شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (246)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،

 أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى مجلس جديد من مجالس شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح الذي يجمعنا بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في كتاب العلم في باب قول الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الكهف:85] لتذكير الإخوة والأخوات نحن بحسب الترقيم حديث 104 لحسب المختصر، 125 لحسب الأصل ليتابعنا الجميع من حديث عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- توقفنا عند قوله: فسكت.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد، ففي الحديث فقال بعضهم: «لا تسألوه لا يجئ فيه بشيء تكرهونه، فقال بعضهم: لنسألنه، فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم، ما الروح؟ فسكت». سكت -عليه الصلاة والسلام- لما سألوه، لماذا؟ 

المقدم: ينتظر الوحي.

نعم.

المقدم: ينتظر الوحي.

يقول ابن مسعود الراوي: «فقلت إنه يوحى إليه»، وفي هذا تربية لمن يقوم مقامه من أتباعه -عليه الصلاة والسلام- بالتوقيع عن الله -جل وعلا- في فتوى، فإذا سأل المفتي فعليه ألا يتسرع ولا يعجل، وبإمكانه- عليه الصلاة والسلام- أن يجتهد فيفتي باجتهاده، لكن في هذا التصرف والسكوت ما فيه شك أنه ينتظر الوحي، ومع ذلك فيه تربية للمفتي إذا سئل يسكت، يتأمل السؤال، مع الأسف أنه يوجد بعض من يتصدر للفتوى لا يستكمل السؤال، فضلًا عن كونه يقف بعد تمام السؤال، ويتأمل السؤال، ويستفصل من السائل، وكم من وهم وقع في الجواب بسبب العجلة، فعل من يتولى ويتصدر للفتيا أن يتقي الله -جل وعلا-؛ لأنها توقيع عن الله -جل وعلا-، وأنه يتكلم بلسان الشرع؛ لأن الناس لا يريدون رأيه المجرد، إنما يريدون حكم الله في المسألة، فعلى من يفتي ويتصدر لفتوى الناس أن يتأمل في السؤال، وهناك أمثلة ونماذج لأجوبة حصل فيها عكس المراد، عكس مراد السائل، فعلينا جميعًا أن نتقي الله -جل وعلا- في مثل هذا، وإضافة إلى أنه قد يتصدر مع ذلك بغير علم، وهذا موجود، وهو مصداق حديث..

المقدم: «سئلوا فأفتوا فضلوا وأضلوا».

نعم «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه مثل الرجال، وإنما يقبضه بقبض العلماء»، وقد تقدم «حتى إذا لم يبقَ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا الناس»، نسأل الله السلامة والعافية، والله المستعان.

 سكت -عليه الصلاة والسلام- لما سألوه، قال ابن مسعود الراوي: فقلت إنه يوحى إليه، كذا قال لمن؟

المقدم: يمكن لحاله لنفسه.

نعم يمكن حدث نفسه بهذا، والقول أعم من أن يكون باللسان؛ لأنه قد يكون بالفعل قال بيديه هكذا، وقد يحدث نفسه. على كل حال فقلت إنه يوحى إليه فقمت؛ لأن الرسول-عليه الصلاة والسلام- في حال الوحي يجد من التنزيل شدة، ويلقى إليه قول ثقيل، وقد يصاب بشيء من...

المقدم: العرق.

نعم تصيبه الرُّحضاء، يتصبب عرقًا في الليلة الشاتية، فمثل هذه مثل ابن مسعود لا يطيق رؤية النبي- عليه الصلاة السلام- في هذه الحالة، وإن كانت بالنسبة له حال كمال، حالة كمال -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: «فقمت أي حتى لا أكون مشوشًا عليه»، قاله الكرماني، وقال القسطلاني: فقمت حائلًا بينه وبينهم، حائلًا بينه وبينهم. «فلما انجلى عنه» أي انكشف عنه -عليه الصلاة والسلام- الكرب الذي كان يتغشاه حال الوحي، فلما انجلى عنه قال: «{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85]» يعني تلا الآية، تلا ما أنزل إليه جوابًا لسؤالهم، فقال: وفي رواية قال بدون الفاء: «ويسألونك» بإثبات الواو كالتنزيل، في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر: يسألونك بدون الواو {عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.

قال القسطلاني: أي من الإبداعات الكائنة بـكن من غير مادة، من غير مادة وتولد من أصل، واقتصر على هذا الجواب كما اقتصر موسى-عليه السلام- في جواب: وما رب العالمين؟ بذكر بعض صفاته، إذ الروح لدقته لا تمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس، فلذلك اقتصر على هذا الجواب، ولم يبين الماهية؛ لكونها مما استأثر الله بعلمها، ولأن في عدم بيانها تصديقًا لنبوة نبينا- صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم قالوا فيما بينهم إن أجاب فليس بنبي، يعني كأن هذا مما اتفقت عليه الشرائع، يقول: من الإبداعات الكائنة بـكن من غير مادة، هذا كلام القسطلاني، يعني إذا كان الإنسان مادته التراب والملائكة النور، والجن النار، فما مادة الروح؟

 يقول: من غير مادة وتولد من أصل، والقدرة الإلهية {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [الصافات:82]، واقتصر على هذا الجواب كما قال: اقتصر موسى- عليه السلام- في جواب: وما رب العالمين؟ بذكر بعض صفاته، لأنه سؤال.. السؤال عن الذات، عن الماهية، وإذا كان الجواب غير ممكن؛ لأنه لا يمكن إلا بتوقيف في الغيبيات، ولا توقيف في هذا، إنما يذكر بعض صفاته التي أخبر بها -جل وعلا- عن نفسه، يقول: إذ الروح لدقته لا تمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس، يعني يحتاج إلى صفات تميزه عما يلتبس، فلذلك اقتصر على هذا الجواب، ولم يبين الماهية؛ لكونها مما استأثر الله بعلمها، ولأن في عدم بيانها تصديقًا لنبوة نبينا- صلى الله عليه وسلم-، وذكرنا سابقًا أن شيخ الإسلام ذكر الروح من الأمثلة التي ضربها في التدمرية: إذا كانت الروح التي بها يحيا الإنسان وهي أقرب شيء إليه، وهي بين جنبيه لا يعرف ماهيتها، ولا كُنهها ولا كيفيتها، فكيف يستطيع أن يعرف كيفية الخالق -جل وعلا-؟ (وما أوتوا من العلم إلا قليلا) كذا في أكثر نسخ الصحيحين، وفي الأصل قال الأعمش: هكذا في قراءتنا، والأصل في النسخ في المصاحف {وَمَا أُوتِيتُمْ}[الإسراء:85]، وما أوتوا بصيغة الغائب كما في أكثر نسخ الصحيحين من العلم إلا علمًا قليلًا أو إيتاءً قليلًا أو إلا قليلًا منكم، فقليلًا إما أن يكون صفة لعلم إلا علمًا قليلًا، أو صفة للإيتاء المأخوذ من قوله: {وَمَا أُوتِيتُمْ}[الإسراء:85]، أو إيتاءً قليلًا أو إلا قليلًا منكم، يعني النفر اليسير منكم، أي بالنسبة إلى معلومات الله تعالى التي لا نهاية لها {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}[الكهف:109].

 وفي الأصل قال الأعمش: هكذا في قراءتنا، وفي رواية هي كذا، أي قراءة الأعمش، وليست هذه القراءة في السبعة، بل ولا في المشهور من غيرها، وليس هذه القراءة في السبعة، بل ولا في المشهور من غيرها، وقد أغفلها أبو عبيد في كتاب القراءات من قراءة الأعمش، لم ينسبها إلى الأعمش، والله أعلم، قال ذلك ابن حجر. وقال النووي: أكثر نسخ البخاري، ومسلم: (وما أوتوا) وذكر مسلم الاختلاف في هذه اللفظة عن الأعمش، يعني حتى الأعمش لم يتفق الرواة عليه على قراءتها بهذا اللفظ، وذكر مسلم الاختلاف في هذه اللفظة عن الأعمش، فرواه وكيع على القراءة المشهورة، ورواه عيسى بن يونس عنه: (وما أوتوا) يعني كما ذكر البخاري، إذا وجد مثل هذه القراءة بسند صحيح مثلًا إلى إمام من الأئمة، فما العمل؟

هل تثبت قرآنًا، أو تثبت حديثًا؟ هل يقرأ بها في الصلاة؟ هل يحتج بها في الأحكام؟ الكلام لأهل العلم طويل جدًّا في هذه المسألة، يقول القاضي عياض: اختلف المحدثون فيما وقع من ذلك، فذهب بعضهم إلى أن الإصلاح على الصواب، ما معنى هذا؟ يعني أنك تصحح ما في الكتب ولو صحت رواية؛ لأن الراوي وإن كان ثقة يروي عن ثقة قد يهم، فأنت تصحح على الصواب، تأتي بالمصحف وتصحح عليه، وهذا يذكره أهل العلم في كتابة الحديث وضبطه من كتب علوم الحديث، يذكرون مثل هذا، إذا وجد خطأ في كتاب، وهذا يستفيد منه من يحقق الكتب، إذا وجد خطأ في نسخة أصلية مقابلة مقروءة على مؤلفها.

المقدم: هل يضبط الخطأ كما هو؟

هل يثبت الخطأ ويشير في الحاشية إلى أنه خطأ، والصواب كذا.

المقدم: أو يصححه في المتن؟

أو يصحح ويشير في الحاشية؟ كثير من أهل العلم، وهو المتجه يستروح إلى أنه إذا كان خطأً في آية أنه لا يبقى.

المقدم: يثبت الأصل.

يثبت على ما في القرآن الذي أجمع عليه الصحابة، يعني إن كان قراءة سبعية؟ هذا ما فيه إشكال، قد تكون قراءة المؤلف هكذا، كثيرًا ما يعترضنا في تفسير القرطبي وغيره من التفاسير قراءة على غير المعروف عندنا، فتجد بعض المبتدئين والمتوسطين من طلاب العلم يصحح، نقول: يا أخي لا تصحح قراءة القرطبي غير القراءة التي تقرأها أنت، فينتبه لهذا، يقول: اختلف المحدثون فيما وقع من ذلك، فذهب بعضهم إلى أن الإصلاح على الصواب، واحتج أنه إنما قصد به الاستدلال على ما سيقت بسببه، ولا حجة إلا في الصحيح الثابت في المصحف، ولذا أقر أهل العلم أنه لا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان، يعني ولو صح السند فيها، لا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان الذي أجمع عليه الصحابة، وتوارثه المسلمون، وتواتر عنهم بطريق يسمى تواتر الطبقة، لايزال المسلمون يقرؤون هذا المصحف الذي توارثوه، وأجمع عليه الصحابة طبقة عن طبقة إلى قيام الساعة، إلى أن يرفع.

 احتج أنه إنما قصد به الاستدلال على ما سيقت بسببه، ولا حجة إلا في الصحيح الثابت في المصحف، مع أن أهل العلم يختلفون فيما تثبت به القراءة، هل يكفي السند الصحيح أو لا بد من التواتر؟ هل لا بد من التواتر أو يكفي صحة الإسناد؟ ابن الجزري له كلام في هذه المسألة، وليست من بحثنا.

 المقصود أنه إذا وجد مثل هذا في الصحيح (وما أوتوا من العلم إلا قليلاً)، هل تثبت القراءة باعتبار أنه ما صح سندها إلى الأعمش، وهو من القراء المعروفين أو نصحح ونرويها في البخاري على ما وجدنا، أو نصحح على ما في المصحف؟ كلام القاضي عياض يقول: ذهب بعضهم إلى الإصلاح، وقال قوم: تترك على حالها، وينبه عليها، تترك على حالها، وينبه عليها؛ لأن من البعيد خفاء ذلك على المؤلف ومن نقل عنهم وهلم جرًّا، فلعلها قراءة شاذة، قال عياض: هذا ليس بشيء؛ لأنه لا يحتج به في حكم ولا يُقرأ في صلاة، قال: وقد اختلف أصحاب الأصول فيما نقل آحادًا، ومنه القراءة الشاذة، الشاذة لا يلزم أن يكون سندها ضعيفًا قد يكون سندها صحيحًا، لكنها مخالفة للأرجح، فيحكم عليها بالشذوذ، يعني خارجة عن القراءات المتواترة.

 اختلف أصحاب الأصول فيما نقل آحادًا، ومنه القراءة الشاذة، كمصحف ابن مسعود وغيره، هل هو حجة أو لا؟ فنفاه الشافعي وأثبته أبو حنيفة، من نفاه ظاهر، يقول: لأن الإثبات إن أثبتناه فإما أن يكون قرآنًا وإلا فلا، ومن أثبته، يقول: وأثبته أبو حنيفة، من أثبته يقول: صح السند إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلماذا لا يكون مثل الأحاديث الصحيحة؟ «كالأعمال بالنيات» مثلًا يقول: ما دام ثبت سنده إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- فلا يلزم أن يكون قرآنًا، قد يكون حديثًا، وأثبته أبو حنيفة، وبنى عليه وجوب التتابع في صوم كفارة اليمين، بما نقل عن مصحف ابن مسعود من قوله: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات».

الآن صيام ثلاثة أيام متتابعات، هو مروي على أنه...

المقدم: متتابعات الزمن؟

قرآن، مروي على أنه قرآن.

الشافعي يقول: ما دام لا نثبته قرآنًا لا نقرأ به في الصلاة، كيف نثبته من وجه وننفيه من وجه؟ لأن اختلاف التوارد على كلمة واحدة، فإما أن تثبت بجميع أحكامها، تثبت بجميع أحكامها، أو تنفى بجميع أحكامها، أما أن نثبت لها حكمًا دون حكم فهذا فيه شيء، هذه وجهة نظر الشافعي، أبو حنيفة يقول: لا تخلو من أمرين، إما أن تكون قرآنًا وصح بها السند إلى ابن مسعود، وابن مسعود يرويها ينسبها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنها لم تتواتر، فلا نثبتها قرآنًا، إذًا نثبتها على أقل الأحوال ماذا؟ خبرًا عن النبي- عليه الصلاة والسلام- كالأحاديث، فنبني عليها الأحكام، وبنى على ذلك وجوب التتابع في صوم كفارة اليمين بما نقل عن مصحف ابن مسعود من قوله: «ثلاثة أيام متتابعات».

طيب الخلاف في الحكم في إيجاب التتابع، والخلاف بين الحنفية والشافعية، ومن وافق هؤلاء ومن وافق هؤلاء، هل لهذا أثر في قطعية القرآن؟ ليس له أثر؛ لأنه لا يثبت قرآنًا، كلهم متفقون على أنه لا يثبت قرآنًا؛ لأنه لم يأت بدليل قطعي، لكن الكلام في الحكم هل يحتج به؟ على أساس أنه قرآن، أو يحتج به على أنه من كلام النبي-عليه الصلاة والسلام-، مروي، صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون حكمه حكم الأحاديث الآحاد التي تثبت بها الأحكام، ولا يثبت بها القرآن، وبقول الشافعي قال الجمهور، واستدلوا بأن الراوي له إن ذكره على أنه قرآن فخطأ، وإلا فهو متردد بين أن يكون خبرًا أو مذهبًا له، فلا يكون حجة بالاحتمال، ولا خبرًا؛ لأن الخبر ما صرح الراوي فيه بالتحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، فيحمل على أنه مذهب له.

 وقال أبو حنيفة: إذا لم يثبت كونه قرآنًا فلا أقل من كونه خبرًا، وقال الغزالي والرازي: خبر الواحد لا دليل على كونه كذبًا، لكن الذي يغلب على الظن إذا روي بسند صحيح أنه صواب، الذي يغلب على الظن أنه صواب، هذا الأصل في خبر الواحد، ولذا الصحيح حجة عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم، هذا إذا لم يعارض بما هو أرجح منه، فإن عورض بما هو أرجح منه فالراجح هو المحفوظ، والمرجوح يقال له: شاذ، يقال له: شاذ، وإن كان إسناده صحيحًا، لا دليل على كونه كذبًا، وهذا خطأ قطعًا، والخبر المقطوع بكذبه لا يجوز أن يعمل به، ونقله قرآنًا خطأ، وهذا خطأ قطعًا، كيف خطأ قطعًا؟ خطأ على أنه قرآن؟

المقدم: أو خطأ الرأي؟ قصده؟!

أو خطأ على أنه مرفوع للنبي -عليه الصلاة والسلام- خبرًا؟ أو أنه موقوف على ابن مسعود من قوله واجتهاده؟ أما كونه قرآنًا فلا يجزم بكونه خطأً، لماذا؟

لأنه قد يكون من الأحرف التي نسخت، واتفق الصحابة على رفعها، الصحابة أثبتوا ما بين الدفتين، وكان عند بعض الصحابة مثل هذه القراءات التي تقرأ على أنها قرآن من الأحرف السبعة التي اتفق الصحابة على أنها رفعت، وإجماعهم حجة قطعية على أن ما بين الدفتين محفوظ، وأن ما عداه منسوخ، وهذا خطأ قطعًا، والخبر المقطوع بكذبه لا يجوز أن يعمل به، ونقله قرآنًا خطأ، يعني كيف جزموا بأنه خطأ قطعًا؟ لأنهم نظروا إليه من زاوية واحدة ثبوت أو عدم ثبوت، فإن أثبت قرآنًا يثبت بجميع أحكامه، خبر صحيح بحجة ملزمة يثبت جميع أحكامه وإلا..

المقدم: لا يثبت.

وإلا يكون خطأً، إذ ليس ثم إلا الصدق أو الكذب، هذا مذهب أهل السنة، عند المعتزلة يثبتون واسطة بين الصدق والكذب، ومادام ما يثبت قرآنًا إذًا لا يثبت خبرًا؛ لأنه يروى على أساس أنه قراءة، ونقول: ما المانع من أن يثبت خبرًا كالأخبار؟ وهذا قول أبي حنيفة، وعلى كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم، فلكون هذه المسألة فيها شيء من الإشكال أطلنا فيها.

 يقول أيضًا عياض: قلت: لا نسلم أن هذا خطأ قطعًا، هذا كلام العيني، قلت –العيني-: لا نسلم أن هذا خطأ قطعًا؛ لأنه خبر صحابي، أو خبر عنه، وأي دليل قام على أنه خبر مقطوع بكذبه، وقول الصحابي حجة عنده، العيني لماذا قال: لا نسلم؟ لأن الغزالي والرازي انتصرا لإمامهما الشافعي، والعيني حنفي انتصر لإمامه أبي حنيفة، قال: لا نسلم أن هذا خطأ قطعًا، هو صحيح لا نسلم أن هذا خطأ باعتبار أنه صحيح لابن مسعود؛ لأنه خبر صحابي أو خبر عنه، وأي دليل قام على أنه خبر مقطوع بكذبه ما فيه دليل، وقول الصحابي حجة عنده.

 بعض أهل العلم يذهب إلى أن الشاذ منه ما هو صحيح، ومنه ما هو ضعيف، وغاية ما هنالك أن يقول: أن يكون هناك صحيح وأصح وعند التعارض يعمل بالأصح، ويترك الصحيح، وإن كان صحيحًا، كدلالة الألفاظ قد يكون اللفظ يحتمل معنيين أحدهما راحج، والثاني مرجوح، وكلاهما مأخوذ من الدليل القطعي من آية مثلًا، وغاية ما هنالك أنه يعمل بالاحتمال الراجح، ويترك المرجوح، والدليل ما فيه إشكال.

المقدم: لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى من هذا الموضوع في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم بإذن الله في حلقة قادمة، شكرًا لطيب متابعتكم.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.