كتاب الجهاد والسير من المحرر في الحديث - 05

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وعن عبد الرحمن بن عوف قال: بينما أنا واقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل أتعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي، ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني عنه، فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبراه، فقال: «أيكما قتله؟» قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: «هل مسحتما سيفيكما؟» قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: «كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح»، وكانا معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح.

 وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من ينظر ما صنع أبو جهل؟» فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فأخذ بلحيته فقال: أنت أبو جهل، أنت أبو جهل، قال: وهل فوق رجل قتله قوم أو قتلتموه؟ متفق عليهما، واللفظ للبخاري.

 وعن جبير بن مطعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له»، رواه البخاري.

 وعن ابن عمر قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- سرية وأنا فيهم قبل نجد، فغنموا إبلاً كثيرة، فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرًا أو أحد عشر بعيرًا، ونُفِّلُوا بعيرًا بعيرًا متفق عليه.

 وعن سعيد المقبري، عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يُقسَم لهما؟ وعن قتل الولدان، وعن اليتيم متى ينقطع عنه اليتم؟ وعن ذوي القربى من هم؟

فقال ليزيد: اكتب إليه، فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه، اكتب: إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم هل يقسم لهما بشيء؟ وإنه ليس لهما شيء إلا أن يحذيا، وكتبت تسألني عن قتل الولدان، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقتلهم، وأنت فلا تقتلهم إلا أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى من الغلام الذي قتله، وكتبت تسألني عن اليتيم متى ينقطع عنه اسم اليتم؟ وإنه لا ينقطع عنه اسم اليتم حتى يبلغ، ويؤنس منه رشد، وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم؟ وإنا زعمنا أنا هم، فأبى ذلك علينا قومنا، رواه مسلم.

 وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها».

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جمع الله الأولين والآخرين، إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان»، متفق عليه.

 وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى بني لحيان ليَخرُج من كل رجلين رجل ثم قال للقاعدين: «أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر، كان له مثل نصف أجر الخارج»، رواه مسلم."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه-..

.......

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- قال: بينما أنا واقف في الصف يوم بدر" يعني في غزوة بدر في صف القتال، "فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما" يعني صغار في السن، "تمنيت أن أكون بين أضلع منهما أن أكون بين أضلع واحد منهما"؛ لأنهما في موقف مُشَرِّف في جهاد وفي قوة وحيوية ونشاط وشجاعة وإقدام، وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- من العشرة المبشرين في الجنة، لكن بعض الكبار يتمنى بعض المواقف التي تحصل لبعض الصغار؛ لأن الدنيا مواقف، قد يحصل للصغير فيها ما لا يتسنى للكبير في بعض المواقف، ومثل هذا لا يقتضي التفضيل المطلق؛ لأنه قد يكون للإنسان مزية أو فضيلة في وقت دون وقت، أو في موقف دون موقف، لكن هذا لا يعني أنه أفضل ممن لم يحصل له هذا الموقف في مثل هذا الظرف.

 "فغمزني أحدهما" أحد الغلامين حدث السن "فقال: يا عم"، وهكذا ينبغي أن يكون في أسلوب الخطاب من الصغير إلى الكبير.

 "يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم،" قال عبد الرحمن بن عوف: نعم، يعرفه "نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟" ماذا تريد منه؟ "قال: أُخبرتُ أنه يسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم"-، غيرة وحميَّة لله ولرسوله، ومع الأسف أننا نسمع من يسب ولا يحرِّك ساكنًا، هذا فينا، لا نغار ولا نتغير ولا نسعى للتغيير، أنا لا أقول: إن الإنسان يغير بيده ويرتكب ما يترتب عليه الآثار والمفاسد، لا، لكن عليه أن يبلِّغ من يتمكن من التغيير إذا لا يستطيع التغيير إذا كان لا يستطيع التغيير فإنه يبلِّغ من يستطيع أن يغيِّر، وتبرأ ذمته بذلك، ولا يجوز له أن يغيِّر منكرًا يترتب عليه منكر أعظم منه، فالتصرفات الفردية في مثل هذه الأحوال وهذه الظروف التي نعيشها يترتب عليها من الفساد أعظم وأكبر مما يترتب عليها من المصالح، وإنكار المنكر مرتَّب كما جاء في الحديث الصحيح «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه».

 لا يجوز له أن يغير باليد وهو لا يستطيع، هذا أمر متروك لمن له الأمر والنهي، ثم بعد ذلك التغيير باللسان يملكه كثير من الناس، لكن بالأسلوب الذي تترتب عليه آثاره من المصالح، ولا يترتب عليه شيء من المفاسد، وهذا في قتال، يعني القصة التي معنا في قتال، وبصدد أن يقتل أو يُقتَل.

 "قال: أُخبِرتُ أنه يسبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم"- وهذه فرصة أنه متاح قتله؛ لأنه خرج للحرب، وبصدد أن يُقتَل؛ لأنه حربيّ ومحارِب، ومع ذلك يسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا به فليُبدَأ كما فعل هذا الغلام من الأنصار.

 "أُخبِرتُ أنه يسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده" يعني لا يفارق جسدي جسده، "حتى يموت الأعجل منا"، حتى يقتلني أو أقتله، "فتعجبتُ لذلك" شاب صغير السن يتطاول لقتل رئيس من رؤساء قريش، وصنديد من صناديدها، لا شك أن هذه شجاعة وإقدام تُحمَد لمثل هذا في مثل هذا الموقف، "فغمزني الآخر"؛ لأنهما غلامان من الأنصار، غمزه الأول وقال له وقيل له ما سمعتم.

 "فغمزني الآخر، فغمزني الآخر، فقال لي مثلها" أتعرف أبا جهل؟ هل تعرف أبا جهل؟ قال: نعم، ماذا تريد منه؟ فذكر ما ذكر، "فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرتُ" يعني لم ألبث يعني ما أخذت مدة إلا مدة يسيرة.

 "فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس" رئيس من رؤساء قريش وصنديد من صناديدها يجول، يتبختر في مشيته، ويستعرض بين الناس، "قلتُ: ألا إن هذا صاحبكما، ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني" يعني أبو جهل يبرز له العباس ويقتله هذا سهل على نفسه، كبير في مقابل كبير، لكن يبرز له صغار، شباب أحداث فيقتلونه، فهذا زيادة في الغيظ له والنكاية به.

 "ألا إن هذا صاحبكم الذي سألتماني فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبراه" أنهما قتلا أبا جهل، "فأخبراه فقال: «أيكما قتله؟» فقال كل واحد منهما: أنا قتلته".

 لأن لكل واحد منهما أثرًا في قتله وموته بسبب سيفيهما، لكن هناك الضرب المؤثِّر، وهناك الضرب بالسيف غير مؤثِّر.

 "فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: «هل مسحتما سيفيكما؟»" ليستدل بذلك على القاتل الحقيقي؛ ليستدل بذلك على القاتل الحقيقي، "قالا: لا"، مازال السيف أو السيفان يقطران من دم عدو الله، "قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: «كلاكما قتله، كلاكما قتله»" أقرهما على دعواهما، «سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح» أحد الشابَّيْن، "وكانا" يعني الغلامين "معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح".

 وبعض الروايات تذكر أن الغلامين معاذ ومعوِّذ ابني عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح ثالث، فأقرَّ لهما بأنهما قتلا، وأعطى السلَب واحدًا منهما أو ثالثًا، لا واحد منهما، فمن أهل العلم من يستدل بهذا أن الوليّ، ولي الأمر له أن يصرف السلب بحسب اجتهاده، ويعطيه غير القاتِل؛ لأنه أقرهما على دعواهما، وصدقهما في دعواهما، وصرف السلَب إلى أحدهما، أو إلى ثالث غيرهما، ومنهم من يقول: إنه من باب تطييب الخاطر فأقرهما أنهما قتلاه؛ تطييبًا لخاطرهما، وأما الضربة المميتة القاتلة التي أودت بحياته إنما هي لمن أُعطِيَ السلب، وهو معاذ بن عمرو بن الجموح.

 قال -رحمه الله-: "وعن أنس -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟» لأنه من أَلَدِّ أعداء الدعوة، ومن  أَلَدِّ أعدائه- عليه الصلاة والسلام-، وآذى المسلمين، فالراحة منه مطلب ينشدها كل مسلم وكل غيور إذا استُنفذت جميع أسباب الهداية، فإنه حينئذ يتخلص منه بأسرع وقت؛ لأنه مؤذٍ للمسلمين، وحجر عثرة في سبيل الدعوة إلى الإسلام.

 «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟» مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا الله أن ينصر الإسلام، وأن يعز الإسلام بأحد العمرين، وأبو جهل واحد منهما، لكن ما أراد له الهداية، فكانت الدعوة لعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.

 "«من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟»، وانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء" معوِّذ ومعاذ، معاذ ومعوِّذ ابني عفراء، "حتى برد، فأخذ بلحيته وقال: أنت أبو جهل؟ قال: وهل فوق رجل قتله قومه أو رجل قتلتموه؟".

 يعني معنى قتلاه حتى بَرَد، بَرَد المقتول من حيوان أو غيره معناه أنه فارقته الروح، وركد، وسكن بعد أن كان يضطرب في أول الأمر فيقال: الذبيح أو المذبوح إذا سكن بعد الاضطراب كيف يقول: ضربه ابنا عفراء حتى برد؟ فأخذ بلحيته ابن مسعود الصحابي الجليل في مقاييس الناس، مقاييس الدنيا نضو الخلقة أسمر اللون محتقَر فيما بين الملأ والنفر من قريش، يأتي إلى أبي جهل ويمسك بلحيته، يأخذ بلحيته، ويقول: أنت أبو جهل؟ قال: من القائل؟ من القائل؟

طالب: .........

أبو جهل؟

طالب: .........

قال: وهل أنت أبو جهل؟ قال المجيب: مَن؟ أبو جهل قال وهل فوق رجل قتله قومه أو رجل قتلتموه؟ يعني هل هذا الجواب الثاني من أبي جهل بعد أن برد؟

طالب: .........

يعني ما مات بعد، يعني برد في تقدير ابن مسعود، وكونهما قتلاه ابنا عفراء يدل على أنهما ما أجهزا عليه، بدليل أنه أجاب بعد أن سئل أو يقال: إن ابن مسعود سأل وأجاب بلسان حال أبي جهل، هذا احتمال، وإن كان الظاهر من اللفظ أن المجيب أبو جهل، لكن كونهما قتلاه، وابن مسعود برك على صدره كما في بعض الروايات، وأخذ بلحيته، وسأله فأجابه. على كل حال الرواية مشكِلة، لكن محتمِلة. قال: وهل فوق رجل قتله قومه، أو رجل قتلتموه؟ ما معنى فوق رجل؟

طالب: .........

يعني كيف يتكبَّر في هذا الموطِن وهذا الموقِف الذي هو فيه أذل ذليل يُقتَل من قِبَل أعدائه، ويَقتُله صغار القوم لا كبارهم، هذا كِبِر، وهل فوق رجل؟ والفوق والدُّوْن مسائل أو أشياء نسبية فوقه في الذل والمهانة والحقارة، قتله قومه أو قتلتموه، ويحتقرهم، وينتقصهم ويؤذيهم، فكيف إذا كان الذي تولى القتل من صغارهم؟

"متفق عليهما، واللفظ للبخاري.

 وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في أسارى بدر" معروف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في بدر، النتيجة أن قُتِل سبعون، وأُسِر سبعون، واختلفوا ماذا يصنعون بهؤلاء الأسارى؛ فمنهم من رأى القتل، ومنهم من رأى الفداء، واختلفوا في ذلك، ومال النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الفداء، وعوتب على ذلك,

 المقصود أن هؤلاء الأسرى حصل لهم الفداء، فمنهم من فدى نفسه بالمال، ومنهم من فدى نفسه بتعليم أولاد المسلمين.

 المقصود أن هؤلاء الأسرى قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في حقهم: «لو كان المطْعِم بن عدي» والد جبير الراوي «لو كان المطعم بن عَدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى» النتنى من النتَن، وهي الرائحة الكريهة الخبثاء الأنجاس الأرجاس؛ لأنهم كفار، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [سورة التوبة:28]، هؤلاء نجس نتنى خبثاء أرجاس أنجاس، هؤلاء يستحقون هذا الوصف، «لو كان المطعم بن عدي حيًّا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له»، المطعم بن عدي مات كافرًا، فهل فيه فرق بينه وبينهم؟ المطعِم بن عدي والد جبير بن مطعم له يد عند النبي -عليه الصلاة والسلام-، له يد عند النبي- عليه الصلاة والسلام-، ومن كانت له يد عند أحد فعليه أن يكافئه على هذه اليد، «من صنع إليكم معروفًا فكافئوه»، يريد أن يكافئه بإطلاق سراح هؤلاء الأسرى من دون قيد ولا شرط من غير قتل ولا فداء، هذه اليد للمطعم بن عدي على النبي، عند النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول أهل العلم: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة في عهده وحِلْفِه، لما جاء من الطائف دخل في عهد وحلف الجبير بن مطعم، وكان له من الأولاد أربعة، وأمر كل واحد أن يحمل سلاحه، ويلزم ركنًا من أركان الكعبة، ويشهر أن محمدًا دخل في عهد وذمة المطعم، ثم استجابت قريش لحلف المطعِم؛ لأنه ممن لا تُخْفَر ذمته عنده، فهذا قول، وهذا حاصل، والأمر الثاني أنه ممن سعى في نقض الصحيفة الجائرة المتضمنة لمقاطعة بني هاشم.

 وعلى كل حال سواء كان هذا أو ذاك أو هما معًا فهذه لا شك أنها يد ينبغي أن يكافأ عليها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر ذلك بعد وفاته.

 وعلى كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يفي بالعهد.

 «لتركتهم له» يعني بدون مقابل، "رواه البخاري.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- سرية وأنا فيهم" ابن عمر -رضي الله عنهما- حضر جميع الغزوات والسرايا، يبادِر اللهم إلا ما كان من غزوة بدر فإنه استصغر فيها قال: بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- سرية، السرية القطعة من الجيش تقدَّر بالأربعمائة وما حولها مما فوقها أو دونها من المقاتِلين، والسرية هي التي تسير ليلاً، ويقولون: إن التي تسير نهارًا يقال لها: سارية.

 سرية وأنا فيهم، والحال أني فيهم جملة حالية، "قِبَل نجد" يعني جهة نجد، "فغنموا إبلاً كثيرًا" هؤلاء السرية ظفروا بعدوهم وغنموا منهم غنائم كثيرة جدًّا "وكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرًا" اثنا عشر صحيح أم اثني عشر؟

طالب: .........

على رواية إلزام المثنى الألف.

طالب: .........

لا بد أن نقول: كان سهمانُهم اثني عشر بعيرًا، أو نقول: سهمانَهم اثنا عشر بعيرًا مثل ما يقال: «يوشك أن يكون خيرُ مال الإبل غنمًا أو خيرَ مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال»، على كل حال التعديل بالمعرب بالحركات أيسر من التعديل بالمعرب بالحروف.

"أو أحد عشر بعيرًا ونفلوا بعيرًا بعيرًا" لما قسمت الغنيمة صار نصيب كل واحد منهما أحد عشر بعيرًا أو اثنا عشر بعيرًا، ونفلوا بعيرًا بعيرًا يعني قدرًا زائدًا على ما ذكر، وبعض الروايات ما تذكر الأحد عشر، تقتصر على الاثني عشر، مما يدل على الاثني عشر بالنفل العدد اكتمال العدد اثني عشر بالنفل البعير الزائد.

 ومن الذي نفَّلهم هل هو أمير السرية، أو النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ من الروايات ما يدل على أن الذي نفلهم وزادهم على نصيبهم هو النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رجعوا إليه زادهم كل واحد بعيرًا، وبعض الروايات تقول: إن الذي نفلهم أميرهم، ويجمع بين هذه الروايات أن الذي أمرهم بالتنفيل هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي تولى ذلك بنفسه هو أمير السرية. "متفق عليه".

 وقال -رحمه الله-: "وعن سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة بن عامر الحروري" هذا من الخوارج نجدة بن عامر الحروري، "إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم"، مثل هذا يُحتاط في جوابه لاسيما إذا سأل عن شيء يتعلق بالقتال أو بالجهاد؛ لأن مذهب الحرورية معروف، الخروج على المسلمين، مثل هذا يحتاط في الجواب عن أسئلته، ولذلك لما حدَّث أنس بحديث العرنيين وهو بحضرة الحجاج، الإنسان قد يغفل عن مقتضى الحال في الحديث، ثم يتكلم بكلام يتمنى أن لو لم يتكلم بهذا الكلام ولو كان صحيحًا في هذا الظرف أو في هذا المكان، أو بوجود فلان أو علان؛ لأن من العلم ما لا يحسن نشره وبثه في كل مجال وفي كل مقام.

 مثل هذا نجد الحروري يحتاط في جوابه، الحسن البصري لام أنسًا -رضي الله عنه- حينما حدث بحديث العرنيين وهو في الصحيحين، متفق على صحته، لكن لا يقال في حضرة الحجاج؛ لأن هذه النصوص علاج، علاج لأدواء الأفراد والمجتمعات، فإذا وجدنا مجتمعًا أو فردًا فيه غلو، وفيه تطرف، فيه زيادة على القدر المشروع فإنه لا يحدَّث بأحاديث الوعيد، وإنما يغلّب عنده جانب الوعد؛ ليخف من غلوائه، بخلاف ما لو كان الإنسان يتحدث أمام مجتمع فيه تساهل وتراخٍ وتفريط، مثل هذا لو زيد في أحاديث ونصوص الوعيد؛ لكي يرتفع عنده نسبة ومستوى الإيمان؛ من أجل أن يعتدل، والمقصود التوسط والاعتدال.

 المقصود أن "نجدة بن عامر الحروري كتب إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يقسم لهما؟ وعن قتل الولدان، قتل الولدان، وعن اليتيم متى ينقطع عنه اليتم؟ وعن ذوي القربى من هم؟" {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [سورة الشورى:23]، يسأل من القربى؟

 يعني تجب علينا مودة القربى، آله -عليه الصلاة والسلام-، مودتهم علينا واجبة، وهم وصيته- صلى الله عليه وسلم-.

 المقصود أنه يسأل هذه الأسئلة، عن هذه الأسئلة الأربعة. "فقال ليزيد بن هرمز" ابن عباس: "اكتب إليه" اكتب إليه أجوبة لهذه المسائل، هات السؤال الأول، طيب لماذا كتب له ابن عباس ما تركه؟

 قال: "فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه، فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه"؛ لأن هذه الأسئلة حساسة بالنسبة لوضعه، لكن بعض الناس إذا كتب إليك فلم تكتب إليه، وعنده شيء من الانحراف يُخشى أن يزيد في هذا الانحراف، لكن إذا كتبت إليه وأنت ممن يُشَار إليه يؤثِّر هذا في نفسه، فلعل الله -جل وعلا- أن يكون هذا مدخلاً إلى قلبه، فيرجع عما كان عليه من مخالفة.

 "فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه، اكتب إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم هل يقسم لهما بشيء؟" هل هما من أهل القتال، من أهل الجهاد المرأة والعبد؟ هل هما من أهل الجهاد؟ ليسا من أهل الجهاد، ولذا لا نصيب لهما مفروضًا في المغنم.

 "إنه ليس لهما شيء إلا أن يحذيا" يعطيا من غير تقدير معيَّن كسائر الغانمين، "وكتبتَ تسألني عن قتل الولدان" هنا بيت القصيد، هذا المشكِل بالنسبة لنجدة وقوم نجدة، "وكتبتَ تسألني عن قتل الولدان، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقتلهم"، وقد جاء النهي منه -عليه الصلاة والسلام- عن قتل النساء والذرية، "وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقتلهم، وأنتَ فلا تقتلهم، وأنتَ فلا تقتلهم"، قد يقول نجدة أو غير نجدة: إن الخَضِر قَتَل الغلام، الخَضِر قتل الغلام، لماذا لا أقتل؟

فكان الجواب المسبق من ابن عباس، وهذا من ذكائه ونباهته -رضي الله عنه وأرضاه- قال: "إلا أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى من الغلام الذي قتله" صاحب موسى، وإن كان بشرًا لا يعلم الغيب إلا أنه فعل ذلك عن أمر الله -جل وعلا-، {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [سورة الكهف:82]، عندما قتل الغلام وفعل ما فعل خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار، فعل ما فعل كله بأمر الله -جل وعلا-، فإن كان عندك من أمر الله -جل وعلا- ما يخوِّلك بالنسبة لقتل الغلمان أنك تعلم أنهم في المستقبل يصعنون ما يصنعه هذا الغلام لو بقي فافعل، لكن دون ذلك خرط القتاد، هذا مستحيل، لا يمكن أن يقع لآحاد الناس بعد انقطاع الوحي بوفاته -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لا تفعل مثل هذه الأمور وتُرَتَّب الآثار على أي شيء غير الوحي لا على منامات ولا على إشاعات ولو كثر ناقلوها، ما يُرَتَّب عليها شيء.

 لو أن شخصًا رأى في المنام من يقول له: اقتل ولدك، وجاءت من جهات متبينة، جاءه رجل من المغرب فقال: رأيت في المنام من يقول: قل لفلان يقتل ولده، وجاء من المشرق من يقول: قل لفلان يقتل ولده، وجاء من الشمال والجنوب إلى أن بلغت المئات من الرؤى، ترتب الآثار؟ يمكن أن هؤلاء لم يتواطؤوا على هذه الرؤى؟

 ما اجتمع عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وكلهم جاؤوا برؤيا واحدة، هل يجوز أن يعتمد على هذه الرؤى ولو كثر ناقلوها، وتباينت مصادرهم وجهاتهم واستحال تواطؤهم على الكذب؟

لا يمكن، لماذا لأنه يكون المصدر واحدًا، وهو الشيطان تراءى لهؤلاء كلهم في أقطار كثيرة، فهذه الرؤى وهذه المنامات وهذه الإشاعات ولو كثر ناقلوها لا يترتب عليها حكم شرعي، فبعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- الرؤى لا يحكم بها.

 قد يقول قائل: إن الأذان الذي نسمعه في كل يوم خمس مرات بُنِي على رؤيا، رؤيا عبد الله بن زيد، نقول: هذه الرؤيا اكتسبت الشرعية بإقراره -عليه الصلاة والسلام-، اكتسبت الشرعية بإقراره- عليه الصلاة والسلام-، فلا أحد يعلم الغيب إلا الله -جل وعلا-، إذا كان إنسان يعرف ما يعرف مثل أناس يمشون على الجمر يزعمون هذا، يزعمون أنهم عندهم من التدريب والمران ما يجعلهم يمشون على الجمر، في أمور حسية ومعنوية يزعمون هذا، نقول: هل يستطيع أن يقول: إنه وصل إلى مرتبة من تخرق له العادة كإبراهيم -عليه السلام-؟

 ما يمكن أن يدعي هذا أحد.

 "وكتبتَ تسألني عن قتل الولدان، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقتلهم"، فإن كنت تبحث عن هدي غير هديه -عليه الصلاة والسلام- فاصنع ما شئت، وإن كنت تبحث عن هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا هديه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقتلهم، "وأنت فلا تقتلهم" إن كنت تريد الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فلا تقتلهم، إلا أن تعلم إن كان هذا عندك موجود إلا أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى، الخضر، كما ذكر الله -جل وعلا- عنه في أواخر سورة الكهف، وفي الأحاديث الصحيحة في البخاري وغيره من التفصيل لهذه القصة ما لا يوجد في كتاب الله -جل وعلا-، والسنة تفسر القرآن، من الغلام الذي قتله.

 والمسألة التي تليها: "وكتبت تسألني عن اليتيم متى ينقطع عنه اسم اليتم؟" لا يتم بعد احتلام، اليتيم من بني آدم من مات أبوه قبل الاحتلام، أما إذا احتلم فإنه لا يتم بعد الاحتلام وإلا كان كل الناس أيتام، فهل ندخلهم في النصوص؟ كل الناس أيتام، بعد الاحتلام يستقل بنفسه، ويكون رجلاً كامل المسؤولية، وتصرفاته له وعليه.

 قال: "وكتبت تسألني عن اليتيم متى ينقطع عنه اسم اليتم أو اسم اليتيم؟ وأنه لا ينقطع عنه اسم اليتيم حتى يبلغ" يبلغ الحنث، "ويؤنس منه رشد" أن يبلغ سن التكليف.

 "وكتبت تسألني عن ذوي القربى مَن هم؟ وإنا زعمنا أنا هم"، يعني من بني العباس بني هاشم هم ذوو القربى هم ذوو القربى، وحديث الكساء حينما جمع النبي -عليه الصلاة والسلام- العباس وعليًّا ومن معهم دل على أنهم هم قرابته، وهل هناك فرق بين ذوي القربى وآل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ذوو القربى أخص من الآل، ذوو القربى أخص من الآل.

 قال: "وإنا زعمنا أنا هم"، يعني أننا هم، "فأبى ذلك علينا قومنا"، من يدعي أنه من ذوي القربى ويحضِر البينة على دعواه تترتب عليه آثار هذه الدعوى، فيستحق نصيبه من الخُمُس، ويُحرَم من الزكاة، له نصيبه من الخمس، ويحرم من الزكاة؛ لأنها أوساخ الناس، لكن من ادعى أنه من ذوي القربى أو من آله -عليه الصلاة والسلام- ولم تكن لديه بينة يصدَّق قوله عليه لا له؛ لأنه تقبل شهادته واعترافه على نفسه، لكن لا تقبل شهادته على نفسه، لكن لا تقبل له، وحينئذ في مثل هذه الصورة يحرم من الزكاة بإقراره، ولا يعطى من الخمس حتى يحضر البينة.

 "رواه مسلم.

 وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لغدوة»" السير في أول النهار بالغدو «في سبيل الله أو روحة»، يعني في آخر النهار، «خير من الدنيا وما فيها»، غدوة في أول النهار تسير إلى الجهاد في سبيل الله أو في آخره، «خير من الدنيا وما فيها»، شأن الجهاد في الإسلام عظيم، وهو ذروة سنام الإسلام، وليس بكثير أن يقال: غدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، فالدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء، لكنها أحقر عند الله من هذا الجناح الضعيف، جناح البعوضة، لكن من يقدر هذا الكلام قدره؟

 لو صليت ركعتي الفجر في دقيقتين؛ لأن من صفتهما التخفيف، ثم جاءك شخص يقول لك: هذا شيك بمليون ريال، بهاتين الركعتين، الميزان الشرعي إن بعت فأنت مغبون؛ لأن هاتين الركعتين خير من الدنيا وما فيها، لكن في مقاييس الناس وعرفهم مليون يمكن أن يكدح مائة سنة ما حصل مليونًا، وهاتان ركعتان، يقول: نأتي بدلهما بدقيقتين، لكن هل العبرة بموازين الناس أو العبرة بالميزان الشرعي؟

بالميزان الشرعي بلا شك ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، ونحن لا نستشعر عظمة هذه المفاضلة، تجد الإنسان تفوته ركعتا الفجر لأيسر الأسباب وأتفه الأسباب، ولا يحرص عليها، لكن لو فاته جزء يسير من الدوام يعرف أنه يحسم عليه مقابل هذا الجزء اليسير، تجده يأتي قبل الوقت حرصًا على هذا الحطام الفاني.

 «غدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» هل نقدر قدر هذه الدنيا وما يقابلها من أمور الآخرة مما يقربنا إلى الله -جل وعلا-؟ كثير من المسلمين في غفلة، في غفلة من هذا الأمر.

 سعيد بن المسيب سعيد بن المسيب إمام التابعين الذي يرى جمع من أهل العلم أنه أفضل التابعين على الإطلاق، وبعضهم يفضِّل عليه أويس القرَني؛ لما جاء في صحيح مسلم في حقه، وعلى كل حال إن لم يكن أفضل فهو من أفضل التابعين، جاءه من يخطب ابنته لابن الخليفة ابنته علمها وأدبها فهي فقيهة.

 المقصود أنه جاء من يخطبها لابن الخليفة، ميزان ابن الخليفة في عرف الناس ذكره السفير بينهما قال: يا سعيد، جاءتك الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يخطب ابنتك، لكن سعيد بن المسيب يعرف قدر هذه الدنيا، ماذا قال؟ قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟ وعنده طالب من طلابه فقير لا يملك شيئًا ألبتة، فجهز البنت وأدخلها وزفها إلى هذا الطالب الذي لا يملك شيئًا.

 هؤلاء الذي يعرفون قدر الدنيا، أما نتشبث بأدنى شيء، ونغفل عما خلقنا من أجله بسبب هذه الدنيا، لا بد أن نعرف حقيقة ما خلقنا له، ونعرف حقيقة الدنيا، نعم ما خلقنا له يتطلب شيئًا من الدنيا؛ لأن أمور الدين لا يمكن أن تقوم بدون شيء يوصلنا إلى الآخرة، يعيننا على السير إلى الله -جل وعلا-، ولذا جاء قول الله -جل وعلا-: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77]. لا يعني هذا أن تركن إلى الدنيا بحيث تحتاج بأن يقال لك: لا تنس نصيبك من الآخرة، لا، حقق الهدف الذي لأجله خلقت، ومن تحقيق الهدف ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب من نصيبك من الدنيا؛ لئلا تكون عالة على الناس تسأل الناس، وتتكفف الناس.

 "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان بن فلان»" الغدر من عظائم الأمور، ومن الموبقات الكبار بعد أن يعطي العهد، ويؤمِّن الخصم يغدر به، وإذا أُريد نقض العهد انبذ إليهم على سواء بحيث تستوي أنت وخصمك فيما تريد فلا يجوز أن تغدر به، «لكل غادر لواء، ويقال: هذه غدرة فلان بن فلان»، ولما كان الغدر أكثر ما يكون في أحوال القتال والجهاد؛ لأنه يحتاج إليه للانتصار على العدو في تقدير بعض الناس نُص عليه، وذكر الخبر هنا؛ ليكون المجاهد في سبيل الله على ذكر من هذا الخبر «هذه غدرة فلان بن فلان» يعني يفضح بين الخلائق.

طالب: ...........

نعم.

 "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى بني لحيان؛ ليخرج في كل رجلين رجل".

 يعني واحد يخرج للجهاد، وواحد يبقى للحراسة، حراسة البيوت والأسر من أن ينقض عليهم عدو في كل رجلين رجل ثم قال للقاعد؛ لأن الناس في ذلك العصر، وهذا موجود في كل عصر، لكنه هناك أظهر، قد يقول قائل: أخي يذهب إلى الجهاد، وأنا أُخَلَّف وأجلس، ما ذنبي أنا مثله أريد أن أجاهد، فجاء تطييب خاطره.

 "ثم قال للقاعد: «أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج»" يجلس بدون مقابل يريد الجهاد مثل ذاك فطيب خاطره وقلبه بأن جعل له من الأجر نصف أجر المجاهد.

 "رواه مسلم."

ونقف على حديث أبي موسى.

وننتهي بهذا القدر.

 والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.