شرح العقيدة الطحاوية (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد رغب كثير من الإخوة وكلموني في موضوع تقديم الطحاوية على الموافقات وقلت لهم أن الأصل أن الموافقات بعد الصلاة مباشرة وهذا من سنين كم سنة يا أبا عبد الله؟

سبع تقريبًا.

نعم سبع سنوات هذا هو الأصل أن الموافقات هو الأول، لكن أبدى كثير منهم أنهم يأتون من خارج الرياض ويريدون أن يرجعوا مبكرين فقلت نسأل الإخوان إذا لم يكن ثمَّ مانع من قبل الإخوان الذين يحضرون الموافقات ويحرصون عليها فأنا الوضع عندي واحد ما يختلف، سواء قدمنا هذا أو ذاك لكن الأولوية أو كما قال أهل العلم الأولية لها دخل في الأولوية فإن كان الإخوان في الموافقات موافقين على ـن يكون درسهم هو المتأخر أنا ما عندي أدنى إشكال.

إذًا نبدأ بشرح الطحاوية على بركة الله وهذا أول الدروس نسأل الله- جل وعلا- التوفيق والإعانة والتسديد أولاً الطحاوية متن مختصر جدًا متين لأبي جعفر الطحاوي الحنفي المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة من أئمة الحنفية بعد أن كان شافعيًا، وله مؤلفات ومصنفات في الحديث وغيره من العلوم، إمام له قدم راسخ في الحديث وما يتعلق به وفي العقائد ومعرفة مذاهب الناس، وهذه العقيدة عقيدة مباركة اعتمدها أهل العلم منذ تأليفها وألّفوا عليها الشروح الكثيرة التي وُجد منها الآن حوالي عشرة شروح، لكن مع الأسف أن  غالب هذه الشروح حرفت العقيدة عن مسارها وجرى مؤلفوها على طريقة أهل الكلام من الأشعرية والماتريدية وغيرهم، لكن الشرح الذي يقرأ في هذا الدرس على المنهج الصحيح على عقيدة أهل السنة والجماعة لأن مؤلفه ابن أبي العز من تلاميذ الحافظ ابن كثير وتأثره بشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم واضح ونقوله عنهم كثيرة إلا أنه لا يصرح بأسمائهم، لا يقول قال شيخ الإسلام، والنقل موجود في مصنفات شيخ الإسلام بالحرف ولا يصرّح باسم ابن القيم كذلك، وهذا لعله من باب ترويج الكتاب؛ لأن الناس في وقته لا سيما أهل العلم الذين يعتنقون مذاهب الخلف في مسائل الاعتقاد والأسماء والصفات وغيرها شوهوا صورة شيخ الإسلام ابن تيمية وحملوا عليهم فصارت كتبهم تتلف فلا يستطيع ابن أبي العز أن يصرِّح باسم شيخ الإسلام أو ابن القيم لكي يروج كتابه مثل ما صنع ابن عروة رتب صحيح مسند الإمام أحمد على صحيح البخاري ثم شرحه وحفظ في هذا الشرح مؤلفات شيخ الإسلام وابن القيم فالناس إذا رأوا هذا الكتاب الكبير الكواكب الدراري الذي يبلغ مائة وعشرين مجلدا كبارا بالمخطوط ويزيد على الثلاثمائة في المطبوع حفظ لنا كتب شيخ الإسلام من الضياع لأنها تُتلف في وقته، ألف هذه الموسوعة وضمنها كتب شيخ الإسلام فإذا مر بمسألة فيها تصنيف لشيخ الإسلام أو لابن القيم كتبه بحروفه وهذا من باب حفظ العلم ممن يعتدي عليه، والترويج كما يكون بالحذف يكون أيضًا بالذكر فبعض المؤلفين يعيش في بلد يكثر فيه اعتناق مذهب من المذاهب فتجده يكثر من ذكر أقوال هذا المذهب ولو لم يكن يرتضيها ولو كانت بدعية من أجل أن يروج كتابه وتعرفون كما في نيل الأوطار وسبل السلام أقوال الهادوية والناصر والزيدية كثيرة جدًا، يعني ما من مسألة إلا ويذكرون هذه الأقوال من أجل أن يروج الكتاب وغالب سكان اليمن في وقت الصنعاني هادوية وإذا تجاوزنا عن مثل هذا لأن الزيدية وإن كانت مذهبا مبتدعا في الاعتقاد إلا أنه ليس مثل الإمامية مثلاً أوالصوفية المغرقة التي في بعض معتقداتها ما يخرج من الملة كالقول بوحدة الوجود مثلاً، ترويج مثل هذا ليروج الكتاب هذا الذي لا يمكن أن يغتفر كما فعل الفيروز أبادي صاحب القاموس في شرحه للبخاري أراد أن يروج الكتاب بمقالات ابن عربي لأنها راجت في زمنه في اليمن فأودع مصنفات ابن عربي الفتوحات والفصوص بكاملها في شرح البخاري من أجل أن يروج الكتاب يعني إذا قبلنا مثل ترويج مذهب الهادوية وهم أخف فرق الزيدية إذا استثنينا مسائل الصفات والقدر فإننا لا يمكن أن نتجاوز عن ترويج مقالة ابن عربي في شرح لصحيح البخاري فأودع الفصوص والفتوحات في شرحه لصحيح البخاري ونجز منه عشرون مجلدًا كبارا ولو قُدر تمامه لزاد على الخمسين لكنه ما كَمُل، ومن نعم الله جل وعلا أنه لما أكمل العشرين جاءت الأرضة فأكلته من أول جزء إلى آخر ما وجد منه ولا ورقة واحدة والحمد لله، فالترويج أحيانًا يكون مقبولا يعني بالحذف مثل ما فعل ابن أبي العز ما يذكر اسم شيخ الإسلام ولا ابن القيم من أجل أن يروج، فالترويج مقبول يعني بالذكر إذا كان في أمر يمكن أن يغتفر ويمكن أن يتغافل سهل، لكن في مثل هذا يضل الناس من أجل أن يروج كتابه هذا الذي لا يقبل إطلاقًا، وعلى كل حال على الإنسان أن يخلص في عمله فيجعل عمله خالصًا لله جل وعلا ينوي به التقرب إلى الله جل وعلا ونفع نفسه ونفع غيره، والله جل وعلا يتكفل بحفظه ويروِّجه بين الناس وما كان لله بقي، تجدون كتبا راجت بين الناس واعتنى بها أهل العلم وطلاب العلم وهي أقل مستوى من كتب أخرى قد توجد مخطوطة وقد يتأخر طبعها عن هذه الكتب التي هي أقل مائة سنة، مثلاً يعني التلخيص الحبير لابن حجر مأخوذ من البدر المنير ولا يساوي ولا عشرين بالمائة من الأصل، والأصل أفضل بكثير وبمراحل من الفرع ومع ذلك طبع التلخيص قبل الأصل بمائة سنة وتداوله الناس واستفادوا منه وهذا كثير في الكتب يروج الفرع مع أن الأصل موجود ليس مفقودا، الآن كم في شروح الحديث من النقل من مطالع الأنظار لابن قرقول أضعاف مضاعفة عما فيها من النقل عن مشارق الأنوار للقاضي عياض، والمشارق هو الأصل اعتنى به أهل العلم ونقلوا منه كثيرًا لكن مع ذلك مشارق الأنوار مطبوع منذ سبعين أو ثمانين سنة والمطالع ما طبع إلا أخيرًا، فالمسألة الله جل وعلا هو الذي يخلق ما يشاء ويختار، هو الذي يقدم وهو الذي يؤخر والله المستعان، فابن أبي العز ينقل كثيرا عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم لكنه لم يسمهما، نقول مفيدة ونافعة وعزيزة ومناسبة جدًا للكلام الذي هو بصدده، والكتاب طُبع لأول مرة من دون ذكر مؤلفه، طبع بمكة على نفقة الملك عبد العزيز رحمه الله واعتنى به الشيخ عبد الله بن حسن ومعه عشرة من أهل العلم قابلوه وصححوه لكن مع الأسف النسخة التي اعتمدوا عليها سقيمة كثيرة الأخطاء فوجد في هذه الطبعة رغم حرص الشيخ ونباهة الشيخ ومعه عشرة من أهل العلم فيها أخطاء كثيرة جدًا، ثم طبعه الشيخ أحمد شاكر بأمر المفتي الأكبر محمد بن إبراهيم رحمه الله ولم يكن عنده أصل يعتمد عليه إلا طبعة مكة، طبعة الملك عبد العزيز فجهد في تصحيح هذه الطبعة ومع ذلك لم تسلم؛ لأن الكتاب إذا لم يكن له أصول تبقى اجتهادات المصححين محدودة، منها ما يدل عليه السياق فيصحح ومنها ما لا يستطاع فلم تكن طبعة الشيخ أحمد شاكر أفضل من غيرها رغم علم الشيخ ورسوخ قدمه في التحقيق، طُبع مرارًا طبعه المكتب الإسلامي بعناية الشيخ ناصر الدين الألباني ومع ذلك يبقى أن الأصول معوزة مع كثرتها، النسخ الخطية كثيرة جدًا لكن جلها متأخر وبعضها منقول من بعض، ثم طبع بتحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة ومعروف عن عبد الرحمن بن عميرة هذا أنه ليس من الموصوفين بالتدقيق والتحقيق؛ لأنه -عفا الله وعن الجميع- يحقق لكل مذهب حقق للأشاعرة وحقق لأهل السنة وحقق للإباضية ونشر كتبهم والله المستعان ثم طبع بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط وأشرف عليها الشيخ عبد الله التركي ولعل هذه هي أجود الطبعات وأصحها؛ لأنهم قابلوا على نسخ وجمعوا الأصول أو الطبعات السابقة ووازنوا بينها إضافة إلى ما وقفوا عليه من مخطوطات، الغريب أن كثرة مخطوطات الكتاب حتى أنا عندي نسخة أصلية من الكتاب ومع ذلك حتى الشيخ أحمد بحث عن النسخة الخطية التي اعتمدها عليها الشيخ عبد الله بن حسن ما وجدها فاعتمد على المطبوع، على كل حال الكتاب حُقق وصحح وحرص عليه وأتقن وخُرِّجت أحاديثه في طبعة دار الرسالة وعلى هذا تكون هي أجود الطبعات، الشيخ أحمد شاكر- رحمة الله عليه- اسمه لامع في مجال التحقيق ويعتني الناس بكتبه ويبالغون بها لكن الشيخ- رحمة الله عليه- أحيانًا يعتمد على غيره فإذا وُجد الشيخ أحمد محمد شاكر وأخوه علي فالجهد كله لعلي ومن ذلكم تفسير الجلالين مثلاً مجلدين، وألفية العراقي وما معها من كتب، والروض المربع وكتب أخرى يمكن زاد المستقنع مع مجموعة كتب معه، قواعد الأصول ومعاقد الفصول، وكذا يمكن الطبعة هذه من أردأ الطبعات، وعليه اسم الشيخ أحمد وهو معروف، الشيخ إمام في باب التحقيق ومقدمته لرسالة الشافعي نبراس ينبغي أن يدرسها كل مريد للتحقيق ليس بالسهل، لكن بعض الناس تكثر عنده المشاغل ويحيل على غيره إذا كان معه أخوه علي فالجهد لعلي علي الصغير أصغرهم وإلا محمود أيضًا إمام في باب التحقيق، محمود شاكر أخو الشيخ أحمد لكن كل في مجاله والله المستعان.

يقول الشيخ أحمد شاكر في مقدمته: بعد البسملة والحمدلة هذا شرح نفيس للعقيدة السلفية التي كتبها الطحاوي الإمام العلامة الحافظ صاحب التصانيف البديعة أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الحنفي، وهو إمام ثقة جليل، وهو ابن أخت المزني صاحب الإمام الشافعي، قال ابن يونس: كان ثقة ثبتًا فقيها عاقلاً لم يخلف مثله، ولد بمصر سنة سبع وثلاثين ومائتين، ومات بها في مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة- رحمه الله- ومخطوطة الشيخ التي وجدت كانت غفلاً من اسم المؤلف، ولذلك لم يذكر اسم المؤلف في طبعة الملك عبد العزيز ولا طبعة المكتب الإسلامي عندكم، فلم يعرف إذ ذاك من هو وكانت نسخة سقيمة كثيرة الغلط والتحريف، ولمَّا توجد منه مخطوطة صحيحة بعد، ولكن الشرح نفيس وأبحاثه دقيقة عميقة وتحقيقاته بديعة متقنة فأصدر الملك العظيم سيد العرب ورافع لواء التوحيد والقائم على إحياء مذهب السلف، إمام الموحدين الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود- رحمه الله ورضي الله عنه- أمره الكريم بطبعه على نفقته وجعله وقفًا لله تعالى فطبع للمرة الأولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف بمكة المكرمة في المطبعة السلفية وكان لها فرع هناك إذ ذاك يعني بمكة والأصل أنها بمصر، وعني بتصحيحه والإشراف على طبعه لجنة من المشايخ والعلماء، برئاسة العلامة الكبير الشيخ عبد الله بن حسن بن حسين آل الشيخ، رئيس القضاة في الحجاز حالاً يعني في وقته، فبذلوا جهدًا عظيمًا في تصحيحه، ولكنه لم يخل من أغلاط كثيرة، وكل عمل في أوله عسير وهم مشكورون على ما أتقنوا من تصحيح، مأجورون إن شاء الله على ما اجتهدوا يقول، وقد قرأت الكتاب عند ظهوره قراءة عابرة، فلم أتقن معرفته، ولم أتعمق في دراسته، طبيعة الكتاب الذي توجد فيه أخطاء الطبعات السقيمة لا يمكن أن يستفاد منها، ومن ذلكم على سبيل المثال عارضة الأحوذي في شرح جامع الترمذي لابن العربي، طبعة الصاوي والتازي طبعة جميلة مشرقة وورق فاخر وحرف جميل، لكن لا يستفاد منها لكثرة الخطأ والمسح والتحريف والتقديم والتأخير وإدخال بعض الكلام في كلامهم مما ليس منه، حتى أنهم استعاروا نسخة الشيخ أحمد شاكر من جامع الترمذي وله تعليقات على جامع الترمذي، الشيخ أحمد له تعليقات وتصويبات وتخريجات فأدخلوا كلام الشيخ أحمد في المتن، فلما ظهر المجلد الأول سحبت نسختي لئلا أساهم في التحريف فلا يستفاد منها بهذه الطريقة، يقول: فلم أتقن معرفته ولم أتعمق في دراسته ثم كان من فضل الله علي حيث كنت بمدينة الرياض في شهر جمادى الأولى من هذا العام سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف أن كلفني الأستاذ المفتي الأكبر العالم العلامة الجليل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وشقيقه الأخ الفاضل الأستاذ الكبير الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم مدير المعهد العلمي بالرياض أن أعيد طبع هذا الشرح النفيس في مصر وأن أعنى بتصحيحه ما استطعت فما أن شرعت في قراءته والتحقق منه حتى وجدت بين يدي كتابًا يندر أن يؤلَّف مثله في دقته وعمقه وتحقيقه وبيانه والتزامه مذهب السلف الصالح من غير حيدة عنه ولا تأول ولا تمحل ووجدتني حُمِّلت عبئًا عظيمًا من تحقيقه؛ إذ لم أجد منه مخطوطة معتمدة بل لم أجد المخطوط الأصلي الذي طبع عنه الطبعة السالفة فاجتهدت في تصحيح كلام الشارع ما استطعت وعدت إلى الأحاديث والآثار والنصوص التي ينقلها فيما أجد من أصولها عندي، ولعلي بهذا أكون قد أديت الأمانة في حدود مقدوري واستطاعتي ولكن لا أزال أرى هذه الطبعة مؤقتة أيضًا، طبعة الشيخ يقول مؤقتة يعني حتى يوفقنا الله إلى أصل محفوظ للشرح صحيح يكون عمدة في التصحيح فنعيد طبعه ونتقنه ونخرجه إخراجًا سليما إن شاء الله ذلك ويسره وكان في العمر بقية، وقبيل الطبع أرشدني الأخ الجليل النبيل كل هذا يفيدنا في معرفة أهمية الكتاب ومراتب تحقيقه وقبيل الطبع أرشدني الأخ الجليل النبيل صاحب السعادة الشيخ محمد بن حسين نصيف إلى أن السيد مرتضى الزُّبيدي أو الزَّبِيدي ذكر هذا الشارح وسماه باسمه ونقل عنه قطعة كبيرة في شرح الإحياء فرجعت إلى الموضع الذي أشار إليه من شرح الإحياء وهو من الجزء الثاني صفحة مائة وست وأربعين فوجدته بعد أن يشرح استدلال الغزالي في مسألة الكلام بقول الشاعر:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما  .

 

جُعل اللسان على الفؤاد دليلا

قال ما نصه: وقد استرسل بعض علمائنا من الذين لهم تقدم ووجاهة وهو علي بن علي بن محمد الغزي قال كذا الغزي وهو ابن أبي العز الحنفي فقال في شرح عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي ما نصه: وأما من قال إنه معنى واحد واستدل بقول الأخطل المذكور فاستدلال فاسد ولو استدل مستدل بحديث في الصحيحين لقالوا إلى آخره هذا حديث آحاد ومصادم للقطعيات فلا يعتد به ولو كان في صحيح البخاري ومع ذلك يستدلون بكلام الأخطل وهو نصراني ومعروف كلام النصارى في مسألة الكلام، فنقل قول الشارح في هذا الشرح ابتداء في السطور الأربعة الأخيرة في صفحة واحد وعشرين إلى بعض السطر الحادي عشر من صفحة مائة واثنين وعشرين من طبعتنا هذه ثم قال السيد مرتضى الزُّبَيدي ردًا عليه وتعقيبًا: ولما تأملت حق التأمل وجدته كلامًا مخالفًا لأصول مذهب إمامه يعني كلام ابن أبي العز مخالف لأن الزَّبيدي هذا عنده مخالفات وهو في الحقيقة كالرد على أئمة السنة كأنه تكلم بلسان المخالفين وجازف وتجاوز عن الحدود حتى شبه قول أهل السنة بقول النصارى فلينتبه لذلك، يعني ابن القيم نص على هذا أن قول المبتدعة قريب من قول النصارى فهذه القطعة التي نقلها الزبيدي وهي تزيد على أربعة عشر سطرًا تدل دلالة قاطعة أنه ينقل عن هذا الشرح نفسه خصوصًا وأنها من الكلام الاستقلالي العالي الذي يكتبه الرجل عن ذات نفسه لا ينقله عن غيره ولا يقلد فيه غيره كما هو بيّن لا شك فيه، ولكنا نلاحظ أنه في نسبة المؤلف فقال الغزي وصوابه علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي كما في ترجمته في الدرر الكامنة وقد وصفه بأنه قاضي القضاة في دمشق ثم في الديار المصرية ثم بدمشق وذكر أنه ولد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ومات سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، هذا قاضي القضاة الشارح، وذُكر عن الطحاوي أنه كان كاتبًا للقاضي يعني على إمامته بمنزلة كاتب ضبط عند القاضي الله المستعان.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا أرحم الراحمين،

قال الإمام علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي في شرحه للعقيدة الطحاوية:

بسم الله الرحمن الرحيم حسبي الله ونعم الوكيل، الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فإنه لما كان علم.

هذه المقدمة هي ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في خطبة الحاجة جاءت عنه في سنن أبي داود وغيره فهي مصححة عند أهل العلم، وكان يقولها بين يدي خطبه -عليه الصلاة والسلام- ثم يتبعها بأمابعد، وثبتت عنه في أكثر من ثلاثين حديثًا بهذا اللفظ أما بعد، ويختلف أهل العلم في أول من قالها على ثمانية أقوال:

جرى الخلف أما بعد من كان بادئًا    .

 

بها عد أقوال وداود أقرب           .

ويعقوب أيوب الصبور وآدم      .

 

وقس وسحبان وكعب ويعرب  .

ثمانية أقوال لكن داود أقربها وأنها فصل الخطاب الذي أوتيه، وأما إعرابها فأما حرف شرط، وبعد قائم مقام الشرط مبني على الضم لأنه قطع عن الإضافة مع نية المضاف، قبل وبعد والجهات الست لها ثلاث حالات إما أن تضاف فتعرب { خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ } آل عمران: ١٣٧  تضاف فتعرب أو تقطع عن الإضافة فإن نوي المضاف أما بعدُ يعني بعد كذا وكذا نُوي فتبنى على الضم { لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُ } الروم: ٤  وإن قطع عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه أُعرب مع التنوين.

فساغ لي الشراب وكنت قبلا        .

 

أكاد أغص بالماء الفرات             .

نعم.

أما بعد: فإنه لما كان علم أصول الدين أشرف العلوم إذ شرف العلم بشرف المعلوم وهو.

بشرف المعلوم والمعلوم في علم أصول الدين الذي هو العقائد يتعلق بالله جل وعلا، فهو أشرف العلوم على الإطلاق، ومعرفة الله جل وعلا بأسمائه وصفاته وأفعاله لا شك أنها من أقوى ما يحقق محبة الله جل وعلا، وما يحقق محبة الله جل وعلا، ولا تقدر أن تحقق التوحيد ومحبة الرب جل وعلا ولا تخاف الخوف النافع ولا ترجوه الرجاء النافع إلا إذا عرفته حق المعرفة؛ ولذلكم كان أعرف الخلق بالله الرسول -عليه الصلاة والسلام- وكان أيضًا هو أخوفهم لله وأعلمهم به وأخشاهم وأتقاهم؛ لأنه لتمام المعرفة ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، فعلى طالب العلم أن يُعنى بتحقيق التوحيد ومن حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب كما أشار إلى ذلك الإمام المجدد في كتاب التوحيد واستدل له بالأدلة الصحيحة، نعم.

وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع.

نعم ودخوله أوّلي في حديث معاوية «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» هذا هو الفقه الأكبر الفقه الأعظم داخل في حديث معاوية «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» ليس معناه الاقتصار على فقه الفروع العملي لا، دخول الفقه الأكبر الذي هو علم الاعتقاد في حديث معاوية أولي هو أولى ما يدخل إضافة إلى جميع أبواب الدين، يفقهه في الدين، الدين أشمل من أن يكون فقه فروع أو حتى عقائد فقط أو تفسيرا فقط أو علوما أخرى إنما مجموع الدين هو المراد بحديث معاوية، فلا بد أن تعرف جميع مسائل الدين أو جميع فروع أو العلوم الدينية التي تدخل في حديث معاوية لتتفقه في الدين، ولذلك لما سأل جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان وهذه شاملة للدين كله قال «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».

ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة- رحمة الله عليه- ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين الفقه الأكبر.

مع أن بعضهم يشكك في نسبتها للإمام، ومنهم من يقول هي مجموعة من أقواله ومؤلفة على هذا النسَق ومنهم من يثبتها له، وعلى كل حال الحنفية لهم عناية بها شرحوها شروحا مطبوعة ومتداولة، ومن أشهرها شرح ملا علي قاري الذي طبع مرارًا وأبو منصور الماتريدي صاحب المذهب المشهور شرح هذه الرسالة الفقه الأكبر، وعلى كل حال هي موجودة لكنها من رواية أبي مطيع، وأبو مطيع فيه كلام لأهل العلم، وعلى كل حال العبرة بما فيها هل عليها ملاحظات أو ليس عليها ملاحظات؟ هل يوافق أصول الإمام أو لا يوافق؟ هل أقرها كبار الأتباع من أتباع أبي حنيفة ولاسيما الصاحبين مثلاً أو نفوها؛ لأن نسبة الكتب نفيًا وإثباتًا يحتاج إلى أسانيد فإذا صحت الأسانيد بها إلى مؤلفيها فإنها تُثبَت، وقد تنقطع الأسانيد فإن كانت مستفيضة نسبتها إلى مؤلفيها وينقل عنها أهل العلم من غير نكير ويتداولون أقوالها منسوبة إلى من نسب إليه الكتاب فلا إشكال، مع أن الذهبي يشدد في هذا ونفى كتبًا كثيرة؛ لأن أسانيدها انقطعت أو في إسنادها من فيه ضعف والاستفاضة وموافقة المحتوى لأصول من نُسبت إليه ونقل أهل العلم عن هذا الكتاب منسوبًا إلى من نسب إليه كافي في مثل هذا، فمثلاً الرد على الجهمية للإمام أحمد شكك في نسبته كثير من المؤرخين ومنهم الذهبي- رحمه الله- لكن أجد شيخ الإسلام نقل عنه ونسبه للإمام أحمد في منهاج السنة فقط في فيما يقرب من مائة موضع والذي يصدق ذلك كله أو يكذبه محتوى الكتاب، إن كان فيه ما ينكر ولا يليق بأصول هذا الإمام ولا بأقواله نعم تأكد وشدد في الإثبات وانظر في الأسانيد؛ لأن معك مستندا وإذا كان سارٍ وجارٍ على قواعده واستفاض بين أهل العلم أنه من مصنفات فلان فلا تشديد.

وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل.

بلا شك لأنه أمر غيبي لا يرى بالأبصار فيعرف بهذه الرؤية والأمور الغيبية لا يمكن أن تدركها العقول إلا بخبر الصادق، ولذلكم سبب ضلال كثير من أهل الكلام أو سبب ضلال من ضل من أهل الكلام كونهم تكلموا فيما لا تدركه عقولهم بعقولهم فضلوا وأضلوا، يعني لو يقال لك ما الذي وراء هذا الجدار؟ ما تدري مهما اجتهدت فلن تصل إلى نتيجة، قد يكون من باب الصدفة ومن باب الاتفاق لكن هذا فيه مخلوق مثلك أمره سهل لكن فيما لا تدركه الأفهام ولا تبلغه الأوهام لا يمكن، أنت لو قيل لك زيد بن فلان بن فلان ما رأيته إطلاقًا في حياتك كلها وهو من علماء الهند مثلاً، أنت تجزم بأنه شخص ماثل على صفة المخلوقين يمشي على رجلين وله وجه وله رأس وله رجلين ويدين وعينين تجزم بهذا في الجملة، لكن هل تحدد سجاياه وأخلاقه ولونه وطوله وقصره وصفاته؟ تعرف عنه إجمالاً لكن ما تعرف عنه بطريق التفصيل وهذا له مثال ونظير مشاهد فكيف بمن ليس كمثله شيء؟! هذا لا يمكن أن تستقل به العقول لا بد من توقيفه من الشرع نفسه، لا بد أن يأتينا منه-جل وعلا -أو من نبيه المبلغ عنه ما يبيِّن لنا شيئًا من أسمائه وصفاته ولذلك الاعتقاد الصحيح إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-من غير دخول في تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل إنما على حد قوله: { كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ } الشورى: ١١.

فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين وإليه داعين ولمن أجابهم مبشرين ولمن خالفهم منذرين وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان أحدهما تعريف الطريق الموصلة إليه وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه والثاني تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم المقيم فأعرف الناس بالله عز وجل أتبعهم للطريق الموصل إليه وأعرفهم بحال.

هل المراد بهذا تعريف الطريق وتعريف سالكي هذا الطريق بمعنى الحد؟ بمعنى تعريف الطريق ما الطريق مثلاً أو معرفة الطريق الذي يُسلك من أجل أن يسلك.

طالب: .............

لأن تعريف الطريق تفتح القاموس وترى ماهو الطريق وتعرفه من خلال إذا كان القصد الحد والتعريف لكن معرفة الطريق تعريفه من خلال القاموس؟ لا، ما تعرفه إلا بالأدلة والنصوص.

فأعرف الناس بالله عز وجل أتبعهم للطريق الموصل إليه وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه ولهذا سمى الله ما أنزله على رسوله روحًا لتوقف الحياة الحقيقية عليه ونورًا لتوقف الهداية عليه فقال تعالى: { يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ } غافر: ١٥  وقال تعالى: { وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٢ صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ ٥٣ } الشورى: ٥٢ - ٥٣.

{ كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ } الشورى: ٥٢  وهذا الخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- يعني قبل أن يوحى إليه ما يعرف وكذلك سائر البشر لا يوجد أحد يمكن أن يعرف من غير أن يُعرَّف بهذا الطريق الذي يجب سلوكه.

فلا روح إلا فيما جاء به الرسول ولا نور إلا في الاستضاءة به وهو الشفاء كما قال تعالى { هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞ } فصلت: ٤٤.

من المؤسف جدًا أن يقال على لسان بعض المثقفين أن جزيرة العرب ما رأت النور منذ خمسة آلاف سنة- نسأل الله العافية- ما رأت النور منذ خمسة آلاف سنة وأي نور أعظم من النور الذي جاء به محمد -عليه الصلاة والسلام- والله المستعان.

وهو الشفاء كما قال تعالى: { هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞ } فصلت: ٤٤  فهو وإن كان هدى وشفاءً مطلقًا لكن لما كان المنتفع بذلك هم المؤمنين خصوا بالذكر.

{ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞ } فصلت: ٤٤  ولغيرهم؟

طالب: .............

التخصيص بالذين آمنوا لأنهم هم الذين يتدينون به وهم المنتفعون به في الغالب، وإلا قد ينتفع غير المؤمن كافر فيسلم صار هدى له، وقد يشفى المريض وهو غير مسلم كما في قصة اللديغ في حديث أبي سعيد كافر ورقاه أبو سعيد بسورة الفاتحة فشُفي لكن الأصل أنه ينتفع به ويهتدي به ويشفى به من أمراض القلوب وأمراض الأبدان المؤمنون لأنهم هم الذين يعتقدونه ويتدينون به { وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ } الذاريات: ٥٥  لكن كم انتفع بها من كافر وأسلم بسببها لكن الكلام على الغالب.

والله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق فلا هدى إلا فيما جاء به ولا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانًا عامًا مجملاً ولا ريب أن معرفة.

هذا على كل أحد، على عموم الناس أن يؤمنوا بما جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام- إيمانًا مجملاً هذا يطالب به كل أحد ولا يعفى منه أحد لا متعلم ولا عامي ولا كبير ولا صغير لكنه إيمان مجمل ليس بإيمان مفصّل بتفاصيل مسائل الاعتقاد وأدلتها لا، هذا يختص به أهل العلم.

ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية.

يقوم به ويحمله أهل العلم، أهل العناية به، فهو فرض كفاية لا يجوز أن يضيع من الأمة كلها بل لا بد أن يقوم به من يكفي.

فإن ذلك في تبليغ.

داخل.

أحسن الله إليك.

ليس عندك؟

لا، ليست موجودة.

فإن ذلك داخل في تبليغ. أي طبعة التي معك.

الرسالة.

أي الأولى أو الثانية؟

الثانية.

عجيب.

فإن ذلك داخل. حتى في طبعة الشيخ أحمد شاكر موجودة داخل.

طالب: .............

التي معك الظاهر أنها هي التي معي.

طالب: .............

إيه هذي الثالثة.

هل يوجد أحد معه الطبعة الأولى من  طبعات الرسالة، أول طبعة من طبعات الرسالة عندك يا أبا عبد الله طبعة المكتب.

طالب: .............

معك المكتب أنت؟ فيها داخل؟

طالب: .............

حتى موجودة عند أحمد شاكر.

أجل سقطت.

سقطت سهوا.

فإن ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله به رسوله وداخل في تدبر القرآن وعقله وفهمه وعلم الكتاب والحكمة وحفظ الذكر والدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ونحو ذلك مما أوجبه الله على المؤمنين فهو واجب على الكفاية منهم.

ودخول ما يتعلق بالله جل وعلا ومعرفته في هذه الأمور دخول أوّلي، فهو أولى ما يدخل في هذه الأمور وأولى ما يعنى به تدبر القرآن؛ ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- قراءة القرآن على الوجه المأمور به،  ومع الأسف أن بضاعتنا من هذا قليلة قد نقرأ القرآن لكن بقلوب غائبة من غير تدبر ولا نظر ولا فكر فلا نستفيد الفائدة المرتبة على ذلك، قد نحصل أجر الحروف وذلك من فضل الله- جل وعلا- لكن ما يترتب على التدبر نحن محرومون منه؛ لأننا ما نتدبر.

فتدبر القرآن إن رمت الهدى        .

 

فالعلم تحت تدبر القرآن             .

وقراءة القرآن كما يقول شيخ الإسلام على الوجه المأمور به تورث القلب من العلم واليقين والطمأنينة ما لا يعرفه إلا من جربه، نحن ما جربناه من أجل أن نحس بهذا الأمر، وما وجد الخلل في تصرفات الناس وأمراض القلوب ما وجدت في قلوب الناس أو قلوب من ينتسب إلى العلم إلا بفقد هذا التدبر { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ }  محمد: ٢٤.

وأما ما يجب على أعيانهم فهذا يتنوع بتنوع قدرهم.

بلا شك أن العلماء يجب عليهم من هذا الأمر ما لا يجب على من دونهم، فيجب على العالم المتمكن الراسخ القادر على ذلك لا شك أنه يجب عليه أكثر ممَّا يجب على من دونه، العالم عليه أن يبذل لمعرفة هذا الباب أكثر مما يجب على طالب العلم، طالب العلم أكثر مما على العامي، وهكذا كل على حسب منزلته وما أعطاه الله من قدرة { لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا } الطلاق: ٧.

وأما ما يجب على أعيانهم فهذا يتنوع بتنوع قدرهم وحاجتهم ومعرفتهم وما أُمر به أعيانهم، ولا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم أو عن فهم دقيقه ما يجب على القادر على ذلك، ويجب على من سمع النصوص وفهمها من علم التفصيل ما لا يجب على من لم يسمعها، ويجب على المفتي والمحدث والحاكم ما لا يجب على من ليس كذلك.

لا شك أن العلم حجة، إذا بلغك قال الله وقال رسوله قامت عليك الحجة فإما أن تفهمها وتعقلها وتعمل بها وتدعو إليها فتكون حجة لك أو تكون بعكس ذلك وضده فتكون حجة عليك نسأل الله العافية.

 

نقف على هذا: (ينبغي أن يعرف).

"