تعليق على تفسير سورة النساء من أضواء البيان (12)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-:

الفرع الخامس: إذا تزوج المسافر ببلد أو مر على بلد فيه زوجته أتم الصلاة؛ لأن الزوجة في حكم الوطن، وهذا هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما وأحمد."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

لا شك أن الزوجة أخص من الوطن؛ لأنها سكن، فإذا وجدت في مكان فهي وطنه وسكنه، لكنها من جهة أخرى الوطن أمره ثابت، ولا يتغيَّر، وزوجته قد تكون معه في السفر، ولا يتخلف الوصف عن كونها سكنًا، وهي معه في السفر، فالإطلاق بهذا كونه يتزوج ولا ينوي الإقامة، وينوي أن يسافر بها في مدة أقل من مدة القصر يكون هذا محل نظر.

"وبه قال ابن عباس، وروي عن عثمان بن عفان، واحتج من قال بهذا القول بما رواه الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير.."

الحميدي، نعم.

"الحميدي في مسنديهما عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنه صلى بأهل منى أربعًا، وقال: يا أيها الناس لما قدمتُ تأهلت بها، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا تأهل الرجل ببلدة فإنه يصلي بها صلاة المقيم». قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد بعد أن ساق هذا الحديث، وهذا أحسن ما اعتَذر به.."

ما اعتُذر به.

"ما اعتُذر به عن عثمان."

يعني لو صح.

"يعني في مخالفته النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر في قصر الصلاة في منى، وأعل البيهقي حديث عثمان هذا بانقطاعه، وأن في إسناده عكرمة بن إبراهيم، وهو ضعيف.

قال ابن القيم: قال أبو البركات ابن تيمية."

جده، جد شيخ الإسلام.

"ويمكن المطالبة بسبب الضعف فإن البخاري ذكره في تاريخه ولم يطعن فيه وعادته ذكر الجرح والمجروحين وقد نص أحمد.."

هذا ما يكفي أنه يذكره، ولم يطعن فيه إلا إذا نص على توثيقه، أما مجرد الذكر دون جرح ولا تعديل فإنه يجعل الراوي في عداد المجهولين، وأما من يقول في الراوي: ذكره البخاري في تاريخه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، فهو ثقة أو هذه أمارة توثيقه مثل أحمد شاكر ومن يقول بقوله، هذا القول ضعيف لا بد أن يُنَص على ثقة الراوي أو على جرحه، أو يبقى مجهولًا، وهذا هو المصوَّب فيمن يذكرهم البخاري أو ابن أبي حاتم في كتابيهما ولم يذكرا فيه فيه جرحًا ولا تعديلاً، فلا يقال: إنه ثقة، إنما هو مجهول حتى يُنَص على توثيقه أو على جرحه، من يخرج الترجمة من التاريخ؟

طالب: .........

التاريخ الكبير، شف عكرمة بن إبراهيم.

نعم كمِّل.

"وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام، وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأصحابهما. انتهى منه بلفظه.

 قال -مقيده عفا الله عنه-: الذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- أن أحسن ما يُعتذَر به عن عثمان وعائشة في الإتمام في السفر أنهما فهما من بعض النصوص أن القصر في السفر رخصة، كما ثبت في صحيح مسلم أنه صدقة تصدق الله بها. انتهى. وأنه لا بأس.."

النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسافر ومعه الصحابة منهم الصائم ومنهم المفطر، ولا يعيب هذا على هذا، ولا هذا على ذاك، مما يدل على أنه رخصة.

"وأنه لا بأس بالإتمام لمن لا يشق عليه ذلك كالصوم في السفر، ويدل على ذلك ما رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تصلي أربعًا قال: قلت لها لو صليتِ ركعتين، فقالت: يا ابن أختي، إنه لا يشق علَي. وهذا أصرح شيء عنها في تعيين ما تأوَّلت به، والله أعلم.

الفرع السادس.."

يعني إذا قلنا: إنها تأوَّلت مثل ما تأوَّل عثمان مع التأويل السابق أنه تزوج وله أهل، ماذا نقول عن عائشة؟ لا شك أنها أم المؤمنين، والمؤمنون في بلاد الإسلام كلهم من أبنائها، وهي أمهم، فإذا توسعنا بهذا المفهوم مع أن الأمومة كونها أم المؤمنين في الأحكام لا يعني أنها أم من كل وجه، أم في التقدير والاحترام وتحريم الزواج منها، وما عدا ذلك يبقى على الأصل.

"الفرع السادس: لا يجوز للمسافر في معصية القصر.. لا يجوز للمسافر في معصية القصر؛ لأن الترخيص له والتخفيف عليه إعانة له على معصيته، ويستدَل لهذا بقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ} [سورة المائدة:3] الآية، فشَرَط في الترخيص بالاضطرار إلى أكل الميتة كونه غير متجانف لإثم، ويفهم من مفهوم مخالفته أن المتجانف لإثم لا رخصة له، والعاصي بسفره متجانف لإثم، والضرورة أشد في اضطرار المخمصة منها في التخفيف بقصر الصلاة ومنع ما كانت الضرورة إليه.."

ألجأ.

"ومنع ما كانت الضرورة إليه ألجأ بالتجانف للإثم."

نعم، الترخيص له في القصر والفطر هذا يعينه على إتمام سفره ومواصلته والقوة والنشاط فيه، وهذا مما لا ينبغي أن يعان، بل ينبغي أن يُعاق عن تحصيل مقصوده.

"يدل على منعه به فيما دونه من باب أولى وهذا النوع من مفهوم المخالفة من دلالة اللفظ عند الجمهور لا من القياس خلافًا للشافعي وقوم، كما بيناه مرارًا في هذا الكتاب، وهو المعروف بإلغاء الفارق وتنقيح المناط، ويسميه الشافعي القياس، ويسميه الشافعي القياس في معنى الأصل، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد، وخالف في هذه المسألة أبو حنيفة- رحمه الله-.."

إلغاء الفارق بين الأصل والفرع، بإلغاء الفارق بين الأصل والفرع.

"وخالف في هذه المسألة أبو حنيفة -رحمه الله- فقال: يقصر العاصي في سفره كغيره؛ لإطلاق النصوص.."

لكن هل الجهة منفكة بين المعصية والرخصة؟ إذا كانت الجهة منفكة يمكن تصحيح ما جاء الشرع بصحته، وإبطال ما جاء الشرع بإبطاله، لكن إذا كانت الجهة غير منفكة، وأن هذه الجهة تعين على الجهات الأخرى، وأنها مرتبطة بها نوع ارتباط لا شك أنه إذا رخص له استعان بهذه الرخص التي تقويه على تحصيل مقصده.

"لإطلاق النصوص، ولأن السفر الذي هو مناط القصر ليس معصية بعينه، وبه قال الثوري والأوزاعي، والقول الأول أظهر عندي، والله تعالى أعلم.

 قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} [سورة النساء:103] ذكر في هذه الآية الكريمة أن الصلاة كانت ولم تزل على المؤمنين كتابًا أي شيئًا مكتوبًا عليهم واجبًا حتمًا."

كانت ولم تزل؛ لأن الماضي كان يعني فيما مضى من الزمان، ولذلك سمي ماضيًا، فهل كانت ثم انتهى هذا الحكم، كان في الزمن الماضي وانتهى، أو لايزال هذا الحكم؟ وهذا في كثير من النصوص التي تأتي بهذه الصيغة {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [سورة النساء:58] يعني هل كان في الماضي فقط كان ولم يزل، وكانت الصلاة في هذه الآية ولا تزال.

"{مَّوْقُوتاً} [سورة النساء:103] أي له أوقات يجب بدخولها، ولم يشر هنا.."

{كِتَاباً} [سورة آل عمران:145] يعني مكتوبة مفروضة. {مَّوْقُوتاً} [سورة النساء:103] يعني في أوقاتها، في أوقات محددة.

"ولم يشر هنا إلى تلك الأوقات، ولكنه أشار إليها في مواضع أُخَر كقوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [سورة الإسراء:78]، فأشار بقوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سورة الإسراء:78] وهو زوالها عن كبد السماء، وهو زوالها عن كبد السماء على التحقيق إلى صلاة الظهر والعصر، وأشار بقوله: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [سورة الإسراء:78] وهو ظلامه إلى صلاة المغرب والعشاء، وأشار بقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [سورة الإسراء:78] إلى صلاة الصبح، وعبَّر عنها بالقرآن بمعنى القراءة؛ لأنها ركن فيها من التعبير عن الشيء باسم بعضه، وهذا البيان أوضحته السنة إيضاحًا كليًّا."

قوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سورة الإسراء:78] الدلوك هو الزوال، يقول الزمخشري في أساس البلاغة: إنه سمي الدلوك الزوال دلوكًا لماذا؟ لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت وقت الزوال تؤلمه عينه ألمًا شديدًا، فيحتاج إلى دلكها، فسمي دلوكًا.

"ومن الآيات التي أشير فيها إلى أوقات الصلاة كما قاله جماعة من العلماء قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [سورة الروم:17-18]."

من طرائف الأسئلة أن أرسل شخص يقول: معروف أذكار الصباح وأذكار المساء، وأذكار الظهر ما يذكرها أحد من أهل العلم مع أنه منصوص عليها في هذه الآية وحين تظهرون {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [سورة الروم:17-18] يقول: ما فيه أذكار للظهر مع أنه منصوص عليها في الآية، مع أن المقصود بهذه الآية الصلاة، والظهر فيه صلاة.

"قالوا: المراد بالتسبيح في هذه الآية الصلاة، وأشار بقوله: {حِينَ تُمْسُونَ} [سورة الروم:17] إلى صلاة المغرب والعشاء، وبقوله: {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [سورة الروم:17] إلى صلاة الصبح، وبقوله: {وَعَشِيّاً} [سورة مريم:11] إلى صلاة العصر، وبقوله: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [سورة الروم:18] إلى صلاة الظهر، وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ} [سورة هود:114] وأقرب الأقوال في هذه الآية أنه أشار بطرفي النهار إلى صلاة الصبح أوله صلاة الظهر، والعصر آخره أي في النصف الأخير منه، وأشار بزلف من الليل إلى صلاة المغرب والعشاء.

وقال ابن كثير: يحتمل أن الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس، وكان الواجب قبلها صلاتان؛ صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها وقيام الليل، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس، وعلى هذا فالمراد بطرفي النهار الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، والمراد بزلف من الليل قيام الليل.

قال مقيده -عفا الله عنه-: الظاهر أن هذا الاحتمال الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بعيد؛ لأن الآية نزلت في أبي اليسر في المدينة بعد فرض الصلوات بزمن، فهي على التحقيق مشيرة لأوقات الصلاة، وهي آية مدنية في سورة مكية."

يعني بعد فرض الصلاة وبيان المواقيت.

"وهذه تفاصيل أوقات الصلاة بأدلته المبيِّنة لها من السنة، ولا يخفى أن لكل وقت منها أولاً وآخرًا، أما أول وقت الظهر فهو زوال الشمس عن كبد السماء بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سورة الإسراء:78]، فاللام للتوقيت، ودلوك الشمس زوالها عن كبد السماء على التحقيق، وأما السنة فمنها حديث أبي برزة الأسلمي عند الشيخين: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الهجير التي تدَعونها.."

تدْعونها.

"كان يصلي الهجير التي تدْعونها.."

الأولى.. التي تدْعونها الأولى، الظهر تسمى الأولى؛ لأنها في حديث جبريل في بيان مواقيت الصلاة أول ما صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الظهر.

"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس الحديث. ومعنى تدحض: تزول عن كبد السماء، وفي رواية لمسلم: حين تزول. وفي الصحيحين عن جابر -رضي الله عنه-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة. وفي الصحيحين من حديث أنس -رضي الله عنه- أنه خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر. وفي حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أمَّني جبريلُ عند باب البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس»."

يعني في اليوم الأول.

"الحديث أخرجه الإمامان.. الإمامان الشافعي.. الشافعي وأحمد وأبو داود وابن خزيمة والدارقطني والحاكم في المستدرك وقال: هو حديث صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن، فإن قيل: في إسناده عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الرحمن بن أبي الزناد وحكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف."

طالب: .........

وأنا عندي عباس.. نحن عندنا عباس فقط.. عياش؟

عندي عياش بن عياش بن أبي ربيعة.

يُراجَع.

لحظة..

طالب: .........

عكرمة بن إبراهيم.. ماذا يقول؟

طالب: .........

لا، ما.. نريد.. التاريخ فيه شيء أم لا؟ هو مترجم في التاريخ.

طالب: .........

يعني ما ذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.. يقول: وكان على..

طالب: .........

نعم.

"وحكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، وكلهم مختلف فيهم، فالجواب أنهم توبعوا فيه، فقد أخرجه عبد الرزاق عن العَمْري.."

العُمَري.

"عن العُمَري عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس نحوه.

قال ابن دقيق العيد: هي متابعة حسنة، وصححه ابن العربي وابن عبد البر مع أن بعض رواياته ليس في إسنادها عبد الرحمن بن أبي الزناد، بل سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث المذكور عن حكيم بن حكيم المذكور، فتسلم هذه الرواية من التضعيف بعبد الرحمن بن أبي الزناد، ومن هذه الطريق أخرجه ابن عبد البر وقال: إن الكلام في إسناده لا وجه له، وكذلك أخرجه من هذا الوجه أبو داود وابن خزيمة والبيهقي، وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه جبريل فقال له: قم فصلِّ الظهر حين زالت الشمس.."

قم فصلِّ فصلى الظهر.. مرتين.

قم فصلِّ، فصلى الظهر حين زالت الشمس، الحديث أخرجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم وقال الترمذي: قال محمد -يعني البخاري-: حديث جابر أصح شيء في المواقيت. قال عبد الحق: يعني في إمامة جبريل، وهو ظاهر. وعن بريدة -رضي الله ع-نه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-.."

لكن كون حديث جابر أصح شيء في المواقيت، وهو لم يرد في شيء من الصحيحين حديث إمامة جبريل، ليست في شيء من الصحيحين، وفي الصحيحين حديث عبد الله بن عمرو في بيان المواقيت بالتفصيل في صحيح مسلم، وفي الصحيحين أيضًا أحاديث أُخَر، يعني كون البخاري يقول: هو أصح شيء في المواقيت، يعني هذا نظره..

طالب: .........

أصح شيء في المواقيت.

"وعن بريدة -رضي الله عنه-.."

قال عبد الحق: يعني في إمامة جبريل، وهو ظاهر، هذا الذي تقصد؟

طالب: .........

هو يريد ألا يورَد على البخاري أنه أصح شيء وتخرج غيره، أنت ما خرجته في صحيحك، كيف يكون أصح شيء وأنت ما خرجته وقد خرجت غيره، وأخرج مسلم غيره، هو يريد أن يوجه كلام البخاري.

طالب: .........

يعني في إمامة جبريل أصح شيء، يعني في إمامة جبريل، يعني أصح الطرق الواردة في إمامة جبريل لا مطلقًا، مع أن العبارة صريحة في كونه في المواقيت مطلقًا.

"وعن بريدة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله رجل عن وقت الصلاة فقال: «صلِّ معنا هذين اليومين»، فلما زالت الشمس أمر بلالاً -رضي الله عنه- فأذن ثم أمره فأقام الظهر الحديث أخرجه مسلم في صحيحه وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة إلى أن قال ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس والقائل يقول قد انتصف النهار وهو كان أعلم منهم الحديث رواه مسلم أيضًا والأحاديث في الباب كثيرة جدا وأما الإجماع فقد أجمع.."

شخص سائل يسأل عن مواقيت الصلاة يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقول له «أقم معنا» ثم صلى اليوم الأول الصلوات في أول وقتها ثم صلى اليوم الثاني الصلوات في آخر وقتها هذا سائل جاي وماشي يقال له أقم معنا ويجلس يومين والصحابة ينتظرون في اليوم الثاني إلى أن.. كل هذا من أجل البلاغ في البيان؛ لأنه إذا حبس الصلاة وصلي بهم في أول الأوقات والثاني في آخر الأوقات وحبس السائل هذا لا شك أنه ترسيخ لهذه المسألة في قلوبهم.

طالب: .........

لا، المواقيت ما بينت في الصحيحين من حديث إمامة جبريل.

طالب: .........

لكن هل إمامة جبريل بإمامة جبريل بيان الأوقات في اليوم الأول وفي اليوم الثاني هذا في الصحيحين؟ لا ما خُرِّج في الصحيحين.

"وأما الإجماع فقد أجمع جميع المسلمين على أن أول وقت صلاة الظهر صلاة الظهر هو زوال الشمس عن كبد السماء كما هو ضروري من دين الإسلام وأما آخر وقت صلاة الظهر فالظاهر من أدلة السنة فيه أنه عندما يصير ظل كل شيء مثله من غير اعتبار ظل الزوال فإن في الأحاديث المشار إليها آنفًا أنه في اليوم الأول صلى العصر عندما صار ظل كل شيء مثله في إمامة جبريل وذلك عند انتهاء وقت الظهر وأصرح شيء في ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-ما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر»."

ما لم يحضر العصر يعني وقت صلاة العصر، فلا اشتراك بين الظهر والعصر في وقت معيَّن عند المالكية هناك قدر مشترَك يصلح لأن يكون لصلاة الظهر أداءً، ويصلح لأن يكون لوقت صلاة العصر أداءً، بحيث يتسع لأربع ركعات، ودليله أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، وصلى العصر في اليوم الآخر حينما صار ظل الشيء مثله، وبعض الروايات تشير إلى أنه في اليوم في الوقت الذي صلى فيه الظهر، ولكن الجمهور ومعهم حديث عبد الله بن عمرو، وفيه: ما لم يحضر وقت العصر، والدلالة ظاهرة في أنه لا اشتراك، يجيبون عن هذا بأنه فرغ من صلاة الظهر حينما صار ظل كل شيء مثله، وشرع في صلاة العصر حينما صار ظل كل شيء مثله، فلا اشتراك، يعني الحد هنا، هنا الظهر، وهنا العصر، ما بينهما إلا أن.. في نفس الوقت، يعني فرغ من هذه، وفي اليوم الثاني أو في اليوم الأول شرع في العصر بعد فراغه من صلاة الظهر، فلا اشتراك.

"وهذا الحديث الصحيح يدل على أنه إذا جاء وقت العصر فقد ذهب وقت صلاة الظهر، فقد ذهب وقت الظهر، والرواية المشهورة عن مالك -رحمه الله تعالى- أن هذا الذي ذكرنا تحديده بالأدلة هو وقت الظهر الاختياري، وأن وقتها الضروري يمتد بالاشتراك مع العصر إلى غروب الشمس، وروي نحوه عن عطاء.. وروي نحوه عن عطاء وطاوس، والظاهر أن حجة أهل هذا القول الأدلة على اشتراك الظهر والعصر في الوقت، فمن حديث ابن عباس المشار..

فمن حديث ابن عباس المشار إليه سابقًا: فصلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في الأول، وعن ابن عباس أيضًا قال: جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة من غير خوف ولا سفر متفق عليه، وفي رواية لمسلم: من غير خوف ولا مطر، فاستدلوا بهذا على الاشتراك، وقالوا أيضًا: الصلوات زيد فيها على بيان جبريل في اليوم الثاني، فينبغي أن يزاد في وقت الظهر.

 قال مقيده -عفا الله عنه-: الظاهر سقوط هذا الاستدلال، أما الاستدلال على الاشتراك بحديث ابن عباس: فصلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الأول، فيجاب عنه بما أجاب به الشافعي -رحمه الله- وهو أن معنى صلاته للظهر في اليوم الثاني فراغه منها كما هو ظاهر اللفظ، ومعنى صلاته للعصر في ذلك الوقت في اليوم الأول ابتداء الصلاة، فيكون قد فرغ من صلاة الظهر في اليوم الثاني عند كون ظل الشخص مثله، وابتدأ صلاة العصر في اليوم الأول عند كون ظل الشخص مثله أيضًا، فلا يلزم الاشتراك، ولا إشكال في ذلك؛ لأن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر، ويدل لصحة هذا الذي قاله الشافعي ما رواه مسلم في صحيحه."

يعني ليس هناك فاصل بين وقت الظهر ووقت العصر كما هو الشأن في الفاصل بين صلاة الصبح والظهر، ليس هناك فاصل يفرغ هذا الوقت، ويدخل الوقت الثاني كما هو الشأن فيما بين صلاة المغرب والعشاء.

"ويدل لصحة هذا الذي قاله الشافعي ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى- رضي الله عنه-، وصلى الظهر قريبًا من وقت العصر بالأمس، فهو دليل صحيح واضح في أنه ابتدأ صلاة الظهر في اليوم الثاني قريبًا من وقت كون ظل الشخص مثله وأتممها."

وأتمَّها.

"وأتمَّها عند كون ظله مثله، كما هو ظاهر، ونظير هذا التأويل الذي ذهب إليه الشافعي.. قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [سورة البقرة:231]، وقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} [سورة البقرة:232] فالمراد.."

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن..

طالب: .........

فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن..

طالب: .........

ماذا عندك؟

"ونظير هذا التأويل الذي ذهب إليه الشافعي قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [سورة البقرة:231].."

لا، هذا في الآية الثانية فلا تعضلوهن.

طالب: .........

في الآية الثانية هذا..

"{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} [سورة البقرة:232]."

فلا تعضلوهن هذه الآية الثانية، والآية الأولى فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن.

طالب: .........

نعم، على كل حال وجه الاستدلال إذا بلغن فبلغن، وهناك: فأمسكوهن، وهنا: فلا تعضلوهن، فمعنى هذا أن الإمساك بعد بلوغ الأجل ونهايته غير وار،د لكن إذا قرب بلوغ الأجل، والثانية انتهى الأجل حقيقة.

طالب: في آيتي البقرة لعلها أصرح فبلغن أجلهن الأولى: فأمسكوهن، والثانية: فلا تعضلوهن.

الآن فيه اختلاف بين آية البقرة وآية الطلاق.

طالب: .........

لكن عندك الأولى الاختلاف: فإذا، والثانية فبلغن.

طالب: .........

نعم ما يخالف، لكن الذي يلزم عليه أن نصحح؟ أو نقول: السياق واحد، والمعنى واحد سواء قلنا بآية الطلاق أو بآية البقرة؟

طالب: .........

هو الشاهد تام للآيتين، الشاهد الذي يريده المؤلِّف سواء ساق آية الطلاق أو آية البقرة ما يختلف؛ لأن الإمساك لا يكون بعد بلوغ الأجل، وإنما عند قرب هذا البلوغ، وأما بالنسبة للعرض فهو بعد نهاية الأجل، ولذلك يقول: فالمراد بالبلوغ الأول مقارَبته، وبالثاني حقيقة انقضاء الأجل، هذا الذي يريده المؤلف -رحمه الله-.. بخلاف من يستدل بآية النور وآية {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [سورة الفتح:17] آية في سياق الأكل ما هي في سياق القتال، في سياق الطعام، أكل الطعام، والثانية في سياق القتال، فإذا استدل بهذه الآية في موطن تلك عكس خرب الاستدلال. انتهى. وهنا الاختلاف يسير ما فيه شيء..

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

الأفضل أي الآيتين؟

طالب: .........

الآن عندنا برسم المصحف، برسم المصحف عندنا.

طالب: .........

{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} [سورة البقرة:232] هذا برسم المصحف، ولذلك ميزة هذه الطبعة أن ما فيها اجتهادات، خلاص من المصحف برسمها.

"فالمراد بالبلوغ الأول مقاربته، وبالثاني حقيقة انقضاء الأجل، وأما الاستدلال على الاشتراك بحديث ابن عباس المتفق عليه أنه -صلى الله عليه وسلم- جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر، فيجاب عنه بأنه يتعيَّن حمله على الجمع الصوري جمعًا بين الأدلة، وهو أنه صلى الظهر في آخر وقتها حين لم يبق من وقتها إلا قدر ما تُصلَّى فيه، وعند الفراغ منها دخل وقت العصر فصلاها في أوله، ومن صلى الظهر في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها كانت صورة صلاته صورة الجمع."

إذ لا يوجد فاصل بين الصلاتين، كأنه جمع بينهما، وهو في حقيقة الحال صلى كل صلاة في وقتها.

طالب: .........

على أيش؟

طالب: .........

لا، العلة منصوصة، أراد ألا يحرج أمته، لا بد أن يكون هناك سبب فيه حرج لو لم يجمع، لا بد أن يكون هناك الظرف الذي صُلِّيَت هاتان الصلاتان جمعًا، لا بد أن يكون فيه حرج لو لم يجمع بينهما، وهذا كافٍ.

طالب: .........

نعم، الجمع، جمع بين الصلاتين من غير خوف ولا سفر، والمرة الثانية من غير خوف ولا مطر، ما فيه سبب محرج غير هذه الأعذار الموجودة؟ ما فيه؟ الأمور المحرجة كثيرة كالمطر مثلاً الآن لو أنت في طريق داخل مدينة، واستغرق هذا الطريق ساعتين، ما هو بعيد أن يستغرق ساعتين ومرت بك صلاة يمكن أن يخرج وقتها، أنت مضطر؛ لتجمع، ما أنت بنازل وتارك السيارة، ولا أنت مصلٍّ على حسب حالك، قد لا تكون على طهارة، وإلى غير القبلة، هذا حرج شديد مبرِّر للجمع.

طالب: .........

لا، هذا عند ماذا؟ حينما قال الحنفية في الجمع الجائز قالوا: خلاص جمع صوري، ما فيه جمع، قالوا: هذا أشق من التوقيت، فليس فيه رخصة ومباشرة للرخصة، فهو أشد من التوقيت؛ لأن مراقبة الأوقات بدقة التي لا يعلمها إلا خاصة من الناس قد لا يتوصَّل إليها العامي، فيكون فيه من الحرج أعظم من التوقيت من لو صلى كل صلاة في وقتها.. لكن هذا في مقام إجابة على حديث صحيح.

طالب: .........

لا، لا تحيل إلا لسبب إذا وجد الحرج.

"وليس ثم جمع في الحقيقة؛ لأنه أدى كلاًّ من الصلاتين في وقتها المعيَّن لها، كما هو ظاهر، وستأتي له زيادة إيضاح، إن شاء الله، وأما الاستدلال بأن الصلوات زيد فيها على بيان جبريل فهو ظاهر السقوط؛ لأن توقيت العبادات توقيفي بلا نزاع، والزيادة في الأوقات المذكورة ثبتت بالنصوص الشرعية، وأما صلاة العصر فقد دلت نصوص السنة على أن لها وقتًا اختياريًّا ووقتًا ضروريًّا، أما وقتها الاختياري فأوله عندما يكون ظل كل شيء مثله من غير اعتبار ظل الزوال، ويدخل وقتها بانتهاء وقت الظهر المتقدم بيانه، ففي حديث ابن عباس المتقدم: فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله. وفي حديث جابر المتقدم أيضًا: فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله. وهذا هو التحقيق في أول وقت العصر كما صرحت به الأحاديث المذكورة وغيرها، وقال الشافعي: أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله وزاد أدنى زيادة.

 قال مقيده -عفا الله عنه-: إن كان مراد الشافعي أن الزيادة؛ لتحقيق بيان انتهاء الظل، بيان انتهاء الظل إلى المثل؛ إذ لا يتيقن ذلك إلا بزيادة ما كما قال به بعض الشافعية، فهو موافق لما عليه الجمهور، لا مخالف له، وإن كان مراده غير ذلك فهو مردود بالنصوص المصرِّحة بأن أول وقت العصر عندما يكون ظل الشيء مثله من غير حاجة إلى زيادة، مع أن الظاهر إمكان تحقيق كون ظل الشيء مثله من غير احتياج إلى زيادة ما."

وهذا يختلف عن أول وقت صلاة الظهر من زوال الشمس مع اعتبار القدر الذي يعرف به الزوال الفيء لا بد أن تميل الشمس، فنحتاج إلى هذا القدر؛ لنعرف أن الشمس زالت، يعني مالت، وأما هذا فلا يحتاج إلا إلى مقدار ظل الشيء مثله، بحيث ظله بطوله، وأما بالنسبة للزوال فنحتاج إلى أن تميل الشمس قليلاً.

طالب: ...........

نعم؛ لأن الزوال نفسه حين يقوم قائم الظهيرة وقت نهي، فلا بد أن يضاف إليه القدر الذي تزول به الشمس، وتميل عن كبد السماء.

طالب: ...........

مصير ظل الشيء مثله الحد الفاصل الذي تنتهي عنده صلاة الظهر، وتبدأ منه صلاة العصر، فهمت؟

طالب: ...........

ماذا يقول الشافعي؟ إن كان مراد الشافعي من ذلك إذا صار ظل الشيء مثله وزاد أدنى زيادة، الشافعي -رحمه الله- حينما يقول هذا الكلام؛ لينفي الاشتراك الموجود عند المالكية، وأنه لا اشتراك بينهما، بينما لو قلنا: عند كذا وعند كذا مصير ظل الشيء مثله، ينتهي وقت صلاة الظهر، ومصير ظل الشيء عنده يبدأ وقت صلاة العصر، قد يخيل لبعض الناس أن هذا الوقت، والمسألة خمس دقائق لإقامة أربع ركعات قد يخيل إليه أن هناك قدرًا مشتركًا، فيريد الإمام الشافعي بكلامه هذا أن ينفي هذا الاشتراك، وأنه لا اشتراك بينهما، وفيه حد فاصل لا يتبع صلاة الظهر ولا صلاة العصر، لكن الصواب أنه ينتهي وقت صلاة الظهر مباشرة، بانتهائه يبدأ وقت صلاة العصر.

"وشذ أبو حنيفة -رحمه الله- من بين عامة العلماء فقال: يبقى وقت الظهر يصير الظل مثلَين، فإن زاد على ذلك يسيرًا كان أول وقت العصر، ونقل النووي في شرح المهذَّب عن القاضي أبي الطيب أن ابن المنذر قال: لم يقل هذا أحد غير أبي حنيفة -رحمه الله-، وحجته حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا، حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر فعجزوا، فأعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطَين، فقال أهل الكتاب: أي ربنا، أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن أكثر عملاً، قال الله تعالى..»."

يعني نحن أكثر عملاً وأقل أجرًا وأقل أجرًا، قال: هل ظلمتكم من عملكم من شيء؟ والتمثيل بمن استأجر أجيرًا إلى منتصف النهار بقيراط، ثم استأجر أجيرًا إلى وقت العصر بقيراط، ثم استأجر ثالثًا إلى غروب الشمس بقيراطين، والأجير الأول يمثِّل اليهود، والأجير الثاني يمثِّل النصارى، والثالث يمثِّل المسلمين، فاحتج أهل الكتاب فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجرًا، مما يستدل به الحنفية على أن وقت صلاة العصر أو صلاة الظهر أطول من صلاة العصر؛ لأنهم قالوا: نحن أكثر عملاً، فمقتضاه أن وقت صلاة الظهر يكون أطول من وقت صلاة العصر. وإذا قلنا بأن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، والعصر إلى غروب الشمس، فإن وقت العصر يكون أطول على تقديرهم.

وهذا الاستدلال في غاية البعد؛ أولاً: هو استدلال بدلالة تبعية وليست أصلية، الحديث ما سيق لبيان الأوقات، وفي الباب أحاديث خاصة بالأوقات مفسِّرة وواضحة ما تحتاج إلى مثل هذا الالتواء، يعني مثل من يستدل على أن الحائض تقرأ القرآن يقول: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت» يقول الحاج: يقرأ القرآن، هل الحديث سيق لبيان القراءة وعدم القراءة؟ ولذلك يقرر الشاطبي أن الاستدلال بدلالة التبعية ضعيف، على كل حال كونهم يتركون الأحاديث الواردة في المواقيت، نصوص في المواقيت، ويلجؤون إلى مثل هذا الحديث الذي ما سيق لبيان الأوقات، على  إمامة الإمام أبي حنيفة وجلالة قدره وكبار أتباعه وأصحابه، لكنهم كثير من خالفوه في هذا الاستدلال، والاستدلال به فيه ضعف، طيب نأتي إلى الواقع، شف مثلاً هذه ورقة فيها سؤال، يعني اتفاقًا الظهر يؤذن الحادية عشرة وثلاثًا وأربعين.. الحادية عشرة وثلاثًا وأربعين، ويؤذن العصر الثالثة وسبع دقائق، كم صار؟

طالب: ........

الحادية عشرة وثلاثًا وأربعين عندك سبع، وسبعة عشر، أربع وعشرون، ثلاث ساعات وأربع وعشرون دقيقة، شف المغربة من ثلاث وسبع إلى خمس وأربعين، كم؟

أيهما أطول؟

طالب: ........

الظهر، مع أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله، هذا ماشٍ على قول الجمهور، فأيهما أطول؟

 فاستدلال الحنفية حتى بهذا الحديث ليس بصحيح، وابن حزم يقول: والظهر أطول وقتًا حتى على القول بأن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله، أطول وقتًا في كل زمان ومكان، يعني بطل الاستدلال من أصل،ه مع أنه استدلال ما أدري كيف جرى في خيالهم مثل هذا؟! مع أن عندهم نصوصًا في المواقيت.

طالب: ........

عندهم مخرَّجة، عندهم الطحاوي ما ترك شيئًا -رحمه الله-.

"«قال الله تعالى: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، فهو فضل أوتيه من أشاء» متفق عليه.

قال: فهذا دليل على أن وقت العصر أقصر من وقت الظهر، ومن حين يصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس هو ربع النهار، وليس بأقل من وقت الظهر، بل هو مثله، وأجيب عن هذا الاستدلال بأن المقصود من هذا الحديث ضرب المثل."

يعني دلالته الأصلية التي سيق من أجلها هو ضرب المثل، لا بيان تحديد أوقات الصلاة.

"لا بيان تحديد أوقات الصلاة."

طالب: ........

صح، حددوا من هذا الحديث وقت قيام الساعة، قالوا الساعة تقوم سنة ألف وأربعمائة لماذا؟ قالوا: لأن وقت العصر الذي هو وقت هذه الأمة سبع الوقت، سبع اليوم والليلة سبع، والدنيا سبعة آلاف سنة، كم؟ هم قالوا: سبعة آلاف، فكيف نطلع منها ألفًا وأربعمائة؟ الخمس، خمس اليوم والليلة مع أنه ليس بخمس ولا.. وجاءت ألف وأربعمائة وتعدت إلى قرب الأربعين سنة بعدها، ولا صار شيء.

هذه الاستدلالات التي تؤخذ ويستروح له، يعني هي قد تقال لطائف، ما تقال حقائق ويبنى عليها أحكام وأصول، مثل ما قالوا: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين؛ لأن قوله: هي الكلمة رقم سبع وعشرين في السورة {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر:5] قالوا.. يقول ابن عطية في تفسيره: وهذا من مُلَح العلم، وليس من متينه.

"وأجيب عن هذا الاستدلال بأن المقصود من هذا الحديث ضرب المثل لا بيان تحديد أوقات الصلاة، والمقصود من الأحاديث الدالة على انتهاء وقت الظهر عندما يصير ظل الشيء مثله هو تحديد أوقات الصلاة، وقد تقرر في الأصول أن أخذ الأحكام من مظانها أولى مع أن الحديث ليس فيه تصريح بأن أحد الزمنين أكثر من الآخر، وإنما فيه أن عملهم أكثر، وكثرة العمل لا تستلزم كثرة الزمن؛ لجواز أن يعمل بعض الناس عملاً كثيرًا في زمن قليل، ويدل لهذا أن هذه الأمة وُضِعَت عنها الآصار والأغلال التي كانت عليهم.

قال ابن عبد البر: خالف أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس، وخالفه أصحابه، فإذا تحققت أن الحق كون أول وقت العصر عندما يكون ظل كل شيء مثله من غير اعتبار ظل الزوال، فاعلم أن آخر وقت العصر جاء في بعض الأحاديث تحديده بأن يصير ظل كل شيء مثليه، وجاء في بعضها تحديده بما قبل اصفرار، وجاء في بعضها امتداده إلى غروب الشمس، ففي حديث جابر وابن عباس المتقدمَين في إمامة جبريل في بيانه لآخر وقت العصر في اليوم الثاني: ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، وفي حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم وأحمد: صلى العصر.."

لا، ووقت صلاة العصر.

"ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس، وفي حديث أبي موسى عند أحمد ومسلم وأبي داود والنسائي: ثم أخر العصر فانصرف منها، والقائل يقول: احمرَّت الشمس، وروى الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة نحوه من حديث بريدة الأسلمي، وفي حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم: «وقت صلاة العصر ما لم تصفرّ الشمس ويسقط قرنها الأول»، وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: «ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»، والظاهر في وجه الجمع بين هذه الروايات في تحديد آخر وقت العصر أن مصير ظل الشيء مثليه هو وقت تغيير الشمس من البياض والنقاء إلى الصفرة."

الذي هو أول وقت العصر عند الحنفية، الذي هو أول وقت صلاة العصر عند الحنفية، وهو آخر وقت الاختيار عند غيرهم.

"فيؤول معنى الروايتين إلى شيء واحد كما قاله بعض المالكية.."

فيَؤُوْل.

"فَيَؤُوْل معنى الروايتين إلى شيء واحد كما قاله بعض المالكية، وقال ابن قدامة في المغني: أجمع العلماء.."

يعني إذا اختلف عبد الله بن عمرو مع حديث إمامة جبريل، وحديث عبد الله بن عمرو متأخر وفي الصحيح، حديث إمامة جبريل متقدم وخارج الصحيح، فالمرجَّح ما في حديث عبد الله بن عمرو.

"وقال ابن قدامة في المغني: أجمع العلماء على أن من صلى العصر والشمس بيضاء نقية فقد صلاها في وقتها، وفي هذا دليل على أن مراعاة المثلين عندهم استحباب، ولعلهما متقاربان، يوجَد أحدهما قريبًا من الآخر. انتهى منه بلفظه."

يعني .. الاصفرار.

"وهذا هو انتهاء وقتها الاختياري، وأما الروايات الدالة على امتداد وقتها إلى الغروب فهي في حق أهل الأعذار كحائض تطهر، وكافر يسلم، وصبي يبلغ، ومجنون يفيق، ونائم يستيقظ، ومريض يبرأ."

الحديث: «من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» سياقه مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح». سياقهما واحد، فحمل حديث ما يتعلق بصلاة العصر على أهل الأعذار من حائض وكذا، إذًا نحمل عليه أيضًا ما جاء في صلاة الصبح، ولا قائل به، ما فيه أحد قال بأن امتداد وقت صلاة الصبح إلى طلوع الشمس لأهل الأعذار، فالصواب أن وقت الاختيار إلى مصير أي إلى اصفرار الشمس، إلى اصفرار الشمس، ووقت الاضطرار يمتد إلى غروب الشمس.

"ويدل لهذا الجمع ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أنس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله إلا قليلاً»، ففي الحديث دليل على عدم جواز تأخير صلاة العصر إلى الاصفرار، فما بعده بلا عذر."

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...

"