تعليق على تفسير سورة الأعراف من أضواء البيان (07)

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى-: "فَإِذَا حَقَّقْتَ كُلَّ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- وَصَفَ نَفْسَهُ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، وَوَصَفَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَتَمَدَّحَ -جَلَّ وَعَلَا- فِي سَبْعِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ بِاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الِاسْتِوَاءِ إِلَّا مَقْرُونَةً بِغَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، الْقَاضِيَةِ بِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَأَنَّهُ الرَّبُّ وَحْدَهُ، الْمُسْتَحِقُّ لِأَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ".

يقول -رحمه الله تعالى-: "فَإِذَا حَقَّقْتَ كُلَّ ذَلِكَ" يعني مما مضى من إثبات جميع ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله –عليه الصلاة والسلام- من الأسماء والصفات على ما يليق بجلاله وعظمته، وعلى ضوء ما تقدم مما أثبته الشيخ وذكره ووازن بينه وبين ما جاء عن المخلوق، وأن للخالق ما يخصه، وللمخلوق ما يخصه من هذه الأسماء والصفات.

من بين ذلك صفة الاستواء قد ذكره الله –جلَّ وعلا- في سبعة مواضع من كتابه، وسوف يذكرها الشيخ مرتبة على حسب ورودها في القرآن.

والاستواء معناه العلو والارتفاع هذا المعنى، يعني جاء في لغة العرب على معانٍ منها هذا، وكيفيته مجهولة كما جاء عن مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، وجاء ذلك عن ربيعة شيخه وأم سلمة، كلهم أقروا بهذا، واعترفوا به على ما يليق بجلال الله وعظمته مع نفي الكيفية التي لم ترد عن الله ولا عن رسوله- عليه الصلاة والسلام-.

وهذه الأمور توقيفية لا اجتهاد فيها، لا اجتهاد في معانيها، ولا في كيفياتها إلا الوقوف على ما جاء عن الله وعن رسوله، قالوا: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع.

المبتدعة أوَّلوا صفة الاستواء فرارًا من التشبيه؛ لأنهم أوردوا بيتًا للأخطل يقول فيه:

قد استوى بشرٌ على العراق


 

من غير سيفٍ ولا دمٍ مهراق

فما دام الاستواء يثبت للمخلوق بالمعنى الذي يُريدونه بمعنى الاستيلاء يعني استوى هنا: استولى، وما دام معناه هذا فيجب تأويله أو نفيه، يصل بهم الأمر في النهاية إلى النفي والتعطيل.

على كل حال الشيخ يُريد أن يذكر الآيات السبع، ويذكر ما ورد فيها في حق الخالق، وما ورد فيها بالنسبة للمخلوق، المخلوق {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:13] في القرآن، ونظير ذلك ما مر من الصفات التي أوردها الشيخ منسوبةً في القرآن إلى الله –جلَّ وعلا- وإلى بعض المخلوقات، وقرر الشيخ كما قرر غيره من أئمة الإسلام وعلماء السُّنَّة أن للمخلوق ما يخصه، وللخالق منها ما يخصه.

نعم.

"الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ: بِحَسَبِ تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ. قَوْلُهُ هُنَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].

الْمَوْضِعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} الْآيَةَ [يونس:3-4].

الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرَّعْدِ: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْم ٍيَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد:2-4]".

{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [الرعد:4] الصنوان الأصل في جذع النخلة أن يخرج منه فرعٌ واحد، وقد يخرج منه فرعان مثلان يعني صنوان مثلهم واحد ما يطلع من فرعين هذا صنوان، والواحد غير صنوان.

فيما تقدم في الآية فيها فائدة إعرابية: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس:4] إعراب جميعًا؟

طالب: ............

مَن الذي قاله؟ مَن الذي تكلم؟

أنت، حال وصاحب الحال الضمير المخاطب، والضمير موقعه من الإعراب مضاف إليه، فهل يجوز الحال من المضاف إليه؟

طالب: ............

صح هذا.

ولا تُجز حالًا من المضاف له


 

إلا إذا اقتضى المضاف عمله


مرجع مضاف يعمل في الضمير.

.........................................


 

إلا إذا اقتضى المضاف عمله


أو كان جزء ما له أضيفا

 

أو مثل جزئه فلا تحيفا

أين الذي يسأل الفائدة في شرح نظم ابن عبد القوي، يقول: ما الفائدة من هذه المنظومات التي تعب فيها الناس وبعضها مكسرة وطويلة وما نستفيد منها؟ متى تضبط العلم بدون النظم؟ أظن أن العلوم الأخرى وكلام الناس مثل كلام الله سهل ميُسَّر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17].

فهذه الضوابط والقواعد التي نظَمَها أهل العلم يعني خلاص احفظها في أول عمرك وانسها، يعني مثل ما قلنا في بعض الضوابط: 

ثمانيةٌ حكم البقاء يعمها

 

من الخلق والباقون في حيز العدم

لو تقول: عِدها ما عد أحد إلا الحافظين للأبيات، ومثلها:

جرى الخُلف أما بعد

 

من كان بادئًا بها عُد أقوالٌ

وداود أقرب..............................

 

...............................................

ثم عَد ثمانية أقوال، أما أن تُجمِّعهن وأنت لست حافظًا شيئًا إن جمعت نصفهن زين.

ويأتي من يقول: ما الفائدة من النظم؟!

"الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ طه: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى *تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه:2-6].

الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا * الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:58-59].

الْمَوْضِعُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} الْآيَةَ [السجدة:4-5].

الْمَوْضِعُ السَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا- فِي وَصْفِ الْحَادِثِ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} الْآيَةَ [الزخرف:13]، {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} الْآيَةَ [المؤمنون:28]، {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} الْآيَةَ [هود:44] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ لِلْخَالِقِ -جَلَّ وَعَلَا- اسْتِوَاءً لَائِقًا بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَلِلْمَخْلُوقِ أَيْضًا اسْتِوَاءً مُنَاسِبًا لِحَالِهِ، وَبَيْنَ اسْتِوَاءِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ مِنَ الْمُنَافَاةِ مَا بَيْنَ ذَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ عَلَى نَحْوِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.

وَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّأَمُّلُ فِي أُمُورٍ:

الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: أَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِهَا وَاحِدٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ مُشَابَهَةُ الْحَوَادِثِ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِمْ، فَمَنْ أَثْبَتَ مَثَلًا أَنَّهُ: سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ مُخَالِفَانِ لِأَسْمَاعِ الْحَوَادِثِ وَأَبْصَارِهِمْ، لَزِمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ: كَالِاسْتِوَاءِ، وَالْيَدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَلَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ بِحَالٍ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الذَّاتَ وَالصِّفَاتِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ أَيْضًا، فَكَمَا أَنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَهُ ذَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِجَمِيعِ ذَوَاتِ الْخَلْقِ، فَلَهُ تَعَالَى صِفَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْخَلْقِ.

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: فِي تَحْقِيقِ الْمَقَامِ فِي الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ السَّابِقِ إِلَى الْفَهْمِ".

يعني ما تقدم هذا كله تقدم نظيره فيما تقدم مما أورده الشيخ من الصفات وما جاء فيها مما يليق بالخالق وما هو مناسبٌ للمخلوق.

"الْأَمْرُ الثَّالِثُ: فِي تَحْقِيقِ الْمَقَامِ فِي الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ السَّابِقِ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ: كَالِاسْتِوَاءِ وَالْيَدِ مَثَلًا.

اعْلَمْ أَوَّلًا: أَنَّهُ غَلِطَ فِي هَذَا خَلْقٌ لَا يُحْصَى كَثْرَةً مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَزَعَمُوا أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ السَّابِقَ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ وَالْيَدِ مَثَلًا فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ هُوَ مُشَابَهَةُ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ، وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَصْرِفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ ظَاهِرِهِ كُفْرٌ".

لو كان تعلمهم للعلم على ما جاء عن الله وعن رسوله قبل غيره لما سبق إلى الفهم مثل هذا، ولكن تعلموا وانتهوا، ثم جاءوا إلى الكتاب والسُّنَّة.

يعني الآن ألفاظ استُعمِلت في العامية وتداولوها، ثم يأتي نظيرها في كتابٍ من الكتب من كُتب العلم أو في درسٍ من دروس العلم، وحضر هذا الدرس عامي مما تبادر إلى ذهنه هذا اللفظ وتداولوه بينهم لا شك أن الذي سوف يهجم على ذهنه ما تعوده قبل التعلق، وهذا شيء مشاهد، حتى إني رأيت من العامة من ضحك على شخص قال: ماذا تعمل؟ قال: أنا طالب، تُضحك هذه؟ ما تُضحك، لكن ما هو الطالب عند العامة؟

طالب: ...........

تلميذ عندنا نحن، ثم صار بيننا وبينهم خلاف، ولا ضحك ذاك الرجل.

في البهائم بالذات في الحُمر يُطلقون ألفاظًا على أنثى الحيوان إذا أرادت الوطء والنزوء عليها، ويُقال في الإبل: سفاد، والبقر؟

طالب: ...........

جسِّر في الإبل أو عندكم غير هذا؟ هذه ألفاظ اصطلاحية ما يُمكن يُضلَّل ولا يُبدَّع ولا يُغلَّط الذي غلط هذه ألفاظ عُرفية.

المقصود أنه إذا تعلم الإنسان شيئًا، وتداوله في بيئته ومحيطه وأكثروا من ذلك، ولا يعرفون غيره، أول ما يهجم على الذهن هو، وهؤلاء لما تعلموا واعتمدوا في تعليمهم على غير الكتاب والسُّنَّة هجم على أذهانهم ما هجم عليهم من التشبيه الذي أدى بهم إلى التعطيل، ولو أنهم سلِموا من النظر في كُتب الأوائل التي هي الفلسفة وما يتبعها ما صار لهم مثل هذا، عموم المسلمين في سعة، ولله الحمد، في راحة من علومهم التي أثقلوا بها الكُتب من غير طائل.    

"وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَصْرِفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ ظَاهِرِهِ كُفْرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ شَبَّهَ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى عَاقِلٍ أَنَّ حَقِيقَةَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ بِمَا ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ السَّابِقُ إِلَى الْفَهْمِ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَالْقَوْلُ فِيهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ- جَلَّ وَعَلَا-.

وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي قِيلَ لَهُ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، لَمْ يُبَيِّنْ حَرْفًا وَاحِدًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ إِجْمَاعِ مَنْ يعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، عَلَى أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَأَحْرَى فِي الْعَقَائِدِ وَلَاسِيَّمَا مَا ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ الْكُفْرُ وَالضَّلَالُ الْمُبِينُ، حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَزَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَطْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ الْوَصْفَ بِمَا ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ لَا يَلِيقُ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَمَ أَنَّ ذَلِكَ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ كُفْرٌ وَضَلَالٌ يَجِبُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْهُ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16].

وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَكْبَرِ الضَّلَالِ وَمِنْ أَعْظَمِ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْحَقُّ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَدْنَى عَاقِلٍ أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ السَّابِقُ إِلَى فَهْمِ مَنْ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ، هُوَ التَّنْزِيهُ التَّامُّ عَنْ مُشَابَهَةِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ.

فبمجرد إضافة الصفة إليه -جل وعلا- يتبادر إلى الفهم أنه لا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق، وبين شيء من صفات المخلوقين، وهل ينكر عاقل، أن السابق إلى الْفَهُم الْمُتَبَادِر لِكُلِّ عَاقِلٍ: هُوَ مُنَافَاةُ الْخَالِقِ لِلْمَخْلُوقِ فِي ذَاتِهِ، وَجَمِيعِ صِفَاتِهِ، لَا وَاللَّهِ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إِلَّا مُكَابِرٌ".

إذا كانت هذه المُباينة والمُباعدة بين المخلوقات، فإذا قيل في صفة الوجه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27]، وعرفنا أن المخلوقات الحية كلها لها وجوه، وهذه الوجوه متباينة تباينًا بعيدًا جدًّا، فمن يزعم أن وجه البعوضة مثل وجه الجمل؛ لاشتراكهما في اللفظ؟ هل من عاقل يزعم ذلك؟ لا يمكن، ولا أي مخلوق من المخلوقات ثبت له الوجه ما يُمكن، لكلٍّ من هذه المخلوقات ما يخصه من هذه الصفة، وإذا جاز ذلك في المخلوق وتقرر ذلك بالنسبة للمخلوق فالخالق أولى وأحرى وأبعد عن مشابهة هذه المخلوقات.

"وَالْجَاهِلُ الْمُفْتَرِي الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ ظَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَتَشْبِيهٌ، إِنَّمَا جَرَّ إِلَيْهِ ذَلِكَ تَنْجِيسُ قَلْبِهِ، بِقَدْرِ التَّشْبِيهِ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، فَأَدَّاهُ شُؤْمُ التَّشْبِيهِ إِلَى نَفْيِ صِفَاتِ اللَّهِ- جَلَّ وَعَلَا- وَعَدَمِ الْإِيمَانِ بِهَا، مَعَ أَنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- هُوَ الَّذِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، فَكَانَ هَذَا الْجَاهِلُ مُشَبِّهًا أَوَّلًا، وَمُعَطِّلًا ثَانِيًا، فَارْتَكَبَ مَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَلَوْ كَانَ قَلْبُهُ عَارِفًا بِاللَّهِ كَمَا يَنْبَغِي، مُعَظِّمًا لِلَّهِ كَمَا يَنْبَغِي، طَاهِرًا مِنْ أَقْذَارِ التَّشْبِيهِ لَكَانَ الْمُتَبَادِرُ عِنْدَهُ السَّابِقُ إِلَى فَهْمِهِ: أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- بَالِغٌ مِنَ الْكَمَالِ، وَالْجَلَالِ مَا يَقْطَعُ أَوْهَامَ عَلَائِقِ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، فَيَكُونُ قَلْبُهُ مُسْتَعِدًّا لِلْإِيمَانِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ الثَّابِتَةِ لِلَّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، مَعَ التَّنْزِيهِ التَّامِّ عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] فَلَوْ قَالَ مُتَنَطِّعٌ: بَيِّنُوا لَنَا كَيْفِيَّةَ الِاتِّصَافِ بِصِفَةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْيَدِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ لِنَعْقِلَهَا، قُلْنَا: أَعَرَفْتَ كَيْفِيَّةَ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُتَّصِفَةِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ؟  ‍‍‍

فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: لَا، فَنَقُولُ: مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الِاتِّصَافِ بِالصِّفَاتِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الذَّاتِ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ غَيْرُهُ أَنْ يُحْصِيَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ هُوَ، كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110]".

العالم أو طالب العلم إذا حرر مسألة فرعية وتوصل فيها إلى القول الصحيح الراجح بدليله فرح بذلك فرحًا شديدًا مع أنه إذا اجتهد ولو لم يصل إلى القول الصحيح هو مأجور على كل حال، لكن إذا وصل إلى القول الصحيح بدليله كان له أجران، ويفرح بذلك فرحًا شديدًا.

وكثيرًا ما يتحدث ابن القيم بنِعم الله إذا حرر مسألة ويُكرر ذلك، والحافظ ابن حجر مر عليه في (فتح الباري) أكثر من مرة ويقول: إنه وصل إلى هذا الطريق الذي يصح به الحديث فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله يُكرر الحمد مرارًا، هذا في مسائل قابلة للاجتهاد، والمجتهد فيها مأجورٌ على كل حال، فما بالكم بما يتصل بالخالق الذي يترتب عليه إنكار الخالق شاء أم أبى؛ لأن النهاية تصل إلى هذا الحد، إذا وصلت إلى إله ليس موصوفًا بصفات، ولا خارج العالم ولا داخله، ولا يمين ولا يسار، ولا في السماء ولا في الأرض ولا كذا فماذا تعبد؟ تعبد عدمًا، أو الطرف الآخر يعبد إلهًا موصوفًا بصفات المخلوقين كذا وكذا وكذا مما يُشابه المخلوق هذا يعبد صنمًا ما يعبد الله –جلَّ وعلا- الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].    

"{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1-4]، {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل:74].

فَتَحَصَّلَ مِنْ جَمِيعِ هَذَا الْبَحْثِ أَنَّ الصِّفَاتِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا مُتَرَكِّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: تَنْزِيهُ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ مُشَابَهَةِ الْخَلْقِ.

وَالثَّانِي: الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- مَا كَانُوا يَشُكُّونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا كَانَ يَشْكُلُ عَلَيْهِمْ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ وَهُوَ شَاعِرٌ فَقَطْ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ، فَهُوَ عَامِّيٌّ:

وَكَيْفَ أَخَافُ النَّاسَ وَاللَّهُ قَابِضٌ

 

عَلَى النَّاسِ وَالسَّبْعِيْنِ فِي رَاحَةِ الْيَدِ"

والسَّبعَين السماوات والأرض سبع وسبع.

"وَكَيْفَ أَخَافُ النَّاسَ وَاللَّهُ قَابِضٌ

 

عَلَى النَّاسِ وَالسَّبْعِيْنِ فِي رَاحَةِ الْيَدِ

وَمُرَادُهُ بِالسَّبْعَيْنِ: سَبْعُ سَمَاوَاتٍ، وَسَبْعُ أَرْضِينَ. فَمَنْ عَلِمَ مِثْلَ هَذَا مِنْ كَوْنِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ فِي يَدِهِ -جَلَّ وَعَلَا- أَصْغَرَ مِنْ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ لَا يَسْبِقُ إِلَى ذِهْنِهِ مُشَابَهَةُ صِفَاتِهِ لِصِفَاتِ الْخَلْقِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ زَالَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ الْإِشْكَالَاتِ الَّتِي أَشْكَلَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ تَنْزِيهِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَالْإِيمَانِ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ".

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ............

في يده، كلام شعراء عامي هو كلام شعراء هو ما يعرف من اليد إلا أن لها راحة هي التي تقوى، هذا الكلام ما هو بصحيح.

"وَيُرْوَى نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا عَنْ شَيْخِهِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ رَحْمَتَهُ -جَلَّ وَعَلَا- قَرِيبٌ مِنْ عِبَادِهِ الْمُحْسِنِينَ، وَأَوْضَحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ صِفَاتِ عَبِيدِهِ الَّذِينَ سَيَكْتُبُهَا لَهُمْ فِي قَوْلِهِ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} الْآيَةَ [الأعراف:156]".

أطال ابن القيم –رحمه الله- في وجه التذكير مع أن الرحمة مؤنثة، قال: {قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] ولم يقل: قريبةٌ ابن القيم وجه هذا من وجوهٍ كثيرة في (بدائع الفوائد).

"وَوَجْهُ تَذْكِيرِ وَصْفِ الرَّحْمَةِ مَعَ أَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ فِي قَوْلِهِ: {قَرِيبٌ} [الأعراف:156] وَلَمْ يَقُلْ قَرِيبَةٌ، فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ تَزِيدُ عَلَى الْعَشْرَةِ. نَذْكُرُ مِنْهَا -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- بَعْضًا، وَنَتْرُكُ مَا يَظْهَرُ لَنَا ضَعْفُهُ أَوْ بُعْدُهُ عَنِ الظَّاهِرِ.

مِنْهَا: أَنَّ الرَّحْمَةَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الرَّحِمِ، فَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى.

وَمِنْهَا: أَنَّ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْقَرَابَةَ إِذَا كَانَتْ قَرَابَةَ نَسَبٍ تَعَيَّنَ التَّأْنِيثُ فِيهَا فِي الْأُنْثَى فَتَقُولُ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ قَرِيبَتِي أَيْ فِي النَّسَبِ، وَلَا تَقُولُ: قَرِيبٌ مِنِّي، وَإِنْ كَانَتْ قَرَابَةَ مَسَافَةٍ جَازَ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ، فَتَقُولُ: دَارُهُ قَرِيبٌ وَقَرِيبَةٌ مِنِّي، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى:17]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب:63].

وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

لَهُ الْوَيْلُ إِنْ أَمْسَى وَلَا أُمُّ هَاشِمٍ

 

قَرِيبٌ وَلَا الْبَسْبَاسَةُ ابْنَةُ يَشْكُرَا

وَمِنْهَا: أَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ إِضَافَةُ الرَّحْمَةِ إِلَى اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَمِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {قَرِيبٌ} [الأعراف:156] صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ شَيْءٌ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ.

وَمِنْهَا: أَنَّهَا شُبِّهَتْ بِفَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَسْمَاءَ الَّتِي عَلَى فَعِيلٍ رُبَّمَا شُبِّهَتْ بِالْمَصْدَرِ الْآتِي عَلَى فَعِيلٍ، فَأُفْرِدَتْ لِذَلِكَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِذَلِكَ أَفْرَدَ الصَّدِيقَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور:61]، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَهُنَّ صَدِيقٌ لِمَنْ لَمْ يَشِبْ

 

..............................................

انتهى.

وَالظَّهِيرَ فِي قَوْلِهِ: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْجُهِ".

لكن يبقى أن التأنيث ما هو موجود، والفعيل يستوي فيه المذكَّر والمؤنث، وأشار إليه وشُبِّهت فوافقت اللفظ أو وافقت في المعنى هذا على التوجيه ظاهر للأمرين.

طالب: ............

إذا كُتِبت قُرِّبت، إذا كُتِبت الرحمة قُرِّبت، كُتِبت الرحمة لفلان معناها أنها قُرِّبت له، وعلى طريقة الشيخ وعلى منهج الشيخ جمع النظائر التي تدخل في عموم الآية يلزمه أن يأتي بمثل هذا، لكن تعرفون الشيخ مثل غيره بشر لا يلزم الاستيعاب في كل شيء، صحيح.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف:57] على قِرَاءَةُ عَاصِمٍ {بُشْرًا} بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَإِسْكَانِ الشِّينِ: جَمْعُ بَشِيرٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْتَشِرُ أَمَامَ الْمَطَرِ مُبَشِّرَةً بِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} الْآيَةَ [الروم:46].

 وَقَوْلُهُ: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف:57]، يَعْنِي بِرَحْمَتِهِ الْمَطَرَ كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} الْآيَةَ [الشورى:28]، وَقَوْلِهِ: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم:50].

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} الْآيَةَ [الأعراف:57] بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ يَحْمِلُ السَّحَابَ عَلَى الرِّيحِ، ثُمَّ يَسُوقُهُ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} الْآيَةَ [فاطر:9]، وَقَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة:27] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ".

هذه الرياح التي تُثار فتسوق السحاب، رياح يُرسلها الله –جلَّ وعلا- فتُثير السحاب فيسوقه الله –جلَّ وعلا- إلى بلدٍ محتاجٍ إليه بلدٍ ميت وأرضُ جُرز، فتُنبت هذه الأرض، والجُرز: التي لا زرع فيها، تُنبت هذه بإذن الله بالمقدمات المذكورة.

من مجموع الآيات إثارة الرياح؛ حتى أثارت السحاب معناه أن هناك صِلة بين الرياح والسحاب، وأهل الهيئة -ما هو بهيئة الأمر بالمعروف- يقولون: إن السحاب أصله من البحر، ويستدلون بمثل هذه الأمور، ويستنبطون منها، ويدعمون ذلك بأقوال العرب وأشعارهم.

شربن بماء البحر ثم ترفَّعت

 

متى لججٍ لهن نئيج

هذا معروف عند أهل العلم وابن القيم يُقرره، وجاءت نصوص وأحاديث في بعضها مقال أو في المأثور منها مما لا يتم رفعه فيه أشياء كثيرة ما هو بصحيحة، وفيه أشياء صحيحة أنه ينزل من السماء، وأن ميكائيل يكيله وهكذا.

المقصود أن هذا موجود، وهذا موجود، ولا يمنع أن يُقال: أن بعضه من هذا النوع، وبعضه من هذا النوع، بألا نقع في الإشكال في آثار كثيرة جدَّا تُثبت أن الماء ينزل من السماء، وأن ميكائيل يكيله قبل أن ينزل.

فالذي في تقديري وتداولنا الموضوع أكثر من مرة هنا أنه لا مانع من أن يكون بعضه هكذا وبعضه هكذا؛ لأنك إذا نفيت أنه ينزل من السماء صادمت آثارًا كثيرة عن السلف، وإذا نفيت أن يكون من البحار أيضًا صادمت أقوال علماء معتبرين، وما يشهد له من شواهد العربية ما يذكرون، ولكن أنا أريد أن أسأل سؤالًا: إذا كان من البحر وهو عبارة عن أبخرة تنشأ عن تسليط الشمس على البحر، فأكثر البلدان على وجه الأرض أمطارهم في الشتاء إذا بردت الشمس، لماذا لا يكون الأكثر في الصيف؟ هذا مجرد سؤال.

طالب: ............

لكن الذي بالشتاء يمكن نصف الأرض أمطارهم بالشتاء في البرد، يتكثف والشمس أين هي التي تُذوِّبه؟

طالب: ............

أنا أقول: ما الذي أثار هذا الماء من البحر، وجعله أبخرة؟

طالب: ............

في الشتاء ودرجة الحرارة صفر! درجة الحرار صفر، تُبخِّر!

طالب: ............

ماذا يطلع؟

طالب: ............

في الصيف ويجلس إلى الشتاء ينزل؟

طالب: ............

والله مُشكِل عندي، على حد علمي، لست مثلك ، أنت درست شيئًا ما درسناه.

طالب: ............

صح صح.

لا، أنا أقول: الماء في البحر تضع يدك فيه، تجده حارًّا، تُسلّط عليه الشمس في الصيف، حار.

طالب: ............

صح، لكن في الشتاء تلمسه تجده ثلجًا تجمد.

طالب: ............

ممكن، الله على كل شيءٍ قدير، ولا نعترض، معروف هذا، هذا ما شك فيه.

طالب: ............

في الشتاء؟

يتبخر في الشتاء؟

طالب: ............

أنا أعرف أنه يتجمد، ما يتبخر.      

على كل حال هذه أمور تخفى علينا، ولكن علينا مما ورد فيها، نحن ما نُعالجه وندخل فيه ما ورد فيه، فكون أن نُغطي ذلك بأثر ونظر شيء، لكن إذا ما تيسر فعلينا بالأثر.

طالب: ............

لا، ليس متعذرًا، لا لكن يضحكون عليك أنه من السماء يذهب إلى السماء ويدخل ويكيله مكيال وينزل.

طالب: ............

لا لماذا أجعل الأصل من البحر؟ لماذا ما أجعل الأصل من السماء؟ الله أعلم.

طالب: ............

لأن منه كذا ومنه كذا.

طالب: ............

هذا الذي هو منه هذا قسم، وهذا قسم، هذا فرع، وهذا فرع، ويقول الشيخ: إن هذا الذي رجحه الحافظ ابن رجب.

طالب: ............

كله من البحر أم كله من السماء؟

طالب: ............

ما فعلنا شيئًا، ما استفدنا.

طالب: ............

نعم.

طالب: ............

البخاري؟

طالب: ............

أي حديث؟

طالب: ............

هاته.

طالب: ............

نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} الْآيَةَ [الأعراف:63] أَنْكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ، وَقَوْمِ هُودٍ عَجَبَهُمْ مِنْ إِرْسَالِ رَجُلٍ، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ جَمِيعَ الْأُمَمِ عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ فِي عَجَبِ قَوْمِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} [يونس:2]، وَقَالَ: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} الْآيَةَ [ق:2]، وَقَالَ عَنِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن:6].

 وَقَالَ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} الْآيَةَ [القمر:23-24]، وَقَالَ: ولئن اتبعتم.

أطعتم.

أحسن الله إليك.

وقال: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون:34]، وَصَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْعَجَبَ مِنْ إِرْسَالِ بَشَرٍ مَانِعٍ لِلنَّاسِ مِنَ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء:94].

وَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا} الْآيَةَ [الأنبياء:7]، وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} الْآيَةَ [الفرقان:20]، وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا} الْآيَةَ [الأنعام:9] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف:64] لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا كَيْفِيَّةَ إِغْرَاقِهِمْ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} الْآيَةَ [القمر:11]، وَقَوْلِهِ: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت:14].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} الْآيَةَ [الأعراف:71]، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا شَيْئًا مِنْ هَذَا الْجِدَالِ الْوَاقِعِ بَيْنَ هُودٍ -عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَبَيْنَ عَادٍ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:53-56].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الْآيَةَ [الأعراف:72] لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا كَيْفِيَّةَ قَطْعِهِ دَابِرَ عَادٍ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} الْآيَةَ [الحاقة:6]، وَقَوْلِهِ: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} الْآيَةَ [الذاريات:41] َنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} الْآيَةَ [الأعراف:77] ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ عَقْرَهَا بَاشَرَتْهُ جَمَاعَةٌ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي سُورَةِ الْقَمَرِ: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ نَادَوْا وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَبَاشَرَ عَقْرَهَا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29]".

هذا هو الأشقى، وسُمي في كُتب التفسير اسمه أيش؟ فيه قِيدار، قِدار أو ابن قِدار ما أدري والله نسيته، هو مُسمى في كُتب التفسير، لكن هو الأشقى {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:12]، نسأل الله العافية، أشقى الجماعة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} الْآيَة [الأعراف:77] لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذَا الَّذِي يَعِدُهُمْ بِهِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ الْعَذَابُ كَقَوْلِهِ: {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} [هود:64]، وَقَوْلِهِ هُنَا: {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف:73]".

طالب: ............

قِدار بن سالف، نسأل الله العافية.

"وَقَوْلِهِ: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود:65] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:78] لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا سَبَبَ رَجْفَةِ الْأَرْضِ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ صَيْحَةُ الْمَلَكِ بِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} الْآيَةَ [هود:67]، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلَكَ لَمَّا صَاحَ بِهِمْ رَجَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ مِنْ شِدَّةِ الصَّيْحَةِ، وَفَارَقَتْ أَرْوَاحُهُمْ أَبْدَانَهُمْ، وَاللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي} [الأعراف:79] الْآيَةَ وَبَيَّنَ تَعَالَى هَذِهِ الرِّسَالَةَ الَّتِي أَبْلَغَهَا نَبِيُّهُ صَالِحٌ إِلَى قَوْمِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف:73].

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80]".

قف على هذا.

هذه الأمم المكذِّبة التي كذَّبت الرُّسل وعصوا ربهم، وأنزل بهم من أليم عقابه وعذابه ما جعلهم عِبرة للمعتبرين، وما فعلوه هذه سُنن إلهية تنعقد هذه الأمور، وتكون أسبابًا للهلاك لهلاك من فعلها سواءٌ تقدم أو تأخر، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

والله –جلَّ وعلا- يُمهِل ويُملي للظالم؛ حتى إذا أخذه لم يُفلته، نسأل الله العافية.

والسُّنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل.

 وذكرنا في الدرس السابق أن الله استثنى قوم يونس، وبحثنا السبب معكم في الدرس، وتبينت أسباب من خلال كُتب أهل العلم.

والله المستعان. نسأل الله السلامة والعافية.

"