التعليق على تفسير القرطبي - سورة المطففين (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-:

سورة المطففين مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل، ومدنية في قول الحسن وعكرمة، وهي ست وثلاثون آية، قال مقاتل: وهي أول سورة نزلت بالمدينة، وقال ابن عباس وقتادة: مدنية إلا ثماني آيات من قوله: المطففين: ٢٩  إلى آخرها مكي وقال الكلبي وجابر بن زيد: نزلت بين مكة والمدينة. "

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد نسب المؤلف رحمه الله تعالى إلى مقاتل القول بأنها مكية في صدر الكلام ثم قال: قال مقاتل: وهي أول سورة نزلت بالمدينة، فمقتضى هذا أن تكون مدنية، ظاهر أم ما هو بظاهر؟ في كلامه يقول مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل، قال مقاتل: هي أول سورة نزلت بالمدينة. قوله الثاني يناقض الأول، لعل السبب في مثل هذا الخلاف يحله القول الأخير، وهو أنها نزلت بين مكة والمدينة، فمن قال: مكية، نظر إلى وجه، ومن قال: مدنية، نظر إلى وجه آخر، المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، لكن ماذا عما في أثناء الهجرة، هل هو مكي أم مدني؟ هذا محل النزاع، ولعله هو سبب الخلاف في هذه السورة.

" بسم الله الرحمن الرحيم، قوله تعالى:         المطففين: ١ - ٣  فيه أربع مسائل؛ الأولى: روى النسائي عن ابن عباس قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله تعالى: المطففين: ١ ، فأحسنوا الكيل بعد ذلك، قال الفراء: فهم من أوفى الناس كيلاً إلى يومهم هذا، وعن ابن عباس. "

من باب المسارعة إلى الامتثال، وقد عرف بذلك الأنصار- رضي الله عنهم وأرضاهم-، وهذا يؤيد أنها نزلت بالمدينة.

" وعن ابن عباس أيضًا قال: هي أول سورة نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ساعة نزل المدينة، وكان هذا فيهم كانوا. "

يعني التطفيف.

" كانوا إذا اشتروا استوفوا بكيل راجح، فإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان، فلما نزلت هذه السورة انتهوا، فهم أوفى الناس كيلاً إلى يومهم هذا، وقال قوم: نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة واسمه عمرو، كان له صاعان يأخذ بأحدهما، ويعطي بالآخر، قاله أبو هريرة- رضي الله عنه-."

وأُخذ من هذا التعبير بالأشياء على الأشياء المعنوية، إذا قيل: فلان يكيل للناس بمكيالين بمكيالين، معناه أنه يتعامل أو هذه الجهة أو المؤسسة تكيل للناس بمكيالين تتعامل مع قوم بمكيال، وتتعامل مع آخرين بآخر، والله المستعان.

" الثانية: قوله تعالى: المطففين: ١  أي شدة عذاب في الآخرة، وقال ابن عباس: إنه واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار، فهو قوله تعالى: المطففين: ١  أي الذين ينقصون مكاييلهم وموازينهم، وروي عن ابن عمر قال: المطفف الرجل يستأجر المكيال وهو يعلم أنه يحيف في كيله، فوزره عليه، وقال آخرون: التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث. "

وكل هذا يراد به النقص من هذه الأشياء سواء كانت حسية أو معنوية.

" وفي الموطأ: قال مالك: ويقال: لكل شيء وفاء وتطفيف، وروي عن سالم بن أبي الجعد قال: الصلاة بمكيال، فمن أوفى له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك: المطففين: ١ . الثالثة: قال أهل اللغة: المطفف مأخوذ من الطفيف وهو القليل، والمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن، وقال الزجاج: إنما قيل للفاعل من هذا مطفف؛ لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف، وإنما أخذ من طف الشيء وهو جانبه، وطفاف المكوك وطفافه بالكسر والفتح: ما ملأ أصباره، وكذلك طف المكّوك وطففه، وفي الحديث: «كلكم بنو آدم طف الصاع لم تملئوه»."

يعني كلكم مجبول على النقص، لكن مخرّج الحديث؟

طالب: ..................

ماذا يقول؟

طالب: ..................

في إسناده عبد الله بن لهيعة وهو مضعف عند الجمهور، وأما النقص الذي جبل عليه بنو آدم فهو معروف.

" وهو أن يقرب أن يمتلئ فلا يفعل، والمعنى: بعضكم من بعض قريب، فليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، والطفاف والطفافة بالضم ما فوق المكيال، وإناء طفاف إذا بلغ الملء طفافه تقول منه: أطففت، والتطفيف نقص المكيال، وهو ألا تملأه إلى أصباره أي جوانبه، يقال: أدهقت الكأس إلى أصبارها أي إلى رأسها، وقول ابن عمر حين ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- سبق الخيل: كنت فارسًا يومئذٍ فسبقت الناس حتى طفف بي الفرس مسجد بني زريق حتى كاد يساوي المسجد، يعني وثب بي. الرابعة: المطفِّف هو الذي يُخسِر في الكيل والوزن ولا يوفي حسب ما بيّناه، وروى ابن القاسم عن.. "

المعنى أعم من ذلك في كل شيء؛ في الكيل والوزن، في المعدود، في المذروع، في الوقت، في العمل، في كل شيء.

" وروى ابن القاسم عن مالك أنه قرأ: المطففين: ١  فقال: لا تطفف ولا تخلب ولكن أرسل وصب عليه صبًّا حتى إذا استوفى أرسل يدك ولا تمسك، وقال عبد الملك بن الماجشون: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن مسح. "

يعني إذا استوفى الصاع أرسل يدك، اتركه ولا تمسك زيادة؛ لأن الناس يفعلون، لكن في باب البيع إذا كان هو البائع يمدح بذلك، لكن إذا كان هو المشتري فلا، يمسك الصاع حيث يستوفي رفع يديه وزاد، فتمسك اليدان ما زاد على الصاع، هذا طيب في البيع، لكن في الشراء في الاستيفاء لا يجوز.

" نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن مسح الطُّفاف وقال: «إن البركة في رأسه» قال: وبلغني أن كيل فرعون كان مسحًا بالحديد. "

يعني ما يزيد على الصاع يمسح مسحًا، ومعلوم أنه إذا امتلأ الصاع، إذا ارتفع إلى وسطه أشياء.

"قوله تعالى:   المطففين: ٢  قال الفراء: أي من الناس يقال: اكتلت منك أي استوفيت منك، ويقال: اكتلت ما عليك أي أخذت ما عليك، وقال الزجاج: أي إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل، والمعنى: الذين إذا استوفوا أخذوا الزيادة، وإذا أوفوا أو وزنوا لغيرهم نقصوا، فلا يرضون للناس ما يرضون لأنفسهم، قال الطبري: على بمعنى عند."

  المطففين: ٢  يعني عند الناس.

طالب: ..................

نفس الشيء الكيلو يمكن يكون لسان الميزان مستوٍ، وقد يرجح قليلًا، وقد ينقص، فإذا باع ونقص فلا يجوز، وإذا اشترى ووفى وزاد هذا نفس التطفيف.

طالب: ..................

كيف؟

طالب: ..................

نعم.

طالب: ..................

ما المانع إذا وفّى حقك وزيادة، المقصود أنه لا ينقص في حال البيع، ويزيد في حال الشراء، والإشكال في بعض الموزونات ذات القطع الكبيرة، فمثلاً إذا وضعت تفاحة أو برتقالة رجح، وإذا رفعتها ارتفع، هذا لا بد إما هذا أو ذاك، لكن الناس يتسامحون في مثل هذا، البائع ما يمكن ينقصه، يزيد واحدًا ولو صارت على حسابه، ورأيت واحدًا، ولم أر له نظيرًا في عمري، يزن التفاح والبرتقال، ثم إذا رجح الميزان رفع برتقالة ووضع نوعًا ثانيًا، كي يكون مساويًا، يضع لك أي نوع ثانٍ مما يوزن، حبة خيار أو حبة طماطم، المهم تصير أصغر قليلًا، وأنت ما تريد، فهذه مشاحة.

طالب: ..................

المقصود أنه ما يخسر، ما هو منزل الميزان، وأنت ما تريد تطيعه، يعطيك أقل من حقك، هذا شح، نسأل الله العافية.

طالب: ..................

استحباب نعم، إرشاد هذا، وإلا فالحق يرضي الناس كلهم، لا يزيد ولا ينقص.

" قوله تعالى:       المطففين: ٣  فيه مسألتان؛ الأولى: قوله تعالى:       المطففين: ٣  أي كالوا لهم أو وزنوا لهم، فحذفت اللام، فتعدى الفعل، فنصب ومثله.. "

فيكون منصوبًا على نزع الخافض، وإلا فالأصل أن فيه خافضًا.

" ومثله نصحتك ونصحت لك، وأمرتك به وأمرتكه. "

يعني بعض الأفعال يتعدى بنفسه، ويتعدى بالحرف، مرة كذا، ومرة كذا، وبعض الأفعال لا يتعدى إلا بالحرف، فإذا نزع الحرف الخافض المعدّى به الفعل ينتصب ما بعده.

" قاله الأخفش والفراء، قال الفراء: وسمعت أعرابية تقول: إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكيلون المد والمدين إلى الموسم المقبل، وهو من كلام أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس، قال الزجاج: لا يجوز الوقف على كالوا ووزنوا حتى تصل به "هم"، قال: ومن الناس من يجعل. "

يعني فرق بين أن يكون هم في الموضعين ضميرًا متصلًا، وبين أن يكون ضميرًا منفصلًا، كالوهم متصل، وزنوهم متصل، كالوا ثم تأتي بـ "هم" ضمير منفصل هذا لا يجوز.

" قال الزجاج: لا يجوز الوقف على كالوا ووزنوا حتى تصل به "هم"، قال: ومن الناس من يجعلها توكيدًا ويجيز الوقف على كالوا ووزنوا، والأول الاختيار؛ لأنها حرف واحد، هو قول الكسائي، قال أبو عبيد: وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين ويقف على كالوا ووزنوا، ويبتدئ هم يخسرون قال: وأحسب قراءة حمزة كذلك أيضًا، قال أبو عبيد: والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين، إحداهما الخط، وذلك أنهم كتبوهما بغير ألف. "

يعني لو كانت ضميرًا منفصلًا لوجد بين الواو والهاء ألف التي تكون بعد واو الجماعة.

"ولو كانتا مقطوعتين لكانتا كالوا ووزنوا بالألف، والأخرى أنه يقال: كلتك ووزنتك بمعنى كلت لك ووزنت لك، وهو كلام عربي كما يقال: صدتك وصدت لك وكسبتك وكسبت لك، وكذلك شركتك ونصحتك، ونحو ذلك. قوله: المطففين: ٣  أي ينقصون، والعرب تقول: أخسرت الميزان وخسرته، وهم في موضع نصب على قراءة العامة راجع إلى الناس، تقديره: وإذا كالوا الناس أو وزنوهم يخسرون، وفيه وجهان؛ أحدهما: أن يراد كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذف الجارّ وأوصل الفعل كما قال:

ولقد جنيتك أكمؤًا وعساقلاً         .

 

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر"        .

الأصل: جنيت لك أكمؤًا، وهي من أطيب أنواعها، وكذلك العساقل، وبنات الأوبر هذا النوع الرديء، والتراب يدخل في ثناياها، وهو نوع رديء من الكمأة.

" أراد جنيت لك، والوجه الآخر أن يكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والمضاف هو المكيل والموزون، وعن ابن عباس- رضي الله عنه-: إنكم معاشر الأعاجم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم: المكيال والميزان، وخص الأعاجم؛ لأنهم كانوا يجمعون الكيل والوزن جميعًا، وكانوا مفرقين في الحرمين، كان أهل مكة يزنون، وأهل المدينة يكيلون، وعلى القراءة الثانية. "

ولذلك إذا اختلف العرف في بلد ما: هل هذا الطعام مكيل أو موزون رجع في الكيل إلى عرف المدينة، هل هذا النوع مما يكال في المدينة أو يوزن عند أهل مكة، يرجع إلى بلده في الحرمين.

" وعلى القراءة الثانية: هم أي موضع رفع بالابتداء، أي وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم فهم يخسرون، ولا يصح؛ لأنه تكون الأولى ملغاة، ليس لها خبر، وإنما كانت تستقيم لو كان بعدها وإذا كالوهم ينقصون أو وزنوهم يخسرون. الثانية: قال ابن عباس: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-."

ما يلزم، ولا يصح؛ لأنه تكون الأولى ملغاة؛ لأنه ليس لها خبر، قد يكتفى بخبر الثاني عن خبر الأول، أنت بما عندك، ونحن بما عندنا راضون، دل عليه خبر الثاني، أنت بما عندك راضٍ، ونحن بما عندنا راضون، فيستدل بالثاني على الأول ويحذف.

" الثانية: قال ابن عباس: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خمس بخمس؛ ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا ظهر فيهم الطاعون، وما طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر» خرَّجه أبو بكر البزار بمعناه، ومالك.. "

ابن ماجه عندك؟

طالب: ..................

غيره.

طالب: ..................

نعم، معروف أنه عند ابن ماجه معروف، لكن هنا اقتصر على البزار، وهنا اقتصر على الديلمي، ما أدري ووالله، ماذا يقول؟ كمِّل.

طالب: ..................

لا، ما هو من أهل الحديث، ما..

" خرَّجه أبو بكر البزار بمعناه، ومالك بن أنس أيضًا من حديث ابن عمر، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة، وقال مالك بن دينار: دخلت على جار لي قد نزل به الموت فجعل يقول: جبلين من نار، جبلين من نار، فقلت: ما تقول؟ أتهجر؟!"

يعني أتهذي؟!

" قال: يا أبا يحيى، كان لي مكيالان أكيل بأحدهما، وأكتال بالآخر، فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر حتى كسرتهما فقال: يا أبا يحيى، كلما ضربتُ أحدهما بالآخر ازداد عظمًا، فمات من وجعه. "

نسأل الله العافية، فيه جزار يبيع اللحم بالميزان ورابط كفة الميزان بحبل، وطرف الحبل رابطه بأصبع رجله، بحيث إذا وضع قطعة جر الحبل برجله، نسأل الله العافية، نسأل الله العافية، ويل له، ثم ويل له، نسأل الله العافية، إذا اشترى الإنسان كيلوين أو ثلاثة فإذا ذهب للبيت وجده أقل من النصف، ومجرد ما يضع له قطعتين أو ثلاثًا يجر الحبل، هذا شر أنواع التطفيف، هذا تطفيف لا يُرى، التطفيف الذي يُرى ويمكن أن يدافع الإنسان عن نفسه أسهل، نسأل الله العافية.

" وقال عكرمة: أشهد على كيال أو وزان أنه في النار، قيل له: فإن ابنك كيّال أو وزان فقال: أشهد أنه في النار، قال الأصمعي: وسمعت أعرابية تقول.. "

الشهادة بالنار، نعم قد يكون الفعل فعل أهل النار، وجاء الوعيد عليه بالنار، أما الأعيان والأشخاص فالحكم عليهم بالنار، هذا تحت المشيئة، هو مستحق لهذا العقاب إن لم يعفُ الله عنه.

" قال الأصمعي: وسمعت أعرابية تقول: لا تلتمس المروءة ممن مروءته في رؤوس المكاييل ولا ألسنة الموازين، وروي ذلك عن علي- رضي الله عنه- وقال عبد خير: مر علي- رضي الله عنه- على رجل وهو يزن الزعفران، وقال: أرجح فأكفأ الميزان، ثم قال: أقم الوزن بالقسط ثم أرجح بعد ذلك ما شئت، كأنه أمره بالتسوية أولاً؛ ليعتادها، ويفضل الواجب من النفل. "

لعلها يفصل الواجب من النفل، يعني الزائد يُفصل عن الواجب.

طالب: أو يفضل يجعله فاضل النفل.

يعني من باب الفضل، يكون النفل فضلًا منه، لكن التركيب يأبى هذا، والذي يظهر أنه يفصل الواجب عن النفل، يعطيه حقه بالدقة، ثم يزيده ما شاء.

" ويفصل الواجب من النفل، وقال نافع: كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول: اتق الله وأوفِ الكيل والوزن بالقسط، فإن المطففين يوم القيامة يوقفون حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم، وقد روي أن أبا هريرة قد قدم المدينة، وقد خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة فقال أبو هريرة: فوجدناه في صلاة الصبح، فقرأ في الركعة: مريم: ١ ، وقرأ في الركعة الثانية: المطففين: ١ ، قال أبو هريرة: فأقول في صلاتي: ويل لأبي فلان، كان له مكيالان إذا اكتال اكتال بالوافي، وإذا كال كال بالناقص. "

يعني تنزيل النصوص على الأشخاص، مثل خطيب يخطب ويقول: ويل للظلمة، ويل لأعوان الظلمة، فكان إذا قال: ويل للظلمة، قال واحد من الحاضرين شيخ كبير السن: قم يا فلان، إنه يعنيك، فأبو هريرة- رضي الله عنه- في صلاته يقول: ويل لفلان، ويل لفلان، الله المستعان. النصوص ما تتنزل على هوى وفراغ، تنزل على أشخاص، لكن الحكم على هذا الشخص بعينه بهذا الوعيد لا شك أنه خاضع للمشيئة، لمشيئة الله- جل وعلا-، مخرّج؟

طالب: ..................

نعم، يحدث نفسه.

طالب: ..................

يزعم هذا، يدعي متشبع هذا.

طالب: ..................

لا، هو أنت تقصد أن هذا مدين لزيد بعشرة آلاف ثم يأتي فيقول: هذه الناقة تساوى عشرة آلاف، هذه تفي حقك، وأنا أزيدك هذه الشاة، وفي الحقيقة لو جمعوهما يصلون عشرة بالكاد..

طالب: ..................

ماذا؟

طالب: ..................

لا، هو المقصود أنه ما نقص من حقه شيئًا، لكنه ادعى كاذبًا أنه أوفاه وزاده.

طالب: ..................

نعم ما يجوز مثل هذا.

طالب: ..................

هذا وفاه حقه، إن شاء الله سهل، لكن يبقى أنه يمدح بما لم يفعل.

" قوله تعالى: المطففين: ٤  إنكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف، كأنهم لا يخطرون التطفيف ببالهم، ولا يخمِّنون تخمينًا. "

يعني كأن الأمر ما يعنيهم، ولا يقصدهم بشيء، كأن الأمر يقصد به غيرهم. المطففين: ٤  يعني كأن التطفيف هذا ما له أي أثر في حياتهم، مثل ما يتصور بعض الناس حينما يقرأ قصص السابقين ومخالفات السابقين وما نزل بهم من عقوبات يقول كأن الأمر لا يعنيه، لكنه لو ارتكب ما ارتكبوا عوقب بما عوقبوا به.

" إنهم مبعوثون فمسؤولون عما يفعلون، والظن هنا بمعنى اليقين، أي ألا يوقن أولئك ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والوزن، وقيل: الظن بمعنى التردد أي إن كانوا لا يستيقنون بالبعث فهلا ظنوه حتى يتدبروا ويبحثوا عنه ويأخذوا بالأحوط. "

يعني لو كان البعث غير مقطوع به ينبغي أن تقف، ويجب عليك أن تقف لو كان مقطوعًا به من باب الاحتياط لنفسك، فكيف وهو مقطوع به مجزوم به، فإنه ما يكفي الظن بمثل هذه الأبواب، والظن بمعنى اليقين، البقرة: ٤٦  لا بد من الجزم، فالظن هنا بمعنى اليقين.

" ويأخذوا بالأحوط ليوم عظيم شأنه، وهو يوم القيامة. قوله تعالى: المطففين: ٦  فيه أربع مسائل؛ الأولى: العامل في "يومَ" فعل مضمر دل عليه "مبعوثون"، والمعنى يبعثون يوم يقوم الناس لرب العالمين، ويجوز أن يكون بدلاً من يوم في ليوم عظيم، وهو مبني، وقيل: هو في موضع خفض؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن، وقيل: هو منصوب على الظرف أي في يوم، ويقال: أقم إلى يومَ يخرج فلان، فتنصب يوم، فإن أضافوا إلى الاسم، فحينئذٍ يخفضون ويقولون: أقم إلى يوم خروج فلان، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير التقدير إنه مبعوثون يوم يقوم الناس لرب العالمين ليوم عظيم. "

هو لا شك أنه منصوب بفعل مضمر، وإلا فالقاعدة أنه إذا أضيف لجملة صدرها معرب أنه يعرب، هذا يومُ ينفع الله، هذا يوم ينفع، يوم يقوم، يعني صدرها معرب، فالأصل أن يعرب، وإذا أضيف إلى جملة صدرها مبني بني، «كيومَ ولدته أمه» هنا لا شك أنه منصوب لكن بفعل مضمر.

" الثانية: وعن عبد الملك بن مروان أن أعرابيًّا قال له: قد سمعت ما قال الله تعالى في المطففين، أراد بذلك أن المطففين قد توجه عليهم هذا الوعيد العظيم الذي سمعت به، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن. "

نعم، من يتمكن من الأموال العامة ولا رقيب عليه فهذا لا شك أنه على خطر عظيم، يتمكن بغير رقيب، يأخذ من بيت المال من دون وصل، ومن دون حساب، ومن دون تدقيق، المصريون يقولون: المال السائب يعوّد..

طالب: السرقة.

نعم.

طالب: ..................

نعم اللذين ما عليهم رقيب ولا شيء مثله، المسؤول الذي ما أحد يحاسبه، ولذلك كيف ابتليت هذه الأموال الطائلة إلا بمثل هذا؟ نسأل الله العفو والعافية، ومن عصمة الله- جل وعلا- للإنسان أنه لا يقدر، لكن أحسن له أنه ما يقدر، ما يجد شيئًا سائبًا، ولا يتمكن من شيء لا يحاسب عليه، وإلا فالنفس تحتاج إلى جهاد عظيم.

" وفي هذا الإنكار والتعجيب، وكلمة الظن، ووصف اليوم بالعظيم، وقيام الناس فيه لله خاضعين، ووصف ذاته برب العالمين بيان بليغ لعظم الذنب. "

طالب: ..................

تفاقم الإثم.

" وتفاقم الإثم في التطفيف. "

يعني زيادته نعم وعظمه.

" وفيما كان في مثل حاله من الحيف، وترك القيام بالقسط، والعمل على التسوية، والعدل في كل أخذ وعطاء، بل في كل قول وعمل. الثالثة: قرأ ابن عمر: ويل للمطففين حتى بلغ: يوم يقوم الناس لرب العالمين، فبكى حتى سقط وامتنع من قراءة ما بعده ثم قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « المطففين: ٦  في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فمنهم من يبلغ العرق كعبيه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من يبلغ حقويه، ومنهم من يبلغ صدره، ومنهم من يبلغ أذنيه، حتى إن أحدهم ليغيب ليغيب في رشحه كما يغيب الضفدع»، وروى ناس عن ابن عباس قال: يقومون مقدار ثلاثمائة سنة، قال: ويهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة، وروي عن عبد الله بن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يقومون ألف عام في الظلة»، وروى مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « المطففين: ٦  حتى إن أحدهم ليقوم في رشحه إلى أنصاف أذنيه»، وعنه أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يقوم مائة سنة»، وقال أبو هريرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبشير الغفاري: «كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه مقدار ثلاثمائة سنة لرب العالمين، لا يأتيهم فيه خبر، ولا يؤمر فيه بأمر؟»، قال بشير: المستعان الله. قلت: قد ذكرناه مرفوعًا من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنه ليخفّف عن المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا»، في {سأل سائل}، وعن ابن عباس. "

تخريج الأحاديث.

طالب: ..................

أين؟ الذي قبل أبي هريرة.

طالب: ..................

الذي تقدم ألف، أقول: تقدم ألف، وهذا مائة، هذا اضطراب لا شك حديث أبي هريرة، حتى قول أبي حاتم: يُكتب حديثه، لا يلزم أن يُحتج به، إنما يكتب للاستشهاد والاعتضاد، يعني حتى يوجد ما يشهد له، ما يدل على أن ضعفه ليس بشديد، يصلح، نعم.

طالب: ..................

دراج بن أبي السمح هذا مضعف عند أهل العلم.

" وعن ابن عباس: يهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة، وقيل: إن ذلك المقام على المؤمن كزوال الشمس، والدليل على هذا من الكتاب قوله الحق: يونس: ٦٢  ثم وصفهم فقال: يونس: ٦٣  جعلنا الله منهم بفضله وكرمه وجوده ومنّه، آمين، وقيل: المراد بالناس: جبريل- عليه السلام- يقوم لرب العالمين، قاله ابن جبير، وفيه بُعد؛ لما ذكرنا من الأخبار في ذلك، وهي صحيحة ثابتة، وحسبك بما في صحيح مسلم والبخاري والترمذي من حديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- « المطففين: ٦  قال: يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه» ثم قيل: هذا القيام يوم يقومون من قبورهم، وقيل: في الآخرة بحقوق عباده في الآخرة، وقيل: يزيد. "

وقال.

" وقال يزيد الرَّشك. "

الرِّشك.

" وقال يزيد الرِّشك: يقومون بين يديه للقضاء. "

قال الرِّشك يا أبا عبد الله..؟

طالب: ..................

طويل اللحية.

" الرابعة: القيامة لله رب العالمين سبحانه حقير. "

ذُكر في بعض كتب التراجم أنه ضاع عقرب في لحيته، لكن الله أعلم، مثل هذا حكايات، هذا هو ما قالوا، الرشك كبير اللحية، طويل اللحية، لكن الظاهر أنه من حكايات الأدباء الذين يقرنون طول اللحية بخفة العقل، هذا من سفههم.

طالب: ..................

ماذا؟

طالب: ..................

ماذا ذكر؟

طالب: ..................

نعم، يقولون هذا، لكن، أما يتوضأ؟ أما يخلل؟

طالب: ..................

يعني مثل ما اختبروا الآمدي، قيل لبعضهم: إنه ما يصلي ولا يتوضأ، فوضع على رجله حبرًا، وجاء بعد ثلاثة أيام فوجدوه ما يتغير، قالوا: لو هو يتوضأ كان راح، لكن فيه أنواع من الحبر لا سيما الصيني هذا.. مثل البوية، والله أعلم بصحة القصة.

طالب: ..................

لا، ما يلتفت له، لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- تعرف قراءته من خلفه باضطراب لحيته، يذكرون في كتب الأدب أشياء كثيرة، فيه واحد طويل اللحية، وبالفعل في عقله شيء، فجاءه شخص قصير اللحية ويدعي أنه عاقل وحكيم قال: ما هذه اللحية الطويلة قال: ﭖﭗ الأعراف: ٥٨  ويشير إليه                     ﭝﭞ الأعراف: ٥٨.

" الرابعة: القيام لله رب العالمين سبحانه حقير بالإضافة إلى عظمته وحقه، فأما قيام الناس بعضهم لبعض، فاختلف فيه الناس، فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام إلى جعفر بن أبي طالب واعتقنه، وقام طلحة لكعب بن مالك يوم تيب عليه، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار حين طلع عليه سعد بن معاذ: «قوموا إلى سيدكم»، وقال أيضًا: «من سره أن يتمثل له الناس قيامًا، فليتبوأ مقعده من النار»، وذلك يرجع إلى حال الرجل ونيته، فإن انتظر ذلك واعتقده لنفسه فهو ممنوع، وإن كان على طريق البشاشة والوصلة، فإنه جائز وبخاصة عند الأسباب كالقدوم من السفر ونحوه، وقد مضى في آخر سورة يوسف شيء من هذا. "

نعم، هناك فرق بين من يقوم وبين من يقام له، الذي يقوم إذا كان من باب تقدير من يستحق التقدير في عرف الشرع وفي ميزان الشرع، فالقيام له مطلوب كالأب والكبير ذي الشيبة المسلم والعالم والعابد، من له أثر في الإسلام، أو له أثر في مجتمعه، أثر طيب، مثل هذا يستحق التقدير والقيام، لكن بالمقابل ذلك الشخص الذي يقام له، إن أحب أن يتمثل الناس له قيامًا فالوعيد معروف، فكل له من خطاب الشرع ما يخصه: «قوموا إلى سيدكم»، لكن هل سيدهم يحب أن يقوموا له؟ هنا المشكلة.

طالب: ..................

هذا كبر، هذا أعوذ بالله، هذا يحب، ما هو يحب فقط هذا...

طالب: ..................

إيه الله المستعان.

طالب: ..................

احترام الآخرين وزرع المحبة والمودة في قلوبهم طيب، ومن التآلف والمودة أن يحتفي الإنسان بأخيه ويقدره ويحترمه، لكن بالمقابل الثاني مخاطب بالنصوص الأخرى.

طالب: ..................

على كل الأمر سهل، لكن يبقى ألا يبقى في النفوس شيء.

طالب: ..................

ابن رجب له كلام، وله مصنف في الباب، ولا يمنع من مثل هذا أبدًا من القيام إذا كان يستحق القيام، أما فاسق يقوم له الناس الآن، فموازين الناس اختلفت، تجدهم يحتفون بهذا الفاسق؛ لأن عنده شيء من حطام الدنيا، ويتركون هذا الفقيه العابد الزاهد؛ لأنه ما عنده شيء.

طالب: ..................

لا، الممنوع أن يقوم عليه كما تفعل فارس والروم، هذا ممنوع، لكن يقوم له يعني من أجله، ما فيه إشكال، إن شاء الله.

طالب: ..................

يقوم إليه، هذا الذي فيه النص: «قوموا إلى سيدكم»، لكن يقوم له من باب الاحترام، ما فيه إشكال إن شاء الله.

" قوله تعالى:     المطففين: ٧  قال قوم من أهل العلم بالعربية: كلا ردع وتنبيه، أي ليس الأمر على ما هم عليه من تطفيف الكيل والميزان أو تكذيب بالآخرة، فليرتدعوا عن ذلك، فهي كلمة ردع وزجر، ثم استأنف فقال:     المطففين: ٧  وقال الحسن: كلا بمعنى حقًّا، وروى ناس عن ابن عباس: كلا قال: ألا تصدقون؟ فعلى هذا الوقف لرب العالمين، وفي تفسير مقاتل: إن أعمال الفجار. وروى ناس عن ابن عباس قال: إن أرواح الفجار وأعمالهم لفي سجين. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: سجين صخرة تحت الأرض السابعة تقلب فيجعل كتاب الفجار تحتها، ونحوه عن ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير ومقاتل وكعب، قال كعب: تحتها أرواح الكفار تحت خد إبليس. وعن كعب أيضًا قال: سجين صخرة سوداء تحت الأرض السابعة مكتوب فيها اسم كل شيطان تُلقى أنفس الكفار عندها. وقال سعيد بن جبير: سجين تحت خد إبليس. وقال يحيى بن سلام: حجر أسود تحت الأرض يكتب فيه أرواح الكفار. وقال عطاء الخراساني: هي الأرض السابعة السفلى، وفيها إبليس وذريته. وعن ابن عباس قال: إن الكافر يحضره الموت وتحضره رسل الله، فلا يستطيعون لبغض الله له وبغضهم إياه أي يؤخروه ولا يعجلوه، حتى تجيء ساعته، فإذا جاءت ساعته، قبضوا نفسه ورفعوه إلى ملائكة العذاب، فأروه ما شاء الله أن يروه من الشر، ثم هبطوا به إلى الأرض السابعة وهي سجين، وهي آخر سلطان إبليس، فأثبتوا فيها كتابه. وعن كعب الأحبار في هذه الآية قال: إن روح الفاجر إذا قُبضت يُصعد بها إلى السماء، فتأبى السماء أن تقبلها، ثم يهبط بها إلى الأرض، فتأبى الأرض أن تقبلها، فتدخل في سبع أراضين حتى ينتهى بها إلى سجين، وهو خد إبليس، فيخرج لها من سجين من تحت خد إبليس رق فيرقم فيوضع تحت خد إبليس. وقال الحسن: سجين في الأرض السابعة، وقيل: هو ضرب مثل وإشارة إلى أن الله تعالى يرد أعمالهم التي ظنوا أنها تنفعهم، قال مجاهد: المعنى عملهم تحت الأرض السابعة لا يصعد منها شيء، وقال.. "

أكثر هذه الأخبار والآثار المروية من طريق كعب وغيره متلقاة من كتب بني إسرائيل ومن مروياتهم، لذا فيها ما ينكر، تكلموا عليها عندكم أو شيء؟

طالب: ...........

نعم، هذا الذي يظهر، نعم.

" وروى أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سجين جب في جهنم، وهو مفتوح». وقال في الفلق: «إنه جب مغطى». وقال أنس: هي دركة في الأرض السفلى، وقال أنس: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سجين أسفل الأرض السابعة»، وقال عكرمة: سجين خسار وضلال كقولهم لمن سقط قدره: قد زلق بالحضيض، وقال أبو عبيدة والأخفش والزجاج: لفي سجين لفي حبس وضيق شديد. "

كأنه سجن، أصله سجن، لكن ضُعِّف وشدد وزيد في حروفه؛ من أجل أن يشتد الضيق والحبس، فعِّيل، معروف أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.

" فِعِّيل من السجن، كما يقول: فِسِّيق وشِرِّير، قال ابن مقبل:

ورفقة يضربون البيض ضاحية          .

 

ضربًا تواصت به الأبطال سجينًا                .

والمعنى كتابهم في حبس، جعل ذلك دليلاً على خساسة منزلتهم، أو لأنه يُحَل من الإعراض عنه والإبعاد له محل الزجر والهوان. "

يَحُل.

" أو لأنه يَحُل من الإعراض عنه والإبعاد له محل الزجر والهوان، وقيل: أصله سجيل، فأبدلت اللام نونًا، وقد تقدم ذلك، وقال زيد بن أسلم: سجين في الأرض السافلة، وسجيل في السماء الدنيا، قال القشيري: سجين موضع في الساقلين.. أو في السافلين، في السافلين..؟ "

في السافلين نعم.

" موضع في السافلين يدفن فيه كتاب هؤلاء فلا يظهر، بل يكون في ذلك الموضع كالمسجون. وهذا دليل على خبث أعمالهم وتحقير الله إياها، ولهذا قال في كتاب الأبرار: يشهده المقربون.     المطففين: ٨  أي ليس ذلك مما كنت تعلمه يا محمد أنت ولا قومك، ثم فسره له فقال:     المطففين: ٩  أي مكتوب كالرقم في الثوب لا يُنسى ولا يُمحى، وقال قتادة: مرقوم أي مكتوب رُقِمَ لَهُمْ بِشَرٍّ لا يُزاد فيه أحد، ولا يُنقص منهم أحد، وقال الضحاك: مرقوم.. "

يعني كأنه كتب وطوي وختم عليه الختم بحيث لا يزاد فيه ولا ينقص، سواء كتاب الأبرار أو كتاب الفجار.

" وقال الضحاك: مرقوم: مختوم بلغة حمير، وأصل الرقم: الكتابة قال:

سأرقم في الماء القراح إليكم            .

 

على بعدكم إن كان للماء راقم             .

وليس في قوله:     المطففين: ٨  ما يدل على أن لفظ سجين ليس عربيًّا، كما لا يدل في قوله: القارعة: ١ - ٣ ، بل هو تعظيم لأمر سجين. "

نعم التكرار هنا للتعظيم، لا لأنه لا يدري ما معناها، هذا شيء ما تدري عنه، ما أدراك ما سجين؟ ما تدري ما سجين؟ وما تدري ما القارعة؟ لا يعني أن هذا ليس في لغة العرب، وأنه معروف، لكن من باب التهويل من أمره وتعظيم شأنه يكرر.

طالب: ...........

الأصل أن المعول عليه أن القرآن يفسر بالقرآن، فإن لم يوجد، ففي السنة، إلى آخر ما هو معروف عند أهل العلم.

طالب: ...........

    المطففين: ٩ ، لكن     المطففين: ٩  يحتاج إلى تفسير.

" وقد مضى في مقدمة الكتاب- والحمد لله- أنه ليس.. "

يعني وجود غير العربي في القرآن، القرآن الأصل أنه بلسان عربي مبين، وأثبت بعض أهل العلم أن هناك ألفاظًا غير عربية: ناشئة الليل، ومشكاة، وإستبرق، قالوا: هذه ألفاظ ليست عربية، مع أنهم يجمعون على أن القرآن فيه أعلام غير عربية، أعلام أعجمية، أسماء، وأنه لا يوجد تراكيب بغير العربية، هذا محل إجماع، الخلاف في وجود ألفاظ مفردة بغير العربية، منهم من يقول: إنها موجودة، ومنهم من يقول: غير موجودة، ومنهم من يقول: إنها مما تكلمت به الشعوب واتفقت عليه اللغات يعني عند العرب وعند العجم، فلا يخرجه بذلك عن كونه عربيًّا، ومن أثبت أن هناك كلمات في القرآن أعجمية معدودة يقولون: وجود كلمات يسيرة جدًّا لا تخرج اللغة إلى لغة أخرى.

" وقد مضى في مقدمة الكتاب- والحمد لله- أنه ليس في القرآن غير عربي   المطففين: ١٠  أي شدة عذاب يوم القيامة للمكذبين، ثم بيَّن تعالى أمرهم فقال:         المطففين: ١١  أي بيوم الحساب والجزاء والفصل بين العباد.       المطففين: ١٢  أي فاجر جائر جائز عن الحق معتدٍ على الخلق في معاملته إياهم. "

جائز يعني متعدٍ إذا جاز وعبر يعني وانتهى تعدى يقال: جاز النهر، جاز القنطرة، جاز كذا، يعني تعداها وعبرها.

" معتدٍ على الخلق في معاملته إياهم وعلى نفسه، وهو أثيم في ترك أمر الله، وقيل هذا في الوليد بن المغيرة وأبي جهل ونظرائهما؛ لقوله تعالى:         المطففين: ١٣  وقراءة العامة: "تتلى" بتاءين، وقراءة أبي حيوة وأبي سِماك وأشهب العقيلي والسلمي: "إذا يتلى" بالياء، وأساطير الأولين أحاديثهم وأباطيلهم التي كتبوها وزخرفوها، واحدها أسطورة وإسطارة، وقد تقدم. "

يعني ما كتبوه وسطروه عن أسلافهم، وكثيرًا ما يقال: أساطير فيما لا حقيقة له.

" قوله تعالى: ﭹﭺ ﭻﭼ ﭿ        المطففين: ١٤  كلا ردع وزجر أي ليس هو أساطير الأولين، وقال الحسن: معناها حقًّا ران على قلوبهم، وقيل: في الترمذي عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب، صقل قلبه، فإن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه وهو الران الذي ذكر الله في كتابه: ﭹﭺ ﭻﭼ ﭿ        المطففين: ١٤  ». قال: هذا حديث حسن صحيح، وكذا قال المفسرون: هو الذنب على الذنب حتى يسودّ القلب، قال مجاهد: هو الرجل يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه، ثم يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه، حتى تُغشى الذنوبُ قلبه. "

تُغَشي.

" حتى تُغشِّي الذنوبُ قلبه، قال مجاهد: هي مثل الآية التي في سورة البقرة:    البقرة: ٨١  الآية، ونحوه عن الفراء قال: يقول: كثرت المعاصي منهم والذنوب، فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها، وروي عن مجاهد أيضًا قال: القلب مثل الكهف، ورفع كفه، فإذا أذنب العبد الذنب انقبض وضم إصبعه.. لعلها مثل الكف. "

أعد.

مثل الكف.

وروي عن مجاهد.

قال: القلب مثل..

مثل الكهف.

أو الكف.

أو الكف، ماذا عندكم؟ يعني فيه شيء، فيه فجوة مثل الكهف، فإذا أذنب انقبض قليلاً، ثم أذنب انقبض قليلاً، حتى يصير ما يدخله شيء، يصير غلفًا، نسأل الله العافية.

" قال: القلب مثل الكهف، ورفع كفه، فإذا أذنب العبد الذنب انقبض، وضم إصبعه، فإذا أذنب الذنب انقبض وضم أخرى حتى ضم أصابعه كلها، حتى يطبع على قلبه، قال: وكانوا يرون أن ذلك هو الرَّين، ثم قرأ: ﭹﭺ ﭻﭼ ﭿ        المطففين: ١٤،  ومثله عن حذيفة- رضي الله عنه- سواء، وقال بكر بن عبد الله: إن العبد إذا أذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة، ثم صار إذا أذنب ثانيًا صار كذلك، ثم إذا كثرت الذنوب صار القلب كالمنخل أو كالغربال، لا يعي خيرًا، ولا يثبت فيه صلاح. "

ما يمسك شيئًا إذا صار مثل المنخل، مثل الغربال، ثم وضعت فيه ماء ما يمسك شيئًا، نسأل الله العافية.

" وقد بيّنا في البقرة القول في هذا المعنى بالأخبار الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا معنى لإعادتها، وقد روى عبد الغني بن سعيد، عن موسى بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وعن موسى، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس شيئًا الله أعلم بصحته قال: هو الران الذي يكون على الفخذين والساق والقدم، وهو الذي يلبس في الحرب قال: وقال آخرون: الران الخاطر الذي يخطر بقلب الرجل، وهذا مما لا يضمن عهدة صحته، فالله أعلم، فأما عامة أهل التفسير. "

الران هو الغطاء والغشاء الذي يغشى القلب ويغطيه، فيورث الغفلة والصد عن ذكر الله، والله المستعان.

" فأما عامة أهل التفسير فعلى ما قد مضى ذكره قبل هذا، وكذلك أهل اللغة عليه، يقال: ران على قلبه ذنبه، يرين رينًا وريونًا أي غلب قال أبو عبيدة: في قوله: ﭹﭺ ﭻﭼ ﭿ        المطففين: ١٤  أي غلب، وقال أبو عبيد: كل ما غلبك وعلاك فقد ران بك ورانك وران عليك، وقال الشاعر:

وكم ران من ذنب على قلب فاجر           .

 

فتاب من الذنب الذي ران وانجلى                .

ورانت الخمر على عقله أي غلبت، وران عليه النعاس إذا غطاه، ومنه قول عمر في الأسيقع.. في الأسيفع أسيفع جهينة: فأصبح قد رين به، أي غلبته الديون، وكان يدّان. "

يعني أحاطت به مثل هذا الغطاء، ومثل هذا الغشاء الذي يغشي القلب ويغطيه فيورث الغفلة، بحيث لا يصل إليه خير، ولا يخرج منه خير، نعوذ بالله، مثل الطبع.

" ومنه قول أبي زبيد يصف رجلاً شرب حتى غلبه الشراب سكرًا فقال:

ثم لما رآه رانت به الـ               .

 

ـخمر وأن لا ترينه باتقاء                .

فقوله: رانت به الخمر أي غلبت على عقله وقلبه، وقال الأموي: قد أران القوم فهم مرينون إذا هلكت مواشيهم وهزلت، وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم فلا يستطيعون احتماله. قال أبو زيد: يقال: قد رِين بالرجل رينًا إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له، وقال أبو معاذ النحوي. "

يعني أحاط به عدوه من كل وجه، القلب إذا غطاه الرين وأحاط به من كل وجه، فعدوه محيط به وهو الشيطان، أعوذ بالله.

" وقال أبو معاذ النحوي: الرَّين أن يسود القلب من الذنوب، والطبع أن يطبع على القلب، وهذا أشد من الرين، والإقفال أشد من الطبع، قال الزجّاج: الرين هو كالصدأ، يغشي القلب كالغيم الرقيق ومثله الغين يقال: غين على قلبه غطي، والغين شجر ملتف الواحدة غيناء أي خضراء كثيرة الورق ملتفة الأغصان. "

جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة»، وفي رواية: «سبعين مرة»، ولا شك أن المتعلق به -عليه الصلاة والسلام- لا يصل إلى حد أن يغفل عما كُلِّف به أو أمر به، ومع ذلك يستغفر من هذا الرين أو من هذا الغين وإن كان يسيرًا؛ لأن هذه الأمور متفاوتة من شخص إلى آخر، منهم من طبع على قلبه، ومنهم من ختم على قلبه، ومنهم.. وسجال يعني فيه حياة، والشيء اليسير لا ينفك منه أحد.

"وقد تقدم قول الفرَّاء إنه إحاطة الذنب بالقلوب، وذكر الثعلبي عن ابن عباس ﭿ المطففين: ١٤  أي غطى عليها، وهذا هو الصحيح عنه، إن شاء الله، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وأبو بكر والمفضل: ران بالإمالة؛ لأن فاء الفعل الراء وعينه الألف منقلبة من ياء، فحسنت الإمالة لذلك، ومن فتح فعلى الأصل؛ لأن باب فاء الفعل في "فَعَلَ" الفتح، مثل كال وباع ونحوه، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، ووقف حفص ﭻﭼ المطففين: ١٤ ، ثم يبتدئ المطففين: ١٤  وقفًا يبيّن اللام لا للسكت، قوله تعالى."

ﭻﭼ المطففين: ١٤  قالوا: إن الوقف هنا مستحب لماذا؟ لأنه لو أدغمت الراء باللام ماذا يصير؟

طالب: ...........

نعم، بران تثنية بر، قالوا: لئلا يتوهم مثل هذا فيوقف.

" قوله تعالى:      المطففين: ١٥  أي حقًّا إنهم يعني الكفار المطففين: ١٥  أي يوم القيامة المطففين: ١٥  وقيل: كلا ردع وزجر أي ليس كما يقولون، بل إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون، قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أن الله- عز وجل- يرى في القيامة. "

لأنه إذا حُجب الكفار؛ عقوبة لهم، فالمؤمنون لا يمكن أن يعاقبوا بمثل هذا العقاب، فهم يرونه- جل وعلا-، وجاءت بذلك الأدلة، والأحاديث الصحيحة متواترة.

" ولولا ذلك ما كان لهذه الآية فائدة، ولا خسّت منزلة الكفار بأنهم يحجبون، وقال- جل ثناؤه-:               القيامة: ٢٢ - ٢٣  فأعلم الله- جل ثناؤه- أن المؤمنين ينظرون إليه، وأعلم أن الكفار محجوبون عنه، وقال مالك بن أنس في هذه الآية: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه. وقال الشافعي: لما حجب قومًا بالسخط دخل على أن قومًا يرونه بالرضى ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا. وقال الحسين بن الفضل: لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته. وقال مجاهد في قوله تعالى: المطففين: ١٥  أي عن كرامته ورحمته ممنوعون. وقال قتادة: هو أن الله لا ينظر إليهم برحمته، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، وعلى الأول الجمهور، وأنهم محجوبون عن رؤيته فلا يرونه. "

نعم الرؤية خاصة بالمؤمنين.

"   المطففين: ١٦  أي ملازموها ومحترقون فيها غير خارجين منها، النساء: ٥٦،  و الإسراء: ٩٧  ويقال: الجحيم الباب الرابع من النار، ثم يقال لهم: أي تقول.. "

لها سبعة أبواب نعوذ بالله.

" أي تقول لهم خزنة جهنم:          المطففين: ١٧  تكذبون رسل الله في الدنيا. "

اللهم صل على محمد...

طالب: ...........

لا، ما هم يأولونها، ولا ينفونها، لكن لهم نظر في كيفيتها، أنه يُرى، لكن لا في جهة.

طالب: ....... هل هي رؤية غير رؤية المؤمنين؟

لا، ليست رؤية تلذذ..

وعليكم السلام، هلا هلا، مرحبًا، الله يحييك.

طالب: ليست رؤية تلذذ..

أعظم ما يتنعم به المؤمنون الرؤية.

"