شرح الموطأ - كتاب الصيام (7)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وحدثني عن مالك عن حُميد بن قيس المكي القاري الأعرج أنه أخبره قال: كنت مع مجاهد، الإمام مجاهد بن جبر، وهو يطوف بالبيت فجاءه إنسانٌ فسأله عن صيام أيام الكفارة: أمتتابعات أم يقطعها؟ يعني في كفارة اليمين: أمتتابعات أم يقطعها؟ وليس السؤال عما نُص عليه بأنها متتابعات، كما أنه ليس السؤال عما نص عليها بأنها متفرقات                ﰍﰎ البقرة: ١٩٦  فالسؤال عن الكفارة، كفارة اليمين، بدليل الجواب قال حميد: فقلت له: نعم، أجاب حميد بن قيس المكي بين يدي الإمام مجاهد بن جبر، فقلت له: نعم، يقطعها إن شاء؛ لأنه جائز فلم يشترط فيه التتابع، وفي هذا أنه لا مانع أن يتكلم المتعلم بحضرة المعلم إذا كان يعرف من عادته وطبعه أنه لا يتأثر بذلك، الناس يتفاوتون أو رأى أنه إذا أخطأ يسدده كثير من طلاب العلم، يلقون الكلمات والمواعظ وبعض الدروس، وقد يتكلمون على بعض الآيات وبعض الأحاديث بين يدي بعض الشيوخ للتسديد والتصويب، فإذا كان بهذا الاعتبار فلا بأس به، قال مجاهد: لا، لا يقطعها، صوبه هو يقول: نعم يقطعها إن شاء، قال مجاهد: لا يقطعها فإنها في قراءة أُبي بن كعب: (وصيام ثلاثة أيام متتابعات) والاحتجاج بالقراءة الخارجة عن مصحف عثمان التي لم تثبت بطريق التواتر، هذه مسألة خلافية بين أهل العلم؛ فمنهم من يرى الاحتجاج بها على أنها ليست بقرآن، وإنما تجري مجرى الخبر، الحديث النبوي، ثبتت بإسناد صحيح عن أُبي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فحكمها حكم الحديث النبوي يحتج بها، لكن لا تقرأ على أنها قرآن؛ لأن من شرط القرآن التواتر كذا قالوا، ويرى بعضهم أنه لا يستدل بها ولا يحتج بها، إذا كانت خارجة عن مصحف عثمان لا يحتج بها ولا يستدل بها؛ لأنها لم تثبت قرآنًا، ولم يأت سياقها على أنها حديث، فإذا لم تكن قرآنًا وليست بحديث لا يحتج.. ليست بحجة...

ماذا تقول يا أبا عمر؟ ما تعليقك على كلام أهل العلم في هذا؟

طالب: ...................

صح ما هو..، وعجبنا له يسأله ويصدقه، لا نريد رأيك.

طالب: ..................

يحتج بها وإلا ما يحتج؟

طالب: ..................

لا يحتج بها ولا على أساس أنها ثبتت عن أُبي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسناد صحيح، لكن متى يقال: إنها شاذة؟ إذا لم تكن متواترة فهي شاذة، لكن ثبتت بالأسانيد، بالإسناد الصحيح إلى أبي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهي شاذة باعتبارها قرآنًا، لكن لماذا لا يقال: إنها حديث عن النبي حكمها حكم الحديث مادام ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام-؟ وهذا محل الخلاف بين أهل العلم، ومن يرى أنه لا يحتج بها مطلقًا يقول: مادام ما أثبتناها قرآنًا ولم تورد على أساس أنها مضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حديث إذا لا هذا ولا هذا فلا اعتبار بها.

طالب: ..................

ما هي مسألة نسخت، هي أصلاً ما ثبتت قرآنًا؛ لأن من شرط القرآن التواتر، ليست متواترة؛ لأنها لو كانت متواترة لثبتت في مصحف عثمان.

طالب: ..................

ماذا فيه؟

طالب: ..................

قرر أهل العلم على أنه مازال قرآنًا لكنه منسوخ التلاوة، الشيخ والشيخة وما جاء في معناها الرضاع.

طالب: ..................

الرجم الرضاع كلها أساس أنه قرآن منسوخ التلاوة والحكم باقٍ.

طالب: ..................

كيف؟

طالب: ..................

لا تقبل قرآنًا، تقبل تفسيرًا من الصحابي وإلا من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ الصحابي يرويها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ..................

يعني سنة تفسيرية من تفسير النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ..................

الخلاف فيها قوي لأهل العلم والحجج متكافئة.

طالب: ..................

لا، هو يرويها عن النبي -عليه الصلاة و السلام-.

طالب: ..................

الخلاف موجود بين الأئمة في هذا، والاحتياط التتابع.

قال مالك: وأحب إلي أن يكون ما سمى الله في القرآن يصام متتابعًا، وكذا استحبه الجمهور، يعني على سبيل الاحتياط، ولا يجب إلا في كفارات القتل والظهار والجماع في نهار رمضان التي جاء التنصيص على أنها متتابعات. وسئل مالك عن المرأة تصبح صائمة في رمضان فتدفع دَفعة، يعني مرة، أو دُفعة من دم عبيط خالص في غير أوان حيضها، في غير أوان حيضها يعني اللون والمواصفات مواصفات دم الحيض، لكنه في غير أوان الحيض تدفعه دَفعة في أول الصباح مثلاً وتنقطع، تفطر وإلا ما تفطر؟ في غير أوان الحيض يعني يمكن أن نقول على الخلاف في اعتبار العادة أو التمييز، وكل على مذهبه من يقدم العادة كالحنابلة يقول: لا يعتد بهذا، ومن يقدم التمييز كالشافعية يقولون: يعتبر حيضًا، يقول هنا الإمام مالك: في غير أوان حيضها، لكن الشرّاح يقيدون هذا بما إذ كان بعد انقطاع الحيض الأول بمدة هي مدة الطهر بين الحيضتين، وإلا لو جاء في أثناء المدة -مدة الطهر- ما اعتد بها، ثم تنتظر حتى تمسي أن ترى مثل ذلك فلا ترى شيئًا، ثم تصبح يومًا آخر فتدفع دُفعة أخرى، وهي دون الأولى، أقل منها، ثم ينقطع ذلك عنها قبل حيضتها بأيام، يعني انقطع حيضها في اليوم العاشر، في يوم خمسة وعشرين، في يوم خمسة..، الأصل ألا يأتيها الحيض إلا في الشهر الذي يليه في يوم خمسة وعشرين بعد مضي خمسة عشر يومًا من انقطاع الحيضة الأولى، رأت في الصباح دفعة هذا في رمضان، ثم من الغد رأت دفعة، ماذا تصنع؟ يقول: ثم تصبح يومًا آخر فتدفع دفعة أخرى وهي دون الأولى، أقل منها، ثم ينقطع ذلك عنها قبل حيضتها بأيام، انقطع رأت في يوم خمس وعشرين وست وعشرين، ثم انقطع إلى يوم ثلاثة التي هي عادتها، ثم ينقطع ذلك قبل حيضتها بأيام، فسئل مالك: كيف تصنع في صيامها وصلاتها؟ قال مالك مجيبًا: ذلك الدم من الحيضة فإذا رأته فلتفطر ولتقض ما أفطرت وجوبًا، فإذا ذهب عنها الدم فلتغتسل وتصوم ولا تقضي الصلاة. الإمام مالك يرى أنه حيض، هذا في غير وقت العادة، لماذا؟ لأن مواصفات هذا الدم هي مواصفات دم الحيض، يعني أنها مميزة تميز دم حيضها من غيره، فعمل الإمام مالك بالتمييز هنا وهو المرجح عند الشافعية.

وسئل عمن أسلم في آخر يوم من رمضان، هل عليه قضاء رمضان كله؟ أسلم في آخر يوم من رمضان هل عليه قضاء رمضان كله؟ أو يجب عليه قضاء اليوم الذي أسلم فيه؟ فقال: ليس عليه قضاء ما مضى   الأنفال: ٣٨  فليس عليه قضاء ما مضى حال كفره؛ لأن الإسلام يسقطه وإن وجب عليه حال كفره؛ لأنه مخاطب بفروع الشريعة وهذا منها يجب عليه، لكن الوجوب عند أهل العلم ليس معناه أنه يُلزَم به حال كفره ولا بقضائه إذا أسلم، وإنما يزاد في عقوبته على ترك الفروع إضافة إلى عذابه لترك الأصل، هذا هو محل الخلاف بين الحنفية والجمهور؟ وإنما يستأنف الصيام فيما يستقبل، وأحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه، وتقدمت المسألة فيمن طهرت أثناء النهار، فيمن قدم من سفر أثناء النهار، فيمن بلغ أثناء النهار، فيمن أفاق في أثناء النهار، هذا كله تقدم.

أحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه، ولا يجب -خلافًا للحسن وعكرمة- في أنه يجب قضاء الماضي، قال أبو عمر: من أوجب على الكافر يسلم أو الصبي يحتلم صوم ما مضى فقد كلف غير مكلف؛ لأن الصيام إنما يجب على المؤمن البالغ، وتقدم قبل أيام أن من أفطر لسبب مبيح يبيح له الفطر فإنه يستديم الفطر بقية يومه وإن زالت العلة، إلى آخر المسألة التي ذكرنا فيها الخلاف سابقًا، ولسنا بحاجة إلى إعادتها، نعم.

أحسن الله إليك.

لحظة، لحظة.

طالب: ..................

ما هو؟

طالب: ..................

بالأحكام الوضعية؟

طالب: ..................

يقام عليه، وقد رجم النبي -عليه الصلاة والسلام- اليهوديين.

أحسن الله إليك.

طالب: ..................

الكلام طويل وبإذن الله نبغي نقف على الاعتكاف وغدًا نكمل إن شاء الله؛ لأن بعد غد احتمال يكون من رمضان؛ ولذلك نبغي نخفف قليلا، نعم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب قضاء التطوع. حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما زوجي النبي -صلى الله عليه وسلم- أصبحتا صائمتين متطوعتين، فأهدي إليهما طعام فأفطرتا عليه، فدخل عليهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت عائشة: فقالت حفصة وبدرتني بالكلام، وكانت بنت أبيها: يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين، فأهدي إلينا طعام فأفطرنا عليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقضيا مكانه يومًا آخر» قال يحيى: سمعت مالكًا -رحمه الله- يقول: من أكل أو شرب ساهيًا أو ناسيًا في صيام تطوع فليس عليه قضاء وليتم يومه الذي أكل فيه أو شرب، وهو متطوع ولا يفطر، وليس على من أصابه أمر يقطع صيامه وهو متطوع قضاء، إذا كان إنما أفطر من عذر غيرِ متعمد للفطر، ولا أرى عليه قضاء صلاة نافلة إذا هو قطعها من حدث لا يستطيع حبسه مما يحتاج فيه إلى الوضوء.

قال مالك: ولا ينبغي أن يدخل الرجل في شيء من الأعمال الصالحة -الصلاة والصيام والحج وما أشبه هذا من الأعمال الصالحة التي يتطوع بها الناس- فيقطعه حتى يتمه على سُنَّته إذا كبر لم ينصرف حتى يصلي ركعتين، وإذا صام لم يفطر حتى يتم صوم يومه، وإذا أهلَّ لم يرجع حتى يتم حجه، وإذا دخل في الطواف لم يقطعه حتى يتم سبوعا، ولا ينبغي أن يترك شيئًا من هذا إذا دخل فيه حتى يقضيه إلا من أمر يعرض له مما يعرض للناس من الأسقام التي يعذرون بها، والأمور التي يعذرون بها، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه:    ﭾﭿ    ﮄﮅ البقرة: ١٨٧  فعليه إتمام الصيام كما قال الله، وقال الله تعالى: ﯕﯖ البقرة: ١٩٦  فلو أن رجلاً أهَلَّ بالحج تطوعًا وقد قضى الفريضة، لم يكن له أن يترك الحج بعد أن دخل فيه ويرجع حلالاً من الطريق، وكل أحد دخل في نافلة فعليه إتمامها إذا دخل فيها كما يتم الفريضة، وهذا أحسن ما سمعت.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: باب قضاء التطوع حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أن عائشة وحفصة زوجي النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن شهاب لم يدرك القصة التي حصلت في زمنه -عليه الصلاة والسلام- فهو مرسل، وقد وصله ابن عبد البر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، عن عروة عن عائشة أن عائشة وحفصة زوجي النبي -صلى الله عليه وسلم- أصبحتا صائمتين متطوعتين، أصبحتا صائمتين صوم تطوع، فأهدي لهما طعام أي شاة كما في رواية الإمام أحمد عن عائشة، فأفطرتا عليه، على هذا الطعام، فدخل عليهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت عائشة: فقالت حفصة، وبدرتني سبقتني بالكلام، وكانت بنت أبيها يعني ومادامت بنت أبيها فهي مشبهة له في المسارعة إلى مثل هذا، عمر -رضي الله تعالى عنه- كثير المسارعة في مثل هذه الأمور، وكانت بنته حفصة تشبهه، بينما عائشة أيضًا بنت أبيها أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق، وهي تشبهه، وإذا كان عمر كثير المسارعة في مثل هذه الأمور، فإن أبا بكر من أهل المسارعة إلى الخيرات والمسابقة، وقد حصل منه المسابقة إلى الخير مع عمر نفسه في الصدقة والمنافسة، فجاء عمر بنصف ماله، ثم جاء أبو بكر بجميع ماله، فهم من أهل المسارعة والمسابقة، لكن الذي يقرأ عن الرجلين يعرف أن أبا بكر..، نعم إذا اقتضى الأمر المسارعة سارع، لكنه صاحب تريث وتروي، وإلا فهو أفضل من عمر قولاً واحدًا، لا يقال: إن حفصة تسارع كأبيها إذًا عائشة أبوها أبو بكر، أو نقول: إن عائشة لم تكن كأبيها في هذه الخصلة، عائشة أفضل من حفصة، وأبو بكر أفضل من عمر، فلا بد من التوجيه المناسب، نقول: إذا كان عمر مما يمدح به المسارعة والمسابقة والمنافسة، أيضًا يمدح أبو بكر بالتأني والتريث إلا إذا اقتضى الأمر المسارعة إلى ما يقصد، وقد ظهر منه من القوة في الرأي والشجاعة ما لم يظهر من غيره في يوم الوفاة النبوية، وفي حربه مع المرتدين وغير ذلك من المواقف التي أبانت عن إمامته.

يا رسول الله إني أصبحت وعائشة صائمتين متطوعتين، فأهدي إلينا طعامًا فأفطرنا عليه، فقال رسول الله -صلى عليه وسلم-: «اقضيا مكانه يوما آخر» اقضيا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، وبه قال مالك وأبو حنيفة؛ لعموم قوله:    ﮄﮅ البقرة: ١٨٧  وهذا يشمل الفرض والنفل عنده، وقال أحمد والشافعي: لا قضاء على من أفطر في صوم التطوع لما رواه الترمذي والحاكم: «المتطوع أمير نفسه»، الصائم المتطوع أمير نفسه، أو المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر، ويحمل قوله جل وعلا ﮄﮅ البقرة: ١٨٧  على الصوم الواجب. «اقضيا مكانه يومًا» ويكون الأمر فيه للاستحباب.

قال يحيى: سمعت مالكًا يقول: من أكل أو شرب ساهيًا أو ناسيًا في صيام التطوع فليس عليه قضاء، لكن من أكل ساهيًا أو ناسيًا في صيام الفرض عليه القضاء ولا كفارة عليه، بخلاف من أكل أو شرب متعمدًا فعليه القضاء والكفارة على ما تقدم، والجمهور على أنه إن أكل أو شرب أو أفطر ناسيًا أو ساهيًا لا شيء عليه، «فإنما أطعمه الله وسقاه» ويستوي في هذا الفرض والنفل، وليتم يومه الذي أكل فيه أو شرب وهو متطوع ولا يفطره؛ حملاً لحديث: «من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه» على التطوع، الإمام مالك يحمله على التطوع وليس على من أصابه أمر يقطع صيامه وهو متطوع قضاء، وليس على من أصابه أمر يقطع صيامه من تطوع قضاء، يعني إذا احتاج إلى الصيام، إذا اضطر إلى الصيام ليس عليه قضاء، إذا كان إنما أفطره من عذر كمرض أو حيض أو شبههما غير متعمد للفطر بخلاف المتعمد فإن عليه القضاء ولو كان نفلاً على الأثر السابق: «اقضيا مكانه يوما آخر»، ولا أرى عليه قضاء صلاة نافلة، ولا أرى عليه قضاء صلاة نافلة إذا هو قطعها من حدث لا يستطيع حبسه، يعني منعه مما يحتاج فيه إلى الوضوء من بول أو غائط أو ريح، لا يستطيع حبس هذا، فليس عليه قضاء كمن أفطر وهو صائم لعذر لا قضاء عليه، إنما القضاء على من قطع العبادة من غير عذر.

قال مالك: ولا ينبغي لا يجوز أن يدخل الرجل في شيء من الأعمال الصالحة -الصلاة والصيام والحج وما أشبه هذا من الأعمال الصالحة كالعمرة والطواف والاعتكاف التي يتطوع بها الناس- فيقطعه حتى يتمه على سنته، يعني لا يجوز له أن يقطع لقوله جل وعلا محمد: ٣٣ ؛ ولذا من شرع في صلاة نافلة ثم أقيمت الصلاة يقطعها وإلا ما يقطعها؟

طالب: ..................

يعني إذا كان أتم ركعة كاملة وهي التي تسمى صلاة لا يقطعها محمد: ٣٣  وإن كان لم يتم ركعة فما أقل من ركعة ليس بصلاة، ويشمل حديث: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» فيقطعه منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية في جواب النهي، حتى يتمه على سنته، على طريقته المشروعة، إذا كبر لم ينصرف حتى يصلي ركعتين؛ لأن ذلك أقل الصلاة، أقل الصلاة يعني في غير الوتر؛ ولذا لا تتأدى تحية المسجد بركعة: «فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» يعني أقل شيء ركعتين، وإذا صام لم يفطر حتى يتم صوم يومه؛ لقوله جل وعلا:    ﮄﮅ البقرة: ١٨٧  وإذا أهلّ بالحج لم يرجع حتى يتم حجه؛ لقوله تعالى:   ﯕﯖ البقرة: ١٩٦  ومثل الحج العمرة، وإذا دخل يعني شرع في الطواف لم يقطعه حتى يتم سبوعه مع ركعتيه، إن شئت فقلت: سُبوع أو أسبوع، الأسبوع ما يشتمل على سبعة أجزاء، كالأسبوع يشتمل على سبعة أيام، والأسبوع في الطواف يشتمل على سبعة أشواط، ولا ينبغي أن يترك شيئًا من هذا إذا دخل فيه حتى يقضيه، أي يتمه ويؤديه حتى يقضيه يتمه ويؤديه، والقضاء يأتي بمعنى الإتمام، يأتي بمعنى الأداء: فصلت: ١٢  يعني إذا قضيت الصلاة،  ليس معنى هذا أنه يقضيها بعد خروج وقتها، لا، إنما هو في وقتها، إلا من أمر يعرض له مما يعرض للناس من الأسقام من الأمراض التي يعذرون بها، والأمور التي يعذرون بها من غير الأسقام كالحيض وشبهه، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: البقرة: ١٨٧  يعني في جميع الليل إلى الغاية المحددة البقرة: ١٨٧  يعني بياض النهار    البقرة: ١٨٧  الذي هو سواد الليل ﭾﭿ    ﮄﮅ البقرة: ١٨٧  إلى آخر وقته، وهو غروب الشمس، فعليه إتمام الصيام حينئذٍ كما قال الله جل وعلا: ﮄﮅ البقرة: ١٨٧ ، وهذا عنده يشمل الفرض والنفل بعمومه، كما أن قوله: ﯕﯖ البقرة: ١٩٦  يشمل الفرض والنفل عند الجمهور، فلو أن رجلاً أهلّ -أي أحرم- بالحج تطوعًا وقد قضى الفريضة قبل ذلك، لم يكن له أن يترك الحج بعد أن دخل فيه نصًّا في الحج والعمرة والصيام، ويقاس عليها بقية العبادات من الأعمال الصالحة، ويرجع حلالاً من الطريق، يعني الذي جاء منه. وكل أحد دخل في نافلة لا تتبعض فعليه إتمامها إذا دخل فيها، كل من دخل في نافلة لا تتبعض عليه إتمامها، إذا دخل فيها كما يتم الفريضة؛ لأن العبادة بالشروع تلزم على رأيه وعند الجمهور لا يلزم إلا الحج والعمرة من النوافل كما يتم الفريضة، وهذا أحسن ما سمعت. فأما العبادات التي تتبعض كالقراءة مثلاً، شرع في القراءة، شرع في قراءة سورة البقرة وفي نيته إتمامها، ثم طرأ له ما يجعله يقتصر على بعضها يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز؛ لأنها تتبعض إذا قرأ منها ما شاء له الخيار، إن شاء أتم وإن شاء ترك، نعم.

طالب: ..................

لا يجوز له أن يفطر بحال؛ لأنه واجب، والكلام هنا في النفل، نعم.

باب فدية من أفطر في رمضان من علة

حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- كبر حتى كان لا يقدر على الصيام، فكان يفتدي، قال مالك -رحمه الله-: ولا أرى ذلك واجبًا، وأحب إلي أن يفعله إذا كان قويًّا عليه، فمن فدى فإنما يطعم مكان كل يوم مُدًّا بمد النبي -صلى الله عليه وسلم-. وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام، قال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينًا مدًّا من حنطة بمد النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال مالك: وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل: ﭿﮀ البقرة: ١٨٤  ويرون ذلك مرضًا من الأمراض مع الخوف على ولدها.

وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول: من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه وهو قوي على صيامه، حتى جاء رمضان آخر، فإنه يطعم مكان كل يوم مسكينًا مدا من حنطة، وعليه مع ذلك القضاء.

وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن جبير مثل ذلك.

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب فدية من أفطر في رمضان من علة

يقول حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن أنس بن مالك كبِر بكسر الباء أسن، حتى كان لا يقدر على الصيام، في آخر عمره لا يستطيع الصيام، فكان يفتدي، يطعم عن كل يوم مسكينًا مدًّا، أو نصف صاع على الخلاف، قال مالك: ولا أرى ذلك -يعني الإطعام- واجبًا، وأحب إلي أن يفعله على طريق الاستحباب إذا كان قويًّا أي قادرًا عليه، يعني العاجز عن الحج يسقط عنه من عجز عن شيء مما أوجب الله عليه يسقط عنه: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» مفهومه أن الذي لا نستطيعه لا نأتي به، فالعاجز عن الصيام يفطر. أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- يفطر، وتقدم لنا قول ابن عباس في قوله جل وعلا:       البقرة: ١٨٤  أنها في الشيخ الكبير، الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام عليه فدية، وعرفنا لماذا قال ابن عباس: عليه فدية؟ مع أن الذي يطيقه هو الذي يستطيعه، لكن لما جُعل الصيام في الإطعام في مقابل الصيام وقت التخيير، وقد ارتفع التخيير استمرت المقابلة، فإما أن يصوم الشخص أو يُطعم ولا ثالث لهما، الجمهور مشوا على هذا أن عليه الإطعام، الذي لا يستطيع عليه الإطعام، وهذا قول ابن عباس. مالك يقول: ولا أرى ذلك واجبًا، يعني الإطعام، وأحب أن يفعله إذا كان قويًّا يعني قادر على الإطعام، قادرًا عليه، فإن عجز فلا شيء عليه، فمن فدى يعني تحصيلاً لأجر المستحب فإنما يطعم مكان كل يوم مدًّا بمد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا رأي الإمام مالك أن الفدية لا تجب على من لا يطيق الصيام؛ لأن الله -جل وعلا- لم يوجبه على من لم يطقه ومن لا يطيقه، والفدية لم تجب بكتاب ولا سنة صحيحة، يعني التخيير بين الصيام والإطعام نُسخ، التخيير في حق المطيق بين الصيام والإطعام منسوخ، فكيف نعمل بنص منسوخ؟ ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ مادام نسخ كيف نعمل بنص منسوخ؟ والنسخ رفع كلي للحكم، لكن لو كان رفعًا جزئيًا ما صار نسخا صار تخصيصًا مثلاً، ولا يمكن أن يقال: إنه خاص بالذي لا يطيقه وهو الشيخ العاجز، والنص في الذي يطيقه، لكن فقه ابن عباس وهو من دقيق فقهه أنه مادام العقل مناط التكليف ثابت فهو مكلف بهذه العبادة، كالصلاة لا تسقط بحال، فإما أن يوجد هذه العبادة أو يوجد البدل والفدية لم تجب بكتاب ولا سنة صحيحة ولا إجماع، والفرائض لا تجب إلا بهذه الوجوه؛ إما بالكتاب أو بالسنة أو بالإجماع، والذمة بريئة قاله أبو عمر وأوجب الإطعام غيره من أهل العلم؛ لأنه بدل الصوم، وفيه قول ابن عباس في الآية التي تقدمت.

وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها؛ لأن الحمل يتغذى من غذاء أمه، فإذا انقطع الغذاء عن الأم انقطع عن الولد، الأم تتحمل، لديها قدرة تتحمل المدة، مدة الصيام، ولا ضرر عليها، لكن الولد يتضرر. إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام قال: تفطر، وتطعم مكان كل يوم مسكينًا مدًّا من حنطة بمد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبهذا قال أهل الحجاز، وقال العراقيون: نصف صاع بدلاً من المد وهو أحوط.

قال مالك: أهل العلم يرون عليها القضاء فقط بلا إطعام خلافًا لابن عمر، ابن عمر سئل عن الحامل تفطر مخافة على ولدها تقضي مكانه يومًا وتطعم، نعم كيف؟

طالب: ..................

.. فأفطر ..

طالب: ..................

لا ما يصح.

طالب: ..................

وأهل العلم يرون عليها القضاء فقط بلا إطعام خلافًا لابن عمر كما قال الله عز وجل:        ﭿﮀ البقرة: ١٨٤  ووجه الاستدلال أنهم يرون أن ذلك مرضًا أو شبيه بالمرض، يعني يعوق عن متابعة الصيام، وفيه صيانة لنفس معصومة، حتى لو أن الشخص رأى شخصًا مقبلاً على هلكة إما في نار أو في بحر فيه غرق وإلا حرق وإلا شيء وأفطر من أجل إعانته لا شيء عليه، لكن هل يطعم؛ لأنه خاف على غيره مثل المرأة التي تخاف على ولدها سواء كانت حاملاً أو مرضعًا، يلزمه أن يطعم أو لا يلزمه؟ يكفيه القضاء؟

طالب: ..................

طيب هذه خافت على ولدها، وهذا خاف على شخص من أبعد الناس، القياس يقتضيه، يعني من خاف على نفسه يكفيه القضاء، من خاف على غيره والمثال بالحامل والمرضع إذا خافت على ولديهما عليهما القضاء والإطعام، الله -جل وعلا- وضع عن المسافر شطر الصلاة ووضع عن الحامل والمرضع ماذا؟ الصيام، يعني وضع عنهما الصيام إلى غير بدل، أو لا بد من القضاء لعموم ﭿﮀ البقرة: ١٨٤  والإطعام لخبر ابن عمر كما قال: ويرون ذلك مرضًا من الأمراض مع الخوف على ولدها، فدخل في عموم الآية، بخلاف من خافت على ولدها وهي المرضع فتقضي وتطعم. الآن أهل العلم يرون عليها القضاء فقط هذا بالنسبة للحامل إذا خافت على ولدها، كلام ابن عمر لما سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها الهلاك، واشتد عليها الصيام، قال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينًا مُدًّا من حنطة بمد النبي -عليه الصلاة والسلام- كما يقول أهل الحجاز، أو نصف صاع وهو الأحوط، يقول مالك: أهل العلم يرون عليها القضاء، يعني الإطعام ثبت بخبر ابن عمر والجمهور بالآية، هذا بالنسبة للحامل التي تفطر خوفًا على ولدها، مثلها المرضع إذا خافت على ولدها، المرضع إذا خافت على ولدها فتقضي وتطعم، والخلاف فيها وفي المرضع، أيهما أقوى: الخلاف في الحامل وإلا المرضع؟ المرضع؛ لأنها تجد بدلاً، تجد من يرضعه، أما بالنسبة للحامل لا تجد من يحمله، فهي أحوج إلى الفطر من المرضع؛ ولذا الكفارة والإطعام بالنسبة للمرضع أقوى منه بالنسبة للحامل، والإطعام إنما هو بالنسبة لمن خافتا على ولديهما، أما إذا خافتا على نفسيهما فلا إطعام للعذر.

يقول: وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه القاسم، أحد الفقهاء السبعة، أنه كان يقول: من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه وهو قوي على صيامه إلا إن اتصل عذره، حتى جاء رمضان آخر، فإنه يطعم وجوبًا، يعني ما قضى رمضان الماضي حتى مر عليه رمضان آخر، مثل هذا يقضي بعد رمضان الثاني ويطعم وجوبًا مكان كل يوم مسكينًا مُدًّا من حنطة عند الجمهور عليه مع ذلك القضاء بلا نزاع.

المسألة فيمن عليه قضاء من رمضان وأخره إلى رمضان آخر من غير عذر، يعني ما اتصل عذره برمضان الثاني، إذا اتصل عذره برمضان الثاني هذا معذور ما عليه شيء، لكن إذا لم يتصل العذر تمكن من القضاء فلم يقض، الجمهور على أنه يطعم عن كل يوم مسكينًا.

يقول: وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن جبير مثل ذلك، وبه قال الأكثر، قال أبو حنيفة: لا إطعام عليه، يعني أخره إلى رمضان، آخر عليه القضاء ولا إطعام عليه، إنما عليه القضاء فقط؛ لأن الله تعالى قال: ﭿﮀ البقرة: ١٨٤  ولم يذكر إطعامًا، لكن قال ابن عبد البر: إنه ثبت عن ستة من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف الأمر بالإطعام، وفي البخاري متى يقضي قضاء رمضان؟ وقال ابن عباس: لا بأس أن يفرق؛ لقول الله تعالى: ﭿﮀ البقرة: ١٨٤  وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر: لا يصلح حتى يبدأ برمضان، وقال إبراهيم: إذا فرط حتى جاء رمضان آخر يصومها، ولم ير عليه إطعامًا، ويذكر عن أبي هريرة مرسلاً وابن عباس يطعم، يقول البخاري: ولم يذكر الله تعالى الإطعام إنما قال: ﭿﮀ البقرة: ١٨٤  فالراجح عند الإمام البخاري عدم الإطعام وأن عليه القضاء فقط كقول أبي حنيفة، لكن الأكثر على أنه يُطعم مع القضاء وليس في الإطعام نص ملزِم، والأصل براءة الذمة، لكن من أراد أن يطعم من باب الاحتياط فهذا أولى، نعم.

أحسن الله إليك.

باب جامع قضاء الصيام

حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع عائشة زوجَ النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول: إن كان ليكون علي الصيام من رمضان، فما أستطيع أصومه حتى يأتي شعبان.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب جامع قضاء الصيام

حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد، هو الأنصاري، ووهم الكرماني تبعًا لابن التين فقال: هو يحيى بن أبي كثير، وذهب مغلطاي فنقل عن الضياء أنه القطّان، والصواب أنه يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سمع عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول: إن كان ليكون علي الصيام من رمضان فما أستطيع أن أصومه حتى يأتي شعبان، قال يحيى: الشغل من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فهي تشتغل بخدمته وحاجته، ولا تتفرغ للصيام حتى يضيق عليها الوقت،واستدل بهذا على أن عائشة -رضي الله عنها- كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في ست شوال ولا في عشر ذي الحجة ولا عاشوراء ولا غير ذلك، وفيه أن القضاء لا يجب على الفور بشرط العزم، وأن حق الزوج مقدم على سائر الحقوق.

أحسن الله إليك

باب صيام اليوم الذي يشك فيه

حدثني يحيى عن مالك أنه سمع أن أهل العلم ينهون أن يصام اليوم الذي يشك فيه من شعبان إذا نوى به رمضان، ويرون أن على من صامه على غير رؤية ثم جاء الثبت أنه من رمضان أن عليه قضاءه، ولا يرون في صيامه تطوعًا بأسًا، قال مالك: وهذا الأمر عندنا، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.

يقول رحمه الله: باب صيام اليوم الذي يُشك فيه

ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر؛ لأنه إذا لم يحل دونه غيم ولا قَتر صارت السماء صحوًا ولم ير الهلال، فهذا ليس بشك إنما هو مقطوع به بأنه من شعبان، ليس هذا هو اليوم الذي يشك فيه إنما اليوم الذي يشك فيه إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر، هذا الذي يشك فيه، وجاء في حديث صلة عن عمار كما علقه الإمام البخاري: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-»، وهو أبلغ من قوله: من صام يوم الشك؛ لأن يشك فيه ما يكون فيه أدنى شك، يعني يشك فيه أي واحد من الناس، ما يلزم أن تشك أنت، لو شك أي واحد من الناس في صيام هذا اليوم دخلت في المعصية، يعني نظير الحديث: «من حدث عني بحديث يَرى أنه كذب» والرواية الأخرى: «يُرى» هذه أشد، يعني لو رآه غيرك أنه كذب لا يجوز أن تحدث به، بينما على الرواية الأولى: يَرى، لا بد أن تراه بنفسك أنه كذب، إذا لم تراه أنت فالأمر فيه سعة؛ ولذا قالوا: إن اليوم الذي يشك فيه أبلغ من يوم الشك، أو اليوم المشكوك في صيامه.

حدثني يحيى عن مالك أنه سمع أهل العلم ينهون أن يصام اليوم الذي يشك فيه من شعبان نهي كراهة، مذهب مالك وإن كان الظاهر التحريم؛ لقول عمار: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-» عند الحنابلة اليوم الذي يشك فيه يعني ليلة الثلاثين من شعبان إن حال دونه غيم أو قتر أو سحاب، فظاهر المذهب يجب صومه، وعرفنا أنه في الرواية الأخرى يجوز صومه، والأخرى لا يجوز صومه، ثلاث روايات، لكن المعروف في المذهب أنه يجب صومه وهو يوم الشك حقيقة، عملا بصنيع ابن عمر وهو راوي الحديث. على كل حال المرفوع الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بالاتباع، ولا قول لأحد مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: «الذي يُشك فيه» أنه من شعبان، إذا نوى به صيام رمضان يعني احتياطًا ينهون عنه، ويرون أن على من صامه على غير رؤية صام يوم الثلاثين من شعبان الذي هو يوم الشك، ثم جاء الثبت -يعني الثقة الذي يثبت الشهر بقوله- أنه من رمضان أن عليه القضاء؛ لأنه لم يصمه بنية جازمة؛ لأنه صامه على سبيل التردد إن كان من شعبان فهو تطوع وإن كان من رمضان فهو فرضه، شخص صلى العشاء ونام ليلة الثلاثين من شعبان، وما استيقظ إلا بعد طلوع الفجر وفي نيته أنه إن كان غدًا من رمضان يعني إن ثبت من رمضان لا أنه يوم شك، هذا ماش على الجادة، يعني إن ثبت ودخل الشهر بطريقة شرعية فأنا صائم بهذه النية بهذا التردد، دعونا من صامه على أنه يوم شك أو على أنه من شعبان تطوعًا، ثم تبين بعد ذلك أنه صامه بنية الشك، أو بنية الجزم بأنه من شعبان هو صائم، سواء شك وإلا من شعبان الثاني؟ لا، يقول: لن أصوم إلا إن كمل رمضان ثم طلع عليه الفجر، هل تكفيه نية التردد بعد أن جاء الثبت، أعلن الناس بالليل وهو نائم أن غدًا رمضان، كيف؟ لا بد من الجزم بالنية وإن قال: غدًا إن كان من رمضان فأنا صائم، ما صح صومه، لكن كأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إلى أنه لا يكلف أكثر من هذا، لا يمكن أن يكلف أكثر من هذا، وهو مأمور بالنوم بعد صلاة العشاء، لكن هل يقال له: اسهر حتى تسمع الخبر وليس بمقدوره أكثر من هذا، تعبان نام، من صلى العشاء إلى أن أذّن الصبح وهو في نيته إن كان من رمضان يبغي يصوم، شيخ الإسلام كأنه يصحح مثل هذا.

طالب: .................

هو لا يستطيع أن يفعل أكثر من هذا ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، لكن عليه أيضًا أن يحتاط، إما أن يتأخر في نومه أو يتقدم في انتباهه، عليه أن يبذل الأسباب ليجزم بصيامه.

طالب: .................

نعم، لكن أنا أقول: عليه أن يحتاط، لكن إذا ما تيسر ركّب الساعة، وقال: الناس سيوقظوني قبل صلاة الفجر، إن كان صيامًا فأيقظوني أنوي وأتسحر، ما أيقظوه.

طالب: .................

هو لا بد من النية الجازمة لكن يبقى أنه لا يستطيع أكثر من هذا، شيخ الإسلام هذا مأخذه، نعم.

طالب: .................

لينوي؟

طالب: .................

أما الإيجاب من غير لازم إيجاب على الغير، لكن يبقى أنه من حقه على أهله وذويه ومن علم بحاله.

ولا يرون بصيامه تطوعًا بأسًا لا يرون؛ لأن النية..، يقول: ولا يرون أن بصيامه تطوعًا بأسًا، يعني الذي هو يوم الثلاثين من شعبان يوم الشك يصوم متطوعًا، لا على أساس أنه احتياط لرمضان يقول: لأن علة النهي منتفية ومثله إذا صادف عادة لو يصوم الاثنين وصادف يوم الثلاثين من شعبان، يوم الاثنين إذا صادف إن كان له عادة هذه يبعد كونه صامه احتياطًا لرمضان، وعلى هذا فالمترجح تركه على أي حال؛ لأنه يوم شك، وجاء النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، اللهم إلا إذا كان قضاء من رمضان سابق، وضاق عليه الوقت وما بقي إلا هذا اليوم فممكن.

قال مالك: وهذا الأمر عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا -يعني المدينة- حملاً للنهي على تحريه من رمضان؛ لحديث «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه» يعني إذا كان معتادًا لذلك، نعم.

أحسن الله إليك.

باب جامع الصيام

حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر -مولى عمر بن عبيد الله- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقولَ: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان. وحدثني عن مالك عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنة فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم». وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «والذي نفسي بيده لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي فالصيام لي وأنا أجزي به، كل حسنة بعشر مثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به». وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: إذا دخل رمضان فتّحت أبواب الجنة وغُلقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين.

وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم لا يكرهون السواك للصائم في رمضان في ساعة من ساعات النهار، لا في أوله ولا في آخره، ولم أسمع أحدًا من أهل العلم يكره ذلك ولا ينهى عنه.

قال يحيى: وسمعت مالكًا -رحمه الله- يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحِق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك. وقال يحيى: سمعت مالكًا يقول: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه.

فيه أكثر من حديث أنه هو يوم الشك، أن تقدم رمضان بيوم أو يومين، وفيه أيضًا ما ذكرت إن صح على خلاف في تصحيحه بانتصاف شعبان، استنكره أحمد وابن معين. على كل حال كلام الإمام مالك في هذا فيه ما فيه.

باب جامع الصيام

قال: حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ليتابع ويسرد الصيام حتى ينتهي ذلك إلى غاية القول بأنه لا يفطر -عليه الصلاة والسلام-، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فينتهي فطره إلى غاية يظن معها أنه لا يصوم -عليه الصلاة والسلام- تطوعًا، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان؛ لئلا يظن وجوبه، لو استكمل شهرًا كاملاً ظن وجوبه، وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان، ما رأيته في شهر أكثر -مفعول ثان لــ (رأيت)- صيامًا منه في شعبان، ومتعلق الجار والمجرور في (صيامًا) صيامًا في شعبان، والسبب في ذلك استغلال شهر شعبان بكثرة الصيام، جاء التنصيص عليه بأنه شهر يغفل عنه الناس، يعني بين رجب شهر حرام وبين رمضان، فهو وقت غفلة؛ ولذا أثر عن كثير من السلف استغلال أوقات الغفلات التي يغفل فيها الناس عن التعبد يستغلونها، وجاء في الصحيح بعد هذا الحديث عند البخاري عن عائشة: «وكان يصوم شعبان كله»، كان يصوم شعبان كله هذا في البخاري، قال ابن حجر: نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول: صام الشهر كله، إذا صام أكثر الشهر قالوا: صام الشهر كله، بناء على أن الحكم للغالب وفي مسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» شهر الله المحرم، وهذا محمولٌ على أنه أفضل الأشهر الحرم، وبالنسبة لتفضيل وكثرة الصيام في شعبان بالنسبة لغير الأشهر الحرم لما عدا الأشهر الحرم.

وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن الأعرج عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «الصيام جُنة» وقاية وسترة من النار أو من المعاصي التي يستوجب صاحبها بها النار، «الصيام جنة فإذا» جاء في بعض الروايات «فلا يخرقها» «جنة فلا يخرقها» وفي رواية: «فلا يخرقها بالغيبة» وعلى كل حال ارتكاب المحرم أثناء الصوم يعرضه، يعرض هذه الجنة لأن يخرقها، «فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث» والرفث الفحش في الكلام وقيل ما يتعلق بالنساء، «ولا يجهل» أي: لا يفعل فعل الجُهّال كالسفه والسخرية والصخب، «فإن امرؤ قاتله» إن هذه مخففة من الثقيلة يقدر بعدها فعل يرفع به امرؤ، «فإن قاتله امرؤ» قاتله يفسره المذكور كما في قوله جل وعلا التوبة: ٦  التقدير وإن استجارك أحد «قاتله» مفاعلة بين الطرفين يعني دافعه ونازعه، أو شاتمه سابّه «فليقل إني صائم إني صائم» مرتين في البخاري، «فليقل إني صائم» مرتين، في غيره «إني صائم إني صائم» ثلاثًا هل يقول: إني صائم بلسانه أو بقلبه؟ نعم على الخلاف الذي ذكره أهل العلم إن كان رمضان والناس كلهم صيام لا مانع من أن يقوله؛ لأن الرياء لا يتطرق إليه، بخلاف ما إذا كان نفلاً فإنه يقوله بقلبه، ومنهم من قال: يقوله مرتين؛ مرة بقلبه ليرتدع هو من داخله يرتدع؛ لئلا يكافئ هذا الذي اعتدى عليه والثانية بلسانه، ليردع خصمه.

وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «والذي نفسي بيده» وفيه إثبات اليد لله جل وعلا على ما يليق بجلاله وعظمته وإن قال كثير من الشراح: هو الذي روحي في تصرفه إلا أنه حيد عن إثبات اليد لله -جل وعلا-: «والذي نفسي بيده لخُلُوف فم الصائم» خُلُوف بضمتين وفتح الفاء خطأ، والمراد به تغير رائحة الفم بسبب الصيام «فم الصائم» فيه ردٌ على من زعم أن الميم لا تثبت مع الإضافة؛ لأنه يكون من الأسماء الخمسة في لخُلُوف فِي الصائم؛ ولذا يقول: والفم حيث منه حيث الميم منه بان، فعند الإضافة تبين الميم يعني تنفصل الميم، وفي الحديث دليل على ثبوت الميم مع الإضافة، وإن قال الأكثر: إنها تحذف. «ولخلوف فم الصائم» تغير رائحته «أطيب عند الله من ريح المسك» والمسك أطيب الطيب كما جاء في صحيح مسلم، «إنما يذر يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» مخلصًا لوجه الله -جل وعلا- ولا يترك ذلك ولا ينهزه ترك ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله -جل وعلا- «فالصيام لي» لأنه لا رياء فيه «وأنا أجزي به» جزاء لا يقدر كغيره من الأعمال «كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي» وإذا اختص به الله -جل وعلا- والإضافة هذه فيها مزيد تشريف لهذه الفريضة، «وأنا أجزي به» يقول ابن عبد البر: كفى شرفًا للصوم قوله جل وعلا: «الصوم لي وأنا أجزي به» والمراد بالصوم الذي يستحق صاحبه هذا المدح وهذا الاختصاص، الصوم الذي لا يخالطه ما يخدشه. وهذان الحديثان الذين فرقهما الإمام مالك ساقهما الإمام البخاري مساقًا واحدًا جمع الحديثين وساقهما مساقًا واحدًا.

وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل نافع بن مالك عن أبيه مالك بن أبي عامر الأصبحي عن أبي هريرة أنه قال: «إذا دخل رمضان» هذا موقوف على أبي هريرة عند الإمام مالك، وهو مرفوع صرّح أبو هريرة برفعه عند البخاري وغيره «إذا دخل رمضان فتحت» بالتخفيف فتِحت وبالتشديد فتّحت «أبواب الجنة» أبواب الجنة. البخاري اقتصر على هذا في رواية وأكمله في رواية أخرى تلي نفس الرواية الأولى، لكنه في الرواية الثانية قال: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين» وفي رواية «سلسلت الشياطين» «إذا دخل رمضان فتّحت» الفتح هذا حقيقي ولا مانع يمنع من الحقيقة، ومنهم من يقول: إنه تسهل على العباد الأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة، «وغلقت أبواب النار» بمعنى أنه يحال بين كثير من العباد وبين أن يزاولوا من المنكرات والجرائم ما كانوا يزاولونه في غير رمضان، وبهذا يكون الإغلاق غير حقيقي، إنما يكون مؤدي إلى الإغلاق، ومنهم من يقول: إغلاق حقيقي ولا يمنع من إرادة الحقيقة «وصُفدت» سلسلت وغُلت وأوثقت بالأصفاد «الشياطين» تصفيدها حقيقة قال ابن العربي: قد استراب مريب، يعني أوجد إشكالاً، ولعله فهم من هذا المريب أنه يريد أن يقدح في الخبر فقال: نرى المعاصي في رمضان كما هي في غيره، فما هذا التصفيد، وما معنى الحديث؟ يقول ابن العربي: وقد كَذب وجَهِل فإنه لا يتعين في المعاصي والمخالفة أن تكون من وسوسة الشيطان ومن تلبيسه، قد تكون من النفس الأمارة وشهواتها، وقيل المراد بالشياطين المردة فقط، بدليل الرواية الأخرى: «وصفدة مردة الجن» صفدة مردة الجن.

وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم لا يكرهون السواك للصائم في رمضان في ساعة من ساعات النهار لا في أوله قبل الزوال ولا في آخره بعده، يقول: ولم أسمع أحدًا من أهل العلم يكره ذلك ولا ينهى عنه، بل يستحبونه، واستحباب السواك مطلق في جميع الأوقات لعموم الأدلة، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وقال النووي: إنه المختار، وكرهه الشافعي وأحمد وإسحاق آخر النهار، يعني بعد الزوال، لماذا؟ لأنه يكون سببًا في إزالة الخُلُوف تغير الرائحة، لكن عموم الأحاديث التي تتناول الصائم وغير الصائم في أول النهار وفي آخره تضعف هذا القول، ويضعفه أيضًا أن الخلوف ليس من الفم ولا من الأسنان، إنما هو من المعدة، إنما ينبعث من المعدة لخُلوها عن الطعام فلا أثر له، جاء في الخبر: «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي» لكنه ضعيف.

قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفقه أهل الاجتهاد يصومها، ما رأى هؤلاء يصومونها، مع أن فيها الحديث الصحيح: «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» إنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، يعني الذين لم يدركهم كالصحابة وكبار التابعين، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يُلحق برمضان ما ليس منه، وأن يُلحِق برمضان ما ليس منه، أهلُ الجهالة والجفاء فاعل يلحق، الجفاء الغلظة والفضاضة لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك يعني الإمام مالك رحمه الله احتاط لرمضان بأن يلحق به غيره، فيقال: الصيام ليس بشهر إنما هو أكثر من شهر؛ لأنهم إذا أتبع رمضان بغيره تراءى للجهال أن الصيام أكثر من شهر، لكن مادام وجد الفاصل بالعيد وانتهى رمضان ورئي هلال ما بعده، هل يبقى بعد هذا مستمسك لمن يقول مثل هذا الكلام؟ وهو أيضًا كلام في مقابل نص صحيح صريح فلا اعتبار به، يعجب الإنسان حينما يقول مالك في الصدر الأول في عهد السلف في القرون المفضلة: إنه لم ير أحد من أهل العلم والفقه يصوم الست، لكن لا يعني أنهم في الواقع لا يصومون، قد يخفى عليه شيء لكن بالمجموع قد يستبعد يعني خفاؤه وعلته ما سمعتم والحديث صحيح صريح، فلا عبرة في قول أحد مع صحة الخبر.

طالب: .................

يعني يخفى عليه في المدينة كلها أن ما فيه أحد يصوم الست.

طالب: .................

لا يظهرون الصيام، لكن الناس يظهرون الصيام الآن؟ ويخفى علينا أن الناس يتطوعون بالست وبالبيض والاثنين والخميس؟ ما يخفى على أحد هذا، ما يخفى يعني بلد كامل يخفى عليه أن أهل العلم والفضل يصومونها؟! لكن هو لحظ ملحظًا دقيقًا بالنسبة وهو أنه يريد أن يجعل الفرض فرضًا لا يشرك به غيره، ويريد أن يحسم المادة لمن أراد لكن مع ذلك يتساهل في صيام آخر يوم من شعبان، وفيه الجمعة، وفيه أمور عاشوراء تقدم في قول معاوية: أين علماؤكم يا أهل المدينة؟ أين علماؤكم يا أهل المدينة؟ يعني قد يكون عندنا مُستغرب هذا الكلام؛ لأننا ما طرقنا هذا الكتاب ولا أخذنا عليه ولا سمعنا فقه المالكية، لكن عند المالكية يقرؤون هذا مثلما نقرأ البخاري، ما فيه أدنى مشكلة؛ لأنهم يقلدون الإمام مالك ومشوا عليه ولا ست ولا شيء ماذا يصير؟ لكن عندنا الذي توارثنا هذا الأمر امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال» يصعب علينا أن نستسيغ مثل هذا الكلام، يعني لا شك أن إساغة مثل هذا الكلام فيها صعوبة بالنسبة لمن اعتاد هذا الأمر، والناس يفعلونه من غير نكير، وقد صح فيه الخبر: ما رأى أحد من أهل العلم والفقه يصومها، ثم بعد ذلك قال مطرف: فإنما كره صيامها لذلك، فأما من صامها رغبة لما جاء فيها فلا كراهة، وقيل: إن مالكًا لم يبلغه الحديث: «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» أو لم يثبت عنده، أو وجد العمل على خلافه؛ لأن من أصوله عمل أهل المدينة.

وقال يحيى: سمعت مالكًا يقول: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، أي مستحب؛ لحديث ابن مسعود: «كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وقلما رأيته يفطر يوم الجمعة» رواه الترمذي وحسنه، لكن لا يظن به أنه يفرد يوم الجمعة؛ لأنه أمر جويرية أم المؤمنين لما صامت يوم الجمعة: «صمت بالأمس؟» قالت: لا، قال: «تصومين غدا؟» قالت: لا، قال «فأفطري» وقد رأيت بعض أهل العلم قيل: إنه محمد بن المنكدر يصومه، وأُراه -يعني أظنه- كان يتحراه، يتحرى صيام الجمعة، وقد ثبت النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام، وعن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة مرفوعًا: «لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله يومًا أو بعده»؛ ولذا ذهب الجمهور إلى كراهة إفراده.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"