كتاب البيوع (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا يقول: أيهما أخطر على الإخلاص في الأعمال الدعوية حب الشهرة والسُّمعة أم أخذ الأجرة مقابل العمل؟

لا شك أن حب الشهرة والسمعة أخطر بكثير، ما لم يكن أخذ الأجرة هو الدافع والناهز والأصل، ولا يكون لإرادة وجه الله والدار الآخرة شيء؛ لأنه قد يجمع بينهما، يأخذ الأجرة ويُخلص في عمله، أما حب الشهرة والسُّمعة فهذه لا تجتمع مع الإخلاص.

اتفقنا على أن يكون درس اليوم من كتاب البيوع من صحيح البخاري، على أن يكون الكتاب الذي يُقرأ مع المتن شرح الكرماني؛ لاقتصاره وهو مختصرٌ جدًّا، وكأنه تعليقات يسيرة، وشرح للمفردات، وتنبيهات ولطائف يسيرة جدًّا؛ لأنه اختصر في ثلثي الكتاب، اختصر جدًّا لا يعوق عن المشي، فتح الباري أطول منه بكثير، وعمدة القارئ أطول.

لكن يقترح بعضهم –وما أكثر الاقتراحات!- أن يكون بدل الكرماني عمدة القارئ؛ لأنه أكثر فائدة؛ ولأنه على مذهب أبي حنيفة، يقول: لتكتمل المذاهب الأربعة، ما أدري كيف تكتمل المذاهب الأربعة في الدروس؟! يعني هل يُدرس المالكي؟

طالب:........

لا، ما تجيء، هذه أحكام، حتى ما يُدرس في فتح الباري في أوائل الكتاب ما له علاقة بمذهب الشافعي أو غيره، كتاب الإيمان، كتاب العلم، ثم بعد ذلك بعد حينٍ إذا دخلنا في كتاب الوضوء ندخل مذهب الشافعي، لكن مع ذلك تُبين المذاهب الأخرى، إن شاء الله تعالى.

ماذا معك أنت يا أبا عبد الله؟ ما وجدت شيئًا؟

طالب:..........

جازمًا أنت أن الذي اقترح ماشٍ ضامن.

طالب:..........

هذا اقتراحك؟

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فهذه قراءةٌ في صحيح البخاري بشرح الكرماني على شيخنا الكريم عبد الكريم بن عبد الله الخضير، نفعنا الله وإياه والسامعين أجمعين.

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم، كِتَاب الْبُيُوعِ، وَقَوْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".

على الوجهين: وقول الله استئناف أو وقول اللهِ عطف على البيوع؛ لأنه مضاف إليه.

"وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275].

وَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة:282].

بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:10-11].

وَقَوْلِهِ: {لَا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29].

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالْأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ «إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ»، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّه،ِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوَيتَ".

هَوِيت.

"وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، قَالَ: فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعٍ، قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَزَوَّجْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَمَنْ؟» قَالَ: امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَار،ِ قَالَ: «كَمْ سُقْتَ؟» قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ"

(قال) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ.

طالب: ما عندي قال؟

ما فيه (قال) تُذكر؟

طالب: لا لا.

المحدثون يوجبونها إيجابًا.

"قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ، فَآخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا، فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ، فَمَكَثْنَا يَسِيرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَهْيَمْ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: «مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟» قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:198] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى- الشارح الكرماني، وهو عمدةٌ لمن جاء بعده من الشراح: كالعيني، وابن حجر، والقسطلاني وغيرهم ممن جاء بعده، ومع ذلك ينقلون عنه بكثرة، وينتقدونه بكثرة، وما ذلكم إلا لحاجتهم إلى النقل عنه، وكثرة ما وقع فيه مما يُلاحظ، يقولون: لأنه أخذ الشرح من الكتب، من الصحف، وفيه فوائد وتنبيهات ولطائف قد لا توجد عند غيره.

ومن قارن بينه وبين ما قبله من الشروح يعرف قدره، لكن من جاء بعده، وأفاد منه، وزاد عليه مما أخذه من غيره لا شك أنه يتميز عليه، لكن يبقى أن له ميزة مسألة السبق على من جاء بعده.

وأيضًا فيه لطائف لا يعتني بها مثل: ابن حجر، ولا العينى، ولا القسطلاني، إنما هو يذكر في ترجمة الراوي ألطف ما ذُكِر فيها، فيذكر من عبادته، ويذكر من غرائب أخباره ما لا يعتني به ابن حجر الذي يهمه ثقة الراوي، فإذا ثبت عنده ذلك لا يلتفت إلى غيرها.

وكلٌّ يُملي عليه اتجاهه ما يُفرغه في مصنفاته، فتجد العابد يعتني بالعبادة والعُباد، ويذكر من أخبارهم ولو كانوا رواة حديث، ولو كان هذا لا أثر له في الرواية، ولا في جرحه ولا تعديله، وتجد المحدِّث يعتني بثبوت الخبر، ويقتصر من حال الراوي على ما قيل فيه من جرحٍ أو تعديل، ولا يلتف إلى غير ذلك، إلى غير ذلك من اختلاف الاتجاهات عند الشراح.

فتجد النووي –رحمه الله- وهو موصوفٌ بالزهد والعبادة، والإقبال على الله والتشمير للآخرة، تجده يُطيل في تراجم العُبَّاد، بينما الرواة ممن لم يشتهر بعبادة ولو كان من أوثق الناس وأحفظهم لا يُطيل في ترجمته.

وابن حجر على العكس من ذلك تمامًا؛ ولذلكم تجدون في شرح الكرماني من هذا مما يجذب القارئ بحيث يسترسل في قراءة الكتاب وهو لا يشعر؛ لأن فيه أخبارًا وطرائف من مُلح العلم، ومما يُعين على الإقبال على العبادة، بينما الشروح الأخرى تجد فيها نوعًا من الجفاف؛ لأنها علميةٌ بحتة محضة، تخدم العلم الذي هو بصدده.

يقول –رحمه الله تعالى-: "كتاب البيوع" يقول: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا، كتاب البيوع" الكتاب تقدم التعريف به مرارًا، وأنه مصدر كتب يكتب كتابًا، وكتابةً وكتبًا، وأصل المادة كلها واشتقاقها أصلها وما اشتُق منه تدور على الجمع، والمراد المكتوب الجامع لمسائل البيوع، المراد باسم المفعول هنا.

يقول: "البيع جاء بمعناه المشهور، وبمعنى الاشتراء، وكذلك الشراء جاء بالمعنيين فيهما، فهما من الأضداد" تقول: باع وابتاع، وشرى واشترى، يأتي بمعنى البيع بمعناه الذي معناه المعروف الذي استقر عليه العُرف بين الناس كلهم على اختلاف طبقاتهم وتنوع أفهامهم وتخصصاتهم، البيع بمعناه: صاحب السلعة يبيع في مقابل النقد، والشراء يدفع النقد ويأخذ السلعة، هذا الأصل.

لكن قد يُطلق البيع على الشراء، والشراء على البيع.

قال: "فهما من الأضداد، وكل واحدٍ من المتعاقدين بائع" هذا باع السلعة، وهذا باع النقد، والبيع هو: دفع المرغوب عنه، والشراء كذلك دفعٌ للمرغوب عنه في مقابل مرغوبٍ فيه.

"والثمن والمثمن كل منهما مبيع هذا بحسب اللغة، وأما اصطلاحًا، فقال الرافعي: هو مقابلة مالٍ بمال" وغيره يقول: إبدال مالٍ بمال.

"وقال غيره: مقابلة مالٍ بمالٍ على سبيل التمليك الأبدي" ليخرج الإجارة.

قوله: "مَا بَالُ" يعني استدلال الإمام البخاري بالآيات؛ لبيان حكم البيع {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275] {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة:282] هذا كله يدل على الجواز، وقد جاء الحث على التجارة، جاء الحث عليها، التاجر الصدوق الأمين جاء مدحه في الشرع، ولا شك أن الإنسان إذا تسبب لا يُعرِّض نفسه لسؤال الناس وتكففهم، كذلك لا يُعرِّض من يمون، هذا لا شك قد جاء مدحه، بخلاف العاطل الباطل الذي يجلس عالةً على الناس، يتكففهم ويسألهم من أموالهم، وقد جاء ذمُّ المسألة، ولا شك أن هناك مصالح ومفاسد وأولويات، فإذا كانت التجارة في مقابل البطالة فلا شك أنها أفضل، لكن إذا كانت التجارة في مقابل العلم مثلًا، فطلب العلم أفضل من التجارة لاسيما إذا حصَّل ما يصون به وجهه.

"بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10]" يعني بالبيع والشراء، وهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب إلا أنه جاء بعد حظر، وهو المنع من التجارة أثناء صلاة الجمعة وخطبتها {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة:9]، يعني عطِّلوا أعمالكم ومصالحكم، واسعوا، ففيه منع للبيع والشراء بعد الأذان، ثم بعد ذلك {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10] فهذا أمرٌ بعد حظر، يقول كثيرٌ من أهل العلم: إنه للإباحة كما في قوله –جلَّ وعلا-: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:2] يعني بعد المنع من الصيد حال الإحرام جاء الأمر به بعد الحِل، يقولون: إن هذا أمرٌ بعد حظر، فهو للإباحة، ويطلقون هذا الكلام، مع أن المرجِّح في هذه المسألة أن الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، يعود إلى حكم التجارة قبل المنع، وإلى حكم الاصطياد قبل المنع.

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة:10] تنبيه على الذِّكر في هذا الموطن لا شك أن مزاولة التجارة وأعمال الدنيا بصدد أن تُشغل عن ذكر الله؛ ولذا نُبِّه على الذكر؛ لئلا يُغفل عنه، يتشاغل الناس بتجاراتهم وضربهم بالأسواق.

المقصود أن التنبيه هنا {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة:10] يعني: لا تشغلكم تجارتكم {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10].

{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11] هذا ذم للتجارة، يعني {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11]؛ لأن التجارة قُرِنت باللهو، وهذا لا شك أنه مما يصد عن ذكر الله، والتجارة كذلك إذا كانت في وقتٍ يُشرع فيه الإقبال على الله، بل يجب فيه الإقبال على الله في مثل هذا الموطن.

{وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:11] ما فاتكم شيء؛ لأن الرزق بيد الله، وجاء في سبب نزول هذه الآية أن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يخطب في الجمعة، فسمعوا ما يدل على قدوم عير ببضائع، فخرجوا وتركوا النبي –عليه الصلاة والسلام- قائم يخطب، فجاء التأنيب لهم {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:11] هذه هي التجارة الحقيقية، التجارة الحقيقية بالإقبال على الله وما يُقرِّب إلى رضاه {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29] هذه هي التجارة الحقيقية {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29].

طالب: ....

 {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29]. في آية فاطر.

{وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.

وقوله: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29] الاستثناء هنا منقطع؛ لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، والباطل كله لهو لا ينفع في دنيا ولا دين، يعني لا تُبذِّر أموالك، ولا تبذل أموالك إلا من طريقٍ شرعي، إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم.

قال: "حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ" وهو الحكم بن نافع.

قال: "حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ" وهو ابن أبي حمزة.

"عَنْ الزُّهْرِيِّ" محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.

"قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ" الإمام المعروف.

"وَأَبُو سَلَمَةَ" أحد الفقهاء السبعة على خلافٍ بين أهل العلم في السابع.

"أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ"، وإن كانوا أقدم صُحبة، وأكبر سنّ ًا، وأقرب إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- من أبي هريرة، أبو هريرة أسلم سنة سبع، يعني بعد البعثة بعشرين سنة.

يستغربون "مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ" أبو هريرة يُدافع عن نفسه؛ لأن هذه تتضمن تُهمة لأبي هريرة، وإن كان فيه لوم للطرف الآخر الذين هم المهاجرون والأنصار، لماذا لا يُحدِّثون بمثل حديث أبي هريرة؟

قال أبو هريرة يُدافع عنه، وعن إخوانه من المهاجرين والأنصار: "وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالْأَسْوَاقِ" هذا هو الشاهد المهاجرون يُتاجرون.

"وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ" في زراعتهم، في بساتينهم.

"وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ"؛ لأنه ما في قلبه شيء فارغ، ما شغلته أمور الدنيا.

"وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ «إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ»" ولذلك صار حافظ الصحابة، وأكثرهم حفظًا وروايةً للحديث، بل حافظ الأمة على الإطلاق، ما في الأمة من يُداني ما حفظ ولا يُقاربه لاسيما الصحابة، أما من يجمعون بين أحاديث أكثر من صحابي ممن جاء بعدهم، فجاء الحُفاظ الذين يحفظون مئات الألوف، الإمام أحمد سبعمائة ألف حديث، يحفظ أكثر مما في جميع الحواسب الموجودة الآن، كل البرامج الموجودة الآن الإمام أحمد يحفظ أكثر منها، والله المستعان. 

"فَبَسَطْتُ نَمِرَةً" سيأتي بيانها في كلام الشارح- رحمه الله-.

"فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ؛ حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي" يعني: ضممتها.

"فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ" "مِن" هذه لتأكيد النفي أنه ما نسي شيئًا، حفظ كل ما سمع، وبعضهم من أصحاب الأهواء والبدع وغيرهم ممن يعمد ويقصد إلى الطعن في الإسلام وفي السُّنَّة أكثر ما طعنوا في أبي هريرة، مع أن كلامه هذا يقطع كل كلام، اللهم إلا شخصًا لا يتدين بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

وليس المقصود الطعن في أبي هريرة، وجاء في ترجمته من كُتب السير أنه وجِد قومٌ في مجلس، فطعن واحد منهم في أبي هريرة، فنزلت حيةٌ من سقف المجلس فلدغته فمات، دفاعًا عن حافظ السُّنَّة.

وهؤلاء المغرضون من المبتدعة والمستشرقين وغيرهم حينما يطعنون في أبي هريرة هم لا يُريدون أن يطعنوا في أبي هريرة لذاته، وإنما يُريدون الطعن في السُّنَّة، ولو كان المقصود الطعن في الأشخاص لعمدوا إلى أُناسٍ من المقلين أيضًا مع أبي هريرة؛ حتى يكونوا منصفين يطعنون في أبي هريرة، ويطعنون في أبيض بن حمَّال، وآبي اللحم وفلان وفلان لا، ما يهمهم إلا المكثرين؛ لأن القصد هدم السُّنَّة، أبيض بن حمَّال يروي حديثًا واحدًا، وآبي اللحم حديثًا واحدًا، يُريدون خمسة آلاف شخص؛ حتى يصيروا مثل أبي هريرة، لا القصد الطعن في السُّنَّة؛ لأنهم إذا طعنوا في أبي هريرة ارتاحوا من نصف السُّنَّة.

طالب:.........

"فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ"

طالب:.........

ما يظن.

طالب:.........

ليس في طرق الحديث ما يدل على ذلك، ولا يعني هذا زهدهم فيما قاله –عليه الصلاة والسلام- قد لا يكون أحدهم معه شيء، ماذا يبسط؟     

قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله" وهو الأويسي.

قال: "حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ" إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده، عن أبيه سعد عن جده عبد الرحمن بن عوف.

طالب: ....

"قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي" هذا تطبيق لقول الله –جلَّ وعلا-: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] هذا في وصف الأنصار.

"وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ" تخير، "هوِيت" بكسر الواو، أما هوّيت يعني: سقطت، هوِيت: أردت.

"نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا فَإِذَا حَلَّتْ" يعني: من عدتها "تَزَوَّجْتَهَا، قَالَ: فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟" تعوَّد على التجارة، وموفَّق فيها، يعني ليس الجهد فقط هو الذي يكسب الرزق، نعم السبب مطلوب بذله، لكن لا يُضمَن النتائج بيد الله –جلَّ وعلا- وكم من شخص شغل نفسه بالضرب في الأسواق، وأفنى عمره وما حصَّل شيئًا.

"قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعٍ، قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ" لما انتهى السوق جاء إليه بأقط وسمن ما معه شيء إنما تسبب باع واشترى إلى أن وفَّر هذا الأقط والسمن.

"قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ" في أول النهار "فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ" يعني من زعفران، الوضر من زعفران معروف إن التزعفر للرجال مكروه كراهية شديدة، وجاء النهي عنه، لكن قالوا: إن أثر الصُّفرة من مُماسته لزوجته من ثوبها انتقل إلى ثوبه.

"فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَزَوَّجْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَمَنْ؟» قَالَ: امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: «كَمْ سُقْتَ؟» قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ" ما لبث إلا أيامًا يسيرة حتى وفَّر هذا المبلغ وتزوج، الشاب يجلس ثلاثين سنة، طفولة، ثم يدرس ستة عشر سنة، يتوظف يجلس عشر سنين ما وفَّر مهرًا، وهذا في أيام ما لبث إلا يسيرًا وتزوج.  

"قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».

قال: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ" وهو ابن حرب.

"قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ" ابن عبد الرحمن.

"عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ، فَآخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ" نعم هكذا ينبغي للمسلم أن يُعز نفسه، ولا يذل نفسه، ولا يُعرِّض نفسه للذل والمهانة.

"فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا" "حَتَّى اسْتَفْضَلَ" يعني: زاد عنده، فاضل.

"أَقِطًا وَسَمْنًا، فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ" الذي آخى بينه وبينهم النبي –عليه الصلاة والسلام- هو وسعد بن الربيع.

"فَمَكَثْنَا يَسِيرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ" أثر من لون الزعفران.

"مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَهْيَمْ؟»" يُقول كلمة يُستفهم بها معناه ما حالك؟ وما شأنك؟ ستأتي لما نقرأ الشرح، إن شاء الله تعالى.

"قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: «مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟» قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ" وهو المسندي الجُعفي، جده هو الذي أسلم على يديه جد الإمام البخاري، فالبخاري جُعفي بالولاء.

"قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" سفيان بن عيينة يعني إذا كان ما بين صاحب الكتاب من الكتب الستة إلا واحد فالغالب أنه ابن عيينة، وإذا كان اثنان فالغالب أنه الثوري؛ لأنه متقدم.

"قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ" عن عمرو..

طالب: بن دينار

 بن دينار.

ما الذي معك؟ العيني؟

طالب:........

إذًا أحضرته وتُريد تُبين أهميته.

طالب:.........

ماذا؟

طالب: ....

لكنه في الثلثين الأخيرين لا شيء.

طالب:..........

على كل حال كل شرح له ميزته وله أهميته، نحن نوازن ونُسدد، الوقت أيضًا مهم عندنا، الوقت.

"عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا" تأثَّموا في البيع والشراء في هذه الأسواق، والبيع والشراء مشروع، ولا إثم فيه، لكن أن تُستعمل هذه الأسواق فيما تُستعمل فيه في الجاهلية من أمور الجاهلية فلا، وبدأت تُحيا من جديد، والله المستعان.

"أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ" كان الإسلام يعني: وُجِد، جاء، فهي تامة وما بعدها فاعل، ولا تحتاج إلى خبر.

"فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:198] فِي مَوَاسِمِ الْحَجّ" يعني قراءة ابن عباس.

اقرأ من الشرح.

"قوله: "ما بال.." الصفحة الثانية..

 طالب: نعم

"قوله: "ما بال: أي ما حال و"إخوتي" يريد بها الأخوة في الدين و"الصفق" بالسين والصاد صفق الكف عند البيع" لأنها كانت عادة عندهم إذا تم العقد فكل واحد يصفق بيده على يد الآخر.

"الخطابي، قال الخليل: كل صادٍ قبل القاف، وكل سينٍ بعد القاف فللعرب فيها لغتان: سين وصاد لا يبالون اتصلت أو انفصلت" لو بينهما حرف أو ليس بينهما شيء.

"بعد أن يكونا في كلمة إلا أن الصاد في بعضها، والسين في بعضها أحسن، قال: وكانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكف أمارةً لانتزاع البيع؛ وذلك أن الأملاك إنما تضاف إلى الأيدي، والقبوض تبعٌ لها، فإذا تصافقت الأكف انتقلت الأملاك، واستقرت كل يدٍ منها على ما صار لكل واحدٍ منهما من مِلك صاحبه".

 فللمشتري العين المباعة السلعة، وللبائع الثمن.

"وكان المهاجرون تجارًا، والأنصار أصحاب زرعٍ فيغيبون لها عن حضرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أكثر أحواله، ولا يسمعون من حديثه إلا ما كان يُحدِّث به في أوقات شهودهم".

 حتى عمر –رضي الله عنه- كان يخرج يومًا وينزل يومًا، كان يتناوب هو وجارٌ له من الأنصار يسمعون من حديث النبي –عليه الصلاة والسلام- ما يُسمعون، ويُبلِّغ السامع منهم من غاب.

"وأبو هريرة حاضرٌ دهره لا يفوته شيءٌ منها إلا ما شاء الله، ثم لا يستولي عليه النسيان؛ لصدق عنايته بضبطه وقلة اشتغاله بغيره، وقد لحقته دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقامت له الحُجة على من أنكر أمره، واستغرب شأنه.

قوله: "على ملء بطني" أي مقتنعًا بالقوت، والمراد بعمل أموالهم الزراعة.

و"الصُّفة" أي صُفة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي كانت منزل غرباء فقراء الصحابة أي: لم يكن لي غيبة واشتغال لا بالتجارة ولا بالزراعة.

قوله: "أعي" أي: أحفظ، فإن قلت: هو حالٌ عن فاعل كنت والحال مقارنٌ له، فكيف يكون هو ماضيًّا وهذا مستقبلاً؟.

 هذه طريقة الكرماني أنه يُورد إشكالات، ثم يُجيب عنها.

"قلت: هو استئنافٌ مع أنه لو كان حالًا لصح؛ لأن المضارع يكون لحكاية الحال الماضية، فإن قلت: لِما اختصر في حق الأنصار بهذا، وترك ذكر "أشهد إذا غابوا".

 وترك ماذا؟ "وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ" لِما اختصر في حق الأنصار، واقتصر بذلك عمل أموالهم؟ يعني ما بيَّن الزراعة وما الزراعة، هناك قال: الصفق بالأسواق معروف أنها تجارة.

"عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ" ما بيَّنه، الأموال تشمل الزراعة وغير الزراعة.

"قلت: إما أن غيبة الأنصار كانت أقل، وكيف لا والمدينة بلدهم ومسكنهم، ووقت الزراعة وقتٌ معلوم؛ فلم يعتد بغيبتهم لقلتها؟ وإما أن هذا عامٌّ للطائفتين كما أن "أشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا" يعم بأن يقدرا في قضية الأنصار أيضًا بقرينة السياق وسائر الروايات المعممة، كما مر في باب حفظ العلم.

قوله: "نمرة" أي كساءً ملونًا، ولعله أخذ من النمر؛ لما فيه من سوادٍ وبياض.

وفيه: فضيلة أبي هريرة وكان حافظ الأمة، وفيه: أن الاشتغال بالدنيا وتحصيل العلم قلَّما يجتمعان".

 لا شك أن الاشتغال بالدنيا مع طلب العلم والإكباب عليه قلَّما يجتمعان؛ لأن هذا يُشغِل عن هذا، وهذا يُشغِل عن هذا. 

"فإن قلت: فإذا كان أبو هريرة أكثر أخذًا للعلم وأزهد فهو أفضل من غيره؛ لأن الفضيلة ليست إلا بالعلم والعمل.

 قلت: لا يلزم من أكثرية الأخذ كونه أعلم، ولا من اشتغالهم عدم زهدهم مع أن الأفضلية معناها أكثرية الثواب عند الله تعالى، وأسبابه لا تنحصر في أخذ العلم ونحوه، فقد يكون بإعلاء كلمة الله تعالى وأمثاله.

قوله "آخي رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي: جعلنا أخوين و"سعد بن ربيع" ضد الخريف الأنصاري".

 وهذه طريقة من طُرق أهل العلم في الضبط، ما قال: الرَّبيع بفتح الراء، وكسر الموحدة وسكون المثناة من تحت؛ حتى ما يُقال: الرُّبيِّع. يوجد الرُّبيِّع، ما ضبطتها قال: ضد الخريف وارتاح، ضد الخريف معروف، من فصول السنة الربيع ضد الخريف، كل الناس ينطقونه نطقًا سليمًا، ولا يختلفون فيه. عن حرام بن عثمان قال: ضد الحلال، ينتهي الإشكال، ما يحتاج إلى أن يفصِّل في ضبطه.

طالب:...........

هو متميز بالحفظ من قبل، لكن بعدما ضم الرداء ما نسي شيئًا.  

"سعد بن ربيع" ضد الخريف الأنصاري الخزرجي النقيب العقبي البدري" يعني شهد بيعة العقبة، وشهد بدرًا.

"استشهد يوم أُحد.

قوله: "أي زوجتي" بلفظ المثنى المضاف، وأي إذا أضيفت إلى المؤنث يُذكَّر ويُؤنَّث، يُقال: أي امرأة وأية امرأة.

و"هوِيت" أي: أردت نكاحها "نزلت لك عنها" أي: طلقتها لك و"حلَّت" أي: انقضت عدتها.

و"قينقاع" بفتح القاف الأولى وسكون التحتانية وضم النون، وبالقاف وبالمهملة منصرفًا وغير منصرف" يعني: إذا أردت القبيلة فهو غير منصرف؛ لأنه مؤنث، وإن أردت القوم صرفته.

"قوله: "تابع الغدو" بلفظ المصدر أي: غدا اليوم الثاني إليه، والمتابعة إلحاق الشيء بغيره، وفي بعضها بلفظ الغد ضد الأمس.

قوله: "صفرة" أي: من الطيب الذي استعمله عند الزفاف.

«وَمَنْ؟» أي: ومَن التي تزوجت بها؟ «سُقْتَ» أي: أعطيت، يقال: ساق إليه كذا أي: أعطاه.

"والنواة" اسمٌ لخمسة دراهم، كما أن النش اسمٌ لعشرين درهمًا، والأوقية لأربعين أي: مقدار خمسة دراهم وزنًا من الذهب، يعني ثلاثة مثاقيل ونصفًا، وقيل: المراد بالنواة نواة التمر أي: وزنها من الذهب، وقال أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-: النواة هي ثلاثة دراهم وثلث، وبعض المالكية هي ربع الدينار، التيمي: النواة خمسة دراهم، إما أن تكون اسم صنجة يوزن بها ويُسمى هذا القدر من الذهب نواة" الصنجة التي توضع في كفة الميزان في مقابل ما يُراد بيعه، مثل الكيلو، يعني مقدار يُوزن به.

"قوله: «أَوْلِمْ» أي: اتخذ وليمة وهي الطعام الذي يصنع عند العرس، ومن ذهب إلى إيجابها أخذ بظاهر الأمر، وهو محمولٌ عند الأكثر على الندب".

 ولكن الأصل في الأمر الوجوب لاسيما في وليمة العرس، كما أن الوليمة تجب، فأيضًا تجب إجابتها.

"الخطابي: إنما قدَّر الشاة لمن قدر عليها، فمن لم يقدر فلا حرج عليه، فقد أولم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسويق والتمر على بعض نسائه" يعني ليست متعينة الشاة، لكن أمر بها باعتبار أن عبد الرحمن بن عوف قادر.

"قوله: "زهير" مُصغَّر الزَّهر ابن معاوية الجُعفي، و"حُميد" بضم الحاء الطويل، و"استفضل" أي: ربح، و"الوضر" اللطخ من الخلوق أو من الطيب له لون، والوضر: بقية الهباء، وغيره.

و«مَهْيَمْ؟» بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتانية كلمةٌ يُستفهم بها معناه ما حالك؟ وما شأنك؟ وقيل: هي كلمةٌ يمانية".

 بالتخفيف؛ لوجود الألف، ولو حُذِفت الألف لشُددت؛ لأن ياء النَّسب تكون مشددة، لكن لو وجِدت الألف وهي في الأصل غير موجودة، اليمن النسبة إليه يمني، ويمنيةٌ، لكن إذا أُضيفت الألف دخلت عليها ألف قامت مقام إحدى الياءين من الياء المشددة خُففت، «الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية».

"وكأنه استنكر الصفرة التي رآها عليه.

و"عكاظ" بضم المهملة وخفة الكاف وبالمعجمة، و"مجنة" بفتح الميم والجيم والنون المشددة و"ذو المجاز" ضد الحقيقة.

"وكان الإسلام" كان تامة، "وتأثَّموا" أي اجتنبوا الإثم، يعني تركوا التجارة فيها احترازًا عن الإثم"؛ لئلا يتشبهوا بأهل الجاهلية.

 و"المواسم" جمع موسم، وسُمي موسمًا؛ لأنه مَعلم يجتمع الناس إليه، وقرأ ابن عباس لفظة "في مواسم الحج" في جملة القرآن زائدة على ما هو المشهور" وهي قراءة توضيح وتفسير.

اقرأ الباب الذي يليه.

"بَابٌ: الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ.

 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عن أَبُي فَرْوَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ عن النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، قال: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: حَدَّثَنَا".

من الذي قال؟

طالب: البخاري، يُذكر قال؟

ما فيه قال في أثناء الإسناد.

طالب: نعم.

"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ"

(قال) حدثنا وأخبرنا وسمعت كلها يُضاف لها (قال).

"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قال: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ، كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ، أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ»".

اقرأ الشرح.

يقول: "باب الحلال".

بابٌ.

"بابٌ الحلال بيِّن" قوله: "ابن أبي عدي" بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية وتشديد الياء، محمد بن إبراهيم البصري و"ابن عون" بالمهملة المفتوحة وسكون الواو وبالنون عبد الله، و"الشعبي" بفتح الشين عامر" ابن شراحيل.

 و"النعمان بن بشير" بفتح الموحدة الصحابي تقدموا" صحابي وابن صحابي.

 و"أبو فروة" بفتح الفاء وسكون الراء عروة بن الحارث الهَمَداني الكوفي".

الهمْداني، فرق بين الهمْداني والهمَذاني، الهمْداني نسبة إلى القبيلة، والهمَذاني نسبة إلى البلد.

"الهَمْداني الكوفي وهو المشهور بأبي فروة الأكبر.

و"محمد بن كثير" ضد القليل، "وسفيان" أي: ابن عيينة، وفائدة التحويلات التقوية والتأكيد سيما إذا كان بلفظ سمعت".

 التحويلات قال: "حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ" إلى آخره، ثم بعد ذلك الأصل أن يقول هنا: ح "وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ" إلى آخره، ثم ح "وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ" هذه تحويلات، والحاء التي تُذكر في هذا الموضع تُسمى حاء التحويل، وما ذُكِرت هنا في هذه النسخة.

في أحد معه طبعة قديمة؟

طالب:.........

 فيه ح أم ما فيه؟ وفي الحاشية ما ذكر شيئًا؟

من الأصل في التحويلات أن تُذكر فيها الحاء، إذا انتهى من حديث وأراد أن يعطي عليه إسنادًا أو انتهى من إسناد وأراد أن يعطي عليه إسنادًا آخر أن يأتي بحاء ح التحويل، والأصل في التحويل أن تُذكر قبل تمام الإسناد الأول إلى نقطة الالتقاء مع الإسناد الثاني، وفائدتها اختصار الأسانيد.       

"قال القابسي: خرَّج من طرقٍ متعددة ردًّا على من قال: إن النعمان لم يسمع من النبي- صلى الله عليه وسلم-".

هنا "سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" التصريح بالسماع.

وهنا: "سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" العنعنة ليست نصًّ في السماع، لكن الأولى نصٌّ فيه؛ ولذا قال القابسي: "خُرِّج" أي: الحديث "من طرقٍ متعددة ردًّا على من قال: إن النعمان لم يسمع من النبي- صلى الله عليه وسلم-" نعم هو صحابي صغير، لكنه ثبت سماعه.

"قوله: "مشتبهة" أي: على بعض الناس لا أنها مشتبهةٌ في أنفسها غير محرَّمةٍ أو محللة". الحلال بيِّن هذا ما يختلف فيه أحد، والحرام بيِّن أيضًا كذلك لا يختلف فيه أحد، لكن يبقى أمور تنتابها وجهات النظر، بعضهم يقول: حلال، وبعضهم يقول: حرام بحسب ما يترجَّح له، وبعضهم يتوقف فيها، هذه مشتبهات.

"لا أنها مشتبهةٌ في أنفسها غير محرَّمةٍ أو محللة؛ لأن الله تعالى بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- مُبينًا لأمته جميع ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم من الحلال والحرام.

قالوا: الأشياء ثلاثة أقسام: حلالٌ واضح كأكل الخبز، وحرامٌ واضح كالسرقة، والتي ليست بواضحة الحِل والحرمة لا يعرفها إلا العلماء، وقد مر شرح الحديث في باب فضل من استبرأ في كتاب الإيمان.

الخطابي: كل شيء يُشبه الحلال من وجه، والحرام من وجه فهو شبهة، فالحلال البين: ما عُلِم ملكه يقينًا لنفسه، والحرام البين: ما عُلم ملكه لغيره يقينًا، والشبهة ما لا يُدرى أهو له أو لغيره، فالورع اجتنابه، ثم الورع على أقسام:

واجبٌ كالذي قلنا، ومستحبٌ كاجتناب معاملة من أكثر ماله حرامٌ ومكروه، كالاجتناب عن قبول رخص الله تعالى والهدايا، ومن جملته أن يدخل الرجل الخراساني مثلاً بغداد، ويمتنع من التزوج بها مع الحاجة إليه بزعم أن أباه كان ببغداد، فربما تزوج بها وولدت له بنتٌ فتكون هذه المنكوحة أختًا له".

يعني اختلاط الحرام بالمباح، قالوا: إذا اشتبهت أخته بأجنبية هذا يلزمه أن يجتنب، لكن إذا اختلطت أخته بأهل بلدٍ كبير يذكر أن أباه أو جده سافر إلى الهند مثلاً أو إلى مصر وتزوج لا يُدرى هل أنجب أو لم يُنجب؟ قال: أنا لن أتزوج من مصر ولا من الهند، أخشى أن يصير لي أخت أو عمة، لا، هذا لا يمكن؛ لأن هذا احتمال أضعف من الضعيف، بخلاف ما لو كان هذا الاحتمال في أسرة مثلاً محدودة، ولا يدري عن ذلك، فالاحتمال قوي، وكلما ضعف الاحتمال كان الابتعاد أضعف.

طالب:.........

هو معروف النَّسب، ولكن هم ما اهتموا، ولا يدرون مَن هو، مثل الآن ترى كثيرًا من الناس ما يُعطي الاسم الصحيح، يخشى من العواقب، وهذه كارثة، هذه جريمة، بعض الناس إذا راح يتزوج من بلد ما أعطاهم الاسم الصحيح، أو هم ما يحرصون على ذلك؛ لأن بعض الناس لديهم أطماع مادية وما وراء ذلك، ما هو مُشكل، مع أن الاهتمام بالأعراض أعظم من الاهتمام بالأموال.    

"قوله: «اسْتَبَانَ» أي: ظهر حرمته، «يَشُكُّ» أي: يشتبه فيه، و «أَوْشَكَ» أي: قرب أي من كثرة تعاطي الشبهات يُصادف الحرام وإن لم يتعمده أو يعتاد التساهل ويتمرن عليه؛ حتى يقع في الحرام عمدًا".

نعم من أكثر من مقارفة المباح البين جرَّه ذلك إلى ارتكاب المكروه، من أكثر من مزاولة المكروه جره ذلك إلى مشبَّهات، ثم بعد ذلك انجر إلى الحرام وهو لا يشعر؛ لأن النفس إذا مُرِّنت على شيء لا تُطيق فراقه، فتجده يبحث عن هذا الشيء من وجوه الحلال، ثم قد لا يجده إلا بوجهٍ فيه شيء من الكراهية أو الشبهة فتُنازعه نفسه؛ لأنها درجت عليه، ولا تستطيع فراقه، ثم بعد ذلك يُعاقب بتساهله هذا إلى أن يقع في الحرام.

"قوله: «الحِمَى» بكسر الحاء وخفة الميم مقصورا موضعٌ يُخص للإمام ويُمنَع الغير عنه، شبَّه المعاصي بالحمي من جهة وجوب الامتناع عنها، أجمعوا على عظم موقع هذا الحديث وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام".

إذ قال بعضهم: إنها أربعة، وقال بعضهم: إنها ثلاثة.

عُمْدةُ الدِّينِ عندَنا كَلِماتٌ
 

 

أربعٌ مِنْ قول خَيْرِ البَرِيَّة
 

اتّقِ الله وازْهَدْ ودَعْ ما
 

 

ليسَ يَعْنيكَ واعْمَلَنَّ بِنِيَّة
 

في بعضها حديث الشبهات.

طالب: أقرأ؟

نعم، اقرأ.

"بَابُ تَفْسِيرِ المُشَبَّهَاتِ، وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قال: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟» وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيِّ.

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، قال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ»، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ» ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ - زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «احْتَجِبِي مِنْهُ» لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ.

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ المِعْرَاضِ، فَقَالَ: «إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ، فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، وَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ؟ قَالَ: «لاَ تَأْكُلْ، إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآخَرِ»".  

"بَابُ تَفْسِيرِ المُشَبَّهَاتِ، وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ" هذا من ثقات المسلمين ومن رؤوسهم وساداتهم في العبادة والزهد والورع له مقامٌ معروف مما يدل عليه كلامه، يقول: "مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ" كل الناس يعرفون هذا الضابط، لكن هل الورع شيءٌ هين؟ كلٌّ يتحدث مقامه.

واحد يقول لك: هذا أسهل من قيام الليل، وأنت ما عوِّدت نفسك عليه؟ هو متعود؛ لأن هذا مقامه أو يقول لك: ما أهون من التصدق بجميع المال، هو عوَّد نفسه على هذا وصار عنده سهل.

هذا عنده الورع شيءٍ عادي، الآن المرض بسبب كثرة الأكل كُثر ويعرفون السبب، ولا يتركون الأكل، يقول لك: ما أسهل من علاج السكر، كُف يدك، وأطلق رجلك، هذا معناه أسهل، هل كل مريض يقدر أن يفعل هذا؟

كلٌّ يتحدث عن مقامه وهمته وعزيمته، هذا يتحدث عن الورع الذي كثيرٌ من أهل العلم ما يُطيقون مثل هذا الكلام، ولا يستطيعون، ولا يدور في بالهم "مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ" الذي تشك فيه اتركه، اترك ما تشك فيه.

الآن تناول الناس الواضح البين حُرمته، وتأولوا لأنفسهم بتأويلاتٍ غير مرضية، شخص أو شركة تأخذ قرضًا ثلاثين مليونًا بثلاثة وثلاثين، دراهم بدراهم، هذا يشك أحد إن هذا ربا؟ ما يشك أحد، يقول: هو ربا، لكن ما ذنبي أنا أخسر والبنك هو الذي يستفيد؟! كلام طالب علم هذا الكلام، يعني ما هو شيء سهل، هذا يقول: ما ذنبي، أنا المسكين الذي أُحرَم من هذه الفائدة، والبنك هو الذي يأخذ؟

أنت الذي تتدين وأمثالك بمثل الحلال والحرام، وأما من أقدم من بداية الأمر مُقدم على هذا الشيء، ما يتحمل مسؤولية مثل ما يتحمله شخص عرف وعمل مدةٍ طويلة، ثم بعد ذلك يبدأ التساهل.

يقول: "مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ" الذي تشك فيه اتركه، ما الذي قتل الناس إلا مثل هذا النوع الذي هو محل الصراع النفسي، النفس تُنازع، مادام ما هو بواضح يبقى الحلال أمره سهل، هذا أسلوب كثير من الناس، المهم أنك لا تعمَّد الشيء الواضح والبين، والذي ما هو بواضح ولا صريح أمره سهل.

ليس صحيحًا، غير الصريح هو الذي تشك فيه، هذا الذي يريبك، هو الذي يجرك إلى ما لا يريبك، والواقع يشهد بذلك، والتساهل لا نهاية له، والله المستعان.

"بَاب تَفْسِيرِ الْمُشَبَّهَاتِ.

قوله: "حسان" من الحُسن أو الحِس منصرفًا وغير منصرف".

من الحُسن يعني منصرف؛ لأن النون أصلية، ومن الحِس النون زائدة، فيكون غير منصرف، ممنوعًا من الصرف.

"ابن أبي سنان" بكسر المهملة وخفة النون الأولى.

و"يريبك" من الريب وهو الشك، ورابني فلان إذا رأيت منه ما يريبك وتكرهه".

تقول: رابني فلان إذا رأيتَ، لكن لو كانت أي تقول: رأيتُ.

"قوله: "عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين" مُصغرًا، النوفلي المكي، و"عبد الله بن أبي مليكة" مُصغَّر من الملكة، مر مع الحديث في باب الرحلة في كتاب العلم.

قوله: "أرضعتهما" أي: عقبة وامرأته ابنة أبي إهاب بكسر الهمزة وخفة الهاء وبالموحدة والقرينة ظاهرة، فإن قلت كيف يدل على الترجمة؟

قلت: لفظ.."

كيف القرينة ظاهرة؟ عقبة وامرأته أرضعتهما ابنة أبي إهاب بكسر الهمزة وخفة الهاء وبالموحدة، والقرينة ظاهرة.

طالب: يعني المرأة ما لها ذكر.

نعم.

طالب: زوجته ليس لها ذكر في متن الحديث.

كيف؟

طالب: ....

"عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟» وكَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيِّ" أي: عقبة وامرأته ابنة أبي إهاب هذه زوجته.

طالب: نعم.

 والتي أرضعتهما هذه المرأة السوداء، يعني الشُّبهة قبل كلام هذه المرأة السوداء «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟» أقل ما يُقال في ذلك: الشُّبهة، افترض أنه ما ثبت، واحتمال أنه ثبت، وحينئذٍ تجتنب.

طالب: ....

"فإن قلت كيف يدل على الترجمة؟ قلت: لفظ «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟» مشعرٌ بإشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تركها ورعًا؛ ولهذا فارقها، ففيه توضيح الشبهة وحكمها وهو الاجتناب عنها.

 قوله: "يحي بن قزعة" بالقاف والزاي المهملة المفتوحات، مر في آخر الصلاة، و"عتبة" بضم المهملة وسكون الفوقانية وبالموحدة، القرشي الزهري، وهو الذي شج وجه رسول الله -صلى عليه وسلم- وكسر رباعيته يوم أُحد، واختلفوا في إسلامه، والجمهور على أنه مات كافرًا".

نسأل الله العافية، يعني مثل هذا لا يُوفَّق للدخول في الإسلام؛ لأنه شج النبي –عليه الصلاة والسلام- وكسر رباعيته، مثل هذا لا يُوفَّق.

"قوله: "عهد إليه" أي: أوصى إليه".

عُتبة بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص، وأوصاه بأن هذا الولد له، يعني من الزنا.

"و"وليدة" أي: جارية "زمعة" بالزاي والميم والمهملة المفتوحات، وقيل: بسكون الميم ابن قيس العامري القرشي.

"وابن أخي" بالرفع أي: هو ابن أخي، و"عبد" ضد الحر، "ابن زمعة" كان سيدًا شريفًا من سادات الصحابة.

قوله: «هُوَ لَكَ» أي: هو أخوك، «وَلِلْعَاهِرِ» أي: للزاني «الحَجَرُ» أي: له الخيبة، ولا حق له في الولد وعاداتهم أن يقولوا: له الحجر، يريدون ليس له إلا الحرمان، وقيل: المراد بالحجر الرجم بالحجارة وهو ضعيف؛ لأنه ليس كل زانٍ يُرجم، وإنما المرجوم هو المحصن فقط؛ ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه، والحديث ورد في نفيه عنه".

لماذا لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه؟ يعني في اللعان، إذا رأى زوجته تزني وقذفها ولاعنها، ثم حملت ولدًا، فالفائدة من اللعان انتفاء الحد، وانتفاء الولد، إذا ثبت اللعان انتفى الولد من الزوج تلقائيًّا، ومنهم من يقول: إنه لا ينتفي حتى يُطالب بنفيه، أنها زنت، وهذا الولد الذي في بطنها ليس منه، وإذا طالب به انتفى.

طالب:.........

نعم، لا يلزم من رجمه نفي الولد، والحديث ورد في نفيه عنه، لا يلزم من رجمه نفي الولد إذا ثبت أنه زانٍ -ولا يُرجَم إلا بعد ثبوت الزنا- انتفى الولد عنه؛ لأنه ليس له إلا الحجر «وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ» ليس له ولد «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» للمرأة وزوجها ما لم ينفه الزوج، هو ثابت للزوج؛ لأن المرأة فراشه، والولد للفراش، إلا إذا نفاه وطالب بانتفائه.

ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه، والحديث ورد في نفيه عنه، ما معنى هذا الكلام؟ إذا قلنا: إن الضمائر متسقة، قلنا: الكلام كله في الزاني الذي يُرجم، الزاني، ولا يلزم نفي الولد عنه، بل يُثبت له، وهذا الكلام ليس بصحيح، لا بُد أن تكون الضمائر غير متسقة، بالضمير الأول من (رجمه) يعني الزاني، نفي الولد (عنه) يعني عن صاحب الفراش زوج المرأة الزانية.  

"قوله: «مِنْهُ» أي من ابن زمعة المتنازع فيه، وهذا أمرٌ بالورع والاحتياط، وإلا فهو في ظاهر الشرع أخوها".

نعم مادام أثبته لزمعة؛ لأنه ولِد على فراشه ومن وليدته «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ» يعني هو أخٌ لك؛ لأنه وُلِد على فراش أبيك، ومن أمته، فمقتضاه ألا تحتجب عنه زمعة، يكون أخاها، لكن لما وُجِدت الشُّبهة وشبهه أيضًا بعتبة بيِّن الزاني عتبة بن أبي وقاص، قال النبي –عليه الصلاة والسلام- من باب الورع: «احْتَجِبِي عنْهُ يَا سَوْدَةُ»، وقل مثل هذا فيمن جاء يشهد برضاع لهذا الولد من هذه المرأة ثلاث رضعات مثلًا، ولا يُحرَّم إلا الخمس، يعني من باب الورع أن يُقال: احتجبي عنه؛ لأن الرضاع لم يكتمل، ولا يتزوج من بناتك، يعني من باب الورع؛ لأنه رضع منك.

هناك أحكام مفتوتة ومفصولة فصلًا يعني ما فيها إشكال، ولا في قربانها أدنى شبهة، لكن الآن إذا عُرِف أنه رضع من أم هذه البنت ثلاث رضعات مثلاً، يُقال: الأم تحتجب عنه باعتبار أن الرضاع ليس بثابت، ولا يتزوج من البنات، احتمال أن يكون رضع أكثر من ذلك، ومادام وجِد في جوفه، وفيما يُنشز عظمه من لبن هذه المرأة ففيه شبهة.

طالب: ....

يختلف هذا بين ما كان قبل الدخول، وبين ما كان بعد الدخول، ووجود الأولاد وما أشبه ذلك يُلاحظ هذا الأمر.    

طالب:..........

زمعة والد سودة نعم، سيدة شريفة من سادات الصحابة.

"النووي: الزوجة تصير فراشًا بمجرد عقد النكاح، لكن شرطوا للحوق الولد إمكان الوطء بعد ثبوت الفراش، وأما الأمة فتصير فراشًا بالوطء لا بمجرد الملك، وأما حديث عبد بن زمعة فمحمولٌ على أنه ثبت فراشه إما بينةٍ على إقراره بذلك في حياته، وإما بعلمه -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وفي الحديث جواز استلحاق الوارث نسبًا لموروثه".

لحظة "وفي الحديث".

طالب: "جواز استلحاق الوارث نسبًا لموروثه".

جواز استلحاق الوارث نسبًا لمورِّثه.

"وفي الحديث جواز استلحاق الوارث نسبًا لمورِّثه".

يعني لو أقر واحد من الورثة بأن هذا أخٌ له، وأنكره الباقون، ثلاثة أولاد وجاءهم واحد قالوا: هذا رابع، قال واحد منهم: هذا أخونا، أنا أشهد بذلك، والثلاثة أنكروا، قالوا: ليس أخًا لنا، وليس هناك ما يُثبت ولا ما ينفي، يُعطى خُمس إرث المُقِر، يأخذ نصيبه من إرث المقر به دون من أنكر.

"وفيه: أن الشبه وحكم القائف إنما يُعتمد عليه إذا لم يكن هناك أقوى منه كالفراش؛ فلهذا لم يعتبر الشبه الواضح، واعتُبِر الفراش، قال القاضي: كانت العادة الجاهلية إلحاق النسب بالزنا، وكانوا يستأجرون الإماء للزنا، والسادات أيضًا لا يجتنبونهن، فمن اعترفت الأم أنه له ألحقوه به، فجاء الإسلام بإبطال ذلك، والإلحاق بالفراش، فلما قام سعد بما عهد إليه أخوه من سيرة الجاهلية، ولم يعلم بطلانها في الإسلام، ولم يكن حصل إلحاقه في الجاهلية؛ إما لعدم دعوى، وإما لعدم اعتراف الأم به، واحتج عبد بأنه ولد على فراش أبيه، فحكم له به النبي -صلى الله عليه وسلم-.

قوله: "عبد الله بن أبي السفر" ضد الحضر، و"عدي" بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية وشدة الياء مر مع شرح الحديث في باب الماء الذي يغسل به في كتاب الوضوء.

قوله: "المعراض" بكسر الميم ضد المطوال سهمٌ لا ريش له، «وَقِيذٌ» بمعنى: الموقوذة هو المقتول بالخشب".

يعني شيء له حد، وله عرض، يعني لو رميت السيف على صيد فأصابه بحده فهذا يؤكل، لكن لو أصاب بعرضه ومات، ولا خزق، ولا أنهر الدم، ولو مات، ما صاده بعرضه فلا يؤكل.

"وقيل: المعراض خشبةٌ تقتل أو عصا، وقيل: هو عودٌ دقيق الطرفين غليظ الوسط إذا رُمي به ذهب مستويًّا، والموقوذ هو الذي يُقتَل بغير محددٍ من عصا أو حجرٍ أو نحوهما".

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.