شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (241)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى حلقةٍ جديدة ضمن برنامجكم "شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حيالكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.                

المقدم: في الحلقة الماضية، ابتدأنا في ترجمة حديث أبي موسى -رضي الله عنه-، لعلنا نستكمل ما تبقى أحسن الله إليكم. 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

انتهينا من الترجمة والرابط بين الحديث والترجمة، والآن معنا ألفاظ الحديث «جاء رجل»، قال ابن حجر: في رواية غندر في فرض الخمس، وستأتي الإشارة إليها، قال أعرابي: تأتي الإشارة إلى هذه اللفظة في أطراف الحديث، قال أعرابي...

المقدم: إن شاء الله تعالى.

إن شاء الله تعالى، وهذا يدل على وهم ما وقع عند الطبراني من وجهٍ آخر، عن أبي موسى أنه قال: يا رسول الله فذكره، فإن أبا موسى وإن جاز أن يبهم نفسه، لكن لا يصف بكونه أعرابيًّا، وهذا الأعرابي يصلح أن يفسر بلاحق بن ضميرة، وحديثه عند أبي موسى المديني في الصحابة من طريق عفير بن معدان، هناك فرق بين أبي المديني وأبي موسى الأشعري، مر بنا مرة في حديث العبادة في الهرج، «كهجرة إلي»، سئل: ما الهرج؟ قال أبو موسى: القتل، وأن بعض من علق على بعض الكتب ترجم لأبي موسى المديني، هذا متوفى سنة خمسمائة وزيادة، والمراد به اللفظ في الصحيح البخاري.

المقدم: نعم.

ولا شك أن هذه غفلةٌ شديدة، وهذا الأعرابي يصلح أن يفسر بلاحق بن ضميرة وحديثه عند أبي موسى المديني في الصحابة من طريق عفير بن معدان، سمعت لاحق بن ضميرة الباهلى، قال: «وفدت على النبي- صلى الله عليه وسلم- فسألته عن الرجل يلتمس الأجر والذكر، فقال: لا شيء له» الحديث، وفي إسناده ضعف، وروينا في فوائد أبي بكر بن أبي حديد بإسناد ضعيف عن معاذ بن جبل أنه قال: «يا رسول الله كل بني سلمة يقاتل، فمنهم من يقاتل رياءً» الحديث فلو صح لاحتمل أن يكون معاذٌ أيضًا، لاحتمل أن يكون معاذ أيضًا، سأل أن يكون معاذ أيضًا، سأل عما سأل عنه الأعرابي، إلا أن سؤال معاذ خاص وسؤال الأعرابي عام، ومعاذٌ أيضًا لا يقال له: أعرابي فيحمل على التعدد، فيحمل على التعدد، يعنى إن ثبتت هذه القصص، وجزم ابن حجر في المقدمة، بأنه لاحق بن ضميرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال العيني: وقبله الكرماني، إنما عداه بكلمة الانتهاء إلى، مع أنه جاء.. مع أن جاء متعدٍ، مع أن جاء متعدٍ بنفسه إشعارًا، بأن المقصود بيان انتهاء المجيء إليه، بأن المقصود بيان انتهاء المجيء إليه، فقال: عطفٌ على جاء ما القتال؟ مبتدأ وخبر وقع مقولًا للقول في سبيل الله، في سبيل الله، قال ابن الأثير: في النهاية، وقد تكرر في الحديث ذكر سبيل الله، وابن السبيل فالسبيل في الأصل الطريق، ويذكر ويؤنث والتأنيث فيها.... والتأنيث فيها أغلب، التأنيث فيها، والتأنيث فيها أغلب يعني في السبيل والطريق.

المقدم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108].

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108] {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ} [سورة الأعراف 146].

{يَتَّخِذُوهُ}، {طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه:77]، ما قال: يابسة، فعلى كل حال قوله {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108]، وأهل الحديث أكثر ما يقولون أخرجه من هذه الطريق، والطريق التي أخرجها يؤنثون غالبًا وعلى كل حال يجوز هذا وهذا، والتأنيث فيها أغلب وسبيل الله عامٌّ يقع على كل عملٍ خالص، سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل، وأنواع التطوعات، وإذا أطلق فهو في الغالب واقعٌ على الجهاد حتى صار؛ لكثرة الاستعمال كأنه مقصورٌ عليه.

قلت: قصره الجمهور في آية مصارف الزكاة على الجهاد فحسب، فجعلوا من مصارف الزكاة الجهاد في سبيل الله، ولم يعدوه إلى أنواع التطوعات، وإن قيل به، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام يومًا في سبيل الله، بَعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا» ترجم عليه الإمام البخاري، بقوله: باب فضل الصوم في سبيل الله من كتاب الجهاد، قال ابن حجر: قال ابن الجوزي: إذا أطلق ذكر سبيل الله فالمراد به الجهاد، وقال القرطبي: سبيل الله طاعة الله، فالمراد من صام قاصدًا وجه الله.

 قلت: القائل ابن حجر: ويحتمل أن يكون ما هو أعم من ذلك، يحتمل أن يكون ما هو أعم من ذلك، أن يقصد بذلك وجه الله، وأن يصوم أيضًا في الجهاد، فإن أحدنا الفاء للتعليل، يقاتل غضبًا، قال الكرماني: الغضب هو حالة تحصل عند غليان دم القلب لإرادة الانتقام، يعني هذا غضب المخلوق، هذا غضب المخلوق، ويقاتل حميةً، قال الكرماني: الحمية هي المحافظة على الحُرم، وقيل: هي الأنفة والغيرة والمحاماة عن العشيرة، والأول أشار إلى مقتضى القوة الغضبية، يقاتل غضبًا، والثاني إلى مقتضى القوة الشهوانية، أو الأول لأجل دفع المضرة، والثاني لأجل جلب المنفعة، وفي الصحاح حمية، حميته حماية في الصحاح للجوهري حميته حماية إذا دفعتَ عنه، وهذا شيء حمًا على فِعْل أي محظور لا يقرب، وأحميت المكان جعلته حمى، وفي الحديث «لا حمى إلا لله ورسوله».

 ثم قال الجوهري: وحميت عن كذا حمية بالتشديد ومحمية إذا أنفت منه وداخلك عار، وداخلك عار وأنفة أن تفعله يقال فلان: أحمى، أحمى أنفًا وأمنع ذمارًا من فلان، وحاميت عنه محاماةً وحِمَأً، «فرفع إليه رأسه» أي رفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السائل رأسه الشريف قال أبو موسى: أو من دونه وما رفع إليه رأسه إلا أنه، أي السائل كان قائمًا وقد حذف المختصر الجملتين، ومن أجلهما ساق البخاري الحديث، مما يدل على أن اهتمام المختصر.

المقدم: باللفظ.

المتون النبوية القولية، ولو أثبت المختصر التراجم لرأى ضرورة إثبات هاتين الجملتين، قال الكرماني: استثناءٌ مفرّغ، وأن (وما رفع إليه رأسه إلا أنه) استثناء مفرغ، وأن مع الاسم والخبر في تقدير مصدر الخبر أي ما رفع لأمر من الأمور إلا لقيام الرجل، وفي كتاب الجهاد قال: «جاء رجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله» الحديث.

 قال ابن حجر: الحاصل من الروايات أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء، طلب المغنم وإظهار الشجاعة، والرياء والحمية، والغضب، وكل واحدة من هذه الأمور فيها تفاصيل، وكل منها تتناوله المدح والذم، فلهذا لم يحصل الجواب بالإثبات، ولا بالنفي؛ لأنه قال: «في سبيل الله» ما قال نعم ولا لا، وإنما ذكر جوابًا عامًّا شاملًا يشمل ما كان لله -جل وعلا-، وما كان لإعلاء كلمته، وينفي ما عداه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: جوابًا للسائل، قال الكرماني: فإن قلت، قال النبي - صلى الله عليه وسلم- جوابًا للسؤال: «من قاتل لتكون كلمة الله»، أي دعوته إلى الإسلام هي فصل أو مبتدأ، وفيها تأكيد فضل كلمة الله في العلو، وأنها المختصة به دون سائر الكلام، فضل كلمة الله في العلو، «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا»، وأنها المختصة به دون سائر الكلام.

 قال ابن حجر: قوله: «من قاتل» هو من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه، في سبيل الله ويدخل فيه من قاتل لطلب الثواب ورضاء الله فإنه من إعلاء كلمة الله، يعني من قاتل لإعلاء كلمة الله؛ لينتصر الإسلام، ويرتفع شأنه، وتنتشر دعوته، لكن لو قاتل بغض النظر عن هذا الهدف، إنما قاتل للشهادة؛ ليحصل على أجر الشهداء، هل نقول: يدخل في الحديث أم لا يدخل؟

المقدم: يدخل وما الذي يمنع؟

كيف؟ هو ما قاتل لإعلاء كلمة الله.

المقدم: لكن..

هو يهمه نفسه، هو ما يحصل على أجر الشهادة.

المقدم: وهذا مطلب.

نعم التنصيص في النصوص الشرعية على الأجور، إنما نص عليها؛ لينظر إلى المكلف هي حوافز للمكلف، في سبيل الله، ويدخل فيه من قاتل لطلب الثواب رضاء الله، فإنه من إعلاء كلمة الله، وقد جمع هذا الجواب معنى السؤال لا بلفظه؛ لأن الغضب والحمية قد يكونان لله تعالى، أو لغرض الدنيا فأجاب -عليه السلام- بالمعنى مختصرًا إذ لو ذهب يقسم وجوه الغضب لطال ذلك، ولخشي أن يلبس عليه.

وفي سبيل الله لا يدخل فيه من قاتل لطلب الثواب رضاء الله، فإنه من إعلاء كلمة الله، بعض الناس يقول: من كانت هدفه من عبادته دخول الجنة، أو النجاة من النار فهذا لا يدخل في قول الله -جل وعلا- في آخر سورة الكهف، آخر آية في سورة الكهف.

المقدم: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]

{وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110].

المقدم: {أَحَدًا} هذا من الشرك يقولون.

نعم يزعمون.

المقدم: هذا قول المتصوف.

قول المتصوفة نعم، أنهم يعبدون الله -جل وعلا- لذاته لا رجاءً لثوابه.

المقدم: أو خوفًا من عقابه.

 ولا خوفًا من عقابه، لكن هذا القول مرذول ومردود أيضًا.

المقدم: صحيح.

قال الكرماني: فإن قلت السؤال عن ماهية القتال، والجواب ليس عنها، بل عن المقاتل. قلت: فيه الجواب وزيادة، فيه الجواب وزيادة، أو أن القتال بمعنى اسم الفاعل أي المقاتل بقرينة لفظ، فإن أحدنا ولفظة ما إن قلنا إنه عامٌّ للعالم أو لغيره فظاهر، وإن قلنا إنه لغيره فذلك إذا لم يعتبر معنى الوصفية فيه صرحوا بنفي الفرق بين العالم وغيره عند اعتبارها، أو نقول: ضمير فهو راجعٌ للقتال الذي في ضمن قاتل، أي فقتاله قتالٌ في سبيل الله؛ لأن السؤال الذي أورده الكرماني يقول: السؤال عن ماهية القتال، هذا يقاتل، وهذا يقاتل، فما القتال الذي في سبيل الله؟ فأجاب بمن قاتل، أجاب بالمقاتل، الجواب ليس عن ماهية القتال، وإنما أجاب عن المقاتل، فإما أن يقال أن القتال يراد به اسم الفاعل الذي هو المقاتل، أو يقال: هو ضمير راجع للقتال الذي في ضمن قاتل، مصدره قاتل، أي فقتاله قتالٌ في سبيل الله، قال ابن حجر: وفي الحديث شاهدٌ لحديث الأعمال بالنيات، وأنه لا بأس بقيام طالب حاجة عند أمن الكبر، وأنه لا بأس بقيام طالب الحاجة عند أمن الكبر، وأن الفضل الذي قد ورد في المجاهدين مختصٌّ بمن قاتل لإعلاء دين الله، وفيه إقبال المسؤول، وفيه إقبال المسئول على السائل.

 وفي شرح ابن بطال قال -رحمه الله-: فيه جواز سؤال العالم وهو واقف لعذر أو لشغل، ولا يكون ذلك تركًا لتوقير العالم، ذكر -عليه السلام- لم ينكر ذلك عليه ولا أمره بالجلوس، وجواب النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير لفظ سؤاله، والله أعلم، من أجل أن الغضب والحمية قد يكونان لله -عز وجل-، ولغرض الدنيا وهو كلام مشترك؛ فجاوبه النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعنى لا بلفظ الذي سأل به السائل إرادة إفهامه، وخشية التباس الجواب عليه، لو قسم له وجوه الغضب والحمية، وهذا من جوامع الكلم الذي أوتيه -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: صلى الله عليه وسلم

من قاتل.. سأل عن الغضب والحمية لو قال: إن كان الغضب لله -جل وعلا-، ولدينه ولشرائعه.

المقدم: طال الجواب.

نعم، فهو في سبيل الله وإن كانت الحمية كذا وإن لم تكن كذا إنما جاء بجواب جامع.

المقدم: للسؤال ولغيره.

ولغيره، ولغيره مما ورد في الطرق الأخرى.

المقدم: نعم.

 وفي شرح العيني أن الإخلاص شرطٌ في العبادة، فمن كان الباعث له الدنيوي يعني هدف دنيوي فلا شك في بطلان عمله، ومن كان الباعث الديني أقوى، فقد حكم الحارث المحاسبي بإبطال العمل تمسكًا بهذا الحديث وخالفه الجمهور وقالوا: العمل صحيح، وقال محمد بن جرير الطبري: إذا ابتدأ العمل به لا يضره، يعني إذا ابتدأ العمل بالإخلاص، لا يضره ما عرض بعده من عجبٍ يطرأ عليه، والمعروف عند أهل العلم أنه إذا استمر واسترسل معه يضر، لكن إن عرض له، ثم طرده وجاهد نفسه على الإخلاص هذا لا يضره، وفي فتح الباري يقول ابن حجر: لكن روى أبو داود والنسائي من حديث أبي إمامة بإسنادٍ جيد قال: «جاء رجلٌ فقال يا رسول: الله رأيت رجل غزا يلتمس الأجر والذكر ما له، فقال: لا شيء له، يلتمس الأجر والذكر فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثًا» كل ذلك يقول: لا شيء له، ثم قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا له، وابتغي به...

المقدم: وجهه.

وجهه، ويمكن أن يحمل هذا على من قصد الأمرين معًا على حدٍ سواء، على حدٍ واحد، فلا يخالف المرجح أول، يعني إذا غلب.

المقدم: أحدهم.

 أحدهما على الآخر، فتصير المراتب خمسًا، أن يقصد الشيئين معًا، أو يقصد أحدهما صِرفًا، أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنًا، خمسة مراتب، الآن الذي عدت كم؟ أن يقصد الشيئان معًا، أو يقصد أحدهما صرفًا، أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنًا، كم؟

المقدم: ثلاثة.

هذا على سبيل الإجمال، لكن لو بسطت.

المقدم: صارت خمسة.

 صارت خمسة، يقصد الشيئين معًا على حدٍ سواء، أن يقصد أحدهما صرفًا، يعني يقصد الديني، يقصد أحد الشيئين معًا هذا واحد، يقصد الديني صرف، يقصد الدنيوي صرف، يقصد الدنيوي ويحصل الديني ضمنًا، والعكس إذًا القسمة.

المقدم: خمس.

خماسية، فالمحذور أن يقصد غير الإعلاء، فالمحذور أن يقصد غير الإعلاء، فقد يحصل الإعلاء ضمنًا، أو لا يحصل، ويدخل تحته مرتبتان، وهذا ما يدل عليه حديث أبي موسى، ودونه أن يقصدهما معًا فهو محذورٌ أيضًا ما دل عليه حديث أبي أمامة، والمطلوب أن يقصد الإعلاء صرفًا، وقد يحصل غير الإعلاء، وقد لا يحصل، ففيه مرتبتان يحصل الإعلاء صرفًا، فإن حصل له غيره تبعًا من غير نظرٍ إليه لا يضره، وإن لم يحصل له غيره تبعًا، فمثل هذا يوفر له أجره في الآخرة. وقال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه، ذهب المحقق ابن أبي جمرة هذا مختصِر للبخاري وشارح للمختصَر، "بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها" طبع في أربعة أجزاء، ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه، ومعلوم أن في شرح ابن أبي جمرة فيه مخالفات، فيه مخالفات وفي آخره رؤى ومنامات.

المقدم: نعم.

نعم، فمثل هذه مما يشين الكتاب ولا يزينه، ويدل على أن دخول غير الإعلاء ضمنًا لا يقدح في الإعلاء إذا كان الإعلاء هو الباعث الأصلي ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عبد الله بن حوالة قال: بعثنا رسول الله-  صلى الله عليه وسلم-، على أقدامنا لنغنم، لنغنم، لنغنم فرجعنا ولم نغنم شيئًا فقال: «اللهم لا تكلهم إلي» الحديث، والحديث أخرجه الإمام البخاري في أربعة مواضع: الأول في كتاب العلم في باب من سأل وهو قائمٌ عالمًا جالسًا قال: حدثنا عثمان وهو ابن أبي شيبة قال: أخبرنا جريرٌ عن منصور عن أبي وائل عن أبي موسى -رضي الله عنه- «قال: جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟»  فذكره وتقدم ذكر المناسبة.

والثاني في كتاب الجهاد، «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا»، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا شعبة عن عمر عن أبي وائل عن أبي موسى -رضي الله تعالى عنه- قال: «جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله»، ولعل هذا الرجل سأل عن الأمور كلها المذكورة الحمية، والغضب، والمغنم، والذكر، وليرى مكانه.

المقدم: لكن اختصر فيهم.

اختصر في بعض المواضع على بعضها دون بعض، والمناسبة ظاهرة؛ لأن الترجمة «من قاتل لتكون كلمة هي العليا»، وهي منصوصٌ عليها في الخبر فهي مطابقة.

الموضع الثالث في كتاب فرض الخمس، من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره؟

قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة عن عمرٍو قال: سمعت أبى وائل، قال: حدثنا أبو موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- قال: «قال أعرابي للنبي -صلى الله عليه وسلم-»، هذا تقدمت الإشارة إليه، وأنه فسر الأعرابي بأنه لاحق بن ضميرة، قال أعرابي للنبي - صلى الله عليه وسلم-: «الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا»، «من قاتل لتكون كلمة هي العليا فهو في سبيل الله»، الترجمة من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره؟

المقدم: وأيضًا والكتاب الجهاد.

نعم، الكتاب فرض الخمس، قال ابن حجر: قال ابن المنير: أراد البخاري أن قصد الغنيمة لا يكون منافيًا للأجر، ولا منقصًا إذا قصد معه إعلاء كلمة الله، لكن لو قال: إذا قصد مع إعلاء كلمة الله أما معه، المعية تدل على أن الأصل قصد الغنيمة.

المقدم: نعم.

فهذا لا شك أنه تأثيره بالغ بخلاف ما لو كان القصد إعلاء كلمة الله وقصد معه تبعًا له الغنيمة.

قال ابن المنير: أراد البخاري أن قصد الغنيمة لا يكون منافيًا للأجر، ولا منقصًا إذا قصد معه إعلاء كلمة الله؛ لأن السبب لا يستلزم الحصر، لأن السبب، وهو إعلاء كلمة الله لا يستلزم الحصر في كون الجهاد في سبيل الله، ولهذا يثبت الحكم الواحد بأسباب متعددة، ولو كان قصد الغنيمة ينافي قصد الإعلاء، لما جاء الجواب عامًّا، ولقال مثلًا: من قاتل للمغنم فليس هو في سبيل الله، قال ابن حجر: وما ادعى، ما ادعى ابن المنير أن مراد البخاري أن مراد البخاري فيه بُعد، والذي يظهر أن النقص من الأجر أمرٌ نسبي، كما تقدم تحرير ذلك في أوائل الجهاد، فليس من قصد إعلاء كلمة الله محضًا في الأجر، مثل من ضم إلى هذا القصد قصدًا آخر من غنيمة أو غيرها.

 وقال ابن المنير في موضع آخر: ظاهر الحديث أن من قاتل للمغنم يعني خاصةً فليس في سبيل الله، وهذا لا أجر له ألبتة، فكيف يترجم له البخاري بنقص الأجر؟ وجوابه ما قدمته، من قاتل للمغنم، من قاتل للمغنم يعني متمحضًا، ولذلك قال: ظاهر الحديث أن من قاتل للمغنم يعني خاصة، فليس في سبيل الله، وهذا ظاهر، أنه يريد الدنيا فقط، فهذا لا أجر له ألبتة، قال: فكيف يترجم له بنقص الأجر وجوابه ما قدمته، يعني أنه قاتل للمغنم مضافًا إلى إعلاء كلمة الله، في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله-  صلى الله عليه وسلم- قال: «تكفل الله لمن جاهد في سبيل الله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال».

المقدم: من الأجر.

من أجرٍ أو غنيمة أو هذه تقسيم، بمعنى أنه إما أن قسمًا يناله الأجر فقط...

المقدم: وقسمًا يناله الغنيمة.

وقسمًا يناله الغنيمة فقط..

المقدم: ما أظن يا شيخ.

نعم.

المقدم: لأنه قد يرجع بالأجر دون الغنيمة، وقد يرجع بالأجر فجيء بأو مع غنيمة.

هل الغنيمة قسيم للأجر بمعني أنهما لا يشتركان؟

المقدم: الأجر، الأجر.

تكفل الله لمن جاهد في سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد..

المقدم: خلاص هذا الأجر.

إلا الجهاد فقط.

المقدم: نعم.

الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج مع ما ناله من أجر، أو غنيمة، أو هذه هل هي للتقسيم؟

المقدم: لا لا.

يعني هناك من يرجع بالأجر فقط.

المقدم: وهناك من يرجع بالغنيمة فقط.

فقط يعني بدون أجر، لماذا؟ أليس هذا ظاهر السياق؟

المقدم: هذا الظاهر لكن ما يدل عليه الحديث؛ لأنه قال: «قاتل في سبيل الله لا يخرجه».

يقاتل في سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد.

المقدم: إلا الجهاد.

إذًا الإتيان  بـ أو هنا مشكل؟  مشكل أو تكون بمعنى الواو؟ لأنها تأتي أو بمعنى الواو.

       خيِّر أبح قسّم بأو وأبهم               .........................

وربما عاقبت الواو، نعم فتأتي بمعنى الواو.

 والرابع في كتاب التوحيد، في باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا} [الصافات:171] في كتاب التوحيد في باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} قال: -رحمه الله- حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي موسى قال: «جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل حمية»، فذكر الحديث، والمناسبة في قوله: «من قاتل لتكون كلمة الله» لأن الترجمة في كتاب التوحيد ولقد سبقت كلمتنا، وهنا من قاتل لتكون كلمة الله، فمن قاتل لتكون كلمة الله مع قوله في الترجمة: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا} [الصافات:171].

المقدم: أحسن الله عليكم، الحديث متفق عليه يا شيخ؟

نعم، الحديث متفق عليه.

جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى مع حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.