شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (211)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرحُ كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الأخوة المستمعين.

المقدم: لا زال الحديث معنا حديث أم سلمة -رضي الله عنها- في باب "العلم والعظة بالليل" تحدثتم في الحلقة الماضية عن جملة من ألفاظ الحديث، نكمل ما تبقى، أحسن الله إليكم.  

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تقدم في الحلقة السابقة الحديث أو الكلام عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: «سبحان الله» متعجبًا مما أُنزل في تلك الليلة من الفتن، وما كشف له، وما أُخبر به عن الخزائن التي تكون بعده -عليه الصلاة والسلام-، هذا إذا قلنا: إن الخزائن المراد بها خزائن فارس والروم وما يُفتح من الدنيا، وأما إذا قلنا: إن الخزائن خزائن الرحمات فهي موجودة في عصره -عليه الصلاة والسلام- ومستمرة إلى يوم القيامة لمن عمل بما يرضي الله -جل وعلا-، يقول العيني: المعنى أنه -عليه الصلاة والسلام- رأى في تلك الليلة في المنام أنه سيقع بعده فتن، وأنه يُفتح لأمته الخزائن، وعرف عند الاستيقاظ حقيقته إما بالتعبير أو بالوحي إليه في اليقظة قبل النوم أو بعده، قبل النوم أو بعده؛ وقد وقعت الفتن كما هو المشهور من بعده -عليه الصلاة والسلام- وقع بين الصحابة ما وقع من الفتن، وفيمن بعدهم أظهر وأكثر كما هو المشهور، وفُتحت الخزائن حيث تسلطت الصحابة -رضوان الله عليهم- على فارس والروم وغيرهما، وهذا من  المعجزات، حيث أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- بها من قبل وقوعه فوقع مثل ما أخبر.

 وسيأتي ترجمة الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب "المناقب في باب علامات النبوة في الإسلام" ترجم على هذا الحديث في باب علامات النبوة، وهنا قال: وهذا من المعجزات، وسيأتي الفرق بين العلامة والمعجزة في نهاية الكلام على الحديث إن شاء الله تعالى، وفي شرح ابن بطال قال المهلب: فيه دليل على أن الفتن تكون في المال وغيره؛ لقوله: «ماذا أُنزل من الفتن؟ وماذا فُتح من الخزائن»، وكذلك قال حذيفة لعمر -رضي الله تعالى عنهما-: فتنة الرجل في أهله وماله تُكفرها الصلاة والصدقة في قول الله -جل وعلا-: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28ابتلاء واختبار من الله -جل وعلا- لمن أُعطي هذه النعم، هل يشكر أو لا يشكر؟

«أيقظوا» بفتح الهمزة أي نبهوا من الإيقاظ بكسر الهمزة. «صواحب» مفعول به، وفي شرح الكرماني يجوز كسرُ الهمزة ايقَظوا، يجوز كسرُ الهمزة أي انتبهوا. و«صواحب» منادى، ايقظوا يا صواحب، هكذا يقول الكرماني: و«صواحب» منادى لو صحت الرواية به، يعني لو صحت الرواية بكسر الهمزة فيجوز ذلك، ويكون إعرابها على ما ذكر، قال العيني: قلت: هذا ممنوع من وجهين أحدهما من جهة الرواية حيث لم يرووه هكذا، يعني لم يأتِ في رواية من الروايات بهذا اللفظ، والآخر من جهة اللفظ، وهو أنه لو كان كذلك كان يقال: ايقظن؛ لأن الخطاب للنساء، ايقظن، «صواحب الحُجر» بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة، وهي منازل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما خصهن بالإيقاظ؛ لأنهن الحاضرات حينئذٍ، أو من باب «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول»؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- استيقظ من أجل أن يعمل ما يستدفع به هذه الفتن، وأيقظ من يعول صواحب الحجر اللواتي هن أزواجه -عليه الصلاة والسلام-، والخطاب أيضًا يتأتى لكل من كان لديه من يوقظ للصلاة في آخر الليل، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان  يصلى من الليل، فإذا جاء الوتر أيقظ عائشة، ومدح الرجل الذي يقوم من الليل ويوقظ زوجته، ومدح الزوجة التي تقوم من الليل وتوقظ زوجها.

المقدم: لكن المخاطب ما هو معروف يا شيخ بالإيقاظ.

أولًا النوبة كانت لأم سلمة صاحبة، الحديث فلعلها هي المأمورة بهذا، ولكل من يتأتى له الخطاب يوقظ، وإنما خصهن بالإيقاظ؛ لأنهن الحاضرات حينئذ، أو من باب «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول»، قال ابن بطال: قوله: أيقظوا صواحب الحجر يعني أزواجه -عليه الصلاة والسلام- للصلاة والاستعاذة مما نزل؛ ليكونوا أولى من استعاذ من فتن الدنيا. وفيه أن للرجل أن يوقظ أهله بالليل لذكر الله وللصلاة، ولاسيما عند آية تحدث أو مأثور رؤيا مخوفة، وقد أمر -صلى  الله عليه وسلم- من رأى رؤيا مخوفة فكرهها، أن ينفث عن يساره، ويستعيذ بالله من شرها، قال الله -جل وعلا-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] يعني إذا حدث كسوف مثلًا نفزع إلى الصلاة إذا رغبنا إلى الله-جل وعلا- في شيء مما عنده من فضله كالاستسقاء مثلًا نفزع إلى الصلاة؛ فالصلاة مفزع في الضراء والسراء، لكن لا بد من أن تكون على هديه -عليه الصلاة والسلام-، ويكون السبب الذي من أجله تُشرع وجد في عهده -عليه الصلاة والسلام- وحث عليه؛ لأن بعض الناس بمناسبة آخر العام مثلًا الأيام التي نعيشها يوصي غيره بأن يكثر من الصلوات، ويخص هذه الليالي بمزيد من العبادات والصيام والأذكار وغيرها، ولا أصل لهذا، والكلام هنا قد يُشم منه.

يقول: وفيه أن للرجل أن يوقظ أهله بالليل لذكر الله وللصلاة، ولاسيما عند آية تحدث أو مأثور رؤيا مخوفة، قد حصل قبل خمسين سنة شخص رأى رؤيا مفادها أنه يأمر الناس بالصلاة في هذه الليلة، فصار يمر على الناس ويقول: عليكم أن تصلوا في هذه الليلة؛ لأني رأيت كذا وكذا، فحذر أهل العلم من تخصيص هذه الليلة بمزيد من الصلاة من أجل هذه الرؤيا؛ لأن الدين كمل بموته -عليه الصلاة والسلام-، والأحكام لا تثبت بالرؤى، في آخر العام يعني لو أن الإنسان انتبه لنفسه، وحاسبها، وماذا حصل له في هذا العام من ذنوب ومعاصٍ؛ ليتوب منها، يعني وقفة محاسبة ومراجعة، مراقبة لله تعالى في هذه الأيام فلا مانع، لكن يزيد ويصلى صلاة لا يصليها بسائر العام، ولا ينوي الاستمرار عليها، أو يصوم آخر يوم من العام، فهذا لا أصل له، ولم يرد به شرع، إلا شخص كان له عادة نفترض أن آخر العام يوم الإثنين مثلًا، وكان يصوم يوم الإثنين فلا مانع أن يصوم يوم الإثنين على عادته، لكن يصوم يوم الإثنين لأنه ختام العام فلا، ويتبادل الناس رسائل الجوال بالحث على الصيام وعلى الصدقة وعلى كذا بمناسبة آخر العام؛ ليختم عامهم، على كل حال هذا لا بد له من أصل يدل عليه، والأصل لا يُعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرع.

«فرب» أصلها يقولون: للتقليل، كذا يقول الكرماني: أصلها للتقليل، ويُستعمل للتكثير كثيرًا، كما في هذا الحديث لأنه يقول: «فرُب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة»، هذا تكثير، بل لو قيل: إنها هي الأصل فيها، التكثير هو الأصل في مثل هذا، لما بعد؛ لأن الكاسية في الدنيا على ما سيأتي معناها أنها كاسية في الظاهر وعارية عن.. عُريها في الآخرة يدل على أن كسوتها لم تنفعها في الدنيا، إما لأنها مخالفة لما جاء في الشرع من الضوابط الشرعية للباس، أو لأنها كُسيت من نعم الله -جل وعلا- فعريت عن شكرها، على خلاف بين أهل العلم في معناها، يقول العيني: التحقيق فيه أنه ليس معناه التقليل دائمًا، خلافًا للأكثرين ولا التكثير دائمًا، خلافًا لابن درستويه؛ يعني ينظر فيها إلى السياق، فالسياق هو الذي يحدد، ولا يقال: إن الأصل فيها التقليل، ولا إن الأصل فيها التكثير، تأتي للتقليل وتأتي للتكثير، بل ترد للتكثير كثيرًا، وللتقليل قليلًا، فمن الأول {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2]، نعم هذا تكثير، ورب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، ومن الثاني قول الشاعر: 

ألا رب مولودٍ وليس له أب

هذا تكثير أم تقليل؟

المقدم: تقليل.

تقليل، ولا يُعرف على هذا الوصف على الحقيقة إلا آدم -عليه السلام- وعيسى، على الحقيقة لا يعرف إلا هذا، على الحقيقة، الحكم الشرعي يوجد من لا أب له حكمًا كأولاد الزنا. وفي شرح الكرماني: وفعله الذي تتعلق هي به يجب أن يكون ماضيًا، ويُحذف غالبًا، وتقدير رب كاسية عارية عرفتها، والمراد إما اللاتي يلبسن رقيق الثياب التي لا تمنع إدراك لون البشرة معاقبات في الآخرة بفضيحة التعري، فليكن أولئك النسوة اللاتي يلبسن ما هذه صفته مما يبين ما تحته سواء كان شفافًا أو ضيقًا يحذرن مثل هذا الوعيد، وهن المتبرجات اللواتي أُمر الناس بلعنهن «فالعنوهن فإنهن ملعونات»، نسأل الله السلامة والعافية.

 يقول: المراد اللاتي يلبسن رقيق الثياب التي لا تمنع إدراك لون البشرة معاقبات في الآخرة بفضيحة التعري، وأما اللابسات للثياب الرفيعة النفيسة عاريات من الحسنات في الآخرة، فندبهن إلى الصدقة، وحضهن على ترك السرف في الدنيا بأن يأخذن منها أقل من الكفاية، ثم يتصدقن بما سوى ذلك، وهو منقول من ابن بطال، وسيأتي في الترجمة في كتاب "اللباس في باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتجوز من اللباس والبسط"، فاستنبط البخاري -رحمه الله تعالى- من هذا الحديث أن على أن الإنسان أم يتوسط سواء كان رجلًا أو امرأة، لكن لما كانت المرأة الستر في حقها أوجب نُصَّ عليها في الحديث، وإلا فالرجل أيضًا عليه أن ..

المقدم: عليه الستر.

أن يلاحظ الضوابط الشرعية في اللباس، وحضهن على ترك السرف في الدنيا بأن يأخذن منها أقل من الكفاية، ثم يتصدقن بما سوى ذلك، وهذا الكلام الذي ذكره الكرماني منقولٌ أيضًا عن ابن بطال، وفي شرح الزركشي: فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، قال القاضي: أكثر الروايات بخفض عارية "رب كاسيةٍ عاريةٍ" قال القاضي: أكثر الروايات بخفض عارية على الوصف للمجرور بـ (رب)، وقال غيره: الأولى الرفع خبر مبتدأ مُضمر أي هي عارية، وقال السهيلي: الأحسن عند سيبويه الخفض على النعت؛ لأن رب عنده حرف جر يلزم صدر الكلام، ويجوز الرفع كما تقول: رب رجل عاقلٌ؛ على إضمار مبتدأ، والجملة موضع النعت أي هي عارية وفي مثاله رب رجلٍ هو عاقلٌ، والفعل الذي تتعلق به رب محذوف، واختار الكسائي أن تكون رب اسمًا مبتدأً والمرفوع خبرها، وإليه كان يذهب شيخنا ابن الطراوة، هذا كلام الزركشي نقلًا عن القاضي عياض.

 قال ابن حجر: فيه تحذير العالم من يأخذ عنه من كل شيء يتوقع حصوله والإرشاد إلى ما يدفع ذلك المحذور والله أعلم، يعني إذا رأي العالم في طلابه من يتوسم فيه أنه يحصل له شيء في مستقبل حياته بناءً على رؤية مقدمات لهذا الأمر، عليه أن يُحذره من مغبة هذا التساهل في المقدمات؛ لئلا يقع التساهل في النتائج، ولابد للعالم ولطالب العلم أن يضع لعلمه وعمله سياجًا يحميه من الانحدار؛ لأن الانفلات والتساهل لا حد له، فعليه أن يحتاط لنفسه ويحتاط لغيره ، لكن إذا جاء التحريم فلا يحرم شيء إلا بدليله، لكن له أن يعمل بالنسبة لنفسه ما هو الأحوط لنفسه؛ سياجًا لها من أن يقع في نتائج غير مرضية.

 هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ستة مواضع:-

الأول: هنا في كتاب العلم، في باب "العلم والعظة بالليل" قال: حدثنا صدقة قال: أخبرنا ابن عيينة عن معمر عن الزهري عن هند عن أم سلمة وعمرو ويحيى بن سعيد عن الزهري عن هند عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، الإسناد حدثنا صدقة قال: أخبرنا ابن عيينة عن معمر عن الزهري عن هند عن أم سلمة، وعمرو، يقول ابن حجر: كذا في رواية بالرفع، ويجوز الكسر، والمعنى أن ابن عيينة حدثهم عن معمر ثم قال: وعمرو وهو ابن دينار عطفًا على ابن عيينة.

المقدم: على أساس أن عمرًا حدثهم أيضًا.

والمعنى أن ابن عيينة حدثهم عن معمر ثم قال: ابن عيينة وعمرو يعني كأنه قال: وعمرو حدثنا أيضًا، فهذا فيه العطف، وليس هذا من التدليس المعروف عند بعض المدلسين، عندهم تدليس العطف، يعني التقدير: وعمرو حدثنا هنا، بينما الموجود في تدليس العطف يقول: حدثنا فلان وعمرو يوهم أن عمروًا حدثهم، وهو في الحقيقة لم يحدثهم، فيضمر وعمروٌ لم يحدثنا، وهذا من التدليس الشنيع، ويحيى بن سعيد عن الزهري، فابن عيينة يروي الحديث عن معمر وعن عمرو ويحيى بن سعيد، كل هؤلاء الثلاثة عن الزهري، عن أم سلمة -رضي الله عنها- «استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلةٍ فقال: سبحان الله»، والمناسبة تقدمت.

والموضع الثاني: في كتاب التهجد في كتاب "تحريض النبي -صلى الله عليه وسلم- على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب" وطرق النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة وعليًّا -عليهما السلام- ليلة للصلاة، قال: حدثنا ابن مقاتل قال: حدثنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة -رضي الله عنها-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ ليلة فقال: سبحان الله.. »الحديث، قال ابن المنير: اشتملت الترجمة على أمرين: التحريض، تحريض النبي -صلى الله عليه وسلم- على صلاة الليل والنوافل، ونفي الإيجاب، قال: من غير إيجاب، فحديث أم سلمة يدل للأول..

المقدم: التحريض، أيقظوا صواحب..

أيقظوا صواحب الحجرات، وحديث عائشة وفيها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يدع العمل وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، دليل على نفي الإيجاب؛ إذ لو كان على سبيل الوجوب لما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما أعرض عنه؛ خشية أن يوجَب.

والموضع الثالث: في كتاب "المناقب" في باب علامات النبوة في الإسلام قال: وعن الزهري حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة قالت: «استيقظ النبي-صلى الله عليه وسلم- فقال: سبحان الله، ماذا أُنزل من الخزائن؟ وماذا أُنزل الليلة من الفتن؟» والمناسبة ظاهرة؛ لأن إخباره -عليه الصلاة والسلام- على الشيء قبل وقوعه من علامات نبوته -صلى الله عليه وسلم-، وقال: هنا علامات، ولم يدخله في المعجزات، والمعجزة فارق العلامة، أن المعجزة تكون مقرونةً..

المقدم: بالتحدي.

بالتحدي، أما العلامة فأعم من ذلك.

والموضع الرابع: في كتاب "اللباس" في باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتجاوز من اللباس والبسط، قال: حدثني عبد الله بن محمد قال: حدثنا هشام قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرتني هند بنت الحارث عن أم سلمة-رضي الله عنها- قالت: «استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الليل وهو يقول: لا إله إلا الله، ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ ..» الحديث، وبعده قال الزهري: كانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها، هذا احتياط؛ لئلا ينكشف شيء من ذراعها، هذا احتياط؛ لئلا ينكشف شيء من ذراعها، الله المستعان.

 قال ابن حجر: مطابقة الحديث للترجمة من جهة أو هو منقول، يقول ابن حجر عن ابن بطال: مطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه -صلى الله عليه وسلم- حذر من لباس رقيق من الثياب الواصفة لأجسامهن؛ لئلا يعرين في الآخرة.

المقدم: أنه ماذا يا شيخ؟ أنه نهى؟

أنه -صلى الله عليه وسلم حذر- من لباس.

المقدم: حذّر.

حذَّر من لباس رقيق من الثياب الواصفة لأجسامهن؛ لئلا يعرين في الآخرة، وفيما حكاه الزهري عن هند ما يؤيد ذلك أنها كانت تتخذ أزرارًا لأكمامها.

 قال (يعني ابن بطال): وفيه إشارة إلى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يلبس اللباس الشفافة؛ لأنه إذا حذر من لبسها لظهور العورة كان أولى بصفة الكمال من غيره، ومن المؤسف جدًّا أن تجد من نساء المسلمين، بل كثير في المجتمعات الإسلامية من يتصف بهذا الوصف من يلبس الرقيق من الثياب يلبس ما يكشف ما تحته مما يغري بها الفساق، فتكون سببًا للافتتان بها، فلتحذر من هذا الوعيد الشديد العري في الآخرة، امرأة تكون عارية بين الناس في الآخرة.... هل هذا أمر سهل عليها؟ هل هذا مما يهون عليها؟ نسأل الله السلامة والعافية، لكنها الغفلة، وعدم الاهتمام والاكتراث لا من المرأة ولا ممن ولاه الله أمرها من زوجها أو أبيها أو أخيها.

والخامس: في كتاب "الأدب" باب التكبير والتسبيح عند التعجب، قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: «استيقظ النبي -صلى  الله عليه وسلم- فقال: سبحان الله»، والمناسبة ظاهرة. التكبير والتسبيح عند التعجب، في الموضع السابق في كتاب اللباس ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتجوز من اللباس والبسط عن أم سلمة قالت: «استيقظ رسول الله -صلى  الله عليه وسلم- من الليل وهو يقول: لا إله إلا الله».

المقدم: وهنا سبحان الله.

وهنا يقول: «سبحان الله»، والترجمة هنا باب التكبير والتسبيح عند التعجب، فدل على أن هذه الجمل التي هي في الأصل من ذكر الله -جل وعلا-، سبحان الله والتكبير الله أكبر ولا إله إلا الله كل هذه تدل على التعجب، ولا شك أن بعضها ينوب عن بعض، ولذا روى الراوي الحديث بالمعنى، فأتى بالتهليل مكان التسبيح، والبخاري عمم ذلك فقال: التكبير والتسبيح وأيضًا التهليل عند التعجب، قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «سبحان الله»، والمناسبة ظاهرة.

والسادس: في كتاب الفتن في باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه.  

المقدم: الله المستعان.

قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري حاء وحدثنا إسماعيل قال: حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الرُؤاسية أن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: «استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فزعًا يقول سبحان الله....» إلى آخره، والدلالة على كون الزمان الذي يأتي شر من الذي قبله، أولًا هذا جاء فيه النص «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه»، أما دلالة الحديث على هذا فكونه -عليه الصلاة والسلام- أخبر عما سيحصل بعده لاسيما من فتح الخزائن وفتوح البلدان والتوسعة على الأمة، لا شك أن هذا يحصل بعده، فدل على أن الزمان الذي يحصل فيه هذه الأمور وهو بعد زمانه -عليه الصلاة والسلام- شر منه، فدل على أن كل زمان شرٌّ من الذي قبله.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.  

بهذا أيها الإخوة والأخوات نكون قد وصلنا وإياكم إلى ختام حلقة اليوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.