كتاب التيمم (02)

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول الشارح –رحمه الله تعالى-: قوله‏:‏ ‏"فأتى الناس إلى أبي بكرٍ" يقول فيه...

أنت الذي تقرأ.

طالب:.......

فرحت؟

طالب:.......

هيا اقرأ؛ لأن ما فيه قراءة في الأول ولا فيه تعليق؟ التبس الأمر.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الحافظ –رحمه الله تعالى-: ‏"قوله: فأتى الناس إلى أبي بكرٍ" فيه شكوى المرأة إلى أبيها، وإن كان لها زوج، وكأنهم إنما شكوا إلى أبي بكرٍ؛ لكون النبي -صلى الله عليه وسلم- كان نائمًا، وكانوا لا يوقظونه‏".

وفيه دليل على أن المرأة لا تستغني عن ولي أمرها ولو كبر سنها، ولو علا قدرها، فولي أمرها هو المسؤول عنها مهما كبر سنها، ومهما علا قدرها، فهذه عائشة تُسأل عن الناس ويستشيرها الكبار، ومع ذلك شُكيت إلى أبيها.

ابن عباس لما أُصيب في عينيه، وقال له الطبيب: علاجك بإذن الله عندي، لكن عشرة أيام لا تسجد، جاء إلى عائشة يستشيرها -أم المؤمنين- هذه التي شُكيت إلى أبيها، فقالت له: يا ابن عباس لو مت في العشرة أيام هذه وأنت لا تسجد؟ هو معذور؛ لأن هذا علاج، لكن المسألة عزيمة، فرق بين من يترخص ويفعل الجائز ما أباح الله له ولا تثريب عليه، ولا إثم عليه فيه، وبين من يطلب المنازل العليا،  هذا ابن عباس قالت له عائشة: كيف لو مت في هذه المدة وأنت لا تسجد؟ ما قال: يا أم المؤمنين هذا أمرٌ مباح، وهذا علاج، وإذا كان المرض يزيد بالسجود أو البُرء يتأخر الرخصة- ولله الحمد- موجودة مثل ما نقول.

شيخ من الشيوخ أُصيب بالسرطان، فوصِف له الثوم مما يُكافح السرطان، فقال: كيف آكل ثومًا، وأترك الصلاة مع الناس في المسجد، ما قال: هذه رخصة، والمسألة ضرورة، ومثله من قيل له: نُعالجك بالكيماوي، قال: لا، تسقط لحيتي، هذه عزائم كبار، وإن كانت أمورًا مباحة وعلاجًا مباحًا بالاتفاق لمثل هذا الأمر.

عائشة أم المؤمنين حصل منها ما حصل من غير قصد، لكن ما المطلوب من عائشة في مثل هذا ليرضى أبو بكر؟ ليس أمامها إلا أن لا تُخبر بالقلادة،  ما تقول: ضاع لي قلادة، كونها قالت: ضاع لي قلادة أمر عادي، ومن باب النهي عن إضاعة المال تقول مثل هذا وإن قَل المال، والذي حبس الناس لطلبها، وأرسل من يطلبها مثل: أُسيد بن الحضير ومن معه الرسول– عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق، وأكمل الخلق، وأشرف الخلق، وأتقاهم وأعلمهم.

المقصود أن مثل هذه الأمور يأتي الناس إلى أبي بكر فيشكون ابنته أم المؤمنين دليلٌ على أن المرأة لا تستغني عن الولي ولي أمرها، وأن أباها له سلطانٌ عليها بما لا يتعارض مع سلطان زوجها بعد الزواج ولو كبُرت.

والخلاف في جواز تصرفها بمالها دون إذن وليها، دون إذن زوجها المسألة خلافية معروفة عند أهل العلم، وما جاء في خطبة صلاة العيد، وأن النساء تصدقن من غير إذن أزواجهن في الصحيحين وغيرهما يستدل به من يقول: إن لها أن تتصرف بغير إذن وليها، وما جاء في سُنن أبي داود أنه ليس للمرأة أن تتصرف بغير إذنه معروف، لكن من يُريد أن يجمع بين النصوص يُفرِّق بين القليل والكثير.

يعني لو أرادت أن تبيع بيتها مثلاً فلا بُد أن يكون عند ولي أمرها خبر؛ لأن المرأة تصرفها وإن كانت حاذقة، وإن كانت عاقلة، وإن كانت كبيرة يقصر رأيها عن رأي الرجال، وعند الرجال من الاطلاع والخبرة على مثل هذه الأمور ما ليس عندها.

على كل حال المرجح أن لها أن تتصرف في مالها دون إذن وليها، ومن مصلحتها وتمام مصلحتها أن تستأذن، فيكون الأمر بذلك للندب لا للوجوب.                   

"وفيه نسبة الفعل إلى من كان سببًا فيه؛ لقولهم‏:‏ صنعت وأقامت".

ما فيه ما حبست، لكنها تسببت في الحبس، هي ما حبست الناس، لكنها صارت سببًا في حبسهم.

"وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وإن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك، ولم تكن حالة مباشرة".

يعني في غير الأوقات التي هي مظنةٍ لخلوة الرجل بامرأته أو مظنة لرفع الكلفة بينهما، كما يحصل بين الزوج وزوجته‏، فإذا أُمِن ذلك لاسيما وأنهم في سفر ما يُمكن أن يكون مثل هذا التبسط كما يكون في البيوت.

"قوله‏:‏ ‏"‏فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول"‏، في رواية عمرو بن الحارث فقال‏:‏ حبست الناس في قلادة، أي بسببها".‏

قلادة ما تساوي شيئًا، ويُحبس الناس بسببها!! هذا من حرص الشرع على المال؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح «من قُتل دون ماله فهو شهيد».

"وسيأتي من الطبراني أن من جملة ما عاتبها به قوله: في كل مرة تكونين عناءً.

والنكتة في قول عائشة: ‏"‏فعاتبني أبو بكر‏"‏ ولم تقل أبي؛ لأن قضية الأبوة الحنو، وما وقع من العتاب بالقول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي، فلم تقل أبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏يطعُنني‏"‏ هو بضم العين".

طالب:.......

هذا من باب البحث عن مناسبة الكلام.

طالب:.......

لا، الأصل خلاف ذلك، أقل الأحوال الكُنية إن لم تذكر أبي أو أبتي هذا الأصل، لكن خرجت عن هذا الأصل، لماذا؟ قالوا: التعبير فيه خشونة بلا شك، فيه خشونة، لكن مع ذلك أنت تعرف النفوس لها حظوظ، النفس البشرية لها حظوظ، أبو بكر لأن الرسول هو الذي حبس الناس ليس بعائشة يطعنها في خاصرتها وهي بنته.

طالب:.......

النفوس البشرية لها حظوظ.

طالب:.......

هذا الذي ظهر، هي قالتها.

طالب:.......

لكن بخلاف الأصل، بخلاف الاحترام.

طالب:.......

لا لا، الأصل أن تقول له: أبي، أبتي هذا الأصل في خطاب الوالد، لكن بعض الناس يرضى من ولده أو بنته أن يُخاطبه باسمه المجرد أو بكنيته أو باسمه مصغرًا أحيانًا إذا كان الوالد يستملح مثل هذا من بنته أو من ولده، هذه الأمور جارية.

طالب:.......

لا، ولا يلزم أن يكون من لفظها، لعله من رواية المعنى، لكن هذا أقرب ما يُقال بالنسبة للتأويل، العدول عن الفاضل إلى المفضول، لماذا؟ لوجود مناسبة.      

"قوله‏:‏ ‏"‏يطعُنني‏"‏ هو بضم العين، وكذا في جميع ما هو حسيٌّ، وأما المعنوي فيُقال يطعَن بالفتح".

كالطعن في النسب أو في العدالة فهو بالفتح.

"وأما المعنوي فيُقال: يطعُن بالفتح هذا هو المشهور فيهما، وحُكي فيهما الفتح معًا في (المطالع) وغيرها".

(المطالع) لابن قرقول.

"والضم فيهما حكاه صاحب (الجامع)‏".

القزاز ومر ذكره مرارًا.

"وفيه تأديب الرجل ابنته ولو كانت مزوجةً كبيرةً خارجةً عن بيته، ويلحق بذلك تأديب من له تأديبه ولو لم يأذن له الإمام‏".

تأديب إلى حد العشرة الأسواط، هذا مأذونٌ به شرعًا، إذا وُجِد مقتضيه، ولا يُقال: هذا تعنيف أو عنف لحدود ما أباحه الشرع، نعم التعذيب مرفوض؛ التعذيب لأنه وُجِد من بعض الآباء أو من بعض من له سلطة نوع تعذيب مثل هذا يُعاقب عليه، ويُمنع منه، أما التأديب الذي تترتب عليه المصلحة، ويخلو من المفسدة فهذا شرعي.  

"قوله‏:‏ ‏"‏فلا يمنعني من التحرك"‏ فيه استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة أو يحصل به تشويشٌ لنائمٍ، وكذا لمصلٍّ أو قارئٍ أو مشتغلٍ بعلمٍ أو ذكر‏".

لأن كل ما يُشغِل عن مصلحة سواءً كانت دينية -مثل ما ذُكِر- من صلاةٍ ‏أو ذكر أو علم مثل هذا يُمنع بحسب ما يؤثر في هذا المشوش فيه، وكذلك إذا كان هناك مصلحة دنيوية من نومٍ ونحوه؛ لأنه أذى فيُمنع؛ لكونه من باب أذى المسلم.

شخص كان مدرسًا في مدرسة القضاء الشرعي بمصر، وكان ممن درس على يديه في هذه المدرسة أحمد أمين، يقول أحمد أمين: فقدته مدةً طويلة، ويُثني عليه في أخلاقه، وفي تعامله وكذا، فبحثت عنه فلم أجده، ثم ذهبت بعد سنين إلى تركيا، فوجدته انقطع للصيام والقيام، لكن صيامه على غير هدى، يبتدئ من الساعة التاسعة صباحًا، ويتذرع بأن الشقة المجاورة له يسكنها ناس شايب وعجوز من اليهود، ولا يُريد إزعاجهم إذا ناموا، مثل هذا التشويش هل يدخل فيما ذكره الحافظ؟ أعوذ بالله، يبتدع صيامًا فيه الإثم يتدين به؛ من أجل ألا يشوش على هؤلاء.

يقول: "وكذا لمصلٍّ أو قارئٍ أو مشتغلٍ بعلمٍ أو ذكر" التشويش لنائم، ما تشوش على النائم؛ لأن فيه أذى له، لكن تترك المأمور به شرعًا، وتبتدع عبادة لم يأذن بها الله، ولا جاءت عن رسوله –صلى الله عليه وسلم- من أجل منع التشويش على النائم، يصلح هذا؟ طيب إذا خشيت عليهم ورأفت بهم، وأردت الإحسان إليهم فجهِّز أمورك قبل. 

طالب:.......

هو آثم في هذا الصوم، هؤلاء هم أهل البدع لا يوفقون، الفارابي أبو نصر الذي يسمونه المعلم الثاني جاور في آخر عمره بمكة، ولزم المسجد الحرام، ولزم الصيام والقيام، وكان يُفطر على الخمر المعتق وأفئدة الحملان –نسأل الله العافية- مثل هؤلاء لا يوفقون، الذي ما مشى على السُّنَّة، واعتمد السُّنَّة، وصار قائده رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما يُوفق إلا إذا مَنَّ الله عليه بتوبةٍ نصوح.      

"قوله‏:‏ ‏"‏فقام حين أصبح‏" كذا أورده هنا، وأورده في فضل أبي بكرٍ عن قتيبة عن مالكٍ بلفظ ‏"‏فنام حتى أصبح‏"‏، وهي رواية مسلم ورواة الموطأ، والمعنى فيهما متقارب؛ لأن كلاًّ منهما يدل على أن قيامه من نومه كان عند الصبح‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ليس المراد بقوله ‏"‏حتى أصبح‏"‏ بيان غاية النوم إلى الصباح، بل بيان غاية فقد الماء إلى الصباح".

يعني فقد الماء حتى أصبح، إلى أن أصبح.

"لأنه قيد قوله: ‏"‏حتى أصبح‏"‏ بقوله: ‏"‏على غير ماء".

إلا إذا كان تعريسهم بهذا المكان، يعني نزولهم في آخر الليل ممكنًا، أما من أول الليل حتى أصبح نائمًا على فخذها ففيه بُعد؛ ولذلك التأويل الثاني، وأن الغاية حتى أصبح غاية فقد الماء، نعم. 

"لأنه قيد قوله: ‏"‏حتى أصبح‏"‏ بقوله: ‏"‏على غير ماء" أي: آل أمره إلى أن أصبح على غير ماء، وأما رواية عمرو بن الحارث فلفظها: ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ وحضرت الصبح، فإن أُعرِبت الواو حالية كان دليلاً على أن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح، وهو الظاهر، واستُدل به على الرخصة في ترك التهجد في السفر، إن ثبت أن التهجد كان واجبًا عليه، وعلى أن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت؛ لقوله في رواية عمرو بن الحارث بعد قوله: وحضرت الصبح‏، فالتمس الماء فلم يوجد‏".

ترك التهجد في السفر أولاً معلومٌ في الحديث الصحيح «أن المسلم إذا مرض أو سافر يُكتب له ما كان يعمله صحيحًا مقيمًا»، فهل كان من عادته –عليه الصلاة والسلام- أو عادة سلف الأمة أنهم يتركون مثل قيام الليل بناءً على أنه كان يُكتب لهم؟ نعم من تعب وشق عليه القيام، وهذا غالب في المسافرين قد يُلتمس له مثل هذا، لكن من كان مسافرًا حُكمًا وهو مرتاح، وهو مقيم في بلدٍ لا ينقض حكم السفر إن قال: أنا مسافر يُكتب لي ما كنت أعمله مُقيمًا، هل هذا هو الأولى؟ النبي –عليه الصلاة والسلام- في جوابه «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟» يدل على أن المسلم يتعرض لنفحات الله في كل موقف في السفر، في الحضر، إلا إذا شق عليه ذلك، لكن عليه أن ينظر إلى حاله في الحضر؛ ليُكتب له في السفر، أما إذا كانت حاله في الحضر ضعيفة، وما يقوم به من عبادات قليل، فما الذي يُكتب له في السفر؟

طالب:.......

غُفر له ما تقدم من ذنبه «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟» نعم.   

"وعلى أن الوضوء كان واجبًا عليهم قبل نزول آية التيمم".

ما فيه وعلى أن طلب الماء؟

طالب:.......

قرأت هذا؟

طالب: "وعلى أن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت" نعم قرأته.

نعم.

"وعلى أن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت؛ لقوله في رواية عمرو بن الحارث بعد قوله: وحضرت الصبح‏، فالتَمس الماء فلم يوجد".

فالتُمس.

طالب:.......

التَمس فلم يجد، التُمس فلم يُوجد.

طالب:.......

"وعلى أن الوضوء كان واجبًا عليهم قبل نزول آية التيمم".

قبل نزول آية؟

طالب: التيمم.

عندنا آية الوضوء.

طالب: "وعلى أن الوضوء كان واجبًا عليهم قبل نزول آية التيمم".

آية المائدة هي آية الوضوء، وآية النساء هي آية التيمم، ولو نرى ونقارن ما قاله المُفسِّر في الموضعين مع أن الوقت راح حتى نرى إذا كان عندنا في الخطأ والصواب، ممكن أم...

الوضوء واجب عليهم، النبي –عليه الصلاة والسلام- ما صلى صلاةً بعد فرض الصلاة إلا بوضوء، وكان الوضوء معروفًا قبل هذه الأمة، والذي من الخصائص هو الغرة والتحجيل، وأما الوضوء فهو موجود لقصة جُريج دعا بماءٍ فتوضأ.

فيه عندك التجهد وصوابه التهجد ومشت علينا، التجهد مكتوب.

طالب:.......

هذا يقول: احتمال أنها تجهد! التهجد. 

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

ماذا فيها؟

طالب:.......

هذا ما يُقال في ناشئة الليل هي التي تكون بعد نوم.

طالب:.......

صلى ما كُتب له قبل أن ينام، ما المانع؟

طالب:.......

أما ما يُقال عنه: ناشئة الليل فلا بُد أن يكون بعد نوم.

طالب:.......

لا، هو عندك في الحديث فأنزل الله آية التيمم، وهذا ماشٍ على ما عندك، لكن من أراد أن يُصحح اللفظ الموجود عندنا فله وجه.

طالب:.......

{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:6] الأصل فيها الوضوء، لكن الحديث فأنزل الله آية التيمم، لكن ما يمنع أن يُقال: آية التيمم تبعًا للفظ الحديث، وأن يوجه آية الوضوء بالتصحيح ما يكون خطأً.

كمِّل كلام الحافظ، ثم بعد ذلك نأتي إلى...

طالب:.......

آية المائدة متأخرة جدًّا، لكن ما المانع؟

طالب:.......

"وعلى أن الوضوء كان واجبًا عليهم قبل نزول آية" سواءً كان التيمم أو الوضوء. "ولهذا استعظموا نزولهم".

"ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء، ووقع من أبي بكرٍ في حق عائشة ما وقع‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ معلومٌ عند جميع أهل المغازي أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يصلِّ منذ افتُرضت الصلاة عليه إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهلٌ أو معاند‏.‏

قال‏:‏ وفي قوله في هذا الحديث ‏"‏آية التيمم" إشارةً إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذٍ حكم التيمم لا حكم الوضوء‏.‏

قال‏:‏ والحكمة في نزول آية الوضوء -مع تقدم العمل به- ليكون فرضه متلوًا بالتنزيل‏".

وفرضه قبل بفعله –عليه الصلاة والسلام-.

"وقال غيره‏:‏ يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديمًا، فعلموا به الوضوء، ثم نزل بقيتها، وهو ذكر التيمم في هذه القصة، وإطلاق آية التيمم على هذا من تسمية الكل باسم البعض، لكن رواية عمرو بن الحارث التي قدمنا أن المصنف أخرجها في التفسير تدل على أن الآية نزلت جميعًا في هذه القصة، فالظاهر ما قاله ابن عبد البر‏".

ماذا قال القرطبي؟

‏طالب:.......

لكن لا تقرأ كثيرًا، انتقِ شيئًا لنا.

"الفائدة الرابعة والثلاثون على الآية: قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6] لفظ التيمم، يقول: وقال القاضي أبو بكرٍ العربي‏:‏ هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواءٍ عند أحد هما آيتان فيهما ذكر التيمم، إحداهما في النساء والأخرى في المائدة".

هل معك آية النساء؟

طالب: نعم الأقرب النساء؟

"فلا نعلم أية آيةٍ عنت عائشة بقولها: فأنزل الله آية التيمم"

طالب: نُكمل يا شيخ في نفس الموطن؟

نعم.

"ثم قال: وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معلومًا ولا مفعولاً لهم.

قلت: وأما قوله: فلا نعلم أية آيةٍ عنت عائشة، فهذه هي الآية على ما ذكرنا، والله أعلم.

وقوله: وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معلومًا ولا مفعولاً لهم فصحيح، ولا خلاف فيه بين أهل السير؛ لأنه معلومٌ أن غُسل الجنابة لم يُفترض قبل الوضوء، كما أنه معلومٌ عند جميع أهل السير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ افترضت عليه الصلاة بمكة لم يصلِّ إلا بوضوءٍ مثل وضوئنا اليوم، فدل على أن آية الوضوء إنما نزلت ليكون فرضها المتقدم متلوًّا في التنزيل. وفي قوله: "فنزلت آية التيمم" ولم يقل آية الوضوء ما يُبين أن الذي طرأ لهم من العلم في ذلك الوقت حكم التيمم لا حكم الوضوء، وهذا بينٌ لا إشكال فيه".

اقرأ الفتح.

طالب: نفسه.

ابن العربي هذا.

طالب: نفس العبارات نقلها ابن حجر من القرطبي ولا أشار إلا فيما بعد.

نعم.

"قال: قوله: ‏"فأنزل الله آية التيمم‏" قال ابن العربي‏:‏ هذه معضلةٌ ما وجدت لدائها من دواء؛ لأنَّا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ هي آية النساء أو آية المائدة‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ هي آية النساء‏.‏

ووجَّهه بأن آية المائدة تُسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء فيتجه تخصيصها بآية التيمم‏.‏

وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضًا، وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير ترددٍ لرواية عمرو بن الحارث، إذ صرح فيها بقوله: فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6] الآية".

هذا يرفع الاحتمال.

نعم.

"قال –رحمه الله-: قوله: "‏فتيمموا‏"‏ يحتمل أن يكون خبرًا عن فعل الصحابة، أي فتيمم الناس بعد نزول الآية، ويحتمل أن يكون حكايةً لبعض الآية، وهو الأمر في قوله‏:‏ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة:6] ‏بيانًا لقوله: ‏"‏آية التيمم‏"‏ أو بدلاً".

يعني لاتفاق اللفظ في الموضعين، طرأ الاحتمال؛ لاتفاق اللفظ في الموضعين.

طالب:.......

أين؟

طالب:.......

لا لا، قد يُنتزع من وسط الآية كلمة يُعبَّر بها عنها، لا يلزم من أولها.

طالب:.......

لا لا، ما يلزم، قوله: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6] ليس بآية، بعض آية، الآية التي وجِد فيها، مثل ما تقول: سورة البقرة وليست أولها.

"واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم؛ لأن معنى {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6] اقصدوا كما تقدم، وهو قول فقهاء الأمصار إلا الأوزاعي، وعلى أنه يجب نقل التراب".

ومن وافق الجمهور على وجوب النية في التيمم أبو حنيفة، بخلافها في الوضوء، فلا تجب النية عنده في الوضوء، والتيمم اشترطوا له النية؛ لضعفه، والوضوء فيه قوة، فلا يحتاج إلى نية ومتميز بنفسه ومعروف، والتيمم فيه ضعف يحتاج إلى ما يقويه من النية.

"وعلى أنه يجب نقل التراب، ولا يكفي هبوب الريح به بخلاف الوضوء، كما لو أصابه مطرٌ فنوى الوضوء به فإنه يجزئ، والأظهر الإجزاء لمن قصد التراب من الريح الهابة، بخلاف من لم يقصد، وهو اختيار الشيخ أبي حامد‏".

كالتعرض لماء المطر، التعرض لهبوب الريح كالتعرض لماء المطر، والتفريق هنا؛ من أجل ضعف التيمم، فيحتاجون إلى القصد والفعل، يحتاج إلى قصد وفعل، بخلاف الوضوء، فإنه إذا وُجِد خلاص انتهى المقصود؛ لأنه وجوده حقيقي، بخلاف التيمم وجوده وإن وُجِد شيءٌ من الحقيقة إلا أنه في الأصل معنوي، ما يبقى شيء في اليد والوجه من التراب إلا الشيء اليسير، نعم.

طالب:.......

لا، لا بُد من أن يكون مرتبًا، كما لو انغمس في ماء، لا بُد أن يخرج مرتِّبًا في الوضوء.

"والأظهر الإجزاء لمن قصد التراب من الريح الهابة، بخلاف من لم يقصد، وهو اختيار الشيخ أبي حامد.

وعلى تعين الصعيد الطيب للتيمم، لكن اختلف العلماء في المراد بالصعيد الطيب كما سيأتي في بابه قريبًا".

يعني في بابه، في حديث الخصائص الذي بعد هذا، أو الترجمة باب التيمم بالصعيد الطيب، نعم الترجمة وإلا فيُبحث في حديث الخصائص.

"وعلى أنه يجب التيمم لكل فريضة، وسنذكر توجيهه وما يرد عليه بعد أربعة أبواب‏.‏

‏‏تنبيه‏‏:‏ لم يقع في شيءٍ من طرق حديث عائشة هذا كيفية التيمم، وقد روى عمار بن ياسر قصتها هذه فبيَّن ذلك، لكن اختلف الرواة على عمار في الكيفية كما سنذكره ونُبين الأصح منه في باب التيمم للوجه والكفين‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏فقال أُسيدٌ"‏ هو بالتصغير ‏"‏ابن الحضير" بمهملةٍ، ثم معجمةٍ مصغرًا أيضًا، وهو من كبار الأنصار، وسيأتي ذكره في المناقب‏.‏

وإنما قال ما قال دون غيره؛ لأنه كان رأس من بُعِث في طلب العقد الذي ضاع‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ما هي بأول بركتكم‏" أي: بل هي مسبوقةٌ بغيرها من البركات، والمراد بآل أبي بكر نفسه وأهله وأتباعه".

نعم يدخل الشخص في مُسمى الآل إن قيل: آل فلان، دخول فلان أولي، وهم تبعٌ له {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] هو أولهم -نسأل الله العافية-.

"وفيه دليل على فضل عائشة وأبيها، وتكرار البركة منهما‏.‏

وفي رواية عمرو بن الحارث: لقد بارك الله للناس فيكم، وفي تفسير إسحاق البستي من طريق ابن أبي مليكة عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: «ما كان أعظم بركة قلادتك»، وفي رواية هشام بن عروة الآتية في الباب الذي يليه، فوالله ما نزل بك من أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه خيرًا، وفي النكاح من هذا الوجه: إلا جعل الله لك منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه بركة، وهذا يُشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، فيقوى قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد، وممن جزم بذلك محمد بن حبيبٍ الإخباري فقال‏:‏ سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق‏".

ابن حبيب هذا، ماذا له من الكتب؟ تعرف (المُحبَّر والمُنمَّق) له، لابن حبيب، مطبوع.

"وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزاتين كانت أولاً‏.‏

وقال الداودي‏:‏ كانت قصة التيمم في غزاة الفتح‏.‏

ثم تردد في ذلك، وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال‏:‏ لما نزلت آية التيمم لم أدرِ كيف أصنع،‏ الحديث‏.‏

فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق؛ لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلافٍ، وسيأتي في المغازي أن البخاري يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان وقت إسلام أبي هريرة".

كلام البخاري في تأخر غزوة ذات الرقاع نصره ابن القيم –رحمه الله-؛ من أجل التوفيق بينها وبين غزوة الخندق، النبي –عليه الصلاة والسلام- ما صلى صلاة الخوف في غزوة الخندق، آخَّر الصلوات، وعند الجمهور أن غزوة ذات الرقاع قبل الخندق نعم، وقالوا: أخَّرها؛ لأن صلاة الخوف لا تُفعل في الحضر، البخاري يقول: لا، غزوة ذات الرقاع بعد غزوة الخندق، ونصر كلامه ابن القيم، فيرى أن صلاة الخوف تُفعل في الحضر والسفر؛ لأن ذات الرقاع متأخرة.  

"ومما يدل على تأخر القصة أيضًا عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت‏:‏ لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوةٍ أخرى فسقط أيضًا عقدي حتى حبس الناس على التماسه‏.‏

فقال لي أبو بكرٍ‏:‏ يا بُنية في كل سفرةٍ تكونين عناءً وبلاءً على الناس‏؟‏ فأنزل الله –عزَّ وجلَّ- الرخصة في التيمم‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ إنكِ لمباركةٌ، ثلاثًا‏، وفي إسناده محمد بن حميد الرازي، وفيه مقال‏.‏

وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أُبهم في حديث الباب، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏فبعثنا البعير‏"‏ أي: أثرنا ‏‏البعير الذي كنت عليه، أي: حالة السفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏فأصبنا العقد تحته‏" ظاهرٌ في أن الذين توجهوا في طلبه أولاً لم يجدوه‏.‏

وفي رواية عروة في الباب الذي يليه: فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً فوجدها، أي: القلادة‏.‏

وللمصنف في فضل عائشة من هذا الوجه وكذا لمسلمٍ: فبعث ناسًا من أصحابه في طلبها، ولأبي داود: فبعث أُسيد بن حضير وناسًا معه، وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أُسيدًا كان رأس من بُعِث لذلك؛ فلذلك سُمي في بعض الروايات دون غيره، وكذا أُسند الفعل إلى واحدٍ مبهم وهو المراد به، وكأنهم لم يجدوا العقد أولاً.

فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أُسيد بن حضير، فعلى هذا فقوله في رواية عروة الآتية‏:‏ فوجدها، أي: بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره‏.‏

وقال النووي‏:‏ يحتمل أن يكون فاعل وجدها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد بالغ الداودي في توهيم رواية عروة، ونُقِل عن إسماعيل القاضي أنه حمل الوهم فيها على عبد الله بن نُمير، وقد بان بما ذكرنا من الجمع بين الروايتين أن لا تخالف بينهما ولا وهم‏.‏

وفي الحديث اختلافٌ آخر".

الحديثين.

"وفي الحديثين اختلافٌ آخر، وهو قول عائشة: انقطع عقدٌ لي، وقالت في رواية عمرو بن الحارث: سقطت قلادةٌ لي".

ولا تنافي، ما في تنافيه؛ لأن السقوط بسبب الانقطاع.

"وفي رواية عروة الآتية عنها أنها استعارت قلادةً من أسماء -يعني أختها- فهلكت".

طالب: أنت تُصلي إلى غير القبلة يا مسلم.

القبلة خلفك يا أخي.

مُصر مُصر.

طالب:.......

كمل كمل.

"وفي رواية عروة الآتية عنها أنها استعارت قلادةً من أسماء -يعني أختها- فهلكت أي: ضاعت، والجمع بينهما أن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها، وإلى أسماء لكونها ملكها لتصريح عائشة في رواية عروة بأنها استعارتها منها، وهذا كله بناء على اتحاد القصة‏.‏

وقد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد حديث الباب في تفسير المائدة، وحديث عروة في تفسير النساء، فكان نزول آية التيمم بسبب عقد عائشة، وآية النساء بسبب قلادة أسماء".

فكان نزول آية المائدة.

طالب: نعم.

التيمم تقول من أين أتيت بالتيمم؟ فكان نزول...

فكان نزول آية المائدة؛ بسبب عقد عائشة، وآية النساء بسبب قلادة أسماء، وما تقدم من اتحاد القصة أظهر، والله أعلم".

وكلاهما سقطا من عائشة.

طالب:.......

{لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال:42]، نعم فائدة.

"‏فائدة: وقع في رواية عمار عند أبي داود وغيره في هذه القصة أن العقد المذكور كان من جزع ظفار، وكذا وقع في قصة الإفك كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

والجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرزٌ يمنيٌّ‏.‏

وظفار مدينةٌ تقدم ذكرها في باب الطِّيب للمرأة عند غسلها من المحيض، وفي هذا الحديث من الفوائد -غير ما تقدم- جواز السفر بالنساء واتخاذهن الحلي تجملاً لأزواجهن، وجواز السفر بالعارية وهو محمولٌ على رضا صاحبها‏".

وكذلك السفر بالنساء ما لم تشترط في العقد ألا يسافر بها، فإذا اشترطت فلها ذلك.

اللهم صلِّ وسلم على محمد.