بلوغ المرام - كتاب القضاء (4)

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:

باب: الدَّعْوَى والبينات

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه)) متفق عليه، وللبيهقي بإسنادٍ صحيح: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)).

وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عرض على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف؟ رواه البخاري.

وعن أبي أمامة الحارثي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة)) فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ((وإن قضيب من أراك)) رواه مسلم.

وعن الأشعث بن قيس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان)) متفق عليه.

وعن أبى موسى -رضي الله تعالى عنه- أن رجلين اختصما في دابة، وليس لواحد منهما بينة، فقضى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما نصفين" رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه، وقال: إسناده جيد.

وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان.

وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف)) متفق عليه.

وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن رجلين اختصما في ناقة، فقال كل واحد منهما: نتجت عندي، وأقاما بينة، فقضى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن هي في يده.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رد اليمين على طالب الحق. رواهما الدارقطني، وفي إسنادهما ضعف.

وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم مسروراً، تبرق أسارير وجهه، فقال: ((ألم تري إلى مجزز المدلجي؟ نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: هذه أقدام بعضها من بعض)) متفق عليه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: الدعاوى والبينات

الدعاوى جمع دعوى، وقد تجمع على دعاوى ودعاوي، مثل فتاوى وفتاوي، وصحارى وصحاري، والدعوى اسم مصدر من ادعى الفعل ادعى دعوى، والمصدر ادعاء، والأصل فيها أن يدعي شيئاً أنه له، ويستوي في ذلك يسمى مدعي، سواءً كان محقاً أو غير محق، وعليه حينئذٍ المدعي البينة كما سيأتي.

والبينات جمع بينة، والأصل فيها كل ما يبين الحق من الحجج، سواءً كانت من الشهود أو من القرائن التي تدل على صدق المدعي، أعم من أن تكون شهوداً، وإن كان الجمهور يخصون البينة المطلوبة من المدعي بالشهود.

ابن القيم يقرر أن البينات أعم، وأن كل ما أبان عن الحق ووضحه من الحجج سواء كانت شهوداً، أو قرائن فالحكم بالقرائن القوية، يرى ابن القيم أنه من الحق، القرائن القوية التي تدل على أن الحق لفلان؛ كأن يدعي شيئاً تدل عليه القرائن أنه له.

لو جاء شخص يدعي لباساً جرت العادة بأن مثله يلبسه، وهو في يد شخص جرت العادة أنه لا يلبسه، لو وجد شماغ مثلاً بيد شخص ليس من أهله، ما جرى في العادة أنه يلبس الشماغ، وليس من ملبوسهم، من أهل الألبسة التي جرت عادتهم وعرفهم أن الشماغ ليس منها، هذه قرينة، ولو جاء شخص حاسر الرأس يدعي عمامة بيد شخص عليه عمامة، القرينة تدل على أن هذه العمامة لحاسر الرأس ممن جرت عادته بلبس العمامة، يعني ما عرف أن هذا الشخص يخرج إلى الناس بدون عمامة، هذه قرائن، يعني يستروح بها، ويمال بها إلى أن الحق لهذا المدعي، لكن الجمهور على أن مثل هذه الأمور لا تكفي.

يعني في قصة علي مع اليهودي علي -رضي الله عنه وأرضاه- مع اليهودي القرائن كلها تدل على أن الدرع له، ومع ذلك شريح أوجد من يشهد له، قويت دعواه بالشاهد، ومع ذلك لم يحكم له شريح لضعف بينته، ولم يكتف بالقرائن إضافة إلى الشاهد الذي لم يقدح فيه، لكن لو حلف أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- مع الشاهد مع قنبر استحقها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى باليمين مع الشاهد، وشريح يعلم أن علياً -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- صادق في دعواه، لكنه لم يحكم بعلمه كما قال أهل العلم، وإن نقل عنه أنه ممن يرى الحكم بالعلم.

وعلى كل حال القرائن التي تظهر للقاضي لا شك أنها تفيده علماً بأن صاحب الدعوى راجح الجانب، لكن هل يكتفى بها كما يقول ابن القيم في الطرق الحكمية وبنى عليها كتابه؟ أو لا بد من البينة الكافية وهي الشهود العدول المقبولون شرعاً المزكون عند الاحتياج إلى التزكية؟ فالجمهور يقولون: لا بد منهم.

هذه القرائن التي تتفاوت قوة وضعفاً، التي يقرر ابن القيم -رحمه الله- أنها كافية، لا شك أنها قد توقع في شيء من الحرج؛ لأنها قد تقوى فيغلب على الظن صدق المدعي، وقد تكون هذه القرينة متوسطة، فإن تردد في الأمر فتكون ضعيفة، وحينئذٍ يلجأ القاضي للحكم بعلمه، والقاضي لا يحكم بعلمه عند الجمهور على ما تقدم.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم))" بدعواهم، بالإفراد في جميع النسخ؟ بدعواهم كذا في جميع النسخ؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

على كل حال لا يلتبس الأمر، وإلا فالأصل أن تجمع الدعوى، كما جاء في الناس، فيكون من باب مقابلة الجمع بالجمع، فيكون لكل واحد من هؤلاء الناس دعوى، وإذا قلنا: ((لو يعطى الناس بدعواهم)) صار الناس كلهم لهم دعوى واحدة يدعونها على مدعى عليه، وعلى كل حال المقصود واضح.

((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم)) كلام صحيح، لو أن كل إنسان يدعي شيئاً يحكم له به لما بقي الحق في يد صاحبه؛ لأنه لا بد أن يوجد من يدعيه إذا كان بيعطى، ويدفع إليه بمجرد الدعوى من غير بينة.

((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه)) اليمين على المدعى عليه، متى تلزمه اليمين؟ إذا أنكر.

متفق عليه، وللبيهقي بإسناد صحيح: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)).

البينة أقوى من اليمين، فطلبت ممن جانبه أضعف، المدعي يدعي شيئاً بيد غيره، والمدعى عليه يدعى عليه شيء بيده، فالمدعي دعواه ضعيفة، والمدعى عليه وبيده المدعى به جانبه قوي، فاحتيج للبينة القوية لتقوي جانب المدعي الضعيف الذي يدعي حقاً في يد غيره، واكتفي بالبينة الضعيفة التي هي اليمين، وإن كانت عظيمة عند الله -جل وعلا-، لكنها عند الناس أسهل من إحضار الشهود؛ لأن جانب المدعى عليه قوي.

لو افترضنا أن المدعي أحضر بينة على أن ما يدعيه له، والمدعى عليه أحضر بينة، المدعي الذي يدعي أن ما بيد زيد له أحضر بينة مرضية، والمدعى عليه أحضر بينة مرضية أن ما بيده له، نعم؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

يقول: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)) هل نحكم للمدعي بما ادعاه بمجرد إحضاره البينة؟ لأن هذا هو المطلوب شرعاً ((البينة على المدعي)) هذا هو المطلوب شرعاً ((البينة على المدعي)) أحضر البينة المرضية المقبولة في الشهادة، نحكم له بمجرد هذا، أو ننظر ما عند المدعى عليه؟ هاه؟

طالب:.......

عنده بينة، شهود عدول أن ما بيده له، المدعى عليه جانبه أقوى؛ لأن الأصل براءة ذمته، نعم إذا أمكن الجمع بين الشهادتين بأن يدعي زيد على عمرو مبلغ من المال، وأحضر الشهود بأنه أقرضه هذا المبلغ بحضرتهم، فادعى عمرو أنه دفع إليه هذا المبلغ بشهادة فلان وفلان، هنا في تعارض بينات وإلا ما فيه؟ ما في تعارض بينات، هو ما أنكر أصلاً، يقول: أنا عندي له مبلغ من المال، لكن سددت بشهادة فلان وفلان، هذه ما في تعارض بينات، نعم، لكن لو أحضر، قال زيد: إني أقرضت فلاناً في العصر من يوم كذا، مبلغاً من المال قدره كذا، بحضرة فلان وفلان، فجيء بفلان وفلان قالوا: نعم أقرضه بحضرتنا المبلغ المدعى، فجاء المدعى عليه بشهود وقالوا: إن فلاناً من صلاة العصر في اليوم المدعى فيه إلى أذان المغرب هو معنا، ما أقرض ولا فارقناه، هنا تتعارض البينات، فمن الجانب الأقوى من الطرفين؟ المدعى عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته.

نظير هذا عند أهل العلم عند أهل الحديث تعارض الجرح والتعديل، يقولون: الجرح مقدم على التعديل؛ لأن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل، لكن إن أمكن نفي ما ادعاه الجارح بطريق صحيح قدم قول المعدل، لو قال: فلان ضعيف لأنه فاسق، شرب الخمر في يوم كذا في مكان كذا، ثم قال المعدل: لكنه تاب، أو قال: هو في اليوم المدعى فيه والمكان المدعى فيه أنا كنت ملازماً له ما شرب، فهل نقول: المثبت مقدم على النافي، أو نقول: تعارضت البينات؟ لكن لو قال: هو فاسق؛ لأنه قتل فلاناً يوم الخميس، فجاء المعدل وقال: أنا رأيت فلاناً الذي ادعي قتله يوم الجمعة، أمكن النفي بطريق صحيح، وحينئذٍ لا يلتفت إلى قول الجارح، ونظير هذا في الدعاوى، الأصل براءة الذمة، فإذا تكافأت البينات هل يقال مثلاً: أن هذا مطلوب منه البينة وأحضرها ويكفي، فلا نلتفت إلى المدعى عليه مع بينته، أو نقول: إنه في الأصل جانبه أقوى، فيزداد قوة ببينته على دعوى المدعي، وهنا ما يسمى بالخارج والداخل، المدعى عليه بيده العين المدعاة، والمدعي ليست بيده العين المدعاة، وتعارضت بينة الداخل الذي بيده العين المدعاة، والخارج الذي هو المدعي، الحنابلة يقدمون بينة الخارج، والجمهور يقدمون بينة الداخل، الحنابلة يقولون: المدعى عليه أصلاً ما يكلف ببينة، إنما الذي يكلف بالبينة..، وما دام ما كُلف بها لا يُنظر إليها، والمدعي هو المكلف بالبينة، فهي محل النظر والاعتبار، لكن المدعى عليه يكلف إذا أنكر باليمين، ومن المعلوم أن البينة أقوى من اليمين، بدليل أن البينة جعلت في حق الأضعف، واليمين جعلت في حق الأقوى، فإذا جاء بالبينة وهي أقوى من اليمين كان أدعى لقبول قوله، وبهذا قال الأكثر أنها تنظر بينته، ويحكم له بها، ويكون جانبه أقوى.

"وللبيهقي بإسناد صحيح: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر))" الذي في الصحيحين: ((ولكن اليمين على المدعى عليه)) ومعلوم أنه إنما تطلب يمينه إذا أنكر، أما إذا أقر فلا حاجة إلى يمينه.

طيب ليس في الصحيح: ((البينة على المدعي)) قال: "وللبيهقي بإسناد صحيح: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر))" ماذا نقول عن البينة على المدعي الذي خرجها البيهقي بإسناد صحيح، وأعرض عنها الشيخان؟ هل نقول: إن إعراض الشيخين عن تخريجها تعليل لها؟ أو نقول: هذه زيادة ثقة لا تعارض ما في الصحيحين فهي مقبولة ولها ما يشهد لها؟

كثيراً ما يعل أهل الحديث زيادة جملة مخرجة في مسلم بإعراض البخاري عنها، في سنن أبي داود أو غيره من السنن بإعراض الشيخين عنها، كثيراً ما يعلون بذلك، فهل نقول: إن البينة على المدعي هذه الجملة معلة بعدم تخريج الشيخين لها؟ أو نقول: هي زيادة ثقة غير مخالفة لما في الصحيحين فتكون مقبولة لا سيما وأن لها ما يشهد لها في أحاديث وقضايا أخرى؟

على كل حال هذا الحديث أصل في الدعاوى والبينات، واعتمده أهل العلم، وجرى عليه العمل عندهم، فهي مقبولة على كل حال.

طالب: ومثلها: ((إنك لا تخلف الميعاد)) رعاك الله، الذي رواها البيهقي، وأعرض عنها البخاري؟

هذه شأنها أعظم؛ لأنها اعتمدت من أهل العلم، يعني مثل هذه الجمل الزائدة التي يحكم عليها الأئمة الكبار بأنها غير محفوظة، ويحكم عليها غيرهم بأنها زيادة ثقة، هذه النظر فيها للأئمة؛ لأنهم برسوخهم في هذا الشأن، ومعرفتهم التامة، وسعة اطلاعهم فإنهم ليعلون الأحاديث من غير بيان علة، بل قد لا يستطيعون بيان وجه العلة، وإنما يكتفون بشم الحديث؛ لأنهم من معاناتهم للحديث، واهتمامهم بالحديث، وعيشهم مع الحديث صاروا يعرفون ما يمكن إثباته، وما يمكن نفيه، بخلاف سائر المتعلمين من المتأخرين وغيرهم، ممن لم يصل إلى منزلتهم، ولذا تجدهم يعلون ((إن الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين)) ويعلون: ((إنك لا تخلف الميعاد)) وإن كانت طريقة المتأخرين قبول مثل هذه الزيادات؛ لأنها غير منافية لما جاء في الصحيح، لما جاء فيما هو أصح.

هذه الجملة ((البينة على المدعي)) تلقاها أهل العلم بالقبول، وجعلوها أصل في هذا الباب، ومما يقوى به الحديث عمل أهل العلم به، إذا كان عليه العمل تقوى به، وكثيراً ما يقول الإمام الترمذي: "وعليه العمل عند أهل العلم" يقوي بذلك الرواية التي يسوقها.

قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عرض على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف؟".

هذا متاع بيد طرف ثالث، افترض أنه لقطة، بيد شخص، بيد بكر من الناس، فجاء عمرو ووصف هذه اللقطة، وجاء زيد ووصف هذه اللقطة بوصف مطابق، طيب البينة من كل منهم، قالوا: ما عندنا بينة، اتجه اليمين على كل واحد منهما، فاستعد كل واحد منهما للحلف، يعني الكفة متساوية بين الاثنين، هذه اللقطة التي بيد عمرو عرفها زيد بوصف مطابق، وعرفها عمرو بوصف مطابق، طلب من زيد بينة، قال: ما عندي، طلب من عمرو بينة قال: ما عندي، قيل لزيد تحلف؟ قال: أحلف، قيل لعمرو: تحلف، قال: أحلف، كيف نصنع؟ ما الذي يحل مثل هذا الإشكال؟ قال: "عرض على قوم اليمين فأسرعوا" كلهم بيحلفوا "فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف؟" قرعة "رواه البخاري".

وهذا فيما إذا استوت الأمور، القرعة حل شرعي، يعني في الأعمال والولايات التي يقدم فيها بالأوصاف المرعية شرعاً إذا استووا في هذه الأوصاف لا يكون الترجيح بين الناس بالتشهي، أو بالقربى، أو ما أشبه ذلك، لا، لو جاء أكثر من إمام لمسجد من المساجد قيل: الحكم حديث أبي مسعود ((يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)) فجيء بلجنة اختبرت هذا وهذا وحصلوا على درجة واحدة، كل واحد أخذ تسعين بالمائة في الاختبار، فإن كانوا في القراءة سواء، صاروا سواء، فأعلمهم بالسنة، اختبروا بالسنة نفس النتيجة، نظر إلى المرجحات الأخرى وجدت متساوية، المرجحات المعتبرة شرعاً، ما الذي يحل الإشكال؟ القرعة.

وفي مسألتنا لما تساوى الاثنان ما في حل إلا القرعة "فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف؟".

يقول الشارح: يفسره ما رواه أبو داود والنسائي من طريق أبي رافع عن أبي هريرة أن رجلين اختصما في متاع ليس لواحد منهما بينة، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((استهما على اليمين)) والمراد بالاستهام هنا هو الاقتراع.

قال: وروي مثله عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو أنه أتي بنعل وجد في السوق يباع، فقال رجل: هذا نعلي لم أبع ولم أهب، وقرع على خمسة يشهدون، وجاء آخر يدعيه يزعم أنه نعله، وجاء بشاهدين، قال الراوي: فقال علي -رضي الله عنه-: إن فيه قضاءً وصلحاً، وسوف أبين لكم ذلك، أما صلحه فأن يباع النعل، فيقسم على سبعة أسهم، لهذا خمسة، ولهذا اثنان؛ لأن هذا معه خمسة شهود، وهذا معه شاهدان.

لكن القدر الزائد على البينة المعتبرة شرعاً هل له أثر في القضية أو ليس له أثر؟ القدر المطلوب شرعاً رجلان أو رجل وامرأتان، جيء بثالث ورابع وخامس وعاشر، ينظر إلى شهادتهم أو لا ينظر؟ لا شك أنه كلما كثرت أو كثر الشهود، وزادت البينة وصارت أقوى من بينة الخصم أن النفس تطمئن إلى صدقه أكثر، لكن بينة الطرف الثاني بينة شرعية كاملة يستحق بها المدعى به، لو لم يحضر الثاني بينة ما الذي حصل في القضية؟ قال: أما صلحه فأن يباع النعل فيقسم على سبعة أسهم لهذا خمسة ولهذا اثنان، على عدد الشهود، وإن لم يصطلحا فالقضاء أن يحلف أحد الخصمين أنه ما باعه ولا وهبه وأنه نعله، فإن تشاححتما أيكما يحلف فإنه يقرع بينكما على الحلف فأيكما قرع حلف، يعني على ضوء ما جاء في الحديث "فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف؟" والحديث في الصحيح.

قال -رحمه الله-: "وعن أبي أمامة الحارثي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة))".

الحقوق، حقوق العباد من الديوان الذي لا يغفر، حقوق الله -جل وعلا- أمرها أسهل، مبنية على العفو والمسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاححة.

قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة)) وفي هذا التحذير من الحلف الكاذبة التي يقتطع بها حق المرء المسلم، وتسمى اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار، ويقرر أهل العلم أنها أعظم من أن تكفر، التي يقتطع بها حق امرئ مسلم.

((وحرم عليه الجنة)) فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ((وإن كان قضيباً من أراك)) مسواك، ولو كان مسواك؛ لأن المسألة مسألة مبدأ، فالذي يحلف على القليل يحلف على الكثير، والذي يسرق القليل يسرق الكثير، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده)) لأن هذا يستمري في السرقة فيسرق ما فوقها.

((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه)) مسلم، مفهومه أن من اقتطع حق كافر لا يثبت في حقه هذا الوعيد، ولا شك أن من الكفار من هو ذمي، معاهد، مستأمن، حقوقه محفوظة، ودمه معصوم، وماله معصوم، والتعدي عليه حرام، على نفسه أو ماله أو ولده كل هذا حرام، فهل قوله في الحديث: ((مسلم)) له مفهوم أو لا مفهوم له لأنه جرى على الغالب؟ الغالب أن الذي في بلاد المسلمين هم المسلمون، فجاء الخبر على الغالب، أو نقول: إن هذا الوعيد الشديد في الحديث خاص بالمسلم، وغير المسلم وإن كان التعدي على ماله حرام، إلا أنه لا يصل إلى هذا الحد، فيكون لفظ المسلم مفهوم، من أهل العلم من قال بهذا، ومنهم من قال بهذا، منهم من قال: إن اللفظ جرى على الغالب، وأن من يعيش في بلاد المسلمين هم المسلمون، فجاء الحديث في التشديد في أموالهم، ولا يعني أن غير المسلمين يجوز التعدي على أموالهم، بل يستحق هذا الوعيد ولو اعتدى على مال ذمي أو مستأمن أو معاهد.

ومنهم من يقول: حرمة مال المسلم أشد من حرمة مال غيره، نعم مال غيره حرام غير الحربي، لكن لا تصل إلى حد الحرمة، والتشديد الذي جاء في التعدي على أموال المسلمين كما هو الشأن في دمه.

فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ((وإن كان قضيباً من أراك)) مثلما قلنا: لأن المسألة مسألة مبدأ، والذي يظلم في القليل يظلم في الكثير.

ثم قال -رحمه الله-: "وعن الأشعث بن قيس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) متفق عليه" وهو شاهد للحديث الذي قبله في تشديد حرمة مال المسلم، وأما حرمة مال غيره فبنصوص أخرى.

القيد ((هو فيها فاجر)) يحتاج إليه؟ يقيد به الإطلاق في الحديث السابق أو ما نحتاج إليه؟ يعني هل هو قيد نحتاج إليه في إطلاق الحديث السابق أو لا نحتاج إليه؟ أو هو تصريح بما هو مجرد توضيح؟ يعني وصف مؤثر وإلا غير مؤثر؟ الشارح في الحديث الأول قال: ثم المراد باليمين اليمين الفاجرة، وإن كانت مطلقة في الحديث فقد قيدها الحديث الآتي، هل نقول: إن الحديث الأول مطلق يشمل جميع الأيمان برة كانت أو فاجرة؟ أو نقول: إن التنصيص على الفاجرة في الحديث الثاني هو تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا مفهومة أنه ما يقتطع به حق امرئ مسلم إلا إذا كانت فاجرة؛ لأنها إذا كانت برة ليست من حق المسلم أصلاً، تكون حقاً له، الكلام واضح وإلا ما هو بواضح؟

الشارح يقول: "ثم المراد باليمين -في الحديث الأول- اليمين الفاجرة، وإن كانت مطلقة في الحديث فقد قيدها الحديث الآتي، وهو قوله: ((من حلف على يمين، يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) مقتضى ذلك أنه لا بد من أن تلحق بالحديث السابق، وأن تعتبر، لكن إذا قلنا: إنه إذا اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه يمينه فاجرة؛ لأن حق المسلم محرم عليه، وهو في يمينه كاذب، فهي فاجرة، وإذا اقتطع حق المسلم بيمين برة ما استحق هذا الوعيد، ولا صار الحق المقتطع حق مسلم، صار حقه هو، فلا نحتاج إلى هذا القيد، وحينئذٍ نقول: إن التصريح بقوله: ((هو فيها فاجر)) هو فاجر على كلا الحالين ذُكر الفجور أو لم يذكر، نعم؟

طالب:.......

يعني حلف بناءً على غلبة ظنه، هل يجوز الحلف على غلبة الظن أو لا يجوز؟ وتبين خلاف الواقع.

الأعرابي الذي جامع في نهار رمضان، وقال: "والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا أو مني أو من أهل بيتي" قالوا: إنه حلف بناءً على غلبة ظنه، لا عن استقراء تام لبيوت المدينة، وجوزوا أخذاً من هذا الحديث الحلف على غلبة الظن، هذا حلف على غلبة الظن أن هذه العين له، ويحصل هذا كثير، تضع كتابك في مكانك تحجز به المكان وتذهب إلى أماكن الوضوء تجدد الوضوء وترجع، فإذا بشخص آخر وضع كتابه بنفس المكان نفس الطبعة ونفس التجليد واللون ومن كل وجه، وتحلف أن هذا كتابك بناءً على غلبة الظن، وحلفت، وقال: خلاص خذ الكتاب، لما ذهبت إلى البيت وجدت فيه تعليقات ليس بقلمك، وفي كتابك تعليقات ما وجدتها في هذا الكتاب، أنت لما حلفت بناءً على غلبة الظن هل أنت آثم تدخل في حديث: ((أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة)) ((ولقي الله وهو عليه غضبان)) أنت حلفت على غلبة الظن.

يبقى أن الحكم معلق فإن رددته إلى صاحبه خرجت من العهدة، وإن قلت: والله أنا حلفت وحكم لي به، وانتهى الإشكال.... عند قاضي حلفت، وقال: خذ الكتاب، يأتي في هذا ما تقدم ذكره من الخلاف بين الجمهور والحنفية.

الجمهور يقولون: إنه لا يحل له، إن حل له ظاهراً فلن يحل له باطناً، بل يلزمه أن يعيده إلى صاحبه، والحنفية يقولون على خلاف بينهم في المسألة يحل له ظاهراً وباطناً، وبعضهم يطلق، وبعضهم يستثني الأموال، فيقول: الأموال لا تحل له باطناً، وإن حلت له الفروج، مع أن هذا من الغرائب، يعني إذا حكم القاضي ببينة كاذبة أن هذا المال له على التفريق عندهم أنه لا يحل له المال، لكن إن حكم له بأن هذه المرأة زوجته تحل له؛ لأن المقرر أن الاحتياط للفروج أولى من الاحتياط للأموال، الفروج والأعراض يحتاط لها أكثر من الأموال، فيستغرب من الحنفية أن يشددوا في أمر الأولاد أكثر من أمر الفروج.

هذا الذي حلف على الكتاب بناءً على غلبة ظنه، ثم تبين أن الكتاب ليس له، هل هو فيها فاجر وإلا ليس بفاجر؟ هو في الحقيقة أثناء الحلف ليس بفاجر فيها، لكن إن استمر بعد أن تبين له حقيقة الأمر، دخل في الوعيد -نسأل الله السلامة والعافية-، وإن أخذه بحكم حاكم فيدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فإنما أقتطع له قطعة من نار)).

هذا يقول: أشكل علي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة)) مع أن اقتطاع حق امرئ مسلم بيمينه لا يصل إلى حد الكفر، ومعلوم أن جميع الذنوب دون الشرك تحت المشيئة، فكيف التوفيق؟

مثل هذا يقال: إنه محمول على من استحل ذلك، أو محمول على الزجر والتهديد والوعيد، ولا يراد به حقيقة التحريم المذكور، وهذا من نصوص الوعيد التي يقرر أهل العلم أنها تمر كما جاءت؛ لتكون أبلغ في الزجر، فلا تصل إلى حد الخروج من الملة بحيث يخلد في النار.

قال -رحمه الله-: "وعن أبى موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- أن رجلين اختصما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دابة ليس لواحد منهما بينة فقضى بها بينهما نصفين"، "فقضى بها بينهما نصفين" وهذا مثل الحديث السابق "عرض على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمن أيهم يحلف؟" هذه قرعة، وهنا قال في هذا الحديث -ذاك في البخاري- وهنا قال في الحديث: "أن رجلين اختصما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دابة ليس لواحد منهما بينة فقضى بها بينهما نصفين".

جاء رجل بناقة إلى السوق يقتادها، وقال: هذه الناقة وجدتها ولا أعرف صاحبها، فاجتمع عنده اثنان كل يقول: ناقتي، نتجت عندي، طيب البينة؟ ما عندي بينة، الثاني، كذلك ولا بينة عنده، قال: " فقضى بها بينهما نصفين" لأنهما مستويان في الموجب، استويا في الموجب، استويا في الوسيلة في الدعوى، فقسمت بينهما نصفين، وهناك أقرع بينهما، وهنا لم يقرع بينهما، ليس لديهما بينة، ليس لواحد منهما بينة، المفترض إيش؟ أن يعرض عليهما اليمين، إذا أسرعا في اليمين، وأراد كل واحد منهما أن يحلف فالحديث السابق يقول: "عرض على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمن أيهم يحلف؟" وهذا في البخاري، وفي الحديث اللاحق حديث أبي موسى: "فقضى بها بينهما نصفين" ولعل هذا إن صح لأن الحافظ يقول: وقال: إسناده جيد، نقلاً عن النسائي، إن صح يقال: صلح، نعم قضى بينهما صلح، قضى بينهما؛ لأنه معارض بما في البخاري، القضاء الذي في البخاري هناك أقوى "أمر أن يسهم بينهم" هذا القضاء وتقسم بينهما نصفين هذا الصلح، لكن لو وقف قال: أنا ما يكفيني النصف؟ لأن صاحبها الحقيقي إن قنع بالنصف صار صلح، وإن قال: لا، أنا لا أريد إلا نصيبي كامل، أنا أريد القضاء ما يكفيني النصف، أمر أن يسهم بينهم في اليمين، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

يباع فتقسم قيمته، هناك قسمة إجبار، وهناك قسمة اختيار، معروف في باب الشركة، نعم؟

طالب:.......

هنا يقول: "أن رجلين اختصما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دابة ليس لواحد منهما بينة، فقضى بها بينهما نصفين" على كل حال الذي في البخاري يختلف عن هذا "أسرعوا في اليمين فأقرع بينهم" هنا الكفة متساوية، وهناك الكفة متساوية فهل يقسم بينهما نصفين على ضوء هذا الحديث تبعاً لتساوي الأمرين بينهما؟ أو يقال: قرعة؟ والقرعة حل شرعي.

الذي دل عليه الحديث الأصح المخرج في البخاري القرعة، وفيها إلزام، والقسمة نصفين في هذا الحديث محمول على أنه صلح، لكن لو تشاحا قال: صاحبها الحقيقي أنا لا يكفيني النصف، لا أريد نصف، أنا ما يكفيني النصف، وصاحب الحق مثل هذا لا يكفيه، نعم؟

طالب:.......

نفس الشيء، نفس القضية.

طالب:.......

ويش هو؟

طالب:.......

كل واحد منهما مدعي ومدعى عليه؛ لأن العين ليست بيد واحد منهما، نقول: واحد مدعي وواحد مدعى عليه، لا، العين بيد ثالث، فكل واحد منهما مدعي تلزمه البينة، وكل واحد منهما مدعىً عليه فيلزمه اليمين؛ لأنه يدعيها لنفسه، وينكر دعوى صاحبه عليه، وحينئذٍ لو طُلب منهما البينة، وقال كل واحد: ليس لدي بينة، ثم طلبت اليمين من واحد منهما فحلف، والثاني نكل حكم بها للذي يحلف، ما فيها إشكال هذا، لكن كل واحد منهما حلف، فإما أن تقسم بينهما نصفين، أو يلجأ إلى القرعة، إذا لم يرضيا بالقسمة.

قال -رحمه الله-: "وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان".

هذا فيه تغليظ اليمين، والتغليظ قد يكون بالنسبة للمكان كما هنا، وبجوار الكعبة بين الركن والمقام، أو في المتلزم بين الركن والباب، وقد يكون في الزمان بعد العصر مثلاً، لا سيما عصر الجمعة، أو في رمضان المقصود أن هذا يسمى تغليظ الحلف.

قال: ((من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار)) ((بيمين آثمة)) إذا لم يحصل التغليظ ((لقي الله وهو عليه غضبان)) إذا اقتطع بها حق مسلم ((حرم الله عليه الجنة)) كما في الحديثين السابقين، هنا زيادة تغليظ ((من حلف على منبري)) منبر النبي -عليه الصلاة والسلام- ((بيمين آثمة)) تغليظ اليمين بعض الناس عرف أنه يتساهل في اليمين، ويسرع إليها، وكلما طلبت منه حلف، هل يشرع تغليظ اليمين عليه أو لا يشرع؟ من أهل العلم من يرى أنه إذا كان يردع هذا الشخص الذي يسرع إلى اليمين، ولا يتردد فيها التغليظ فإنه يغلظ عليه، ويلزم بالمكان الفاضل أو الزمان الفاضل، أو يلزم بالدعاء على نفسه، أو يفتح المصحف كما يقول بعضهم، فيكون الأمر بالنسبة إليه أشد، وبعض الناس ينزجر إذا غلظ عليه اليمين، وكل على مذهبه وطريقته فيما يعظمه، فإذا غلظ عليه بما هو عظيم عنده ارتدع.

قد يقول قائل: كيف يؤمر بالحلف بمعظم غير الله -جل وعلا-؟ نقول: لا يجوز للقاضي أن يحلّف بغير الله -جل وعلا-؛ لأن الحلف بغير الله شرك، لكن قد يدرج في يمينه بالله -جل وعلا- جملاً يهابها الحالف، شخص من الذين يعظمون البقر ادعي عليه، فأنكر، فطلب منه اليمين يحلف، ما يتردد؛ لأنه كما قال في حديث القسامة يهود يعني يحلفون ما عندهم إشكال، فقال له القاضي بعد أن وضع السكين في يده، فقال: قل: ورب البررة، ربهم الله -جل وعلا-، ما في إشكال، مهلك الفجرة، هو الله -جل وعلا-، فاليمين بالله، ورب البررة مهلك الفجرة لئن كان صادقاً لآخذن هذه السكين وأذبح البقرة، قال: يمين يحلف، بقرة ما يذبح، هذا نوع من التغليظ، فهل يسوغ مثل هذا أو لا يسوغ؟ هو ما ارتكب محظور، القاضي ما ارتكب محظور، الحلف بالله -جل وعلا-، إما أن يحلفه بمعظم عنده فلا يجوز بحال؛ لأن بعضهم قد يلجأ إلى التحليف بالطلاق، إن كنت كاذباً فامرأته طالق، لا يجوز، ولا شيء أعظم من الله -جل وعلا-، تعليق الطلاق بمثل هذه الصور يسميه أهل العلم الحلف بالطلاق، لكنه ليس من الحلف الذي فيه الشرك؛ لأنه ليس فيه حرف من حروف القسم، لكن يسمونه يمين أو حلف باعتبار أنه يلزمه فيه كفارة اليمين؛ لأن القصد منه الحث والمنع مثل اليمين.

التغليظ بالنسبة للزمان بعد العصر، وقالوا: ليلة الجمعة، وأولى من ذلك عصر الجمعة الذي فيه ساعة الاستجابة، وأيضاً في المواسم، في عشر ذي الحجة، في الأشهر الحرم، كل هذه فيها نوع تغليظ، فإذا كان الحالف، أو من أراد الحلف يسهل عليه أن يحلف بالله كاذباً، ويصعب عليه أن يحلف بين الركن والمقام مثلاً يخشى من العقوبة، أو يحلف على المنبر كما في هذا الحديث: ((من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار)) منهم من يقول: إن التغليظ هذا لا أثر له، العبرة بالحلف بالله -جل وعلا-، وهذا هو المطلوب ((اليمين على من أنكر)).

ومنهم من يقول: إن التغليظ إذا كان يجدي في كف المدعى عليه عن اليمين الكاذبة؛ لأنه إذا كان صادقاً مهما غلظ عليه اليمين لا ضير عليه ولا إثم، إذا كان محق في إنكاره ما يمنعه أن يحلف على المنبر، أو بين الركن والمقام، أو عصر الجمعة، لكن إن كان كاذباً ويزدجر ويمتنع يرى بعض أهل العلم أنه تغلظ عليه اليمين.

قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم))" الحصر في ثلاثة، الأسلوب ليس فيه حصر، ولا يدل على أن هذا الحكم خاص بهؤلاء الثلاثة؛ لأنه جاء.. ما أوصلهم بعض أهل العلم إلى عشرة، قيل فيهم: ((لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم)) بخلاف الحصر في حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) هذا حصر، ومع ذلك جاء في نصوص صحيحة صريحة أنه تكلم غير الثلاثة، وصلوا إلى سبعة.

الأسلوب الذي معنا ليس فيه حصر ((ثلاثة لا يكلمهم)) وأيضاً رابع وخامس إلى عاشر، ما في إشكال، لكن الإشكال في أسلوب الحصر، وهو في الصحيح ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) يقول أهل العلم: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أول الأمر بالثلاثة، ثم زيد عليهم فيما بعد، خلافاً لمن أساء الأدب من الشراح فقال: في هذا الحصر نظر، المسكين هذا ينظر في كلام من؟ في كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، هذا إن كان يعي ما يقول فهي هفوة عظيمة، موبقة، -نسأل الله السلامة والعافية-، وإن كان جرى على لسانه من غير روية فهذه غفلة.

على كل حال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) من هم؟ ((رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل)) لا يجوز له أن يمنع ابن السبيل من الماء المشاع الذي الناس شركاء فيه، الناس شركاء في مثل هذا الماء المشاع، لكن لو نقله، وتعب عليه، وأحرزه، وعباه في أواني، وحازه إلى رحله صار ملكاً له، وما دام بالفلاة لا يجوز له أن يمنعه من ابن السبيل.

((ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه، وهو على غير ذلك)) تبيع هذه السلعة؟ قال: نعم، كم؟ والله أنا دافع فيها ألف، بعد العصر، والله إني دافع فيها ألف، كم يكفيك مكسب؟ يكفيني مائة، وهو شاريها بخمسمائة، يدخل ((ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه، وهو على غير ذلك)) بعض الناس يتساهل في اليمين في البيع والشراء، وهذا هو المنفق سلعته باليمين، وجاء الوعيد فيه، وإن كان صادقاً، فكيف إذا كان كاذباً؟!

((ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا)) ما بايعه لأن البيعة عليه واجبة، وأن الإمامة من فرائض الدين، لا يبايع هذا الإمام إلا طعماً فيما عنده، ((فإن أعطاه منها وفّى)) له، ومدحه، وأطاعه فيما يأمر، وانتهى عما ينهاه عنه ((وإن لم يعطه منها لم يف)) وهذا كثير في الناس، كثير في الناس أمور الدنيا تسيرهم، وتسير عواطفهم ومشاعرهم، تجد إذا جاء مكرمة أو زيادة أو شيء من أمور الدنيا تلهج الألسنة بالثناء، ويقر في القلوب التعظيم، وامتثال الأوامر، وقال ولي الأمر، وفعل ولي الأمر، لكن إذا حصل خلاف ذلك ويش واقع الناس؟ ويش يتحدثون به الناس في المجالس؟ وهذا يدخل في الحديث.

((ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه منها وفّى، وإن لم يعطه منها لم يف)) وهذا واقع كثير من الناس، همه الدنيا، لا يهمه انتظام أمور الناس، وحقن دمائهم، وحفظ أموالهم، لا يهمهم هذا، يهمه مصلحته الخاصة، إن أعطي من هذا المال، خذ من الثناء والمدح والتعظيم والائتمار بالأمر، والانتهاء عند النهي، والمجالس تعج بمثل هذا، وتجدهم في المناسبات التي يحصل فيها الزيادة والنقص شوف ماذا يقول الناس إذا زيدت رسوم أي منفعة من المنافع، رسوم الماء، أو رسوم الكهرباء، أو رسوم البنزين، أو رسوم..، أي منفعة من المنافع، ماذا يقول الناس؟ تجد ولاءه لهذا الإمام لهذا الأمير الذي بايعه ثابت قبل وبعد وإلا أقل؟ أقل، وإذا علم عن زيادة عشرة بالمائة أو شيء من هذا؟ يزيد؟ يزيد الولاء للإمام وإلا ما يزيد؟ يعني اختبر نفسك، أنت تبايع هذا الإمام؛ لأن الإمامة من فرائض الدين، ولا بد من نصب الخليفة الذي يحكم بين الناس، نعم عليه واجبات، عليه حقوق، أنت تؤدي الذي عليك بغض النظر عما عليه، تسأل الله -جل وعلا- الذي لك، لكن الذي عليك لا بد أن تؤديه، واختبر نفسك، هذا حال كثير من الناس، الامتحان صعب؛ لأن المال حلوة خضرة، يعني عمر بن عبد العزيز -رحمة الله عليه- من سياسته أنه إذا أراد أن يلزم الناس بأمر من أمور الدين أدخل معه شيء مما يحتاجه الناس من أمور الدنيا، هذا الصدر الأول، يعني ما هو..، كيف بالأزمان المتأخرة حينما صارت مؤاخاة الناس وموالاتهم ومعاداتهم على أمر الدنيا؟!

فعمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يأطر الناس على حق من أمور الدين أضاف إليه شيء من أمور الدنيا، ليتلقاه الناس بالقبول، والله المستعان.

قال -رحمه الله-: "وعن جابر -رضي الله عنه- أن رجلين اختصما في ناقة، فقال كل واحد منهما: نتجت عندي، وأقاما بينة، فقضى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن هي في يده" كل منهما أقام بينة هذا أحضر بينة، وهذا أحضر بينة، في الأحاديث السابقة ما في بينة، فيه أيمان، في هذا الحديث كل منهما جاء ببينة، هذا الحديث رواه الدارقطني وإسناده ضعيف، نفترض مسألة على ضوء هذا الحديث حصلت عند قاض من القضاة، ناقة ومثلما قلنا: جاء بها شخص إلى السوق فقال: وجدتها خارج البلد، وجئت بها إلى السوق لعل صاحبها أن يجدها، فجاء زيد من الناس قال: هذه ناقتي نتجت عندي، جاء عمرو: هذه ناقتي نتجت عندي، طيب يا زيد عندك بينة؟ قال: نعم، جاء ببينة، عمر عندك بينة، جاء ببينة، ماذا نصنع؟

هنا تأتي بينة الداخل وبينة الخارج، ويأتي الخلاف بين الحنابلة والجمهور، فالحنابلة يقدمون بينة الخارج، والجمهور يقدمون بينة الداخل.

في هذه الصورة في الحديث هي بيد شخص؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث -المعروف ضعفه- قضى بها لمن هي في يده، فهذا الحديث يؤيد قول الجمهور، وأن بينة الداخل مقدمة على بينة الخارج خلافاً لقول الحنابلة.

"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رد اليمين على طالب الحق" وهذا أيضاً رواه الدارقطني، وفي إسناده ضعف كسابقه، إلا أن الحافظ لما ذكر الحديثين قال: رواهما الدارقطني، وفي إسنادهما ضعف.

ومسألة رد اليمين على المدعي مسألة خلافية بين أهل العلم، وأشرنا إليها سابقاً من قول الإمام مالك -رحمه الله-: "لا أعلم أحداً قال برد اليمين على المدعي".

المدعي ما عنده بينة، طُلب اليمين من المدعى عليه فنكل، هل يحكم عليه بمجرد النكول أو يرد اليمين على المدعي؟

يقول الإمام مالك: لا أعلم أحداً قال برد اليمين، وذكرنا سابقاً أن قضاة العصر، عصر الإمام مالك ابن أبي ليلى وابن شبرمة وغيرهما يقولون برد اليمين، وعلى كل حال الحديث فيه ضعف.

قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم مسروراً، تبرق أسارير وجهه، فقال: ((ألم تري إلى مجزز المدلجي؟))" الأسارير هي الخطوط في الجبهة، أحياناً إذا تكدر الإنسان أو غضب أو حصل له شيء من يجرحه يقطب جبينه، وبضده إذا حصل له شيء يسيره، فإنه تبرق أسارير وجهه، وعلامات السرور تبدو واضحة على وجهه.

النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل على عائشة يوماً من الأيام مسروراً تبرق أسارير وجهه، لماذا؟ فقال: ((ألم تري يا عائشة إلى مجزز المدلجي؟)) وهو من القافة، قائف، ((نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد)) زيد بن حارثة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وابنه أسامة بن زيد ((فقال: هذه أقدام بعضها من بعض)) لماذا؟

أولاً: الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحب زيد بن حارثة ويحب أسامة، فأسامة حبه وابن حبه، والناس يتكلمون في انتساب أسامة إلى زيد، يتكلمون، لماذا؟ لأن زيد أبيض اللون، وأسامة شديد السواد، ويطعنون في نسبه، ولا شك أن الطعن في نسب من تحب إساءة إليك، ويغيظك مثل هذا، فإذا وجد من ينفي من أهل المعرفة والخبرة لا شك أن مثل هذا يسرك.

((ألم تري يا عائشة إلى مجزز المدلجي؟ نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال: هذه أقدام بعضها من بعض)) هو لم ير الوجوه، ولا رأى الأبدان؛ لأنه لو رأى الوجوه، وعرف الشخصين، قد يقول قائل: إن هذا يريد إدخال السرور على الرسول -عليه الصلاة والسلام-، هما قد غطيا نفسيهما بقطيفة، ما يرى منهما إلا الأقدام، القائف يعرف أن هذه القدم لها صلة بهذه القدم، إذا كان خبير مثل مجزز المدلجي، ومثل وحشي بن حرب، قدم عليه عبيد الله بن عدي بن الخيار بعد جاز المائة من عمره، وعبيد الله كهل كبير في السبعين من عمره، عبيد الله متلثم، ومعه شخص فذهبا إلى حمص لينظرا إلى وحشي بن حرب قاتل حمزة وقاتل مسيلمة، لما وقفا عليه قال: أنت ابن عدي بن الخيار؟ ففك اللثام عن وجهه قال: نعم، وما يدريك؟ قال: رفعتك إلى أمك وهي على جمل وأنت في المهد، عرف القدم، كم؟ هذا قبل سبعين سنة الكلام، هل الرجل تبقى سبعين سنة على هيئة واحدة؟ هناك أهل خبرة.

مجزز هذا من أدق الناس في القيافة، وعرف هذه الرجل السوداء أنها خرجت من هذه الرجل البيضاء "هذه الأقدام بعضها من بعض" ويستدل أهل العلم بشرعية الإلحاق في النسب بالقيافة، إذا ادعى أكثر من واحد ولداً، كل منهم يدعيه، إن وجد الفراش فالولد للفراش، هذا حكم شرعي، إذا عدم، ما يدرى ولد على فراش من؟ فيحضره القافة.

قد يؤتى ببعض القافة من أجل إلحاق ولد لأحد اثنين يدعيانه، وجاء ذكر يعني في بعض القصص، وألحقه بهما، قال: الولد لهما، كيف يكون ولد لاثنين؟! فجيء بالأم فأخبرت أن الثاني وقع عليها بعد الأول، مع أن الأطباء ينفون أن يكون التلقيح بين الحيوان وبين البويضة، بأكثر من حيوان، بل بحيوان واحد منوي لبويضة واحدة، وانتهى الإشكال، ومقتضى ما قاله هذا القائف أنه لهما أن الولد وإن تلقح بماء الأول قد يستفيد من ماء الثاني، وقد يدل لهذا حديث: ((لعن الله من سقى ماءه زرع غيره)) ما يدل على أن الولد قد يستفيد من ماء الثاني مثل الزرع، والأطباء ينفون هذا.

طيب اختلف قول القائف مع الأطباء من المقدم؟ القافة والقيافة حل شرعي، أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفرح بذلك فرحاً شديداً، واعتمدها أهل العلم، لكن إذا اختلف قول القائف مع الأطباء؛ لأن الأطباء يقررون أمور بآلاتهم وأدواتهم خلاف ما كان معروفاً في السابق، ويتوصلون إلى دقائق ما عرفها المتقدمون،

المقصود أنها من مسالك الشرع في الإثبات، هل نقول: إنها مجرد قرينة وإلا دليل؟ هاه؟

طالب:.......

المقصود أنه ثبتت البنوة بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا القائف، قد يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عنده أدنى تردد في نسبة أسامة لأبيه زيد، لكن أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينتفي بذلك هذا الشك الذي وجد عند الناس.

وجاء رجل يشتكي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ولده جاء على غير لونه، وقال له -هذا في الصحيحين- قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هل لك من إبل؟)) قال: نعم، قال: ((ما ألوانها؟)) قال: كذا، قال: ((هل فيها من أورق؟)) قال: نعم، قال: ((من أين جاءه هذا اللون؟)) قال: لعله نزعه عرق، قال: ((ولدك لعله نزعه عرق)).

بعض الناس يتصرف تصرفاً محرماً خشية العار، وهذه قصة واقعة شخص شديد البياض، وتزوج بامرأة شديدة البياض أيضاً، ودخل بها وهو صاحب تجارة لما قربت الولادة سافر لتجارته، فلما ولدت ولدت ولداً أسود، فاجتمعت عليه وتشاورت مع أمها وإخوانها فتخلصوا منه، يعني قتلوه؛ لأن ما أحد يبي يقبل هذا الولد بين هذين الأبوين، جاء الأب من السفر قالت: ولدك..، جاءك ولد ومات، تكررت القصة مرة ثانية وسافر، نفس اللون، ما الذي حصل؟ بنفس الطريقة، لما جاءت الولادة الثالثة قال: لا بد أن أحضر، فجاءت بولد أسود، قال: لا إله إلا الله كأنه جدي، مثل هذه الأخطاء يمكن تصحيحها؟! يمكن أن تصحح مثل هذه الأخطاء؟! ما يمكن خلاص، قتلوا نفس معصومة -نسأل الله العافية-، فقال: لعله نزعه عرق، قال: ((وابنك هذا لعله نزعه عرق)) فالشك في الأنساب بمجرد الألوان هذه لا شك أنها من وساوس الشيطان، وإذا تكلم بها أو فعل هذا ارتكب محرماً بلا شك، والأمر المقرر أن الولد للفراش، وللعاهر الحجر.

إذا لم يوجد فراش كما في هذه القصة أو جهل الفراش فالقيافة.

هناك أيضاً وسائل نتائجها قريبة جداً من القطعية يحكم بها على أنها قرائن، لا على أنها أدلة قطعية يحكم بها، هاه؟

طالب:.......

كل هذه القرائن، كلها قرائن عند الأطباء قرائن، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتاب التعق الذي يلي هذا فيه تسعة عشر حديثاً، ولن نستطيع إكماله في درس الغد، فلعل درس الغد يكون بين العشائين، ويكون إجابة على الأسئلة؛ لأن الأسئلة كثيرة جداً؛ لأننا لا نستطيع أن نشرح من كتاب العتق سبعة أحاديث وثمانية، ويبقى عشرة أو اثنا عشر صعبة هذه؛ لأن الدورة اللاحقة بعيدة ليست قريبة، فتشتيت أحاديث الباب الواحد وبعضها مرتبط ببعض هذا لا يصلح.

فيكون درس الغد -إن رأيتم- أن يكون بين العشاءين؛ لأنه محصور الطرفين، إذا لم يكن فيه مشقة على الإخوان، وإلا فالأصل كما في الجدول المعلن بعد العشاء، فماذا ترون؟ هو يكون إجابة عن الأسئلة -إن شاء الله تعالى-، الأسئلة المتوفرة، والأسئلة التي ترد، فسوف يكون إجابة، فإن رأيتم أن يكون بين العشاءين إن كان أرفق بكم، وإلا فبعد صلاة العشاء، فماذا ترون؟

طالب:.......

شوف الإخوان؛ لأن بعضهم يأتي من مائة كيلو أو أكثر، هذا واحد، غيره؟

طالب:.......

بعد العشاء؟

وبقيت يا الإخوان؟

 

بعد العشاء، بعد العشاء بقاء ما كان على ما كان.

"
هذا يقول: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بيمين وشاهد، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، وقال: إسناده جيد، يقول: لماذا قال الحافظ: إسناده جيد مع أنه أخرجه مسلم؟

الذي قال إسناده جيد النسائي، وليس الحافظ، الحافظ لا يقول هذا في أحاديث الصحيحين إطلاقاً، لكن النسائي لما أخرج الحديث قال: إسناده جيد، والنسائي يتحدث عن روايته لا عن رواية مسلم.