التعليق على تفسير القرطبي - سورة القمر (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:18-22] قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ عَادٌ} هُمْ قَوْمُ هُودٍ، {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}."

يعني كما جاء التصريح بذلك في القرآن: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}[الأعراف:65] في مواضع.

"{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} وَقَعَتْ "نُذُرِ" فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي سِتَّةِ أَمَاكِنَ مَحْذُوفَةَ الْيَاءَ فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ، وَقَرَأَهَا يَعْقُوبُ مُثْبَتَةً فِي الْحَالَيْنِ..."

وإلا فالأصل أنها مضافة إلى ياء المتكلم مثل: عذابي ونذري، هذا الأصل لكنها في المواطن الستة محذوفة الياء.

"وَقَرَأَهَا يَعْقُوبُ مُثْبَتَةً فِي الْحَالَيْنِ، وَوَرْشٌ فِي الْوَصْلِ لَا غَيْرَ، وَحَذَفَ الْبَاقُونَ. وَلَا خِلَافَ فِي حَذْفِ الْيَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} وَالْوَاوُ مِنْ قَوْلِهِ..."

لأن ياء المتكلم لا تجتمع مع أل.

"وَالْوَاوُ مِنْ قَوْلِهِ: (يَدْعُ) فَأَمَّا الْيَاءُ مِنَ (الدَّاعِ) الْأُول فَأَثْبَتَهَا فِي الْحَالَيْنِ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَيَعْقُوبُ وَحُمَيْدٌ وَالْبَزِّيُّ..."

وعرفنا أن حذف الواو من (يدعو) هي موافقة للرسم فقط، وإلا لا يوجد عامل مؤثر يؤثر حذف الواو، مثل: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف:64] كما قررناه سابقًا.

"وَأَثْبَتَهَا وَرْشٌ وَأَبُو عَمْرٍو فِي الْوَصْلِ، وَحَذَفَ الْبَاقُونَ. وَأَمَّا (الدَّاعِ) الثَّانِيَةُ فَأَثْبَتَهَا يَعْقُوبُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ فِي الْحَالَيْنِ، وَأَثْبَتَهَا أَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ فِي الْوَصْلِ، وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ. {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} أَيْ شَدِيدَةَ الْبَرْدِ; قَالَهُ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: شَدِيدَةُ الصَّوْتِ. وَقَدْ مَضَى فِي حم السَّجْدَةِ، {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} أَيْ فِي يَوْمٍ كَانَ مَشْئُومًا عَلَيْهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ فِي يَوْمٍ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ..."

(صرصرًا) يعني كما يطلق على البرد الشديد، يطلق أيضًا على الصوت. يقول الشاعر: "لقد صرّت البكرة" يعني صوتت "حولاً أكتعًا"؛ يعني كاملاً.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ فِي يَوْمٍ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ..."

حكاية للواقع أنهم كانوا يتشاءمون به وإلا فلا يوصف يوم من أيام الله بأنه شؤم أو نحس؛ لأن هذا من سبه وذمه، ولقد جاء النهي عن سب الدهر وذم الدهر.

"قال الزَّجَّاجُ: قِيلَ فِي يَوْمِ أَرْبِعَاءَ. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ آخِرُ أَرْبِعَاءَ فِي الشَّهْرِ أَفْنَى صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ. وَقَرَأَ هَارُونُ الْأَعْوَرُ "نَحِسٍ" بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ في حم السجدة {فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ}. وَ{فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} أَيْ دَائِمُ الشُّؤْمِ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ بِنُحُوسِهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْعَذَابُ إِلَى الْهَلَاكِ. وَقِيلَ: اسْتَمَرَّ بِهِمْ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ..."

يعني بدأهم بالعذاب في الدنيا ثم بعد ذلك لم يفيقوا إلا وهم في جهنم، نسأل الله السلامة والعافية.

"وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ مُرًّا عَلَيْهِمْ..."

مستمرٌ يعني من المرورة، مستمر يعني من المرارة، فهو مر.

"وَكَذَا حَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: هُوَ مِنَ الْمَرَارَةِ; يُقَالُ: مُرَّ الشَّيْءُ وَأَمَرَّ أَيْ كَانَ كَالشَّيْءِ الْمُرِّ تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ..."

يعني مثل قولهم استحلى الشيء أي صار حلوًا.

"وَقَدْ قَالَ: (فَذُوقُوا) وَالَّذِي يُذَاقُ قَدْ يَكُونُ مُرًّا. وَقَدْ قِيلَ: هُوَ مِنَ الْمِرَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ."

نعم لأن الذوق من خصائص الطعوم، والمرارة من الطعوم. نعم.

"وَقَدْ قِيلَ: هُوَ مِنَ الْمِرَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ. أَيْ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ مُسْتَحْكِمِ الشُّؤْمِ."

يعني كما تقدم {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ}[النجم:6] يعني ذي قوة.

"أَيْ {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} مُسْتَحْكِمِ الشُّؤْمِ كَالشَّيْءِ الْمُحْكَمِ الْفَتْلِ الَّذِي لَا يُطَاقُ نَقْضُهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِن كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ يَوْمَ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ فَكَيْفَ يُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ؟ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ فِيمَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) حَدِيثُ جَابِرٍ بِذَلِكَ..."

في حديث جابر فيما رواه البخاري في الأدب والإمام أحمد في المسند وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا يوم الاثنين فلم يجب، ودعا الثلاثاء فلم يجب، ودعا الأربعاء بين الصلاتين فأجيب، وكان جابر يتحرى هذا الوقت بين الصلاتين الظهر والعصر من يوم الأربعاء، فيراه مظنة إجابة، ومنهم من يقول: أنه لا خصيصة له، وإنما النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا دعا دعا ثلاثًا، فلما كرر الثالثة أجيبت دعوته، وعلى كل حال الحديث تقدم، وإيش الجزء الثاني؟ خالد يعرف مكانه القرطبي الثاني، ترى مع الأول.

وقال جابر بن عبد الله: دعا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في مسجد الفتح ثلاثاً، يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين، فعرفت السرور في وجهه. قال جابر: ما نزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة. على كل حال الإنسان تعرض لهذه الساعة، ودعا فيها يرجى إن شاء الله. نعم.

"فَالْجَوَابُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- مَا جَاءَ فِي خَبَرٍ يَرْوِيهِ مَسْرُوقٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْضِيَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَقَالَ: يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ يَوْمُ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَحْسٌ عَلَى الصَّالِحِينَ..."

السعادة والنحوسة أمور نسبية يوصف بها من اتصف بها، كما أن الشقاوة والسعادة أيضًا متقابلان، فمن تيسرت أموره في الدنيا ووُفِّق للأعمال الصالحة هذا سعيد وعكسه الشقي، والله -جل وعلا- قسم الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير، ومنهم شقي وسعيد، ومنهم أيضًا التعيس ومنهم السعيد، ومنهم على حسب ما قسم الله -جل وعلا- لعباده، فالنسبة نسبة النحس لهذا اليوم باعتبار أهله، الذين عذبوا فيه هو نحس عليهم، هو يوم النحس بالنسبة لهم، ولا يوصف بالنحس مطلقًا.

"بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ نَحْسٌ عَلَى الْفُجَّارِ وَالْمُفْسِدِينَ; كَمَا كَانَتِ الْأَيَّامُ النَّحِسَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ نَحِسَاتٍ عَلَى الْكُفَّارِ مِنْ قَوْمِ عَادٍ لَا عَلَى نَبِيِّهِمْ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُمْهَلَ الظَّالِمُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِذَا أَدْبَرَ النَّهَارُ وَلَمْ يُحْدِثْ رَجْعَةً اسْتُجِيبَ دُعَاءُ الْمَظْلُومِ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْيَوْمُ نَحْسًا عَلَى الظَّالِمِ; وَدُعَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْكُفَّارِ، وَقَوْلُ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ: "لَمْ يَنْزِلْ بِي أَمْرٌ غَلِيظٌ" إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قوله تعالى: {تَنْزِعُ النَّاسَ} فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِلرِّيحِ أَيْ تَقْلَعُهُمْ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ. قِيلَ: قَلَعَتْهُمْ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمُ اقْتِلَاعَ النَّخْلَةِ مِنْ أَصْلِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتْ تَقْلَعُهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَتَرْمِي بِهِمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَتَنْدَقُّ أَعْنَاقُهُمْ وَتَبِينُ رُءُوسُهُمْ عَنْ أَجْسَادِهِمْ. وَقِيلَ: تَنْزِعُ النَّاسَ مِنَ الْبُيُوتِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْتَزَعَتِ الرِّيحُ النَّاسَ مِنْ قُبُورِهِمْ.»، وَقِيلَ: حَفرُوا حُفَرًا..."

الشيخ: خرّج الخبر؟ ماذا يقول؟

طالب: يقول: ذكره البعض في تفسيره بلا إسناد.

الشيخ: ما له إسناد ولا أصل.

"وَقِيلَ: حَفِرُوا حُفَرًا وَدَخَلُوهَا فَكَانَتِ الرِّيحُ تَنْزِعُهُمْ مِنْهَا وَتَكْسِرُهُمْ، وَتُبْقِي تِلْكَ الْحُفَرَ كَأَنَّهَا أُصُولُ نَخْلٍ قَدْ هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا فَتَبْقَى مَوَاضِعُهَا مُنْقَعِرَةً..."

نعم إذا اجتثت النخلة من عروقها بقي موضعها حفرة.

"ويُرْوَى أَنَّ سَبْعَةً مِنْهُمْ حَفِرُوا حُفَرًا وَقَامُوا فِيهَا لِيَرُدُّوا الرِّيحَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا هَاجَتِ الرِّيحُ قَامَ نَفَرٌ سَبْعَةٌ مِنْ عَادٍ سُمِّيَ لَنَا مِنْهُمْ سِتَّةٌ مِنْ أَشَدِّ عَادٍ وَأَجْسَمِهَا، مِنْهُمْ: عَمْرُو بن..."

وعاد من أشد الأمم وأقواها بأسًا، مع ذلك لما جاء أمر الله اجتثتهم الريح من أصولهم من قعر بيوتهم من حفرهم التي حفروها، الله المستعان.

"مِنْهُمْ: عَمْرُو بْنُ الْحُلَيِّ وَالْحَارْثُ بْنُ شَدَّادٍ وَالْهِلْقَامُ وَابْنَا تِقْنٍ وَخَلْجَانُ بْنُ سَعْدٍ، فَأَوْلَجُوا الْعِيَالَ فِي شِعْبٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، ثُمَّ اصْطَفَوْا عَلَى بَابِ الشِّعْبِ لِيَرُدُّوا الرِّيحَ عَمَّنْ فِي الشِّعْبِ مِنَ الْعِيَالِ ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَجْعَفُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ عَادٍ:

 

ذَهَبَ الدَّهْرُ بِعَمْرِو بْـ

 

ـنِ حُلَيٍّ وَالْهَنِيَّات

ثُمَّ بِالْحَارِثِ وَالْهِلْـ

 

قَامِ طَلَّاعِ الثَّنِيَّات

وَالَّذِي سَدَّ مَهَبَّ

 

الرِّيحِ أَيَّامَ الْبَلِيَّاتِ

 قال الطَّبَرِيُّ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى تَنْزِعُ النَّاسَ فَتَتْرُكُهُمْ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ; فَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَحْذُوفِ. قال الزَّجَّاجُ: الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالْمَعْنَى تَنْزِعُ النَّاسَ مُشَبَّهِينَ بِأَعْجَازِ نَخْلٍ. وَالتَّشْبِيهُ قِيلَ إِنَّهُ لِلْحُفَرِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا. وَالْأَعْجَازُ جَمْعُ عَجُزٍ وَهُوَ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ، وَكَانَتْ عَادٌ مَوْصُوفِينَ بِطُولِ الْقَامَةِ، فَشُبِّهُوا بِالنَّخْلِ انْكَبَّتْ لِوُجُوهِهَا، وَقَالَ: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} لِلَفْظِ النَّخْلِ..."

يعني ذكر المنقعر للفظ النخل، وأنّثه في موضع {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}[الحاقة:7] للمعنى؛ لأن واحدها نخلة.

"وَقَالَ: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} لِلَفْظِ النَّخْلِ وَهُوَ مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وَالْمُنْقَعِرُ: الْمُنْقَلِعُ مِنْ أَصْلِهِ; قَعَرْتُ الشَّجَرَةَ قَعْرًا قَلَعْتُهَا مِنْ أَصْلِهَا فَانْقَعَرَتْ. قال الْكِسَائِيُّ: قَعَرْتُ الْبِئْرَ أَيْ نَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قَعْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْإِنَاءُ إِذَا شَرِبْتُ مَا فِيهِ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قَعْرِهِ. وَأَقْعَرْتُ الْبِئْرَ جَعَلْتُ لَهَا قَعْرًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: سُئِلَ الْمُبَرِّدُ بِحَضْرَةِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي عَنْ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ هَذِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا، فَقِيلَ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً}[الأنبياء:81] {وَجَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ}[يونس:22]، وَقَوْلُهُ: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}[الحاقة:7] وَ{أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}[القمر:20]؟ فَقَالَ: كُلُّ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنْ شِئْتَ رَدَدْتَهُ إِلَى اللَّفْظِ تَذْكِيرًا أَوْ إِلَى الْمَعْنَى تَأْنِيثًا."

يعني مثل ما يعاد الضمير على مَنْ أحيانًا بالجمع، وأحيانًا بالإفراد، فمن أفرد نظر إلى اللفظ ومن جمع نظر إلى المعنى. وقوله: فيما تقدم التشبيه وقيل: أنه للحفر التي كانوا فيها، ظاهر السياق أنها لهم، أنه التشبيه كان لهم، إذا اقتلعتهم الريح ورفعتهم عن مستوى الأرض إلى الجو ثم أعادتهم ونكستهم هذا هم المشبهون وليست الحفر.

"وَقِيلَ: إِنَّ النَّخْلَ وَالنَّخِيلَ بِمَعْنًى، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، كَمَا ذَكَرْنَا، {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} تَقَدُّمَ."

يعني كما تقدم، هل من طالب علمه فيعان عليه؟

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ}[القمر:23] هُمْ قَوْمُ صَالِحٍ كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَنَبِيَّهُمْ، أَوْ كَذَّبُوا بِالْآيَاتِ الَّتِي هِيَ النُّذُرُ {فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ}[القمر:24] وَنَدَعُ جَمَاعَةً. وَقَرَأَ أَبُو الْأَشْهَبِ وَابْنُ السَّمَيْفَعِ وَأَبُو السَّمَّالِ الْعَدَوِيُّ "أَبَشَرٌ" بِالرَّفْعِ "وَاحِدٌ" كَذَلِكَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ "نَتَّبِعُهُ". والْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَنَتَّبِعُ بَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ. وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ..."

يعني منصوب بفعل مقدر يفسره المذكور، أنتبع بشرًا منا واحدًا نتبعه؟

"وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ: "أَبَشَرٌ" بِالرَّفْعِ "مِنَّا وَاحِدًا" بِالنَّصْبِ، رَفَعَ "أَبَشَرٌ" بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ" أَؤُلْقِيَ" كَأَنَّهُ قَالَ: أَيُنَبَّأُ بَشَرٌ مِنَّا؟، وَقَوْلُهُ: وَاحِدًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمُضْمَرِ فِي "مِنَّا" وَالنَّاصِبُ لَهُ الظَّرْفُ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيُنَبَّأُ بَشَرٌ كَائِنٌ مِنَّا مُنْفَرِدًا؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي نَتَّبِعُهُ مُنْفَرِدًا لَا نَاصِرَ لَهُ، {إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ}[القمر:24] أَيْ ذَهَابٍ عَنِ الصَّوَابِ {وَسُعُرٍ}[القمر:24] أَيْ جُنُونٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ مَسْعُورَةٌ، أَيْ كَأَنَّهَا مِنْ شِدَّةِ نَشَاطِهَا مَجْنُونَةٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ نَاقَتَهُ:

تَخَالُ بِهَا سُعْرًا إِذَا السَّفْرُ هَزَّهَا

 

ذَمِيلٌ وَإِيقَاعٌ مِنَ السَّيْرِ مُتْعِبُ

الذَّمِيلُ ضَرْبٌ مِنْ سَيْرِ الْإِبِلِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذَا ارْتَفَعَ السَّيْرُ عَنِ الْعَنَقِ قَلِيلًا فَهُوَ التَّزَيُّدُ، فَإِذَا ارْتَفَعَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ الذَّمِيلُ، ثُمَّ الرَّسِيمُ; يُقَالُ: ذَمَلَ يَذْمُلُ وَيَذْمِلُ ذَمِيلًا. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَلَا يَذْمُلُ بَعِيرٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِلَّا مَهْرِيٌّ. قَالَهُ ج."

الشيخ: من هو ج؟

طالب:.....

الشيخ: من الذي قاله؟ قاله أبو عبيد؟

طالب: قال الأصمعي.

الشيخ: أو بعده كلام الأصمعي؟ لأنه منسوب إليه صراحة، كيف يقال قاله مرة ثانية؟! ما أدري والله، كل ما بين القوسين هذا لا يوجد في أكثر النسخ، من قوله: "الذَّمِيلُ ضَرْبٌ مِنْ سَيْرِ الْإِبِلِ إلى "ج" هذه لا يوجد في الأصول إلا في نسختهم فقط، لكن هذه الجيم أظنها حاء، وليست جيم، والكلام الساقط الذي يلحق من بعض النسخ يكتب عليه صح، وقد يقتصر بعضهم على الصاد، وقد يقتصر بعضهم على الحاء، فهذه علامة على أن هذا الكلام ساقط من بعض النسخ، وأُلحق من بعض على بعض، يعني بعض النسخ الخطية على بعض، فالجيم هذه ليس لها معنى.

طالب:......

الشيخ: إيش فيه؟

طالب:.....

الشيخ: القوي الشديد يعني من يستطيع هذه السرعة بوم وليلة

طالب: قاله الأصمعي أم أبو عبيد؟

الشيخ الذي يظهر أن النقل الأخير عن الأصمعي. نعم.

 "وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: السُّعُرُ الْعَذَابُ، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ. قال مُجَاهِدٌ: بُعْدُ الْحَقِّ. وقال السُّدِّيُّ: فِي احْتِرَاقٍ. قَالَ:

أَصَحَوْتَ الْيَوْمَ أَمْ شَاقَتْكَ هِرُّ

 

وَمِنَ الْحُبِّ جُنُونٌ مُسْتَعِرْ

أَيْ مُتَّقِدٌ وَمُحْتَرِقٌ. قال أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ جَمْعُ سَعِيرٍ..."

نعم ومنه السعير الذي هو لهب النار؛ لأنه قال في الأول: سعر يعني جنون، وليس هو المعنى المتبادر، وإنما هو من السعير الذي هو لهب النار، نسأل الله العافية، هذا المتبادر منه.

"قال أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ جَمْعُ سَعِيرٍ وَهُوَ لَهِيبُ النَّارِ. وَالْبَعِيرُ الْمَجْنُونُ يَذْهَبُ كَذَا وَكَذَا لِمَا يَتَلَهَّبُ بِهِ مِنَ الْحِدَّةِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّا إِذًا لَفِي شَقَاءٍ وَعَنَاءٍ مِمَّا يَلْزَمُنَا."

يعني جاءهم من الشقاء والعناء ما يَرِد على من احترق عليهم بيوتهم وبلدانهم وأثاثهم، هؤلاء في شقاء وعناء، نسأل الله العافية.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا}[القمر:25] أَيْ خُصِّصَ بِالرِّسَالَةِ مِنْ بَيْنِ آلِ ثَمُودَ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مَالًا وَأَحْسَنُ حَالًا؟! وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ، {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}[القمر:25] أَيْ لَيْسَ كَمَا يَدَّعِيهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَتَعَاظَمَ وَيَلْتَمِسَ التَّكَبُّرَ عَلَيْنَا مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ. وَالْأَشَرُ الْمَرَحُ وَالتَّجَبُّرُ وَالنَّشَاطُ. يُقَالُ: فَرَسٌ أَشِرٌ إِذَا كَانَ مَرِحًا نَشِيطًا، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ كَلْبًا: فَيُدْرِكُنَا فَغِمٌ..."

الأشر هذا والبطر سببه النعمة مع عدم شكرها، دائمًا من أُنعم عليه بشيء وهو لا يستحق هذه النعمة ولا يؤدي شكرها يؤديه ذلك إلى البطر والأشر والتكبر وغمط الناس.

"قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ كَلْبًا:

فَيُدْرِكُنَا فَغِمٌ دَاجِنٌ

 

سَمِيعٌ بَصِيرٌ طَلُوبٌ نَكِرْ

أَلَصُّ الضُّرُوسِ حَنِيُّ الضُّلُوعِ

 

تَبُوعٌ أَرِيبٌ نَشِيطٌ أَشِرْ

وَقِيلَ: أَشِرٌ بَطِرٌ. وَالْأَشَرُ الْبَطَرُ; قَالَ الشَّاعِرُ:

أَشِرْتُمْ بِلُبْسِ الْخَزِّ لَمَّا لَبِسْتُمُ

 

وَمِنْ قَبْلُ مَا تَدْرُونَ مَنْ فَتَحَ الْقُرَى

وَقَدْ أَشِرَ بِالْكَسْرِ يَأْشَرُ أَشَرًا فَهُوَ أَشِرٌ وَأَشْرَانُ."

مثل: عطش وعطشان، وسكر وسكران.

"وَقَوْمٌ أُشَارَى مِثْلُ سَكْرَانَ وَسُكَارَى; قَالَ الشَّاعِرُ:

وَخَلَّتْ وُعُولًا أُشَارَى بِهَا

 

وَقَدْ أَزْهَفَ الطَّعْنُ أَبْطَالَهَا

وَقِيلَ: إِنَّهُ الْمُتَعَدِّي إِلَى مَنْزِلَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا; وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ: الْأَشِرُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو قِلَابَةَ "أَشَرُّ"."

أشر بدون واو، كذاب أشر يعني أشر من غيره. أفعل تفضيل.

"وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو قِلَابَةَ "أَشَرُّ" بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ يَعْنِي بِهِ أَشَرَّنَا وَأَخْبَثَنَا، {سَيَعْلَمُونَ غَدًا}[القمر:26] أَيْ سَيَرَوْنَ الْعَذَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ فِي حَالِ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ بِالتَّاءِ"

يعني ستعلمون.

"وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ بِالتَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ صَالِحٍ لَهُمْ عَلَى الْخِطَابِ. والْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِصَالِحٍ عَنْهُمْ. وَقَوْلُهُ: غَدًا عَلَى التَّقْرِيبِ عَلَى عَادَةِ النَّاسِ فِي قَوْلِهِمْ لِلْعَوَاقِبِ: إِنَّ مَعَ الْيَوْمِ غَدًا; قَالَ..."

{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[الحشر:19]  وكل مستقبل يقال له غد لا سيما ما يتحقق وقوعه.

"قال:

لِلْمَوْتِ فِيهَا سِهَامٌ غَيْرُ مُخْطِئَةٍ

 

مَنْ لَمْ يَكُنْ مَيِّتًا فِي الْيَوْمِ مَاتَ غَدَا

 

وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:

أَلَا عَلِّلَانِي قَبْلَ نَوْحِ النَّوَائِحِ

 

وَقَبْلَ اضْطِرَابِ النَّفْسِ بَيْنَ الْجَوَانِحِ

وَقَبْلَ غَدٍ يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى غَدٍ

 

إِذَا رَاحَ أَصْحَابِي وَلَسْتُ بِرَائِحِ

وَإِنَّمَا أَرَادَ وَقْتَ الْمَوْتِ."

يعني إذا عمّر بعد أصحابه وصار يتذكرهم ويتذكر مواقفهم، لا شك أنه يحزن كثيرًا.

"وَإِنَّمَا أَرَادَ وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَمْ يُرِدْ غَدًا بِعَيْنِهِ. {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ}[القمر:26] وَقَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ "الْأَشَرُّ".

{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} يقول الشاعر:

ستعلم إذا انجلى الغبار

 

أفرسٌ تحتك أم حمار

الإنسان قد يستمر في غيه وضلاله وغروره ثم بعد ذلك إذا جاءت النتائج قد يتمنى على الله الأماني وأنه عنده من الأعمال الصالحة ما ينجو بها، لكن إذا جاء الحساب تكشفت الأمور، عرف أنه ليس على شيء.

"وَقَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ "الْأَشَرُّ" بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ:  لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَتَكَلَّمُ بِالْأَشَرِّ وَالْأَخْيَرِ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ."

إنما يحذفون الهمزة في الأمرين، يقولون: شر وخير، {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ}[الفرقان:24] وهي أفعل تفضيل.

"كَقَوْلِ رُؤْبَةَ: بِلَالٌ خَيْرُ النَّاسِ وَابْنُ الْأَخْيَرِ. وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: هُوَ خَيْرُ قَوْمِهِ، وَهُوَ شَرُّ النَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110] وَقَالَ: {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا}[مريم:75]. وَعَنْ أَبِي حَيْوَةَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ضَمُّ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَالتَّخْفِيفُ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ مَعْنَى "الْأَشِرُ" وَمِثْلُهُ: رَجُلٌ حَذِرٌ وَحَذُرٌ."

الشيخ:...عن مجاهد وسعيد بن جبير: ضم الشين والراء والتخفيف، كيف تنطق؟ أَشُرُ ضم الشين والراء، كيف تجي مع التخفيف؟

طالب: تخفيف الراء.

الشيخ: والتنظير مثله حَذِر وحذُرُ، الحرف الأخير ما يُضبَط إطلاقًا، لا يسوغ ضبطه؛ لأنه لا يتسق، يخضع للعوامل، والذي يخضع للعوامل ما يمكن ضبطه، الضبط للحرف الأول والثاني، أما الأخير فليست لها القاعدة والجادة أنه يضبط بشيء ثابت إلا لو كان مبنيًا باستمرار لكن هذا معرب، ومن خلال التنظير حَذِر وحَذُر، أَشِر وأَشُر، فقط يعني بضم الشين، مثل حَذُر. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ}[القمر:27] أَيْ مُخْرِجُوهَا "

العلماء حينما يأتون بالنظير سواء كان من حيث المعنى أو بالضد أو من أجل ضبط اللفظ، مثلاً الحكم بن عتيبة يقوم بتصغير عتبة الدار، ما يحتاج إلى أن تقول بضم العين، نعم. حرام بن عثمان بلفظ ضد الحلال، ويأتون بالنظير في الضبط، وهذا كثير عندهم. إذا قال: أَشِر بكسر الشين وضمها، مثل حَذِر وحَذُر، مشى الأمر، وأما بضم الشين والراء فالراء لا تضبط؛ لأنها تخضع للعوامل، ولم تجرِ عادتهم بضبطها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} أَيْ مُخْرِجُوهَا مِنَ الْهَضْبَةِ الَّتِي سَأَلُوهَا، فَرُوِيَ أَنَّ صَالِحًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا فَانْصَدَعَتِ الصَّخْرَةُ الَّتِي عَيَّنُوهَا عَنْ سَنَامِهَا، فَخَرَجَتْ نَاقَةٌ عُشَرَاءُ وَبْرَاءُ...."

وبراء يعني عليها الوبر الكثير.

"فَخَرَجَتْ نَاقَةٌ عُشَرَاءُ وَبْرَاءُ {فِتْنَةً لَهُمْ}[القمر:27] أَيِ: اخْتِبَارًا وَهُوَ مَفْعُولٌ لَهُ. {فَارْتَقِبْهُمْ}[القمر:27] أَيِ: انْتَظِرْ مَا يَصْنَعُونَ. {وَاصْطَبِرْ}[القمر:27] أَيِ: اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ، وَأَصْلُ الطَّاءِ فِي اصْطَبِرْ تَاءٌ فَتَحَوَّلَتْ طَاءً لِتَكُونَ مُوَافِقَةً لِلصَّادِ فِي الْإِطْبَاقِ..."

يعني مثل ما تقدم بين نظائره في تاء الافتعال مدكر، ومزدجر.

"{وَنَبِّئْهُمْ}[القمر:28] أَيْ أَخْبِرْهُمْ {أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ}[القمر:28] أَيْ بَيْنَ آلِ ثَمُودَ وَبَيْنَ النَّاقَةِ، لَهَا يَوْمٌ وَلَهُمْ يَوْمٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الشعراء:155]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ لَا تَشْرَبُ النَّاقَةُ شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ وَتَسْقِيهِمْ لَبَنًا، وَكَانُوا فِي نَعِيمٍ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّاقَةِ شَرِبَتِ الْمَاءَ كُلَّهُ فَلَمْ تُبْقِ لَهُمْ شَيْئًا. وَإِنَّمَا قَالَ: بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَخْبَرُوا عَنْ بَنِي آدَمَ مَعَ الْبَهَائِمِ غَلَّبُوا بَنِي آدَمَ. وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلْنَا الْحِجْرَ فِي مَغْزَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبُوكَ، قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْأَلُوا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ لَهُمْ نَاقَةً فَبَعَثَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَيْهِمُ النَّاقَةَ فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ ذَلِكَ الْفَجِّ فَتَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمَ وِرْدِهَا وَيَحْلُبُونَ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ يَوْمَ غِبِّهَا»."

الغب؛ فعل الشيء يوم دون يوم، يوم فيه شيء ويوم ما فيه، زُر غِبًّا يعني زُر يومًا واترك يومًا، وهي تشرب يوم وتترك يوم، وهم يشربون من الماء يوم ويتركون الماء لكنهم يشربون بدله لبن الناقة. هذه من أعظم نعم الله عليهم، لكن حتى النعم بالنسبة لبعض الناس تُمَل ويتمنون تغيير الأحوال ولو بأسوأ، هذا موجود في بعض النفوس يملون الحياة الرتيبة الروتينية، يتمنون التغيير ولو إلى أسوأ. كم تمنى الناس في البلدان المجاورة تغيير أحوالهم عما كانوا فيه تمنوا حتى قال بعضهم: غيّر فلانًا ولو بيهودي، مع أنهم تغير وضعهم اليوم عايشين عليه فيه شيء من الظلم وفيه شيء من الجور، وفيه شيء من الانحراف، لكن ليس إلى هذا الحد، وانظر إلى حالهم إلى يومنا هذا انقلابات ومشاكل وحروب، والله المستعان.

فالحياة الرتيبة الروتينية هذه تمل، فيتمنى بعض الناس التغيير ولو إلى أسوأ، هؤلاء تمنوا خلاص، هذه الناقة قتلوها وارتاحوا منها لأنهم اعتادوا هذه الحياة يوم لبن ويوم ماء. يوم لبن كلهم يروون لبنًا وكلهم يروون من الماء، فملوا من هذه الحياة وتخلصوا من هذه الناقة وحصل لهم ما حصل.

وفي قفوله ورجوعه -عليه الصلاة والسلام- من تبوك مر بوادي القرى، وقرب ديار ثمود قوم صالح، وهناك مسجد يزعمون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى فيه، وهو تبع الآثار ومرمم، وبعضهم ينادي بأن يفتح للصلاة، وبعضهم ينادي بأن يهدم لأنه مثار شبهة وبدعة، والناس لا شك أنهم في مثل هذه الحال ينقسمون من الناس من يحب الإبقاء على الآثار لأنها تذكره بتاريخه، وهي أيضًا معلم من المعالم من أجل السياحة والزيارة وما أشبه ذلك، لكن أثرها على التوحيد -نسأل الله العافية- لا ينكر، أثرها على التوحيد شديد، يتعلق الناس بها يتبركون بها ويتمسحون بها، فالمأمول من المسئولين إزالة هذا المسجد وما في حكمه من المساجد التي يُدّعَى أنها أماكن مباركة، والله المستعان.

طالب:.....

الشيخ: دائما هذه كأن النفوس البشرية ملولة جبلت على الملل نعم

طالب:.....

الشيخ: من صخرة من هضبة من جبل، هم قالوا أخرج لنا من هذا الجبل ناقة على سبيل التحدي، نعم.

طالب:.....

الشيخ: مسجد البيعة.

طالب:.....

الشيخ: أشد نعم.

طالب:.....

الشيخ: مثار فتنة، ولذلك المطالبة من المسئولين مستمرة، يعني مثل بيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب هُدِم، نعم. هناك أمور وهناك من يطالب بإبقاء هذه وحتى ممن ينتسب إلى العلم مع الأسف، إن هذه معالم هذه البلد وتاريخ وحضارة، وما أدري إيش، وإذا قضينا عليها ما صار لنا ميزة ونسينا تاريخنا، من الذي يقول نسينا تاريخنا؟! لكن المسألة مفاسد ومصالح، الخلل بالتوحيد لا يعدل شيء، نعم.

طالب: أحسن الله إليك، «أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْأَلُوا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ» المقصود بالآيات الناقة أم...

الشيخ: وين؟

طالب:.....

الشيخ: «لَا تَسْأَلُوا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ» عمومًا يعني لا تسألوا آية من الآيات.

طالب: يقصد آية يعني الناقة؟

الشيخ: لا ما هي بالناقة أي آية، النبي -عليه الصلاة والسلام- يرشد قومه ويأمرهم لا تسألوا، لا تطلبوا آية من نبيكم ثم إذا نزلت اشتُرط عليكم شروط، مثل ما شُرِط على النصارى في المائدة، ومثل ما شُرِط على غيرهم، إذا جاءت الآية والآية أمرها ليس بالسهل يعني الكلام النظري أسهل من العملي الذي يُرى بالأبصار؛ لأن العملي الذي يُرى بالأبصار وله حقيقة واقعية هذا مُلزِم، بينما النظري الأصل فيه الإلزام لكن أمره أسهل، يعني تطلب آية وتراها مثل الشمس بين يديك ثم لا تسلم! إيش معنى هذا؟ لكن لو قال النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبرًا ليس الخبر كالعيان مع أنه مُلزِم هذا الخبر ويجب الإيمان به والتصديق به، ولذلك فرق بين من يؤمن قبل المعاينة ومن يؤمن بعد المعاينة، هذا لا ينفع نفسًا إيمانها، إذا طلعت الشمس من مغربها شافوها الناس خلاص انتهى، انتهى الإيمان بالغيب، ثم بعد ذلك يكفرون إذا رأوا هذه الآيات واستجيب دعاهم! ...هذا الأمر عظيم جدًّا، لذلك لا ينبغي للإنسان أن يسأل مثل هذه الأمور.

طالب:.....

الشيخ: هو بين جبلين، كان بين جبلين، موضع البيعة بين جبلين، فأزيل الجبل فظهر للناس، هذه حجة من يقول أنه في هذا الموضع.

طالب:.....

الشيخ: وين؟

طالب:.....

الشيخ: لا لا هو بين الجبلين، فلما أزيل الجبل الذي يلي الناس ظهر، وبنايته سنة مائة وأربعين قبل الحرم قبل الكعبة قبل بناية البيت المسجد؛ لأن هم على عهد المنصور هذا على عهد المهدي. هكذا يزعمون في تواريخ مكة وغيرها، وفي مطالبة أنه يزال لأن المسألة مدروسة ومرفوعة وبقوة.

طالب:.....

الشيخ: مدروس مدروس.

طالب:

الشيخ: لا مدروس مدروس منتهي.

طالب:.....

الشيخ: والقلعة، على كل حال نسأل الله يدلهم على الحق ويوفقهم للعمل به. نعم.

طالب: حديث جابر صحيح؟

الشيخ: شو؟

طالب: حديث جابر لما مر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الشيخ: إي، مُخرَّج؟

طالب: إي نعم، أخرجه أحمد من حديث جابر، وصححه ابن كثير في البداية والنهاية.

الشيخ: إي نعم، يقول: صححه ابن كثير في البداية والنهاية، ومُخرَّج من المسند.

طالب: زيارة مدائن صالح التي حصل فيها الإشكال.

الشيخ: جاء النهي عن دخول هذه المواطن إلا من باكٍ أو متباكي، يدخل للاعتبار والاتعاظ، وجاء النهي عن الصلاة في مواضع الخسف وهكذا، على كل حال مثل هذه الأمور أمور يجب أن تُجتنَب إلا لإنسان يريد أن يعتبر ويتعظ وإلا هي مواضع عذاب، نسأل الله العافية. نعم.

طالب:.....

الشيخ: نعم هي مواطن معابد كفار، نسأل الله العافية. نعم.

"وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}[القمر:28] الشِّرْبُ بِالْكَسْرِ الْحَظُّ مِنَ الْمَاءِ; وَفِي الْمَثَلِ: (آخِرُهَا أَقَلُّهَا شِرْبًا) وَأَصْلُهُ فِي سَقْيِ الْإِبِلِ."

(آخِرُهَا أَقَلُّهَا شِرْبًا) يعني نصيب من المشروب؛ لأنه قد ينتهي أو لا يبقى إلا القليل، وهذا كثير بالنسبة لمن يكون هو الآخر.

"وَأَصْلُهُ فِي سَقْيِ الْإِبِلِ، لِأَنَّ آخِرَهَا يَرِدُ وَقَدْ نَزِفَ الْحَوْضُ. وَمَعْنَى مُحْتَضَرٌ أَيْ يَحْضُرُهُ مَنْ هُوَ لَه; فَالنَّاقَةُ تَحْضُرُ الْمَاءَ يَوْمَ وِرْدِهَا، وَتَغِيبُ عَنْهُمْ يَوْمَ وِرْدِهِمْ; قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ ثَمُودَ يَحْضُرُونَ الْمَاءَ يَوْمَ غِبِّهَا فَيَشْرَبُونَ، وَيَحْضُرُونَ اللَّبَنَ يَوْمَ وِرْدِهَا فَيَحْتَلِبُونَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ}[القمر:29] يَعْنِي بِالْحَضِّ عَلَى عَقْرِهَا فَتَعَاطَى عَقْرَهَا."

يعني فعله من المتعاطي متعاطي كذا يعني الذي يفعله.

"فَتَعَاطَى عَقْرَهَا فَعَقَرَهَا، وَمَعْنَى تَعَاطَى تَنَاوَلَ الْفِعْلَ; مِنْ قَوْلِهِمْ: عَطَوْتُ أَيْ تَنَاوَلْتُ; وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ:

كِلْتَاهُمَا حَلَبُ الْعَصِيرِ فَعَاطِنِي

 

بِزُجَاجَةٍ أَرْخَاهُمَا لِلْمِفْصَلِ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَكَمِنَ لَهَا فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ عَلَى طَرِيقِهَا."

يعني أشقى القوم، نسأل الله العافية.

"فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَةَ سَاقِهَا، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ فَكَشَفَ عُرْقُوبَهَا، فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاءَةً وَاحِدَةً تَحَدَّرَ سَقْبُهَا مِنْ بَطْنِهَا ثُمَّ نَحَرَهَا، وَانْطَلَقَ سَقْبُهَا حَتَّى أَتَى صَخْرَةً فِي رَأْسِ جَبَلٍ فَرَغَا ثُمَّ لَاذَ بِهَا، فَأَتَاهُمْ صَالِحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-; فَلَمَّا رَأَى النَّاقَةَ قَدْ عُقِرَتْ بَكَى وَقَالَ: قَدِ انْتَهَكْتُمْ حُرْمَةَ اللَّهِ فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّهِ. وَقَدْ مَضَى فِي الْأَعْرَافِ بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ الَّذِي عَقَرَهَا أَحْمَرَ أَزْرَقَ أَشْقَرَ أَكْشَفَ أَقْفَى. وَيُقَالُ فِي اسْمِهِ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ."

قٌدَار قُدَار، بعض الروايات فيه زيادة ياء قيدار، بعض المصادر. نعم.

 وَقَالَ الْأَفْوَهُ الْأَوْدِيُّ:

أَوْ قَبْلَهُ كَقُدَارٍ حِينَ تَابَعَهُ

 

عَلَى الْغِوَايَةِ أَقْوَامٌ فَقَدْ بَادُوا

وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجَزَّارَ قُدَارًا تَشْبِيهًا بِقُدَارِ بْنِ سَالِفٍ مَشْئُومِ آلِ ثَمُودَ; قَالَ مُهَلْهِلٌ:

إِنَّا لَنَضْرِبُ بِالسُّيُوفِ رُءُوسَهُمْ

 

ضَرْبَ الْقُدَارِ نَقِيعَةَ الْقُدَّامِ

لكن هذا مشكل يعني يمتدح بأن عندهم من القوة والجرأة مثل ما عند قُدار! "إِنَّا لَنَضْرِبُ بِالسُّيُوفِ رُءُوسَهُمْ ضَرْبَ الْقُدَارِ"، يعني إن كان يقصد الإطلاق الذي انتقل من الرجل المعروف المعهود إلى من يشبهه في القتل بالجزارة، ضرب الجزار مثلاً هذا سهل، لكن إن استصحب أو استحضر هذا الرجل المشئوم -نسأل الله العافية- وافتخر بأنه يشبهه ولو من وجه، هذا تشبه بشيء قبيح، نسأل الله العافية. نعم.

"وَذَكَرَهُ زُهَيْرٌ فَقَالَ:

فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُمْ

 

كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ

يُرِيدُ الْحَرْبَ; فَكَنَّى عَنْ ثَمُودَ بِعَادٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً}[القمر:31] يُرِيدُ صَيْحَةَ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَقَدْ مَضَى فِي" هُودٍ". {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر:31] وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ "الْمُحْتَظَرِ" بِفَتْحِ الظَّاءِ أَرَادُوا الْحَظِيرَةَ. والْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ أَرَادُوا صَاحِبَ الْحَظِيرَةِ."

نعم من يريد يجعل له حظيرة يتحجرها فتجده يجمع الهشيم الذي تذروه الرياح ويخلطه بغيره ويجعله من الجهات الأربع ليعرف أن هذا المكان محتجر محتضر له، وهو محتظِر يعني صاحب الحظيرة محتظِر، والحظيرة الذي أنشأها من هذا المجتمع من هشيم وغيره محتظَر، والهشيم الذي تذروه الرياح هذا نفعه قليل، حتى في الإيقاد تجده يتقد بسرعة وينتهي، {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}[الكهف:45] يعني لا يستفاد منه كما قال الشاعر:

ولَكِنَّ البلادَ إذا اقْشَعَرَّتْ

 

وَصَوَّحَ نَبْتُها رُعِيَ الهَشِيْمُ

يُرعى الهشيم، كثير من الأحوال في بعض المجتمعات الإسلامية يلجأون إلى الهشيم في بعض الظروف والأحوال إذا قَلّ أهل العلم، قَلّ أهل الفضل والخير تجدهم يتشبثون بأدنى شخص وهو شبه الهشيم، وكم تمثّل بهذا البيت من أهل العلم إذا سئل يعني من باب التواضع، تجده من أهل العلم الراسخين فيه فإذا سئل قال هذا البيت، يعني أنه كالهشيم.

ولَكِنَّ البلادَ إذا اقْشَعَرَّتْ

 

وَصَوَّحَ نَبْتُها رُعِيَ الهَشِيْمُ

نعم إذا اقشعرت وانتهى النبت يلجأ الناس إلى الهشيم، إذا مات العلماء الراسخون قد يكون هناك أيضًا مبرر لسؤال أمثال هؤلاء، لكن مع وجود العلماء الراسخين يلجأ بعض الناس إلى سؤال أمثال هؤلاء لا شك أن هذا ضلال، ومن أعظم أسباب الضياع، كما نعيشه الآن تجد الناس يلجأون إلى أناس أقل من الهشيم مع وجود أهل العلم، فمع فقدهم قد يكون هناك عذر ومندوحة، كما أن صاحب الإبل والغنم يجعل غنمه وإبله ترعى الهشيم؛ لأن ما في غيره، أما إذا وُجد غيره من النبات المربع المشبع هذا لا يوجد عاقل يرعى الهشيم في مثل هذه الحالة. هذا بالنسبة لأمور الدنيا وقد رأينا من يرعاه بالنسبة لدينه، وهذا أعظم وأشد؛ لأن الخسارة خسارة الدين أثرها على الحياة الأبدية، بينما خسارة الدنيا أثرها على الحياة المؤقتة التي هي ليست شيء بالنسبة للآخرة، فعلى الإنسان أن يهتم بمن يسأله ولا يستفتي أي شخص، وليس كل شخص بمن تقبل فتواه.

وليس في فتواه مفتٍ مُتبَع

 

ما لم يُضِف للدين والعلم الورع

يعني إذا اجتمع الدين والعلم والورع اسأل، كثير ممن يتصدر في وسائل الإعلام تنقصه الثلاثة، يمكن لا يستحق أن يسموه ولا هشيم، ومع ذلك يتصدرون بلا علم ولا دين ولا ورع فيفتون الناس فيَضلون ويُضلون، وهذا مصداق الحديث الصحيح: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ (أو من قلوبهم) وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».

طالب:.....

الشيخ: لا لكل أحد.

طالب:.....

الشيخ: ما لها حتى بني آدم لهم حظيرة ولهم حظائر ولهم..، معروف يعني مستعمل للآن، لكن حظيرة الناس يتخذونها من سعف النخل، ما يتخذونه من الهشيم الذي تذروه الرياح. نعم.

طالب: أحسن الله إليك، إذا كان شخص عنده علم في مسألة معينة فهل له أن يفتي في ذلك؟

الشيخ: إذا كان بناءً على تجزؤ الاجتهاد، إذا قلنا بتجزؤ الاجتهاد...هذا في الفرائض، يسئل في الفرائض، وإيش المانع؟ هو ما يعرف الأبواب الأخرى، أو في المناسك مثلاً اهتم بها واعتنى بها وصارت لديه يعني مَلَكة يستطيع أن يدرك حقائق الأمور فيفتي على الصواب ما في مانع. نعم.

"وَفِي الصِّحَاحِ: وَالْمُحْتَظِرُ الَّذِي يَعْمَلُ الْحَظِيرَةَ. وَقُرِئَ "كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ" فَمَنْ كَسَرَهُ جَعَلَهُ الْفَاعِلُ، وَمَنْ فَتَحَهُ جَعَلَهُ الْمَفْعُولُ بِهِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْقَلِيلِ الْخَيْرِ: إِنَّهُ لَنَكِدٌ الْحَظِيرَةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَاهُ سَمَّى أَمْوَالَهُ حَظِيرَةً لِأَنَّهُ حَظَرَهَا عِنْدَهُ وَمَنَعَهَا، وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. قال الْمَهْدَوِيُّ: مَنْ فَتَحَ الظَّاءَ مِنْ "الْمُحْتَظِرِ" فَهُوَ مَصْدَرٌ، وَالْمَعْنَى كَهَشِيمِ الِاحْتِظَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " الْمُحْتَظِرُ" هُوَ الشَّجَرُ الْمُتَّخَذُ مِنْهُ الْحَظِيرَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُحْتَظِرِ هُوَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِغَنَمِهِ حَظِيرَةً بِالشَّجَرِ وَالشَّوْكِ; فَمَا سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ وَدَاسَتْهُ الْغَنَمُ فَهُوَ الْهَشِيمُ. قَالَ:

أَثَرْنَ عَجَاجَةً كَدُخَانِ نَارٍ

 

تَشِبُّ بِغَرْقَدٍ بَالٍ هَشِيمٍ

وَعَنْهُ: كَحَشِيشٍ تَأْكُلُهُ الْغَنَم. وَعَنْهُ أَيْضًا: كَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الْمُحْتَرِقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ التُّرَابُ الْمُتَنَاثِرُ مِنَ الْحِيطَانِ فِي يَوْمِ رِيحٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: هُوَ مَا تَنَاثَرَ مِنَ الْحَظِيرَةِ إِذَا ضَرَبْتَهَا بِالْعَصَا، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ كَانَ رَطْبًا فَيَبِسَ هَشِيمًا. وَالْحَظْرُ الْمَنْعُ، وَالْمُحْتَظِرُ الْمُفْتَعِلُ يُقَالُ مِنْهُ: احْتَظَرَ عَلَى إِبِلِهِ وَحَظَرَ أَيْ جَمَعَ الشَّجَرَ وَوَضَعَ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ لِيَمْنَعَ بَرْدَ الرِّيحِ وَالسِّبَاعَ عَنْ إِبِلِهِ ; قَالَ الشَّاعِرُ:

تَرَى جِيَفَ الْمَطِيِّ بِجَانِبَيْهِ

 

كَأَنَّ عِظَامَهَا خَشَبُ الْهَشِيمِ

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا مِثْلَ الْقَمْحِ الَّذِي دِيسَ وَهُشِّمَ; فَالْمُحْتَظِرُ عَلَى هَذَا الَّذِي يَتَّخِذُ حَظِيرَةً عَلَى زَرْعِهِ، وَالْهَشِيمُ فُتَاتُ السُّنْبُلَةِ وَالتِّبْنِ.

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:32]."

يكفي يكفي الوقت ضيق.

"