كتاب الإيمان (22)

يقول: كم عدة المطلقة طلاق رجعي؟

المطلقة طلاقًا رجعيًّا إن كانت ممن يحيض فعدتها ثلاث حيض، وإن كانت لا تحيض فثلاثة أشهر سواء كانت آيسة من الحيض أو صغيرة، أما وإن كانت حاملًا فبوضع الحمل.

شخص يسأل: له ابن وابنه هذا عاق له وبذل معه كل الوسائل لترك الدخان، ولكن لم يطعه الابن، هل له أن يحرمه من الميراث؟

ليس له ذلك لأن الابن مسلم فما دام مسلمًا فهو وارث.

يقول: نحن جماعة سافرنا الأربعاء الظهر ورجعنا الجمعة، ويوم السبت ذكرنا أننا لم نصل المغرب والعشاء الأربعاء، فماذا نفعل -يعني بعد رجوعهم-، هل نصليها قصر مع جمع أو نصليها إتمام بدون جمع؟

صلها إتمامًا؛ لأنها صلاة حضر، وتصليها متوالية؛ لأنه يجب قضاء الفوائت فورًا.

هذا يقول: لي زوجتان إحداهما عند الحج كانت معي بالرياض، والأخرى بمصر، التي كانت معي طلبت معي أن تحج معي فقلت لها: إنني سأدفع لزوجتي بمصر نفس ما سأدفع لك في الحج، فوافقت، فهل واجب علي دفع نفقات الحج التي دفعتها لزوجتي الثانية أن أدفع مثلها لزوجتي الأولى التي كانت بمصر كتعويض، يقول: مع العلم أني قد حججت بالأولى قبل زواجي من الثانية؟

ما دام حججت بها، فلا يلزمك أن تدفع شيئًا.

الطريقة الجديدة لشرح الكتاب تمشي الكتاب، يعني أخذنا أحاديث كثيرة في هذه المدة الوجيزة، لكن لها أثر على الحضور، انظر الحضور تأثر كثيرًا.

طالب: ..........

يعني اليوم ما يقاس عليه، يمكن ما حضره الناس؟

طالب: ..........

نعم.

أكملنا الباب من شرح ابن حجر، والآن ننظر ما عند الكرماني من زوائد وفوائد.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (باب حب الرسول من الإيمان).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: (باب حب الرسول من الإيمان: اللام في الرسول للعهد، والمراد به سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- لا جنس الرسول ولا للاستغراق، بقرينة قوله: «حتى أكون أحب إليه» وإن كان محبة الكل واجبة)، ومن الإيمان أيضًا، والإيمان بهم ركن من أركان الإيمان، الإيمان بالرسل، لكن هل يلزم أن يحب غير الرسول محمد -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- من الرسل أحب إليه من نفسه ولده ووالده والناس أجمعين، أو هذا خاص به -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؟

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

«حتى أكون أحب إليه»؛ لأن مفاد هذه المحبة تقديم الطاعة طاعة الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- على مراد النفس ومراد الولد والوالد، والرسل يجب الإيمان بهم من سُمي منهم، ومن عُرف بعينه يجب الإيمان به على بحسب التفصيل الوارد فيه، وأما من عداهم فعلى سبيل الإجمال، وطاعتهم وتقديم طاعتهم على مراد النفس والمال والولد والوالد، هذا فرع من مسألة شرع من قبلنا هو شرع لنا أو لا؟

إذا كان شرعهم شرعًا لنا فلا بد من تقديم طاعتهم على مراد النفس والأهل والولد والوالد، وإن كان شرعهم منسوخًا بكامله والعبرة بشرعنا يكون الأثر المرتب على هذه المحبة خاص به -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-. وإذا كان محبة أولياء الله من غير الأنبياء واجبة ومن الإيمان، و«آية الإيمان حب الأنصار» على ما سيأتي و«آية النفاق بغض الأنصار»، فالأنبياء والرسل من باب أولى، وتكون حينئذ المحبة قلبية، وإن كان أثرها مختلفًا فيه في تقديم طاعتهم على مراد النفس. لا شك أن ما جاء شرعنا بتقرير ما جاءوا به، هذا لا شك بأنه شرع لنا، على قولين سواء قلنا: إن شرعهم شرع لنا أو لا؛ لأنا لو قلنا: إن شرعهم ليس بشرع لنا صار تقريره في شرعنا من شرعنا: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، هذا شرع لنا أم لا؟ نعم وإن كُتب على من قبلنا، وهكذا.

يقول: (لا جنس الرسول ولا للاستغراق)، [أل] الإنسان: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2] هذه جنس الإنسان أم يستغرق جميع الناس؟ يعني هل هناك فرق بينهما أم ما فيه؟

طالب: ..........  

لأنه قال: (لا جنس الرسول ولا للاستغراق)، مقتضى كلامه أن الجنسية غير الاستغراقية، مع أن مؤداهما واحد، وأن الاستغراقية إذا صح مكانها (كل) ومثلها الجنس.

 (بقرينة قوله: «حتى أكون أحب»، وإن كانت محبة الكل واجبة.

قوله: أبو اليمان، هو الحكم بن نافع الحمصي، وشعيب هو ابن أبي حمزة بالمهملة والزاي القرشي وقد مر ذكرهما في حديث هرقل.

قوله: أبو الزناد، بكسر الزاي وبالنون هو عبد الله بن ذكوان المدني القرشي، وكان يغضب من هذه الكنية لكن اشتهر بها، ويكنى بأبي عبد الرحمن، وأصله من هَمْدان) أصله من هَمْدان أم هَمَدان؟ عبد الله بن ذكوان هذا معروف، الذي يروي عن الأعرج عن أبي هريرة، وفيه أبو الزناد، وهذا يمر كثيرًا في شرح ابن بطال: قال أبو الزناد، حكى أبو الزناد، والمراد به ابن سراج غير أبي الزناد عبد الله بن ذكوان.

(يغضب من هذه الكنية)، هل هي تُشعر بذم من أجل أن يغضب منها؟ وكونه يغضب منها هل يكره إطلاقها لغضبه منها؟

طالب: نعم.

(وكان يغضب من هذه الكنية، لكن اشتهر بها) لا يمكن تركها، مثل ابن عُلية يكره نسبته إلى أمه، ولذا يُذكر عن الإمام أحمد أنه قال: الذي يقال له ابن علية، ما ينسبه إلى نفسه. وهل من الأولى أن نقول: الذي يقال له: أبو الزناد؛ لأنه يكره ذلك؟ الكتب كلها تواطأت على ذكره بهذه الكنية وإن كان يغضب منها. إذا كانت تُشعر بذم فلا شك أنه من حقه أن يغضب ومن حقه على غيره أن يلتزم، إلا إذا جُهل ما عداها، لو ذُكر باسمه ما عُرف، فإنك مضطر تذكر هذه الكنية.

طالب: ..........

ومن عرف أنه يغضب ويكنيه بها، إذا كانت تُشعر بذم، لكن بعض الناس يكره أن يُذكر بما يَسر من باب إخفاء العمل؛ لأن «الغيبة ذكرك أخاك بما يكره»، فهل إذا كان يكره ذكره بما يَسر، مثلًا يُذكر بعلم بعبادة بتلاوة بقيام بما أشبه ذلك يَكره، فهل يدخل هذا في حيز الغيبة؟

طالب: لا.

ماذا؟

طالب: لا.

«ذكرك أخاك بما يكره»، وهذا يكره.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

نعم، مدح، لكنه يكرهه.

طالب: ..........

فعموم الحد يتناول المدح والذم إذا كان يكرهه، لكن يبقى أن الإنسان قد يكره الشيء، وفيه رفعة له وثناء عليه، وقد يُدعى له بسبب ذلك، فلا يُلتفت إلى هذه الكراهية، كما أن بعضهم يكره أن يُذكر بلقب هو أرفع منه بكثير، ننظر في أوساط كبار أهل العلم من يكره أن يقال له شيخ، يعني ما نقول له شيخ وهو يكره؟ يعني هذا أقل ما يقال في حقه. والمسألة مسألة مراحل، إذا تجاوز مرحلة صار أثرها في نفسه الذي من أجله يُمنع مثل هذا الإطلاق لا شيء؛ لأنه لماذا مُنع المدح مدح الإنسان في وجهه؟ لئلا يتأثر، فإذا كان لا يتأثر بهذا فإنه لا يُمنع، وقد مدح النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بعض الصحابة في وجهه، ومُدح بعضهم في حضرته وما أنكر؛ لأن المحظور كون الإنسان يتأثر بنفسه، فإذا كان الإنسان تجاوز مراحل ثم يقال: الشيخ، فيقال له: إنه يكره أن يقال الشيخ، هذا ما يُلتفت إليه، إنما يُنظر في مدى تأثير الكلمة في نفسه.

 يعني لو أن الإنسان تجاوز إلى حد بلغ فيه الغاية بالنسبة لأقرانه، وطلابه، هو ما عنده شهادات عليا، وطلابه أخذوا الشهادات بجدارة، وطلاب طلابه كذلك، ثم من يُقدم له قال: الشيخ الدكتور مثلًا، الدكتور عبد الرحمن البراك أو عبد العزيز الراجحي أو عبد العزيز آل الشيخ أو ما أشبههم، ما هم دكاترة، لكن هل يقال: يا أخي أنت كذبت عليه، أنت افتريت عليه، أنت كذا أو كذا، والشيخ ما أنكر لماذا ما أنكر؟ هل رضي بهذا؟

هذه المسائل لطلابهم، فلا يُلتفت إليها، وهم لا ينظرون إليها أصلًا، بل قد تُعد نقيصة في حقهم. فمثل هذه الأمور وأثرها على القلوب هو المدار، يعني يقال له: عالم جليل كبير علامة قاله دكتور ينتفخ أو، ما هذا الكلام هذا؟ ما تؤثر فيه، نعم. بينما لو تقول لشاب وهو ما أخذ شهادات بعد ولا شيئًا، أكيد أنه يتأثر، فمثل هذا الذي يُمنع.

طالب: ..........

نعم، هذه تزكية، تزكية.

طالب: ..........

هذه لا يدعيها أحد لنفسه إطلاقًا، هذه لا يدعيها لا يمكن أن يدعيها مهما بلغ لنفسه.

طالب: شيخ ..........

لا، هو درس أو ما درس لا تعدل شيئًا بالنسبة له.

طالب: ..........

لكن هل لها أثر على قلبه؟

طالب: ..........

الشيخ أعطي أناس أقل منه بمراحل دكتوراه فخرية، أقل منه، لا يُذكرون بالنسبة له، المسألة مقاييس دنيوية ما تؤثر، لكن يبقى أن المسألة تأثيرها على القلب.

كون أبو الزناد يكره، انظر القاموس ماذا قال عن أبي الزناد؟

(وأصله من هَمْدان)، هَمْدان يعني قبيلة.

طالب: ..........

الأول، دال، الدال بالأول أو الثاني. أصله مدني قرشي، كيف من هَمْدان؟ من هَمَدان البلد؛ لأن هَمْدان قبيلة وهَمَدان بلد.

(وكان الثوري يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث. قال أبو حاتم: هو ثقة صاحب سنة، وهو ممن تقوم به الحجة إذا روى عنه الثقات، وشهد مع عبد الله بن جعفر جنازة، فهو إذًا تابعي صغير، روى عنه جماعات من التابعين، وهذا من باب فضائله؛ لأنه لم يسمع من الصحابة، وروى عنه هؤلاء التابعيون، وولاه عمر بن عبد العزيز خراج العراق)، (وولاه عمر بن عبد العزيز خراج العراق). بعض أهل العلم يوثِّق الراوي ولو لم يذكر فيه توثيق من أهل العلم بمجرد تولية عمر بن عبد العزيز، ما ولي خراجًا وهو ليس بثقة.

(وَقَالَ عبد ربه: رأيت أبا الزناد دخل مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومع من الأتباع مثل ما مع السلطان من أصحاب السؤالات).

طالب: هل تختلف يا شيخ؟

ماذا؟

طالب: توثيق عمر بن عبد العزيز لأمانته وتوثيق الحفاظ لحفظه وأمانته.

على كل حال هو ثقة يعني في عدالته.

(قال البخاري: أصح أسانيد أبو هريرة أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. قال الواقدي: مات أبو الزناد فجأة في مغتسله ليلة الجمعة في رمضان سنة ثلاثين ومائة.

قوله: الأعرج، هو أبو داود عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي المدني، مات بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة.

قوله: «والذي نفسي بيده»، ولفظ اليد من المتشابهات، وفي مثله افترقت الأمة فرقتين مفوضة، وهم الذين يفوضون الأمر فيها إلى الله تعالى قائلين: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، ومؤولة وهم الذين يؤولونها كما يقال: المراد من اليد القدرة عاطفين {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] على {إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، والأول أسلم والثاني أحكم).

هذه طريقة الأشعرية: تأويل ويقولون مثل هذه العبارة، مع أن الحكمة ملازمة للسلامة، ما يمكن أن تنفك السلامة عن الحكمة ولا الحكمة عن السلامة. وتسمية مذهب المثبتة من سلف الأمة وأئمتها تفويضًا خطأ، هذا التفويض مذهب باطل، وإن كتب وأشيع في بعض المواقع أن مذهب السلف هو التفويض، ودُعم بأقوالهم التي فهم منها الكاتب أنه تفويض: تُمر كما جاءت، لكن لا يعني أن لها معاني؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

نعم، تفويض الكيف، أما المعنى فهو معلوم، الاستواء معلوم والكيف مجهول. وذكرنا مثالًا للفرق بين تفويض الكيف وتفويض المعنى، بزيد شخص لا تعرفه ولا رأيته، وديز عكس زيد، هذه الكلمة ديز ماذا تعرف عنها؟ تعرف كيفية أم معنى؟ ما تعرف شيئًا، لكن زيد تعرف معناها، لكن كيفيتها ما تعرفها، شخص ما رأيته ولا وُصف لك، ولا قيل: إنه مثل فلان، وفرق بين هذا وهذا.

(قوله: «أحب» أفعل التفضيل بمعنى المفعول على خلاف القياس، وإن كان كثيرًا؛ إذ القياس يكون بمعنى الفاعل)، أفعل التفضيل بمعنى المفعول على خلاف القياس، وإن كان كثيرًا؛ إذ القياس أن يكون بمعنى الفاعل.

(فإن قلت: لا يجوز الفصل بين أفعل ومعموله؛ لأنه كالمضاف والمضاف إليه، فكيف وقع لفظ إليه هاهنا فصلًا بينهما؟ قلت: الفصل بالأجنبي غير جائز لا مطلقًا، مع أن في الظرف توسعًا).

 مع أنه جاء الفصل بين المضاف والمضاف إليه في الشعر، هنا قالوا: لا يجوز الفصل بين أفعل التفضيل ومعموله؛ لأنه كالمضاف والمضاف إليه. المضاف والمضاف إليه الأصل أنه لا يُفصل بينهما، لكن جاء في الشعر الفصل بينهما، من يذكر مثالًا؟

نجوت وقد بل المرادي سيفه            بدم ابن أبي شيخ الأباطح طالب

الأصل: ابن أبي طالب شيخ الأباطح، لكن لما كانت الصفة لها صلة بالموصوف خف الأمر، وهنا الظرف الذي هو الجار والمجرور في حكم الظرف؛ لأنه لا بد له من متعلق قالوا: إن له ارتباطًا.

(قلت: الفصل بالأجنبي غير جائز لا مطلقًا مع أن في الظرف توسعًا.

 فإن قلت: لِم ما ذكر نفس الرجل أيضًا وإنما يجب أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحب إليه أيضًا من نفسه، قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]؟

قلت: إنما خص الولد والوالد بالذكر لكونهما أعز خلق الله -عزَّ وجلَّ- على الرجل غالبًا، وربما يكون أعز من نفس الرجل على الرجل، فذكرهما إنما هو على سبيل التمثيل، فكأنه قال: حتى أكون أحب إليه من أعزته، ويُعلم أيضًا منه حكم غير الأعزة)، يعني من باب أولى، (ويعلم منه أيضًا حكم غير الأعزة؛ لأنه يلزم في غيرهم بالطريق الأولى أو اكتفى بما ذُكر في سائر النصوص الدالة على وجوب كونه أحب من نفسه أيضًا كالروايات التي بعده. فإن قلت: فهل يتناول لفظ الوالد الأم كما أن لفظ الولد يتناول الذكر والأنثى؟

قلت: الوالد إما أن يراد به ذات له ولد، وإما أن يكون بمعنى ذو وكذا نحو لابن وتامر)، والد نحو لابن وتامر، (فيتناولهما)، يعني له لبن، وله تمر، فيكون هذا والد له ولد مما يشمل الذكر والأنثى يشمل الأم والأب.

 (وإما أن يُكتفى بأحدهما عن الآخر كما يكتفى عن أحد الضدين بالآخر، قال تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]) يعني والبرد، (وإما أن يكون حكمه حكم النفس في كونه معلومًا من النصوص الأخر.

واعلم أنه قد تقدم أن المحبة قد تكون لأمور ثلاثة، ولا يخفى أن المعاني الثلاثة كلها موجودة في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لما جمع من جمال الظاهر والباطن وكمال أنواع الفضائل وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايتهم إلى الصراط المستقيم ودوام النعيم، ولا شك أن الثلاثة فيه أكمل مما في الوالدين لو كانت فيهما، فيجب كونه أحب منهما؛ لأن المحبة تابعة لذلك، حاصلة بحسبها، كاملة بكمالها).

 لأن هذه المحبة لا شك أن منشؤها ... المحبة عمومًا منشؤها انتفاع الإنسان بالمحبوب، وبقدر انتفاعه منه تكون محبته له، انتفع من والده بلا شك، سبب وجوده، انتفع من والدته في كونها السبب الثاني في الوجود، وكونها بذلت ما بذلت في تنشئته ورعايته والاهتمام بشأنه. لكن كل هذا من أجل الدنيا، وقد يبذل الوالد والوالدة ما يكون سببًا لنجاته في الآخرة. لكن سبب نجاة الجميع ودلالة الجميع إلى هذه النجاة هو الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

(فإن قلت: المحبة أمر طبيعي غريزي لا يدخل تحت الاختيار، فكيف يكون مكلفًا بما لا يطاق عادة؟

قلت: لم يُرد به حب الطبع، بل حب الاختيار المستند إلى الإيمان، فمعناه: لا يؤمن حتى يؤثر رضاي على هوى الوالدين، وإن كان فيه هلاكه).

قال: (واعلم أن محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إرادة فعل طاعته)، لماذا لا تكون طاعته؟ أو العزم أعم؛ ليتناول من لا يستطيع الفعل، (وترك مخالفته وهي من واجبات الإسلام، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24].

قوله: حدثنا يعقوب بن إبراهيم وأبو يوسف الدورقي البصري ساكن بغداد ودورق قلانس كانوا يلبسونها فنسبوا إليها، وهو شيخ أصحاب الأصول الخمسة وغيرهم، وله مسند، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين.

قوله: ابن علية)، هذا جاءنا ابن علية. (ابن علية بضم العين المهملة واللام المفتوحة، الإمام أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن سهم الأسدي مولاهم البصري، كان أبوه تاجرًا من أهل الكوفة، وقدم البصرة فتزوج بها علية بنت حسان مولاة لبني شيبان، وكان يكره أن يُنسب إليها، وتجوز نسبته إليها للتعريف، اتفقوا على جلالته. قال شعبة: ابن علية ريحانة الفقهاء، وفي رواية: سيد المحدثين، ولي صدقات البصرة والمظالم ببغداد في آخر خلافة هارون، توفي ببغداد، ودفن في مقام عبد الله بن مالك، وصلى عليه ابنه إبراهيم سنة أربع وتسعين ومائة. قال عمرو بن زرارة: صحبت ابن علية أربع عشرة سنة، فما رأيته ضحك فيها).

 مع أن الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ثبت عنه «أنه ضحك حتى بدت نواجزه» -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، لكن بعض الناس لا يستطيع التوسُّط في الأمور، إذا فتح المجال لنفسه للضحك ما أوقف واسترسل ودعاه هذا إلى ما دونه في أحسن من مادة، لا شك أن أكمل هدي هدي النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، لو يستطيع أن يوازن، ويسدِّد بمثل ما كان عليه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- هذا هو الأصل، ويقتدي به بقدر الإمكان، والذي لم يستطع الرضا بالقضاء مع حزن القلب ضحك لما مات ابنه، هو يعترف بأن الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قال: «إن القلب ليحزن، والعين تدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب»، لكن بعض الناس ما يقدر يوفق في مثل هذه المضايق، فتجده يسلك الطريق المعاكس؛ من أجل أن يحسم الحزن الذي يستولي على القلب، والقلب يحزن، لكن قد يزيد في الحزن على القدر الذي جاء عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بحيث يصل إلى حد يسخط ما قدره الله -جَلَّ وعَلا-، فأراد أن يحسم هذه المادة.

 وهذا قال: لو ضحكت ما انتهيت، بعضهم يُغلب جانب الخوف، فتجده يعيش مهمومًا حتى يرى مصيره؛ لأنه ما يدري ما النتيجة، وتجدون الطلاب في أيام الامتحانات كثير منهم يعيش كآبة، مع أنه إذا طلعت النتائج فإذا هو الأول، لكن ما دام ما يدري هو الأول أم لا، سيرى ما يمكن يفرح مع أن الأمر أهون من ذلك، وأكمل هدي هديه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وخير هدي هديه -صلى الله عليه وسلم-.

(صحبت ابن علية أربع عشرة سنة فما رأيته ضحك فيها)، نعم الظروف والضغوط قد تُملي على الإنسان ما يسلك فيه استجابة لهذه الظروف خلاف ما كان عليه، سواء كانت الظروف الخاصة أو العامة، ولا شك أن الإنسان ابن وقته يتأثر بما يتأثر به من حوله. (وحدث عنه ابن جريج وبين وفاتيهما مائة وعشرون سنة، وحدث عنه ابن جريج وبين وفاتيهما مائة وعشرون سنة)، يعني هل هذا من السابق واللاحق؟

طالب: ..........

ماذا؟

يسمى من اللاحق والسابق هذا؟

طالب: ..........

يسمى أم ما يسمى؟

ما معنى سابق ولاحق؟ أن يروي شخصان عن شخص واحد، ويكون بين وفاة هذين الراويين مدة طويلة جدًّا وصلت في بعض الأحوال إلى مائة وخمسين سنة، وذكرنا مثالًا متصورًا جدًّا، نعم، لو أن واحدًا من طلاب الشيخ ابن باز مثلًا أول ما جلس للتدريس سنة سبع وخمسين قرأ عليه ثلاث سنوات ومات سنة ستين، يعني مات قبل الشيخ بكم؟ بستين سنة، ثم قرأ عليه بسنة عشرين أو ثماني عشرة واحد من الشباب وعُمر إلى كم؟

طالب: ..........

إلى ألف وخمسمائة، كم يصير بين وفاتيهما؟

مائة وأربعون سنة، هذا متصور، هذا يسمونه السابق واللاحق، لكن يقول: (وحدث عنه ابن جريج وبين وفاتهما مائة وعشرن سنة).

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

كيف أسبق؟

طالب: ..........

لا لا، ما يسمى سابقًا ولاحقًا، يكون شيخ عُمر، وشيخ تقدمت وفاته.

طالب: تقدمت وفاته.

نعم.

(قوله: "آدم" هو ابن أبي إياس أبو الحسن الخراساني فالبغدادي فالعسقلاني، و"شعبة" الإمام العلم ابن الحجاج الأزدي الواسطي فالبصري، و"قتادة" أبو الخطاب الأكمة السدوسي، و"أنس" الصحابي الكبير خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقد تقدم ذِكر الأربعة.

 وفي بعض النسخ وُجد قبل "حدثنا آدم" لفظ "ح" إشارةً إلى التحويل من الإسناد الأول إلى الإسناد الثاني، وفي بعضها لم يوجد، وعلى النسختين ففيه تحول من إسناد إلى إسناد)، يعني سواء ذُكرت أو لم تُذكر.

(وعلى النسختين ففيه تحول من إسناد إلى إسناد آخر قبل ذكر الحديث، وفي هاتين الروايتين زاد لفظ: «والناس أجمعين»، وذكر الناس بعد الوالدين تعميم بعد تخصيص عكس قوله: تعالى: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} [البقرة: 98] فإنه تخصيص بعد تعميم.

فإن قلت: فهل يدخل في لفظ الناس نفس الرجل)، «والناس أجمعين» بما فيهم هو نفسه (أو يكون إضافة المحبة إليه تقتضي خروجه منهم، فإنك إذا قلت: جميع الناس أحب إلى زيد من غلامه، يُفهم منه خروج زيد منهم)، يعني مثل، مثل أيش؟

«إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا» هل يُخرج منها لفظ الجلالة أو هو منها؟ ولذلك قال جمع من أهل العلم: الله -جَلَّ وعَلا- له مائة اسم؛ بدلالة هذا الحديث، يعني بعض الأمور تُستنكر أول ما تُسمع، لو قال لك واحد وأنت ما سمعت مثل هذا الكلام: الله -جَلَّ وعَلا- له مائة، قال: تكذب الحديث في الصحيحين «إن لله تسعة وتسعين»، أين مائة؟ نعم، يعني أمور تُستغرب، واللفظ محتمل.

مثل ما يقال: الله -جَلَّ وعَلا- ما أنزل مائدة على بني إسرائيل، يجيء واحد يستغرب، ما توقع مثل هذا الكلام؛ لأنه توعَّدهم مع إنزالها، والخلاف هل قبلوها بالشرط أو لا؟ إن كان قبلوها بالشرط أنزلها إليهم، وإن كان ما قبلوا الشرط ما نزلت إليهم.

{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2]، قال واحد: فيه عَمد، لكن ما نراها؛ لأنه راسخ بذهنه أنها بغير عمد.

مثل هذه الأمور الدقيقة يحتاج إلى أن ينتبه لها طالب العلم.

لو قال قائل: إن اللواط لا يُعرف قبل قوم لوط، يمكن يرد عليه أحد يقول: هذه غريزة موجودة في بني آدم من يوم أن وُلدوا، وهو يفرغ الغريزة سواء وجد امرأة أو شيئًا آخر، والناس فيهم الفاسق وغيره، مع أنه منصوص عليه في القرآن أنه ما سبقهم أحد من العالمين، لكن الأمور التي ما تثار، يدرج عليها الإنسان، مع غفلة عنها، حتى إذا ما أُثيرت ترسخ إن شاء الله في ذهنه.

طالب: ..........

ماذا ؟

طالب: ..........

طالب: الانتشار.

واللهِ الأصل الجريمة.

طالب: شيخ {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2] ..........

اللفظ محتمل.

طالب: نعم، لكن هل هذا صحيح؟

يعني هل القيد، قيد الرؤية معتبر أو غير معتبر أو ملغى؟

طالب: ..........

أنه ما فيها عمد، يقول بعضهم: إن كون فيها عمد لا تُرى أشد في التعجيز.

طالب: سبحان الله!

نعم.

طالب: ..........

قال به، سمعت أنا من يقول هذا.

طالب: أحسن الله إليك، استثناء عمر -رَضِيَ اللهُ عنهُ-.

«إلا من نفسي».

طالب: يدل على ..........

نعم، «إلا من نفسي»، ماذا قال له الرسول في الأصل؟ أو في ابتداء قال: «لأنت أحب الناس إلي إلا من نفسي»، إذا كان ابتداءً...

طالب: ..........  

نعم، ابتداءً ما تجيء، إلا لو كان بعد ما سمع هذا.

قال: (فإن قلت: فهل يدخل في لفظ الناس نفس الرجل أو يكون إضافة المحبة إليه تقتضي خروجه منهم)، يعني مثل ما قلنا قريبًا في {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9]، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9]، قالوا: أقل من تنعقد بهم الجمعة أربعة، وقال بعضهم: ثلاثة؛ لأن هناك مناديًا، وهناك من يذكر الله {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، وهناك المأمور بالسعي، وأقل الجمع اثنين، هذا لو قلنا: أربعة، والذي يقول: يمكن أن يجتمع الخطيب والمؤذن في شخص واحد يقول: ثلاثة؛ لأنه لا يمكن أن يكون الخطيب المسعي إليه أحد الساعيين، {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، هل يؤمر الخطيب بأن يسعى إلى ذكر الله؟ هل هو داخل في المأمورين؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

نعم، {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، اسعوا إلى من يذكر الله وهو الخطيب.

(أو يكون إضافة المحبة إليه تقتضي خروجه منهم، فإنك إذا قلت: جميع الناس أحب إلى زيد من غلامه، يُفهم منه خروج زيد منهم، قلت: لا يخرج؛ لأن اللفظ عام وما ذُكر ثَم ليس من المخصصات).

 يعني هل الرسول داخل في خطابه لغيره؟ إذا أمر الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بأمر هل يدخل في هذا الأمر أو لا يدخل؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما أمر أن يحلوا ..........

يعني كونه داخلًا بنصوص أخرى هذا ما فيه إشكال، لكن هل أصل الصيغة تتناول أو لا تتناول؟ هل المخاطِب داخل في خطابه أم لا؟ المسألة خلافية في الأصول، المسألة معروفة عندهم.

طالب: ..........

لا، أما مقتضى الصيغة فلا تتناول.

طالب: ..........

أما مقتضى الصيغة فلا تتناول، إذا قال الأب لأولاده: اذهبوا واصنعوا كذا، هل يلزم أن يذهب معهم؟ يكون داخلًا في الصيغة معهم؟ لا، لكن كونه أحد المكلفين، والمكلِّف هو الله -جَلَّ وعَلا-، فلا شك أن يتناوله إلا فيما يدل الدليل على خروجه منه.

(قال ابن بطال: المحبة ثلاثة أصناف؛ محبة إجلال وعظمة كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة استحسان واستلذاذ كمحبة سائر الناس، فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الألفاظ أصناف المحبة، ومن استكمل الإيمان عَلم أن حق النبي -صلى الله عليه وسلم- آكد عليه من حق والده وولده والناس أجمعين؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- استنقذنا من النار وهدانا من الضلال.

قال القاضي عياض: ومن محبته -صلى الله عليه وسلم- نصرُ سنته، والذبُّ عن شريعته، وتمنِّي حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه.

قال: وفيه أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بذلك، ولا يحصل الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي- صلى الله عليه وسلم- ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضَّل، ومن لم يعتقد هذا فليس بمؤمن، والله أعلم).

القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ- في كتابه الشفا بيَّن حقوق الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وذكر من أوصافه وشمائله وكريم أخلاقه ما يجعل المؤمن يحبه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، والغفلة عن مثل هذه الأمور، الشمائل والخصائص، لا شك أنها تورث الغفلة عن محبته -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- واتباعه، فلا بد أن يكون طالب العلم على علم بسيرته، وأيامه، وأوصافه، وشمائله، الناس أعداء لما يجهلون، كيف تعرف هذا الذي هداك الله بسببه وأنت ما تقرأ عنه شيئًا؟

لا شك أن هذا هو سبب الغفلة لدى كثير من المسلمين الذين لا يعرفون عن الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إلا اسمه، ما يعرفون عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إلا الاسم، ولذا كثير من أهل العلم يذكرون نسبه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- في مقدمة الكتب، لا سيما الشروح، شروح الحديث يذكر نسب النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إلى آخره؛ من أجل أن يضبط هذا النسب، ويقرن به كل من يأتي من الرواة، يلتقي مع النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- في كذا، معناه أكمل الذي حفظته عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ولا شك أن الاهتمام بنسبه وسيرته وسننه وأيامه هذا من أهم المهمات.

(يقول النووي: فيه تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنة، فإن من رجَّح جانب الأمارة كان حب أهله وولده راجحًا، ومن رجَّح جانب المطمئنة كان حكمه بالعكس. وأقول: حاصله أنه يجب ترجيح مقتضى القوة العقلية على القوة الشهوانية ونحوها).

 يعني الإنسان يُحكِّم العقل لا يحكِّم العاطفة، في بعض المواقف إذا حكَّم العاطفة زلَّ؛ لأنه يأتي في بعض المواقف لا سيما في مواقف حرجة، شخص أنقذه من غرق أو من حرق، هذا في هذه اللحظة يكون أغلى الناس عنده، لكن إذا تصوَّر أنه الذي أنقذه من نار الآخرة من عذاب الآخرة السرمدي الأبدي أعظم من هذا بكثير، لو ذهبت عليه الدنيا ما ضره شيء إن شاء الله.

نعم.

يقول: الزند موصل طرف الذراع في الكف، وهما زندان، والعود الذي يُقدح به النار، والسفلى زندة، ولا يقال: زندتان، جمعه زناد. العود الذي يقدح به النار جمعه زناد، زناد الأعواد التي يقدح بها النار. جمعه زناد وأزندة وأزناد، وتقول لمن أنجدك وأعانك: ورت بك زنادي. في كتاب اسمه سقط الزند، معروف، للمعري، سقط الزند مطبوع خمس مجلدات كبار مع شرحه، والسقط الوري، والزناد العود الذي يُقدح به النار. يعني كون النار تُورى بهذا العود أو بهذه الأعواد يسمى سقطًا. فكونه يكره أن يكنى بأبي الزناد وهي الأعواد التي تقدح وتورى بها النار، له وجه أم لا وجه له؟

طالب: ..........

نعم، بان وجهه.

وأورى زنده وأزند، زاد... هو الإشكال أن القاموس معتصر من كتب كثيرة في اللغة، وعلى صغر حجمه فيه ستون ألف مادة، على صغر حجمه، يعني طُبع في الأخير في مجلد واحد، وهذا جعل المؤلف يعصر الكلام عصرًا، وإلا لو رجعنا في المسألة إلى كتب اللغة المبسوطة وإن كانت أقل في المواد لاستفدنا أكثر، يعني لو رجعنا إلى تهذيب اللغة الخمسة عشر مجلدًا كبار ما فيه ولا نصف القاموس من المواد، أو الصحاح، كان بسط العبارة للمتعلم لا شك أنه أحسن، وقد يستشهدون عليها بشواهد من لغة العرب ومن النصوص، وكل له ميزته، يراجع طالب العلم ما ينفعه من كتب اللغة.

يقول الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللهُ- في شرحه: (فصل: خرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده»، وخرج البخاري ومسلم أيضًا من حديث أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».

محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصول الإيمان، وهي مقارنة لمحبة الله -عز وجل- وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليهما محبة شيء من الأمور المحبوبة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24]).

يلحظ المسلم من نفسه ومن غيره أنه قد تغلبه نفسه في بعض الأوقات فيقدم ما تهواه نفسه على مراد الله ومراد رسوله، ولا شك أن هذا فيه خللًا وإخلالًا بهذه المحبة، الشخص الذي يتشاغل بدنياه عن أداء واجب كالصلاة مع الجماعة مثلًا، النفس لا شك أنها تغلب، لكن الإشكال إذا كان هذا عادة وديدنًا، هذا مشكل، إذا غلبته نفسه يومًا من الأيام واسترسل مع عمله الدنيوي أو استرسل في قضاء وطر أو شيء وقدمه على مراد الله وغلبته نفسه وشهوته فأخر الصلاة بسبب هذا الأمر الدنيوي، يعني طلاب علم يُذكر له كتب أو مكتبة ستأتي لفلان ويقول: نصلي قدام من أجل أن يستغل الوقت، ثم تفوته الصلاة. 

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

يعني هذه مفاضلة بين عبادات، هذه لها وجه، لكن كتبه لا يحزن عليها إن شاء الله، أو عمل آخر أو شيء ما هناك ضرورة لتقديمه على مراد الله ومراد رسوله، هذا يجده الإنسان من نفسه في كثير من الأحوال، وثبت بالتجربة أن الذي يخرج بعد الأذان من بيته ويقول: نصلي قدام أنه في الغالب تفوته الصلاة؛ لأنه قد يسمع هذا المسجد يقيم يقول: لا، أنا بمسجد ثانٍ قدام أو يمر بمسجد قد فاته ركعة يقول: لا أنا أود أن أدرك تكبيرة الإحرام وهكذا، ثم بعد ذلك في النهاية ما يدرك شيئًا. فعلى الإنسان أن يحرص على الخروج من العهدة من عهدة الواجب بيقين قبل كل شيء.

طالب: شيخ.

نعم.

طالب: ..........

نعم، لكن لماذا قُدم؟ من أجل الصلاة لا لذاته، قُدم من أجل الصلاة، ليتفرغ لها؛ لئلا ينشغل عنها ويذهب إليها بسبب تقديم الصلاة عليه.

طالب: يقاس عليه ..........

فهو من أجل الصلاة.

طالب: يقاس عليه ..........

أين هو؟ كل ما يشغل، لكن قد يشغل الإنسان نفسه بغير شاغل، قد ينشغل بغير شاغل، مثل هذا الذي في طريقه يصلي ويذهب للبضاعة سواء كانت كتبًا أو غير كتب، إن صلى في الطريق قد لا يبقى من صلاته شيء، هذه أمور تُقدّر بقدرها بلا شك، لكن على الإنسان أن يخرج من عهدة الواجب ويبرأ منه بيقين، ولا يقدم على مراد الله غيره.

طالب: ..........

نعم، وجيء بخطاب يوقَّع من أجل منع هذه المساجد، قلت لهم:  لو جئتم بالخطاب قبل ثلاثين سنة وقعت معكم، لكن الآن كثر خيرهم من يبحثون عن هذه المساجد، شباب إذا ما صلوا ما يدري الناس عنهم أنهم ما صلوا، والله المستعان.

(ولما قال عمر للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: واللهِ أنت الآن أحب إليَّ من نفسي، قال: الآن يا عمر»)، هذا مخرج من صحيح مسلم (فيجب تقديم محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على النفوس والأولاد والأقارب والأهلين والأموال والمساكن، وغير ذلك مما يحبه الناس غاية المحبة، وإنما تتم المحبة بالطاعة كما قال -جَلَّ وعَلا-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: 31].

وسئل بعضهم عن المحبة، فقال: الموافقة في جميع الأحوال. فعلامة تقديم محبة الرسول على محبة كل مخلوق: أنه إذا تعارض طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أوامره وداعٍ آخر يدعو إلى غيرها من هذه الأشياء المحبوبة، فإن قَدم المرء طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وامتثال أوامره على ذلك الداعي كان دليلًا على صحة محبته للرسول- عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وتقديمها على كل شيء، وإن قدم على طاعته وامتثال أمره شيئًا من هذه الأشياء المحبوبة طبعًا؛ دل ذلك على عدم إتيانه بالإيمان التام الواجب عليه. وكذلك القول في تعارض محبة الله ومحبة داعي الهوى والنفس، فإن محبة الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- تبع لمحبة مرسله -عز وجل-.

هذا كله في امتثال الواجبات وترك الحرمات. فإن تعارض داعي النفس ومندوبات الشريعة، فإن بلغت المحبة إلى تقديم المندوبات على دواعي النفس، كان ذلك علامة كمال الإيمان وبلوغه إلى درجة المقربين والمحبوبين المتقربين بالنوافل بعد الفرائض، وإن لم تبلغ هذه المحبة إلى هذه الدرجة فهي درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين كملت محبتهم الواجبة ولم يزيدوا عليها).

اللهم صل وسلم على عبده ورسوله.

"