كتاب الصلاة (08)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَا يَسْتُرُ مِنَ العَوْرَةِ:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ –رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ".
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة –رضي الله عنه- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنِ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ".
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ، نُؤَذِّنُ بِمِنًى: أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَة، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول الإمام البخاري: "بَابُ مَا يَسْتُرُ مِنَ العَوْرَةِ" يعني القدر الكافي المُجزئ لصحة الصلاة؛ لأن ستر العورة شرط لصحة الصلاة، وقد تقدم الكلام فيه؛ يُذكر عن بعض المالكية أنهم قالوا: إنه سُنَّة، وبعضهم أوجبه ولم يشترطه.
وعلى كل حال الأدلة تدل على أن ستر العورة من الشروط التي اشتُرطت لصحة الصلاة، وهذا قول عامة أهل العلم.
والذي يظهر من صنيع المصنِّف مجيئه بالأحاديث اللاحقة أن العورة المشترطة هي المغلَّظة السوأتان فقط، وأن الفخذ ذكر فيه الخلاف، وأن كونه عورة أحوط، لا على سبيل الوجوب كما سيأتي في حديث جرهد ومن معه؛ لأنه معارضٌ بحديث أنس، وحديث أنس في الصحيحين، وحديث جرهد ومن معه كما سيأتي ليس في واحدٍ منهما وإن صُحح، وبعضهم حكم عليه بالضعف كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ" وهو ابن سعد.
"عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ" ابن مسعود.
"عَنِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ" وهو أن يلف الثوب على بدنه ويُضيقه على نفسه بحيث لا يستطيع إخراج يده لو نابه شيء.
ومنهم من يقول: "اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ" أن يلفه على بدنه ويجعل طرفه على عاتقه، فتخرج عورته ولو من غير قصد، يُعرِّض عورته للخروج.
وعلى التفسير الأول إذا قلنا: إنه من أجل أن يتصرف إذا نابه شيء من الهوام والدواب يكون اشتمال الصماء مكروهًا؛ لأنه لا يتعلق بشرط الصلاة.
وعلى القول الثاني: وأنه يُعرِّض العورة للانكشاف قيل: إنه مُحرَّم، وهذا سيأتي.
"عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ" يحتبي الاحتباء أن يجلس الرجل على إليتيه، ويرفع ساقيه، ويلف عليهما ثوبًا أو على بدنه ثوبًا بعد أن يجلس هذه الجلسة، ولا شك أنه إذا فعل ذلك فإن العورة ستنكشف، كما يظهر من حال كثيرٍ من الناس الذين لا يلبسون السراويل إذا جلسوا على أي حالٍ كان لاسيما إن كان الثوب ضيقًا فإنه لا بُد أن تنكشف عورته، يعني ولو لم يكن جميع الوقت كاشفًا لعورته، لكن إذا تحرك أو تصرف أو قام أو قعد لا بُد أن يحصل منه شيءٌ من ذلك.
طالب: ...........
الاحتباء، على كل حال دلالة الاقتران معروفٌ ضعفها، واشتمال الصماء له تعريف عند أهل اللغة، وتعريفٌ عند الفقهاء على ما ذكرناه سابقًا.
قال الحافظ –رحمه الله-: "قوله: باب ما يستر من العورة" أي: خارج الصلاة، والظاهر من تصرف المصنف أنه يرى أن الواجب ستر السوأتين فقط، وأما في الصلاة فعلى ما تقدم من التفصيل، وأول أحاديث الباب يشهد له، فإنه قيد النهي بما إذا لم يكن على الفرج شيء أي: يستره، ومقتضاه أن الفرج إذا كان مستورًا فلا نهي".
بعد أن وُجِد الخلاف في الفخذ في وجوب ستره في الصلاة، فمن باب أولى خارج الصلاة، والأكثر يرون أن عورة الرجل من السُّرة إلى الرُّكبة، ومقتضى هذا أن الركبة ليست من العورة المشترط سترها في الصلاة.
"قوله: "عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة" أي: ابن مسعود، عن أبي سعيد هكذا رواه الليث، عن ابن شهاب، ووافقه ابن جريج كما أخرجه المصنف في اللباس، ورواه في اللباس أيضًا من طريقٍ أخرى عن الليث أيضًا عن يونس، عن ابن شهابٍ، عن عامر بن سعد، عن أبي سعيد، وسياقه أتم، وفيه النهي عن الملامسة والمنابذة أيضًا، وفيه تفسير جميع ذلك، ورواه في الاستئذان من طريق سفيان عن ابن شهاب".
وفيه النهي عن لبستين وبيعتين، وهي الأربعة كلها مسرودة في حديثٍ واحد.
"ورواه في الاستئذان من طريق سفيان عن ابن شهابٍ، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد بنحو رواية يونس، لكن بدون التفسير، والطرق الثلاثة صحيحة، وابن شهابٍ سمع حديث أبي سعيدٍ من ثلاثة من أصحابه، فحدَّث به عن كلٍّ منهم بمفرده".
طالب: يقول –يا شيخ-: وابن شهابٍ سمع حديث أبي سعيدٍ من ثلاثة من أصحابه.
نعم.
طالب: فحدَّث به عن كلٍّ منهم بمفرده.
ما جمعهم جميعًا.
طالب: ...........
ماذا؟
طالب: ...........
لا، لكن يحكي الواقع لو قال: فلان وفلان وفلان عن أبي سعيد كفى، لكنه أفردهم.
"قوله: "عن اشتمال الصماء" هو بالصاد المهملة والمد، قال أهل اللغة: هو أن يحلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبًا، ولا يبقي ما يخرج منه يده".
أو يُخلل؟
طالب: لا.
ماذا عندك؟
طالب: يقول: هي تصحفت في (أ) و(س) إلى يُخلل بالخاء، عندنا قال أهل اللغة: هو أن يُجلل.
يُجلل، وأنت ماذا قلت؟
طالب: يُحلل.
يُجلل أصوب واضحة يُجلل.
"قال أهل اللغة: هو أن يحلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبًا، ولا يبقي ما يخرج منه يده، يُجلل أصوب واضحة، يُجلل.
"قال: ابن قتيبة سميت صماءً؛ لأنه يسد المنافذ كلها فتصير كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرقٌ.
وقال الفقهاء: هو أن يلتحف بالثوب، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديًّا.
قال النووي: فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروهًا؛ لئلا يَعرِض له حاجةٌ فيتعسر عليه إخراج يده، فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم؛ لأجل انكشاف العورة.
قلت: ظاهر سياق المصنف من رواية يونس في اللباس أن التفسير المذكور فيها مرفوعٌ وهو موافقٌ لما قاله الفقهاء ولفظه "والصماء" أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه، وعلى تقدير أن يكون موقوفًا فهو حجةٌ على الصحيح؛ لأنه تفسيرٌ من الراوي لا يُخالف ظاهر الخبر".
وهو أعرف بما روى، الراوي أعرف بما روى، وتفسيره لما يرويه مقدمٌ على غيره كما هو معروف.
"قوله: "وأن يحتبي" الاحتباء أن يقعد على إليتيه، وينصب ساقيه، ويلف عليه ثوبًا، ويقال له: الحُبوة، وكانت من شأن العرب، وفسرها في رواية يونس المذكورة بنحو ذلك".
ولا تزال مُستعملةً إلى الآن، استعملها ابن عمر وغيره، لكن مع وجود ما يؤمَن معه انكشاف العورة لا بُد من هذا، فإذا وُجِد ما يؤمَن معه انكشاف العورة فلا نهي، يعني إذا احتبى وعليه سراويل مع الثوب فلا شيء في ذلك؛ لأن انكشاف العورة مأمون، والنهي حين يُخاف انكشاف العورة.
قال: "حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" وهو الثوري.
"عَنْ أَبِي الزِّنَادِ" عبد الله بن ذكوان.
"عَنِ الأَعْرَجِ" عبد الرحمن بن هرمز.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعَتَيْنِ: عَنِ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ" بيع الملامسة والمنابذة أي ثوبٍ لمسته -يجعله في الظلام- ويقول: أي ثوبٍ تلمسه فهو عليك بكذا من غير أن يتبينه ويفحصه ويعرف ما يزول به الغرر.
والمنابذة: أي ثوبٍ نبذته إليك أو نبذته إليَّ أو انبذ هذه الحصاة فأي ثوبٍ تقع عليه فهو عليك بكذا.
"وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ" تقدمت.
"وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ" بحيث لا يؤمَن انكشاف العورة.
قال الحافظ –رحمه الله تعالى-: "قوله: "حدثنا سفيان" هو الثوري.
قوله: "عن بيعتين" بفتح الموحدة، ويجوز كسرها على إرادة الهيئة.
"واللماس" بكسر أوله وكذا النباذ وأوله نون ثم موحدة خفيفة وآخره معجمة".
البَيعة: المرَّة، والبِيعة: الهيئة.
كلام ابن مالك هل يحفظه أحد؟
فعلةٌ...
طالب: ............
كجلسة، نعم.
"قوله: "عن بيعتين" بفتح الموحدة، ويجوز كسرها على إرادة الهيئة.
"واللماس" بكسر أوله وكذا النباذ وأوله نون ثم موحدة خفيفة وآخره معجمة، وسيأتي تفسيرهما في كتاب البيوع، إن شاء الله تعالى.
والمطلق في الاحتباء هنا محمولٌ على المقيد في الحديث الذي قبله".
"وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ" بهذا القيد، وإذا كان على فرجه منه شيء وأُمِن من انكشاف العورة فلا نهي؛ لأن بعض الناس قد يحتاجه، يحتاج إلى أن يشد ظهره هذا موجود ومُستعمل، وترونه في الجوامع وفي الحرمين وغيرهما عند طول المُكث والجلوس، لاسيما إذا لم يكن ليس حوله عمود ولا جدار فإنه يحتاج على الحبوة.
طالب: ............
والإمام يخطب النهي عنه؛ لئلا تنكشف العورة، فإذا أُمِن فقد فعله ابن عمر.
طالب: ............
هذه القاعدة، لكن قد يكون شيخ البخاري ممن طال عمره وأدرك الثوري، فيكون على خلاف الغالب؛ لأن القاعدة أغلبية، ما هي بكلية.
طالب: ............
رجلان في الغالب؛ لأنه متقدم بخلاف ابن عُيينة، لكن هنا واحد؛ لأن قبيصة ممن طال عمره وأدرك الثوري.
طالب: ............
أعلى؛ ولذلك قالوا: ابن عُيينة الغالب أن يكون بينه وبين المصنِّف واحد، وبالنسبة للثوري متقدم يكون بينه وبين المصنِّف اثنان، وابن عُيينة واحد؛ لأنه متأخر، هذا كلام الذهبي في آخر الجزء السابع من (سير أعلام النبلاء).
قال الحافظ –رحمه الله-: "قوله: "حدثنا إسحاق" كذا للأكثر غير منسوب".
لحظة.. لحظة.
قال: "حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ" الدورقي؟
طالب: نعم.
وإسحاق؟
طالب: ...........
ابن راهويه؟
طالب: ...........
هو متردد؛ لأنه لم يُبين في طريقٍ أخرى، هو مرددٌ بين ثلاثة.
طالب: ابن منصور، وابن راهويه.
نعم، فيه ثالث.
طالب: ...........
ابن أبي إسرائيل.
"قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ" الزهري.
"عَنْ عَمِّهِ" الإمام محمد بن مسلم بن شهاب.
"قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ" يعني في جمعٍ من المؤذنين نؤذِّن في الناس ونُعلِمهم، ما يلزم أن يكونوا مؤذنين للصلاة، إنما مؤذنين، مُخبرين لما يُراد.
بعثه في تلك الحجة التي كانت سنة تسع، التي بعث فيها أبا بكر، ثم أردفه بــــ(علي).
"فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ، نُؤَذِّنُ بِمِنًى: أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ". وهذا هو الشاهد النهي عن التعري في الطواف؛ لأن حكمه حُكم الصلاة.
"قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا" أتبعه أبا بكر؛ لأنه قيل له: إن الناس لا يقبلون رسولًا من شخصٍ إلا أن يكون من أقاربه، فأردف عليًّا بأبي بكر.
"فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَة، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: لاَ يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ" فأمر عليًّا بعد أن أتبعه بأبي بكر أمره أن يؤذِّن بهذا؛ لِما قيل: من أن الناس لا يقبلون رسولًا إلا من أقارب المُرسِل، وإلا فأبو بكر أفضل من علي، وإرساله كافٍ، ومن باب التقوية قد يحتاج الأمر إلى أكثر من واحد، وقد يُعزز الاثنان بثالث وهكذا، والحاجة هي التي تحكم.
قال الحافظ –رحمه الله-: "قوله: "حدثنا إسحاق" كذا للأكثر غير منسوب، وردده الحفاظ بين ابن منصور وبين بن راهويه، ووقع في نسختي من طريق أبي ذر إسحاق بن إبراهيم، فتعين أنه ابن راهويه؛ إذ لم يروِ البخاري عن إسحاق بن أبي إسرائيل واسمه إبراهيم شيئًا".
لكن عندنا في السند قال: "حدثنا يعقوب" "حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يعقوب" والغالب أو الأصل أن إسحاق لا يروي بالتحديث إنما يروي بالإخبار، وبه يُفسَّر إذا جاءت صيغة الأداء، قال: أخبرنا، فيغلب على الظن أنه ابن راهويه، إسحاق بن إبراهيم الحنظلي الإمام المشهور.
طالب: ...........
أي نسخة؟ عندك شيء في الأصل؟
طالب: ...........
أخبرنا الأصيلي.
طالب: نعم يا شيخ للأصيلي أخبرنا.
طالب: ...........
لكن إن ثبت في رواية أبي ذر قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، فهو الحنظلي معروف.
ووقع في نسختي من طريق أبي ذر إسحاق بن إبراهيم، فتعين أنه ابن راهويه؛ إذ لم يروِ البخاري عن إسحاق بن أبي إسرائيل واسمه إبراهيم شيئًا، ولا عن الصواف، وهو دونهما في الطبقة.
قوله: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم" أي ابن سعد، ورواة هذا الإسناد سوى صحابيه وشيخ المصنف زُهريون، وهم أربعة.
قوله: "أن لا يحج" كذا للأكثر، وللكشميهني "ألا لا يحج" بأداة الاستفتاح قبل حرف النهي، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث في باب وجوب الصلاة في الثياب، وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى".
اللفظ "أن لا يحج" أمره بأن يأمر بأن لا يحج، وإذا قلنا: أمره "ألا لا يحج" فقد يكون هذا لفظ النبي –عليه الصلاة والسلام- ينقله الصحابي -رضي الله عنه-.
قال الإمام البخاري- رحمه الله تعالى-.
كمَّلت؟
طالب: نعم.
قلت: سيأتي بقية...
طالب: نعم.
"وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث في باب وجوب الصلاة في الثياب، وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى"
باب الصلاة؟
طالب: نعم.
قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الصَّلاَةِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي المَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ –رضي الله عنهما- وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ، وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ، قَالَ: نَعَمْ، أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الجُهَّالُ مِثْلُكُمْ، رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي هَكَذَا".
قال –رحمه الله تعالى-: "الصَّلاَةِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ" الأصل أن تكون الصلاة برداءٍ وإزار، لكن القدر الواجب الذي يتم به ما يُصحح الصلاة ثوب واحد، تقدم الاستنكار على من قال: نُصلي في ثوبين، قال: «أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟»، وصلى جابر بن عبد الله في ثوبٍ واحد وثوبه على المشجب، يعني عنده ثياب أخرى؛ فلبيان الجواز يُصلي في ثوبٍ واحد، وإلا الصلاة في الثوبين لا شك أنها أكمل.
قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" الأويسي.
"قَالَ: حَدَّثَني ابْنُ أَبِي المَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ" يعني: واحد.
"مُلْتَحِفًا بِهِ، وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ" يعني موجود في الحديث وثوبه على المشجب موجود ليس ببعيد، يستطيع تناوله من قُرب.
"قَالَ: نَعَمْ، أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الجُهَّالُ مِثْلُكُمْ، رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي هَكَذَا"، وهذا الأدنى، الأكمل أن يُصلي في ثوبين، والأدنى المجزئ أن يُصلي في ثوبٍ واحد؛ لبيان الجواز، والنبي –عليه الصلاة والسلام- قد يعدل عن الأكمل إلى الأدنى؛ لبيان الجواز، أي أن هذا جائز، ما فيه شيء، ولكن الأكمل أن يُصلي في كذا.
وحصل منه –عليه الصلاة والسلام- في مناسباتٍ كثيرة يأمر بالشيء، ثم يتركه، أو ينهى عن الشيء وقد يفعله، لماذا؟ لبيان الجواز، وأن النهي للكراهة، وفي الطرف الآخر النهي يكون للاستحباب، فتكون مخالفته صارفًا عن الصيغة في الأمر إلى الاستحباب، وعن الصيغة في النهي إلى الكراهة.
قال الحافظ –رحمه الله-: "تقدم الكلام على حديث جابر في باب عقد الإزار على القفا.
وقوله هنا: "ملتحفًا به" كذا للأكثر بالنصب على الحال، وللمستملي والحموي ملتحفٌ بالرفع على الحذف، وفي نسختي عنهما بالجر على المجاورة".
يعني وهو ملتحفٌ به على حذف المبتدأ، ويكون ملتحفٌ خبره.
"وفي نسختي عنهما" مَن الذي يقول هذا الكلام؟ ابن حجر، عنده نُسخ تشتمل على الروايات، وعنده نُسخة كاملة من رواية أبي ذر، وقد اعتمدها في الشرح، وأشار إلى ما عداهاعند الحاجة.
طالب: ...........
أين؟
طالب: ...........
ما يتغير به المعنى يضبطه، وما لا يتغير به المعنى، هو قال: تحتاج إلى الضبط؟ لا.
طالب: ...........
نعم بالتلقي بالرواية، ملتحفٍ وهو يُصلي في ثوبٍ ملتحفٍ، وهذا تقدم أنه مجرور بالمجاورة، كما في قولهم: هذا جُحر ضبٍّ خربٍ، الخرب تابعة للجحر أم للضب؟
طالب: ...........
نعم.
"وقوله في آخره: "يصلي كذا" في رواية الكشميهني "يصلي هكذا".
وقوله: "الجهال مثلكم" لفظ المثل مفرد، لكنه اسم جنسٍ؛ فلذلك طابق لفظ الجُهال، وهو جمعٌ أو اكتسب الجمعية من الإضافة".
لأن المفرد إذا أُضيف أفاد العموم.
طالب: ...........
نأخذ الحديث الأول؟
طالب: ...........
صحيح، الباب طويل، لكن لو أخذنا الحديث الأول؟
طالب: ...........
الحديث الذي يليه أطول.
طالب: ...........
أنت ودك تنتهي، أم أخذنا الدرس كم؟
طالب: ...........
ما يصح نصف ساعة الدرس.
طالب: ...........
نأخذ الحديث الأول من الباب أو نترك الجميع؛ لأن الحديث الثاني طويل جدًّا.
طالب: ...........
نأخذ الأول هيا.
طالب: ...........
جابر.. جابر، نعم الجُهال موجودون في كل وقت.
طالب: ...........
هي مسألة تربوية؛ لأن بعض الناس إذا قلت له: جاهل لو هو من أجهل الناس، بعض الناس لا يرضى أن تعذره بالجهل ولو كان القول عظيمًا، يأتي بقولٍ عظيم، بطامةٍ من الطوام، كونه يعترف أنه قاله وأقر به واعترف، ولا يعدل عنه، ولا يرجع عنه أفضل من أن تقول: معذور بالجهل؛ لأن الجهل وصف شنيع، لكن يبقى أن الإنسان إذا عرف قدر نفسه خفَّت الأمور، وهؤلاء أقوى من عرفوا أقدار أنفسهم، وإلا فما هو بأسلوب تربوي، الجُهال لا يرضى، ولا الطفل يرضى أن تقول له جاهل الآن.
طالب: لكن يبقى يا شيخ مقام الصحابة في مثل هذه الأمور محفوظًا؟
ما فيه شك، ما عندنا إشكال، وهذا من فضلهم، والحق أحب إليهم من كل شيء.
قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الفَخِذِ:
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الفَخِذُ عَوْرَةٌ»، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: حَسَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَخِذِهِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنَ اخْتِلاَفِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى: غَطَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي".
في هذا الباب يقول الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الفَخِذِ" الفخذ معروف يُؤنَّث ويُذكَّر، ويروى -يعني في حُكمه- هل عورة أو ليس بعورة؟ هل يجوز إخراجه وإظهاره أو لا يجوز؟ ما يُذكر في ذلك، ولم يجزم الإمام البخاري بشيء، والتردد ظاهر من قوله: "وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ" هو لم يجزم بشيء، وسيأتي الكلام على ذلك.
"وَيُرْوَى" صيغة تمريض "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" وسيذكر البخاري لفظه.
"وَجَرْهَدٍ" فحديث جرهد مُخرَّجٌ عند مالك في الموطأ، ومُصحح عن جمعٍ من أهل العلم، وإن كان الإمام البخاري في تاريخه ضعَّفه؛ ولذلك قال: "وَيُرْوَى" عن ابن عباس، وحديث ابن عباس ضعيف على ما سيأتي.
"وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الفَخِذُ عَوْرَةٌ»" في الحديث «غَطِّ فَخِذَكَ» أمر، «فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ».
"وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: حَسَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَخِذِهِ" وحديث أنس في الصحيح؛ ولذا قال: "وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ" يعني أقوى إسنادًا، يعني وأصح.
"وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ"؛ لأنك تخرج من العهدة بيقين إذا غطيت الفخذ، وإذا كشفت الفخذ عرَّضت نفسك لمخالفة أحاديث الثلاثة المذكورين؛ لأن الفخذ عورة، وإذا غطيته أحطت لدينك، والاحتياط أن يخرج من عهدة الواجب بيقين أو عهدة الممنوع بيقين، وهو أحوط بلا شك إلا إذا أدى إلى ترك مأمور أو فعل محظور؛ لأنه قد تغفل فتقول: أفعل هذا من باب الاحتياط، فتقع في شيءٍ آخر ما حسبت له حسابًا، فإذا أدى إلى ترك مأمور أو فعل محظور، قال شيخ الإسلام: فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط.
قد تحتاط لشيء، فتقع في بدعة من تحرِّيك وحرصك، وتُريد أن تخرج من الواجب بيقين، فتقع في بدعة، يعني لو أن إنسانًا غسل العضو ثلاثًا، وقال: من باب الاحتياط أغسله رابعة، مرة رابعة، فنقول: الاحتياط في ترك هذا الاحتياط؛ لأنه يُخرجك من حيز السُّنَّة إلى حيز البدعة؛ ولذا قال بعضهم: إنك إذا شككت هل غسلت العضو مرتين أو ثلاثًا؟ إذا شككت هل صلتين ركعتين أو ثلاثًا؟
تبني على الأقل؛ لتخرج من العهدة بيقين، لكن إذا شككت هل غسلت وجهك مرتين أو ثلاثًا؟ نقول: تأخذ بالأكثر، ما تأخذ بالأقل؛ لأنك مترددٌ بين أمرين إن اقتصرت على اثنتين فهي سُنَّة ما يضر، قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» إن كان هو الواقع ما ضرك، وإن كنت غسلتها ثلاثًا فذلك المطلوب.
لكن إن اعتبرت الأقل قُلت: غسلتها مرتين فتزيد ثالثة احتمال أن تخرج من السُّنَّة إلى البدعة، وفي الاحتمال الأول دائر في سُنَّة، إن صارت اثنتين أو ثلاثًا فهي ما تعدت السُّنَّة.
طالب: ............
أنا ما قلته؟ ما أتيت به قبل؟ ما ذكرت هذا؟
طالب: بلى.
ذكرته.
طالب: ............
التصريح ما فيه تصريح هنا، وكونه يراه من باب الاحتياط لا من باب الوجوب يُفهم منه أنه لا يرى الاشتراط أصلًا، في أول الدرس قلنا هذا.
طالب: ............
أنا قلت هذا قبل، وابن حجر قبلي وقبلك.
طالب: ............
الرُّكبة ليست عورة.
طالب: ............
ولا في الصلاة، الركبة ليست عورة، الفخذ عورة، أما الركبة فليست بعورة، وليس من المروءة أن يُصلي في ثوبٍ قصير قد يتصرف تصرفًا أو يقوم بسرعة أو ينزل بسرعة فيخرج ما فوق الركبة.
"وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ" يعني أقوى إسنادًا فهو أصح.
"وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنَ اخْتِلاَفِهِمْ" يعني الذين قالوا: إن ستر الفخذ شرط؛ لأن الفخذ عورة، بخلاف من قال بأنه ليس بعورة ولا يجب ستره، أنت إن سترت خرجت من الخلاف، ومن اللوم من الفريقين.
"حَتَّى يُخْرَجَ مِنَ اخْتِلاَفِهِمْ" الخروج من الخلاف عند أهل العلم هل هو مُعتبر أو غير مُعتبر؟
طالب: مُعتبر إذا كان له دليل.
إذا كان له أصلٌ محتمل ويُستند إليه، فإذا كان الاختلاف معتبرًا فإن الخروج منه مطلوب، أما إذا كان معروف الضعف أو لا أصل له أو لا دليل عليه فإنه لا يُعتبر الخروج منه.
"وَقَالَ أَبُو مُوسَى" الأشعري عبد الله بن قيس.
"غَطَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ" النبي –عليه الصلاة والسلام- على بئرٍ قد دلى رجليه وخرجت ركبتاه، دخل أبو بكر ما غطى، عمر ما غطى، لما دخل عثمان –رضي الله عنه وأرضاه- غطى ركبتيه، فقيل له في ذلك، أبو بكر وعمر أفضل من عثمان، فقال: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ مَلَائِكَةُ الرحمن»، رضي الله عنه وأرضاه.
"وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ" يعني: القرآن.
"وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي" {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5].
"وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي" يتم الاستدلال بقول زيد بن ثابت إذا كانت مكشوفة، إذا كانت فخذه مكشوفة، وأما إذا كانت مستورة فلا يُمنع أن تكون الفخذ على الفخذ وهي مستورة، كما في "فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه" هل يُتصوَّر أن الفخذ مكشوفة؟
طالب: لا لا.
مستورة، ويصح أنها على الفخذ.
طالب: ............
مسألة مشروع وإلا فجابر بن عبد الله في حديث حجة النبي –عليه الصلاة والسلام- لما جاءه علي بن الحسين -في حديث جابر في صورة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- زين العابدين أو ابن محمد بن علي بن الحسين المهم أنه جاءه وقد عمي، ففك أزاريره ووضع يده بين ثدييه، هل مثل هذا مقبول؟ هو مقبول الآن؟
طالب: ............
لكنه مثير فتنة، فالظروف والأحوال تختلف، أما جابر فغير متهم ولا تهمة في هذا، وإن انتفت التهمة فالحكم على الأصل.
"وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ –صلى الله عليه وسلم- وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي" لماذا؟ من ثِقل القول المُنزَل.
قال الحافظ –رحمه الله-: "قوله: "باب ما يُذكر في الفخذ" أي: في حكم الفخذ، وللكشميهني "من الفخذ".
قوله: "قال أبو عبد الله" هو المصنف، وسقط من رواية الأكثر.
قوله: "ويروى عن ابن عباس" وصله الترمذي وفي إسناده أبو يحيى القتات بقافٍ ومثناتين، وهو ضعيفٌ مشهورٌ بكنيته، واختُلف في اسمه على ستة أقوالٍ أو سبعة أشهرها دينار.
قوله: "وجرهد" بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء، وحديثه موصولٌ عند مالكٍ في الموطأ والترمذي وحسَّنه، وابن حبان وصححه، وضعَّفه المصنف في التاريخ؛ للاضطراب في إسناده، وقد ذكرت كثيرًا من طرقه في تغليق التعليق.
قوله: "ومحمد بن جحش" هو محمد بن عبد الله بن جحش نُسب إلى جده، له ولأبيه عبد الله صُحبة، وزينب بنت جحشٍ أم المؤمنين هي عمته، وكان محمدٌ صغيرًا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد حفظ عنه وذلك بينٌ في حديثه هذا، فقد وصله أحمد والمصنف في (التاريخ)، والحاكم في (المستدرك)، كلهم من طريق إسماعيل بن جعفرٍ عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثيرٍ مولى محمد بن جحش عنه، وقال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا معه على معمرٍ وفخذاه مكشوفتان فقال: «يَا مَعْمَرُ، غَطِّ عَلَيْكَ فَخِذَيْكَ؛ فَإِنَّ الْفَخِذَيْنِ عَوْرَةٌ»، رجاله رجال الصحيح غير أبي كثيرٍ، فقد روى عنه جماعةٌ، لكن لم أجد فيه تصريحًا بتعديل".
فيكون من قبيل المستور، جهالة العين ارتفعت برواية أكثر من واحد.
طالب: ............
ما صُرِّح بتعديله، يبقى أنه مستور، يعني مجهول الحال.
"ومعمر المشار إليه هو معمر بن عبد الله بن نضلة القرشي العدوي، وقد أخرج بن قانع هذا الحديث من طريقه أيضًا، ووقع لي حديث محمد بن جحشٍ مسلسلًا بالمحمدين من ابتدائه إلى انتهائه، وقد أمليته في الأربعين المتباينة.
"قوله: "وقال أنس: حسر" بمهملاتٍ مفتوحات أي: كشف، وقد وصل المصنف حديث أنسٍ في الباب كما سيأتي قريبًا.
قوله: "وحديث أنس أسند" أي: أصح إسنادًا كأنه يقول: حديث جرهد ولو قلنا بصحته فهو مرجوحٌ بالنسبة إلى حديث أنس.
قوله: "وحديث جرهد" أي: وما معه "أحوط" أي: للدين، وهو يحتمل أن يريد بالاحتياط الوجوب أو الورع وهو أظهر.
في قوله: "حتى نخرج من اختلافهم" نخرج في روايتنا مضبوطة بفتح النون وضم الراء وفي غيرها بضم الياء وفتح الراء.
قوله: "وقال أبو موسى" أي: الأشعري، والمذكور هنا من حديثه طرفٌ من قصةٍ أوردها المصنف في المناقب من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عنه فذكر الحديث، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قاعدًا في مكانٍ فيه ماءٌ قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته، فلما دخل عثمان غطاها، وعُرِف بهذا الرد على الداودي الشارح حيث زعم أن هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وهمٌ، وأنه دخل حديثٌ في حديث، وأشار إلى ما رواه مسلمٌ من حديث عائشة –رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه الحديث.
وفيه فلما استأذن عثمان جلس، وهو عند أحمد بلفظ كاشفًا عن فخذه من غير تردد، وله من حديث حفصة مثله، وأخرجه الطحاوي والبيهقي من طريق ابن جريجٍ، قال: أخبرني أبو خالد عن عبد الله بن سعيدٍ المدني حدثتني حفصة بنت عمر، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندي يومًا وقد وضع ثوبه بين فخذيه، فدخل أبو بكر الحديث.
وقد بان بما قدمناه أنه لم يدخل على البخاري حديثٌ في حديث، بل هما قصتان متغايرتان في إحداهما كشف الركبة، وفي الأخرى كشف الفخذ، والأولى من رواية أبي موسى وهي المعلقة هنا، والأخرى من رواية عائشة ووافقتها حفصة ولم يذكرهما البخاري.
قوله: "وقال زيد بن ثابت" هو أيضًا طرفٌ من حديثٍ موصولٍ عند المصنف في تفسير سورة النساء في نزول قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] الآية، وقد اعترض الإسماعيلي باستدلال المصنف بهذا على أن الفخذ ليست بعورة؛ لأنه ليس فيه التصريح بعدم الحائل، قال: ولا يظن ظانٌ أن الأصل عدم الحائل؛ لأنا نقول: العضو الذي يقع عليه الاعتماد يُخبر عنه بأنه معروف الموضع بخلاف الثوب. انتهى، والظاهر أن المصنف تمسك بالأصل، والله أعلم.
قوله: "أن ترض" أي: تكسر".
لأن الأصل عدم الحائل، هو يقول: "ليس فيه التصريح بعدم الحائل" لو كان هذا الاحتمال واردًا لما ذُكِر أصلًا.
"قوله: "أن ترض" أي: تكسر وهو بفتح أوله وضم الراء ويجوز عكسه".
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.