شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (187)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدًا وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم، إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ونشكر له تفضله بشرح أحاديث هذا الكتاب، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لازلنا في حديث أبي شريح –رضي الله عنه- في آخر الحلقة الماضية تكلمتم عن مسألة هل القلب في الدماغ ، عفوًا، هل العقل في الدماغ أم في القلب؟ أشرتم إلى أقوال أهل العلم في هذه المسألة عندها توقفنا ونستكمل، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

في الحديث بعد قول أبي شريح سمعته أو قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، يقول: «يوم الفتح يقول: قولًا سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به» نعم، «حين تكلم به» أي بالقول المذكور، «حمد الله وأثنى عليه»، «حمد الله» بيان لقوله تكلم، «حمد الله، وأثنى عليه» عطف جملة على جملة، والعطف في الأصل يدل على المغايرة، فيه دلالة على أن الحمد غير الثناء، العطف خلافًا لما عليه أكثر من عرف الحمد بأنه هو الثناء على الله –جل وعلا-.

أكثرهم يعرف الحمد بأنه الثناء، يقول ابن القيم في الوابل الصيب: الحمد؛ الحمد هو الإخبار عن الله بصفات كماله –سبحانه وتعالى- مع محبته والرضا به، الإخبار عن الله بصفات كماله –سبحانه وتعالى- مع محبته والرضا به، فلا يكون المحب الساكت حامدًا ولا المثني بلا محبة حامدًا حتى تجتمع له المحبة والثناء.

والثناء؛ تكرير المحامد شيئًا بعد شيء ففسر الحمد بشيء، والثناء هو تكرير المحامد، فليس الثناء هو الحمد أو الحمد هو الثناء، لكنه الحمد فرد من أفراد الثناء، فإذا تكرر الحمد صار ثناءًا، فالثناء هو تكرير المحامد شيئًا بعد شيء، والمجد؛ المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء، والملك.

ويدل لذلك حديث أبي هريرة المخرج في صحيح مسلم قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين،

المقدم: قال الله.

قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم.

المقدم: أثني عليّ.

قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، ففسر الجملة الأولى الحمد لله رب العالمين.

المقدم: الحمد.

الحمد، قال: حمدني عبدي، وإذ قال: الرحمن الرحيم، قال: الله تعالى أثنى علي عبدي، فسرها بالثناء؛ لأنه كرر، وإذ قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي».

جاء عند أحمد من طريق ابن إسحاق أنه قال فيها: «أما بعد»، وهذه من مقدمات الخطب الحمد والثناء، وقول أما بعد، ثم قال بعد ذلك «إن مكة حرمها الله»، أي حكم بتحريمها وقضاه «إن مكة حرمها الله» أي حكم بتحريمها وقضاه، قال ابن حجر: وظاهره أن حكم الله تعالى في مكة أن لا يقاتل أهلها، ويؤمن من استجار بها، ظاهره أن حكم الله تعالى في مكة ألا يقاتل أهلها، ويؤمن من استجار بها، ولا يتعرض له، وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:97]، قال الله تعالى:  {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت:67].

يقول سيأتي في حديث ابن عباس بلفظ «هذا بلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض»، ولا معارضة بين هذا وبين قوله: الآتي في الجهاد وغيره من حديث أنس «إن إبراهيم حرم مكة»، «إن إبراهيم حرم مكة»، لأن المعنى أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده، أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده، أو أن الله قضى يوم خلق السموات والأرض، أن إبراهيم سيحرم مكة، وعلى كل حال التحليل والتحريم مرده إلى الله تعالى، أو أن.. أو المعنى إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس، وكانت قبل ذلك عند الله حرامًا، وأول من أظهره أو أول من أظهره بعد الطوفان، وقال القرطبي: معناه أن الله حرم مكة ابتداءً من غير سبب ينسب لأحد، ولا لأحدٍ فيه مدخل.

المقدم: بعد الطوفان كانت معروفة قبل الطوفان، يا شيخ؟

كيف؟

المقدم: هو يقول: بعد الطوفان.

سيأتي في خبر ما يبين هذا، قال القرطبي: معناه أن الله حرم مكة ابتداءً من غير سبب ينسب لأحد، ولا لأحد فيه مدخلٍ؛ لأن بعض الأمور حرمت لسبب، قد يكون سببها فعل فاعل أو ترك تارك، وهذه لا مدخل فيها لأحد، قال: ولأجل هذا أكد المعنى بقوله: «ولم يحرمها الناس» «ولم يحرمها الناس».

والمراد بقوله: ولم يحرمها الناس، أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه، أو المراد أنها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك، فيجب امتثال ذلك، وليست من محرمات الناس، يعني في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم، فلا يسوغ الاجتهاد في تركه، في مطلع الجزء الرابع: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران:93].

فهذا التحريم فيه مدخل للناس، يعني في بدايته فيه مدخل، فلا يسوغ الاجتهاد في تركه، وقيل معناه أن حرمتها، أيضًا في أواخر سورة الحديد {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد:27]، فهم ابتدعوها في البداية هذه الرهبانية، لكنها بعد ذلك كتبت عليهم وألزموا بها، فدل على أن من الأحكام.

المقدم: ما يكون تحريمه بسبب الناس.

 بسبب وهذا ليس بسبب، وقيل: معناه أن حرمتها مستمرة من أول الخلق، وليس مما اختصت به شريعة النبي– صلى الله عليه وسلم- وفي شرح الكرماني: فإن قلت: كانت محرمة من يوم خلق الله السموات كما ثبت في الأحاديث، كانت محرمة من يوم خلق الله السموات، كما ثبت في الأحاديث، يعني فكيف يقال حرمها إبراهيم؟ قلت: لعله لما رفع، اسمع الكلام هذا، لما رفع البيت المعمور إلى السماء وقت الطوفان اندرست حرمتها، وصارت شريعة متروكة منسية إلى أن أحياها إبراهيم -صلوات الله عليه-، لما رفع البيت المعمور إلى السماء يعني مفاده أن البيت المعمور كان

المقدم: في الأرض.

في الأرض، ثم رفع بسبب الطوفان لئلا يغرق.

المقدم: يغرق

وأن الماء شمل مكة، واندرست حرمتها بين الناس لما غرقت، وصارت شريعة متروكة تركها الناس ثم لما جاء إبراهيم أحيا هذه السنَّة، وأحيا هذا الحكم، لكن هذا الكلام يحتاج إلى نقل، يحتاج إلى نقل صحيح، وقيل: معناه أن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، يوم خلق السموات والأرض، أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى، والمسألة عندي أنها لا تحتاج إلى هذا كله، فالذي يحرم ويحلل، التحريم والتحليل لله -جل وعلا- والذي يبلغ عنه.

المقدم: الأنبياء.

أنبياؤه ورسله، الذي يبلغ عنه رسله، وقد ينسب الفعل لمصدره وقد ينسب للواسطة، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ} [الزمر:42]، {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام:61] مثل هذا الكلام، فالكلام ينسب ابتداءً لمنشئه ومصدره لقائله، لمقرره الحاكم به، وقد ينسب إلى الواسطة على سبيل التجوز ونظير ما عندنا الله يتوفى الأنفس، وهذا هو الأصل.

المقدم: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}.

{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}؛ لأنهم هم الواسطة، فالرسل واسطة في تبليغ الناس فيحللون ويحرمون بأمر الله –جل وعلا-، ولا نحتاج إلى جميع هذا الكلام، جاء الفعل حرّم مسندًا إلى الله ورسوله، إن الله ورسوله ينهيانكم، إن الله ورسوله حرما، وهو من هذا الباب، فتحريم حقيقي من الله –جل وعلا- تحريم، باعتبار أنه مبلغ واسطة، فلا يحل بيانًا للتحريم، أي لا يجوز بل يحرم عليه، بيانٌ للتحريم لا يحل، وعلى هذا إذا قال أحد هذا الفعل لا يجوز قالوا: أو غير جائز، أو لا يحل معناه أنه حرام؛ لأن بعض الناس إذا سئل عن مسألة، قال: لا يجوز، وهذه المسألة سئل عنها قريبًا، يعني ما معنى لا يجوز؟ هل هي بمنزلة حرام؟

المقدم: ولا مكروه؟

أو أقل من الحرام؟ هي بمنزله الحرام، إن الله حرم فلا يحل بيانًا للتحريم بمعنى لا يحل ولا يجوز واحد.

المقدم: نعم.

إذًا لا يجوز يعني يحرم، فتطلق لا يجوز، فيطلق لا يجوز ولا يحل بإزاء يحرم، إلا أنه المفتي إلا أن المفتي لا يعدل عن صريح التحريم إلا لشيء في نفسه، يعني إذا جزم بالتحريم بدون تردد يقال: حرام لوضوح الدليل، ووضوح الحكم في نفسه، لكن إذا قال: لا يجوز هو ما عدل عن لفظ التحريم، إلا لنكتة؛ لعله في خفاء في الدليل نفسه أو في الاستدلال منه، فلا يجرؤ أن يقول حرام، فعدوله عن حرام إلى لا يجوز، قد يكون لهذه النكتة وإلا فالأصل أنه إذ قال: لا يجوز بمعنى يحرم؛ لأنه هو المقابل له؛ لأن الحلال ضد الحرام، فإذا كان لا يحل، إذًا هو ماذا؟ ضد، لكن هل هو ضد أم نقيض؟ بحيث إن لم يثبت هذا ثبت هذا، يعني هل يمكن أن نقول لا يحل؟

المقدم: بمعنى؟

بمعنى يكره مثلًا أو يستحب، لا يحل ليس بحلال، والحلال فردٌ من أفراد الحكم التكليفي، فإذا ارتفع هذا الفرد يحل محله حكم آخر.

المقدم: من الأربعة الباقية.

من الأربعة الباقية.

المقدم: لا ما يمكن.

إذًا نقول: الحلال ضد أم نقيض الحرام؟

المقدم: نقول ضد يا شيخ.

إذ قلنا ضد يحل محلها الواجب والمستحب والمكروه؛ لأنه يجوز رفع الضدين ويحل محلهما ثالث، إذ قلنا نقيض ما قلنا ما فيه إلا حلال والا حرام، قلنا ما فيه حلال أم حرام ما فيه حكم تكليفي غير الاثنين، والأحكام ثلاثة، يعني جرى استعمالهم الاصطلاحي.

المقدم: نعم.

نعم على أنه إذا رفع بهذه الكلمة، الحل ثبتت، الحرمة من باب المقابلة، {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل:116]، ولا ثالث، لكن التقسيم الاصطلاحي إلى خمسة الأحكام التكليفية لا ينافي هذا، «لامرئٍ»؛ أي رجل، وتدخل فيه المرأة لدخولها في خطاب الرجال، «لا يحل لامرئ» أي رجل وتدخل فيه المرأة ما تدخل في اللفظ، تدخل في الحكم، لدخولها في خطاب الرجال {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:12].

فتدخل المرأة في خطاب الرجال، إلا ما دل الدليل على تخصيص الرجال به، أو النساء، وفي شرح الكرماني الامرؤ؛ الرجل، الامرؤ: الرجل، وفيه لغتان امرئ، كزبرِج،  ومرْء كفلْس، ولا جمع لهما من لفظه، وهو من الغرائب؛ لأن عين فعله تابع للام؛ لأن العين تابعه للام، في الحركات الثلاث، العين هي الراء، واللام الهمز، كيف تتبع العين اللام في الحركات الثلاث، تقول: جاء امرؤٌ، الراء مضمومة مثل الهمزة، العين مضمومة مثل اللام، رأيت امرءًا، مررت بامرئٍ، يقول: هذا من الغرائب؛ لأن عين فعله تابع للام في الحركات الثلاث دائمًا، وكذا في مؤنثه أيضًا لغتان امرأة ومرأة، لكن قوله كذا في مؤنثه أيضًا لغتان امرأة ومرأة، يعني وكذا في مؤنثه الغرابة الموجودة في المذكور، تقول: جاءت امرأة.

المقدم: رأيت امرأةً، مررت بامرأةٍ.

 إذًا ليست العين تابعة للام، إنما العطف على قوله فيه لغتان امرأة ومرأة، كما في المذكر إمرئ ومرء، «يؤمن بالله واليوم الآخر»، «يؤمن بالله واليوم الآخر» قال الكرماني: خصّص من بين ما يجب الإيمان به، أو خصص من بين ما يجب الإيمان به هذين الأمرين، وإلا فالأصل أن الإيمان بالأركان الستة، لماذا خص في كثير من النصوص، الإيمان بالله وباليوم الآخر دون الإيمان بالرسل، بالكتب، بالقدر؟ لماذا؟

المقدم: لماذا خص يا شيخ؟

الإيمان بالله واليوم الآخر.

المقدم: لأنه غيبي.

والإيمان يناسب الغيب.

المقدم: نعم.

فيه أمور غيبية من مضى من الرسل، وما مضى من الكتب، القدر فيه ما هو غيب.

المقدم: لكن شواهد الحاضر منه كثيرة أو على الأقل معلومة، متناقلة، متداولة.

 فهذا يحتاج إلى الإيمان به أكثر من غيره، يقول الكرماني: خصص من بين ما يجب الإيمان به هذين الأمرين، الإيمان بالله وباليوم الآخر أي القيامة؛ لأن الأول إشارة إلى المبدأ، والثاني إشارة إلى المعاد والبواقي داخلة تحتهما، يعني فيما بين هذين، فإذا آمن بالأول والآخر.

المقدم: من باب أولى.

 يلزمه الإيمان فيما بينهم، وفي عمدة القاري يقول العيني: لأن من آمن بالله لزمته طاعته، ومن آمن بالله واليوم الآخر لزمه القيام بما وجب عليه واجتناب ما نهي عنه تخلصًا خوف الحساب عليه، ومثل هذا في فتح الباري، وقال ابن حجر: لقد تعلق به من قال: إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثر خلافه، إن الخطاب اتجه إلى من يؤمن بالله واليوم الآخر، لكن الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، يجوز له أن يقاتل يحل له أن يقاتل؟ استدل بهذا من قال: إن الكفار غير مخاطبين، يقاتلون أو لا يقاتلون سيان.

والجمهور على أن الكفار مخاطبون بالفروع، وجوابهم عن هذا الحديث، وما يستدل به من يقول بعدم خطابهم، بأن المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن المحرمات، فجعل الكلام معه، وليس فيه نفي ذلك عن غيره؛ لأنه إذا كان الشخص كافرًا مثلًا، هل يسوغ أن يخاطب بمثل هذه الفروع في الدنيا؟ وهل ينصاع إليها وينكف عنها؟ إذا قيل له لا يجوز، إذا قيل: للكفار لا يجوز حربكم للمسلمين.

المقدم: أصلًا ما يؤمنون بها.

نعم، فخطابهم بهذا غير متجه، وإنما الخطاب لمن يتدين بصحة هذا الكلام، وجوابهم بأن المؤمن هو الذي ينقاد إلى الأحكام وينزجر عن المحرمات، فجعل الكلام معه، وليس فيه نفي ذلك عن غيره، وقال ابن دقيق العيد في شرح العمدة الذي أراه أن هذا الكلام من باب خطاب التهييج، يعني أنت تستثير في المؤمن هذا الوصف، تفعل هذا الوصف بأسلوب المعاصرين، يعني تفعل هذا الوصف في نفس المؤمن، بأن تذكر له الحكم مقرونًا بسبب الانكفاف عنه، وهو الإيمان، يقول ابن دقيق العيد: والذي أراه أن هذا الكلام من باب خطاب التهييج فإن مقتضاه أن استحلال هذا المنهي عنه، أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله، واليوم الآخر، بل ينافيه فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف، فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف ولو قيل: لا يحل لأحد مطلقًا لم يحصل به الغرض؛ لأن كل ما يتحدد الخطاب إلى فئة، يكون أوقع في نفس هذه الفئة، لكن إذا جاء الخطاب بلفظ العموم، كان وقعه أخف بلا شك، ولذا جاء.. يحكم أهل العلم، أو مما يتفق عليه أن الخطاب الخاص أقوى من الخطاب العام، فالعموم فيه ضعف، فالخطاب الخاص أقوى منه، وكلما كان الخطاب أخص، كان الخطاب أقوى.

 يقول: الذي أراه أن هذا الكلام من باب خطاب التهييج، فإن مقتضاه أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر، بل ينافيه، فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف، ولو قيل: لا يحل لأحد مطلقًا لم يحصل به الغرض، الأصل أن يحصل به الغرض، لكن ليس حصوله، ليس حصول الغرض بالخطاب العام كحصوله بالخطاب الخاص المقرون ببيان علة الانكفاف، وخطاب التهييج معلومٌ عند علماء البيان، وخطاب التهييج معلومٌ عند علماء البيان، ومنه قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23].

المقدم: {إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} هذا خطاب تهييج.

نعم، إلى غير ذلك، {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}، على أن التقديم تقديم المعمول على عامله في قوله: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا} يقتضي الحصر، فالتوكل من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله -جل وعلا-، لا يجوز صرفها لأحد، فالتوكل على الله، والتوكيل، التوكيل يجوز أن يعتمد فيه على.

المقدم: على غير الله.

على غيره، على البشر، وباب الوكالة معروف في الشرع، وفي قوله –جل وعلا-: {وأنا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] وحميل أيضًا في بعض الأحاديث، الحميل والزعيم، بمعنى واحد، هو الوكيل أو الكفيل؟

المقدم: لا الوكيل.

 لا {وَأَنَاَ بِهِ زَعِيمٌ}، وكيل ليدفع.

المقدم: كفيل.

أو كفيل، كفيل الظاهر، الذي يظهر أن الحميل والزعيم هو الكفيل، إلى غير ذلك من الآيات، وهذا التنبيه من ابن دقيق العيد نفيسٌ جدًّا، وكثيرٌ من الخطاب يأتي على هذه الصيغة يستثير الشارع فيها همة المخاطب، ويذكر في خطابه ما يهيجه إلى الانقياد، إما بالفعل، أو الانكفاف أو الانزجار، أن يسفك بها دمًا، أن يسفك بها دمًا بكسر الفاء وحكي ضمها، يعني من باب ضرب يضرب، سفك يسفك، وحكي ضمها لتكون من باب نصر، والسفك صب الدم، والمراد به القتل، والمراد به القتل، قال: ابن دقيق العيد في شرح العمدة: يؤخذ منه أمران، وفي شرح الأمرين طول لعلنا نتركه إلى الحلقات اللاحقة إن شاء الله تعالى.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لازلنا في حديث أبي شريح -رضي الله عنه-، ونستكمل بإذن الله ما تبقى في الحلقة القادمة، شكرًا لطيب متابعتكم. والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.