كتاب بدء الوحي (052)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في كلام الشوكاني -رحمه الله- الذي انتقد فيه من تكلّف المناسبات بين الآيات عند قوله -جل وعلا-: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [سورة البقرة: 47] الآية قال: اِعلم أن كثيرًا من المفسرين جاؤوا بعلمٍ متكلَّف، وخاضوا في بحرٍ لم يُكلَّفوا سباحته، واستغرقوا أوقاتهم في فنٍ لا يعود عليهم بفائدة، بل أوقعوا أنفسهم في التكلف بمحض الرأي المنهي عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه، وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف فجاؤوا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الإنصاف، ويتنزه عنها كلام البلغاء فضلاً عن كلام الرب سبحانه، حتى أفردوا ذلك بالتصنيف، وجعلوه المقصد الأهم من التأليف كما فعله البقاعي في تفسيره، ومن تقدَّمه حسب ما ذكر في خطبته، وإن هذا لمن أعجب ما يسمعه من يعرف أن هذا القرآن مازال ينزل مُفرَّقًا على حسب الحوادث المُقتضيَة لنزوله منذ نزول الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن قبضه الله -عز وجل-، وكل عاقلٍ فضلاً عن عالم لا يشك أن هذه الحوادث المقتضية لنزول القرآن متخالفةٌ باعتبار نفسها، بل قد تكون متناقضة كتحريم أمرٍ كان حلالاً كتحريم أمرٍ كان حلالاً، وتحليل أمرٍ كان حرامًا وإثبات أمرٍ لشخص أو أشخاص يناقض ما كان قد ثبت لهم قبله.
وتارةً يكون الكلام مع المسلمين، وتارة مع الكافرين، وتارة مع من مضى، وتارة مع من حضر، وحينًا في عبادة، وحينًا في معاملة، ووقتًا في ترغيب، ووقتًا في ترهيب، وآونة في بشارة وأخرى في نذارة، وطورًا في أمر دنيا وطورًا في أمر آخرة، ومرةً في تكاليف آتية، ومرةً في أقاصيص ماضية.
وإذا كانت أسباب النزول مختلفة هذا الاختلاف، متباينة هذا التباين الذي لا يتيسر معه الائتلاف، فالقرآن النازل فيها باعتباره نفسه مختلفٌ كاختلافها، فكيف يطلب العاقل مناسبة بين الضب والنون، والماء والنار، والملّاح والحادي، وهل هذا إلا من فتح أبواب الشك وتوسيع دائرة الريب على من في قلبه مرض؟ أو كان مرضه مجرد الجهل، والقصور، فإنه إذا وجد أهل العلم، فإنه إذا وجد أهل العلم يتكلمون في التناسب بين جميع آي القرآن، ويفردون ذلك بالتصنيف تقرر عنده أن هذا أمرٌ لا بد منه، وأنه لا يكون القرآن بليغًا مُعجزًا إلا إذا ظهر الوجه المقتضي للمناسبة. وتبيّن الأمر الموجب للارتباط، فإذا وجد الاختلاف بين الآيات فرجع إلى ما قاله المتكلمون في ذلك ووجده تكلفًا محضًا وتعسفًا بيّنًا انقدح في قلبه ما كان عنه في عافية وسلامة. هذا على فرض أن نزول القرآن كان مترتبًا على هذا الترتيب الكائن في المصحف، فكيف وكل من له أدنى علم بالكتاب وأيسر حظٍ من معرفته يعلم علمًا يقينيًا أن لم يكن كذلك، ومن شك في هذا وإن لم يكن مما يشك فيه أهل العلم رجع إلى كلام أهل العلم العارفين بأسباب النزول، المطلعين على حوادث النبوة، فإنه ينثلج صدره ويزول عنه الريب، من نظره في سورة من السور المتوسطة فضلاً عن المطولة؛ لأنه لا محالة يجدها مشتملة على آيات نزلت في حوادث مختلفة وأوقات متباينة لا مطابقة بين أسبابها وما نزل فيها في الترتيب.
بل يكفي المقصِّر أن يعلم أن أول ما نزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[سورة العلق: 1] وبعده: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[سورة المدثر: 1]، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [سورة المزمل: 1] وينظر أين موضع هذه الآيات والسور في ترتيب المصحف، وإذا كان الأمر هكذا فأي معنى لطلب المناسبة بين آياتٍ نعلم قطعًا أنه قد تقدَّم بترتيب المصحف ما أنزله الله تعالى متأخرًا، وتأخر ما أنزله الله متقدمًا، فإن هذا عملٌ لا يرجع إلى ترتيب نزول القرآن، بل إلى ما وقع من الترتيب عند جمعه ممن تصدى له لذلك من الصحابة، هو ما أقل نفع مثل هذا وأندر ثمرته وأحقر فائدته، بل هو عند من يفهم ما يقول وما يقال له من تضييع الأوقات وإنفاق الساعات في أمرٍ لا يعود بنفع على فاعله، ولا على من يقف عليه من الناس.
وأنت تعلم أنه لو تصدى رجلٌ من أهل العلم للمناسبة بين ما قاله رجل من البلغاء من خطبه ورسائله وإنشاءاته أو إلى ما قاله شاعر من الشعراء من القصائد التي تكون تارةً مدحًا وأخرى هجاءً وحينًا نسيبًا وحينًا رثاءً وغير ذلك من الأنواع المتخالفة، فعمد هذا المتصدي إلى ذلك المجموع فناسب بين فِقره ومقاطعه، ثم تكلف تكلفًا آخر فناسب بين الخطبة التي خطبها في الجهاد والخطبة التي خطبها في الحج والخطبة التي خطبها في النكاح ونحو ذلك وناسب بين الإنشاء الكائن في العزاء والإنشاء الكائن في الهناء وما يشابه هذا وما يشابه ذلك لعُدَّ هذا المتصدي لمثل هذا مصابًا في عقله متلاعبًا بأوقاته عابثًا بعمره الذي هو رأس ماله، وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وركوب الحموقة في كلام البشر، فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجز بلاغته بلغاء العرب، والذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب، وأبكمت فصاحته فصحاء عدنان وقحطان؟ وقد علم كل مقصر وكامل أن الله -سبحانه وتعالى- وصف هذا القرآن بأنه عربي، وأنزله بلغة العرب، وسلك فيه مسالكهم في الكلام، وجرى به مجاريهم في الخطاب، وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متخالفة، وطرائق متباينة، فضلاً عن المقامين فضلاً عن المقامات، فضلاً عن جميع ما قاله ما دام حيًّا، وكذلك شاعرهم.
ولنكتفي بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي تأثر بساحاتها كثير من المحققين، وإنما ذكرنا هذا المبحث في هذا الموطن؛ لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم -عليه السلام-، فإذا قال متكلف: كيف ناسب هذا؟ كيف ناسب ما قبله؟ قلنا: لا كيف، فدع عنك نهيًا صيح بحجراته، وهات حديثًا ما حديث الرواحل، قوله يا بني إسرائيل. إلى آخره.
كلامه متجه أم غير متجه؟ هو لا يشك من ألّف في المناسبات أن الترتيب ليس على ترتيب النزول، ليس على ترتيب النزول، وإنما ترتيب توقيفي عند جماهير أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقول للكُتّاب: اكتبوا هذه الآية في الموضع الذي يُذكر فيه كذا أو بعد الآية التي فيها كذا، فالمناسبة ما هو من حيث النزول لماذا نزلت هذه بعد هذه الآية، لماذا كتبت هذه بعد هذه الآية؟ لماذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بكتابة هذه الآية بعد تلك الآية، بحث المناسبات من هذه الحيثية.
يعني كلام الشوكاني انصب على النزول، انصب على النزول، وكلامه إن كان الأمر كذلك لاتجه كلامه، لكن العلماء حين يبحثون في المناسبات بين الآيات لأن قد مر مرارًا أن الترتيب توقيفي، فلماذا يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- اكتبوا هذه الآية بعد تلك الآية؟ العلماء يلتمسون رابطًا بين هذا وحكمة لهذا التوجيه كما يلتمسون الحكم للأحكام، نعم قد تكون الحكمة ظاهرة، وقد تكون خفية، قد يدركها المتقدم، وقد تخفى على المتقدم ويدركها المتأخر، وكم ترك الأول للآخر، فلا عتب على من كتب في المناسبات، لكن لا ينبغي أن ينبري لهذا الأمر أي واحد، وشخص لا يأوي إلى علم، ولم يطلع على ما كتبه أهل العلم، مثل هذا لا يجوز أن يتصدى لمثل هذه الأمور؛ لأن إيجاد المناسبة مبني على فهم الآية الأولى والثانية ليوجد الرابط بينهما، أما شخص لا يفهم الآية الأولى ولا الثانية فكيف يوجد رابطًا؟
فكلام الشوكاني -رحمه الله تعالى- منصب على أن الآيات تنزل فتكتب في موضع، ثم ينزل بعدها بسنين آية تكتب قبلها، ليس في هذا ما يمنع، لكن من يبحث في المناسبات إنما يبحث عن الحكمة التي من أجلها قال النبي -عليه الصلاة والسلام- يوجد رابط بين هذه الآية والتي كتبت بعدها، أو كتبت قبلها، كما أنهم يوجدون المناسبات بين السور بين السور.
طالب:...
هو بلا شك إذا انبرى لذلك بارع وأظهر المناسبات بوجه صحيح لا تعسف فيه ولا تكلف مع أنه قد يكون التعسف والتكلف نسبي، بعض الناس يقرأ هذا الكلام فيفهمه وينقدح في ذهنه ويستطيبه ويستحسنه من أول مرة، وبعض الناس من مرتين أو ثلاثة، وبعضهم قد يخفى عليه، لو قرأه مرارًا، وهذا في كل ما يحتاج إلى فهم، حتى الاستنباط، بعضهم يعجب من شخص استنبط هذا الحكم من هذه الآية، ويقول: لا دلالة لهذه الآية على هذا الحكم، وبعضهم يقول: هذا إبداع، كيف ألهمه الله -جل وعلا- أن يستنبط هذا الحكم من هذه الآية، وهذا على حسب فهوم الكاتب الأصلي والقارئ.
فالشوكاني -رحمه الله تعالى- نظر إلى النزول، ترتيب القرآن على حسب النزول بعد أن أجمع الصحابة على ترتيبه كما بين الدفتين يجوز أم ما يجوز؟ ما يجوز، هذا خرق لما اتفق عليه الصحابة، خرق للإجماع الذي وقع بين الصحابة، ومع ذلك نجد من أعاد ترتيب القرآن على حسب في تفاسير مطبوعة وموجودة. محمد عزة دروزة في التفسير الحديث رتّب القرآن على حسب النزول، وشخص من الشام يقال له: ملا حويش لا أدري لقبًا أم بقية اسمه، المقصود أنه رتب القرآن على حسب النزول، وفسره على هذا الأساس، قد يستفاد من مثل هذا في معرفة المتقدِّم من المتأخر، معرفة الناسخ من المنسوخ، لكن يكفي في هذا أن يبيَّن أن هذه السورة نزلت بعد كذا، أو يبين أن هذه السورة مكية، وهذه مدنية، هذا من أسباب معرفة المتقدم والمتأخر، لكن مع ذلك إخلال ترتيب المصحف وما أجمع عليه الصحابة لا شك أنه لا يجوز لا يجوز بحال، نعمد إلى أمر اتفق عليه الصحابة ونخل به، ترتيبهم لاحظوا ملحظ وهو معرفة المتقدم والمتأخر لكنه خفي عليهم أن هذا أمر أجمع عليه الصحابة، ولو فُتح المجال لمثل هذا لصار القرآن ملعبة لمن جاء أن يبتكر ويُجدد، والمسألة محسومة، محسومة، حتى أنهم كرهوا النقط في أول الأمر، كرهوا التعجيم أرادوا أن يبقى المصحف كما هو.
طالب:...
كل على ما يترجح له سورة نزلت قبل هذه، لكن يعني ضبط مثل هذا يعني دونه خرط القتاد؛ لأن فيه آيات من بعض السور آية مكية مثلاً في سورة مدنية أو آية مدنية في سورة مكية ماذا يفعل بهذه الآية؟ أين يضعها؟ وهل يعلم بدقة أن هذه الآية المدنية نزلت بعد السورة المدنية كذا أو قبلها ليضعها قبلها أو بعدها، هو يرتب السور ما يرتب الآيات، لأن ترتيب الآيات بحسب النزول مستحيل، يمكن أن يطلع عليه أحد؟ في القرآن كله؟ ما يمكن، مستحيل.
طالب:...
نعم؟
طالب:...
هو بالنسبة للآيات لن ينضبط، لكن السور نصّ أهل العلم أو بعضهم على أن هذه السورة نزلت بعد سورة كذا، لكن يبقى أن الخلل موجود، هذه السورة التي قدمها فيها آيات مدنية، وهذه السورة التي أخرها فيها آيات مكية، وقسم الكتاب إلى قسم مكي وقسم مدني، هذه طريقتهم، ولا شك أن هذا لا يجوز، هذا خرقٌ لما اتفق عليه خيار الأمة.
طالب:...
ينفي، لا ينهى عليهم، يقول: هذا عبث.
طالب:...
لا لا، ينفيه أصلاً، ينفيه أصلاً يقول: كيف آية نزلت في مكة ونزل بعدها عشر سنوات آية في المدينة يوجد رابط بين الآيتين.
طالب:...
لا لا، لا لا، هو يقول ما له داعٍ الدخول في هذا الباب كله، يعني كيف تأتي إلى آية نزلت ثم تأتي إلى آية نزلت قبلها بعشر سنين وكتبت بعدها، توجد بينهما رابطًا؟
طالب:...
حتى هذا الذي تقول ليس بينهما رابط أوجد أهل العلم بينهما رابطًا. يعني خفي علي وعليك وظهر لآخرين.
طالب:...
لا لا، يقصد أصل الموضوع لماذا؟ لأن القرآن نزوله متفاوت.
طالب:...
طيب الآيات التي نزلت جملة وتوجيه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تكتب هذه الآية بعد هذه الآية ما له حكمة؟ خالٍ عن الحكمة؟
طالب:...
لا، هو ينفي ينفي نفيًا مطلقًا، انظر عندك الكلام الذي مر بنا هو ما ينفيه نفيًا مطلقًا؟ واضح كلامه يا أخي، ما نحتاج إلى مثل هذا الكلام، كلامه صريح في أنه لا يجوز التعرض لمثل هذا. نعم.
طالب:...
التماس مثل حكم مثل علل الأحكام. مثل علل الأحكام غير المنصوصة كلها مستنبطة، وكلهم يستنبط على حسب ما فهم، ولا يُلام إذا استنبط، كم ترك الأول للآخر، يعني يأتينا من المتأخرين ممن عاشوا بين أظهرنا الآن من يبدع في إظهار بعض الحكم التي لم يصل إليها من تقدَّم. لكن كونه يجزم أن هذا هو الرابط، وهذا الذي من أجله كُتبت هذه الآية بعد هذه الآية قد يكون هناك ما هو أوضح من هذا، لكن خفي عليه.
يقول مثل ما تأتي إلى ديوان المتنبي مثلاً، ديوان المتنبي مرتب على حسب الحروف القافية الألف الباء التاء إلى آخره، ثم تأتي إلى هذه القصيدة والتي بعدها توجد بينهما رابط، وقد تكون هذه في المدح وهذه في الرثاء، هو يُنظِّر بهذا، ما سمعتم؟ ينظَّر بهذا.
طالب:...
نعم؟
طالب:...
أو خطيب الجمعة خطب عن موضوع، والثاني خطب عن موضوع ثانٍ. الخطبة خطب عن النكاح، والثاني عن الجهاد يوجد رابط بينهما؟ هذا كلامه، هذا محتوى كلامه. فالذي يبحث في المناسبات ما هو يبحث باعتبار النزول أبدًا، هو يبحث في الحكمة في كون هذه الآية كتبت بتوجيه نبوي بعد هذه الآية، هذه خلاصة ما في الموضوع.
طالب:...
نعم.
طالب:...
قد يوجد، البشر، قد يوجد، قد يكون جدول الأعمال فيه مجموعة من، جلسة مثلاً رسمية فيه عشر مسائل عشر قضايا، هل يلزم من هذه القضايا أن يكون بينها روابط؟ لا يلزم، هذا كلام البشر الذين لا يدركون هذه، بعضهم قد يوجد روابط ويوجد مناسبات ويسلسل الموضوعات على حسب ترتيب معين، فيقال: إن هذا قُدم وهذا أُخر هذا لأهميته وهذا، إلى آخره، فمثلاً الكلام على الأحاديث، الكلام على الأحاديث ترتيب الرواة مثلاً تريد أن تتكلم على رواة الحديث هل تبدأ من شيخ المصنف أو من الصحابي؟ إن بدأت من شيخ المؤلف فلك تعليل، وإن بدأت من الصحابي فلك تعليل، هذا لا شيء فيه، ثم بعد ذلك بعد تراجم الرواة تبدأ بالمناسبة لماذا لا تقدم المناسبة باعتبار أن المؤلف بدأ بها قبل السند أو أخرت المناسبة؟ يعني هذه كلها لها وجوه واضحة، لكن أحيانًا عندك جدول أعمال في جلسة رسمية لماذا قُدم رقم ثمانية على عشرة مثلاً أو أخر رقم ثمانية عن خمسة؟ يحتاج أن نوجد روابط؟ ما يلزم.
طالب:...
المقصود أن هذا ترتيب شرعي، لماذا؟ لئلا يأتينا مثل الرافضي الذي قال: إن القرآن تطرق إليه الخلل في الدرس السابق من أجل الآية الواردة في حديثنا بعد آيات لا علاقة لها بها في الظاهر. مع أن الرازي أوجد علاقة من ستة أوجه، وغيره أوجد أيضًا فهو من هذه الحيثية؛ لأن وجود مثل هذه المناسبات وأيضًا وجود إظهار إعجاز القرآن، إظهار إعجاز القرآن لا يترتب عليه فائدة عملية؟ اللهم إلا زيادة الإيمان بهذا القرآن.
طالب:...
طيب.
طالب:...
وغير المحسوس، العلم البلاغي الإعجاز البلاغي مثلاً.
طالب:...
كلام الشوكاني -رحمه الله- ذهب إلى شيء لا يمكن الربط بينها، أمور من خلاله لا يمكن الربط بين الآيات، يعني آية نزلت في أول الهجرة وآية نزلت قبلها مثلاً، تربط بين آيتين متباينتين وهذه موضوعها كذا وهذه موضوعها، لماذا يربط بينهما؟ الله المستعان.
طالب:...
المناسبات لا بد منها، وهو من وجوه الإعجاز، هو نوع من الإعجاز، إذا قرأنا آية ثم بعد ذلك كيف كتبت هذه الآية بعد هذه الآية؟ كيف كتبت الآية الناسخة قبل الآية المنسوخة آية الطلاق في البقرة كيف؟ لماذا؟ يأتي من يقول مثل هذا الكلام ممن في قلبه شيء، ثم يوقع هذه الشبه في قلوب عوام المسلمين ونقول العوام من الأصل لا يطلعون على هذه الأمور؛ لأنهم لا يدركونها لكن إذا اطلعوا لا بد من الجواب عنها، يعني مثل الآن الوقت الذي نعيشه يختلف عما كان قبل ثلاثين سنة، هناك شُبه لمبتدعة كان العوام في عافية منها، إيمانهم راسخ وتوحيدهم صادق بدونها، لكن اُطلِعوا عليها لا بد من الجواب عنها.
طالب:...
لا تظنون أن كل إنسان يريد أن يتصدى للعلم يبدع في كل أجزائه، لا بد أن يظهر من التكلف وأحيانًا يقول: لا أدري، ما تظهر لي مناسبة، ولا يلام على ذلك، فكونه يبدع في كثير منه، ثم يأتي من يستدرك عليه فيما بعد هذا فتح، يكفيه أنه ابتدأ، هذا يقول: ما رأيكم في قول ابن عباس: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، قد يكون المراد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحرك بعض أعضائه عند معالجة التنزيل منها الشفتين؟ هو جاء في رواية عند المؤلف وغيره لسانه وشفتيه؛ لأن الذي في الحديث يحرك شفتيه على ما سيأتي، والآية {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}[سورة القيامة: 16].
هذا يطلب الاختصار، جزاه الله خيرًا. فيه أيضًا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- وهذا موجود في جميع الطبعات موجود في جميع الطبعات كان مما يعالج هنا.
طالب:...
كان مما يعالج.
طالب:...
ولا يوجد ولا في رواية من روايات الصحيح: مما. إنما كان يعالج من التنزيل شدة. والشرح قوله: كان مما يعالج.
طالب:...
أين؟
طالب:...
ما يريد جميع المتون، في جميع الطبعات، في جميع الروايات، في جميع.. تخريجه في جميع الروايات ما فيه "مما"، هي موجودة في الشرح، أقول: لا يدرى علام اعتمد الحافظ في هذا في سياق هذه الجملة، كان مما يعالج، سبق نظر، سبق نظر، يعني نظر مما الثانية فهذا يحصل متى؟ هذا في الغالب إذا كانت الكلمة إذا كانت الكلمة في أول سطر أو في آخره، فينبو النظر إلى السطر الذي قبله وبعده فيكتب الكلمة في التي قبله فيحصل الخلل هذا، ولذلك يستحسنون ألا ينتهي السطر بكلمة ينتهي بها السطر الثاني، لماذا؟ لأن هذا قد يدعو الناسخ أو القارئ إلى أن يترك سطرًا.
طالب:...
موجود، أنا راجعت النكت كذلك، ممكن، حفظه ممكن حفظ خطأ.
طالب:...
مما موجودة في الجملة الثانية لا في الجملة الأولى، يقول: هل من قال بأن المناسبات بين الآيات يدل عليه أن ترتيب القرآن توقيفي وله حكمة من أجلها رتبت هذه الآيات يلزم من كلامه وجود الرابط والمناسبات بين الآيات دائمًا أم لا يلزم؟ في الأصل يلزم لأن هذا التصرف لا بد له من علة، التصرف الحكيم لا بد له من حكمة، لكن كوننا نطلع على هذه الحكمة أو ندرك هذه العلة لا يلزم.
قوله: كان مما يعالج المعالجة محاولة الشيء بمشقة يعني الحافظ وهو يشرح هذا الكلام يرد على الكرماني، ويرد عليه العيني، الكرماني ما جاء بـ كان مما يعالج، هو يتكلم عن مما الثانية الكرماني، وكلهم كلامهم منصب على الثانية حتى ابن حجر ما يفهم من كلامه أنه يتكلم على مما هنا، ما يفهم من كلامه أنه يتكلم؛ لأن يتعقب الكرماني والكرماني يتكلم على الثانية، حتى العيني ما انتبه إلى هذا الخطأ من ابن حجر وإلا كان يفرح به، جرت عادته بذلك، يعني ما نتقول عليه ونفتات عليه، يعني كلامه واضح من كلامه في الكتاب كله أنه يفرح بمثل هذا رحم الله الجميع. ونحن انتفعنا من هذا التتبع للعيني لابن حجر. فرحنا واستفدنا فوائد كثيرة منه؛ لأن هذا يجعل العيني ينظر فيما يقوله ابن حجر بدقة ويفليه فليًا على ما يقولون، ثم بعد ذلك يستدرك عليه، ثم من يأتي بعده يحاكم بينهما، ونستفيد من مثل هذا. نستفيد؛ لأن الكلام السائب الذي يمر من غير مناقشة ومن غير مشادة قد لا يثبت في الذهن، عصر الذهن هو الذي ينفع ويفيد، يعني عصر الذهن في هذه المناقشات وفي هذه المحاكمات لا شك أنه يُثبِّت هذا العلم في ذهن القارئ وذهن الطالب.
كان يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه وهذا كله تقدَّم، لكن التنبيه حتى ما انتبهت له في الدرس الماضي؛ لأني أشرح من المتن على طبعة بولاق ما ألتفت إلى شرح ابن حجر، أنقل كلامه، لكن أنا ما أعتمد كلامه؛ لأني أعتمد على الطبعة البولاقية وأشرح مفردات الطبعة البولاقية، فهذا خطأ من الحافظ ما هو خطأ من طابع ولا ناسخ، لماذا؟ لأنه موجود في جميع الطبعات، كل الطبعات موجود فيها.
الأمر الثاني: أنه جعل الكلام على مما بعد قوله: كان مما يعالج، تكلم على مما هنا في هذا الموضع، ولم يذكر مما يحرك، لم يذكر مما يحرك، لكن الكلام في حقيقته وواقعه هو تابع لكلام الكرماني، وكلام الكرماني منصب على مما يحرك، فالحافظ -رحمه الله تعالى- لا شك أنه وهم في هذا، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويُترك وليس بمعصوم، حصل أوهام له ولغيره، وهّم غيره، واستدرك على غيره، ويُستدرَك عليه، وهذه طبيعة البشر.
وكان مما يحرك شفتيه وفي رواية: به شفتيه. يقول الجوهري: الشفة أصلها شفهة؛ لأن تصغيرها: شُفيهَة والجمع شفاه بالهاء، وإذا نسبت إليها فأنت بالخيار إن شئت تركتها على حالها وقلت: شفيٌّ مثل: دميٌ ويديُ وعَديّ وعِديّ، شفة مثل عِدَة، وزِنة، فتنسب إليها بعد الحذف، قلت: شفيٌّ مثل دميٌ ويديٌّ وعِديّ وإن شئت: شفهيّ يعني أثبت فيها الهاء، وزعم قومٌ أن الناقص من الشفة واو؛ لأنه يقال في الجمع: شفوات، ورجل أشفا إذا كان لا تنضم شفتاه كالأروق، ولا دليل على صحته، ورجلٌ شفاهيّ شفاهي بالضم عظيم الشفتين، هذا ما قاله الجوهري في صحاحه.
في المصباح المنير يقول: الشفة مٌخفَّف، ولامها محذوفة، والهاء عوض عنها، والهاء عوض عنها، وللعرب فيها لغتان، منهم من يجعلها هاءً ويبني عليها تصاريف الكلمة، ويقول: الأصل شفهَةٌ سكَّنها، وتُجمع على شفاه مثل كلبة وكلاب، وعلى شفهات مثل سجدة وسجدات، وتُصغَّر على شفيهة وكلّمته مشافهة، والحروف الشفهية، ومنهم من يجعلها واوًا ويبني عليها تصاريف الكلام ويقول: الأصل شفوة وهي تجمع على شفوات مثل شهوة وشهوات، وتصغَّر على شُفيّة، وكلمته مشافهة والحروف الشفوية، يعني الآن الاختبارات يقسمونها إلى قسمين: اختبار شفوي أو شفهي، تبعًا لهذا. والثاني تحريري. الثاني ما يهمنا، لكن الكلام شفوي وشفهي، من قال: إن الأصل الواو قال: شفوي، ومن قال: الهاء قال شفهي، ونقل ابن فارس القولين عن الخليل، وقال الأزهري: قال الليث –ذكرناه مرارًا الليث لأنه يوجد في الرسائل من يترجم لليث بن سعد، الليث بن المظفر، من أئمة اللغة.
قال الليث: تجمع الشفة على شفهات، وشفوات، والهاء أقيَس والهاء أقيَس والواو أعم؛ لأنهم شبهوها بسنوات، ونقصانها في حذف هائها، وناقض الجوهري فأنكر أن يقال: أصلها الواو، وقال: تجمع على شفوات، ناقض الجوهري فقال: فأنكر أن يقال أصلها الواو، ومنهم من يجعلها واوًا نعم. منهم من يجعلها هاءً ويبني عليها تصاريف الكلمة ويقول شفهة وتجمع على شفاة من كلبة وكلاب، لا قبل، الجوهري، أصلها شفة؛ لأن تصغيرها شفيهة والجمع شفاه بالهاء وإذا نسبت إليها فأنت بالخير وزعم قوم أن الناقص من الشفة واو؛ لأنه يقال في الجمع: شفوات ورجل أشفا، ولا دليل على صحته.
طالب:...
هو ينكر، زعم قوم أن الناقص من الشفة واو، قال: ولا دليل على صحته، ومع ذلك يقال: لأنه يقال في الجمع شفوات، يعني أقرّ يعني أنكر الناقص واو، أو هذا تعليل للقول؟ وزعم قوم أن الناقص من الشفة واو؛ لأنه يقال في الجمع شفوات ورجل أشفا، يعني هل الزعم للقول وعلته أو هو إنكارٌ للقول مع الإقرار بعلته؟ لأنه يقال...
طالب:...
نعم؟
طالب:...
لأنه هنا يقول: وناقض الجوهري فأنكر أن يقال أصلها الواو وقال: تجمع على الشفوات وقال: تجمع على الشفوات، القول بعلته. القول بتعليله أو أنكر القول واعترف بتعليله. وأنه لا يلزم من تعليله أن يكون القول سائغًا.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
لأنه يقول: وزعم قوم أن الناقص من الشفة واو؛ لأنه يقال في الجمع: شفوات.
طالب:...
ورجل أشفا إلى آخره، ولا دليل على صحته يعني عقَّب على هذا، يعني صدَّر الكلام بزعموا، وختمه بقوله: ولا دليل على صحته.
طالب:...
فالذي يظهر أن كله منكر كل الكلام منكر.
طالب:...
لا، يقول: زعم قومٌ أن النقص، هو لما صدَّر الكلام بزعموا، وإن كانت زعم ليست نصًّا في التكذيب والتضعيف؛ لأنه مر بكتاب سيبويه زعم الخليل ويوافقه، ويأتي بمعنى القول، ثم قال: ولا دليل على صحته، فالذي يظهر أن الكلام كله لا يثبت عنده. ثم قال: وناقض الجوهري فأنكر أن يقال: أصلها الواو وقال: تجمع على شفوات ويقال: ما سمعت منه بنت شفة أي كلمة، ولا تكون الشفة إلا من الإنسان، هذا تابع كلام المصباح، ولا تكون الشفة إلا من الإنسان ويقال في الفرق: الشفة من الإنسان، والمشفر من ذي الخف، والجحفلة من ذي الحافر، والمِقمة من ذي الظلف والخطم والخرطوم من السباع، والمِنسر والمَنسر بفتح الميم وكسرها والسين مفتوحة فيهما من ذي الجناح الصائد، والمنقار من غير الصائد، والفنطيسة من الخنزير والفنطيسة من الخنزير.
فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال ابن عباس: فأنا أحركها لكم أحركهما، فأنا أحركهما يعني شفتيه، لكم وفي رواية: لك، وحينئذ يكون المخاطب بذلك سعيد بن جبير كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحركهما. فأنا أحركها لكم كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحركها، ولم يقل ابن عباس كما رأيتُ؛ لأن سعيد بن جبير قال: كما رأيت ابن عباس يحركها، ابن عباس لم يقل كما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحركهما؛ لأن ابن عباس لم يدرك ذلك، لم يدرك ذلك. لكن كيف بلغه التحريك؟
طالب:...
نعم؟
طالب:...
إما أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبره الخبر وحرّك، فيكون مثل سعيد بن جبير، ولو لم يدرك يعني ما أدرك أصل القصة، إنما أدرك تصوير القصة فيما بعد، وحينئذٍ لا فرق.
طالب:...
لا، الكلام على احتمالات، هل صوّر القصة بناء على رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام- أو على رؤية من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
طالب:...
والفرق بينهما أن يكون الخبر على الاحتمال الأول موصول، وعلى الاحتمال الثاني مرسل صحابي، وحكمه الوصل على ما تقدَّم، الحديث الأول بعد الحدث الثاني من حديث عائشة والقصة قبل ولادتها، حديث بدء الوحي، قالوا: ولم يقل ابن عباس كما رأيت كما قال سعيد؛ لأن ابن عباس لم يدرك ذلك، فإنه لم ير النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك الحالة؛ لسبق نزول آية القيامة على مولده؛ إذ كان مولده قبل الهجرة بثلاث سنين، ونزول الآية في بدء الوحي كما هو ظاهر صنيع المؤلف، حيث أورده هنا، ويحتمل أن يكون أخبره أحد الصحابة أنه رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- يحركهما أو أنه -عليه الصلاة والسلام- أخبر ابن عباس بذلك بعدُ، فرآه ابن عباس حينئذٍ، عرفنا الفرق بين الاحتمالين.
في مسند الطيالسي قال ابن عباس: فأنا أحرك لك شفتي كما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحركها، وهذه الرواية لا شك أنها تؤيد الاحتمال الثاني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبره بالخبر وحرك شفتيه فرآه ابن عباس، وجملة فقال ابن عباس إلى قوله: فأنزل الله، اعتراض بالفاء اعتراض بالفاء وفائدتها زيادة البيان بالوصف على القول، الاعتراض يعني بين نعم، الجملة جملة فقال ابن عباس: فأنا أحركهما إلى آخره إلى قوله: فأنزل الله، اعتراض بالفاء، وفائدتها زيادة البيان بالوصف على القول، نعم الاعتراض بين جزئي الجملة لا شك أنه جائز في العربية، كما قال الشاعر: واعلم فعلم المرء ينفعه، جملة فعلم المرء ينفعه جملة معترضة، واعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي أن سوف يأتي كلما قُدِّر نعم سيأتي كل ما قدِّر لا بد أن يصيبه ما قدره الله له.
مثل هذا الحديث يعني تحريك النبي -عليه الصلاة والسلام- شفتيه، تحريك ابن عباس شفتيه- رضي الله عنهما-، تحريك سعيد شفتيه، ثم من روى عن سعيد قد يحرِك، لكنه لم ينقل، هذا يسمونه المسلسل بتحريك الشفة، المشكلة أنه لم يتصل تسلسله، انقطع التسلسل من قديم، والحديث المسلسل هو ما توارد رجال إسناده على حالة واحدة، ما توارد رجال إسناده على حالة واحدة، أو صفة واحدة، سواء كانت الصفة للرواة أو للإسناد، وسواء كان ما وقع منه في الإسناد في صيغ الأداء أو متعلقًا بزمن الرواية أو بالمكان، سواء كان توارد أحوال الرواة أو صفاتهم أو أقوالهم أو أفعالهم. حدثني وتبسم، أول حديث سمعته منه، والمسلسلات فيها مصنفات فيها مصنفات، لكن غالبها ضعيفة جدًّا، وكثيرٌ منها مصح لم يتصل تسلسله، يعني قد يتسلسل من أوله فينقطع في آخره وقد يكون التسلسل من آخره وهو في أوله غير مسلسل، والكتب المناهل وغيرها فيها هذه الأحاديث التي فيها اشتمال على هذه الصفات.
يقول الحافظ العراقي في ألفيته:
مسلسل الحديث ما توارد |
| فيه الرواة واحدًا فواحدًا |
حالاً لهم وصفًا أو وصف سند |
| كقولهم كلهم سمعت فاتحد |
يعني قد يتسلسل بصيغ الأداء كلهم يقول: سمعته، قد يتسلسل بالأسماء بالمحمدين مثلاً، قد يتسلسل بالأبناء عن الآباء، المقصود أنه يوجد وصف رابط يربط بين هؤلاء الرواة في أسمائهم، في أحوالهم، في صفاتهم، قد يقبض حدثني قبض لحيته من أول الإسناد إلى آخره كل من يحدث يقبض لحيته، حدثني قائمًا، وهكذا المقصود أن هذا يسميه أهل الحديث المسلسل، ومعلوم أن هذا ليس من متين العلم، بل هو من مُلَحه، بل هو من مُلَحه.
وقال سعيد يعني ابن جبير الراوي عن ابن عباس: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، وهذا ليس كسابقه؛ لأن سعيدًا رأى ابن عباس بلا محالة، وابن عباس فيه خلاف، وإن كانت رواية الطيالسي تبين أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-. فحرّك شفتيه فأنزل الله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}[سورة القيامة: 16] فحرّك شفتيه فأنزل الله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}[سورة القيامة: 16].
يقول الكرماني: فإن قلت: القرآن يدل على تحريك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسانه لا شفتيه، الحديث يدل على تحريك الشفتين، والآية تدل على تحريك اللسان، يعني سبب النزول يختلف عن النازل، فالسبب تحريك الشفتين والنازل في النهي عن تحريك اللسان، يعني قد يقول قائل: إنه قد يرد شيء لا سيما في الأسئلة يسأل إنسان عن شيء ثم يُجاب بغير ما سأل عنه؛ لأنه أهم مما سأل عنه يسمونه أسلوب الحكيم، هنا السبب شيء والنازل شيء آخر، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [سورة البقرة: 189] هنا يقول: يقول الكرماني: فإن قلت: القرآن يدل على تحريك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسانه لا شفتيه فلا تطابق بين الوارد والمورود فيه، بين النازل وسببه.
قلتُ: يورد هو إشكالات ثم يجيب عنها، قلت: التطابق حاصل، التطابق حاصل؛ لأن التحريكين متلازمان غالبًا، يعني هل يمكن أن يحرك الإنسان لسانه ولا يحرك شفتيه أو يحرك شفتيه ولا يحرك لسانه؟ مقتضى كلام الكرماني يقول التطابق حاصل؛ لأن التحريكين متلازمان غالبًا أو لأنه كان يحرك الفم، لأنه كان يحرك الفم المشتمل على اللسان والشفتين، فيصدق كل واحد منهما، والله أعلم.
ابن حجر يقول: لا تنافي بين قوله: فحرك شفتيه، وقوله: فأنزل الله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}[سورة القيامة: 16]؛ لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه؛ لأنه الأصل في النطق؛ إذ الأصل حركة الفم وكلّ من الحركتين ناشئ عن ذلك، وقد مضى أنه في رواية جرير في التفسير: يحرّك به لسانه وشفتيه، فجمع بينهما.
طالب:...
نعم؟
طالب:...
كيف؟
طالب:...
يقول: التنصيص على تحريك الشفتين دون تحريك اللسان والمنع والنهي عن تحريك اللسان يقول؛ لأن تحريك اللسان قد يخفى على الرائي، بينما تحريك الشفتين لبروزهما وظهورهما لا يخفى على أحد.
طالب:...
نعم؟
طالب:...
الناس يتفاوتون بعض الناس يفتح فمه كله وبعض الناس شيء يسير، إذا كان الفتح يسير ما رأيت لسانه.
طالب:...
لا بد أن يحرك الشفتين بالكلام، ولا بد من رؤية الشفتين، لكن هل كل إنسان يتكلم يُرى لسانه؟ أو الناس يتفاوتون بعض الناس يفتح يفغر فاه ويُرى ما وراء اللسان وبعضهم لا، يفتح شيئًا يسيرًا بحيث لا يُرى اللسان، يعني تعجب من بعض الناس يتكلم وهو يخطب خطبة حماسية، ومع ذلك كأنه نائم لا يتحرك منه شيء، ورأينا من هذا النوع ناس يعني خطباء كبار يعني رأينا من هذا النوع، وبعضهم يلقي جملة يتحرك كل بدنه، الناس يتفاوتون فبعض الناس يتكلم خطبة كاملة لا ترى لسانه، لسانه يتحرك من الداخل، ويفتح شيئًا يسيرًا من شفتيه ترى تحرك الشفتين بهدوء، فهذا الكلام حينما قالوا: إنه حرّك شفتيه فأنزل الله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}[سورة القيامة: 16] الله- جل وعلا- لا تخفى عليه خافية، مطلع على ما خفي على الإنسان، وهذا لا شك، وهذا استدراك جيد، وهذا كلام طيب.
يقول ابن حجر: لا تنافي بين قوله: فحرك شفتيه، وقوله: فأنزل الله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}[سورة القيامة: 16] لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه؛ لأن الأصل في النطق إذ الكلام لأنه الأصل في النطق إذ الكلام حركة الفم وكل من الحركتين ناشيء عن ذلك يعني حركة اللسان وحركة الشفتين ناشئة عن ذلك، قال: وقد مضى أن في رواية جرير في التفسير: يحرك به لسانه وشفتيه فجمع بينهما. وتعقّبهما العيني تعقب الكرماني وابن حجر فقال: هذا تكلف وتعسف، بل إنما هو من باب الاكتفاء، من باب الاكتفاء، والتقدير في التفسير من طريق جرير: فكان يحرك شفتيه ولسانه كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[سورة النحل: 81] أي والبرد فاكتفى بذكر الحر، أيهما أهم: ذكر الحر أو ذكر البرد؟ إن هذه السراويل التي يلبسها الإنسان اتقاء من الحر والبرد هل هو بحاجة إليها لاتقاء الحر أشد من حاجته من اتقاء البرد أو العكس؟
طالب:...
نعم؟
طالب:...
نبّه بالأدنى على الأعلى، يعني إذا كان محتاجًا إليها في الحر فحاجته إليها في البرد أشد؛ لأن البرد كما يقول أهل العلم البرد قاتل والحر مؤذٍ الحر مؤذٍ، والبرد قاتل، قال: إنما هو من باب الاكتفاء، وابن حجر مرّ في كلامه أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان يعني التقى الكلامان أم ما التقيا؟ العيني يقول لا كلامه ما هو بصحيح تكلف وتعسف، بل إنما هو من باب الاكتفاء، وابن حجر سبق أن قال أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه، التقيا، كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[سورة النحل: 81] أي والبرد، ويدل عليه رواية البخاري في التفسير من طريق جرير: فكان مما يحرك لسانه وشفتيه، والملازمة بين التحريكين ممنوعة، الملازمة التي ذكرها الكرماني قلت: التطابق حاصل؛ لأن التحريكين متلازمان غالبًا، الكرماني قول غالبًا وهنا يقول: والملازمة بين التحريكين ممنوعة على ما لا يخفى؛ لأنه قد يُحرك اللسان من دون تحريك الشفتين، لكن هل يتصور أنه يحرك اللسان من دون تحريك الشفتين بالكلام؟ الكلام عمومًا، نعم قد يطبق شفتيه ويحرك لسانه، لكن بدون كلام، والمسألة مفترضة في كلام؛ لأنه يحرك الشفتين يردد ما يسمع -عليه الصلاة والسلام-.
قال: والملازمة بين التحريكين ممنوعة، يحرّك شفتيه ولا يحرك لسانه؟ عرفنا أنه قد يحرك اللسان ولا يحرك الشفتين، لكن هذا في غير مجال الكلام، العكس اللسان ثابت، والشفتان يحركهما، لكن هل يمكن أن ينطق بجميع الحروف من غير أن يحرك اللسان؟
طالب:...
بعض الحروف، أما بعضها فلا يمكن، قال: والملازمة بين التحريكين ممنوعة على ما لا يخفى، وتحريك الفم مستبعد؛ لأنهم أبدوا في الجواب أنه قد يكون المراد تحريك الفم وعُبِّر عنه بقول الصحابي، عُبِّر عنه بكلام الصحابي بالشفتين وفي القرآن باللسان، والفم أشمل قال: وتحريك الفم مستبعد بل مستحيل؛ لأن الفم اسم لما يشتمل عليه الشفتان وعند الإطلاق لا يشتمل على الشفتين. اسمٌ لما يشتمل عليه الشفتان وعند الإطلاق لا يشتمل على الشفتين.
طالب:...
لا لو انقطعت شفة الإنسان أو شفتاه ما له فم هذا؟
طالب:....
هذا ما له فم أم له فم؟ قال: وعند الإطلاق لا يشتمل على الشفتين ولا على اللسان ولا على اللسان شخص مقطوع اللسان وشفتاه ألا يمكن أن يأكل بفمه؟ ممكن، ولا على اللسان لا لغة ولا عرفًا فافهم، الآن الفم بجميع ما يحويه من لسان ولهذمتين وغيرهما جميع ما يحويه الفم هل الفم اسمٌ شامل لجميع بدءًا من الشفتين إلى آخره أو أن الفم شيء يشتمل على هذه الأشياء وليست بأجزاء منه، هو ظرف لها وليست بأجزاء له؟
طالب:...
هو ظرف، إذًا لا يشتمل على الشفتين ولا على اللسان لا لغة ولا عرفًا فافهم. لتعجل به يقول ابن حجر: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في ابتداء الأمر إذا لُقن القرآن نازع جبريل القراءة، إذا لُقن القرآن نازع جبريل القراءة، ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ؛ لئلا ينفلت منه شيء. قاله الحسن وغيره، ووقع في رواية للترمذي: يحرك به لسانه يريد أن يحفظه، وللنسائي: يعجل بقراءته ليحفظه، ولابن أبي حاتم: يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره، وفي رواية للطبري عن الشعبي: عجِل يتكلم به من حبه إياه، عجِل يتكلم به من حبه إياه، وكلا الأمرين مراد، ولا تنافي بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك؛ يعني في الغالب الشديد ما يصير محبوبًا، الشيء الشديد الشاق على النفس ما يصير محبوبًا، بل يكون مكروهًا، والجنة حُفت بالمكاره، يعني ما تكرهه النفوس هذا الأصل، لكن إذا كان هذا الأمر الشديد الموعود عليه يسهّل شدته إذا نظرنا إلى الموعود عليه، وأنه أمر عظيم جدًّا تكون شدته كغير الموجودة كأنها غير موجودة، لذلك يتحمل الإنسان الشدة في جمع الحطام، ويتلذذ بذلك، لماذا؟
لأن العاقبة على حسب تقديره حميدة، فكيف إذا كانت العاقبة الجنة؟ وأورد بعضهم يقول: كيف يبيع الشخص عاجلاً بنسيئة؟ يعني يقرض الله -جل وعلا- يتصدق بشيء عاجل بنسيئة هذا أورده، العاقل ما يقرض شيئًا عاجلاً بنسيئة، لكن جميع العقلاء يقرضون العاجل القليل بأكثر منه نسيئة، فكيف إذا كان الربح أضعافًا مضاعفة! يعني إذا كان الربح لا يصل إلى الضعف ولا إلى نصف الضعف، ويتسارع الناس إليه، العقلاء يتسارعون إليه، فكيف إذا كان أضعاف أقل تقدير عشرة أضعاف، هل يتجه مثل هذا السؤال؟ لا يتجه، كيف إذا كان إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، الله -جل وعلا- يضاعف لمن يشاء، ولا تنافي بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك فأُمر بأن ينصت حتى يُقضى إليه وحيه، ووُعد بأنه آمن من تفلته من النسيان أو غيره، ونحو قوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [سورة طه: 114] أي بالقراءة.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"