كتاب العلم (05)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ».
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ -أَوْ بِزِمَامِهِ- قَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا»، فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا» فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ بِذِي الحِجَّةِ» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ»".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ»".
لا شك أن الناس يتفاوتون في الفهم والحفظ والإدراك، وقد يكون السامع أقل إدراكًا ممن يسمع منه، فيكون للسامع المباشر أجر التبليغ، ثم السامع الثاني يفقه ما سمع، ويستنبط منه، فيكون له أجر هذا الاستنباط وأجر التبليغ لمن يسمع عنه. وشواهد الأحوال على ذلك كثيرة جدًّا على مر تاريخ الأمة، هؤلاء النوابغ من أهل العلم أليس لهم شيوخ؟ بلى لهم شيوخ. أين شيوخهم من منزلتهم ومرتبتهم؟ قد بلغوهم العلم، لكن هؤلاء المبلَّغين صاروا أوعى للعلم ممن بلغهم. الإمام مالك انتشر علمه، وذاع صيته، وقصَدَه الناس من الآفاق بحضرة شيوخه، وكان المسجد مسجد النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يكتظ بالآخذين عن الإمام مالك والناقلين لعلمه، وربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخه متوسد رداءه بالمسجد، «رب مبلغ أوعى من سامع»، وإن كانت رُب في الأصل للتقليل، مع أنها قد تأتي للتكثير: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2].
إذ خالفت لفظًا ومعنى ربما، من كلام الحافظ العراقي في المستخرجات.
واستخرجوا على الصحيح كأبي عوانة ونحوه فاجتنب
عزوك ألفاظ المتون لهما إذ خالفت لفظًا ومعنى ربما
ربما هنا في مخالفة اللفظية كثيرة جدًّا، وفي المخالفة المعنوية قليلة، واستُعمِلت ربما في معنييها. ورُبّ عندنا في الحديث هي للتقليل أم للتكثير؟ هو كثير، لكنه ليس الأكثر، هو كثير، لكن ليس هو الأكثر.
طالب: .......
لا، ليس هو، لكنه كثير، ولكن ليس هو الأكثر، الأكثر أن الذي يأخذ مباشرة أفقه وأوعى من الذي يأخذه، هذا الغالب، ولذلكم الصحابة أفقه الناس وأحفظ الناس ومن جاء بعدهم، قد يوجد من أفراد من جاء بعدهم من يكون أفقه ممن أخذ عنه العلم، ولذا في التابعين من ذُكر من الأئمة من الحفاظ، من الفقهاء، وقد روى عمن هو أقل منه في هذا الشأن من الصحابة، وإن كان شرف الصحبة لا يدانيه أي شرف، ولا ينازعه فيه أحد.
(قوله: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ربّ مبلغ أوعى من سامع»، هذا الحديث المعلق أورد المصنف في الباب معناه)، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه. (هذا الحديث المعلق أورد المصنف في الباب معناه، وأما لفظه فهو موصول عنده في باب الخطبة بمنًى من كتاب الحج. أورد فيه هذا الحديث من طريق قُرة بن خالد عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجلٌ أفضل في نفسي من عبد الرحمن، حميد بن عبد الرحمن، كلاهما عن أبي بكرة قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر) طيب لماذا قدم عبد الرحمن على من أفضل منه؟
طالب: .......
نعم لاختصاصه بأبيه، فهو راوية أبيه.
(قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، قال: «أتدرون أي يوم هذا؟» وفي آخره هذا اللفظ، وغفل القطب الحلبي ومن تبعه من الشراح في عزوهم له إلى تخريج الترمذي من حديث ابن مسعود، فأبعدوا النجعة)، إشكال بعض الشراح عدم الإلمام بأطراف الكتاب والإحاطة بمواضع تخريج الحديث هناك، وهذه المزية اشتهر بها ابن حجر، فعنده تصور تام للكتاب، أما من عداه من الشراح، وإن كانوا يتفاوتون في هذا قربًا وبعدًا، لكن قد يخفى عليه الحديث في الباب الذي يلي الباب الذي يشرحه. كثيرًا ما يقول الحافظ ابن حجر عن الكرماني إذا أخطأ وهو يرد عليه وقال: هذا جهل منه بالكتاب الذي يشرح، ولذا ينبغي لمن أراد أن يشرح كتابًا سواء كان شرحًا مكتوبًا أو ملقى أن يأخذ عنه تصور ًا ولو من وجه، يتصفح الكتاب، وينظر في مسائله وكتبه، وإن لم يحط بجميع ما فيه؛ لأنه قد يستطرد في بحث مسألة ويبحثها في غير موضعها لأدنى مناسبة، والمؤلف سوف يذكرها بعينها، فيحتاج إلى إعادة ما كتبه، أو يوعر على الطالب بحث المسائل التي يبحثها في مظانها فلا يجده. مع أن البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- سلك مسالك فيها شيء من الغموض.
حديث ضباعة بنت الزبير: «حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيتِ»، كثير ممن يُخرج لا يعزوه إلى البخاري، وهو مُخرج في صحيح البخاري، لما يفتشون في كتاب الحج ما يجدونه يقولون: لم يخرَّج في البخاري، صرح بعضهم بأن البخاري لم يُخرجه؛ لأن البخاري خرجه في كتاب النكاح: باب الأكفاء في الدين، تكلم عن الحديث وقال: وكانت ضباعة تحت المقداد، لهذا جعله في كتاب النكاح، الكفاءة في الدين موجودة، وإلا فالمقداد مولى وهذه بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-. فالتصور ولو إجمالاً، ما يشترط أن يحفظ الكتاب كله؛ لأن هذا قد يصعب، لكن التصور الإجمالي مهم جدًّا.
اتصل بي واحد من الأساتذة الكبار يناقش رسالة، وفيها حديث معزو إلى صحيح البخاري وقال لي: الطالب هذا عزا الحديث إلى صحيح البخاري، وهذا كلام ليس بصحيح، وأنا راجعت البخاري، وتعبت على الحديث ما وجدته. الحديث في غير موضعه، كان الاتصال العصر، والمناقشة المغرب. لما دللته على الكتاب قال: أنقذتني، وكان وناويًا أن ينزل على الطالب نزلة.
نقول: مثل هذا مشكل، لا بد من التصور الإجمالي لأي كتاب تريد العناية به، ولذا قال: (وغفل القطب الحلبي) يعني في شرحه على البخاري (ومن تبعهم من الشراح في عزوهم له) أي الحديث (إلى تخريج الترمذي من حديث ابن مسعود، فأبعدوا النجعة، وأوهموا عدم تخريج المصنف له والله المستعان.
و«رُب» للتقليل، وقد ترد للتكثير، و«مبلَّغ» بفتح اللام، و«أوعى» نعت له، والذي يتعلق به رُب محذوف وتقديره يوجد أو يكون، ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رُب اسم من أن تكون هي مبتدأ) صحيح، هي حرف عند البصريين، ويجوز الكوفيون، أو هي عند الكوفيين اسم.
(أن تكون هي مبتدأ وأوعى الخبر فلا حذف ولا تقدير، والمراد: رب مبلغ عني أوعى، أي أفهم لما أقول من سامع مني، وصرَّح بذلك أبو القاسم بن منده في روايته من طريق هوذة عن ابن عون ولفظه: «فإنه عسى أن يكون بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهد».
قوله: بشر، هو ابن المفضل، ورجال الإسناد كلهم بصريون. قوله: ذَكر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، بنصب النبي على المفعولية، وفي ذَكر ضمير يعود على الراوي يعني أن أبا بكرة كان يحدثهم فذَكر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: قعد على بعيره. وفي رواية النسائي ما يُشعر بذلك ولفظه: عن أبي بكرة قال: وذَكَر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فالواو إما حالية وإما عاطفة، والمعطوف عليه محذوف. وقد وقع في رواية ابن عساكر عن أبي بكرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قعد، ولا إشكال فيه).
طالب: .......
أنت تبلِّغ الخبر الذي بلغك «بلغوا عني ولو آية» لمن هو أفهم ولمن هو مثلك ولمن هو دونك، فالمقصود أنك تنشر العلم. كون الطلاب يتلقون عنك، ثم يتفاوت هؤلاء الطلاب هذا ليس بيدك، تقول: والله أنا أنتقي الأذكياء، وأترك من دونهم، بلغ الناس: «بلغوا عني ولو آية»، ويشمل ذلك كل من يحتمله اللفظ من ذكي وأذكى وأغبى وأدنى وأعلى؛ لأن الأجر منوط بمجرد التبليغ، ثم بعد ذلك إذا ترتب على هذا التبليغ انتشار العلم بسببك، وصار هذا المبلَّغ له شأن، وكثر الآخذون عنه، وانتشر علمه في الآفاق فلك الأجر.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
أيهم؟
طالب: .......
أو على المبلغ، نعم.
(قوله: وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه، الشك من الراوي، والزمام والخطام بمعنًى، وهو الخيط الذي تُشد فيه الحلقة التي تسمى بالبُرَة بضم الموحدة وتخفيف الراء المفتوحة في أنف البعير) هذه حقيقة الزمام، وأما الخطام فقال بعضهم: إنه يكون في رقبته أو موضع آخر من رأسه، لكنه في غير الأنف. (وهذا الممسك سماه بعض الشراح بلالاً، واستند إلى ما رواه النسائي من طريق أم الحصين قالت: حججت فرأيت بلالاً يقود بخطام راحلة النبي- صلى الله عليه وسلم- انتهى. وقد وقع في السنن من حديث عمرو بن خارجة قال: كنت آخذًا بزمام ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهى، فذكر بعض الخطبة، فهو أولى أن يفسَّر به المبهم من بلال).
أولى؛ لأنه فيه نوع مناسبة، فيه جزء من الخطبة. وأما بلال فآخذ بخطام ناقة النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، لكن لم يُذكر في حديثه ما يتعلق بالخطبة.
(لكن الصواب أنه هنا أبو بكرة، فقد ثبت ذلك في رواية الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون ولفظه: خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على راحلته يوم النحر وأمسكتُ، إما قال بخطامها وإما قال بزمامها. واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبي بكرة لا منه)، (وأمسكتُ) هذا كلام من؟ أبو بكرة، (إما قال) أبو بكرة، الناقل عنه الراوي، (ممن دون أبي بكرة لا منه. وفائدة إمساك الخطام: صون البعير عن الاضطراب حتى لا يشوش على راكبه.
قوله: «أي يوم هذا»، سقط من رواية المستملي والحموي السؤال عن الشَّهر، والجواب الذي قبله فصار هكذا: «أي يوم هذا»، فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: «أليس بذي الحجة»)، «أي يوم هذا»، قال: «أليس بذي الحجة». (وكذا في رواية الأصيلي وتوجيهه ظاهر)، وهو أن اليوم من ذي الحجة، اليوم لا إشكال فيه وأنه من ذي الحجة، لكنه ليس هو الشهر كله.
(وهو من إطلاق الكل على البعض، ولكن الثابت في الروايات عند مسلم وغيره ما ثبت عند الكشميهني وكريمة، وكذلك وقع في رواية مسلم وغيره السؤال عن البلد، وهذا كله في رواية ابن عون، وثبت السؤال عن الثلاثة عند المصنف في الأضاحي من رواية أيوب، وفي الحج من رواية قرة كلاهما عن ابن سيرين.
قال القرطبي: سؤاله -صلى الله عليه وسلم- عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها، كان لاستحضار فهومهم، وليُقبلوا عليه بكليتهم) يعني لإثارة انتباههم، وإلا فمثل اليوم لا يُسأل عنه، الشهر لا يُسأل عنه، البلد لا يُسأل عنه، لكنه لشدة وضوحه ظنوا أنه لا يمكن أن يسأل عنه، فظنوا أنه سيسميه بغير اسمه، كما وقع في المفلس: «أتدرون من المفلس؟» يعرفه الناس كلهم الخاص والعام والكبير والصغير والغني والفقير، كلهم يعرفون أنه من لا درهم له ولا متاع، لكن مثل هذا لا يحتاج إلى سؤال؛ لأنه معروف.
طالب: .......
نعم؟
طالب: .......
لا لا لا، لكن «أي شهر هذا»، الناس حاجون ما يدرون ما الشهر؟ وإنما هو لإثارة الانتباه. أحيانًا يكون السؤال لا يقصد منه حقيقته، يكون السؤال لا يراد منه أن يترتب عليه شيء. لما سأل عن المفلس قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال: لا، هذا الكلام خطأ أم صحيح؟ صحيح، وما أجابوا به حقيقة شرعية، ووجد ماله عند رجل قد أفلس، هل هذا الذي يأتي بأعمال أمثال الجبال؟ لا، لكن الحقيقة في موضعها وما يريده النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- من إرادة لفت انتباههم واستثارة فهومهم؛ لأن الكلام الذي سيورده مهم.
طالب: .......
نعم، مذهل السؤال، السؤال مذهل، ما يمكن أن يتصور أو يتوقع الجواب بما يعرفونه، سخص يقول لك والشمس طالعة: نحن بالليل أم بالنهار؟ بماذا تجيبه؟ ما تجاوب، تذهل. أو يقال لك: نحن في المسجد أم في أي مكان آخر؟ له مغزى السؤال.
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
ما يخالف، هذا سيأتي، لكنهم توقفوا؛ لأنه ما فيه أحد يتوقع أنه يسأل عن اليوم، وما فيه أحد يتوقع أنه يسأل عن البلد، كل هذا من أجل استثارة فهومهم وشد انتباههم، ثم بعد ذلك إملاء ما يراد.
(قال القرطبي: سؤاله -صلى الله عليه وسلم- عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهومهم، وليقبلوا عليه بكليتهم، وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه، ولذلك قال بعد هذا: «فإن دماءكم» إلخ، مبالغةً في بيان تحريم هذه الأشياء، انتهى. ومناط التشبيه في قوله: «كحرمة يومكم» وما بعده ظهوره عند السامعين؛ لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم، مقررًا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والأعراض، فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يرِد كون المشبَّه به أخفض رتبةً من المشبَّه).
أنت إذا أردت أن تشبه شيئًا بشيء فإنه لا بد أن يشتركا في وصف يسمى وجه الشبه، وقوله: (فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه) لكن هل يلزم؟ «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر»، نعم هذه رؤية، المشبه به رؤية الله -جَلَّ وعَلا- يوم القيامة، بلا شك كما أن رؤية القمر ليلة البدر حق لا شك ولا مرية فيه، «لا تضامُون» و«لا تضامُّون».
(لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطَبون قبل تقرير الشرع) قبل تقرير الشرع، وأن حرمة البلد والشهر واليوم أعظم من حرمة الدم والعرض والمال، لكن هو أراد أن يقرر العكس -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.
(ووقع في الروايات التي أشرنا إليها عند المصنف وغيره أنهم أجابوه عن كل سؤال بقولهم: الله ورسوله أعلم، وذلك من حسن أدبهم؛ لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، وأنه ليس مراده مطلقَ الإخبار بما يعرفونه؛ ولهذا قال في رواية الباب: حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، ففيه إشارة إلى تفويض الأمور الكلية إلى الشارع، ويُستفاد منه الحجة لمثبتي الحقائق الشرعية)، ولا شك أن الحقائق الشرعية موجودة، وفيها نوع اختلاف عن الحقائق اللغوية، والحقائق العرفية قد يكون فيها نوع موافقة، وقد تكون لا صلة لها، أما ما بين الحقيقة الشرعية واللغوية فالشرع لا يُلغي المعنى اللغوي وإنما يضيف إليه شيئًا من القيود.
(قوله: «فإن دماءكم» إلى آخره هو على حذف مضاف، أي سفك دمائكم، وأخذ أموالكم، وثلب أعراضكم، والعِرض: بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه)، نعم سواء كان في عرض الموجود أو في عرض من تقدم، وسواء كان مفردًا أو جماعة. وأيهما أشد: الكلام في عرض الفرد أو في عرض الجماعة؟
طالب: .......
ما هو؟
طالب: .......
هو أشد؟ لما تتكلم في فلان من الناس أو تتكلم في القبيلة الفلانية أو في البلد الفلاني.
طالب: .......
الآن لو قذف زيدًا من الناس أو قذف مجهولًا، لو قال: أهل البلد الفلاني؟
طالب: .......
لا، قذف البلد أو القبيلة أسهل من قذف الشخص بعينه؛ لأن الشخص تتحدد وتتوجه إليه الأنظار بذاته، وقذف المجموعة يعتريه ما يعتريه لما يعرفه بعض الناس عن بعضهم، وإذا انتفى في بعض الناس خفف البقية، قد يقال: إن كله من هذا النوع، وما نظيره؟ الآن يكثر الكلام في مثلاً الصعايدة والحواطة وباهلة من قبائل وبلدان وكذا، ويكثر عليهم التنكيت، يكثر عليهم التنكيت، ويكثر عليهم القيل والقال، لكن هل الباهلي فيما يقرؤه عن قبيلته تأثيره على شخصه مثل ما يقال في شخصه هو؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
أسهل بكثير، لأن الكلام في الخاصة أثره أبلغ من أثر الكلام في العامة.
طالب: .......
ما يؤثر، يؤثر على ملايين البشر، يؤثر عليهم أو عشرات ألوف بكلمة شخص أو عشرين. لا هو حتى لو قذفهم قال: فيهم كذا، وفيهم كذا، ليس معناه أنه يعني كل فرد منهم، ولم يحدث شخصًا بعينه يمكن مطالبته بالحد.
طالب: .......
لا، نحن نشوف الأثر المرتب على ذلك، والذي يترتب عليه العقوبة. لكن لو قال مثلاً: زيد وعمرو وبكر وخالد وفلان وفلان، وعدَّد عشرة بأعيانهم وقذفهم، هذا أشد بلا شك.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
كل من طالب، هذه حقوق العباد ما تتداخل، لكن بالمطالبة، كل من طالب بحد القذف يُحد، على عددهم إذا طالب.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
نعم، ما تتداخل، هذه حقوق العباد. لكن لو زنى عشر مرات، ولا أقيم عليه الحد الأول، فحد واحد.
طالب: .......
أين؟ هو آثم بالإجماع آثم.
طالب: .......
لا لا، ليس على هذه الحسبة، لو شخص قال فلان يعنيك قذفك أو قذف أهل الرياض وأنت فيهم؛ لأن الشيء إذا شاع تفرق، خف، ما هو بمثل الذي يتحدد في جهة معينة، ولذلك يقول القائل: الموت مع الجماعة رحمة، يخف بلا شك.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
(قوله: «ليبلغ الشاهد» أي الحاضر في المجلس الغائب، أي الغائب عنه، والمراد إما تبليغ القول المذكور أو تبليغ جميع الأحكام) يعني القول المذكور في هذا الحديث أو على العموم، وهذا أولى بلا شك.
(وقوله: «منه») أي من الشاهد، عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه، يعني هو أوعى للكلام منه الذي هو المبلغ، من المبلغ. (وقوله: «منه» صلة لأفعل التفضيل، وجاز الفصل بينهما لأن في الظرف سعةً) الظرف أين هو؟ «عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه»، الجار والمجرور توسع؛ لأن شبه جملة مثل الظرف، (وليس الفاصل أيضًا أجنبيًّا).
قال: (فائدة: وقع في حديث الباب: فسكتنا بعد السؤال، وعند المصنف في الحج من حديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس يوم النحر فقال: «أي يوم هذا»، قالوا: يوم حرام. وظاهرهما التعارض) فهنا سكتوا، وفي هذه الرواية أجابوا. (والجمع بينهما أن الطائفة الذين كان فيهم ابن عباس أجابوا، والطائفة الذين كان فيهم أبو بكرة لم يجيبوا، بل قالوا: الله ورسوله أعلم، كما أشرنا إليه. أو تكون رواية ابن عباس بالمعنى؛ لأن في حديث أبي بكرة عند المصنف في الحج وفي الفتن، أنه لما قال: «أليس يوم النحر» قالوا: بلى، بمعنى قولهم: يوم حرام بالاستلزام، وغايته أن أبا بكرة نقل السياق بتمامه واختصره ابن عباس، وكأن ذلك كان بسبب قرب أبي بكرة منه؛ لكونه كان آخذًا بخطام الناقة. وقال بعضهم: يحتمل تعدد الخطبة، فإن أراد أنه كررها في يوم النحر فيحتاج لدليل، فإن في حديث ابن عمر عند المصنف في الحج أن ذلك كان يوم النحر بين الجمرات في حجته) ولا يتصور أنها كُررت في هذا الموضع وفي هذا الموضع.
طالب: .......
....... ماسك خطام الناقة.
(وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: الحث على تبليغ العلم، وجواز التحمل قبل كمال الأهلية) من أين أخذنا جواز التحمل؟
طالب: .......
نفسه، هذا كلام ابن حجر.
(وجواز التحمل قبل كمال الأهلية).
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
أقل في الأهلية، وقد يكون في تأهله خلل كبير، لكن قد يقال: إنه يسمع، وفي سماعه ضعف، وفي حافظته ضعف كبير، كيف نقبل روايته؟ كيف؟ إذا كان مدار الحديث عليه رددناه، وإن جاء من غير طريقه قبلناه، وهذه وظيفة أئمة هذا الشأن.
(جواز التحمل قبل كمال الأهلية) وقد يقال كما قال بعضهم: ابن عباس في ذاك الوقت ما بلغ، (وأن الفهم ليس شرطًا في الأداء) الفهم ليس شرطًا في الأداء خلافًا لما يقوله الحنفية من أن الراوي لا يقبل حتى يكون فقيهًا، لا تقبل روايته حتى يكون فقيهًا، (وأنه قد يأتي في الآخِر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة. واستنبط ابن المنير من تعليل كون المتأخر أرجحَ نظرًا من المتقدم: أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره)، (واستنبط ابن المنير من تعليل كون المتأخر أرجحَ نظرًا من المتقدم: أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره) أو العكس؟
طالب: .......
لا لا خلونا من الحديث، (واستنبط ابن المنير من تعليل كون المتأخر أرجحَ نظرًا من المتقدم: أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره).
طالب: .......
لحظة لحظة، ما هي معكوسة، من رُب تقليل، ما يدل على أن الغالب أن الراوي المباشر أفهم للمعنى ممن ينقل عنه؛ لأنه كلما كثرت الوسائط، يعني الأخذ مباشرة ما يعتريه خلل في الفهم مثل ما يعتري ما إذا تعددت الوسائط، أنت الآن إذا سمعت من الشيخ، سمعت مني كلامًا ثم نقلته في مجلس، ثم هؤلاء الذين في المجلس نقلوه إلى غيرهم، الذين غيرهم كل واحد يسرح في فهمه خلاف المباشر، هذا الأصل. لكن رُب قد يوجد ممن هو غير المباشر يكون أفهم من المباشر، هذا ما يفيده لفظ رُب: «رب مبلغ أوعى»، لكن جيء برُب التي هي للتقليل، مما يدل على أن الأصل أن السامع أوعى، الأصل أن السامع أوعى؛ لأن كثرة الوسائط، وهذا كما يوجد في الحفظ يوجد في الفهم، ولذلك قالوا في الإسناد العالي أنه أفضل من الإسناد النازل؛ لوجود الوسائط الكثيرة، وما من واحد من هؤلاء الرواة، يعني حديث يروى بواسطة عشرة، ما من واحد من هؤلاء الرواة العشرة إلا ويحتمل أن يرد الخلل بواسطته، بخلاف كل ما قل العدد أمِنا من هذا، وهذا كما يأتي بالحفظ يأتي بالفهم.
طالب: .......
إذا وُجد كتاب بخط مؤلفه، هل فيه أصح من هذه النسخة؟ لا، جاء عالم من طلاب هذا الشيخ المؤلف ونسخ الكتاب، أيهما أصح؟
طالب: .......
نسخة المؤلف. جاء عالم من طلاب الطالب ونسخ هذه النسخة، الطالب وقعت منه أخطاء الطالب المباشر يسيرة، ثم الثاني إذا لم يقابَل على الأصل لا بد أن يقع فيه شيء، والثالث كذلك. ولذلك قالوا: إذا نُسخ الكتاب فلم يقابَل، ثم نُسخ فلم يقابل، ثم نسخ، خرج أعجميًّا. وقل مثل هذا في التبليغ: الأول ضابط، الثاني قد يحصل في ضبطه شيء من الخلل، الثالث كذلك. ولذلك فضلوا الأسانيد العالية على الأسانيد النازلة.
الفهم قريب من هذا، الأول لا سيما مع تجويز الرواية بالمعنى، هل يمكن أن يتصور أن من يأتي في الطبقة الرابعة أو الخامسة يجيء باللفظ مثل ما جاء عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مع تجويزهم الرواية بالمعنى؟ لأنه وإن ضبط، هو إن كان ضابطًا في الدرجة الأولى غاية في الضبط والإتقان، لكن الذي قبله يمكن أن يرد منه خلل.
ولذلكم هنا نقطة دقيقة وغامضة ويجب التنبه لها: منهم من فضَّل صحيح مسلم على البخاري؛ لأنه ينص على صاحب اللفظ، حدثنا فلان وفلان وفلان واللفظ لفلان، البخاري ما ينص. هل هذا يقتضي أن صحيح مسلم أدق من صحيح البخاري؟ مسلم اعتنى برواية شيوخه، لكن ماذا عن شيوخهم وهم يُجوزون الرواية بالمعنى؟
طالب: .......
قد يروون ومن قبلهم قد يروون إلى آخره.
طالب: .......
كلهم يُجوزون، ما أعرف إلا ابن سيرين ونفرًا يسيرًا.
طالب: .......
لا، مسلم -رَحِمَهُ اللهُ- يقول: اللفظ لفلان، والبخاري ما ينص على صاحب اللفظ. لكن ابن حجر يقول: ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا روى الحديث عن رجلين فاللفظ للآخر منهما.
طالب: .......
لا لا، قاعدة ليست كلية، أوردنا عليها استدراكات كثيرة.
طالب: .......
نعم، التقليل، يعني اللفظ من تقليل بدل تعليل. لكن الجملة تعليلية: «رب مبلغ»، هي تعليلية وهي للتقليل، ولا يمنع أن يكون... ماذا معك يا أبا عبد الله؟ ماذا يقول؟ واستنبط ابن المنير من تعليل، طيب.
(وفيه جواز القعود على ظهر الدواب وهي واقفة إذا احتيج إلى ذلك) شريطة ألا يشق عليها، إن كانت تطيق ذلك. ومثله جواز الإرداف والحمل عليها بما لا يشق عليها. كل هذا جائز بالقيد المذكور: ألا يشق عليها.
طالب: .......
المقصود أنه إذا احتيج، من دون حاجة يعني عبث هذا. لكن إذا احتيج وهذا لا يشق عليها وكانت تطيق. لكن ماذا عن السيارات؟ هي لا تتألم، نعم إذا حملها وحمولتها ثلاثة طن، وحملها خمسة مثلاً، لا شك أن هذا فيه إتلاف.
(وحُمل النهي الوارد في ذلك على ما إذا كان لغير ضرورة)، يقول الشيخ: لو قال لغير حاجة لكان أصح.
(وفيه الخُطبة على موضع عالٍ ليكون أبلغ في إسماعه للناس ورؤيتهم إياه).
نعم.
طالب: قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ.
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، فَبَدَأَ بِالعِلْمِ، «وَأَنَّ العُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَرَّثُوا العِلْمَ، مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ»، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وَقَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]، وَقَالَ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَهِّمْهُ فِي الدِّينِ»، وَإِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ- ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ. وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ".
يقول: هل إذا روى البخاري ومسلم الحديث عن شيخ واحد تُقدَّم رواية مسلم؛ لكونه يضبط اللفظ خاصة وأن ابن حجر ذكر أن البخاري قد يتصرف في النصوص، وينقلها بالمعنى؟
يرجع إلى ما ذكرناه سابقًا؛ لأنه وإن ضبط مسلم رواية شيخه، إلا أنه لا يضمن رواية شيخ شيخه.
قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، فَبَدَأَ بِالعِلْمِ"، كلكم قرأتم في الأصول الثلاثة: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، هذا موجود في الأصول الثلاثة، لكنه ليس موجودًا في الصحيح، وهو من أقوال الإمام البخاري: باب قول الله تعالى فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. وهذا في البخاري: "فبدأ بالعلم"، ولا يوجد في نسخة من النسخ ما ذكره الإمام المجدد -رَحِمَهُ اللهُ-، إلا أنه صحيح؛ لأن أصل الترجمة: العلم قبل القول والعمل.
(قوله: باب العلم قبل القول والعمل، قال ابن المنير: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل) لأن الذي يعمل أو يقول في مسائل شرعية أو يعمل عملاً يتقرب به إلى الله -جَلَّ وعَلا- من غير علم، هذا يعبد الله على جهل، ويدعو إلى الله على جهل، والمفترض أن يدعو إلى الله على بصيرة كما كان -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وأن يعبد الله على نور من الله ومن هدي نبيه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ولهذا يقدَّم العلم. لكن لا يلزم من ذلك أنه لا يدعو أو لا يعمل أو لا يُعلم حتى يكون عالمًا بارزًا؛ إذا عرف المسألة خلاص، إذا عرف حكم المسألة وتصورها تصورًا صحيحًا عمل بها ودعا إليها.
(قال ابن المنير: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما؛ لأنه مصحِّح للنية المصحِّحة للعمل، فنبَّه المصنف على ذلك حتى لا يَسبق إلى الذهن من قولهم إن العلم لا ينفع إلا بالعمل، تهوينُ أمر العلم والتساهل في طلبه) العلم لا ينفع إلا بالعمل، وهذا كلام صحيح، ما فائدة علم لا يعمل به؟ هو وبال على صاحبه وحجة، فعلى من علم أن يعمل، وعلى العامل ألا يعمل إلا بعد أن يعلم؛ لئلا يعبد على جهل.
(قوله: فبدأ بالعلم، أي حيث قال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]) {فَاعْلَمْ} العلم، (ثم قال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19]، والخطاب وإن كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو متناوِل لأمته، واستدل سفيان بن عيينة بهذه الآية على فضل العلم، كما أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمته من طريق الربيع بن نافع عنه أنه تلاها فقال: ألم تسمع أنه بدأ به فقال: اعلم ثم أمره بالعمل، ويُنتزع منها دليلُ ما يقوله المتكلمون من وجوب المعرفة، لكن النزاع كما قدمناه إنما هو في إيجاب تعلُّم الأدلة على القوانين المذكورة في كتب الكلام) هم يوجبونه على طريقته، (وقد تقدم شيء من هذا في كتاب الإيمان) ومعلوم أن أول واجب عندهم النظر، أو القصد إلى النظر أو الشك،، والقول المعتبر الذي تدل عليه النصوص أن أول واجب على المكلف الشهادتان.
(قوله: وأن العلماء، بفتح أن ويجوز كسرها، ومن هنا إلى قوله وافر طرف من حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححًا من حديث أبي الدرداء وحسَّنه حمزة الكناني، وضعفه باضطراب في سنده).
طالب: .......
وضعفه غيره، نعم صحيح. كيف يحسن ويضعفه؟! عندك؟
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
لا، حسَّنه حمزة الكناني، وضعفه غيره. ما الطبعة التي معك؟
طالب: .......
ما المقحمة؟
طالب: .......
حسنه حمزة الكناني وضعفه غيره باضطراب في سنده.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
ماشي، الكلام صحيح ومستقيم. دعونا نشوف الخطأ والصواب في المذكور أم أن الكلام صحيح.
160، نعم المصحح الخطأ والصواب الذي في نفس النسخة عندهم.
طالب: .......
عند من؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
حسنه، وضعفه غيره، غير حمزة، باضطراب في سنده. هذا الكلام مستقيم. التصويب هنا: عندهم، والتصويب يحتاج إلى تصويب. هكذا قرأوها في الأصل، ماذا عندك أنت؟
طالب: .......
طيب. ما قرأوا غيره عند في الأصول الخطية.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
غير من؟
طالب: .......
حتى نرجع. (طرف من حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححًا من حديث أبي الدرداء وحسَّنه حمزة الكناني وضعفه غيرهم)، نعم يصير غيرهم بدل عندهم، نحن أعدنا الضمير إلى حمزة فقط، لكن المفترض أن يعود إلى من صححوه؛ ليقابل بمن ضعفوه.
(باضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوى بها، ولم يفصح المصنف بكونه حديثًا فلهذا لا يعد في تعاليقه، لكن إيراده له في الترجمة يُشعر بأن له أصلاً)، وأن العلماء ورثة الأنبياء، يشعر أن له أصلاً؛ لأن وجوده في كتاب التُزمت صحته لا شك أنه يدل على أن له أصلاً. (وشاهده في القرآن قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]، ومناسبته للترجمة من جهة أن الوارث قائم مقام الموروث) أو المورِّث؟ ماذا عندك يا أبا عبد الله؟
طالب: .......
المورِّث، نعم.
طالب: .......
الموروث العلم، يعني الوارث العالم يقوم مقام العلم؟! أو مقام النبي الذي ورثه في تبليغ الدين؟ المورِّث. أو الموروث على معنى أنه هذا وارث، وذاك موروث، يعني ورث من هذا.
طالب: .......
ماذا عندك يا أبا عبد الله؟ الموروث؟
طالب: .......
يصلح أن يكون على تقدير جار ومجرور متعلق به تقديره منه، الموروث منه.
(فله حكمه فيما قام مقامه فيه.
قوله: «ورَّثوا»، بتشديد الراء المفتوحة أي الأنبياء، ويروى بتخفيفها مع الكسر أي العلماء) ورِثوا (أي العلماء). (قوله: «بحظ»، أي نصيب وافر أي كامل. قوله: «ومن سلك طريقًا» هو من جملة الحديث المذكور، وقد أخرج هذه الجملة أيضًا مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث غير هذا).
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
(بتشديد الراء المفتوحة أي الأنبياء، ويروى بتخفيفها مع الكسر) يعني ورِثوا (أي العلماء)، (ويؤيد الأول ما عند الترمذي وغيره فيه: «وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا؛ وإنما ورثوا العلم»).
طالب: .......
لا تستعجل.
(قوله: «بحظ»، أن نصيب وافر أي كامل. قوله: «من سلك طريقًا»).
نقف على هذا.
"