التعليق على الموافقات (1436) - 05

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الشاطبي -رحمه الله تعالى-: فصل: ولهؤلاء الفرق خواص وعلامات في الجملة، وعلامات أيضًا في التفصيل".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ولهؤلاء الفرق" التي ذُكرت إجمالاً في الحديث السابق: «وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة» كما جاء في الحديث، لها علامات تعرف بها، علامات إجمالية يُعرف بواسطتها أن هذا الرجل من هذه الفرق على سبيل الإجمال، وعلامات تفصيلية يُعرف بها أنه من الفرقة الفلانية، وأنت إذا رأيت ورأى الناس عمومًا هؤلاء المبتدعة وهم يصلون في الحرمين الشريفين، وهو يصلي تعرف أنه ليس على الجادة، وأنه متلبس ببدعة، علامات إجمالية، لكن لا تعرف هل هذا رافضي؟ هل هذا زيدي؟ هل هذا إسماعيلي؟ هل هذا إباضي؟ لكن هناك علامات تفصيلية تستطيع أن تفرق بين هذه الفرق بواسطتها. لكن في الجملة إذا رأيته أول ما ترى تعرف أن هذا، وإن كان الأصل أنها أمور عقدية خفية، لكن تظهر آثارها على السمت والهدي والطريقة، وتظهر آثارها التفصيلية على الأقوال والأفعال.

طالب: "فأما علامات الجملة فثلاث؛ إحداها: الفرقة التي نبَّه عليها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، وقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: 105]".

والفرقة هذه قاسم مشترك بين جميع الطوائف، لا يألفون غيرها، ولا يركنون إليهم، إلا من باب التقية لمصلحة الدعوة على حد ما يزعمون، وإلا فالقلوب منكرة ونافرة.

طالب: "وغير ذلك من الأدلة. قال بعض المفسرين: صاروا فرقًا لاتباع أهوائهم، وبمفارقة الدين تشتَّتت أهواؤهم فافترقوا، وهو قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: 159]، ثم برأه الله منهم بقوله: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، وهم أصحاب البدع وأصحاب الضلالات والكلام فيما لم يأذن الله فيه ولا رسوله. قال: ووجدنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين".

يعني ليس كل خلاف مذموم، يعني وُجد الاختلاف بين الصحابة، لكن في مسائل يسوغ فيها الخلاف، بينا الاختلاف بين أهل الأهواء ففي مسائل لا يسوغ فيها الخلاف، فيها نصوص صحيحة صريحة، واتفق عليها سلف الأمة وأئمتها، ومع ذلك يختلفون.

طالب: "ولم يفترقوا ولم يصيروا شيعًا؛ لأنهم لم يفارقوا الدين، وإنما اختلفوا، فما أُذن لهم من اجتهاد الرأي، والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصًّا، واختلفت في ذلك أقوالهم، فصاروا محمودين؛ لأنهم اجتهدوا فيما أمروا به، كاختلاف أبي بكر وعمر وعلي وزيد في الجَدِّ مع الأم، وقول عمر وعلي".

نعم. بينهم خلاف في مسألة فيمن مات عن جده وأمه، ليس بينهم خلاف في هذا، لكن المسألة مختلَف فيها بين أبي بكر وعمر وعلي وزيد في مسألة الجد مع الإخوة، هل الجد يُنزل منزلة الأب فيحجب الإخوة، أو يقاسمونه على القول الآخر؟ والمرجح أنه كالأب.

طالب: "وقول عمر وعلي في أمهات الأولاد".

يعني في حكم بيعهن، وبيع أمهات الأولاد، الأمة إذا أتت بولد من سيدها صارت أم ولد تعتق بموته، ويعتقها ولدها، فهل تكون في حكم الأحرار لا يجوز بيعها، أو ما زالت في حكم الإماء، فيجوز بيعها؟ وهذه مسألة خلافية، اختلفوا فيها، وساغ الخلاف بينهم في مثل هذه المسائل.

طالب: "وخلافهم في الفريضة المشتركة".

"المشتركة" أو المُشَرَّكة كما هي في كتب الفرائض، فيمن توفي عن أم وإخوة أشقاء وإخوة لأم، أُم وإخوة أشقاء وإخوة لأم، الإخوة لأم أصحاب فروض، والأشقاء عصبة، فمنهم من يقول: إذا لم تبقِ الفروض شيئًا يسقط الإخوة الأشقاء، ويرث الإخوة لأم؛ لأن العصبة إذا لم تُبق للفروض شيئًا يسقطون؛ لأن لهم ويرثون ما تبقيه الفروض، فإذا لم تبق شيئًا يسقطون، والإخوة لأم أصحاب فروض يرثون على كل حال. طيب الأشقاء إخوة لأم وزيادة، فمنهم من يُشَرِّكهم، وهي المسألة الحجرية، أو اليميَّة، أو الحمارية، هب أن أبانا كان حجرًا في اليم؟ على كل حال مثل هذه المسائل اختلف فيها الصحابة، وليس المقصود دراسة هذه المسائل وتقرير الراجح فيها، وإنما هو تقرير أن الخلاف وُجد بين الصحابة، وساغ بينهم الخلاف وقلوبهم نظيفة، لم تُحدث هذه المسائل والخلاف فيها إحن ولا ضغائن ولا شيع ولا تفرق كما هو الشأن في الخلاف في الأصول بين المذاهب العقدية.

طالب: أحسن الله إليك، معهم الزوج أم لا؟

ماذا؟

طالب: معهم زوج؟ الأم؟

نعم؟

طالب: الأم والزوج .......

طالب: .......

طالب: زوج وأم يا شيخ.

طالب: .......

المهم أنه لا تُبقي الفروض شيئًا للإخوة الأشقاء.

طالب: نعم. أحسن الله إليك.

على أي وجه كان.

طالب: "وخلافهم في الطلاق قبل النكاح، وفي البيوع".

"الطلاق قبل النكاح"، قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق، إن تزوجت من بني فلان فهي طالق. هذا قبل النكاح، فمنهم من يقول: الشرط الذي عُلق عليه يقع، ومنهم من يقول: هذا طلاق قبل نكاح فلا أثر له، واختلفوا في هذا على الأقوال المعروفة.

طالب: "وفي البيوع وغير ذلك مما اختلفوا فيه، وكانوا مع هذا أهل مودة وتناصح وأخوة الإسلام فيما بينهم قائمة، فلما حدثت الأهواء المُرْدية".

"الأهواء" وهي السبب في خلافهم في العقائد؛ لأنها اتباع للهوى من غير نظر في ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وإذا دخل الهوى جاء الانتصار للنفس وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فلا يكون الحق هو المنشد والمقصود من الجميع، فتدخل من ذلك الإحن والعداوات والبغضاء. أما لو كان القصد الوصول إلى الحق، فيكون الحكم هو النص ما هو الهوى، وحينئذ لا يرد هنا الانتصار للنفس ولا اتباع الهوى ولا إعجاب كل ذي رأي برأيه، كما أُثر عن الشافعي أنه لا يفترق عنده الأمر ولا يختلف أن يظهر الحق على لسانه أو على لسان غيره -رحمه الله-.

طالب: "فلما حدثت الأهواء المردية التي حذر منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وظهرت العداوات، وتحزَّب أهلها فصاروا شيعًا؛ دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التي ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه. قال: فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها، ولم يُورِث ذلك الاختلاف بينهم عداوةً ولا بغضاء ولا فرقةً، علمنا أنها من مسائل الإسلام".

لأن مثلها حصل بين الصحابة ولم يحدث شيء من ذلك من العداوة والفرقة، فدل على أن المقصود الوصول إلى الحق.

طالب: "وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة، علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء".

لأنه لم يحصل شيء من ذلك بين الصحابة، وإنما حصل ممن جاء بعدهم ممن أعجب برأيه وانتصر لنفسه.

طالب: "وأنها التي عنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتفسير الآية، وهي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: 159]، وقد تقدمت، فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، فإذا اختلفوا وتقاطعوا، كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى. هذا ما قاله".

يعني هذا ما قالوه في تفسير الآية.

طالب: هل هو ينقل يا شيخ عن أحد؟

ماذا؟

طالب: ينقل عن أحد؟

نعم، يقول إنه.

طالب: .......

"فيجب على كل ذي عقل أن يجتنبه... فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه"، ينقل عمن سبقه ممن تقدم عمومًا.

طالب: نعم، أحسن الله إليك.

طالب: ....... بعض المفسرين.

هو منقول، نعم.

طالب: "هذا ما قاله، وهو ظاهر".

"قالوه".

طالب: نعم، أحسن الله إليك.

 "هذا ما قالوه، وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحابِّ والتراحم والتعاطف، فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك، فخارج عن الدين. وهذه الخاصية موجودة في كل فرقة من تلك الفرق، ألا ترى كيف كانت ظاهرةً في الخوارج الذين أخبر بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- في قوله: «يَقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان»، وأي فُرقة توازي هذا إلا الفرقة التي بين أهل الإسلام وأهل الكفر!".

يعني الفُرقة بين أهل البدع عظيمة جدًّا، لا أعظم منها إلا الفرقة التي بين أهل الإسلام وأهل الكفر، يعني إذا وُجد بين طوائف البدع من الفرقة والعداوة والبغضاء بقدر ما بينهم من اختلاف في الدين، وبقدر بُعدهم وقربهم من الاستقامة والالتزام والصراط المستقيم، معروف أن الفرقة بين أهل السنة ومع الأشاعرة والماتريدية أخف منها من الفرقة بينهم وبين المعتزلة، وبينهم وبين الجهمية، وبينهم وبين الرافضة؛ هذا بالنسبة لمن ينتسب إلى الإسلام، وأشد فُرقة هي ما بين أهل الإسلام وأهل الكفر الذين هم بصدد أن يكون العداء ظاهرًا والقتال بينهم إلا من دخل في عهد أو ذمة وما أشبه ذلك.

طالب: "وهكذا تجد الأمر في سائر من عُرف من الفرق أو من ادعى ذلك فيهم. والخاصية الثانية: هي التي نبه عليها قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7] الآية، فجعل أهل الزيغ والميل عن الحق ممن شأنهم اتباع المتشابهات، وقد تبين معناه".

هذه علامتهم علامة أهل الزيغ كما جاء في حديث عائشة أنهم هم الذين يتبعون المتشابه، وإذا رأيتم الرجل يتبع المتشابه فاعلم بأنه ممن سمى الله فاحذره.

طالب: "وقال -عليه الصلاة والسلام-: «فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم».

والخاصية الثالثة: اتباع الهوى، وهي التي نبه عليها قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7]، وهو الميل عن الحق اتباعًا للهوى".

ما الذي يدعوهم إلى تتبع المتشابه وترك المحكمات؟ هو الأمر الثالث الذي هو اتباع الهوى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23].

طالب: "وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، وقوله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23] الآية. إلا أن هذه الخاصية راجعةٌ إلى كل أحد في خاصة نفسه؛ لأنها أمر باطن، فلا يعرفها غير صاحبها، إلا أن يكون عليها".

الفرقة هذه أمر ظاهر يعرفه الناس، اتباع المتشابه كذلك يظهر في أقوالهم وأفعالهم، لكن اتباع الهوى أمر باطن لا يُحكم عليهم إلا من خلال ما يؤدي إليه مما سبق من الفرقة واتباع المتشابه.

طالب: .......

نعم. لكن هذا ما هو بسببه الأصلي، أصل الخلاف في المسألة، هو يقول: إنه وُجد بين المذاهب الأربعة في المسائل التي يسوغ فيها الخلاف وُجد عداوات بين الأتباع ما هو بين الأصول، الآن المختلف أبو حنيفة مع الشافعي أو من ينتسب إلى المذهب مع الشافعي؟ هذا جاهل هذا، لكن هل وُجدت عداوات بين أبي حنيفة والشافعي أو بين الشافعي ومالك وأحمد؟ لا، أما الجهل فيحمل على ما هو أعظم من ذلك من العداوات والإحن والتصرفات التي وقعت على مر العصور.

طالب: "إلا أن يكون عليها دليل".

حتى إن من جهال أتباع المذاهب من وضع الحديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انتصارًا لمذهبه أو سلبًا لمخالفه! هذا موجود.

طالب: كما هو الحاصل .......

أين؟

طالب: "إلا أن يكون عليها".

لحظة لحظة لحظة.

طالب: .......

ما هي؟

طالب: .......

على كل حال التحريش الذي رضي به الشيطان في جزيرة العرب لما أيس أن يُعبد من دون الله هذا موجود، رضي بالتحريش، أما أصل المسائل التي يسوغ فيها الخلاف الأمر فيها فيه سعة.

طالب: "إلا أن يكون عليها دليل في الظاهر، والتي قبلها راجعة إلى العلماء الراسخين في العلم؛ لأن بيان المحكم والمتشابه راجع إليهم، فهم يعرفونها ويعرفون أهلها بمعرفتهم لها، والتي قبلها تعم جميع العقلاء من أهل الإسلام؛ لأن التواصل أو التقاطع معروف للناس كلهم، وبمعرفته يُعرف أهله".

يعني إذا كان التقاطع بسبب يرجع إلى الدين من مسائل علمية أو انتصار لقول دون آخر، هذا لا شك أنه مشكل ومعضل؛ لأن الأصل أن ينتصر المسلم للحق. وقد يحصل التقاطع بين المسلمين بسبب أمر من أمور الدنيا، وهذا لا شك وإن كان أخف من السابق، لكن القطيعة لا سيما قطيعة الرحم أمرها وشأنها عظيم عند الله -جل وعلا-.

طالب: "وأما العلامات التفصيلية في كل فرقة، فقد نُبه عليها وأشير إليها، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ...} [النساء: 59] إلى قوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا} [النساء: 60]، وقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 116، 117] الآية، وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى...} [النساء: 115] إلى آخرها".

هذه الآية التي استدل بها الإمام الشافعي -رحمه الله- على أن الإجماع حجة، إجماع علماء الأمة حجة، وقد جاءه شخص، وبعضهم يقول أعرابي، فقال له: من أين لك أن قول الكل أو قول العامة حجة؟ فقال له: أمهلني ثلاثًا، ثلاث ليالٍ، فصار الإمام الشافعي يستعرض القرآن في كل ليلة مرتين، حتى وقف على هذه الآية، كما جاء في أحكام القرآن له للشافعي في أوائله؛ لأن بعض، هي تنسب إليه في كتب الأصول ولا توجد في الرسالة التي هي مظنتها، وهي موجودة في أحكام القرآن، لما ظفر بهذه الآية فرح بها فرحًا شديدًا، فلما جاءه السائل بعد ثلاث أخبره بذلك. وهذا يورد سؤالاً: هل الأصل في الدليل أن يكون قبل المسألة أو بعد المسألة؟

طالب: قبل المسألة.

ماذا؟

طالب: قبل المسألة.

هذا الأصل، فما الذي حصل من الإمام الشافعي؟ فلعل الإمام الشافعي كان مستدلًّا على الإجماع بأمور متضافرة متكاثرة من قواعد الشريعة وكلياتها ونصوصها، ثم لما طُلب منه الدليل المعين بحث عنه فوجده، وإلا فالأصل أن الدليل سابق للمسألة، والمسألة تُبنى عليه، ولذا يُذم من يقدم على الفتوى بقول لا دليل له، ثم بعد ذلك إذا أُحرج بحث عن الدليل.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

هو الحكم ثابت عنده -رحمه الله-.

طالب: .......

رحمه الله، ثم طولب بالدليل المعين الخاص، نعم، فاستنبطه من هذه الآية.

طالب: "وقوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} [التوبة: 37] الآية، وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47] الآية، وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] إلى آخر الآيتين.

 وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ...} [المائدة: 101] إلى قوله: {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وقوله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا} [الأنعام: 140] الآية".

وكل هذه الأسئلة التي ترد من بعض الناس لا يراد بها الوصول إلى الحق، لا يراد بها الوصول إلى الحق كلها من علامات أهل الزيغ.

طالب: "وقوله: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143] إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 144]، إلى غير ذلك مما نبه عليه القرآن الحكيم. وكذلك في الحديث، كقوله: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رؤساءً جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا». وكذلك ما تقدم ذكره في قسم زلة العالم وغيره مما في الأحاديث المختصة بهذا المعنى، وإنما نَبَّه عليها".

"نُبِّه".

طالب: أحسن الله إليك.

 "وإنما نُبِّهَ عليها لتنبيه الشرع عليها، ولم يُصرَّح بها على الإطلاق لما تقدم ذِكره، فمن تَهدَّى إليها فذاك، وإلا فلا عليه أن لا يعلمها، والله الموفق للصواب". ما قصده يا شيخ: "ولم يُصرِّح بها"؟

ماذا؟

طالب: قال: "ولم يُصرِّح بها على الإطلاق لما تقدم ذكره"، من عدم التعيين؟

أعد "وكذلك".

طالب: "وكذلك ما تقدم ذِكرُه في قسم زلة العالم وغيره مما في الأحاديث المختصة بهذا المعنى، وإنما نُبِّه عليها لتنبيه الشرع عليها، ولم يُصرَّح بها على الإطلاق لما تقدم ذِكره، فمن تَهدَّى إليها فذاك، وإلا فلا عليه أن لا يعلمها، والله الموفق للصواب".

يعني "لم يُصرَّح بها على الإطلاق"، يعني من الصلاة تعيين من اتصف بها، وإنما جاءت الإشارات إليهم؛ لأن للستر الذي تقدم أنه هو المقدم عنده.

طالب: "فصل: ومن هذا يُعلم أنه ليس كل ما يُعلم مما هو حق يُطلب نشره وإن كان من علم الشريعة ومما يفيد علمًا بالأحكام، بل ذلك ينقسم؛ فمنه ما هو مطلوب النشر، وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص".

من ذلك ما روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: «حفظت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعاءين؛ أما أحدهما فبثثته» يعني نشرته بين الناس، «وأما الثاني لو بثثته لقُطع هذا البلعوم»، يعني هناك أمور ليس من المصلحة نشرها، وجاء في الخبر عن علي: «حدثوا الناس مما يعرفون»، أنت لا تحدث قومًا بما لا تحتمله عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة، فليس كل ما يُعلم يُذكر، والمناسبات تختلف، والظروف والأحوال والأشخاص بينهم اختلاف كبير، فمن الأمور ما يناسب ذكره لهؤلاء، ولا يناسب ذكره لأولئك.

 ولذا ينبغي، بل يتعين على من تأهَّل للتعليم أن ينصح الطلاب بتعليمهم ما يحتاجونه ويناسب عقولهم، وبعض المعلمين من أهل العلم يبحث عما يحتاج إليه هو، لا ما يحتاجه الطلاب، فيجعل في هذا الكتاب درسًا؛ لأنه يحتاجه، من غير نظر لحاجة الطلاب أو مستواهم، هذا ليس من النصيحة للطلاب، فأنت ما جلست إلا للطلاب ليس لنفسك، أنت في بيتك اقرأ ما شئت، في مكتبتك اقرأ ما شئت، وظِّف عندك ما يقرأ عليك ما شئت، لكن الطلاب جاءوك للإفادة والاستفادة منك فامحضهم النصيحة.

طالب: "ومن ذلك تعيين هذه الفرق، فإنه وإن كان حقًّا فقد يثير فتنةً، كما تبين تقريره فيكون من تلك الجهة ممنوعًا بثُّه. ومن ذلك علم المتشابهات والكلام فيها، فإن الله ذم من اتبعها، فإذا ذُكرت وعُرضت للكلام فيها، فربما أدى ذلك إلى ما هو مستغنًى عنه، وقد جاء في الحديث عن علي: «حدثوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله؟»".

عن علي موقوفًا عليه صحيح وهو في البخاري، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ضعيف، بل لا يثبت.

طالب: "وفي الصحيح عن معاذ أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «يا معاذ! تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟...» الحديث إلى أن قال: قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا»".

قال: «أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟»، قال: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا».

طالب: "وفي حديث آخر عن معاذ في مثله قال: يا رسول الله! أفلا أخبر بها فيستبشروا؟ فقال: «إذن يتكلوا». قال أنس: فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا".

يعني كَتْم هذه أو كتم هذا الحديث الذي تحمله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى، كتمه لمصلحة؛ لئلا يتكلوا فيتركوا العمل، لكن معاذًا عند موته أخبر بهذا الحديث؛ تأثمًا، خشية الإثم، فتعارض عنده أمران: كتم العلم، وجاء فيه ما جاء من النصوص الشديدة القوية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى...} [البقرة: 159] إلى آخر الآية، الأمر شديد، وتعارض معه نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تبشيرهم وتذكرهم. لكنه الآن في وقت لا يسوغ فيه الاجتهاد، إما هذا وإما هذا، فوازن، فخشي من الإثم فأخبر. ولعل النهي عن التبشير بهذا إذا كان على سبيل العموم، والذِّكر والخروج من تبعة الكتمان إذا كان على سبيل الخصوص، وأصل الحديث يدل عليه، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قاله، ما شاعه بين الصحابة كلهم، وإنما قال: «يا معاذ أتدري...؟»، فأخبر بهذا على سبيل الخصوص، أما عامة الناس وغوغاؤهم وجمهورهم فلا يحتملون مثل هذا الكلام. لكن هل معاذ اتكل؟ لا، ما اتكل، عمل وجد واجتهد. فإذا كان المخاطب بذلك لا يُخشى من التأثر به فيتكل ويترك العمل، فلا مانع من إخباره، ومع ذلك جاءت نصوص أخرى تلزم بالعمل، وتشدد في ارتكاب المحرمات والتحذير منها. فأهل السنة يجمعون بين هذا وذاك ويعملون بالنصوص كلها، ووفقوا لسلوك الصراط المستقيم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

يعني إلقاؤه على العموم بحيث يخشى من التأثر به فيُترك العمل بالكلية، هذا مثل هؤلاء يُحجب عنهم ويكتم عنهم، وإذا وُجد من هو من النوع الذي باشر الإيمان قلبه وتوطنت نفسه واستسلم وسلم قياده لله -جل وعلا- فإنه ينظر إلى هذا وغيره من النصوص. ومثلما قلنا في مناسبات كثيرة إن النصوص جاءت علاجًا للأمراض، أمراض الأفراد والمجتمعات، فمثل هذا لو وجدت شخصًا يقوم الليل ويصوم النهار باستمرار ويضيق على نفسه، يؤتى له بمثل نصوص الوعد ليخفف من غلوائه وغلوه، ولو وجدت شخصًا متساهلاً مفرطًا ما تأتي له بمثل هذه النصوص بقدر ما تأتي له بنصوص الوعيد.

طالب: "ونحو من هذا عن عمر بن الخطاب مع أبي هريرة، انظره في كتاب مسلم والبخاري، فإنه قال فيه عمر".

أولاً المؤلف قال: "مسلم والبخاري" على طريقة المغاربة في تقديم مسلم على البخاري وأنه مقدم على البخاري.

 الأمر الثاني: الحديث لا يوجد في البخاري أصلاً! ليس في البخاري، وهذا من عدم عنايتهم، هم يعتنون بمسلم، (أول من صنف في الصحيح محمد وخُص بالترجيح، ومسلم بعدُ، وبعض أهل الغرب مع أبي علي فضلوا ذا لو نفع)، يعني فضلوا صحيح مسلم.

طالب: "فإنه قال فيه عمر: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك: «من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه بَشِّره بالجنة»؟ قال: «نعم». قال: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخَلِّهم يعملون. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فخَلِّهم». وحديث ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف، قال: لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل، فقال: إن فلانًا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانًا. فقال عمر: لأقومن العشية فأحذر هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم. قلت: لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس ويغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها، فيطيروا بها كل مطير وأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة، فتخلص بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار، ويحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها. فقال: والله لأقومن به في أول مقام أقومه بالمدينة، الحديث".

كلمة في الموسم تُلقى على أفناء الناس وغوغائهم ممن جاءوا من الأمصار والأقطار ممن تتفاوت عقولهم وفهومهم ومقدار التزامهم ومعرفتهم وعلمهم، كل يفهم على ما يريد وعلى قدر ما أوتي من فهم، مثل هذه الأمور التي تتعلق بالخلافة وأمور الولاية ما تلقى بهذه الطريقة، وإنما تكون للخواص، لأهل الحل والعقد، ولذلك نهاه وأجل الموضوع إلى أن قدم المدينة، بذلك يُعرف خطأ من يطرح هذه الأمور على عموم الناس للاستفتاء واستطلاع آرائهم ممن ليسوا من أهل العقل والحكمة والتدبير والنظر في المصالح والمفاسد ما ليسوا من أهل الحل والعقد ممن هو مجرد رأي تبعًا للهوى، لا للمصالح العامة ولا تبعًا لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يُنظر في ذلك، كل ينظر إلى مصلحته الخاصة، فإذا كان هذا الشخص يحقق مصلحة لهذا الشخص أو لفئته أو قبيلته أو بلده بادر بترشيحه وإلا فلا، فليس مرد انتخاب الولي وتقديمه على غيره إلى هذه الأمور، وإنما مرده إلى المصلحة العامة للأمة. نعم.

طالب: "ومنه حديث سلمان مع حذيفة، وقد تقدم. ومنه أن لا يُذكر للمبتدئ من العلم ما هو حظ المنتهي".

يعني يأتيك مجموعة من الطلاب في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، مثل ما تقدمت الإشارة إليه، فتقول له أو لهم: أحضروا كتاب علل الدارقطني، أو درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام! هذا الكبار قد لا يدركونه، الكبار قد لا يدركون كثيرًا مما فيه، وكبار المتخصصين من شيوخنا القدامى يقرءون أو يُقرأ عليهم في مثل هذا الكتاب من كبار طلاب العلم ويتعاونون على فهم مسائله، وقد يستغلق عليهم بعض المباحث، تستغلق عليهم فتترك؛ لأن هذه أمور فوق مستواها، فكيف يُعطى طالب متوسط أو مبتدئ مثل هذه الكتب التي تكون سببًا في صده عن طلب العلم؟

طالب: "بل يُربى بصغار العلم قبل كباره".

ابن عباس فسر الرباني بأنه هو الذي يبدأ بصغار العلم قبل كباره، وهذه طريقة أهل العلم وجادتهم أنهم رتبوا الكتب للمتعلمين، رتَّبوا الطبقات للمتعلمين المبتدئين والمتوسطين والمنتهين المتقدمين، ثم رتَّبوا هذه الكتب المتون الصغيرة للصغار، والتي تليها للمتوسطين والكبيرة للكبار، وأدرك الناس من ذلك خيرًا كثيرًا، لكن لما تُركت هذه الطريقة ضاع الناس، نعم.

طالب: "وقد فرض العلماء مسائل مما لا يجوز الفتيا بها وإن كانت صحيحةً في نظر الفقه، كما ذكر عز الدين بن عبد السلام في مسألة الدَّور في الطلاق، لما يؤدي إليه من رفع حكم الطلاق بإطلاق، وهو مفسدة".

يعني يقول لزوجته: إن طلقتك فأنت طالق! يلزم عليه الدور، وهو ترتيب الشيء على شيء مترتب عليه بحيث لا ينتهي.

والخلاف في ذلك عندهم الشافعية على ثلاثة أقوال.

طالب: "ومن ذلك سؤال العوام عن علل مسائل الفقه وحِكم التشريعات، وإن كان لها علل صحيحة وحِكم مستقيمة، ولذلك أنكرت عائشة على من قالت: لِم تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ وقالت لها: أحروية أنت؟".

الصلاة والصيام كلاهما من أركان الإسلام، فالحائض لماذا تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ هذه تسأل، معاذة تسأل عائشة -رضي الله عنها-، فقالت لها: أحرورية أنت؟ لأن الحرورية يلزمون الحائض بقضاء الصلاة كالصيام. جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يفيد هذا الحكم، فعلينا الرضا والتسليم.

يعني يسأل سائل يقول: لماذا تكون صلاة الظهر أربعًا والمغرب ثلاثًا والفجر ثنتين؟ هذا مثل هذا السؤال غير لائق، وهو معارض للتسليم لأمر الله وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام-. نعم.

طالب: "وقد ضرب عمر بن الخطاب صبيغًا وشرد به لما كان كثير السؤال عن أشياء من علوم القرآن لا يتعلق بها عمل، وربما أوقع خبالاً وفتنةً وإن كان صحيحًا، وتلا قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31]، فقال: هذه الفاكهة، فما الأبُّ؟ ثم قال: ما أُمرنا بهذا. إلى غير ذلك مما يدل على أنه ليس كل علم يُبث وينشر وإن كان حقًّا، وقد أخبر مالك عن نفسه أن عنده أحاديثَ وعلمًا ما تكلم فيها ولا حدَّث بها، وكان يكره الكلام فيما ليس تحته عمل، وأخبر عمن تقدمه أنهم كانوا يكرهون ذلك، فتنبَّه لهذا المعنى".

الآن لو يتحدث الأب في بيته عند زوجته وبناته وأولاده، هو ما في مسائل يمكن أن يخفيها عن الأولاد والبنات، للمصلحة، لا تدركها عقولهم، أو قد تسرح عقولهم وأذهانهم فيها كل مسرح ويترتب عليها ضرر، فإذا حُجبت مثل هذه المسائل المتعلقة بأمور الدنيا، فلأن تُحجب بعض المسائل التي يضل بسببها بعض الناس من باب أولى.

طالب: "وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذِكرها إلى مفسدة، فاعرضها".

والنظر في المآلات هي المسألة الآتية إن شاء الله تعالى، سوف يبسطها المؤلف ببسط أكثر من هذا.

طالب: "فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك".

والإشكال بعض من يفتي لا ينظر إلى هذا، يُسأل عن مسألة فيجيب عنها كأنها مسألة مجردة لا يترتب عليها مصلحة ولا مفسدة، ويتلقفها المغرضون ويشيعونها ويذيعونها على رغم ما يترتب عليها من مفاسد.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

ماذا فيه؟

طالب: .......

أثيرت مسألة رضاع الكبير وغير رضاع الكبير، أُثير ما هو أسوأ من ذلك، وذكر عن بعض المفتونين أنه قال للمدير أن يرضع سكرتيرته من زوجته لتكون محرمًا له، ثم قال بعد ذلك: إن أعجبته في طباعها وخلقها وأراد أن يتزوجها يلغي ذلك الرضاع! تلاعب في الدين، نسأل الله العافية.

طالب: أعوذ بالله.

ما سمعت بهذا؟

طالب: .......

لا، اشتهر عن واحد معروف عندكم، الله المستعان. لو عمر سمع بمثل هذا، الله المستعان. نعم.

طالب: "فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية".

 ولو لم يكن سكوتًا مطبقًا كليًّا، وإنما سكوت مؤقت حتى تتبين المسألة أكثر بآثارها.

طالب: "فصل: هذه الفرق وإن كانت على ما هي عليه من الضلال، فلم تخرج من الأمة، ودل على ذلك قوله: «تفترق أمتي»، فإنه لو كانت ببدعتها تخرج من الأمة لم يُضفها إليها".

"لم يضفها إليه"، أو "إليها" يعني للأمة.

طالب: إلى الأمة نعم.

قال: "«أمتي»"، أضاف الأمة لمن؟

طالب: للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

إليه -عليه الصلاة والسلام-، لكن وإن قال مثل هذا الكلام وقال به جمع من أهل العلم أنه مثل هذا النص وأن الفرق المذكورة الثلاث والسبعين من أمته المنتسبة إليه، لكن منهم من يقول أيضًا إنه يحتمل أن يكون المراد أمة الدعوة لا أمة الإجابة.

طالب: "وقد جاء في الخوارج: «في هذه الأمة كذا»".

يعني يخرج في هذه الأمة، نعم.

طالب: "فأتى بـ«في» المقتضية أنها فيها وفي جملتها. وقال في الحديث: «وتتمارى في الفَوْق»".

"«الفُوق»".

طالب: أحسن الله إليك. "«وتتمارى في الفُوق»، ولو كانوا خارجين من الأمة لم يقع تمارٍ في كفرهم، ولقال: إنهم كفروا بعد إسلامهم. فإن قيل: فقد اختلف العلماء في تكفير أهل البدع، كالخوارج والقدرية وغيرهما".

قالوا: (الفُوق) موضع الوتر من السهم تنظر فيه؛ لأن فيه احتمال: «تتمارى فيه» يعني تشكل فيه دم أو ما فيه شيء مما هو محل احتمال، ويكون أيضًا المشبَّه به أيضًا محل احتمال، هل ارتكب ما يُخرج من الملة أو لم يرتكب؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن دخل في الإسلام بيقين، يقرر أهل العلم أنه لا يخرج منه إلا بيقين.

طالب: "فإن قيل: فقد اختلف العلماء في تكفير أهل البدع، كالخوارج والقدرية وغيرهما؟ فالجواب: أنه ليس في النصوص الشرعية ما يدل دلالةً قطعيةً على خروجهم عن الإسلام، والأصل بقاؤه حتى يدل دليل".

خمسمائة عالم كفَّروا الجهمية: (ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان)، خمسون في عشر؟

طالب: خمسمائة.

خمسمائة. والتكفير من الأئمة لأصحاب البدع المغلظة موجود، وسبق أن ذكرت أنه موجود في كتب المتقدمين في وقت نشوء البدع لتُجتث من أصلها، فلا يُقدم عليها من يسمع هذه الأحكام المغلظة، ولكن لما سرت في الناس وكثر تأويلهم للنصوص ودخولهم فيها بالتأويل وتتابع عليها وقلد فيها بعضهم بعضًا، يعني اختلف، مع أن أحكامهم على بعض المعيَّنين لا يعني أننا نحكم على كل معين من أهل هذه الفرقة، لكن بعض المعينين في نشوء البدعة وفي وقتها كانوا إلى الزندقة أقرب، يعني الذي يقول: سبحان ربي الأسفل! بشر المريسي، سبحان ربي الأسفل! أمور مهولة كبيرة، مصادمة للنص، نسأل الله العافية.

طالب: "والأصل بقاؤه حتى يدل دليل على خلافه، وإذا قلنا بتكفيرهم فليسوا إذًا من تلك الفرق".

التي أشير إليها في الحديث.

طالب: "بل الفرق من لم تؤدهم بدعتهم إلى الكفر، وإنما أبقت عليهم من أوصاف الإسلام ما دخلوا به في أهله".

ويصح أن يقال: من أمتي، ستفترق هذه الأمة.

طالب: "والأمر بالقتل في حديث الخوارج لا يدل على الكفر؛ إذ للقتل أسباب غير الكفر، كقتل المحارب والفئة الباغية بغير تأويل، وما أشبه ذلك، فالحق أن لا يُحكم بكفر من هذا سبيله، وبهذا كله يتبين أن التعيين في دخولهم تحت مقتضى الحديث صعب، وأنه أمر اجتهادي لا قطع فيه، إلا ما دل عليه الدليل القاطع للعذر وما أعز وجودَ مثله".

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

* * *

طالب: .......

كيف يكون الخوارج من أهل السنة؟ قل من المسلمين...

طالب: .......

يعني ما يخرجون من الملة؟ لا، يعني الحكم على العموم؛ لأنه يدخل في الفرقة، يدخل في الفرقة من هو مغرض، من له هوى وهو من غيرها يدخل فيها، الحكم على الجميع فيه لا سلب ولا إيجاب. لكن في الجملة الخوارج الذين ذُكرت أوصافهم في الحديث اختلف فيهم أهل العلم، وشيخ الإسلام ينقل عن الجمهور أنهم ما كفروهم. لكن من أنكر سورة يوسف مثلاً هذا وُجد في بعضهم، هذا لا شك في كفره. ومن قال: القرآن ناقص مثلاً، هذا لا شك في كفره.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

نعم، يبحث.

طالب: .......

سواء كانت سترة متنقلة أو ثابتة، المقصود أنه يصلي إلى شيء يستره.

طالب: .......

ماذا؟ تنقل معه العنَزة وغيرها، ما هو بصحيح هذا.

طالب: .......

طالب: يمكن قصدهم يا شيخ تُنقل معهم في السفر يا شيخ، لكن .......

في السفر، العنزة في السفر.

طالب: .......

حتى في المسجد إذا وُجد، موجودة، متنقلة. طيب ما تيسر له عمود، وهو يصلي فريضة بجماعة، والناس يطلعون ويدخلون، ما يحتاط لصلاته؟ ما لا يتم الواجب إلا به عند من أوجبها فهو واجب.

طالب: .......

بقدر ما يؤثر فيه هذا المصوَّت له، إذا كان يؤثّر بسلب يضر الناس هذا يحرم عليه.

"