كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 40

سم.

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر:

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" متفق عليه.

وعنه -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل" رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم، ثم قال: "رواه مسلم ولم يروه بهذا اللفظ، وإنما لفظه: كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما".

وعن نافع أن ابن عمر كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق، ويقول: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء" متفق عليه، ورواه أبو داود من رواية محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة! قال: سر، سر، حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل وصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث.

قال أبو داود: رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده، ورواه عبد الله بن العلاء بن زبر عن نافع قال: "حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما".

وعن معاذ قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر، والمغرب والعشاء جميعاً. متفق عليه.

الظهر والعصر جميعاً.

الطالب: طيب هكذا عندي يا شيخ.

الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً.

الطالب: أحسن الله إليك.

لأنه ما يمكن يجمع.

الطالب: الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً. متفق عليه.

ولمسلم: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته، وفي لفظ له: في غير خوف ولا سفر.

وقد تكلم ابن سريج في قوله: "ولا مطر".

وروى الطحاوي من رواية الربيع بن يحيى الأشناني عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة" والربيع بن يحيى روى عنه البخاري، وقد تُكلم فيه بسبب هذا الحديث.

وعن معاذ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها مع العصر يصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وكان إذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب. رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. وقال أبو داود والترمذي والطبراني وابن يونس والسليماني والبيهقي والخطيب وغيرهم: تفرد به قتيبة، قال الخطيب: وهو منكر جداً، وقال الحاكم: هو حديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون، وقد تقدم جمع المستحاضة بين الصلاتين في باب الحيض. والله أعلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

لما أنهى المصنف -رحمه الله تعالى- الأحاديث المتعلقة بالقصر أردفها بالأحاديث المتعلقة بالجمع، وكلاهما مما يهم المسافر.

قال -رحمه الله تعالى-:

"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر" إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس قبل أن تزول إلى جهة المغرب بعد الزوال بعد أن يقوم قائم الظهيرة تذهب إلى جهة المغرب، وهذا هو الزوال وهو الدلوك الذي جاء ذكره في سورة الإسراء، سُمي هذا الوقت كما يقول أهل العلم دلوكاً لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيضطر إلى دلكها، قبل أن تزيغ الشمس وقبل أن يحين وقت صلاة الظهر أخر الظهر إلى وقت العصر؛ لأنه لا يستطيع أن يصلي لا ظهر مفردة ولا مجموعة قبل زوال الشمس؛ لأنه ليس وقت صلاة قبل الزوال فإذا زالت حان وقت الظهر، فإذا ارتحل قبل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما جمع تأخير.

"فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" وضع "والعصر" بين قوسين زيادة من بعض النسخ هذه ليست بصحيحة، وليس في الحديث ما يدل على جمع التقديم، فيه ما يدل على جمع التأخير، وليس فيه ما يدل على جمع التقديم، والجمع بين الصلاتين في السفر هو قول جمهور أهل العلم، وخالف فيه الحنفية فلم يروا الجمع إلا في عرفة ومزدلفة للنسك، وأول ما جاء من جمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين فحملوه على الجمع الصوري، والجمع الصوري أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ثم يقدم الصلاة الثانية في أول وقتها، فيأتي بالصلاتين مجموعتين، وكل واحدة منهما في وقتها، ويظنون أن هذا من باب التيسير مع العمل بأحاديث التوقيت، مع أن ملاحظة أوائل الأوقات وأواخر الأوقات فيه مشقة عظيمة على خواص الناس فضلاً عن عوامهم، هذا فيه حرج عظيم على الخواص الذين يعرفون أوائل الأوقات وأواخرها فضلاً عن عوامهم، هذا رأي الحنفية في عدم مشروعية الجمع، وأنه لا يجوز إلا في عرفة ومزدلفة للنسك لا للسفر، ولذا يجمع كل أحد، كل حاج يجمع بينهما، والجمهور يرون أنه للسفر فلا يجمع بعرفة ولا مزدلفة إلا من تحقق فيه الوصف أنه مسافر، قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال للناس بعرفة ولا مزدلفة: أتموا، ولا لا تجمعوا، فإن قوم سفر، كما قال بالمسجد الحرام لما صلى بهم يوم الفتح قال: ((أتموا)) الجمهور يقولون: إن مثل هذا لا يحتاج إلى تنبيه؛ لأنه معروف، ما يحتاج إلى أن ينبه على حكم كل مسألة في كل مناسبة، إذا عرفها الناس ونقلها من تقوم بهم الحجة لا يحتاج إلى تنبيه، فلا يجمع ولا يقصر إلا المسافر، ومن أهل العلم ممن يقول بجواز الجمع والقصر ويخصه بالمسافر يقول أيضاً: إن أهل مكة ومن سكن المشاعر له أن يجمع للنسك، يوافقون الحنفية على هذا، إذا عرفنا قول الحنفية بعدم الجمع بقي من عداهم ممن يقول بجواز الجمع بين الصلاتين في السفر، ومنهم -وهم الأكثر- المالكية والشافعية والحنابلة يقولون بجواز الجمع تقديماً وتأخيراً، جواز جمع التقديم وجواز جمع التأخير، والأوزاعي من الأئمة ورواية عند المالكية والحنابلة أنه يجوز جمع التأخير دون جمع التقديم، وأكثر الأدلة والنصوص المنقولة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجمع إنما تدل على جمع التأخير وليس في الصحيحين ما يدل صراحة على جواز جمع التقديم، إنما فيه أشياء مجملة أنه جمع بين الصلاتين، وجاء ما يدل على جمع التقديم بعد هذا الخبر عند الحاكم وعند أبي نعيم، وفي خارج الكتب التي التزم مؤلفوها الصحة، والذي اختلف فيها أهل العلم.

قال: "فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" يعني: لم يجمع معها العصر، ومفهومه أنه يجمع في جملته الأولى أنه يجمع جمع تأخير، والحديث متفق عليه، ولا إشكال في جمع التأخير، لكن الإشكال في جمع التقديم الذي يدل مفهوم الجملة الثانية على عدمه "صلى الظهر ثم ركب" النسخة التي فيها "والعصر" عندك والعصر؟

طالب: نعم.

أيه وضعها بين قوسين وهي موجودة في بعض النسخ، لكنها ليست صحيحة، زيادة مقحمة.

قال: "وعنه -أنس -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل" هذا فيه دليل على جواز جمع التقديم، إذا كان في السفر، وهو مخالف لمفهوم الحديث السابق، الحديث السابق متفق عليه، ومفهومه يدل على عدم جمع التقديم، ومنطوق الرواية الثانية التي عند أبي نعيم كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل، فمن يقول: المنطوق مقدم على المفهوم يقول بجواز جمع التقديم؛ لهذه الرواية، ومن يقول: إن ما في الصحيح مقدم على غيره مطلقاً قال بعدم جواز جمع التقديم، ولو كان جمع التقديم سائغاً لما عدل عنه البخاري ومسلم، قال: "رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم ثم قال: رواه مسلم" المستخرج على مسلم الأصل في الاستخراج أن يعمد المستخرج إلى أحاديث الكتاب المستخرج عليه فيخرجها بأسانيده هو، يعمد إلى أحاديث الكتاب المخرج عليه فيخرج أحاديثه بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب الأصلي، فالمستخرج على مسلم لأبي نعيم الأصل أن المتون هي المتون الموجودة في مسلم، لكن الأسانيد أسانيد أبي نعيم لا أسانيد مسلم، وقد يلتقي مع مسلم في شيخه، لكن لا يلتقي بمسلم أبداً، لا يكون عن طريق مسلم إلا أنه قد يضيق عليه المخرج فلا يجد الحديث إلا عن طريق صاحب الكتاب وحينئذٍ إما أن يحذفه؛ لأنه لا يسمى استخراج فيكون ليس من شرط الكتاب، أو يحذف الإسناد كامل ويعلق الخبر، أو يخرجه من طريق صاحب الكتاب، وهذا لا شك أنه خلل في معنى الاستخراج.

"رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم" قد يقول قائل: وش معنى الاستخراج وهذا ذكر شيء لم يذكره مسلم؟ بل ذكره مسلم خلافه "رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم ثم قال: رواه مسلم ولم يروه بهذا اللفظ" روى الحديث حديث أنس رواه لكن لم يرويه بهذا اللفظ، فعدول مسلم عن هذا اللفظ لا شك أنه يعل به هذا اللفظ، إذ لو كان ثابتاً لأخرجه مسلم في صحيحه، وهذه طريقة معروفة عند أهل العلم التعليل بإعراض الشيخين عن إخراج لفظة أو جملة من حديث أخرجا بقيته وأخرجا أصله، قد يقول قائل: إن هذه الزيادة في هذه الرواية خفيت على من روى الرواية الأولى، نعم نقول: خفيت على من روى الرواية الأولى لو أعرض عنها بالكلية، لكنه أشار إلى خلافها، فكيف تكون خفيت عليه؟! وإنما لفظه: "وكان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما" هذا خلاف ما في هذه الرواية رواه مسلم ولم يروه بهذا اللفظ، نعم روى حديث أنس لكن هذا اللفظ الذي خرجه أبو نعيم في المستخرج هذا لا شك أنه لا يوجد عند الإمام مسلم، وهذه الرواية هي معول من يقول بجواز جمع التقديم، وعرفنا أنه هو المعروف عند المالكية والشافعية والحنابلة كجمع التأخير، وإن كان عند المالكية والحنابلة رواية توافق قول الأوزاعي بعدم جواز جمع التقديم, ولا شك أن الأرفق -والجمع إنما شُرع رفقاً بمن أجيز له الجمع- أن الأرفق به أن يفعل أو يصنع ما يناسبه من الجمع سواء كان تقدمياً أو تأخيراً، وممن نظر إلى العلة مع هذه الرواية أثبت جمع التقديم، ومن قال: نقتصر على ما في الصحيح، وما ثبت في الصحيح نقتصر عليه، وما خرج عنه لا سيما إذا وجد معارضاً لما في الصحيح فإننا نقدم ما في الصحيح، فلم يثبت إلا جمع التأخير، وقد عرفتم من قال به، والجمهور على جواز الجمع تقديماً وتأخيراً.

"وعن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا جد به السير" يعني: راكب مسرع ليس نازلاً "إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق" يعني: جمع تأخير "ويقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء, متفق عليه" هذا فيه دليل على جواز جمع التأخير لمن جد به السير، وقد أخذ به من يقول: إن الجمع لا يشرع بالنسبة لمن كان نازلاً، وإنما مشروعيته لمن جد به السير، وهذا يفهم من كلام شيخ الإسلام وابن القيم مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه جمع بتبوك وهو نازل، فالجمع رخصة للمسافر سواء كان راكباً أو نازلاً، نعم إذا كان نازلاً فالأفضل أن لا يجمع كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنى، يصلي كل صلاة في وقتها، لكنه يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين.

"متفق عليه، ورواه أبو داود من رواية محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة" المؤذن قال له: الصلاة يعني حان وقتها "قال له: سر، سر" يعني: استمر في سيرك "حتى إذا كان قبل غروب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء، ثم قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت، فصار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث" يعني من سرعة المشي؛ لأنه يقول للمؤذن: سر، سر" يعني من سرعة المشي فصار في تلك الليلة مسيرة ثلاث، يعني: طويت له الأرض؛ لأنه لم ينزل، على كل حال في الحديث هذا -في هذا الخبر- عن ابن عمر ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه جمعَ جمع تقديم وإلا تأخير؟ صوري، جمع صوري، جمعاً صورياً "حتى إذا كان قبل غروب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت" لكن الرواية المتفق عليها من حديث ابن عمر أنه يجمع بعد أن يغيب الشفق، والرواية الثانية عند أبي داود وغيره ينزل قبل أن يغيب الشفق فيصلي المغرب، ثم إذا غاب الشفق صلى العشاء فيجمع جمعاً صورياً، ومنهم من يقول: إن هذه الرواية معلولة حكم بعضهم بوضعها، وأما ابن التركماني في الجوهر النقي على سنن البيهقي كأنه دعم هذه الرواية وقواها على الرواية التي قبلها، الرواية التي قبلها عند من؟ في الصحيحين، والرواية الثانية عند أبي داود والبيهقي وغيرهما، ابن التركماني عزز من هذه الرواية وقواها؛ لماذا؟ لأنه حنفي تقوي مذهبه في الجمع الصوري، والأولى ترد عليه في جمع التأخير؛ لأنه لا يراه، وهذا أيضاً إشكال حينما تسخر النصوص لنصرة المذاهب مع أنه ينبغي أن تطوع المذاهب تبعاً للنصوص.

"قال أبو داود: رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده، قال: ورواه عبد الله بن العلاء بن زبر عن نافع قال: "حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما" رواه أبو داود أيضاً موافقة لما في الصحيحين.

قال -رحمه الله-: "وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم.

(خرجنا) يدل على أنهم في سفرهم إلى تبوك، مع أنه جاء عنه كان يجمع بين الصلاتين وهو نازل في تبوك مما يدل على جواز الجمع في أثناء السير إذا جد به السير، وإذا كان نازلاً ما دام الوصف المؤثر محققاً وهو السفر.

"رواه مسلم".

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً" نعم؟

الطالب: ... التقديم والتأخير...

أين؟

الطالب:.........

هذه؟ لا ما فيها، هذه مجملة، ليست مما يستدل به الجمهور على جواز جمع التقديم، وسبق أن قلت: إن جمع التقديم لا يوجد في الصحاح ما يدل عليه إلا إجمالاً، أما تنصيصاً ما يوجد في الصحاح ما يدل عليه إلا رواية أبي نعيم في المستخرج، وهي عند الحاكم أيضاً في الأربعين له.

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" متفق عليه، وللمسلم: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته" وفي لفظ له: "من غير خوف ولا سفر" مع أن كلمة "ولا سفر" لا يحتاج إليها إلا من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا كونه في المدينة يفهم منه أنه مسافر؟! لا، لكن قوله: "ولا سفر" واللفظ عند مسلم تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا فالأصل: "من غير خوف ولا مطر" يعني من غير مقتضي، "وقد تكلم ابن سريج في قوله: "ولا مطر" تكلم فيها من أجل أن يثبت أن هذا الجمع له سبب، فإذا انتفى السفر وانتفى الخوف لا بد أن يكون هناك مطر، لكن نفي المطر أيضاً منصوص عليه في الروايات الصحيحة في صحيح مسلم نفي المطر، إذاً لا بد أن يوجد هناك مسبب، لا بد أن يوجد هناك سبب للجمع، وأشير إليه بقوله: "كي لا يحرج أمته" يعني أنه لو لم يفعل لكان فيه حرج، والظروف العادية التي لا تقتضي الجمع ليس فيها حرج، فمخالفة أحاديث التوقيت "لئلا يحرج أمته" من أجل وجود حرج، وليكن غير السفر غير الخوف غير المطر، إما ريح شديدة باردة، أو أمر يقتضي الجمع مما لم يذكر، فالجمع لا بد أن يكون لوجود الحرج للعلة التي ذكرها ابن عباس: "كي لا يحرج أمته" وأحياناً يكون الإنسان في بلده ويضطر إلى الجمع، يعني: إنسان من أهل مكة في وقت المواسم ذهب إلى صلاة المغرب في المسجد الحرام في العشر الأواخر، فاستمر في سيارته إلى أن أذن العشاء لا يستطيع أن ينزل ويترك السيارة في الطريق ولا يستطيع أن يصلي في السيارة؛ لأن الصلاة على الراحلة إنما هي في النفل، في السفر أيضاً عند جمهور أهل العلم، فمثل هذا حرج عظيم يباح فيه مثل ما أشار إليه ابن عباس "كي لا يحرج أمته" وهذا موجود في المدن الكبرى في أوقات الزحام، يعني: قد يخرج الإنسان في الرياض مشوار قبيل صلاة المغرب، ثم يكون في طريق سريع لا يستطيع أن يقف ولا يستطيع أن ينزل يكون في حادث وإلا شيء يمنع من سيره، وعادي يعني يمكث ساعة ساعتين في السيارة "كي لا يحرج أمته" مثل هذه الظروف لا مانع من الجمع فيها، وليس معنى هذا أن الإنسان يتوسع في هذه الأمور ويجد لنفسه أدنى عذر، ولذا قال الترمذي في علل جامعه: أنه لا يوجد في كتابي حديث أجمع العلماء على تركه، أو على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس هذا، وحديث معاوية في قتل الشارب شارب الخمر، فيرى الترمذي أن العلماء أجمعوا على ترك العمل به، يعني: جمع في الحضر بدون مبرر هذا محل إجماع أنه لا يجوز، يقول: ليس في كتابي مما أجمع العلماء على ترك العمل به إلا حديثان، حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث معاوية في قتل الشارب المدمن بعد الثالثة أو الرابعة، مع أن قتل المدمن قول معروف عند أهل العلم، منهم من يراه حد كابن حزم، ويرجحه السيوطي وأحمد شاكر، ومنهم من يراه تعزيراً ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.

قال: "وروى الطحاوي من رواية الربيع بن يحيى الأشناني عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر -رضي الله عنه- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة" يعني مفهومه أنه جمع بدون مبرر، ولكن هذا الخبر ضعيف عند أهل العلم، "يقول أبو حاتم: حديث باطل، هذا خطأ، ويقول الحاكم في سؤالاته للدارقطني: فالربيع بن يحيى الأشناني فإنه ليس بالقوي" هو الأصل أنه روى عنه البخاري، كما قال المؤلف: "والربيع روى عنه البخاري، وقد تُكلم فيه بسبب هذا الحديث" لماذا تكلم فيه بسبب حديث واحد؟ لأنه مكثر أو مقل؟

الطالب: مقل.

مقل، لكن لو كان مكثراً يتكلم فيه بسبب حديث واحد؟ لا يتكلم فيه بسبب حديث واحد، وعلى كل حال مجرد ترخص من غير علة هذا لم يقل به أحد من أهل العلم، ولذا حكموا على هذا الخبر بأنه باطل وليس بصحيح، والصحيح ما تقدم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه جمع بالمدينة سبعاً وثمانياً، بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وأراد بذلك أن لا يحرج أمته، فهذه العلة تدل على أنه لو ترك الجمع لوجد الحرج والحرج منفي، والحرج لا شك أنه سبب مقتضي للجمع، قد يقول قائل: إن هناك في أحوال الناس وظروفهم الخاصة، ظروف بعض الناس منها ما يقتضي الجمع؛ لأن حرج عظيم، شخص جاء مسافر ووصل البلد مع زوال الشمس هل له أن يجمع جمع تقديم لينام إلى غروب الشمس أو ينام ثم يؤخر صلاة الظهر إلى قبيل الغروب ليجمعها مع العصر؟ قد يكون عند هذا من الحرج في انتظار وقت العصر شيء قد لا يطيقه ولا يتحمله، فمثل هذا حله أن لا يدخل البلد في هذا الوقت حتى يدخل وقت الظهر وهو مسافر، ويصلي الجمع ثم يدخل؛ ليكون السبب قائماً، كثير من الناس يوم العيد عيد الفطر مثلاً هو في آخر يوم من رمضان نام النهار وسهر ليلة العيد كاملة، ثم انتظر صلاة العيد، ثم انتظر المهنئين وكذا، ثم في الساعة العاشرة ينتهي، هذا حال كثير من الناس هل يستطيع أن يقوم لصلاة الظهر إذا نام؟ لا يستطيع؛ لأنه توالى عليه التعب والسهر، وأقول: إن هذا ليس بمبرر؛ لماذا؟ لأنه مبني على تفريط سابق، وهذا ليس بمبرر للجمع، وإن كان فيه حرج على صاحبه، لكن الحرج المبني على تفريط الإنسان هذا لا يساغ له شرعاً أن يترخص.

قال: "وعن معاذ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً" وهذا موافق للحديث الأول "وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس".. "إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً" يعني جمع تأخير "وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار" هذا دليل على جمع التقديم، "وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وكان إذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلها مع المغرب" وهذا دليل على جمع التقديم أيضاً، وأما جمع التأخير ما في إشكال.

"رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن غريب" وبعض أهل العناية يرون أن هذا الحكم عند الترمذي تضعيف، الاقتصار على الحسن، أو إرداف الحسن بالغرابة، لكن الحديث يتبين من تخريجه على أقل أحواله أنه حسن.

"وقال أبو داود والترمذي والطبراني وابن يونس والسليماني والبيهقي والخطيب وغيرهم: تفرد به قتيبة" قتيبة بن سعيد ثقة حافظ كما قالوا: ثقة مأمون "قال الخطيب: وهو منكر جداً" يعني: الحديث تفرد به قتيبة يحتمل تفرده أو ما يحتمل؟ تفرده من غير مخالفة محتمل؛ لكن مع المخالفة، مع مخالفة غيره من الثقات لا يحتمل "قال: تفرد به قتيبة، قال الخطيب: وهو منكر جداً" يعني لأن المحفوظ في الصحيحين وغيرهما أنه لا يجمع جمع تقديم، وهنا فيه تنصيص على جمع التقديم "وقال الحاكم: وهو حديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون" حديث موضوع وقتيبة ثقة مأمون! يعني: هل الحكم عليه بالوضع لآفة في إسناده أو لخطأ من راويه الثقة؟ نعم لخطأ من راويه على حد كلام الحاكم، والترمذي حسنه كما تقدم، وعلى كل حال مثل ما ذكرنا سابقاً الجمهور على جواز الجمع، ومنعه الحنفية، وحملوا ما جاء فيه على الجمع الصوري، والجمهور الذين يقولون بجواز الجمع قالوا بجوازه تقديماً وتأخيراً، وقصره الأوزاعي على جمع التأخير، وهو قول ابن حزم، وهو رواية أيضاً عند المالكية والحنابلة، قال: وقد تقدم جمع المستحاضة بين الصلاتين في باب الحيض، شوف في باب الحيض في الحديث حمنة رقم (135) الطويل، نعم.

الطالب: اسمه يا شيخ.

((فإذا قويت على أن تؤخرين الظهر وتعجلين العصر)) على أن تؤخرين وهذا فيه إلغاء عمل (أن) ((تؤخرين الظهر وتعجلين العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي)) نعم؟

الطالب:....

في شيء؟

هاه صالح في شيء؟

الطالب:.....

هذا هو الذي أشار إليه في باب الجمع، في جمع المستحاضة في حديث حمنة السابق، وسمعتم ما ذكره فيه، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.