكون مَن دونه، فيكون مدرجًا في أثناء الخبر) أبو موسى أورد الحديث، إن كان في ذهنه أن يستنبط مثل هذا الحكم.

طالب: .......

 ماذا؟ أبو موسى روى الحديث، وحدث به التابعي الجليل أبا وائل شقيق بن سلمة، لكن هل في خاطر أبي موسى الحكم الذي ترجم به البخاري ليقول: "وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا"؟ هذه من أجل المطابقة مطابقة الحديث للخبر، هو الذي استنبط هذا الحكم، والاحتمال قائم أنه من قبله ما فيه إشكال، لكن الذي استنبط الحكم هو الذي أورد هذه الجملة، وإلا فهي في الأصل ليست من الحديث.

طالب: .......

 هو الذي استنبط الحكم، هل يُتصور أن عثمان بن أبي شيبة استدل بهذا الحديث على هذه المسألة، أو من قبله جرير أو منصور أو أبو وائل؟

طالب: .......

استنبط الحكم هذا من هذه المسألة؟ ماذا يدرينا؟

طالب: .......

الذي ترجم البخاري.

طالب: .......

قال أبو عبد الله، من؟ البخاري، ما المانع؟ دائمًا يقول: قال البخاري، ما فيه إشكال. والأصل أن رواية الحديث ما فيها هذا ما أوجد هذه الجملة المدرجة إلا ليطابق الحديث الترجمة.

طالب: .......

نعم؛ لأنه ما له مرجح. من يعيد الضمير إليه، ولذلك ما جزم. وهو قال في مواضع: والاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن، لكن يبقى قال ومن فاعله؟ يورد احتمالات حتى يقف على طريق يجزم به.

(قوله: «من قاتل» إلى آخره، هو من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه) يدخل فيه كل ما يحتمله هذا اللفظ، المقصود أن يكون قتاله.. لو أوردنا أسئلة كثيرة جدًّا من نوع هذه الأسئلة، الآن أورد هو احتمالين: غضب وحمية، وبعضهم يقاتل للمال، وبعضهم يقاتل رياءً، وبعضهم يقاتل كذا وكذا، كلها يرد الجواب بقوله: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، (وفي الحديث شاهد لحديث «الأعمال بالنيات»، وأنه لا بأس بقيام طالب الحاجة عند أمن الكِبر، وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لإعلاء دين الله)، لكن من قاتل لإعلاء دين الله وهذا هو الأصل ولحظ مع ذلك الغنيمة مثلاً؟

طالب: .......

أنا أقول قبل ذلك: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ومع ذلك لحظ الغنيمة؟

طالب: .......

رجع بما نال من أجر أو غنيمة، وجاء في حديث أن «من غنموا تعجلوا ثلث أجرهم».

طالب: .......

هذه من الخصائص نعم، ماذا فيه؟

طالب: .......

 لا شيء فيها، لكن الكلام على وفرة الأجر، وأيضًا ملاحظة هذه الغنيمة. يعني التشريك في النية بين أن تكون كلمة الله هي العليا مع ملاحظة الأجر، وأيضًا ملاحظة الإغراء يقاتل العدو في مثل حديث «من قتل قتيلاً فله سلبه»، يعني كون الإنسان يتشجع إذا سمع مثل هذا الكلام هل يؤثر في أجره؟ الكلام على الأصل الباعث، ما الذي نهزه من بيته وأخرجه من بيته؟ إعلاء كلمة الله، وما يتبع ذلك يأتي تبعًا.

طالب: .......

نعم، فيه تراجم.

(وفيه استحباب إقبال المسؤول على السائل) يعني أنت لما سألت، لو أنا أجبتك وأنا ناظر أبا عبد الله، زين؟ لأنه يقول: (وفيه استحباب إقبال المسؤول على السائل)؛ لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام- رفع إليه رأسه.

 (وفيه استحباب إقبال المسئول على السائل، وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الجهاد، إن شاء الله تعالى).