التعليق على تفسير القرطبي - سورة ص (07)

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي-رحمه الله تعالى-: "قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} أَمْرٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمَكَارِهِ. وَأَيُّوبَ بَدَلٌ".

بدل من {عَبْدَنَا}، {اذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ}.

 "{إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ "إِنِّي" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ: قَالَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَأَجْمَعَتِ الْقُرَّاءُ عَلَى أَنْ قَرَءُوا {بِنُصْبٍ}".

{إِذْ نَادَى رَبَّهُ} قائلاً {أَنِّي}، يعني كسر الهمزة يكون بعد القول، فيضمر القول فتكسر همزة إن، والجمهور على فتحها.

"قَالَ الْفَرَّاءُ: وَأَجْمَعَتِ الْقُرَّاءُ عَلَى أَنْ قَرَءُوا {بِنُصْبٍ} بِضَمِّ النُّونِ وَالتَّخْفِيفِ. قَاَلَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا غَلَطٌ، وَبَعْدَهُ مُنَاقَضَةٌ وَغَلَطٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَجْمَعَتِ الْقُرَّاءُ عَلَى هَذَا، وَحَكَى بَعْدَهُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ أَنَّهُ قَرَأَ: "بِنَصَبٍ" بِفَتْحِ النُّونِ وَالصَّادِ، فَغَلِطَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ".

غلط، غلط على أبي جعفر، يعني أولاً نقل الإجماع، ثم نقضه بذكر مخالف، ثم أخطأ في نقله عن المخالف.

"أَنَّهُ قَرَأَ: "بِنَصَبٍ" بِفَتْحِ النُّونِ وَالصَّادِ، فَغَلِطَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، وَإِنَّمَا قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: "بِنُصُبٍ" بِضَمِّ النُّونِ وَالصَّادِ، كَذَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ. فَأَمَّا "بِنَصَبٍ" فَقِرَاءَةُ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ، وَيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ. وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ الْحَسَنِ، وَقَدْ حُكِيَ "بِنَصْبٍ" بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الصَّادِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ بِمَعْنَى النَّصَبِ، فَنُصْبٌ وَنَصَبٌ كَحُزْنٍ وَحَزَنٍ".

يعني معناهما واحد، نعم.

"وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُصْبٌ جَمْعَ نَصَبٍ كَوُثْنٍ وَوَثَنٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُصْبٌ بِمَعْنَى نُصُبٍ حُذِفَتْ مِنْهُ الضَّمَّةُ، فَأَمَّا {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} فَقِيلَ: إِنَّهُ جَمْعُ نِصَابٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: النُّصُبُ الشَّرُّ وَالْبَلَاءُ. وَالنَّصَبُ التَّعَبُ وَالْإِعْيَاءُ. وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} أَيْ: مَا يَلْحَقُهُ مِنْ وَسْوَسَتِهِ لَا غَيْرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ".

يعني لا ما ذكر من مرضه، وما حصل له وإن كان حاصلاً، لكن مس الشيطان لا للمرض، ما حصل له من ابتلاء، وإنما مس الشيطان يقتصر على الوسوسة، يعني كغيره.

طالب:.....

سيجيء كلامنا هذا، سيجيء.

 "ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَقِيلَ: إِنَّ النُّصْبَ مَا أَصَابَهُ فِي بَدَنِهِ، وَالْعَذَابَ مَا أَصَابَهُ فِي مَالِهِ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ أَيُّوبَ كَانَ رُومِيًّا مِنَ الْبَثَنِيَّةِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ، اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَآتَاهُ جُمْلَةً عَظِيمَةً مِنَ الثَّرْوَةِ فِي أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ. وَكَانَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِ اللَّهِ، مُوَاسِيًا لِعِبَادِ اللَّهِ".

لكن أكثر المفسرين على أنه من بني إسرائيل.

 "بَرًّا رَحِيمًا. وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ إِلَّا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَكَانَ لِإِبْلِيسَ مَوْقِفٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، فَوَقَفَ بِهِ إِبْلِيسٌ عَلَى عَادَتِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ أَوْ قِيلَ لَهُ عَنْهُ: أَقَدَرْتَ مِنْ عَبْدِي أَيُّوبَ عَلَى شَيْءٍ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ، وَقَدِ ابْتَلَيْتَهُ بِالْمَالِ وَالْعَافِيَةِ".

هذا كلام باطل، يعني قوله: لإبليس موقف من السماء السابعة، ومخاطبة الرب له، كل هذا باطل؛ لأنه طرد منها لعينًا ملعونًا، أخرج منها، فكيف يكون له موقف من السماء السابعة؟ يدنو فيه من الرب ويكلمه، الكلام كله ليس بصحيح.

" فَقَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ، وَقَدِ ابْتَلَيْتَهُ بِالْمَالِ وَالْعَافِيَةِ، فَلَوِ ابْتَلَيْتَهُ بِالْبَلَاءِ وَالْفَقْرِ وَنَزَعْتَ مِنْهُ مَا أَعْطَيْتَهُ لَحَالَ عَنْ حَالِهِ، وَلَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِكَ. قَالَ اللَّهُ: قَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ".

كلا طرفي الابتلاء، كلا طرفي الابتلاء قليلٌ من يثبت معه، سواء كان بالمال والعافية، أو كان بالمرض والفقر، وقد  يصبر على المرض والفقر من لا يصبر على المال والعافية، ولذا المطلوب من المسلم أن يطلب من الله -جلّ وعلا- أن يكون عيشه كفافًا، إذا كان عيشه كفافًا لم يحصل له ابتلاء، لا بغنى ولا بفقر؛ لأن الإنسان قد يبتلى بالغنى ويطغيه هذا، {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}[العلق 6:7] وقد يبتلى بالفقر فلا يصبر أمام هذا الفقر والحاجة والمرض فيفتتن، بخلاف ما إذا كان العيش كفافًا، بحيث لا يحتاج لأحد، ومع ذلك ليس عنده مالٌ يطغيه، ما يرى نفسه ويترفع على خلقه.

طالب:.......

كان قوت أهل محمد كفافًا، وقال: اللهم أحيني مسكينًا، وحاله -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه بعيد كل البعد عن حال الأغنياء؛ لأنه إذا جاءه شيء من المال لم يقم به من مجلسه، يوزعه، يفرقه، فيعيش على الكفاف -عليه الصلاة والسلام-، وقد يحتاج، قد يمر به بعض الأيام ليس عنده ما يوقد عليه، ومات -عليه الصلاة والسلام- ودرعه مرهون عند يهوديٍ بشعير.

 على كل حال الدنيا، الله -جلّ وعلا- يعطيها من يحب، ويعينه على تصريفها على مقتضى الشرع، ويعطيها من لا يحب، ويجعله يتخبط فيها، وجاء الوعيد الشديد على ذلك، والفقر أيضًا، قد يُبتلى به بعض الناس، ويصبر ويحتسب وينال الأجر العظيم والثواب من الله، وقد يفتتن فلا يصبر، يستحسر ويتلوم، وقد يعترض على القضاء، فمن هذه الحيثية يكون الفقر ليس خيرًا له، كما أن الغنى بالنسبة للأول ليس خيرًا له، وعلى هذا يكون الكفاف هو الوسط؛ لأن الحاجة إلى الناس شديدة، ذل، الحاجة إلى الناس ذل، ومع ذلك هي أحسن من الغنى المطغي، أسهل من الغناء المطغي، والله المستعان.

"فَانْحَطَّ عَدُوُّ اللَّهِ فَجَمَعَ عَفَارِيتَ الْجِنِّ فَأَعْلَمَهُمْ، وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَكُونُ إِعْصَارًا فِيهِ نَارٌ أُهْلِكُ مَالَهُ، فَكَانَ. فَجَاءَ أَيُّوبَ فِي صُورَةِ قَيِّمِ مَالِهِ فَأَعْلَمَهُ بِمَا جَرَى، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هُوَ أَعْطَاهُ وَهُوَ مَنَعَهُ. ثُمَّ جَاءَ قَصْرَهُ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، فَاحْتَمَلَ الْقَصْرَ مِنْ نَوَاحِيهِ حَتَّى أَلْقَاهُ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ وَأَعْلَمَهُ فَأَلْقَى التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، وَصَعِدَ إِبْلِيسُ إِلَى السَّمَاءِ".

ألقى التراب على رأسه، يعني ما صبر، صبر بالنسبة للمال، لكنه لم يصبر على الأهل والولد، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الله- ­جلّ وعلا- مدحه بالصبر.

"وَصَعِدَ إِبْلِيسُ إِلَى السَّمَاءِ، فَسَبَقَتْهُ تَوْبَةُ أَيُّوبَ. قَالَ: يَا رَبِّ سَلِّطْنِي عَلَى بَدَنِهِ. قَالَ: قَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى بَدَنِهِ إِلَّا عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَبَصَرِهِ، فَنَفَخَ فِي جَسَدِهِ نَفْخَةً اشْتَعَلَ مِنْهَا، فَصَارَ فِي جَسَدِهِ ثَآلِيلُ فَحَكَّهَا بِأَظْفَارِهِ حَتَّى دَمِيَتْ، ثُمَّ بِالْفَخَّارِ حَتَّى تَسَاقَطَ لَحْمُهُ. وَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ}. وَلَمْ يَخْلُصْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ حَشْوَةِ الْبَطْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلنَّفَسِ إِلَّا بِهَا، فَهُوَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ. فَلَمَّا غَلَبَهُ أَيُّوبُ اعْتَرَضَ لِامْرَأَتِهِ فِي هَيْئَةٍ أَعْظَمِ مِنْ هَيْئَةِ بَنِي آدَمَ فِي الْقَدْرِ وَالْجَمَالِ، وَقَالَ لَهَا: أَنَا إِلَهُ الْأَرْضِ، وَأَنَا الَّذِي صَنَعْتُ بِصَاحِبِكِ مَا صَنَعْتُ، وَلَوْ سَجَدْتِ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَهُمْ عِنْدِي. وَعَرَضَ لَهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي ذَلِكَ كُلَّهُ فِي صُورَتِهِ، أَيْ: أَظْهَرَهُ لَهَا، فَأَخْبَرَتْ أَيُّوبَ، فَأَقْسَمَ أَنْ يَضْرِبَهَا إِنْ عَافَاهُ اللَّهُ. وَذَكَرُوا كَلَامًا طَوِيلًا فِي سَبَبِ بَلَائِهِ، وَمُرَاجَعَتِهِ لِرَبِّهِ، وَتَبَرُّمِهِ مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، وَأَنَّ النَّفَرَ الثَّلَاثَةَ".

كيف تبرم من البلاء الذي نزل به، والله -جلّ وعلا- يقول: {وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}؟ كيف مُدح بالصبر؟ كيف يتبرم من البلاء؟ والله المستعان، ولا شك أنه اُبتلي، لكنه صبر واحتسب، ولا شك أن زوجته ارتكبت ما يقتضي التأديب، ارتكبت ما يقتضي التأديب، فحلف أن يضربها مائة جلدة، ولما كان ما ارتكبته عن اجتهاد منها، والنظر في مصلحة أيوب، يعني وُجه أيوب أن يأخذ ضغثًا فيضربها به، والله المستعان، أما هذه التفاصيل التي لم ترد في كتاب الله أو عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكلها متلقاة عن بني إسرائيل.

"وَأَنَّ النَّفَرَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ نَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: اسْتَعَانَ بِهِ مَظْلُومٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ فَابْتُلِيَ بِسَبَبِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: اسْتَضَافَ يَوْمًا النَّاسَ فَمَنَعَ فَقِيرًا الدُّخُولَ فَابْتُلِيَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ : كَانَ أَيُّوبُ يَغْزُو مَلِكًا وَكَانَ لَهُ غَنَمٌ فِي وِلَايَتِهِ، فَدَاهَنَهُ لِأَجْلِهَا بِتَرْكِ غَزْوِهِ فَابْتُلِيَ".

المداهنة محرمة، وهي التنازل عن شيءٌ من الحق، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}[القلم:9]، بخلاف المداراة، والنظر في العواقب، وترك ما لا يجب فعله، وارتكاب ما لا يحرم ارتكابه، المداراة جائزة للحاجة، النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر عن الأعرابي، «أنه بِئس أخو العشيرة»، فلما أُذن له ودخل، انبسط معه في الكلام، والانبساط لا يناسب ذمه في الظاهر، لكن الحاجة تقتضي ذلك، ولم يتنازل عن فعل مأمور، ولا ارتكاب محظور، هذه مداراة، وهي جائزة عند الحاجة إليها، وقد تكون مطلوبة، إذا كانت تحقق مصالح، وتدرأ مفاسد، بينما المداهنة المقتضية لشيء من التنازل عن الواجبات، أو ارتكاب بعض المحظورات، فهذه هي التي قال الله عنها، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}، يعني تتنازل عن شيءٍ من دينك، وهم يتنازلون عن شيءٍ من دينهم، وهذا ما يعرف بالتقارب، هذا ما يُعرف بالتقارب، وهو الذي يُنادى به ويُدعى إليه، سواء كان بين المسلمين مع غيرهم من اليهود والنصارى، أو كان من أهل السنة مع غيرهم من الفئات الضالة، وهذا لا يجوز بحال، هذه هي المداهنة، والله المستعان.

"وَقِيلَ: كَانَ النَّاسُ يَتَعَدَّوْنَ امْرَأَتَهُ وَيَقُولُونَ: نَخْشَى الْعَدْوَى، وَكَانُوا يَسْتَقْذِرُونَهَا، فَلِهَذَا قَالَ: {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ}. وَامْرَأَتُهُ لَيَّا بِنْتُ يَعْقُوبَ. وَكَانَ أَيُّوبُ فِي زَمَنِ يَعْقُوبَ، وَكَانَتْ أُمُّهُ ابْنَةَ لُوطٍ. وَقِيلَ: كَانَتْ زَوْجَةُ أَيُّوبَ رَحْمَةُ بِنْتُ إِفْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-. ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الطَّبَرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-".

في كثير من الأنساب، كثير مما يذكر بالتفصيل مما أجمله الله -جلّ وعلا- بكتابه، ولم يرد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، تجد الخلاف الكبير بين المؤرخين، الخلاف كبير بين المؤرخين، وتجدهم بالنسبة للأوقات تتفاوت أقوالهم، حتى قال من المؤرخين إن هود وصالح بعد موسى- عليه السلام-، قول يعني لا حظ له من النظر، المؤرخ كلهم مطبقون على أن قوم هود، وقوم صالح، أمم متقدمة على إبراهيم -عليه السلام-.

 على كل حال، هذا يدل على أن الإنسان عليه أن يلتزم بما ثبت، عليه أن يلتزم بما ثبت في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا أسترسل وراء الأقوال، فهذه الأقوال لن تنتهي، وكثيرٌ منها متلقًّى عن بني إسرائيل، وفيه ما يتضمن المخالفة، وفيه ما يتضمن سوء الأدب مع هؤلاء المعصومين، فالاسترسال في هذا حتى وإن كثر في كتب التفسير على وجه الخصوص، فإن هذا لا ينبغي الاسترسال معه.

 بعض الناس يتلذذ إذا سمع مثل هذا الكلام، ويقرأ أخبارًا غريبة وكذا، حتى إن بعضهم لما قيل له: تفسير ابن كثير اُختصر، قيل له: تفسير ابن كثير اختصر، في أول ما اختصر تفسير ابن كثير، قال: ماذا صنعوا، قال: حذفوا الإسرائيليات، وحذفوا الأسانيد، والتكرار، قال: حذفوا الإسرائيليات فماذا نقرأ؟ فالإسرائيليات هي التي مشتنا للتفسير.

هذا الكلام باطل، ولا يمكن أن يصدر عن طالب علم، وإن كان القائل محبًّا للقراءة ويحب كتب التفسير وغيرها من كتب العلم، لكن دليل على جهله، لا علم عنده. ولو سمعنا هذا نلوم ابن كثير على ما وضعه في كتابه إلا بقدر ما هو مخالف لما في شرعنا، نعم فيهم الأعاجيب، وقد جاء عن البزار «حدِّثوا عن بني إسرائيل فإن فيهم الأعاجيب»؛ يعني تسمع كلامًا غريبًا مما جاء عنهم، وهذا الذي جعل بعض الناس يتلذذ بقراءة مثل هذه الأخبار.

 وعلى كل حال إذا ورد ما يخالف ديننا فإنه مرفوضٌ مردود، على قائله كائنًا من كان.

طالب:......

معروف الذي لا يدخل العقل، يعني سفينة نوح طافت في البيت سبعًا، وصلت خلف المقام ركعتين، يمكن أن يقبل هذا أحد؟ لا عاقل ولا مجنون هذا، لا عاقل ولا مجنون يقبله.

"قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ لَهُ مَكَانٌ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ يَوْمًا مِنَ الْعَامِ فَقَوْلٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ أُهْبِطَ مِنْهَا بِلَعْنَةٍ وَسَخَطٍ إِلَى الْأَرْضِ".

ابن العربي له مواقف كثيرة في تفسيره، وفي غيره من كتبه، مثل هذا الموقف، ويُحمد عليه، يُفنِّد هذه الأقوال المخالفة للنقل والعقل، هو من النقاد.

طالب:......

السن يحتمل؛ لأنه الغزالي خمسمائة وخمسة، وهذا خمسمائة.

طالب: خمسمائة وخمسة ابن العربي؟

لا، الغزالي. ابن العربي بعد خمسمائة اثنين وأربعين، ثلاثة وأربعين، نعم، السن يحتمل، وهو هاجر إلى المشرق، والتقى بكثير من العلماء، وهو يذكر القصص التي حصلت له، ذكرها في كتبه.

"فَكَيْفَ يَرْقَى إِلَى مَحَلِّ الرِّضَا، وَيَجُولُ فِي مَقَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَخْتَرِقُ السَّمَاوَاتِ الْعُلَى، وَيَعْلُو إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى مَنَازِلِ الْأَنْبِيَاءِ، فَيَقِفُ مَوْقِفَ الْخَلِيلِ؟! إِنَّ هَذَا لَخَطْبٌ مِنَ الْجَهَالَةِ عَظِيمٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: هَلْ قَدَرْتَ مِنْ عَبْدِي أَيُّوبَ عَلَى شَيْءٍ؟ فَبَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يُكَلِّمُ الْكُفَّارَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ الْمَلْعُونِ، فَكَيْفَ يُكَلِّمُ مَنْ تَوَلَّى إِضْلَالَهُمْ؟!

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: قَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ، فَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْقُدْرَةِ، وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ نَفَخَ فِي جَسَدِهِ حِينَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ أَبْعَدُ، وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ كَسْبٌ حَتَّى تَقَرَّ لَهُ- لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ- عَيْنٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنَا إِلَهُ الْأَرْضِ، وَلَوْ تَرَكْتِ ذِكْرَ اللَّهِ وَسَجَدْتِ أَنْتِ لِي لَعَافَيْتُهُ، فَاعْلَمُوا.

قوله، قول ابن العربي: والباري قادر على أن يخلق ذلك كله، من غير أن يكون للشيطان فيه كسبٌ، حتى تقر له عين، التعبير أن يخلق ذلك، تعبير أشعري، الله -جلّ وعلا- {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ،{إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، سواء كان من البلاء أو من الصحة والعافية، أو من غيرهما، الله -جلّ وعلا- خلق العباد، وخلق أعمالهم، وأفعالهم، لكن هذه من أفعال الله -جلّ وعلا- تكون بكلمة كن، والذين يعبرون بهذا التعبير، فهم في الغالب الأشاعرة.

طالب: .....

فيهم تمشعر، لا ابن العربي ولا القرطبي.

"وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنَا إِلَهُ الْأَرْضِ، وَلَوْ تَرَكْتِ ذِكْرَ اللَّهِ وَسَجَدْتِ أَنْتِ لِي لَعَافَيْتُهُ، فَاعْلَمُوا، فَاعْلَمُوا وَإِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ لِأَحَدِكُمْ وَبِهِ أَلَمٌ وَقَالَ هَذَا الْكَلَامَ مَا جَازَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ يُسْجَدُ لَهُ، وَأَنَّهُ يُعَافِي مِنَ الْبَلَاءِ".

مهما بلغت به الضرورة، لو بلغت الضرورة القصوى، وأُمر بالسجود لأحد فلا يجوز له أن يسجد، لا يجوز له أن يكفر بالفعل، قد يجوز له أن ينطق بكلمةٍ هي من الكفر وقلبه مطمئنٌ بالإيمان، لكن أن يفعل فعلاً كفريًّا فلا.

"فَكَيْفَ أَنْ تَسْتَرِيبَ زَوْجَةُ نَبِيٍّ؟! وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةُ سَوَادِيٍّ أَوْ فَدْمٍ بَرْبَرِيٍّ مَا سَاغَ ذَلِكَ عِنْدَهَا".

يعني أغبى الناس، وأجهل الناس، زوجته ما تفعل هذا الفعل، ما تفعل هذا الفعل، فكيف بزوجة نبي عاشت معه، وسمعت ما جاء به من عند الله -جلّ وعلا-؟ هذا في غاية البعد، بل هو إلى الاستحالة أقرب.

"وَأَمَّا تَصْوِيرُهُ الْأَمْوَالَ وَالْأَهْلَ فِي وَادٍ لِلْمَرْأَةِ فَذَلِكَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِبْلِيسُ بِحَالٍ، وَلَا هُوَ فِي طَرِيقِ السِّحْرِ فَيُقَالُ إِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ. وَلَوْ تُصُوِّرَ لَعَلِمَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ سِحْرٌ كَمَا نَعْلَمُهُ نَحْنُ، وَهِيَ فَوْقَنَا فِي الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ".

لأن كل ما يكون خارقًا للعادة إن كان على يد نبي يدعى النبوة، وأُيد بذلك، فهي معجزة، وإن كان على يد رجلٌ صالح عرض عمله على الكتاب والسنة فوجد موافقًا له كان من الكرامات، وما عدا ذلك فهو سحر، وما يأتي به بعض الأشرار مما يدعونه من خفةٍ واحتراف، أحيانًا يكون احترافًا، هذا كله ضروب من السحر؛ لأنه ليس من المعجزات ولا من الكرامات، ولا ثالث إلا مخارق الشيطان، والله المستعان.

طالب: أحسن الله إليك، انتشرت في الجوالات مقاطع عن السحرة، فهل يجوز مشاهدتها؟

على حسب الباعث عليه وما يصدر عنه، إن صدر عنه إنكار، وهذه أول مرة يراها؛ لأن النظرة الأولى للمحرم من غير قصد معفوٌ عنها، لكن إذا تكررت، وتلذذ بها، ولم ينكرها فهذا حكمه حكم .....

" فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ زَمَانٌ قَطُّ مِنَ السِّحْرِ وَحَدِيثِهِ وَجَرْيِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَتَصْوِيرِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَالَّذِي جَرَّأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَتَذَرَّعُوا بِهِ إِلَى ذِكْرِ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ شَكَا مَسَّ الشَّيْطَانِ أَضَافُوا إِلَيْهِ مِنْ رَأْيِهِمْ مَا سَبَقَ مِنَ التَّفْسِيرِ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا وَالْأَفْعَالُ كُلُّهَا خَيْرُهَا وَشَرُّهَا. فِي إِيمَانِهَا وَكُفْرِهَا، طَاعَتِهَا وَعِصْيَانِهَا، خَالِقُهَا هُوَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ، وَلَا فِي خَلْقِ شَيْءٍ غَيْرِهَا، وَلَكِنَّ الشَّرَّ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ ذِكْرًا، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُ خَلْقًا، أَدَبًا أَدَّبَنَا بِهِ، وَتَحْمِيدًا عَلَّمَنَاهُ. وَكَانَ مِنْ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَبِّهِ بِهِ قَوْلٌ مِنْ جُمْلَتِهِ: «وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»، عَلَى هَذَا الْمَعْنَى".

{وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن:10]، {أَشَرٌّ} يبنى فيه الفعل للمجهول، أدبًا مع الله- جلّ وعلا-، والخير يضاف إلى الله -جلّ وعلا- صراحةً.

"وَمِنْهُ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}".

فأضاف المرض إلى نفسه، {مَرِضْتُ}، إن قال: "إذا أمرضني الله فهو يشفين" هو الذي أمرضه، لكن، من باب الأدب التلطف في الأسلوب والعبارة، والتنزُّه عن إضافة الشر إلى الله - جلّ وعلا-، قال: {مَرِضْتُ}، والشفاء لما كان مطلوبًا محبوبًا، أضافه إلى الله -جلّ وعلا-.

"وَقَالَ الْفَتَى لِلْكَلِيمِ: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ}. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِ مَظْلُومٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، فَمَنْ لَنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ؟ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى نَصْرِهِ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَرْكُهُ فَيُلَامُ عَلَى أَنَّهُ عَصَى وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. أَوْ كَانَ عَاجِزًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ".

يعني جاء الأمر بنصر المظلوم، «انصر أخالك ظالمًا أو مظلومًا»؛ فنصره واجب، لكن مع القدرة، ومع العلم بهذا الظلم، وإذا تخلفت القدرة فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وإذا تخلف العلم، تخلف العلم الذي لم يبلغ الأمر، كيف يطلع عليه فيريد رفعه؟

"وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ مَنَعَ فَقِيرًا مِنَ الدُّخُولِ، إِنْ كَانَ عَلِمَ بِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ دَاهَنَ عَلَى غَنَمِهِ الْمَلِكَ الْكَافِرَ، فَلَا تَقُلْ دَاهَنَ، وَلَكِنْ قُلْ: دَارَى".

فرقٌ بين المداهنة والمدارة على ما ذكرنا سابقًا.

"وَدَفْعُ الْكَافِرِ وَالظَّالِمِ عَنِ النَّفْسِ أَوِ الْمَالِ بِالْمَالِ جَائِزٌ، نَعَمْ وَيَحْسُنُ الْكَلَامُ".

يعني تلطف معه في الخطاب، وقد يُتنازل له عن شيءٍ من المال؛ درءًا لشره ودفعًا له، وأما المداهنة المقتضية التنازل عن شيءٍ من حقوق الله، فلا.

"قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَيُّوبَ فِي أَمْرِهِ إِلَّا مَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ فِي آيَتَيْنِ، الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ} وَالثَّانِيَةُ فِي: [ص] {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}. وَأَمَّا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ إِلَّا قَوْلُهُ: «بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ إِذْ خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ»: الْحَدِيثُ. وَإِذْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فِيهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ".

فاتجه إلى الجراد وأخذ يجمع بثوبه، ولِيم على ذلك، فقال: اللهم لا غني بي عن بركتك.

"وَإِذْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فِيهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ، فَمَنِ الَّذِي يُوصِلُ السَّامِعَ إِلَى أَيُّوبَ خَبَرُهُ، أَمْ عَلَى أَيِّ لِسَانٍ سَمِعَهُ؟ وَالْإِسْرَائِيلِيَّاتُ مَرْفُوضَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْبَتَاتِ، فَأَعْرِضْ عَنْ سُطُورِهَا بَصَركَ، وَأَصْمِمْ عَنْ سَمَاعِهَا أُذُنَيْكَ، فَإِنَّهَا لَا تُعْطِي فِكْرَكَ إِلَّا خَيَالًا، وَلَا تَزِيدُ فُؤَادَكَ إِلَّا خَبَالًا. وَفِي الصَّحِيحِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّكُمْ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ»".

يعني أقرب الكتب الإلهية عهدًا بالله -جلّ وعلا-؛ لأنه آخرها وخاتمها، تقرؤونه.

"تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ".

يعني لم يُخلَط، القرآن محفوظ من أن يخلط بغيره، بخلاف الكتب التي استُحفِظ عليها أهلها فلم يحفظوها، وأما القرآن فتكفَّل الله بحفظة.

"وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَغَيَّرُوا وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكُتُبَ، فَقَالُوا: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} وَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ

الْمُوَطَّأِ عَلَى عُمَرَ قِرَاءَتَهُ التَّوْرَاةَ".

يعني لما رأى بيده شيئًا من التوراة أنكر عليه، وأغلظ عليه القول، «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ والله لو كان موسى حيًّا لم يسعه إلا اتباعي»، ونجد من يتوسّع في مطالعة الكتب الضارة مثل الكتب التي كان أصلها منزلاً ثم حُرفت من كتب اليهود والنصارى، نجد من يقتنيها ويطالعها، وكتب المبتدعة على اختلاف بدعهم في خفتها وغلظها، حتى إنه يقرأ الكتب المشتملة على البدع المكفرة، ويقول: إن هذا من باب الاطلاع، وحب الاطلاع. نعم يجوز مثل هذا لمن أراد الرد، بنية الرد شريطة أن يتمكن منه، وأن يتأهل له، وليس هذا لكل أحد.

 ويقال مثل هذا الكلام لمن يبيع الكتب، لا يجوز له بحال أن يبيع مثل هذه الكتب، لا يجوز أن يبيع مثل هذه الكتب، لكن إن وجد من يستفيد منها وتتوافر فيه الشروط، وطلبها من صاحب المكتبة أو شيء مثل هذا، فلا مانع أن يبيع عليه؛ لأن هذا ثواب ينفع الله به، إذا كان أهلاً للرد، أما إذا شُك في أمره، أو عرف أنه ليس بأهل، فلا يجوز بحال أن يُباع عليه، ولا يُهدى له.

طالب:... معرض الكتاب ......  

ما فيه شيء ممنوع الآن، خلاص، الآن حرية الرأي، وحرية كذا، والله المستعان.

طالب:........

لا يجوز، الكتب المحرفة لا يجوز بيعها، ولا النظر فيها، وللسيوطي كتاب اسمه (الأصل الأصيل في ذكر الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل)، ذكر الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل، لكن من تأهَّل، وأراد أن يلزمهم بكلامهم، سواء كان ذلك أهل الكتابين أو غيرهم من رؤؤس البدع، فشيخ الإسلام معروف أنه رد على النصارى، ونقل من كلامهم في الإنجيل، ورد على اليهود، ورد على طوائف البدع من كتبهم.

 ومن العجيب أنه بسلاحهم            أرداهم نحو الحضيض الداني!

رحمة الله عليه.

طالب:...... من يبيع الإنجيل على نصراني، هل يقاس عليه من يبيع العنب لمن يصنع  خمرًا...

على كل حال لا يجوز له أن يبيع الإنجيل المحرف، ولا يوجد إنجيل غير محرف.

طالب: .....

لا هو لذاته، لا لأنه وسيلة إلى غيره، هذا محرم لذاته، والعنب لأنه وسيلة إلى غيره. هذا يجوز في بعض الحالات، بيع العنب يجوز في بعض الحالات تبيع العنب ولا تدري عن صاحبه، أما هذا فتعرف أنه كلامه محرف.

طالب: وهل يوجد نصارى أصلًا....

ما عندهم، كثير منهم تمرد على كتبهم، وهو مجرد انتساب، دعوة يعني.

طالب:......

في ذكر الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} الرَّكْضُ الدَّفْعُ بِالرِّجْلِ. يُقَالُ: رَكَضَ الدَّابَّةَ، وَرَكَضَ ثَوْبَهُ بِرِجْلِهِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الرَّكْضُ التَّحْرِيكُ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ: رُكِضْتُ الدَّابَّةَ وَلَا يُقَالُ: رَكَضَتْ هِيَ؛ لِأَنَّ الرَّكْضَ إِنَّمَا هُوَ تَحْرِيكُ رَاكِبِهَا رِجْلَيْهِ، وَلَا فِعْلَ لَهَا فِي ذَلِكَ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: رَكَضْتُ الدَّابَّةَ فَرَكَضَتْ مِثْلَ جَبَرْتُ الْعَظْمَ فَجَبَرَ، وَحَزَنْتَهُ فَحَزِنَ، وَفِي الْكَلَامِ إِضْمَارٌ، أَيْ: قُلْنَا لَهُ: ارْكُضْ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَهَذَا لَمَّا عَافَاهُ اللَّهُ.

 {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}؛ أَيْ فَرَكَضَ فَنَبَعَتْ عَيْنُ مَاءٍ فَاغْتَسَلَ بِهِ، فَذَهَبَ الدَّاءُ مِنْ ظَاهِرِهِ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْهُ فَذَهَبَ الدَّاءُ مِنْ بَاطِنِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمَا عَيْنَانِ بِأَرْضِ الشَّامِ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْجَابِيَةُ، فَاغْتَسَلَ مِنْ إِحْدَاهُمَا فَأَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرَ دَائِهِ، وَشَرِبَ مِنَ الْأُخْرَى فَأَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى بَاطِنَ دَائِهِ. وَنَحْوَهُ عَنِ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ، قَالَ مُقَاتِلٌ: نَبَعَتْ عَيْنٌ حَارَّةٌ وَاغْتَسَلَ فِيهَا فَخَرَجَ صَحِيحًا، ثُمَّ نَبَعَتْ عَيْنٌ أُخْرَى فَشَرِبَ مِنْهَا مَاءً عَذْبًا. وَقِيلَ: أُمِرَ بِالرَّكْضِ بِالرِّجْلِ لِيَتَنَاثَرَ عَنْهُ كُلُّ دَاءٍ فِي جَسَدِهِ. وَالْمُغْتَسَلُ الْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ".

من هذا الكلام قد حصل بعض الفتن لبعض الناس، وافتتانهم ببعض المياه وبعض العيون وبعض الآبار، وحصل هذا سواء كانت عيون الإحساء، أو كانت عيون في الشمال خيَّم الناس حولها، وصاروا يستشفون بها، ويبيعونها على أنها دواء، مثل هذا إذا ثبت بالتجربة، أن فيه شيئًا من النفع، أو أنه يشتمل على مواد كبريتيه نافعة لهذا المرض، فلا شك أنه سبب من الأسباب، نوع من العلاج، لكن يبقى أن التعلق بها هو الشرك بعينه، وإذا ادّعي فيها ما ليس فيها، فأيضًا هذا من شرك الأسباب، يعني عين ما لها أدني تأثير، ولا تتميز بشيء، ثم يقال: إنها شفاء، وليس بسبب لا شرعي ولا عادي، هذا هو الشرك، نسأل الله العافية.

حصل فتن في عيون ظهرت بالشمال قبل سنين، وعسكر الناس وخيَّموا حولها، مخيمات كأنك في عرفة؛ من أجل هذا الماء يستسقون به، يروِّجون له، ولا شك أن المصالح التجارية هي التي تُسيِّر في الغالب بعض الناس، ثم يأتي من يظن أن فيها شيئًا من هذا، ويصدقهم؛ طلبًا للشفاء، والمريض يبحث عن الشفاء بأي وسيلة، وله ذلك إلا في المحرم، «تداووا عباد الله، ولا تداووا بحرام»، فكيف بالشرك؟

طالب:........

هذا ما يكفي، ما يكفي هذا، لا بد أن يكون منصوصًا، ابن القيم تساهل في هذا، لكن ما يكفي؛ لأن هذه عبادة في عبادة، يزيد أمرها، لكن لو كان في غير العبادة ودعا وجرَّب، ابن القيم تسامح في هذا، أما في العبادة؛ يعني الذكر في العبادة محدد شرعًا، في السجود أذكارٌ معروفة، ثم يدعو قمن أن يُستجاب له، لكن يحدد في العبادة، لا يمكن أن يحصل.

طالب: بالنسبة للعين يا شيخ، يكون مجربًا........

على كل حال المجرب هو نوع من العلاج، تكون سببًا من الأسباب التي لا يجوز التعلق به، ولا اعتقاد تأثيره بنفسه، ولو كان مجربًا، لا يؤثر بنفسه، هذا قول المعتزلة، ولا يُسلب التأثير بالكلية كما تقول الأشعرية، وأهل السنة وسط في هذا.

"وَالْمُغْتَسَلُ الْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ، قَالَ الْقُتَبِيُّ: وَقِيلَ: إِنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ، قَالَه مُقَاتِلٌ. قال الْجَوْهَرِيُّ: وَاغْتَسَلْتُ بِالْمَاءِ، وَالْغَسُولُ: الْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُغْتَسَلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}، وَالْمُغْتَسَلُ أَيْضًا الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ، وَالْمَغْسِلُ وَالْمَغْسَلُ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا مَغْسَلُ الْمَوْتَى وَالْجَمْعُ الْمَغَاسِلُ.

وَاخْتُلِفَ كَمْ بَقِيَ أَيُّوبُ فِي الْبَلَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبْعَ سِنِينَ وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ سَاعَاتٍ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أَصَابَ أَيُّوبَ الْبَلَاءُ سَبْعَ سِنِينَ، وَتُرِكَ يُوسُفُ، فِي السِّجْنِ سَبْعَ سِنِينَ، وَعُذِّبَ بُخْتُنَصَّرُ وَحُوِّلَ فِي السِّبَاعِ سَبْعَ سِنِينَ، ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ. وَقِيلَ: عَشْرَ سِنِينَ. وَقِيلَ: ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً. رَوَاهُ أَنَسٌ مَرْفُوعًا فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ.

مخرج؟

طالب:......

نعم.

" قُلْتُ: وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ يَوْمًا أَيُّوبَ، وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْبَلَاءَ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ بِهِ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْقُشَيْرِيُّ. وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً".

ما هو الحديث؟

نعم؟

الحديث.

ابن شهاب مرسل، ومراسيله ضعيفة. سيأتي كلام المؤلف على استدلال بعض ضلال المتصوفة، بقوله: {ارْكُضْ} على جواز الرقص، جواز الرقص، نعم، سيجيء كلام المؤلف في هذا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} تَقَدَّمَ فِي (الْأَنْبِيَاءِ) الْكَلَامُ فِيهِ. {رَحْمَةً مِنَّا}؛ أَيْ نِعْمَةً مِنَّا. {وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}؛ أَيْ عِبْرَةً لِذَوِي الْعُقُولِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: كَانَ أَيُّوبُ حَلَفَ فِي مَرَضِهِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَفِي سَبَبِ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ إِبْلِيسَ لَقِيَهَا فِي صُورَةِ طَبِيبٍ فَدَعَتْهُ لِمُدَاوَاةِ أَيُّوبَ، فَقَالَ: أُدَاوِيهِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا بَرِئَ قَالَ: أَنْتَ شَفَيْتَنِي، لَا أُرِيدُ جَزَاءً سِوَاهُ. قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَشَارَتْ عَلَى أَيُّوبَ بِذَلِكَ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا. وَقَالَ: وَيْحَكِ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ. الثَّانِي: مَا حَكَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهَا جَاءَتْهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا كَانَتْ تَأْتِيهِ مِنَ الْخُبْزِ، فَخَافَ خِيَانَتَهَا فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا. الثَّالِثُ: مَا حَكَاهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ أَغْوَاهَا أَنْ تَحْمِلَ أَيُّوبَ عَلَى أَنْ يَذْبَحَ سَخْلَةً تَقَرُّبًا إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَبْرَأُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا إِنْ عُوفِيَ مِائَةً. الرَّابِعُ: قِيلَ: بَاعَتْ ذَوَائِبَهَا بِرَغِيفَيْنِ إِذْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا تَحْمِلُهُ إِلَى أَيُّوبَ، وَكَانَ أَيُّوبُ يَتَعَلَّقُ بِهَا إِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ، فَلِهَذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا. فَلَمَّا شَفَاهُ اللَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ ضِغْثًا فَيَضْرِبَ بِهِ، فَأَخَذَ شَمَارِيخَ قَدْرَ مِائَةٍ فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً. وَقِيلَ: الضِّغْثُ قَبْضَةُ حَشِيشٍ مُخْتَلِطَةُ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ إِثْكَالُ النَّخْلِ الْجَامِعِ بِشَمَارِيخِهِ.

الثانية".

المقصود أنه وُجِه إلى أن يضربها ضربة واحدة، بما يجمع مائة شمراخ من أجل أن يتحقق ما حلف به، وهذا لا شك أنه فيه مندوحة، ومخرجًا من هذا اليمين، وإن كان فيه نوع حيلة؛ لأن من حلف على ضربه لا يستحق هذا الضرب، وهل يجزئ إذا حلف الرجل ليضربن زوجته أو ولده مائة أن يفعل مثل هذا الصنيع؟ منهم من يقول: إن هذا خاص به، وشرعنا إما أن يفعل أو يُكفر، ولا يتحايل على التخلص مما أوجب الله عليه، إما أن يضرب مائة إذا كان مستحقًّا لذلك، أو يعدل عنه إذا رأى أن غير التنفيذ خير منه، فيكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، والمسألة سيأتي الإشارة إليها.

"الثَّانِيَةُ: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَوَازَ ضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ تَأْدِيبًا".

نعم إذا نشزت أو فعلت ما تستحق به الأدب، لما جاء في سورة النساء {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34].

"وَذَلِكَ أَنَّ امْرَأَةَ أَيُّوبَ".

لكن الضرب ليس أول العلاج، الوعظ قبله، ثم الهجر، ثم الضرب.

 "وَذَلِكَ أَنَّ امْرَأَةَ أَيُّوبَ أَخْطَأَتْ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا مِائَةً، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَضْرِبَهَا بِعُثْكُولٍ مِنْ عَثَاكِيلِ النَّخْلِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ. إِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فَوْقَ حَدِّ الْأَدَبِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فَوْقَ حَدِّ الْأَدَبِ، وَلِهَذَا قَالَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ» عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي النِّسَاءِ بَيَانُهُ".

وجاء في الحديث الصحيح: «لا يجازى فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله»، يعني الأدب لا يجوز أن يزاد فيه عن عشرة أسواط، والمراد أدب الزوجة، وأدب الولد، وأدب التلاميذ وما شبه ذلك، ليس المراد به التعزيرات التي لا يرتدع أصحابها إلا بما هو فوق ذلك.

طالب:........

إذا كان يؤدبها.. يعني أمر به أم؟

طالب:.......

ما أدري، ما يحضرني شيء.

"الثَّالِثَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحُكْمِ هَلْ هُوَ عَامٌّ أَو َخَاصٌّ بِأَيُّوبَ وَحْدَهُ، فَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ عَامٌّ لِلنَّاسِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَحُكِيَ عَنِ الْقُشَيْرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِأَيُّوبَ. وَحَكَى الْمَهْدَوِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ بَاقٍ، وَأَنَّهُ إِذَا ضَرَبَ بِمِائَةِ قَضِيبٍ وَنَحْوَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً بَرَّ".

على أنه على الضارب أن يتأكد أن المائة أصابت المضروب، يعني ما يجمع مائة ويضربه بها مرةً واحدة، ويباشره منها عشرة أو عشرون والباقية مستترة خلف المباشر، هذا ما يكفي، ما يصح أنه ضربه مائة، لكن لا بد أن يتأكد أن هذه المائة كلها ضربت المحلوف عليه.

"وَرَوَى نَحْوَهُ الشَّافِعِيُّ. وَرَوَى نَحْوَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فِي الْمُقْعَدِ الَّذِي حَمَلَتْ مِنْهُ الْوَلِيدَةُ، وَأَمَرَ أَنْ يُضْرَبَ بِعُثْكُولٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ضَرْبَةً وَاحِدَةً». وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ".

في السنة أن روجيلاً زنى بأمة قوم، فأُمر به فضرب بالعثكول هذا، مخرج هذا الحديث؟ من خرج هذا؟

طالب:......

نعم.

"وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ: وَقِيلَ لِعَطَاءٍ هَلْ يُعْمَلُ بِهَذَا الْيَوْمِ؟ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ إِلَّا لِيُعْمَلَ بِهِ وَيُتَّبَعَ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا لِأَيُّوبَ خَاصَّةٌ. وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً لَمْ يَبَرَّ. قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: يُرِيدُ مَالِكٌ قَوْلهُ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}".

ويكون هذا من شرع من قبلنا، شرع من قبلنا شريعة أيوب، وشرعه ليس شرعًا لنا، عند جمع غفير من أهل العلم.

"أَيْ: إِنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِشَرِيعَتِنَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً. وَأَنْكَرَ مَالِكٌ هَذَا وَتَلَا قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَهَذَا مَذْهَبُ".

الوليد بن عقبة شرب الخمر وتقيأها، فأمر عثمان عليًّا أن يقيم عليه الحد، فسلَّمه إلى الحسن، فقال الحسن: ليتولى حرها من تولى قارها، "يتولى حرّها من تولى قرها"، فدفعه إلى عبد الله بن جعفر فضربه أربعين، ثم قال علي -رضي الله عنه-: جلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين، وجلد أبو بكرٍ أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكلٌّ سنة، بعضهم يقول: إنه أكمل بعد الأربعين الأولى، أكمل أربعين ثانية؛ لأنه قال: وهذا أحب إلي، لماذا؟ لأنه سنة، ولا يردع الناس إلا الزيادة في العقوبة في مثل هذا إذا تتابع الناس عليها.

طالب:.......

هو الذي شرب الخمر وقال: أزيدكم.

طالب:......

علي -رضي الله عنه- قال: لا أبالي، بالنسبة لمن مات بأي حد من الحدود إلا الشرب، فإنه لو مات فديته؛ وذلك للخلاف في كونه حدًّا ولا تعزيرًا؛ يعني هل جلد الشارب هو حد أو تعزير؟ من أهل العلم من يرى أنه تعذير، ومنهم من يقول: إنه حد. ويختلفون في الحد هل هو الأربعون أو الثمانون؟ أو الأربعون حد، والأربعون الثانية تعزير، إلى أن يصل الأمر إلى قتله إذا أدمن، في الرابعة أو الخامسة، فاقتلوه، والخلاف أيضًا بين أهل العلم في قتله، في قتل المدمن معروف، الجمهور على أنه منسوخ، ومنهم من يرى أنه محكم، ومنهم من يرى أنه تعزير، وهذا قول شيخ الإسلام؛ يعني إذا رأى الإمام أن الناس لا يرتدعون بالحد، فله أن يقتل.

طالب: الفرق بين الحد والتعزير هو أن التعزير يكون بتقدير الحاكم..

لا، الحد لا يجوز التنازل عنه بحال من الأحوال، لا بد من تنفيذه، والتعزير مردُّه إلى اجتهاد الإمام.

طالب: .....

نعم.

طالب: قول مالك: فاجلدوا كل منهما مائة جلده، وهذا مذهب أصحاب الرأي أن الشاب يجلد مائة جلدة، أنكر مالك هذا، وتلا قول الله -عز وجلّ-.

وأنكر.

 "وَأَنْكَرَ مَالِكٌ هَذَا، وَتَلَا قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ".

منصوص الآية أنه ما يكفي أن يُجلد الزاني بخمسين سوطًا، كل سوط له طرفان، مثل ما جلد الشارب أربعين بسوط له طرفان، إنما مفهوم المائة أنها بالعد من واحد إلى المائة.

"وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ بِحَدِيثٍ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قُلْتُ: الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْأَنْصَارِ، «أَنَّهُ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى أَضْنَى»".

يعني تعب، تعبًا شديدًا.

"«فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالُ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ: اسْتَفْتُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِنِّي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الضُّرِّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بِهِ، لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ، مَا هُوَ إِلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ»".

وهذا من شؤم الخلوة، وهذا من شؤم الخلوة، فإنها مؤثرة في نفس الرجل ولو كان مريضًا، ولو كان شديد المرض، لهذا لا يجوز بحال أن تدخل المرأة الأجنبية ولو باسم الطب، ولو كانت ممرضة على رجل دون محرم، محرم لها، دون محرمٍ لها، لا يجوز بحال، وإذا حصل هذا في عصر النبوة فما الشأن بعصرنا؟ قد وجد من فيه أمراض مستعصية، منهم مريض بالسرطان، ووقع منه مثل هذا الأمر، نسأل الله العافية، يعني يصارع الموت، ووقع منه مثل هذا، والله المستعان.

وهذا سببه شؤم المخالفة، «لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، هذا مريض، جلد على عظم، لو حملوه تفسخ، ويوجد في بعض القضايا، يعني قضايا نادرة، لكنها موجودة، يعني يوجد من المرضى التحرش بالممرضات، يوجد أيضًا بعض الأمور التي هي أعظم من ذلك، والله المستعان، فلا يجوز بحال أن يخلو الرجل بالمرأة، سواء كان الرجل هو المريض، أو كانت المرأة هي المريضة، وأن يوجد بعض القضايا في أوضاع لا يقبلها عاقل، لكن الشيطان يزيِّن بعض النساء في حالة ولادة، وجد بعض الأمور المخالفة للشرع، المرأة حال الولادة لا يقبلها أحد، ومع ذلك وجد بعض الأمور، نسأل الله  السلامة والعافية، وكل هذا من شؤم مخالفة الأوامر الشرعية.

طالب: أحيانًا في المستوصفات يمر من يفتح الباب، فهل فتح الباب هذا يكسر الخلوة؟

هذا إذا كان يمر أحد بكثرة في طريق ما..

طالب: يمر يفتح الباب.

 لا، ما يكفي، ما يكفي، ممكن ما يمر أحد.

طالب: حتى ولو كان طبيبًا؟

ولا طبيب ولا غيره، الطبيب مثل غيره.

طالب: ....

على كل حال، إذا وجد طبيب وممرضة ارتفعت الخلوة، لكن يبقى أن المسألة خطيرة، لا بد من الاحتياط في هذه الأمور.

"«فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً»، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا مِائَةَ جَلْدَةٍ، أَوْ ضَرْبًا وَلَمْ يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَلَمْ يَنْوِ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ يَكْفِيهِ مِثْلُ هَذَا الضَّرْبِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ وَلَا يَحْنَثُ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً، فَضَرَبَهُ ضَرْبًا خَفِيفًا، فَهُوَ بَارٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الضَّرْبُ إِلَّا الضَّرْبَ الَّذِي يُؤْلِمُ".

وهذا يختلف باختلاف الباعث على هذا اليمين، إذا كان الباعث شديدًا، فالمعروف أن الضرب في مثل هذه الحالة يكون شديدًا، فالضرب الهيِّن لا يبر به، وإذا كان الباعث عليه خفيفًا فهو تبعٌ له. 

"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْنَثْ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْيَمِينِ لَا يَرْفَعُ حُكْمًا إِذَا كَانَ مُتَرَاخِيًا. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي "الْمَائِدَةِ" يُقَالُ: حَنِثَ فِي يَمِينِهِ يَحْنَثُ إِذَا لَمْ يَبَرَّ بِهَا. وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ الْوَاوُ مُقْحَمَةٌ، أَيْ: فَاضْرِبْ لَا تَحْنَثْ".

إذا كانت غير مقحمة، ولها معنى، وهي عاطفة، فتعطف {وَلَا تَحْنَثْ} على شيءٍ مقدَّر، ولذا قال: دليلٌ على أن الاستثناء في اليمين لا يرفع حكمًا إذا كان متراخيًا، إذا حلف أن يضرب ولده مائة إلا أن يشاء الله، أو إلا أن يفعل كذا، يعني الولد، فهذا استثناء يرفع إذا حصل ما علق عليه، لكن إذا تراخى، حلف ليضربن ولده أو امرأته مائة جلده، ثم قال: في الغد أو بعده إلا أن يشاء الله، فهذا ما ينفع إلا عند ابن عباس -رضي الله عنه-. 

"الْخَامِسَةُ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاضْرِبْ بِه وَلَا تَحْنَثْ} يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهِمْ كَفَّارَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْبَرُّ وَالْحِنْثُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْهُ نَذْرٌ لَا يَمِينَ، وَإِذَا كَانَ النَّذْرُ مُعَيَّنًا فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي كُلِّ نَذْرٍ كَفَّارَةٌ".

إذا كان ندر معصية، أو كان لا يُستطاع، أو غير مقدور عليه فيكفر كفارة يمين.

"قُلْتُ: قَوْلُهُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهِمْ كَفَّارَةٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ أَيُّوبَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا بَقِيَ فِي الْبَلَاءِ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: لَقَدْ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا مَا أَظُنُّ أَحَدًا بَلَغَهُ. فَقَالَ أَيُّوبُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ، غَيْرَ أَنَّ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَزَاعَمَانِ، فَكُلٌّ يَحْلِفُ بِاللَّهِ، أَوْ عَلَى النَّفَرِ يَتَزَاعَمُونَ فَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي، فَأُكَفِّرُ عَنْ أَيْمَانِهِمْ؛ إِرَادَةَ أَلَّا يَأْثَمَ أَحَدٌ يَذْكُرُهُ وَلَا يَذْكُرُهُ إِلَّا بِحَقٍّ.

 {فَنَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَقَدْ أَفَادَكَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ كَانَتْ مِنْ شَرْعِ أَيُّوبَ، وَأَنَّ مَنْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَقَدْ قَامَ بِالْوَاجِبِ عَنْهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ".

كونه يكفر عنه، أو يُخرِج عنه ما يجب عليه شرعًا من الحقوق إذا كان لا منّة له عليه، فهذا لا إشكال فيه، وإن كان  بحيث لو علم به رفض؛ لوجود المنّة، فإن هذا لا يكفي حتى يعلم، وأيضًا كون الإنسان يقصد براءة ذمته، هذا مطلوب، أما أن تبرأ ذمته بغير علمه، فهذا محل نظر عند أهل العلم، فمنهم من يرى أنه لا يكفي إلا أن يعلم، لا يكفي إلا أن يعلم.

 يعني شخص عليه زكاة، ألف ريال زكاة، فجاء شخص فدفعها، ومن تعلَّقت بذمته لا يعلم بذلك، وقد يكون قد تركها عمدًا، وأثم بذلك، لا شك أن مثل هذا لا بد من علمه، لا بد من علمه؛ لأن هذه أمور ترتبت على الذمم، فلا ترتفع إلا بقصد رفعها، أما إذا أدَّاها بنفسه، دفع الزكاة أو سدَّد الدين، فمثل هذا يقول: إنه من باب التروك، كرفع النجاسة فلا يحتاج إلى نية، مع أن النية عبادة، مع أن الزكاة عبادة، بل ركن من أركان الإسلام، والأعمال بالنيات، «والأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، فالإنسان الذي لا يدري بالشيء لا تتحقق له نيته.

طالب:......

ماذا ؟

طالب: ..... الشافعي..

هذا تبعًا للمرسل، تبعًا للحديث المرسل، إن ثبت وإلا، أقول: إن ثبت خبر ابن شهاب المرسل السابق وإلا فهو لا يثبت به حكم.

طالب: هل الأيمان يا شيخ مثل البيع والشراء تصرف فضولي، لا أن يصح بإذن صاحب الشراء أو؟

لا، ما يشترط له مثل ما يشترط للعقود التي فيها إلزام، هذا من أنواع التبرعات، لكن ثبوت الأجر المرتب على هذه الأمور وعلى هذه التصرفات، لا بد أن يكون منويًّا، أما براءة الذمة في الظاهر فتبرأ، والأجر المرتب على ذلك يحتاج إلى نية.

طالب:.....

من ماله هو أو من مال الوالد؟

طالب:.....

على كل حال هذا نوع من أنواع البر، لكن إثمه وثبت، والله المستعان.

"السَّادِسَةُ: اسْتَدَلَّ بَعْضُ جُهَّالِ الْمُتَزَهِّدَةِ، وَطَغَامِ الْمُتَصَوِّفَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَيُّوبَ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ عَلَى جَوَازِ الرَّقْصِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ بَارِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أُمِرَ بِضَرْبِ الرِّجْلِ فَرَحًا كَانَ لَهُمْ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِضَرْبِ الرَّجُلِ؛ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ.

 قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَيْنَ الدَّلَالَةُ فِي مُبْتَلًى أُمِرَ عِنْدَ كَشْفِ الْبَلَاءِ بِأَنْ يَضْرِبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ إِعْجَازًا مِنَ الرَّقْصِ؟ وَلَئِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ تْحْرِيكْ رِجْلٍ قَدْ أَنْحَلَهَاَ تَحْكُمِ الْهَوْاءِ دَلَالَة عَلَىَ جَوْاَزِ الْرَقْصِ فِي الْإسْلاَمِ جَازَ أَنْ يَجْعَلَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ لِمُوسَى: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَر} دَلَالَةً عَلَى ضَرْبِ الْمُحَادِّ بِالْقُضْبَانِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ التَّلَاعُبِ بِالشَّرْعِ.

 وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ قَاصِرِيهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «قَالَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، فَحَجَلَ. وَقَالَ لِجَعْفَرٍ»".

مثل صنيع بعض الصبيان إذا سمع القارئ يقرأ القرآن رقص، هذا الاستدلال مثله، هذا بعيد كل البعد، رجل مريض يركض برجله الأرض من أجل أن ينبع الماء بأمر الله -جلّ وعلا- يقال: فيه دليل على الرقص، يضاهي صنيع الصبيان الذين إذا سمع منهم القارئ يقرأ القرآن رقص، لمجرد الصوت.

طالب:.....

لمجرد الصوت، يرقص على هذا، ضرب الرجل ما يدري ما وراءه، أي ضرب رجل يرقص الإنسان؟ هذا ضلال نسأل الله العافية.

طالب: بعضهم يستدل بقول الله تعالى: {الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا}..

يستدل على ماذا؟

على جواز الرقص.

لا، القيام واقف.

طالب: قيامًا وقعودًا يا شيخ.

حال القيام وحال القعود، حال القيام وحال القعود.

 "«وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي، فَحَجَلَ. وَقَالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا، فَحَجَلَ». وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ الْحَبَشَةَ زَفَنَتْ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ.

 وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْحَجَلُ فَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمَشْيِ يُفْعَلُ عِنْدَ الْفَرَحِ، فَأَيْنَ هُوَ وَالرَّقْصُ؟ وَكَذَلِكَ زَفْنُ الْحَبَشَةِ نَوْعٌ مِنَ الْمَشْيِ يُفْعَلُ عِنْدَ اللِّقَاءِ لِلْحَرْبِ.

 السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}؛ أَيْ عَلَى الْبَلَاءِ. {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أَيْ تَوَّابٌ رَجَّاعٌ مُطِيعٌ. وَسُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ عَبْدَيْنِ ابْتُلِيَ أَحَدُهُمَا فَصَبَرَ، وَأُنْعِمَ عَلَى الْآخَرِ فَشَكَرَ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى عَبْدَيْنِ، أَحَدُهُمَا صَابِرٌ، وَالْآخَرُ شَاكِرٌ ثَنَاءً وَاحِدًا، فَقَالَ فِي وَصْفِ أَيُّوبَ: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}، وَقَالَ فِي وَصْفِ سُلَيْمَانَ: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}".

والمفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر مسألة معروفة عند أهل العلم، وطال كلامهم فيها، كلٌّ يذكر فيما يرجّحه من النصوص ما جاء فيه، ابن القيم -رحمه الله- فصَّل في المسألة تفصيلًا في عدة الصابرين، في هذه المسألة، وذكر أدلتها وذيولها بما لا مزيد عليه. وشيخ الإسلام يرى أن الترجيح إنما هو بالتقوى، فإن كان هذا الغني الشاكر عنده من التقوى أكثر مما عند ذلك الفقير الصابر، فهو أفضل، وإن كان  عند الفقير الصابر من التقوى ما لا يوجد نظيره عند ذلك الغني الشاكر فهو أفضل، فالتفاضل بالتقوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، وهذه عوارض، هذه عوارض، قد يكون تأثيرها على التقوى بالنسبة للغني واضحًا، أما بالنسبة للفقير، فتأثيره على تقواه أقل، ومن هنا رأى بعضهم أن الفقير الصابر أفضل؛ لأن فقره لا يؤثر على تقواه بخلاف الغني.

 وعلى كل حال كل هذه عوارض لا يُنظر إليها، إنما يُنظر إلى أثرها، ينظر لأثرها لا ينظر لها، نعم.

طالب:.....

ماذا يعني اللهو؟

طالب: اللهو العرضات وما العرضات..

كل هذا لا يجوز هذا، كل هذا لا يجوز.

طالب:.....

نعم، أمر النساء يعني، إظهار الفرح بالنسبة للنساء، وفي الأعياد، يعني أمره أخف، في ديننا فسحة، لكن ليست قاعدة عامة، ليس هو الأصل، الأصل المنع، يباح منه ما جاءت به النصوص.

"قُلْتُ: وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْكَلَامَ صَاحِبُ الْقُوتِ".

قوت القلوب، مر بنا أكثر من مرة، لأبي طالبٍ المكي، معروف، وهو من السالمية؛ طائفة من المبتدعة، والقوت أصل لإحياء علوم الدين وغيره من كثير..

طالب:......

أبو طالب؟

طالب: نعم.

 لا، لا، لا، الكتب في علوم القرآن للمكي بن أبي طالب القيسي، غيره، غيره.

"وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ أَيُّوبَ فِي تَفْضِيلِ الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا شَيَّدَ بِهِ كَلَامَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ".

نعم لائقٌ به، لائق بمثله من المتصوفة أن يفضلوا الفقر، يعني يفضلوا الفقر على الغنى، والله المستعان.

"وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِ "مَنْهَجِ الْعِبَادِ وَمَحَجَّةِ السَّالِكِينَ وَالزُّهَّادِ".

العباد.

العباد؟

ما أعرف، ما أعرف الكتاب، لكن هذا الذي يظهر من سجعه.

" وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ أَيُّوبَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ أَحَدَ الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ الْبَلَاءِ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّمَا ابْتُلِيَ بِذَهَابِ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَعَظِيمِ الدَّاءِ فِي جَسَدِهِ. وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ- صَبَرُوا عَلَى مَا بِهِ امْتُحِنُوا وَفُتِنُوا. فَأَيُّوبُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- دَخَلَ فِي الْبَلَاءِ عَلَى صِفَةٍ، فَخَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ، وَمَا تَغَيَّرَ مِنْهُ حَالٌ وَلَا مَقَالٌ، فَقَدِ اجْتَمَعَ مَعَ أَيُّوبَ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ الَّذِي يَفْضُلُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ وَالْفَقِيرُ الصَّابِرُ سَوَاءً. وَهُوَ كَمَا قَالَ سُفْيَانُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

ويبقى أن المرجِّح في هذا الزيادة في التقوى، كما قال شيخ الإسلام.

"وَفِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَيُّوبَ خَرَجَ لِمَا كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ حَاجَتِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ. فَاغْتَسَلَ فَأَعَادَ اللَّهُ لَحْمَهُ وَشَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ، ثُمَّ شَرِبَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ كُلَّ مَا كَانَ فِي جَوْفِهِ مِنْ أَلَمٍ أَوْ ضَعْفٍ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ مِنَ السَّمَاءِ أَبْيَضَيْنِ فَائْتَزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِالْآخَرِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي إِلَى مَنْزِلِهِ وَرَاثَ عَلَى امْرَأَتِهِ»".

راث، يعني من التريث، وهو التأخر، يعني أبطأ عليها.

"«فَأَقْبَلَتْ حَتَّى لَقِيَتْهُ وَهِيَ لَا تَعْرِفُهُ، فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ: أَيْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هَلْ رَأَيْتَ هَذَا الرَّجُلَ الْمُبْتَلَى؟ قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: نَبِيُّ اللَّهِ أَيُّوبُ، أَمَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا. قَالَ: فَإِنِّي أَيُّوبُ. وَأَخَذَ ضِغْثًا فَضَرَبَهَا بِهِ»، فَزَعَمَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ ذَلِكَ الضِّغْثَ كَانَ ثُمَامًا".

ثمامًا: نبت ضعيف، خفيف ضعيف، لا يؤثر فيما يُضرب به.

"وَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، فَأَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ حَتَّى سَجَلَتْ فِي أَنْدَرِ قَمْحِهِ ذَهَبًا حَتَّى امْتَلَأَ، وَأَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنْدَرِ شَعِيرِهِ وَقَطَّانِيهِ فَسَجَلَتْ فِيهِ وَرِقًا حَتَّى امْتَلَأَ".

نعم، هذه السحابة صبت ماءها في المكان الذي يحفظ فيه القمح، والأخرى صبت الماء في المكان الذي يحفظ فيه الشعير، والله المستعان.

اللهم صلِّ على محمد.

الجمعة بإذن الله.

الله يحفظك، الله يحفظك.