كتاب بدء الوحي (089)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا يقول: لو بيَّنتم مُراد صاحب "زاد المستقنع" عند قوله: وتستحبُّ زيارة قبرِ النبي–صلى الله عليه وسلم- وقبري صاحبيه، مع أنه ساق هذا بعد الانتهاء من صفةِ الحجِّ.
معلوم أنَّ المتأخرين من فقهاء المذاهب يرون مثل هذه الزِّيارة، وهذا معروف ومستفيض عندهم، ويستدلِّون بأحاديث ضعيفة وأخرى موضوعة، بل حكم عليها جمعٌ من الحفَّاظ بأنَّها لا تثبتُ، ولا أصلَ لها؛ لأنهم يقرنون هذا بالحج «من حج فلم يزرني فقد جفاني» يستدلون بمثل هذا الحديث، مع أنه لا أصل له، وجاء في معناه أحاديث، لكنها كلها في غاية الضُّعف لا تقبل الانجبار، بحيث يقال: إنها يمكن أن ترتقي، لا، كلها ضعيفة، وهذه المسألة كتِبَ فيها مؤلَّفات وردود فكتَبَ السُّبكي فيها: "شفاء السقام" ورُدَّ عليه من قبل شيخ الإسلام، ومن قبل ابن عبد الهادي، وفي المسألة ردود كثيرة.

 المقصود: أن مثل هذا يستدلُّ بهِ الفقهاء من المتأخرين –متأخري المذاهب- وليس فيها ما يدل؛ لأنَّها لا تثبت، ولا يجوز الاستدلال بها؛ لأنها ليست بصحيحة. كثير من الحفاظ حكم عليها بأنها موضوعة، فكيف يستدل بها على استحباب مثل هذا الحكم؟ بل أهل التحقيق يرون أن الزيارة للمسجد، وشد الرحل إنما هو من أجل المسجد، ثمَّ إذا وُجِد الإنسان بالمدينَة فلا يحتاجُ إلى شدِّ رحل، وزار النبي –عليه الصلاة والسلام- له أسوة بما فعل ذلك من الصحابة كابن عمر وغيره، مع أنه لو صلى على النبي –عليه الصلاة والسلام- وسلم عليه، ردت عليه روحه فيرد عليه من أي مكان كان.

المقصود: أن هذا ليس بغريب على متأخري الفقهاء الذين لا يعرفون صحيح السُّنة من سقيمها، لا يعرفون الصحيح من الضعيف ولا يميزون، فهم يستدلون بما يجدون، وهذا من صنيعهم، يعني: لا نقول: إنه يريد زيارة القبر بعد زيارة المسجد، لا، المسألة واضحة، والمسألة ينتصر لها من ينتصر، والسُّبكي يوالي ويعادي عليها، وشيخ الإسلام حُورب من أجلها، بل أودع السِّجن من أجلها، ومع ذلك صبر واحتسب وثبت، والعاقبة للمتقين.
ولا يُقال: إن الحنابلة يجيزون زيارة قبر النبي –عليه الصلاة والسلام- وشد الرحل، وأن الحاج إذا لم يزره كذا، لا، العبرة بالإمام، ليست العبرة بمتأخري المقلدة.
هذا يقول: لماذا نقول: إذا قال العيني قال بعضهم، إنه يتعقب ابن حجر، في حين أن ما قاله ابن حجر قد يكون قاله مَن قبله من الشراح مثل القسطلاني؟
القسطلاني ليس قبل ابن حجر، القسطلاني متأخر عن ابن حجر وعن العيني، وكتابه يكاد أن يكون ملخصًا من الكتابين، ابن الملقن نعم، قبل ابن حجر، الكرماني قبله، وقد يتفق معهم ابن حجر على هذا القول، لكن العيني يتقصَّد ابن حجر، فهو يستعير ما ينجزه ابن حجر من الشرح، وينقل منه بالصفحات، وإذا رأى ما يُلاحظ، قال: قال بعضهم، وإلا ما يقول قال بعضهم وما قال فلان ولا شيء  تجد النقل بالصفحة والصفحتين بالحرف، ثم إذا وجد فرصة أو ثغرة يمكن أن يلج من خلالها قال: قال بعضهم، ثم يرد عليه. هذا معروف و"انتقاض الاعتراض" موجود، يعني ابن حجر رد على العيني في هذه "الاعتراضات"، وقد يكون الحق مع العيني، يعني لا ننتصر لابن حجر على أساس أنه ابن حجر، لا، نعرضُ الأقوال، قول ابن حجر، وتعقُّب العيني، ويحصل الإنصاف –إن شاء الله تعالى-.
طالب:....
نعم.
طالب:....
على عزم أيش؟
طالب:...
هذا موجود في كلام أهلِ العلم، النَّقل موجود، الآن لو تقارن بين "الشرح الكبير" و "المغني"، "المغني" على "الخرقي"، و"الشرح الكبير" على "المقنع"، كم تجد نسبة ما زاده "الشرح الكبير" على "المغني"؟ ولا خمسة بالمائة، بالحرف ينقل عشر صفحات متوالية، ولولا اختلاف الكتابين فلعلنا ما نجد فرقًا، لكنَّهُ -يعني صنيع صاحب "الشرح الكبير"- أفادنا كثيرًا؛ لأن مسائل "الخرقي" أقل بكثير من مسائل "المقنع"، ومسائل "المقنع" تلتقي كثيرًا مع مسائل "الزاد"، الذي هو فرعٌ منه، ومعوَّل التَّفقُّه في هذا البلاد على "الزاد"، فنستفيد من "الشرح الكبير" في دراسة "الزاد".
يقول: تختلف قصة ابن الناطور عن قصة أبي سفيان من وجهة الدلالة على نبوة محمد–عليه الصلاة والسلام- فلماذا تُذكر قصة ابن الناطور في حديثٍ منفصلٍ عن قصة أبي سفيان، وتذكر بسندها؟ وهل إردافها لقصة أبي سفيان من وضع البخاري أو من صنيع الزهري –رحمه الله-؟
قصة ابن الناطور حينما قال وستأتي الآن، "وكان هرقل حزَّاءً ينظر في النُّجوم"، سيأتي التعليل، حتى إن بعضهم قد يقول يلاحظ على البخاري حينما يذكر هذه الأوصاف ولا يتعقبها،  لكن سيأتي سبب ورودها في الصحيح.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:
في الحديث الطويل، قال: "وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقلَ سقفًّا على نصارى بالشام، يحدِّثُ أنَّ هرقلَ حين قدم إيلياء أصبحَ يومًا خبيث النفس" يحدِّثُ أنَّ هرقل حين قدم إيلياء.

 يقول ابن حجر: "يعني في هذه الأيام، يعني في هذه الأيام وهي عند غلبة جنوده على جنود فارس" يعني  في الأيام التي حصلت فيها القصة "حين غلبة جنوده على جنود فارس، وإخراجهم، وكان ذلك في السَّنة التي اعتمر فيها النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- عمرة الحديبية"، يعني سنة سبع، "وبلغ المسلمين نصرةُ الرُّوم على فارِس، وبلغ المسلمين نصرةُ الرُّوم على فارس ففرحوا، وقد ذكر الترمذي وغيره القصَّة مستوفاةً في تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:3-4]، وفي أول الحديث، في الجهاد عند المؤلف إشارة إلى ذلك".

هذا الحديث المشار إليه المخرَّج عند الترمذي والنسائي في "الكبرى" والبخاري في "خلق أفعال العباد" والإمام أحمد، يقول الإمام أحمد -باعتباره أعلى إسنادًا وأقدم ممن ذكر معه- قال: "حدثنا معاوية بن عمرو، قال: حدثنا ابن اسحاق، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس –رضي الله عنهما- في قوله: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم:1-2]، قال: غُلِبَت وغَلَبت، غُلِبت وغَلَبت، قال: كان المشركون يحبُّون أن تظهر فارس على الروم". لماذا؟ "لأنهم أهل أوثان، يشاركونهم في عبادة الأوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنَّهم أهل كتاب، فذكروه لأبي بكرٍ فذكره أبو بكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فقال: «أما إنهم سيغلبون»، «أما إنهم سيغلبون»، قال: فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلًا، اجعل بيننا وبينك أجلًا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلًا خمسَ سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر للنبيِّ- صلى الله عليه وسلم-، قال: «ألا جعلتها إلى دون» قال: أُرَاه العشر". يعني لو قال له: سيغلبون في أقل من عشر سنين، ما قال خمس "قال سعيد بن جبير: البضع ما دون العشر، ثم ظهرت الروم بعد ذلك. ظهرت الروم بعد، قال: فذلك قوله تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم:1-2] إلى قوله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ} [الروم:3-4]، قال: يفرحون، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} قال: يفرحون بنصر الله". يحتاج إلى مثل هذا: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}، نعم، بأيش؟
طالب:....
بنصر الله، لماذا قال: الراوي قال يفرحون بنصر الله؟ ولو كمل {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ
ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ} وكفى، وإسناد الحديث صحيح على شرط الشيخين، ورواه في موضع آخر زاد فيه: قال: فذلك قوله تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّوم* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:1-4]، قال: فغلبت الروم، ثم غلبت بعدُ، قال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:4-5]، قال: يفرح المؤمنون بنصر الله، يعني قالها، وقد ذكرها في تمام الآية! ولفظ البخاري في "خلق أفعال العباد" قال: "ففرح المؤمنون بنصر الله".
"حين قدم إيلياء أصبح يومًا خبيث النفس، أصبح يومًا خبيث النفس" أي: رديئها غير طيبها مما حلَّ بهِ من الهمِّ وعبَّر بالنفسِ عن جملة الإنسان روحه وجسده؛ اتساعًا، وعبَّرَ بالنفس عن جملة الإنسان: روحه وجسده؛ اتساعًا لغلبةِ أوصاف الجسد على الرُّوح، قاله القسطلاني".
الآن يعبر بالنفس، والنفس مرادف للروح، " عبَّرَ بالنفس عن جملة الإنسان: روحه وجسده؛ اتساعًا لغلبة أوصاف الجسد على الرُّوح". كيف؟
طالب:....
البدن كامل بما فيه الروح، «ما من نفسٍ منفوسة»، يعني، لكن في قوله: "وعبَّرَ بالنفس عن جملة الإنسان: روحه وجسده؛ اتِّسَاعًا لغلبةِ أوصافِ الجسدِ على الرُّوح" أليس بالعكس؟
طالب:....
الجسد هو الظاهر، لكن عبَّر بالجسد أم بالنفس؟
طالب:....
عبَّر بالنفس التي هي الروح، فكيف يقول: اتساعًا لغلبة أوصاف الجسد؟ يعني: لو عبَّر بالجسد اتجَّه هذا الكلام، مع أن الأهم من الأمرين: الجسد أم الرُّوح؟ الروح، لماذا؟ لأنَّ الجسد لا قيمة له بلا روح، "هكذا قال القسطلاني، وفيه ما فيه، وقال الكرماني: خبيث النفس، أي: مهمومًا غير نشيطٍ ولا منبسط، خبيث النفس، أي: مهمومًا غير نشيطٍ ولا منبسط وهو ضد الطِيب، أو الطَّيِّب" وفي "التوضيح لابن الملقن": "خبث النفس: كسلها، وقلَّة نشاطها، أو: سوء خلقها".
يصح أن يقال: فلان خبيث النفس، لماذا، يعني يصف غيره أو يصف نفسه، النهي في وصف  النفس أو الغير؟
طالب:....
ماذا؟
طالب:...
نعم، الوارد في الحديث: وصفُ الَّنفس بالخبث، يقو ابن حجر: "وفي الصحيح: «لا يقولن أحدكم خبثت نفسي، كأنه كره اللفظ» والمراد بالخطاب: المسلمون، والمراد بالخطاب: المسلمون، وأمَّا في حق هرقل فغير ممتنع، وصرَّح في رواية ابن اسحاق بقوله: بقوله لهم أو بقولهم له: لقد أصبحتَ مهمومًا، بقولهم له: لقد أصبحت مهمومًا، فقال: له بعض بطارقته، قال النووي: هو قوَّاد ملوك الروم". البطارقة: هم قوَّاد ملوك الروم. "وخواص دولتهم، وأهل الرأي والشورى منهم، وهو بفتح الباء واحدهم بطريق بكسرها" فتح الباء بَطارقة. واحدهم: بِطريق، "بكسرها" وقال العيني: "وقيل البطريق: المختال المتعاظم، قيل البطريق: المختال المتعاظم" يعني: هل مشية البطريق فيها شيء من الخيلاء -البطريق الحقيقي- فمن يشبهه في مشيته يكون حينئذ مختالاً، قال: "وقيل: البطريق المختال المتعاظم، ولا يُقال للنساء".

طيب لو تخايلت وتعاظمت ما يقال بطريقة؟ قال: "ولا يقال للنساء". وفي "العباب" قال الليث: "البطريق: القائد، القائد بلغة أهل الشام والروم، فمن هذا عرفتَ أنَّ تفسير بعضهم البطريق بقوله: وهو خواصُّ دولة الروم، تفسيرٌ غير موجَّه". هذا كلام العيني في "العباب" قال الليث: "البطريق القائد بلغة أهل الشام والروم، فمن هذا عرفتَ أن تفسير بعضهم البطريق- ويقصد بذلك ابن حجر بلا ريب-  بقوله: وهو خواصُّ دولته، وهو خواصُّ دولة الروم، تفسيرٌ غير موجَّه"،  يعني لا وجه له، ومراده...
طالب:.....
أين؟
طالب:....
نعم، معروف.
طالب:....
مثل ما ذكرنا سابقًا، لكنَّه لا يتقصَّد هؤلاء ولا نقل عنهم في هذا الموضع، "ومراده ببعضهم– كالعادة ابن حجر- فإنه فسَّر البطريق بذلك". لكن ابن حجر أليس له مستند، ممن تقدَّمَهُ من أهلِ العلم، وفي كتبِ الغريب كذلِك؟ "قد استنكرنا هيئتَك، فقال بعضُ بطارقته: قد استنكرنا هيئتك".
طالب:....
نعم، لكن هم حرفوه.
طالب:.....
المهم أنَّه حتَّى ألقابهم العلميَّة فيها نوع شوب دنيا وتعاظم، وقيادة لهم، يعني..
"قد استنكرنا هيئتك، قال العيني: أي أنكرناها ورأيناها مخالفةً لسائر الأيام، والهيئةُ: السَّمتُ والحالةُ والشَّكل، وقبلَ ذلك قاله الكرماني بالحرف"؛ لأنَّ العَيْني أحينًا ينقل يعزو الكرماني، ولا عنده مشكلة، وأحيانًا ينقل عنه بالحرف بدون عزو، لكن لا يُعرف أنَّهُ صرَّح مرةً واحدة بابن حجر، وفي "المصباح": "الهيئةُ: الحالةُ الظَّاهرة، ويقال: هاء يهوء ويهيء هيأةً حسنة، إذا صار إليها، إذا صار إليها، وتهيَّأتُ للشيءِ، وتهيَّأْتُ للشيء: أخذتُ لهُ أُهبَتُهُ وتفرَّغْتُ لهُ، وهيَّأْته للأمر: أعددته فتهيَّأ، وتهايأ القومُ، تهايأ القوم تهايؤًا: من الهَيْئة، جعلوا لكل واحدٍ هيئة معلومة، والمراد: النوبة. وهايأهُ مهايأةً، وقد تبدل للتخفيف فيقال: هايَيْته مهاياةً. المهايأة تُذكر في الكتب في الفقه والشُّرُوح على أنَّها عقد من العقود يُسمى مهايأة، وهي قسمةُ المنافِع، قسمة المنافع، الفقهاء عرَّفوها، عرَّفوا المهايأة أنها: قسمةُ المنافع على التَّعاقبُ والتَّناوب، قسمةُ المنافع على التَّعاقبُ والتَّناوب، يعني: لو اشترك اثنانِ في شِراء بيت أو في شِراء سيَّارَة، في البيت قال: كلُّ واحد يسكن سنة، هذه تُسمَّى: مهايأة، وإن اشترى سيَّارة قال: كل واحد يستعملها شهرًا، تُسمَّى: مهايأة، مفاعلة، مثل: المُعاومَة، والمُسانتَة، ما معناها؟ تكون مدَّة العقدِ  عامًا أو سنة.

قال ابن النَّاطور:"وقال ابن النَّاطرو: وكان هرقل حزَّاءً ينظر في النُّجوم، كان هرقل حزَّاءً ينظر في النُّجوم". في شرح ابن بطال قال: "صاحب العين، حزا يحزو حزوًا: إذا كهَن، وحزِيَ يحزَى حزْيًا، وتحزَّى تحزِيَةً، حزَى يحزو حزْوًا، إذا كهَن، وحزِيَ يحزَى حزْيًا وتحزَّى تحزِيَةً، قال: صاحب العين". من صاحب "العين"؟ الخليل بن أحمد، أي الخليل؛ لأنه يوجد بهذا الاسم: الخليل بن أحمد ستة.
طالب:....
الفراهيدي صاحب "العين"، وصاحب "العروض" اشتهر بالعروض"، يعني يشترك في الاسم واسم الأب مجموعة، وقد يشتركون في اللقب، الأخافش ثلاثة عشر أو أكثر، فنحتاج إلى تعيين من يُبهَم أو من يُهمَل منهم في كتبِ أهلِ العلم.
طالب:.....
الخليل بن أحمد فقط؟
طالب:....
خلاص، ما فيه شك، هو أشهرهم، لكن إذا قيل: الأخفش، هل ينصرف إلى الأكبر، أو إلى الأصغر، أو من اشتهر بالأوسط؟
طالب:....
الأوسط، ما اسمه؟ سعيد بن مسْعَدَة المجاشعي.
يقول النووي: "قوله: وكان حزَّاءً: هو بفتح الحاء وتشديد الزَّاي، وبالمد، ويُقال فيه: الحازي، وهو: المتكهِّن. الحازي، وهو: المتكَهِّن. وفي "التوضيح" لابن الملقِّن في "الصحاح": حزى الشيءَ يحزيه، حزى الشيء يحزيه ويحزوه: إذا قدَّرَ وخَرَص، مثل: حزَرَ".
طالب:.....
"حزى الشيءَ يحزيه ويحزوه: إذا قدَّره، وخرصه. والحازي: الذي ينظر في الأعضاء وفي حيلان الوجهِ يتكهَّن". ليقرأ الوجه يسمونه، أو يقرأ الكف. "والحازي: الذي ينظر في الأعضاء وفي حيلان الوجهِ يتكهَّن، وفي "المحكم": حزى الطير حزيًا: زجرها، حزى الطير حزيًا: زجرها. وفُسِّرَ بالحديث ذلك: بأنَّهُ ينظرُ في النجوم، كان حزَّاءً" ماذا بعدها في الحديث؟ "ينظر في النُّجوم، ويمكن أن يكون أراد بيان جهة حزوِهِ، ويمكن أن يكون أراد بيان جهة حزوِه؛ لأنَّ التكهُّن يكونُ لوجوهٍ منها ذلك". يعني: التكهُّن أوسع وأعم من الحزو، وفي "التهذيب" للأزهري، "قال الليث: الحازي: الكاهن. الحازي: الكاهن، تقول: حزى يحزو ويحزِي ويتحزَّى. قال ابن شُمَيل، قال ابن شُمَيْل: الحازي". ابن شميل أيش؟ النَّاظر بن شُمَيْل، يوجد شخص من المتأخِّرين اسمه الشَّبلي شُمَيْل الذي نصر نظرية دارون وألف فيها المؤلفات الكثيرة، هذا قبل مائة وزيادة، نظرية النشوء والارتقاء.
طالب:.....
نعم.
طالب:....
وقال ابن شُمَيْل: "الحازي أقلُّ علمًا من الطَّارِق، الحازي أقلُّ علمًا من الطَّارِق، يعني: الذي يطرق الحصا

لعمرك ما تدري الطَّوَارِقُ بالحصى

 

ولا زاجرة الطَّيْر ما الله صانع

"الحازي أقلُّ علمًا من الطَّارِق، والطَّارقُ كاد أن يكونَ كاهنَ، الطَّارقُ كادَ أن يكونَ كاهنًا، والحازي يقولُ بظنّ، والعائِفُ: العالمُ بالأمور، والعائفُ: العالمُ بالأمور، ولا يُسْتَعَاف إلَّا مَنْ وجرَّبَ وعرَف". يعني العائف والعيافة وزجر الطَّيْر، كلَّها من الأمور المحرَّمَة الشِّرْكيَّة، كيف يُقَال: العائفُ العالمُ بالأمور؟
طالب:.....
يعني على حدِّ زعمِهِ، إمَّا أن يُقال: على حدِّ زعمِه، أو أنَّ العارفَ بالأمورِ لشدَّةِ معرِفَتِهِ وتمامِ خِبْرَتِهِ يشبَّه بالعائِف، كما أنَّ الشَّخص البليغ الذي يُؤثِّر في السَّامِع يقال: ساحِر، فمثل هذَا العائِف العالِم بالأمور.
طالب:.....
أو أنَّهُ لتمام معرفَتِهِ يشبَّهُ بالعائف، كما أنَّ من تمام تأثير الشَّخص الفصيح البليغ صاحب البيان يُسمَّى ساحرًا، «إنَّ من البيانِ لسِحرًا».
طالب:....
نعم، ليسَ من تلقاءِ نفسِه، هذا ما يُسمَّى عالمًا، في الحقيقة الأمر لا يعرِف، لولا استفادتُهُ من هؤلاءِ الشَّياطين ما عرف، "ولا يُسْتَعَاف إلَّا مَنْ وجرَّبَ وعرَف، والعرَّاف: الذي يَشمُّ الأرضَ فيعرِفُ مواقِعَ المياه، ويعْرِفُ بأيِّ بلدٍ هو". يعني من شمِّ التُّراب يعرف في أيِّ بلد، وهل يُدْرك مثل هذا بالخِبْرة أو لا بُدَّ فيه من الاستِعَانة؟
طالب:.....
نعم، ولذلك يقول: "والعرَّافُ الذي يشمُّ الأرضَ فيعرفُ مواقِع المياه، ويعرف بأيٍّ بلدٍ هو". وهذا موجود، يعني: الدَّلالة على الأماكِن بتُرابِها معروف عندَ مَنْ كانَ له حاسَّة، وقَدْ يُوجد هذا في العُميَان أكثر من المبصرين، وهناك أمثلة، يعني إذا ضَاعوا وضلُّوا في الطَّريق، جاء هذا الشَّخص وشمَّ التراب، وقال: لا، يمين. فمثل هذا عندَ الجاهِل كِهَانَة، مثلُ هذهِ المعرَفة وهذه الخِبرة عندَ الجاهل: كهانة.
طالب:....
نعم!
طالب:.....
بلى، الخبْرَة، الخِبْرَة حقيقةً والدُّرْبَة على الشَّيء؛ تعطي شيْئًا عند من لا يُدركها ولا يُحيطُ بها، يشكُّ فيه، يشكّ. من هو؟
طالب:.....
ما النَّظ؟
طالب:.....
لا، لا، قوَّة حسيَّة، قوة حسية، وموجودة الآن، بعض النَّاسِ، يعني: مقابلة في الإذاعة مع واحد يُبصِر الشَّيء البعيد، يذكرُ عنه شخصيًّا أنَّهُ خرجَ في السُّوق يطلبُ فلانًا، قالوا: فلان لعله ليس موجودًا الآن، يمكن في المزرعة، وركِبَ السَّيارة ومعه واحد يقود السَّيَارَة، يقول: لما تبينَّا من البُنيان والمزرعة عشرة كيلو، قال له: ارجع ما هو بالمزرعة، ارجع، ارجع، الرجل ليس في المزرعة، بدليل أنّ المزرعة مغلقة بقفل من الخارج.
ماذا تقول؟
طالب:.....
هذا شخص معروف يعني، ويُستفاد منه في رؤيَةِ الأهلَّة، فيمن يرى النُّجوم، فيمن يرى النُّجوم.
طالب:....
المَرِيَّة، لا، ما هو بنظرهم بعيد، لكن بخبرتهم بالأثر، الذين هم: القافَة، خبرتُهم بالأثر.
طالب:....
نعم، هذا بالخبْرَة، يعني صاحب الإبل يعرف من دقائقها ما لا يعرفُهُ غيره، صاحبُ الغنم يعرف من خباياها ما لا يعرفه غيرُهُ، صاحبُ الكتب يعرف من عجائبها ما لا يعرفه.. يعني: كلٌّ ميسرٌ لما خُلِقَ له، وكثرةُ المعانَاة للشَّيء تُعطِيك خبرة، تجعل الشَّيْء بعض الأمور أمور مُذْهِلَة، لكن ما الإشكال؟ الإشكال في كَوْن بعض الحقائِق تلتبِس بالمحرَّم من التَّخييل، ومثل من السِّحْر، وشِبْهِه، وإذا اختلط هذا بهذا وجب منعُ الجميع؛ لأنَّه الآن يروَّج لبعض صورة السِّحر والكهانة باسم الدُّرْبَة والخِبْرَة، يسمُّونه: مُحْتَرِفًا.
طالب:....
يعني: محترف وجالس على الكرسي تراه بالسَّقف يدور، هذا محترف هذا؟ يعني يأتون بالسَّيَّارات، ويأتون إلى مكانٍ كالبِئْر، سيَّارة في قاعته، أو على سفحِهِ، ثمَّ يدور على الجِدار المُبْرَم هذا، ويقولون: محتَرِف! لا شكَّ أنَّ هذه استعانة، هذه استعانة، ولو قُدِّر أنَّ هُناكَ مُحْتَرفًا صحيح عندَه خفَّة، ويستطيع أن يبهرَ النَّاس يجب منعُه؛ لأننا إذا ما منعناه ما عرفنا الحقَّ من الباطِل، يدَّعي غيره أنه محترف وهو مستعين بالشَّياطِين، وبئسَ الاحْتراف، ولو ظهر من ذلكَ خفَّة وحذق، ثمَّ ماذا؟

هارون الرَّشيد جِيءَ له بشخص من هذا النَّوع، يرمِي الإبْرَة فتقَع واقِفَة في الأرْض، ثمَّ يرمي الثَّانية فتدخلُ في جَوْفها، في جُبِّهَا، في سَمِّهَا، ثمَّ يرمي الثَّالثة فتقع في ثُقْبِ الثَّانية، ثم يرمي الرَّابعة فتقع.. إلى المائة، خفَّة متناهية، لكن ما النتيجة، انظر الوالي الذي يقدِّر الأمور قدْرَها، قال: أعطوه مائة درهم واجلدوه مائة جلدة. صَحِيح هذا موهوب، لكن ثمَّ ماذا؟ صحيح والله ثم ماذا؟ ما الموهوب هذا؟ ما النتيجة؟ كثير من المَوْهوبين، الموهوبين تضيع مواهبهم، بل قدْ تكون وبالًا عليهم. والله المستعان.
قال أبو عبيد عن الأصمعي: "حذيتُ الشَّيْءَ أحذيه إذا خرصته وحذوته مثله، لغتان من الحاذِي، ومنه حذيْتُ الطَّيْرَ: إنما هو الخَرْص، وحزا، وحزا الشَّيْء يحزوه: رفعه. قال ابن هانئ، عن أبي زيد: حَزَوْنا الطَّير نحزوها حزوًا زجرناها زجْرًا، قال: وهو عندهم أنْ ينعقَ الغراب مستقبِل رجُل، ينعق الغراب مستقبلَ رجلٍ وهو يريدُ حاجة فيقول: هوَ خيْر، فيقول: هوَ خَيْر، فيخرُج، أو ينعُق مستدبرَهُ فيقول: هذا شرٌّ فلا يخرج، وإن سنحَ له عن يمينه شيءٌ تيمَّنَ بهِ، أو سنح عن يساره تشاءمَ به فهذا الحزو والزَّجْ.

 وفي "النِّهاية" لابن الأثير، لمجد الدين أبي السعادات؛ لأنَّه في بعض الكتب يقولون: قال أبو السَّعادات، يريدون بذلك ابن الأثير، هذا كثير في الشروح المتأخرة، مثل: "عون المعبود" و"تحفة الأحوذي" وغيرهما، وفي "النهاية": "حزا، في حديث هرقل: "كان حزاءً"، الحزَّاء والحازي: الذي يحزو الأشياء ويُقدِّرُها بظنِّهِ" يعني: كالخارِص، "الحزَّاءُ والحازي: الذي يحزو الأشياء ويقدرها بظنِّهِ، يقال: حزوتُ الشَّيْءَ أحزوه وأحزيه، ويقال لخَارِصِ النَّخل: الحازي، وللذي ينظر في النُّجوم: حزَّاء، وللذي ينظر في النُّجومِ حزَّاء؛ لأنَّهُ ينظرُ في النُّجوم وأحكامها بظنِّه وتقديره فربَّما أصاب".
في قصة إبراهيم مع قومِهِ لمَّا أراد تكسِيرَ الأَصْنام، {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصَّافَّات:88-89]، هل يصحُّ التذرُّع بمثلِ هذا؟ أنَّه يموِّه على غيره، يقول: إنَّه سقيم وليس بسقيم، ويموِّه من أجلِ أنْ تقبل دعواهُ بأمرٍ لا يجوزُ، محرَّم، هذا في شَرْعِنَا، في شَرْعنا، هل للإنسان أن ينظر في النُّجوم؛ ليستدلَّ بها على حوادِث شخصيَّة أو عامَّة؟ لا يجوزُ ذلك، يعني: لو طُلِبَ من إنْسان شَيْء لا يُريدُه، ولنفترض أنَّه طُلب منه أمر محرَّم أن يُشارِك في شيء محرَّم، هل له أن يتحايل بمثلِ هذه الحيلة؟ أمَّا قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} من دون نظر في النُّجوم، هذا ما فيه إشكال؛ لأنَّ الحِيَل للتوصُّل إلى فعلِ الواجب أو تركِ المُحرَّم شرعية، السُّقم ما يسلم منه أحد، لكن: هل له أن ينظر في النجوم ليموِّه و..، من أجل أن يصدَّق؟
طالب:....
في شرعنا لا يجوز له أن ينظر في النُّجوم، لا يجوز له أن ينظر في النُّجوم؛ لأنَّ هذا الأمر مؤدَّاه إلى ما هو أعظم من المحرَّم الذي يُدعَى إليه، فلا يفرُّ الإنسان من محرم إلى ما هو أشد منه.
طالب:....
كلها في ذاتِ الله.
طالب:...
قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وقوله: سارة هذه أختي، وقوله: بل فعله كبيرهم.
طالب:...
نعم.
طالب:...
ما ردَّت، هو، هو، هو، هو اعتذر من ..
طالب:...
نعم، الله المستعان.
طالب:....
الحكمة من خلق النجوم كما قال قتادة وغيره، ثلاث، كما هو معلوم، {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات:6].
طالب:...
ورجومًا للشياطين، وهدايةً للنَّاس.
يقول ابن الأثير: "الحزَّاء والحازي: الذي يحزو الأشياء ويقدرها بظنِّهِ، يقال: حزوت الشيء أحزوه أحزيه، ويقال لخارص النخل: الحازي، وللذي ينظر في النجوم: حزَّاء؛ لأنَّه ينظر في النجوم وأحكامها بظنه وتقديره فربَّما أصاب".
ربما أصاب، أقول: هذا ضربٌ من المغامرة، قد يصيب وقد يخطئ، مثل ما لو قلت: جاء زيد وأنت ما عندك مستند ولا خبر ولا مخبِر، الاحتمال قائم أنَّه جاء، والأصل أنَّه ما جاء، لكن مثل هذا قد يصيب، ومثله مسترق السَّمْع، ومن يتعامل معه من الكُهَّان يُصيب مرَّة، ويكذب معها مائة كذبَة.
"ينظر في النُّجوم"، قال ابن حجر: "قوله: ينظرُ في النجوم، إن جعلتَها خبرًا ثانيًا صحَّ، إنْ جعلتَها خبرًا ثانيًا صحَّ؛ لأنَّه كان ينظرُ في الأمرَيْن". هذا على أساس أنَّ ينظر في النجوم غير حزَّاء، فيكون خبرًا بعد خبر، أُخبر عنه أولًا بأنَّه حزاء، ثم أُخْبِرَ عنه ثانيًا بأنَهُ ينظرُ في النُّجوم، "إن جعلتها خبرًا ثانيًا صحَّ؛ لأنَّه كان، لأنَّه كان ينظر في الأمرَيْن، وإن جعلت تفسيرًا للأولِ".
ما معنى حزَّاء؟ ينظر في النجوم. "وإن جعلتها تفسيرًا للأوَّلِ فالكِهانةُ تارةً تستندُ إلى إلقاءِ الشَّياطين، وتارةً تُستَفاد من أحكامِ النُّجوم، وكان كلٌّ من الأمرين في الجاهليَّةِ" يعني قبل بعثة النبي –عليه الصلاة والسلام-. "شائعًا ذائعًا، إلى أنْ أظهر الله الإسلام، إلى أن أظهر الله الإسلام فانكسرت شوكتهم، وأنكر الشَّرْعُ الاعتمادَ عليْهِم، وأنْكَرَ الشَّرع الاعتماد عليهم، وكان ما اطَّلَع عليه هرقل من ذلك بمقتضى حسابِ المُنجمين، وكان ما اطلع عليه هرقل من ذلك بمقتضى حساب المنجمين، أنَّهم زعموا أنَّ المولد النبوي كان بقران العلويين، كان بقران العلويين ببرج العقرب، وهما يقترنان في كلِّ عشرين سنةً مرَّة إلى أن تستوفي المثلَّثَةُ بروجها في ستين سنة، فكان ابتداء العشرين الأولى المولد النبوي في القران المذكور، وعند تمام العشرين الثَّانية مجيءُ جبريلَ بالوحي". لماذا؟
طالب:....
يعني كم بين ابتداء العشرين الأولى وانتهاء العشرين الثَّانية؟ أربعون سنة.
"فكان ابتداء العشرين الأولى المولد النبوي في القران المذكور، وعند تمام العشرين الثَّانية مجيءُ جبريلَ بالوحي وعند تمام الثَّالِثة فتحُ خيبر". يعني: بعد ستين سنة فتحت خيبر من عمره –عليه الصلاة والسلام-، عاش بعد خيبر كم؟ فيكون مجمل عمره –عليه الصلاة والسلام- ثلاثًا وستين سنة، "وعندَ تمام الثالثة فتح خيبر، وعمرةُ القضية التي جرت فتح مكة، وظهورُ الإسلام، وفي تلك الليلة رأى هرقل ما رأى".
طالب:.....
يأتي، يأتي.
قال: "ومن جملة ما ذكروه أيضًا: أنَّ برجَ العقرَب مائي، وهو دليلُ، وهو دليلُ ملِك القوم أو مُلْك القوم الذين لا يختتنون، فكان ذلك دليلًا على انتقال الملك إلى العرب، فكان ذلك دليلًا على انتقال الملك إلى العرب، وأمَّا اليهود فليسوا مرادًا هنا؛ لأن هذا لمن ينقل إليه الملك لا مَن انقضى ملكه، وأمَّا اليهود فليسوا مرادًا هنا؛ لأن هذا لمن يُنقل إليه المُلْك لا لمَن انقضى ملْكُه. يقول ابن حجر: فإن قيل: كيف ساغ للبخاري، كيف ساغ للبخاري إيرادُ هذا الخبَر المُشعر بتقوية أمرِ المنجمين والاعتمادِ على ما تدلُّ عليه أحكامهم؟"

 يعني كيف يسوق البخاري هذا الكلام من استدلال هرقْل على خروجِ النبي –عليه الصلاة والسلام- ودعوتِه إلى الإسلام؛ لأنَّه نظر في النجوم، فهو منجم، كيف يستدلُّ بكلام منجم؟  "فإن قيل: كيف ساغ للبخاري إيرادُ هذا الخبَر المُشعر بتقوية أمرِ المنجمين والاعتماد على ما تدلُّ عليه أحكامهم؟ فالجواب أنَّه لم يقصد ذلك، بل قصد أن يبين أن الإشارات بالنبي –صلى الله عليه وسلم- جاءت من كلِّ طريق، وعلى لسانِ كلِّ فريق من كاهنٍ أو منجمٍ، من محقٍّ أو مُبْطِل". يعني: كما بشَّرت به الأنبياء، كما بشَّرت الأنبياء بالنبي –عليه الصلاة والسلام- وهم محقُّون بما جاءهم عن الله –جلَّ وعلا- بشَّر به أهلُ الباطل من المنجمين والكهَّان، "فالجوابُ أنَّه لم يقصد ذلك، بل قصد أن يبين أنَّ الإشارات بالنبي –عليه الصلاة والسلام- جاءت من كل طريق، وعلى لسانِ كلِّ فريق من كاهنٍ أو منجمٍ، من محقٍّ أو مُبْطِل، إنسيًّ أو جنيّ، وهذا من أبدعِ ما يشيرُ إليه عالم، أو يجنحُ إليه محتج".

يعني: إذا أردت أن  تسدل لمسألة، تستدل لمسألة أنتَ بحثتها ووصلت فيها إلى نتيجة وألَّفتَ فيها فإنَّك تُجلِب على هذه المَسْألة بكلِّ ما أوتيت من أدلَّة وبراهين؛ لتُؤيِّد به دعواك على أنَّ القول الصَّائب في هذه المسألة: كذا، "وهذا من أبدع ما يشير إليه عالم أو يجنح إليه مُحتجّ، وقد قيل: إن الحزَّاء، هو: الذي ينظر في الأعضاء، وفي خِيلان الوجه، فيحكمُ على صاحبها بطريقِ الفِرَاسة، وقد قيل: إن الحزَّاء، هو: الذي ينظر في الأعضاء، وفي خِيلان الوجه، فيحكمُ على صاحبها بطريقِ الفراسة، وهذا إن ثبت فلا يلزم منه حصره في ذلك، بل اللَّائق بالسياق في حقِّ هرقل ما تقدَّم".
واضح أنه كان حزَّاء وينظر في النُّجوم، ما ينظر في الوجوه، لكن مسألة النَّظر في الوجوه والكفِّ، أو الفنجان، أو غيره، لا شكَّ أنَّها ضربٌ من الكِهَانَة؛ لأنَّه ما ثبت لا بنصّ ولا بعادةٍ وقاعدةٍ مطَّرِدَة، أنَّ مَنْ وَجهه مستطيل أنه كذا، ومن وجهه مستدير كذا، أسمر، أبيض، هذه ما ثبت فيها شيء، حتَّى ولا التَّجربة تثبت ذلك، "ولا التَّجربةُ تثبت ذلك، قال ابن بطال: "ليس على البخاري، ليس على البخاري في إدخاله أحاديث عن أهل الكتاب، ليس على البخاري في إدخاله أحاديث، أحاديث عن أهل الكتاب هرَقْل وغيره، ولا في قوله: وكان حزَّاءً ينظرُ في النُّجوم"، لماذا؟ لأنه يحكي واقعًا، يحكي واقعًا، لما يُحكَى عن مخالِف، عن مشرك مثلًا أنَّهُ يعبدُ صنمًا، أو يذبح لجنِّي، أو لميت، أو ولي، أو لوثن، يحكيه مؤرخ من المؤرخين، وأنَّه يُفعل، أو أنَّه يُفعل عند قبر فلان كذا، هل يعني هذا أنه مقتنع، ذاك لا يلزم، لكن من باب النُّصْح -والدين النصيحة- ألَّا تمر مثل هذه المواقف دون تعليق، يعني: يلاحظ على كثير من المؤرخين بما فيهم من هو من أهل التحقيق أنه يذكر القبر وما يُفعَل حولَهُ وأنَّه يُزار، حتَّى يذكر أنَّهُ ترياق مثلًا، وهو معدودٌ في أهلِ التَّحقيق، هوَ يحكي واقِعًا من هذِه الحيْثيَّة لا يُحكَم عليه بأنَّهُ يزاول هذه الأمور، أو في حكم من يزاولها، لا، لكن مع ذلك قصَّرَ في نصيحةِ مَنْ يقرأ له، و «الدِّينُ النصيحة»، فالبخاري لمَّا ذكر هذه القصَّة وذكر فيها عن هرقل ما ذكر من التَّنْجِيم، وأنَّه كان حزَّاءً ينظر في النُّجوم، لا لوم على البخاري؛ لأنَّه يشرح واقِعًا.
قال ابن بطَّال: "ليس على البخاري في إدخاله أحاديث عن أهل الكتاب هرقل وغيره، ولا في قوله: كان حزَّاءً ينظر في النُّجوم حرج؛ لأنه إنما أخبرَ أنَّهُ كانَ في الإنجيلِ ذكْر محمد –عليه السَّلام- وكان مَنْ يتعلَّق قبل إسلامه بالنِّجابة، بالنِّجامَةِ ينذر بنبوته؛ لأنَّ علمَ النِّجامة كان مباحًا ذلكَ الوقت، فلمَّا جاء الإسلامُ منع منهُ، فلا يجوز لأحدٍ اليوم، فلا يجوزُ لأحدٍ اليَوم أنْ يقضيَ بشيءٍ منهُ". يعني: بمقتضى التَّنْجيم.
طالب:....
يخطُّ، ماذا فيه؟
طالب:....
هذا  في عهده، في شرحِهِ وما يُدرَى ما يخطُّ، فمن وافقَ خطه خطه، إلى آخره كما هو معلوم.
طالب:....
نعم؛ لأنَّ هذا متعلِّق بالعقائد، والعقائِدُ لا يدخلها النَّسْخ، يعني: هل كان مباحًا إباحة شرعيَّة بحيث تُنسب إلى الأديان السَّماوية، أو أنها إباحة تعارف النَّاسُ عليها من غير نكير؟
"فلما جاء الإسلام منع من ذلك، فلا يجوز لأحدٍ اليومَ أنْ يقضيَ بشيءٍ منهُ وكانَ علمُ النُّجومِ قبل الإسلام –على التظنين، والتبحيث- يصيبُ مرَّةً ويُخطئُ كثيرًا". لماذا؟ لأنَّه لا يستندُ إلى دليل، ولا يعتمدُ على بُرهَان فيحصلُ منه هذا وهذا، مثل: من يُخبِر بمَجيء زيد من غيرِ دليل، ولا أخبَرَه مُخبر أنَّ زيدًا قدِم، الاحتمال قائِم أنَّهُ قدم، والاحتمال الآخر وهو الأصل أنَّه لم يقدِم.
"يصيب مرَّةً ويخطئ كثيرًا، فاشتغالُهم بما فيه الخطأُ الغالِب، فاشتغالهم بما فيه الخطأُ الغالبُ ضلالٌ، فبعث الله نبيَّه محمدًا –صلى الله عليه وسلَّم- بالوحْيِ الصَّحيح ونسخَ، ونسخَ ذلكَ العناء الذي كانوا فيهِ من أمرِ النُّجوم".
الذي يتتبَّع هذه الأمور ويبحثُ عَنْهَا، الذي يهتدي بها أو يستشفي بها لا شكَّ أنَّه في عنتٍ ومشقَّة، وانْظُر إلى حالِ هؤلاءِ الذِين يذهبُونَ إلَى الكُهَّان والعرَّافين مِنْ أجْلِ أنْ يخبروهم عمَّا ضلَّ مِنْ دوابِّهم أو أمتعتهم، أو يُخبرونَهُم، أو يفكُّون عنهم –على حدِّ زعمهم- ما ابتلوا بهِ من سِحر، تجدُ مثل هذا المِسْكين يتنازل عنْ كلِّ شَيْء، يتنازل عنْ كلِّ شَيْء، نعم السِّحْر مُصيبَة، وكارِثَة وقد تصل إلى حدِّ لا يُطاق، ومعَ ذلِك هو أهون من الشِّرْك بالله –جل وعلا- المقتضِي  للخلود في النَّار.

هناك صُوَر فيها ابتلاء لأهلِ التَّحقيق والتَّوْحِيد، صُوَر ولا يقتصر الابتلاء على مثلِ هذه الصُّورَة، يعني: لو أنَّ موظَّفًا متنفِّذًا متمكنًا جاءه من يعطيه رشوة مائة مليون، ما تتكرر في العُمْر، هذا الابتلاء، لكن يعطيه ألفًا أو ألفين هذا كله يستطيع دفْعها. شخص أُصِيب بالسِّحْر ومرارًا يقف في الطَّريق في السَّفَر ويُخرِج السِّكين ليذبحَ زوجته وأولاده، فأفتاه مَن أفتاه أن يذهب إلى ساحر يحلُّ عنه السِّحْر، وهكذا فعل، فانقلب صارت حياته انتهت المشاكل وانتهت، ولو قيل: إنَّه صار داعية الآن ما هو ببعيد، لكن هل مثل هذا يبرِّر له أنْ يتنازَل عن التَّوْحِيد، الدنيا كلها بحذافِيرها ما تعدِل الخلود، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48]، هي مصيبَة من المصائب، قدْ يخرج إلى مشوارٍ قريب فيحصُل له ما يحصل –حادث سيارة- ويبقى سنين عقود على ظهرِهِ لا يرى إلا بعينيه فقط، هذه بلوى أيْضًا، يصبر ويحتسب ولهُ الأجر العظيم والثَّواب من الله –جلَّ وعلا-.
وصل الأمر إلى أنَّ شَخْصًا حدثني بنفسه، إمام جامِع وحافظ للقرآن تزوَّجَ امرأة فلمَّا أرادها عَجِز عَنْها، فبحث، قالوا: أنت مسحور، طيب من يحلّ السِّحْر؟ لأنَّه يسمع –نسأل الله العافية- من يُسهِّل له هذا الأمر، من يحلُّ السِّحر؟ قالوا: فلان، أين؟ في العراق، راح للعراق، قال: أعطيني طاقيَّة وأعطني اسم أمك، وما أدري أيش، لما جاء من الغد قال: عجزت، ذهب لفلان بالبحرين، فقال له: أنت تزوجت في بلد كذا امرأة اسمها فلانة دخلت عليكم امرأة سوداء طوال معها طيب ورشَّت عليك من الطِّيب، وهذه هي القارورة –قارورة الطيب- ما الذي حصل؟ من هول مثل هذا التصرف، ما احتمله هذا الشَّخص الحافظ في الأصل وإمام جامع، قال: صدقت –نسأل الله العافية-، كفر بما أنزل على محمَّد،  هل تقوم الدنيا كلها، يعني: لو مات في محله، هل تقوم، هل تقاوِم هذه الكلمة؟ نسأل الله السَّلامة، الإنسان أحرص ما يكون على رأس ماله وهو التَّوْحيد، والله المستعان.
طالب:....
نعم.
طالب:....
أُوقف مدة، والآن ما أدري ما الأمر صائرٌ إليه. لعلَّنا نقف على كلام ابن بطَّال؛ لأنه كلام نفيس وفيه تكملة، نقول في هذا الباب لا تكاد توجد في مكان آخر.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.