كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 12

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

 قال ابن عبد الهادي -رحمه الله- في محرره: باب المسح على الخفين.

 عن صفوان بن عسال قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وهذا لفظه وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب المسح على الخفين"

أولاً: المسح على الخفين ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبوتًا قطعيًّا ثبوتًا قطعيًّا، وأجمع عليه فقهاء الأمصار، ولم يخالف في ذلك إلا بعض المبتدعة، ولذا يودعه أهل السنة في مصنفاتهم العقدية فيجعلون الإقرار به من مسائل الاعتقاد؛ لأنه لم يخالف فيه إلا مبتدع، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أكثر من ستين صحابيًّا، وحديث المغيرة على وجه الخصوص رواه عنه جمع غفير جدًّا، فثبوته لا مرية فيه، وليس في النفس منه أدنى شيء، ومشروعيته متأخرة بعد نزول آية المائدة؛ لأن منهم من يتردد في كون المسح قبل المائدة أو بعدها، وأُثر عن بعضهم أنه قال بعد أن تردد في مشروعيته: إن المائدة نسخت المسح على الخفين، لكن صح عن جرير بن عبد الله البجلي أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي توضأ ومسح على خفيه، وكانوا يفرحون بهذا؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

 من أهل العلم من يستدل على المسح على الخفين إضافة إلى ما تواتر في السنة هذا من المتواتر في السنة القطعي، إضافة إلى ما تواتر في السنة، يستدلون على المسح على الخفين بالقرآن، وذلكم من خلال رواية الجر وأرجلِكم فرواية الجر تكون الأرجل معطوفة على الرؤوس، والرؤوس ممسوحة، والأرجل ثبت غسلها برواية النصب، وبالأدلة المتكاثرة المتظافرة التي توجب استيعاب القدم، ولو لم يكن في ذلك إلا قوله -عليه الصلاة والسلام- «ويل للأعقاب من النار» رواية النصب تفيد غسل الرجلين، واستيعاب الرجلين إلى الكعبين، وتقدم هذا رواية الجر مفادها مسح عطف الرجلين على الرأس، والرأس ممسوح، إذًا القدمان الرجلان ممسوحتان، لكن إذا كانتا في الخفين لتكون لكل قراءة فائدة، والقراءتان سبعيتان، لا مجال للتردد في قبولهما، هما سبعيتان، فقراءة النصب تفيد غسل الرجلين، وقراءة الجر تفيد مسح الخفين.

 إذا لا يتصور أن تفيد القراءتان أمرين متضادين، فلتحمل كل واحدة منهما على حالة، فالنصب تحمل على حالة كشف القدمين، وأنها حينئذ فرضهما الغسل، وقراءة الجر تفيد مسح القدمين إذا كانتا في خفين، وتقدم توجيه كلام ابن جرير الطبري وما نُسب إليه من القول بمسح القدمين، وذكرنا أن القول المنسوب بالمسح، القول بالمسح المنسوب لابن جرير الطبري أنه أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، هو من الشيعة، ما يستغرب أن يقول بالمسح، لكن الطبري الإمام المفسر المؤرخ كلامه قد يخفى على كثير من طلاب العلم، ويوقعه في لبس، وأقر المسح مسح الرجل، لكن يريد بالمسح الغسل، وأنه يطلق المسح ويراد به الغسل، بدليل أنه خرَّج حديث «ويل للأعقاب من النار» في هذا الموضع من طرق، هل يمكن أن يقال بالمسح مع «ويل للأعقاب من النار»، يمكن أن يقال هذا؟

ما يمكن، إذًا مراده بالمسح الغسل، فمن أقوى ما يستدل به بعد السنة الصحيحة المتواترة الكافية التي ليس لطالب العلم أو للعالم أن يبحث عن غيرها إلا على سبيل حشد الأدلة، فإذا ثبت الحكم بالسنة الصحيحة الصريحة فلا مندوحة له، لا مندوحة عن العمل بها، فلا يجوز لأحد أن يختار مع اختياره -عليه الصلاة والسلام-.

 توجيه القراءتين عرفنا أن قراءة النصب محمولة على غسل الرجلين المكشوفتين، ولا شك أن ما ظهر من أعضاء الوضوء فرضه الغسل، وقراءة الجر- وهي ثابتة سبعية- إما أن يراد بالمسح هنا الغسل، كما قال ابن جرير، أو أنه مجرور بالمجاورة، والجر بالمجاورة معروف باللغة، الجر بالمجاورة معروف في لغة العرب، هذا جحر ضب خربٍ، أو أنها دالة على مسح القدمين إذا كانتا في الخفين.

 يقول المؤلف يعني في حكم الخفين الجوارب قد ثبت المسح عليهما، يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "عن صفوان بن عسال قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا" سفْرًا جمع سافِر، كصحْب جمع صاحب، والسافِر هو المسافِر، هو المسافر، سمي المسافر مسافرًا؛ لأنه برز إلى موطن البروز والوضوح والظهور، الإسفار ما معنى الإسفار؟ النور، فالسفر يكون في البراري والقفار التي لا يكنّه فيها شيء يغطي النور عليه، ومنه سفور المرأة إذا أبرزت وأظهرت محاسنها تكون سافرة، والسفور كما هو معروف محرم، هذا  الأصل في السفر، وهو أنه البروز والظهور.

 "إذا كنا سفرًا" يعني إذا كنا مسافرين، "ألا ننزع خفافنا" يأمرنا الأمر هذا ماذا يفيد؟

طالب:.........

يفيد الوجوب؟

 يفيد الوجوب؟ يعني كل مسافر يجب عليه أن يمسح ثلاثة أيام، يعني لو خلعها قبل يمسح أم ما يمسح؟ يأثم أم ما يأثم لو خلعها؟ إذًا كيف يأمرنا لدفع توهم المنع الأصل أنه ممنوع الأصل أنه ممنوع المسح؛ لأن الفرض غسل الرجل، الأصل غسل الرجل، المسح رفع لذلك الأصل، تشريع جديد، رفع لذلك الأصل، يعني لولا هذا النص وما جاء في حكمه، هل يجوز المسح؟ ممنوع؛ لأن الأصل غسل القدم، فكأن هذا أمر بعد حظر، والأمر بعد الحظر لا يدل على الوجوب، بل بعضهم يطلق الإباحة، بعضهم يطلق الإباحة عليه، والصواب فيه أنه يرجع إلى ما كان قبل الحظر.

 "يأمرنا إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليَهن" ثلاثة أيام هذا بالنسبة للمسافر، وسيأتي أنه بالنسبة للمقيم يوم وليلة ثلاثة أيام.

 "إلا من جنابة، إلا من جنابة" الاعتبار بالسفر يبدأ من الاتصاف بالوصف المؤثِّر وهو السفر، إذا باشر الإنسان السفر، لكن ابتدأ المسح وهو مقيم يمسح ثلاثة أيام؟

لا؛ لأنه ما بدأ بالوصف المؤثر إلا بعد أن استعمل المسح، لكن إذا كان في سفر يعني مسحه ثلاثة أيام كلها واقعة في هذا الوصف المؤثر الذي هو السفر ثلاثة أيام ولياليهن.

 "إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن" متى يبدأ المسح؟ من أول حدث، أو من أول مسح؟ عند الحنابلة من أول حدث، يبدأ من أول حدث، والنصوص كلها تدل على أنه المسح، الحكم المسح، المدة المحددة للمسح ما هو للحدث، فيبدأ الحساب من أول مسح، لنكون مسحنا يومًا وليلة، أما من أول حدث يمكن ما تمسح إلا وقتًا أو وقتين، ما تمسح يومًا وليلة نعم لبست يومًا وليلة، لكن ما مسحت يومًا وليلة، والحكم كله معلق بالمسح، إذا لبس الخفين توضأ وغسل رجليه لصلاة الصبح، ثم أدخل رجليه الخفين، وصلى الصبح، ونقض الوضوء بعد صلاة الصبح، ومسح لصلاة الظهر، ومسح لصلاة الظهر، وصار بين الحدث وبين المسح ست ساعات، ست ساعات يصير أحيانًا يصير سبعًا في الصيف، الآن متى يخلع؟ هل يخلع لصلاة الظهر من الغد، أو يخلع بعد صلاة الصبح من اليوم الثاني؟

على الخلاف الذي يقول: إن بداية المسح تكون من أول حدث يقول: إذا صلى الصبح يلزمه أن يخلع، فلا يجوز له أن يمسح بعد ذلك، يعني لو أراد أن يصلي الضحى يمسح أم ما يمسح على هذا القول؟

لا، ما يمسح، لا بد أن يخلع؛ لأن المدة تمت، وعلى القول الثاني الآن اللبس من قبل صلاة الصبح إلى قبل صلاة الظهر هل هذا فيه استعمال للرخصة ما بدأ استعمال الرخصة إلى الآن استعمال الرخصة إنما هو من المسح فيكون ابتداء المدة من أول مسح.

 "ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول أو نوم" يُمسَح على الخف في الحدث الأصغر، في الحدث الأصغر الموجِب للوضوء، ولا يمسح على الخفين من الحدث الأكبر الموجِب للغسل، ولذا قال: إلا من جنابة، يعني فننزع، ولكن لا ننزع من غائط وبول ونوم وغيرها من موجبات الطهارة الصغرى.

 "رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وهذا لفظه وقال: حديث حسن صحيح، وروى ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما" على كل حال هو الحديث مصحح عند أهل العلم، الحديث مصحح عند أهل العلم، وبعضهم يحكم عليه بالحسن، لكنه على كل حال هو في دائرة القبول يحتج به.

طالب: ...........

إذا مسح، لو صلى الصبح أدخل الخفين حال كونهما طاهرتين في القدم، وصلى الصبح، واستمر على طهارة إلى الساعة سبع على طهارة، ثم جدد الوضوء، ما انتقض وضوؤه، جدد الوضوء هل نقول: إن هذا الوضوء له أثر في المسح؟ بمعنى أن هذا المسح يحسب من المدة أو لا يحسب؛ لأن هذا الوضوء زائد، لم يكن بعد حدث لا موجب له، فوجوده مثل عدمه، الصلاة تصح بدونه، فهل نقول من هذا المسح تبدأ المدة، أو نقول: إن المسح لا يبدأ إلا بعد نقض الطهارة الأولى، والحاجة إلى الوضوء؟ يعني المسح بعد حدث أو أي مسح؟

 النصوص ليس فيها قيد، ظاهر النصوص ليس فيها قيد، إنما النصوص فيها أن المقيم يمسح من كذا إلى كذا، نفترض أنه توضأ وغسل قدميه، أدخلهما الخفين، صلى بهذا الوضوء الظهر، جاء وقت العصر ليس بحاجة إلى وضوء، تجديد الوضوء سنة قال: أجدد الوضوء، واستمر ما نقض الوضوء إلا لصلاة المغرب، متى يخلع؟ إذا أراد أن يصلي العصر؛ لأنه مسح لصلاة العصر ولو لم يكن بعد حدث، أو لا يخلعهما إلا لصلاة المغرب؛ لأن الوضوء لصلاة العصر هذا ما له أثر، هذا الوضوء لا يرفع حدثًا، فوجوده حقيقة مثل عدمه، يعني لو لم يتوضأ يلام؟ ما يلام، فوجوده مثل عدمه، فلا يُعتَد إلا بالمسح الذي يقع بعد الحدث، هذا صحيح أم لا؟ لكن النصوص جاءت بالمسح سواء كان بعد حدث أو من غير حدث.

"قال -رحمه الله-: وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأهويت لأنزع خفيه فقال: «دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين»، فمسح عليهما، متفق عليه، واللفظ للبخاري."

نعم، هذا حديث المغيرة المشهور في المسح أصل في الباب، ومن الأحاديث التي يدور عليها هذا الباب.

 "عن المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في سفر" جاء تعيين هذا السفر، وأنه في غزوة تبوك.

 "في سفر، فأهويت" أهويت، يعني كأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جالس يتوضأ وهو قائم، فأهوى، يعني مد يده لينزع خفيه، أهوى بمعنى أنه مد يديه، أو نزل بجسمه كما يهوي المصلي للسجود في حديث أبي حميد: وكان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، فأهويت يعني نزلت ومددت يدي لأنزع خفيه، أهويت نفسي أو أهويت بدني أو أهويت يدي نعم هذه همزة تعدية.

 "فأهويت لأنزع خفيه" والخف ما يلبس على القدم، وأصله من الجلد، وفي حكمه ما يستر المحل المفروض من أي مادة كانت شريطة أن تكون طاهرة مباحة.

 "لأنزع خفيه" يعني أخلع خفيه، وهذا من خدمة الصحابة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا أمر مستفيض ومعروف عنهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «دعهما» اتركهما، دع اترك واستُعمل الأمر والمضارع من لم يدع والمصدر، «لينتهين أقوام عن ودعهم» يعني تركهم، وأما الماضي فقد أميت، ودَع يعني ترك أميت، وقرئ في الشواذ: ما ودَعك ربك.

 فقال: «دعهما» اتركهما، «فإني أدخلتهما طاهرتين» فمسح عليهما، «أدخلتهما» الضمير يعود على الخفين أو على القدمين؟  «دعهما» دع إيش؟ دع القدمين أم دع الخفين؟ أهويت لأنزع خفيه فقال: «دعهما» يعني دع الخفين «فإني أدخلتهما» الأصل أن يعود على الخفين هذا الأصل، السياق يقتضي هذان لكن الإدخال للقدمين أو للخفين؟ من باب القلب، خرق الثوبُ المسمارَ.

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: ...........

خرق الثوبُ المسمارَ هذا واضح، ذا ما يشك فيه أحد.

«فإني أدخلتهما» يعني السياق يقتضي أن المُدخَل الخفان، والأصل أن الذي يدخَل الظرف في المظروف أو المظروف المظروف في الظرف، المظروف في الظرف هو الذي يُدخَل، مثلاً القلم في جيبك، وتُدخِل الكتاب في الدرج، أو تدخِل الدرج في الكتاب؟

ومثلهما معًا فالمُدخَل القدم، ولذا الحال طاهرتين حال مبيِّن لهيئة الخف أو مبيِّن لهيئة القدم؟ إجماع أم ما فيه إجماع؟

عامة أهل العلم على أنه حال من القدمين، ويرى داود أنه حال من الخفين، من الخفين، فيشترط طهارة الخف، ولا يشترط طهارة القدم، واللفظ يعن محتمِل، هو ليس حملًا مستكرهًا أو بعيدًا أو.. يعني الذي ينظر إلى السياق ما هو بعيد، لكن عامة أهل العلم على أن الحال لبيان هيئة القدمين.

 «دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين» يعني حال كونهما طاهرتين، "فمسح عليهما" عاد الضمير إلى الخفين، طيب طاهرتين حال، يعني المسح رُتِّب على إدخال القدمين في الخفين حال كونهما طاهرتين، ومقتضى جمعهما في حال واحدة، مقتضى جمعهما في حال واحدة يقتضي أن يكون المسح بعد اكتمال الطهارة أن يكون المسح، وأيضًا الإدخال بعد اكتمال الطهارة واضح أم ليس بواضح؟

حال واحدة، طاهرتين يقتضي أن يكون إدخالهما بعد اكتمال الطهارة، وعلى هذا لو غسل الرجل اليمنى، ثم أدخلها الخف، ثم غسل اليسرى فأدخلها الخف يصح أم ما يصح؟ مقتضى جمع القدمين في حال واحدة أنه لا يصح؛ لأنه إذا غسل واحدة وأدخلها الخف قبل أن يغسل الأخرى لم يصدق عليه أنه أدخلهما حال كونهما طاهرتين معًا، وتلك المسألة يحتاج إليها؛ لأن المخالف ما هو إنسان عادي، المخالِف من الكبار، المذهب عند الحنابلة أن الشخص إذا غسل اليمنى فأدخلها في الخف، ثم غسل اليسرى فأدخلها في الخف ماذا يلزمه؟

يخلع اليمنى فقط ويدخلها في الخف فقط، ويأتي من يأتي فيقول: هذا عبث، عبث ماذا يفعل هذا؟

غسل اليمنى أدخلها في الخف، غسل اليسرى أدخلها في الخف، ما الذي يلزمه؟ يلزمه خلع اليسرى ويدخلها في الثانية فقط، يأتي من يقول: إن هذا عبث، ما له أثر، لكن إذا نظرنا أن الإدخال حال كونهما طاهرتين يصير له وجه، يصير له وجه، وإذا جاء النص فما لأحد كلام، تلغى كل الاجتهادات، نعم الأصل في الأحكام أنها معللة ومبنية على مصالح ومفاسد، ومصونة عن العبث، لكن هل يخلو مثل هذا من حكمة؟

لو قلنا بمثل هذا لقلنا ما فائدة التيمم؟ شخص عليه حدث ويروح يعفر يديه ووجهه بالتراب من أجل إيش؟! أليس عبثًا هذا؟!

لو أردنا أن نسترسل مع مثل هذه الأمور، يعني هل التراب يرفع الحدث أو يزيد الوسخ؟ يعني في عرف الناس لو أردنا أن نتعامل مع النصوص بعقولنا.

 يقول: إذا خلع اليمنى ثم أعاد هذا عبث نقول: يا أخي الرسول قال: أدخلتهما طاهرتين، يقول- عليه الصلاة والسلام-: «أدخلتهما طاهرتين»، ومقتضى جمعهما في حال واحدة أن تكونا حال الإدخال طاهرتين، وهو يقول: لا يمنع أن يكون هذه طاهرة وهذه طاهرة، والكلام في تجزؤ الطهارة كلام معروف لأهل العلم في تجزؤ الطهارة، يراجَع له شرح ابن دقيق العيد فيه كلام متين جدًّا.

 فمسح عليهما؛ لأنه أدخلهما طاهرتين، وهذا سؤال حقيقة مهم في الباب يقول:

هل يجوز المسح لمدة ثلاثة أيام ولياليهن لمن كان في سفر معصية؟

الرخص، رخص السفر التي هي المسح والفطر والجمع والقصر، الجمهور على أن العاصي لا يترخص؛ لماذا؟ لأنه لا يعان على معصيته، مقتضى الرخص أنه يسهل له الأمر، يعني كأننا نقول له: اجمع الظهر والعصر، واستغل أكبر قدر ممكن من الوقت في تحصيل معصيتك، أليس هذا مقتضاه؟ أليس المفترض أن توجد عراقيل تعوق وتحول دونه ودون معصيته؟

 فكيف يرخَّص له أن يختصر الصلاة، ويختصر الوقت، ولا ينشغل بمسح، ولا ينشغل بصيام في السفر ليستغل هذا السفر في معصيته، الجمهور على أن العاصي لا يترخص في سفر المعصية، ولذا اشتُرط في الأكل من الميتة وهي رخصة ألا يكون باغيًا ولا عاديًا، اشترط عدم البغي والعدوان، {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} [سورة البقرة:173]، فاشترط هذا؛ لئلا يعان على معصيته، الحنفية يقولون: الوصف المؤثر السفر، والجهة منفكة، أحكام علقت على وصف مؤثر، ووجد الوصف المؤثر، والجهة منفكة، هو يعاقب على سفره، ويترخص برخص الله -جل وعلا-، وكأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إلى قول الحنفية، والجمهور على أن العاصي لا يترخص في سفره.

 "فمسح عليهما، متفق عليه، واللفظ للبخاري" المغيرة احتمال أن يكون ما عنده خبر من المسح على الخفين، واحتمال أن يكون عنده الخبر، لكن يخفى عليه أنه أدخل الخفين -عليه الصلاة والسلام- على طهارة، فأهوى لينزعهما.

"قال -رحمه الله-: وعن جرير بن عبد الله قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بال ثم توضأ ومسح على خفيه قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، متفق عليه، واللفظ لمسلم."

نعم، هذا حديث جرير بن عبد الله كان يعجبهم؛ لأنه قد يخطر على البال أن المسح على الخفين منسوخ بآية المائدة التي فيها الأمر بغسل الرجلين، لكن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

 يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بال ثم توضأ" رأيته بال؛ لأن البول لا يلزم منه البعد، لا يلزم منه البعد، فالإبعاد عن مرأى الناس إنما يكون في الغائط؛ لأن البول ليست له رائحة، ولا يخرج معه صوت، ولا شيء، بخلاف الغائط، النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم فبال قائمًا، لكن لا يعني هذا أن الإنسان متى ما عنَّ له أن يبول في أي مكان أو في أي مجلس، لا، في الأماكن المعدة لهذا، ولو كانت قريبة من الناس فسباطة القوم هي مجتمع الزبل والقمائم، ما هي معدة لهذا الأمر، وإن كانت بين بيوتهم.

 "بال ثم توضأ ومسح على خفيه، قال إبراهيم"، من؟ النخعي، كان يعجبهم، يعجب من؟

طالب:.........

 أصحاب من؟

طالب:.........

أصحاب ابن مسعود.

 "كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، كان بعد نزول المائدة، متفق عليه، واللفظ لمسلم" اشترطوا في الخف الممسوح أن يكون مباحًا غير مغصوب، وأن يكون طاهرًا غير نجس، وأن يكون ساترًا للمحل المفروض، وأن يكون مما يثبت بنفسه؛ لأنه لو لم يثبت لنفسه لما شق نزعه، والمسح إنما هو دفع للحرج والمشقة، وإذا كان غير ساتر للمحل المفروض بمعنى أنه لو كان دون الكعب مثلاً ما مسح عليه ولو كان مخرقًا فيبدو منه بعض المفروض وما يبدو من المفروض فرضه الغسل، ولو كان شفافًا يُظهِر المفروض لكان فرض ما يظهر الغسل؛ لأنه هو الأصل؛ لأنه هو الأصل، هنا مسألة وهي ما إذا مسح على الخف ثم نزعه، مسح على الخف ثم نزعه، مسح على الخف لصلاة الظهر، واستمرت الطهارة إلى صلاة العصر، نزع الخف يصلي أم ما يصلي؟

نزع الممسوح عليه يصلي أم ما يصلي؟

يعيد الوضوء، وهل نزع الخف من نواقض الوضوء؟ يذكرونه في نواقض الوضوء؟ لا، ليس من نواقض الوضوء، وعليه أن يعيد الوضوء، ما انتقض وضوؤه يقول: ما انتقض وضوئي نقول: نعم، ما انتقض وضوؤك، كيف يعيد الوضوء إذا اما انتقض وضوؤه؟ كيف يعيد الوضوء؟ نقول: يلزمك أن تعيد الوضوء، لماذا؟ نعم هو يصلي بقدم لا مغسولة ولا ممسوحة، طهارة ناقصة، هو في الأصل على طهارة، لكن طهارة ناقصة، يصلي بقدم لا مغسولة ولا ممسوحة، يعني الذي لا يرى الترتيب، لا يرى الموالاة يقول: يكفيه أن يغسل قدميه؛ لأن بقية الأعضاء طاهرة، لكن الرجلين مغسولة؟ ما غسلت، عليها ممسوح؟ ما عليها ممسوح، فالطهارة ناقصة كمن يصلي بطهارة لم يغسل فيها فرض من فرائض الوضوء وإلا في الحقيقة ليس بناقض، شيخ الإسلام يقيس هذه المسألة على حلق شعر الرأس بعد مسحه، يقيس هذا على هذا، الآن القياس تمت أركانه، فيه استواء بين الفرع والأصل، أو نقول: إن المقيس عليه طهارته أصلية، وهذا طهارته فرعية، طهارته فرعية وليست أصلية، فمع عدم اتحاد الفرع مع الأصل لا يتأتى القياس؛ لأن بعض الناس، بعض طلاب العلم إذا سمع كلامًا من شيخ الإسلام فيه قوة ومتانة ذهل وانساق، وصار ما يقبل أي كلام معه، شيخ الإسلام إمام من أئمة المسلمين لا أحد يشكك فيه، لكن أيضًا الأئمة الآخرون ما تهدر أقوالهم، ولا هي عبث، كلامهم ما جاؤوا به من فراغ، كونك تصلي بقدم لا مغسولة ولا ممسوحة ماذا تفعل؟

 كمن توضأ وترك غسل رجليه تقول: والله أنا مسحت ولا أنت مسحت، هو موجود؟ ما هو موجود.

 "كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة"، فالحديث كغيره من الأحاديث التي تدل على مشروعية المسح على الخفين.

"قال -رحمه الله-: وعن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة -رضي الله عنها- أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألناه فقال: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم، رواه مسلم.

 وقال أبو عمر ابن عبد البر: واختَلف الرواة في رفع هذا الحديث ووقفه على علي- رضي الله عنه- قال: ومن رفعه أحفظ وأضبط."

نعم، يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وعن شريح بن هانئ أتيت عائشة أسألها عن المسح عن الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" علي بن أبي طالب المستشار في الأمور الخاصة، الملازِم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، حتى إنه -عليه الصلاة والسلام- استشاره في أهله، فله مستشار في الأمور الخاصة الذي هو علي وزيد بن حارثة، ومستشار في الأمور العامة أبو بكر وعمر، نعم لكن هذا مستشار في الأمور الخاصة، واستشير في أمر عائشة -رضي الله عنها-، فكانت إشارته بأن النساء غيرها كثير، فحملت على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في نفسها، لكن هل أداها هذا الحمل إلى أن تظلم عليًّا أو تغمط عليًّا حقه؟

 عليك بابن أبي طالب، لما قتل عثمان -رضي الله عنه-، وجاء الناس يستشيرونه فيمن يبايعون قالت: عليكم في ابن أبي طالب، {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} [سورة المائدة:8] يعني مسألة في أخص أحوالها تدخل فيها علي- رضي الله عنه وأرضاه- وتدخله نصيحة، لكن لا شك أن هذا يحفر في القلب حفرة؛ لأن مثل هذا الكلام يؤدي إلى خسارة فادحة بالنسبة لعائشة، لكن هل مثل هذا الكلام جعلها تخرج عن الصواب وتتعدى الحق؟ لا، وتنسى العدل والإنصاف؟ لا.

 "قالت: عليك بابن أبي طالب فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألناه" وهكذا على كل عالم وعلى كل طالب علم أن يمحض النصيحة لمن يستشيره، ولمن يسأله، سئلت عن مسألة قل سلوا فلانًا، ما المانع؟ وهذا رفعة لك قبل أن تكون رفعة لفلان في الدنيا والآخرة، جاء إليك طالب يريد أن يقرأ عليك كتابًا، هذه المسألة فيمن يتصدى لإقراء الناس، والله تعرف أن فلانًا أعرف منك وأنفع منك في إقراء هذا الكتاب، دلهم عليه، هذا من تمام النصيحة، وليس معنى هذا أنه كل ما جاءك وأنت أهل لأن تقرئ الناس إذا جاءك أحد، روحوا لفلان، روحوا لفلان، تتنصل من المسؤولية، لا، عليك أن تبذل، وعليك أن تعطي، لكن ليس معنى أنك تدرك كل شيء، جاءك شخص يحتاج إلى كتاب اعتنى به شخص من الأشخاص، وعرف خفاياه، وأدركه إدراكًا بينًا يحال عليه.

 فهي تقول: "عليك بابن أبي طالب فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألناه فقال: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم" هذا التحديد المسافر ثلاثة أيام بلياليهن، والمقيم يوم وليلة، هذا خمسة عشر فرضًا، وهذا خمسة فروض، وأما ما جاء في حديث أُبيّ بن عمارة من الإطلاق، أمسح يومًا؟ قال: نعم، قال: ويومين؟ قال: نعم؟ قال: وثلاثة؟ قال: وأكثر، امسح ما شئت، هذا الحديث ضعيف، ضعيف، والثابت هو التحديد بما ذكر هنا، وبحديث صفوان بن عسّال، ويوم وليلة للمقيم.

 "رواه مسلم، قال أبو عمر بن عبد البر: اختلف الرواة في رفع هذا الحديث إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي وقفه على علي -رضي الله تعالى عنه- قال: ومن رفعه أحفظ وأضبط".

 فالمحفوظ رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يعل برواية الوقف؛ لأن مسلمًا رواه كذلك.

"قال -رحمه الله-: وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين، رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى.."

وأبو يعلى الموصلي عندك؟

وأبو يعلى الموصلي والروَيّاني.

الرُّوْياني، الرُّوْياني.

"الرُّوْياني والحاكم وقال: على شرط مسلم، وفي قوله نظر؛ فإنه من رواية ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن ثوبان، وثور لم يروِ له مسلم، بل انفرد به البخاري، وراشد بن سعد لم يحتج به الشيخان، وقال الإمام أحمد: لا ينبغي أن يكون راشد سمع من ثوبان؛ لأنه مات قديمًا، وفي هذا القول نظر، فإنهم قالوا: إن راشدًا شهد مع معاوية صفين، وثوبان مات سنة أربع وخمسين، ومات راشد سنة ثمان ومائة، ووثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسائي، وخالفهم ابن حزم فضعفه، والحق معهم، والعصائب: العمائم، والتساخين: الخفاف."

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ثوبان -رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية" سرية مجموعة أو قطعة من الجيش، لا يصحبها النبي -عليه الصلاة والسلام- بخلاف الغزوة، "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين، أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين"، والعصائب هي العمائم، والتساخين هي الخفاف.

 طيب أمرهم، أمرهم من أجل البرد الذي أصابهم، أو أمرهم مستقبلًا؟ هم ما مسحوا، أصابهم برد؛ لأنهم ما مسحوا على العصائب والتساخين، لما قدموا على الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمرهم أن يفعلوا ذلك، فهل نقول: إن المسح على العصائب إنما يكون لمن احتاجه في حال برد، برد شديد أو نقول: إن الأمر المستقبل لا علاقة له بما حصل لهم سابقًا؟ يعني هذا تشريع بغض النظر عن السبب الباعث؛ لأنه لم يشر إلى ذلك في الحديث، فأمرهم أمرًا مطلقًا، ولم يربط ذلك بما أصابهم من برد، والعبرة بعموم لفظه -عليه الصلاة والسلام-، لا بخصوص السبب، فالمسح على العمامة، والمسح على الخف لا يحتاج إلى مثل هذا، بل يمسح عليها من غير برد شديد، لمجرد وجودها، يعني لو وجدت الخفاف في القدم في الصيف يمسح أم ما يمسح؟ يمسح؛ لأنها ليست مرتبطة ببرد، ومثله العمائم، فالعبرة بعموم لفظه -عليه الصلاة والسلام- لا بالسبب بخصوص السبب الذي ذكر.

 "فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين، رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى الموصلي والرُّوْياني والحاكم وقال: على شرط مسلم، وفي قوله نظر" هذا التنظير من قبل المؤلف؛ لأنه يرى أن المراد بشرط الشيخين رواتهما، شرط مسلم رواة مسلم، شرط البخاري رواة البخاري، شرط الشيخين أن يكون الحديث مرويًّا من قبل رجال خرج لهم الشيخان، يقول: "وفي قوله نظر، فإنه من رواية ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن ثوبان وثور لم يرو لهم مسلم، بل انفرد له البخاري" إذًا ليس على شرط مسلم، "وراشد بن سعد لم يحتج به الشيخان"، يعني لو احتج به البخاري مثلاً وخرّج البخاري لثور، وخرج لراشد قلنا: على شرط البخاري؛ لأن البقية خرج لهم البخاري، لكن لم يحتج بهم الشيخان أصلاً، إذًا ليس الخبر على شرط الشيخين، ولا على شرط واحد منهما.

 "وقال الإمام أحمد: لا ينبغي أن يكون راشد سمع من ثوبان، لا ينبغي أن يكون سمع من ثوبان؛ لأنه مات قديمًا، لأنه مات قديمًا" من الذي مات قديمًا؟ ثوبان، الشيخ ثوبان، أم راشد؟

طالب: ...........

ثوبان؛ "لأنه مات قديمًا، وفي هذا القول نظر" يقول المؤلف: "وفي هذا القول نظر، فإنهم قالوا: إن راشدًا شهد مع معاوية صفين" وصفين سنة كم؟ سبعة أو ثمان وثلاثين، كم؟ قبل الأربعين، هي قبل الأربعين على كل حال، "وثوبان مات سنة أربع وخمسين" يعني مكلَّف راشد في وقت وفاة ثوبان، "ومات راشد سنة ثمان ومائة، سنة ثمان ومائة"، المعاصرة موجودة، لكن الإمام أحمد صرح أنه مات قديمًا، يعني كأن المعاصرة عنده غير متصورة، كأنه عنده لم يعاصِرْه ولم يره، أما المعاصرة فموجودة، أما الثبوت ثبوت اللقاء وعدمه فهذا يحتاج إلى بحث آخر؛ لأن راشدًا قد كُلِّف عند وفاة ثوبان، ويكفي أن يكون مكلَّفًا وقبل وفاته بكم؟

بأربعة عشر أو خمسة عشر سنة، شاهد غزوة، كبير كبير، يعني يعني أقل أحوال أن يكون عمره ثلاثين، هذا أقل الأحوال؛ لأنه لن يشهد غزوة قبل التكليف، إضافة إلى ما حصل بعد هذه الغزوة مما يعادل سن التكليف، أقل أحواله أن يكون عمره ثلاثين سنة، فيكون مدركًا له إدراكًا بينًا.

 "ومات راشد سنة ثمان ومائة، ووثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسائي"، هؤلاء أئمة الجرح والتعديل، فلا قول لأحد مع قولهم، "خالفهم ابن حزم فضعفه" وقد ضعف جمعًا من الرواة الأئمة على توثيقهم، وقد جهل بعض الأئمة فقال: ومن محمد بن سورة؟ يعني الترمذي، فمثل هذا لا يعول على جرحه مع توثيق الأئمة فضعفه، "والحق معهم، والعصائب العمائم، والتساخين الخفاف."

"قال -رحمه الله-: وعن زبيد بن الصلت قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة، رواه الدارقطني من رواية أسد بن موسى، وفيه قال: حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله، وأسد بن موسى وثقه العجلي والنسائي والبزار، وخالفهم ابن حزم فقال: هو منكر الحديث، والصواب مع الجماعة، وقال الحاكم في المستدرك بعد ذكر حديث عقبة بن عامر: خرجت من الشام وقد روي عن أنس مرفوعًا بإسناد صحيح رواته عن آخرهم ثقات إلا أنه شاذ بمرة، ثم أخرج حديث أنس المتقدم وقال فيه: على شرط مسلم."

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن زبيد بن الصلت قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول: إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه" يعني على طهارة، "إذا توضأ ثم لبس الخفين فليمسح عليهما" على ما تقدم؛ لأنه أدخلهما طاهرتين "وليصل فيهما، وليصل فيهما"؛ لأنها طهارة كاملة، "ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة"، وهذا مطلق يقيد بالأحاديث السابقة إن لم يكن شاذًّا، ويحكم بضعفه، لكن يمكن حمله على وجه صحيح بأنه مطلق يقيد بالأحاديث السابقة التي تحدد مدة المسح، فالمسافر ثلاثة أيام، والمقيم يوم وليلة.

 "ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة" وإنما يمسح عليهما في الحدث الأصغر، ولا يمسح عليهما في الحدث الأكبر، ولا يخلعهما إلا إذا تمت المدة التي جاءت في النصوص الصحيحة الصريحة.

 "رواه الدارقطني من رواية أسد بن موسى وقال: وفيه قال حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مثله، وأنس بن موسى وثقه العجلي والنسائي والبزار، وخالفهم ابن حزم فقال: هو منكر الحديث، والصواب مع الجماعة" كما قال المؤلف، "وقال الحاكم في المستدرك بعد ذكر حديث عقبة بن عامر خرجت من الشام وقد روي عن أنس مرفوعًا، وقد روي عن أنس مرفوعًا بإسناد صحيح" الذي ساقه حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس، "روي عن أنس مرفوعًا بإسناد صحيح رواته عن آخرهم ثقات إلا أنه شاذ بمرة" والشذوذ إنما هو في الإطلاق، الشذوذ إنما هو في الإطلاق، "ثم أخرج حديث أنس المتقدم وقال فيه: على شرط مسلم" فهو صحيح، فهذا الحديث مطلق يقيد بالأحاديث السابقة التي تحدد المدة.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم و بارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.