شرح العقيدة الطحاوية (70)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام الطحاوي-رحمه الله تعالى-:(ثُمَّ لِعُثْمَانَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)".

قال الشارح –رحمه الله تعالى-: "أَيْ وَنُثْبِتُ الْخِلَافَةَ بَعْدَ عُمَرَ لِعُثْمَانَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، وَقَدْ سَاقَ الْبُخَارِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- قِصَّةَ قَتْلِ عُمَرَ-رَضِيَ اللَّهُ- عَنْهُ، وَأَمْرَ الشُّورَى وَالْمُبَايَعَةِ لِعُثْمَانَ، فِي صَحِيحِهِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْرُدَهَا، كَمَا رَوَاهَا بِسَنَدِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ -رضي الله عنه- قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِالْمَدِينَةِ بِأَيَّامٍ، وَوَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَثِيرُ فَضْلٍ، قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ :لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهِلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا، قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ.

قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ: اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ، أَوِ النَّحْلِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :قَتَلَنِي، أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ، لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَشِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ، حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ، نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرُ فَقَدْ يرى الَّذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلَاةً خَفِيفَةً".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فقصة قتل عمر، قصةٌ مشهورة مروية في الصحاح والسنن وغيرها من كتب التواريخ والسير، وهذه منقولة من البخاري، والذي طعنه كما هو معروف أبو لؤلؤة اسمه فيروز، مجوسي مقدسٌ ومقدمٌ عند الشيعة، وله ضريحٌ يزار ويطاف به، وتُقدم له القرابين؛ لأنه فعل فعلاً لم يفعله أحد، فقتل العدو اللدود للمجوس المشركين، وفتح بلدانهم وأرغمهم على الدخول في الإسلام، فهو الذي مسح المجوسية، وقضى على الفرس، فهو أشد عدوٍ لهم، وتصنيفهم لساكني النار عمر أسفل واحد، ثم أبو بكر، ثم إبليس فوقهم –نسأل الله العافية-؛ ولذا الذي أحسن عليهم وإليهم صنعوا به ما صنعوا، أبو لؤلؤة المجوسي الخبيث الذي طعن عمر، وطعن بضعة عشر من الصحابة، ثم قتل نفسه –نسأل الله العافية- عمر –رضي الله عنه- استخلف عبد الرحمن بن عوف في تكميل الصلاة، ويقول: فما أن كبر، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني، وهو في السابق يقول: وربما قرأ سورة يوسف أو النحل، يعني في أيام مضت، أما في هذه الصلاة فبمجرد أن كبر طعنه الخبيث؛ لأنه قد يقول قائل: ربما قرأ سورة يوسف أو النحل يعني هذه عادته –رضي الله عنه وأرضاه-؛ ليجتمع الناس في الركعة الأولى.

 ولو يقرأ الآن إمام من الأئمة ورقة تضايق الناس وملوا وانتقلوا إلى غيره، وعمر يقرأ سورة يوسف، سورة يوسف جزء إلا ثلث، والنحل جزء إلا ربع، تحتاج مع الترتيل يعني بدون ترتيل تحتاج مع الهذ إلى عشر دقائق، وبالترتيل ما يكفيها ثلث ساعة، هذا في الركعة الأولى، وقل نصف المقدار في الركعة الثانية، المقصود أنّا لا نستطيع أن نقارن حالنا بحال السلف؛ لأن الناس مع طول العهد دب إليهم الملل، ثقلت عليهم العبادات؛ ولذا أوصى النبي –عليه الصلاة والسلام- معاذًا أن يقول: «اللهم أعني على ذكر وشكرك»، فالذي لا يُعان على الذكر وعلى الشكر وعلى حسن العبادة تثقل عليه، وبدلاً من أن يقول النبي –عليه الصلاة والسلام-: «أرحنا يا بلال بالصلاة» كثيرٌ منا لسان حاله ولو لم ينطق بذلك "أرحنا من الصلاة"، وسمعنا من يقول: صلوا يا إخوان خلونا نرمي همّ الصلاة، هذه أرحنا منها سمعنا هذا قيل باللفظ، والله المستعان. 

المقصود أن عمر –رضي الله تعالى عنه- لما طُعن، واستخلف عبد الرحمن بن عوف صلى بهم صلاةً خفيفة؛ لأن الظرف لا يحتمل التطويل، والقلوب مشغولة بالحدث، فلو طول القلوب ما هي بحاضرة، فيصلي صلاة خفيفة مجزئة مسقطة للطلب، والحمد لله، يعني صحيحة مجزئة، وأما التطويل فله وقته إذا فرغ القلب، وارتاحت النفس، وأقبل الإنسان على صلاته، لكن من يملك القلب الذي يقبل على صلاته وإمام المسلمين وأميرهم وولي أمرهم مقتولٌ أمامهم، نعم الذي يعرف الذي حدث هم القريبون منه في الصف الأول والثاني وما يليه، لكن البعيدون ما يدرون الذي حصل، فيسبحون، انقطع الصوت، صاروا يسبحون سبحان الله سبحان الله، وهكذا يفعل المصلي إذا نابه شيء ينبه الإمام بسبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاةً خفيفة، فلما انصرفوا، نعم.

طالب:.........

الصلاة عند العموم لها شأن، لكن بعض الناس يطيش قلبه، ولا شك أنه إذا احتيج إليه مثل لو وجد شخص مطعون يمكن إسعافه، واقتضى ذلك تأخير الصلاة، لا مانع من تأخير الصلاة، لمن يسعف.

طالب: يقطعونها يعني.

يقطعها ولو من أجل.. يقطعها القدر المحتاج إليه ليس كلهم.

"قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي؟ فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلَامُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ! لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ".

ما ادعى الإسلام، وادعيت له الولاية من أعظم الأولياء عند الشيعة الرافضة الاثني عشرية، قاتلهم الله.

قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرُهُمْ رَقِيقًا، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْت؟ أَيْ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا؟ فقَالَ: كَذَبْتَ! بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلُّوا قِبْلَتَكُمْ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ".

يعني بعد أن أسلموا صار لهم حكم غيرهم من المسلمين.

طالب: أحسن الله إليك، أيش معنى إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا؟ هنا.

مادام هؤلاء العلوج الذين يُخشى منهم الضرر البالغ على المسلمين، إن شئت يعني طهرنا البلاد منهم، لكن بعد ما أسلموا لا يمكن، صار لهم أحكام غيرهم من المسلمين.  

 "فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: لَا بَأْسَ عَلَيْهِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ".

إذا خرج الشراب على صفته من الجوف فانتهى، إن لم يتدارك بخياطةٍ ونحوها، لكن في ذلك الوقت ما في شيء.

طالب:........

إذا خرج من جوفه.

طالب:........

من جوفه، فخرج من جوفه، فشربه فخرج من جوفه، وهو جعل الطعنة في جوفه -رضي الله عنه وأرضاه-.

"فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدَمٍ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ".

ولهذا القتل وهو في المحراب، لا شك أنه شهادة مثل هذا، هو أُلف في هذه القصة- ما أدري من المؤلف، لكن كتابٌ رأيته وما قرأته اسمه شهيد المحراب عمر بن الخطاب.

طالب:........

مطعون طُعِن، لا المطعون الذي وردت به الشهادة من مات بالطاعون.

طالب: ما سبب الحكم بالشهادة يا شيخ؟

سبب الحكم بالشهادة أنه قتل في دفاعه عن الإسلام، ما هي بشهادة القتيل في المعركة بحيث لا يغسل ولا كذا لا، وكله رجاء.

 "قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كَفَافًا، لَا عَلَيَّ وَلَا لِيَ، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الْأَرْضَ، قَالَ: ردُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ".

في هذا الظرف ما غفل عمر-رضي الله عنه- عن الإنكار عليه، فمن عاش وشب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء وعاش عليه مات عليه، الإمام أحمد –رحمه الله- وهو في السياق طلب الوضوء، أشار إليهم أنه يريد الوضوء، فحملوه إلى محل الوضوء، فوضؤه، فلما غسلوا رجليه أشار بأصبعه يريد التخليل، تخليل الأصابع وهو في السياق، الشيخ ابن باز وهو في آخر حياته يمكن ما بقي إلا نصف ساعة أو أقل، أشار إليهم أنه يريد الوضوء، فألبسوه النعل اليسرى، ثم اليمنى فخلع اليسرى؛ لتكون اليمنى هي التي تلبس أولاً، هكذا من يعيش للسنة يموت عليها.

وعمر –رضي الله عنه- وهو في السياق ينكر يا غلام ارفع ثوبك؛ لأنه مسبل.

"يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ؟ فَحَسَبُوهُ، فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا وَنَحْوَهُ".

بيت المال بيده وتحت تصرفه ويموت مديون، أبو بكر كان تاجرًا قبل الخلافة، فلما ولي الخلافة كان عطاؤه من بيت المال يوميًّا نصف شاة هذه الوظيفة، والشاة بدرهم، نقول: بألفين الشاة الآن، لا الشاة بدرهم في ذاك الوقت.  

"قَالَ: إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ، فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلَّا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ، فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ، انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، وَلَا تَقُلْ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا، وَقُلْ : يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلَأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ قَدْ جَاءَ، قَالَ: ارْفَعُونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، قَالَ. مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ. الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَحب إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخَلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسْرُبُ مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ، فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً".

كان المأذون به هو دمع العين وحزن القلب، الذي قال عنه النبي-صلى الله عليه وسلم-: «إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع» لكن ما هو بالصياح المعروف عند سفهاء الناس من صراخ، ونتفٍ للشعر، وضربٍ للخد، وما أشبه ذلك من النياحة.

 

"وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلًا لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ؟ قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ : يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ، فَإِنْ أَصَابَتِ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ".

جاء من يقول: لعمر –رضي الله عنه- استخلف عبد الله بن عمر، فقال له: كذبت يا عدو الله، والله ما أردت بذلك وجه الله.

"وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا، الَّذِينَ تَبَوَّؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ. وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ، وَجُبَاةُ الْأَمْوَالِ، وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ، عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ، وَأَنْ يُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ، أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ".

يعني بذلك أهل الذمة.

"وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ، فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ، فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ؟ الْخَطَّابِ قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ، فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عوف : اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ، قَالَ الزُّبَيْرُ : قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ طَلْحَةُ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ :قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ :أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ؟ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ؟ وَاللَّه عَلَيَّ أَنْ لَا آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

يريد بذلك عليًّا -رضي الله عنه-.

 "لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالْقِدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَبِاللَّهِ عَلَيْكَ، لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ؟ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عليك لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ؟ ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ، قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ، فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عَلَيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ.

وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ  أَخْبَرَهُ أَنَّ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا وَتَشَاوَرُوا، وقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ :لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمِ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ؟ فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ، مَالَ النَّاسُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ".

أبو عبيدة بن الجراح تُوفي قبل ذلك قبل هذه الحادثة؛ ولذا يُذكر عن عمر –رضي الله تعالى عنه- أنه قال: لو كان أبو عبيدة حيًّا لوليته، فإني سمعت رسول الله –صلى الله عيه وسلم- يقول: «هو أمين هذه الأمة».

 "وَمَالَ النَّاسُ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي، حَتَّى إِذَا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا فِيهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَان،َ قَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا؟! فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ الثَّلَاثَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ لِي الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ، فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِي".

كيف تكتحل عينه بالنوم، وهم يبيتون ليالي بلا خليفة؟!

 "فَقَالَ: ادْعُ لِي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى النَّاسُ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَقوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا عَلِيُّ، إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ، فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا، فَقَالَ لِعُثْمَانَ :أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ و سُنَّةِ َرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ.

وَمِنْ فَضَائِلِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الْخَاصَّةِ: كَوْنُهُ خَتَنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ابْنَتَيْهِ.

......

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِة، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ على تلك الحالة، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ :دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهَشَّ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ؟ فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ»". 

 قال: ابن حجر-رحمه الله-: قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَهَادَةٌ (بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتُ، وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى صُحْبَةٍ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ: ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ.

قَوْلُهُ: (لَا عَلَيَّ وَلَا لِي).

طالب:.........

نعم «فإنما عليك نبيٌ وصديقٌ وشهيدان». مشهودٌ له بالشهادة، ومشهودٌ له بالجنة -رضي الله عنه وأرضاه-.

"وَفِي الصَّحِيحِ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- كَانَ قَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ الْيُمْنَى: «هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ»، فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ: «هَذِهِ لِعُثْمَانَ».

تفضيل عثمان -رضي الله عنه- على علي، هو مذهب جماهير أهل السنة من سلف الأئمة وأئمتها، ونفرٌ يسير من أهل العلم المنتسبين من أهل السنة فضلوا عليًّا على عثمان، حتى قيل: من فضل عليًّا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، فلا شك في تفضيل عثمان على علي، مع أن عليًّا –رضي الله عنه وأرضاه- له من المواقف، وله من السابقة، وله من قدم في الإسلام ونصر للدين وأهله، وعلم وعمل، ومصاهرة للنبي-عليه الصلاة والسلام- فضائل لا تخفى، وقد أخبر النبي –عليه الصلاة والسلام-: «أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، وهو من النبي –عليه الصلاة والسلام- بمنزلة هارون من موسى -عليهما السلام ورضي الله عنهم وأرضاهم جميعًا-.

يقول ابن أبي داود:

ورابعهم خير البرية بعدهم

 

علي حليف الخير بالخير يمدح

ثم ذكر الستة

سعيدٌ، وسعدٌ، وابن عوف، وطلحةٌ          وعامر فهرٍ، والزبير الممدح

تكلم عن العشرة.

هو أخرج اليهود والنصارى، المسألة ما تتم بيوم أو يومين، يعني تحتاج إلى إجراءات،... ولهذا وجد مثل هذا، ولعل كونه له صلة بالعباس –رضي الله عنه وأرضاه- وإن كانت الأصل أنهم يخرجون من جزيرة العرب، والنية أن يخرجهم، ما نوى –رضي الله عنه - أن يبقي أحدًا، لكن {لِيَقضِيَ اللَّـهُ أَمرًا كانَ مَفعولًا} [سورة الأنفال:42]. {وَاللَّـهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ} [سورة يوسف:21].

"قَوْلُهُ: (ثُمَّ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

أَيْ: وَنُثْبِتُ الْخِلَافَةَ بَعْدَ عُثْمَانَ لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَبَايَعَ النَّاسُ عَلِيًّا صَارَ إِمَامًا حَقًّا وَاجِبَ الطَّاعَةِ".

ذكر قصة مقتل عمر –رضي الله عنه-، ولم يذكر قصة مقتل عثمان؛ لأنها فتن متراكمة وظلمات بعضها فوق بعض-والله المستعان-، شيء ما يخطر على البال أن يُقتل الخليفة، وله من المناقب والمآثر بين المهاجرين والأنصار بوفرتهم ووجودهم، ويُدفن خُفية، ويُنزل عليه في قبره، يدفن خارج البقيع، ويُنزل عليه في قبره، وتُكسر أضلاعه، هذا شيء يطيش له العقل، ويجعلنا لا نستغرب ولا نستكثر ما يحصل الآن، من إبادة للمسلمين ومن تسلط عليهم.

"وَبَايَعَ النَّاسُ عَلِيًّا صَارَ إِمَامًا حَقًّا وَاجِبَ الطَّاعَةِ".

استشيرت عائشة –رضي الله عنها- كما في الصحيح بعد قتل عثمان فأشارت بعلي، فلم يمنعها ما تجده في نفسها عليه بسبب قصة الإفك أنه قال للنبي-عليه الصلاة والسلام-: النساء غيرها كثير، فوجدت في نفسها، وفي قصة مرضه –عليه الصلاة والسلام- فخرج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بين العباس وآخر، وهو علي، لكن اسمه كأنه فيه شيء على نفسها، ومع ذلك لما استشيرت قالت: علي –رضي الله عن الجميع-، فالذي يحكمهم ويسيِّرهم هو الدين لا الهوى. 

"وَهُوَ الْخَلِيفَةُ فِي زَمَانِهِ خِلَافَةَ نُبُوَّةٍ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَفِينَةَ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ، أَنَّهُ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ». 

وَكَانَتْ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَخِلَافَةُ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا، وَخِلَافَةُ عُثْمَانَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَخِلَافَةُ عَلَيٍّ أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَخِلَافَةُ الْحَسَنِ ابْنِه سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

وَأَوَّلُ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ مُعَاوِيَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَهُوَ خَيْرُ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّهُ إِنَّمَا صَارَ إِمَامًا حَقًّا لَمَّا فَوَّضَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُا- الْخِلَافَةَ، فَإِنَّ الْحَسَنَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَايَعَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، ثُمَّ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وظَهَرَ صِدْقُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ». وَالْقِصَّةُ مَعْرُوفَةٌ فِي مَوْضِعِهَا.

فَالْخِلَافَةُ ثَبَتَتْ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَعْدَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِمُبَايَعَةِ الصَّحَابَةِ، سِوَى مُعَاوِيَةَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ".

وجود المخالف لا ينفي أن تكون البيعة شرعية؛ لأنه مادام بايعه أهل الحل والعقد من جمهور الصحابة وكبارهم، فلا يمنع من مخالفة من خالف باجتهادٍ منه، ومع ذلك فالحق مع علي– رضي الله عنه- ومن بايعه.

"وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَإِنَّ عُثْمَانَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا قُتِلَ كَثُرَ الْكَذِبُ وَالِافْتِرَاءُ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلَى مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَعَظُمَتِ الشُّبْهَةُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْحَالَ، وَقَوِيَتِ الشَّهْوَةُ فِي نُفُوسِ ذَوِي الْأَهْوَاءِ وَالْأَغْرَاضِ، مِمَّنْ بَعُدَتْ دَارُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَمُحِبِّي عُثْمَانَ تَظُنُّ بِالْأَكَابِرِ ظُنُونَ سُوءٍ".

هذه عادة الأتباع، كل ينتصر لمتبوعه، ويتعصب له، ويسمع من الطرف الآخر كلامًا لا يعجبه، فيقوى في نفسه ما لديه من شهوة، والطرف الآخر يسمعك، وهكذا هذه عادة الأتباع، حتى في المسائل العلمية عند الأئمة، الأئمة ما بينهم خلاف، والخلفاء ما بينهم خلاف، لكن هؤلاء الأتباع هم الذين يستوشون هذه الأمور ويشيعونها ويزيدون وينقصون، ثم تكون الفتن.

 "وَبُلِّغَ عَنْهُمْ أَخْبَارًا، مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّفٌ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يُعْرَفْ وَجْهُهُ، وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَهْوَاءُ قَوْمٍ يُحِبُّونَ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ. وَكَانَ فِي عَسْكَرِ عَلِيٍّرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنْ أُولَئِكَ الطُّغَاةِ الْخَوَارِجِ، الَّذِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ، مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ، وَمَنْ تَنْتَصِرُ لَهُ قَبِيلَتُهُ، وَمَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ بِمَا فَعَلَهُ، وَمَنْ فِي قَلْبِهِ نِفَاقٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِظْهَارِهِ كُلِّهِ".

والمدار كله على هذا، سبب الخلاف بينهم على هذا، علي لما بُويع طُولب بدم عثمان، وأن يقتل القتلة، وأن يقتص منهم، هؤلاء القتلة منهم من لم يُعرف بعينه، ومنهم من يخشى الشر من انتصار قبيلته له فتزداد الفتن وإراقة الدماء، ومنهم من لم تقم عليه حجة ليقام عليه الحد، فأرجأ علي –رضي الله عنه- النظر في قضية عثمان حتى يستتب الأمر، ولذلك هم يريدونه يُعجِّل، فوجد الشيطان مدخلًا، ووجد الأتباع ما يوشون به ويثيرون به هذه الفتنة ويزيدون فيها، والله المستعان، ليقضي الله أمرًا.. ثلاثون سنة، يعني بعد وفاته –عليه الصلاة والسلام- سنة إحدى عشرة، وقتل عثمان سنة خمسة وثلاثين، خمس وعشرون سنة ربع قرن.

 في الصدر الأول في الخلافة الراشدة حصل القتل وحصل قبل ذلك، بقتل عمر –رضي الله عنه- فلا نستغرب ولا نستكثر أن توجد هذه الحوادث وهذه الفتن التي تحصد في المسلمين تبيد خضراءهم وتفرقهم، وتصدهم عن دينهم بأيدي مسلمين وغير مسلمين مع الأسف.

وإذا نظرنا إلى حالنا في هذه البلاد، نجد أن حالنا على ما مر التاريخ من أحسن الأحوال، يعني من سنة واحد وخمسين إلى وقتٍ قريب الأمن مستتب، والدين منصور، والتوحيد قائم، والعقيدة- ولله الحمد- صافية، كم سنة؟ حوالي ثمانين سنة، ولا يعني هذا أننا أفضل ممن سبقنا، أو أفضل من المسلمين في بعض القرون وفي بعض الجهات لا، لكن هذه النتيجة ثمرة تحقيق التوحيد {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}  [سورة النور:55].

{الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولـئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ} [سورة الأنعام:82]. والله المستعان، ما الذي بقي علينا؟ أن نحافظ على السبب، الذي وجد به هذا الأمن المستتب، فهذا واجبنا وواجب جميع طوائف الناس من حكام ومحكومين، من علماء وعامة، من كبار وصغار، رجال، نساء، علينا أن نتكاتف على تحقيق السبب الذي يستمر به هذا الأمر، وهو تحقيق التوحيد.       

"وَرَأَى طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُنْتَصَرْ لِلشَّهِيدِ الْمَظْلُومِ، وَيُقْمَعْ أَهْلُ الْفَسَادِ وَالْعُدْوَانِ، وَإِلَّا اسْتَوْجَبُوا غَضَبَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ. فَجَرَتْ فِتْنَةُ الْجَمَلِ عَلَى غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ عَلِيٍّ، وَلَا مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا أَثَارَهَا الْمُفْسِدُونَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ السَّابِقِينَ، ثُمَّ جَرَتْ فِتْنَةُ صِفِّينَ لِرَأْيٍ، وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَمْ يُعْدَلْ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَا يُتَمَكَّنْ مِنَ الْعَدْلِ عَلَيْهِمْ - وَهُمْ كَافُّونَ، حَتَّى يَجْتَمِعَ أَمْرُ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُمْ يَخَافُونَ طُغْيَانَ مَنْ فِي  الْعَسْكَرِ، كَمَا طَغَوْا عَلَى الشَّهِيدِ الْمَظْلُومِ، وَعَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- هُوَ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ الْمَهْدِيُّ الَّذِي تَجِبُ طَاعَتُهُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ، اعْتَقَدَ أَنَّ الطَّاعَةَ وَالْجَمَاعَةَ الْوَاجِبَتَيْنِ عَلَيْهِمْ تَحْصُلُ بِقِتَالِهِمْ، بِطَلَبِ إمام أن لو أصر عَلَيْهِمْ، بِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ أَدَاءُ الْوَاجِبِ، وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ التَّأْلِيفَ لَهُمْ كَتَأْلِيفِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

أهل الشام انتظروا بالبيعة حتى يستتب الأمر، ويؤخذ للمظلوم حقه، ثم يبايعون، لكن أمير المؤمنين رأى أنهم تخلفوا عن البيعة، وفي هذا نوع عصيان وشق لعصا الطاعة، فأراد أن يجبرهم ويرغمهم على الدخول في بيعته –رضي الله عنه- وهو محق في ذلك، الخليفة لو ترك بعض الناس ما يبايعون وبدون والٍ ضاعت الأمور، سوف يطلب أناسٌ آخرون مثلهم- نحن أيضًا لن نبايع حتى نرى- فلا بد من إذعان الجميع.

 "وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ مِمَّا يَسُوغُ، فَحَمَلَهُ مَا رَآهُ - مِنْ أَنَّ الدِّينَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ وَمَنْعِهِمْ مِنَ الْإِثَارَةِ، دُونَ تَأْلِيفِهِمْ-: عَلَى الْقِتَالِ".

لأنها فتنة، وجاءت النصوص بأن القعود في الفتن أفضل من القيام وهكذا، وهذا صنيع سعد- رضي الله عنه-.

"وَقَعَدَ عَنِ الْقِتَالِ أَكْثَرُ الْأَكَابِرِ، لِمَا سَمِعُوهُ مِنَ النُّصُوصِ فِي الْأَمْرِ بِالْقُعُودِ فِي الْفِتْنَةِ، وَلِمَا رَأَوْهُ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي تَرْبُو مَفْسَدَتُهَا عَلَى مَصْلَحَتِهَا. وَنَقُولُ فِي الْجَمِيعِ بِالْحُسْنَى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سورة الْحَشْرِ:10].

وَالْفِتَنُ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِهِ قَدْ صَانَ اللَّهُ عَنْهَا أَيْدِيَنَا، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَصُونَ عَنْهَا أَلْسِنَتَنَا، بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

 وَمِنْ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَلِيٍّ :«أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي». وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، قَالَ: فَتَطَاوَلْنَا لَهَا، فَقَالَ: «ادْعُوا لِي عَلِيًّا»، فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَد، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ. 

وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}  [سورة آلِ عِمْرَانَ:61]، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي».

قَوْلُهُ: (وَهُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَالْأَئِمَّةُ الْمَهْدِيُّونَ)".

الآن لما نزلت الآية، النبي –عليه الصلاة والسلام- من دعا؟ دعا المقربين والأقربين إليه، عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا، الآيةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}  [سورة آلِ عِمْرَانَ:61]. بعض من في قلبه مرض المتبع للشبهات، قال: في الآية ما يدل على جواز الاختلاط؛ الآن الحديث مفسّر للآية، فهل في تفسير الآية ما يدل على وجود امرأة أجنبية مع رجل أجنبي؟

طالب: ما فيه.

لكن أهل الزيغ إنما يتبعون ما تشابه، والله المستعان.

طالب:........

على كل حال الكلام لا يجدي، كلام أهل العلم.. كلنا نتمنى أنه لم يُرَق دم في الإسلام، لكن الذي حصل بإرادة الله ومشيئته الكونية، وإن لم تكن الإرادة الشرعية.

طالب:........

ومنع عن الدفاع عنه؛ لأنه لو وُجد من يدافع لكثرت الإراقة للدماء، وهو يريد أن يحقن دماء المسلمين، ويضحي بنفسه من أجلهم، وهذه من مناقبه -رضي الله عنه وأرضاه-.

طالب: والآن يا شيخ يوجد من يبيد شعبه من أجل أن يبقى في الحكم.

معروف، الأمور القائمة الآن ما يمكن أن تنزل على نصوص ولا تنزل على شيء، كلها بسبب أهواء وأطماع دنيوية ومقاصد ومآرب، ووراءها من وراءها من الأعداء والكفار، والله المستعان. نأخذ هذا ولا نقف عليه؟

طالب: صفحة ونصف.

اتْلُها.

"تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ  فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».

وَتَرْتِيبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ- فِي الْفَضْلِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ، وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- مِنَ الْمَزِيَّةِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلَمْ يَأْمُرْنَا فِي الِاقْتِدَاءِ فِي الْأَفْعَالِ إِلَّا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي:أَبِي بَكْرٍ وَعُمَر»، وَفَرْقٌ بَيْنَ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِمُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَحَالُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَوْقَ حَالِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ، وَلَكِنْ ظَاهِر مَذْهَبِهِ تَقْدِيم عُثْمَانَ، وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ.

من أهل السنة من يقدم عليًّا على عثمان وهو معروفٌ عن ابن خزيمة وجمع من أهل العلم، لكن جماهير أهل العلم من أهل السنة من، المتقدمين والمتأخرين لا يعدلون بعثمان، فيجعلونه مقدمًا على علي -رضي الله عن الجميع-.

"وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ.

وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيٌّ: أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَهُأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ". 

رضي الله عنهم وأرضاهم، اللهم صل وسلم على نبينا محمد.

"