شرح الموطأ - كتاب الحج (13)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب: ما يجوز للمحرم أكله من الصيد:

حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة -رضي الله عنه-: أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم، فرأى حمارًا وحشيًّا فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه، فسألهم رمحه فأبوا، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبى بعضهم، فلما أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه عن ذلك فقال: ((إنما هي طعمة اطعمكموها الله)).

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم.

قال مالك -رحمه الله-: والصفيف القديد.

وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة -رضي الله عنه- في الحمار الوحشي مثل حديث أبي النضر إلا أن في حديث زيد بن أسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هل معكم من لحمه شيء؟)).

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يريد مكة وهو محرم، حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه)) فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر -رضي الله عنه- فقسمه بين الرفاق، ثم مضى حتى إذا كان بالأثابة بين الرويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم، فزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر رجلًا أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه.

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه أقبل من البحرين، حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا من أهل العراق محرمين، فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة، فأمرهم بأكله، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: ثم إني شككت فيما أمرتهم به، فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال عمر: ماذا أمرتهم به؟ فقال: أمرتهم بأكله، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لو أمرتهم بغير ذلك لفعلت بك" يتواعده.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يحدث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه مر به قوم محرمون بالربذة فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلت يأكلونه فأفتاهم بأكله قال: ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فسألته عن ذلك، فقال:

بم أفتيتهم؟ قال: فقلت: أفتيتهم بأكله، قال: فقال: عمر لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك.

وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار أقبل من الشام في ركب، حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد، فأفتاهم كعب بأكله، قال: فلما قدموا على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالمدينة ذكروا ذلك له، فقال: من أفتاكم بهذا؟ قالوا: كعب، قال: فإني قد أمّرته عليكم حتى ترجعوا، ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل من جراد، فأفتاهم كعب بأن يأخذوه فيأكلوه، فلما قدموا على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذكروا له ذلك، فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ قال: هو من صيد البحر، قال: وما يدريك؟ قال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين.

وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق، هل يبتاعه المحرم؟ فقال: أما ما كان من ذلك يعترض به الحاج، ومن أجلهم صيد فإني أكرهه وأنهى عنه، فأما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به.

قال مالك -رحمه الله تعالى-: فيمن أحرم وعنده صيد قد صاده أو ابتاعه، فليس عليه أن يرسله ولا بأس أن يجعله عند أهله.

قال مالك -رحمه الله- في صيد الحيتان في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك: إنه حلال للمحرم أن يصطاده.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من محظورات الإحرام، ومن المحرمات في الحرم الصيد والاصطياد: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة]، الصيد يطلق ويراد به الاصطياد، كما أنه يطلق ويراد به المصيد، تقول: هذا صيد للطائر المصيد، وهذا أيضًا مهنته الصيد أي الاصطياد، والآية فيها المنع من الاصطياد بالنسبة للمحرم، لا يجوز له أن يصيد، وأيضًا الصيد يحرم عليه إن صاده وهو محرم أو في الحرم، أو صيد من أجله.

"باب: ما يجوز للمحرم أكله من الصيد" المراد به هنا المصيد لأنه هو الذي يؤكل.

قال: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر -سالم بن أبي أمية- مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع -بن عباس الأقرع المدني- مولى أبي قتادة الأنصاري -الحارث بن ربعي- عن أبي قتادة -مولاه- أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عام الحديبية، أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك في عام الحديبية "حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة" موضع يقال له: القاحة بين مكة والمدينة، "تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم" وكان -رضي الله عنه وأرضاه- صيادًّا عداءً رقاءً للجبال، كانت هذه من أوصافه "فرأى حمارًا وحشيًّا" وهو غير محرم وليس في الحرم، ما الذي يمنعه من اصطياده؟ فيه ما يمنع؟ ليس فيه ما يمنع؛ لأنه ليس بمحرم، وليس في الحرم، "فاستوى على فرسه" علا عليه وصعد ورقيه، "فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه" سوطه في الأرض، ناولوني السوط، قالوا: لا، "فأبوا عليه" وقالوا: لا نعينك على قتله، لماذا؟ لأنهم محرمون، لا نعينك على قتله، "فسألهم رمحه فأبوا" نزل فأخذ الرمح، "ثم شد على الحمار فقتله" أدركه وراء أكمة وطعنه برمحه فعقره، "فأكل منه بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" له أن يأكل هو أو ليس له أن يأكل؟ له أن يأكل؛ لأنه لا يوجد ما يمنع من أكله، لا إحرام ولا حرم، أصحابه محرمون، اختلفوا، فبعضهم أداه اجتهاده إلى أن يأكل، "فأكل منه بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبى بعضهم" عن الأكل، الذين أكلوا بناءً على أن المراد بالصيد الاصطياد، وهم لم يصطادوه ولم يعينوا على اصطياده، وأما الصيد إذا لم يصد من أجلهم، ولم يعينوا على اصطياده فرأوا أن ذلك جائز، "وأبى بعضهم" امتنع بعضهم؛ لأنهم حملوا الصيد على المصيد، والمصيد محرم، إذا كان معنى الاصطياد المصيد فالاصطياد محرم، يعني مسألة اجتهادية؛ لأن اللفظة تطلق على هذا وعلى هذا، فإذا كانت المسألة اجتهادية والنص محتمل، والمكلف أهل للاجتهاد فيعمل اجتهاده، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.

هل يدخل الورع في مثل هذا أو لا يدخل؟ الآن إذا قلنا: إن اللفظ يدل على الاحتمالين على حد سواء فالورع يدخل، فدل على أن الصحابة يجتهدون في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي وقت التنزيل، وهم من أهل الاجتهاد.

"وأبى بعضهم، فلما أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه عن ذلك" بأن ذكروا له القصة كاملة؛ لأن الحكم لا يتبين حتى تذكر كاملة، لو قيل: إن أبا قتادة صاد حمارًا وحشيًّا، فلما صاده أكل بعضنا وبعضنا لم يأكل، نحتاج إلى استفصال، هل كان محرمًا أو غير محرم؟ هل أنتم محرمون أو غير محرمين؟ هل أعانه منكم أحد؟ هل أشار إليه أحد؟ يحتاج إلى استفصال، لكن القصة ذكرت كاملة كما جاء في بعض الطرق.

"سألوه عن ذلك فقال: ((كلوا ما بقي من لحمها إنما هي طعمة –يعني طعام- اطعمكموها الله))((اطعمكموها الله)) أيهما أجود أن يقال: اطعمكموها الله، أو أطعمكم الله إياها؟ الآن هذا في تقديم المفعول على الفاعل، ولو قال: أطعمكم الله إياها، كان هو الأصل تقديم الفاعل على المفعول يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، أطعمكم الله إياه، ما المانع؟ ما فيه ما يمنع؛ إلا أنه كلما أمكن التعبير بالضمير المتصل كان أولى من التعبير بالضمير المنفصل لأنه أخصر، والتقديم والتأخير هنا جائز، ما فيه أدنى إشكال.

وفي هذا جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه إعانة على صيده، ولا إشارة سواءً كانت الإشارة قوية أو خفية، يستدل بها من أراد صيده عليه، فإن صاده المحرم أو صيد لأجله بإذن أو بغير إذنه حرم عند الجمهور، لماذا قيد الخبر بكونه لم يصد من أجله؟ في الرواية اللاحقة قال النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي في الصحيحين: ((هل معكم من لحمه شيء؟)) فقالوا: معنا رجله، فأخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلها، لماذا قيدناه بأنه لم يصد من أجله؟ للتوفيق بين النصوص؛ لأنه سيأتي في حديث الصعب بن جثامة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رده عليه، فالصعب إنما صاده من أجل النبي -عليه الصلاة والسلام- فرده عليه، وجاء في الخبر أيضًا صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم، وسيأتي الإشارة إلى هذا.

يقول أبو حنيفة: يجوز أكل ما صيد لأجله، ورده الجمهور، وهناك زيادة وردت عند الدارقطني أن أبا قتادة قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "إنما اصطدته لك" فلم يأكل منه، لكنها زيادة شاذة، الآن فيه إشكال كونه صاده له فلم يأكل منه، الحكم صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ صحيح، لكن من أين جاء الشذوذ؟

طالب:........

نعم مخالفته لما هو أقوى منه، فرواية الدارقطني والبيهقي وابن خزيمة عندهم هذه الزيادة إنما اصطدته لك فلم يأكل منه، لكنها زيادة شاذة مخالفة لما هو أوثق وأقوى من هذه الرواية، في الصحيحين وغيرهما أنه أكل عليه الصلاة والسلام.

جمع النووي كعادته -رحمه الله- في شرح المهذب احتمال أنهما قضيتان، النووي -رحمه الله تعالى- إذا اختلفت الروايات وأمكن الجمع في التعدد حمله على التعدد، ولو كان مرد الاختلاف إلى نقل الرواة، يعني لو اختلف الرواة في نقلهم للخبر حمله على تعدد القصة، كأنه يريد صيانة الرواة الأثبات الثقات عن أن يحكم على مروياتهم بالبطلان والشذوذ، لكن أئمة الحديث وجهابذته لا يقولون بمثل هذا، بل لا يترددون على الحكم على الراوي بالوهم إذا دلت القرائن على أنه وهم، لا يترددون في توهيم الراوي وتضعيف روايته إذا دلتهم القرائن على أنه وهم، وعندهم قرائن تقرب من اليقين؛ وذلكم لممارستهم أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجمع طرق الأخبار بحيث يتبين لهم حفظ الحافظ، وضبط الضابط، ووهم الواهم، النيسابوري ابن زياد؟ معروف؟

طالب:..........

نعم، حكم بأنها شاذة، وله كتاب في الزيادات والزوائد في الجمل المزيدة في الأحاديث، ولا يتردد في الحكم على مثل هذه بالشذوذ، فهما منهجان لأهل العلم؛ منهم من يجرؤ على توهيم الرواة وإن كانوا ثقات أثبات، ومنهم من يجبن عن ذلك، بل بعضهم يرده عن ذلك الورع، لكن إذا كانت الجرأة مبنية على علم راسخ، وقدم ثابت فلا مانع منها، وهي طريقة الأئمة الكبار من أهل العلم، لا يترددون في أن يقولون: هذه لفظة منكرة، وإن أتى بها من أتى بها، ولما مثلوا للمنكر مثلوا بتسمية الإمام مالك.

................................

 

ومالك سمّى ابن عثمان عمر

والأئمة يسمونه عمرو بفتح العين، ومالك تفرد بتسميته عمر، وذكروه في مثال المنكر، قالوا:

نحو (كلوا البلح بالتمر) الخبر
قلت: فماذا بل حديث نزعه

 

ومالك سمّى ابن عثمان عمر
خاتمه عند الخلا ووضعه

لا يترددون في الحكم على الخبر أو على راويه بأن روايته منكرة، وعرفنا أن هذا سببه ليست الجرأة من فراغ كما يفعل بعض المتعالمين، بعض المتعالمين شباب أحداث في مسألة مختلف فيها، ويعيب بعضهم والثاني يسمع ما رآه من البدع في الحج، في مسائل مختلف فيها، يختلف فيها أئمة كبار، نعم، وهم أحداث يعني أنا لا أبالغ إذا قلت: إنهم في الثانوي، في التعليم العام، يتضايق واحد منهم من رؤية هذه البدع، ومن سماعه لها، وقد قال بها أئمة من أئمة الإسلام، هل هذا مرده إلى علم؟ هذا حمق وجهل.

على كل حال من أداه علمه -علمه الثابت الراسخ ما هي بالدعاوى- إلى رد خبر باجتهاد منه فله ذلك، وهذا صنيع أئمة الإسلام، وليس معنى هذا أن الباب يفتح لكل أحد، ليس معنى هذا أن الباب مفتوح لكل أحد، وبعض الناس ما يجرؤ هذه الجرأة والنووي يرى هذا ديدنه قد يكون الباعث عليه ورعه، وقد عرف بهذا وتحريه وتثبته، وقد يكون الداعي له أن قدمه في هذا الباب في باب الراوية ما وصلت إلى حد ما وصل إليه الأئمة الكبار، يعني لو جعلت النووي في كفة، وجعلت شيخ الإسلام في كفة في هذا الباب، وجدت شيخ الإسلام أجرأ من النووي، ولا يتردد بأن يحكم؛ لأن قدمه في هذا ثابتة، وإحاطته واطلاعه واسع حتى شهد له خصومه، قالوا: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث، والحديث مخرج في الصحيحين.

"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أباه الزبير بن العوام"... في صلاة الكسوف الثابتة في الصحيحين وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها ركعتين، في كل ركعة ركوعان، هذا ثابت في الصحيحين، وهو الوجه المرجح، وجاء في صحيح مسلم ثلاث ركوعات وأربعة، وجاء في غيره خمسة ركوعات، وكلها مضافة إلى صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنووي في مثل هذا يحمل على تعدد القصة، وشيخ الإسلام يقول: أبدًا المحفوظ ركوعان وما عداه شاذ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلاها إلا مرة، وإبراهيم ما مات إلا مرة، ابن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولهذا نظائر كثيرة، ولا شك أن الناس في تركيبهم أيضًا يختلف من شخص إلى شخص.

طالب:.........

إذا لم يمكن الجمع، إذا أمكن الجمع ما يتردد، لكن لو لاحظنا إلى التفريق بين أهل العلم، بعض أهل العلم يكون نفسه الرواية، وبعضهم نفسه الدراية، بعضهم يهتم بالطرق، وبعضهم يهتم بالمتون، فالذي يهتم بالطرق وجمعها وأقوال أهل العلم فيها، تجد عنده شيء من هذا، نعم، والذين يهتمون بالدراية والمتون، ودراسة المتون، والتوفيق بين نصوصها المتعارضة تجدهم هذا منحاهم، وهذه على طريقة الفقهاء ماشية.

يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أباه الزبير بن العوام كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم، "قال مالك: والصفيف القديد" يعني اللحم الجاف، الصفيف اللحم الجاف، القديد، وكان إلى وقت قريب قبل انتشار المبردات والحافظات يقد اللحم ويجفف ويشمس، وهو صفيف بمعنى مصفوف، فعيل بمعنى مفعول؛ لأنه يصف في الشمس لكي يجف، فهو فعيل بمعنى مفعول.

واستعمال القديد موجود، حتى أن بعضهم الآن يستعمله، لا من حاجة ولا عوز، أو لأنه ليس عنده آلات يبرد بها، لا، بل بعض علية القوم يستعملونه؛ لأن له طعم متميز، وبعض الناس من حبهم للرجوع إلى الماضي قليلًا يحبون مثل هذا، وقد يشترط بعضهم أن تكون الأكلة من هذا النوع، ويأتي في كتب الأدب شيء من كلام العرب مما يفهم منه ذم القديد الجاف، وأنه يوهن البدن ويضعفه، وعلى كل حال الحاجة تدعو إلى هذا أحيانًا.

طالب:........

هو الذي يسمونه القفر، نعم.

لماذا لم يحرم أبو قتادة؟ قيل: بعثه إلى طريق الساحل؟ نعم، بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى طريق الساحل، ومنهم من يقول: هو لم ينوِ حجًّا ولا عمرة، لم ينوِ النسك، وأيضًا؟ نعم لو تعدى الميقات.

طالب:.........

أين؟

طالب:.........

لا ما يجيء، الرجعة ما معنى محرمين وهم بالرجعة؟ لا، ليس في الرجعة، أصحابه محرمون، المواقيت حدت في ذلك الوقت وإلا ما حددت؟ يعني عام الحديبية حدت المواقيت وإلا بعد ذلك؟ نعم؟ متى حددت المواقيت؟ تبحث، نريد تحديدها بالتحديد إذا نص أهل العلم على ذلك واستدلوا عليه.

يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم -العدوي مولى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي -يعني الذي مر ذكره في رواية أبي النضر- مثل حديث أبي النضر إلا إن في حديث زيد بن أسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فيه زيادة حديث زيد بن أسلم على حديث أبي النضر فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "((هل معكم من لحمه شيء؟))" فقالوا: معنا رجله، فأخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلها -عليه الصلاة والسلام-، فدل على حل أكل الصيد الذي صاده غير المحرم، حله للمحرم إذا لم يكن صيد من أجله.

قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري -صحابي- عن البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يريد مكة" البهزي زيد بن كعب السلمي صحابي أيضًا، وهل الحديث من مسنده أو من مسند عمير بن سلمة الضمري؟ يأتي في السياق "عن البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يريد مكة وهو محرم، حتى إذا كان بالروحاء -موضع بين مكة والمدينة- إذا حمار وحشي عقير" عقير: يعني معقور، ضرب بسهم جعله لا يستطيع المشي، "إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فقيل: هذا حمار عقير "فقال: ((دعوه -اتركوه- فإنه يوشك أن يأتي صاحبه))" الذي عقره "فجاء البهزي وهو صاحبه" الآن يقول: عن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر القصة، فجاء البهزي وهو صاحبه، هل يمكن أن يروي القصة ثم يقول: فجئت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله ما شأنكم بهذا الحمار؟ الآن ظاهر السياق أن الحديث من مسند عمير بن سلمة أو من مسند البهزي؟ مسند عمير إذًا تكون عن هذه....

طالب:.........

لا، في (عن) تأتي لا للرواية، تأتي (عن) ولا يراد بها الرواية إنما يراد بها القصة، عن قصة البهزي، يعني كما في قولهم: عن أبي، ماذا؟ أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، نسيته، إنما ذكروا اسمه، خرج عليه خوارج فقتلوه، هل يمكن أن يروى عنه بعد موته؟ نعم؟ عن فلان أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، يعني عن قصته، عن قصة فلان، وهنا عن قصة البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى آخره، فتكون (عن) هذه لا للرواية، لكنها في هذا السياق، هو يحدث بها عن قصته التي أخبره بها، ما المانع؟ تكون (عن) هذه ليست للرواية.

يقول: "فجاء البهزي وهو صاحبه" أي صاحب الحمار الوحشي، والمصاحبة تطلق لأدنى مناسبة، تطلق المصاحبة والصحبة لأدنى مناسبة، ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن؟ لأمهات المؤمنين ((لأنتن صواحب يوسف)) المصاحبة هنا لأدنى مناسبة.

ووجه المناسبة بين صنيع أمهات المؤمنين مع صنيع صواحب يوسف، نعم، أظهرن ما لم يكن في الباطن، أبدين شيئًا لم يكن يقصدنه، وعائشة -رضي الله تعالى عنها- لما قالت لحفصة....

طالب:..........

لا، العادة أن الذي يخلف عظيمًا يكرهه الناس، يعني أنت افترض شخصًا كفؤًا في محل مناسب من كل وجه، نعم، رأى ولي الأمر استغنى عنه وعيّن غيره في مكانه، لا شك أن الناس يكرهونه، فكون أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- يقوم مقام النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون في أنفسهم منه شيء، فعائشة أرادت أن لا يكون في أنفس الناس على أبيها شيء؛ لأنه وقف موقف النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقالت: إنه رجل أسيف، فأبدت ما لم تخفيه، وقالت لحفصة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصر إلا أن يكون أبو بكر هو الذي يصلي بالناس.

"فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار" يعني إغراء "بهذا الحمار، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق" وهو صاحبه، البهزي صاحبه، والأمر لا يعدوه، فإذا تنازل عنه لهم طاب أكله "فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق فقسمه بين الرفاق -الرفقة في السفر- ثم مضى حتى إذا كان بالأثابة -موضع أو بئر- بين الرويثة والعرج -موضع بين مكة والمدينة- إذا ظبي حاقف -منحنٍ رأسه بين يديه إلى رجليه- في ظل فيه سهم"، إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم، يعني في الظل وإلا في الظبي؟ نعم؟ في ظل فيه سهم، الضمير يعود على أقرب مذكور؟

طالب:........

طيب، هم يقولون: الضمير يعود إلى أقرب مذكور، لا يمكن عوده إليه، نعم، إلى أقرب مذكور مما يمكن عوده إليه "في ظل فيه سهم فزعم" والزعم يطلق ويراد به القول، نعم يطلق زعم بمعنى قال، وهذا وارد وكثير في النصوص، وكثيرًا ما يقول سيبويه في كتابه: زعم الكسائي ويوافقه، دل على أن الزعم هنا بمعنى القول "فزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر رجلًا" لم يسمّ هذا الرجل "أن يقف عنده" حارس، يقف عنده يحرسه، نعم؟

طالب:.........

يرد، يعني في الكلام المشكوك به، يأتي، لكن ليس مطردًا، إنما يأتي ويراد به أيضًا معنى (قال) "فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا أن يقف عنده" كالحارس له، بحيث "لا يريبه أحد من الناس" لا يحركه ولا يهيجه أحد من الناس، "حتى يجاوزه" على ذكر التحريك والتهييج لو أن شخصًا أثار صيدًا نفره، فهم يقولون في أمثلتهم: فأكلته حية، أو وقع في بئر، أو..، لكن عندنا الأمثلة الحية الآن عندنا المروحة لو أثار حمام في الحرم مثلًا وضربته المروحة وطاح ميتًا، عليه وإلا ما عليه؟ نعم؟

طالب:........

لا ينفر صيده، نعم؟

طالب:.........

لا، عندهم هذا إتلاف، كثير من أهل العلم لا يفرق بين الإتلاف وعدمه، مع أن التعمد منصوص عليه في الآية {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا} [(95) سورة المائدة] يعني في المباشرة فكيف بالتسبب؟ وبعضهم يقول: لو وقع طائر على ثوبه، ثوبه معلق يبغي يلبس الثوب، ينتظر إلى أن يطير الطائر وإلا ماذا يفعل به؟ فأخذ الثوب ثم طار فعرض له ما يتلفه يضمن عنده، نعم، لكن العمد منصوص عليه في الآية في المباشرة، ففي التسبب من باب أولى.

"لا يريبه أحد من الناس" لا يحركه ولا يهيجه أحد من الناس، يعني لئلا يريبه، وجد هذا الحارس "حتى يجاوزه" لأنه لا يجوز للمحرم أن ينفر الصيد ولا يعين عليه.

نعم؟

طالب:........

عند بعضهم، نعم.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

يضمن إذا قصد الإتلاف، متعمد، في حقوق الآدميين وإلا في حقوق الله؟ فرق بين حقوق الآدميين؛ لأنه في حقوق الآدميين العمد وعدمه سواء؛ لأنه ليس من باب الحكم الشرعي {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] لكن يبقى أنه من باب الحكم الوضعي، هذا تسبب في إتلاف مال المسلم يضمن سواءً كان عامد..، من هذا قتل الخطأ.

طالب:........

كيف؟

طالب:........

لا، لو كان مملوكًا لإنسان نعم، يكون من باب ربط الأسباب بالمسببات، أما في حق الله -جل وعلا-: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] وقال: قد فعلت.

يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين" من البحرين موضع معروف في شرق الجزيرة العربية يطلق بمعنىً أعم، وبمعنىً أخص، فيشمل الجزء الشرقي بالمعنى الأعم، وعلى الجزيرة المعروفة بالمعنى الأخص، وهو تثنية بحر، والأصل فيه بحران، نعم، ثم حكي بعد ذلك فلزم الياء، تقول: هذا البحرين، ما تقول: هذا البحران، أو هذان البحران، وجئت من أبو ظبي، ما تقول: من أبي ظبي، لأنه خلاص لزم هذه الصيغة، فالنسبة إلى البحرين بحريني وإلا بحراني؟

طالب:........

لا، هم يفرقون، دعونا من التفريق العقدي يقولون: بحراني هذا لغير أهل السنة، وبحريني لأهل السنة، البحراني معروف هذا عندهم، في بحث للشيخ إسماعيل الأنصاري أظن في مجلة المنهل احتمال هذا أنه حقق أن النسبة إلى البحرين بحراني مطلقًا، بإرجاعه إلى أصله بعد خلوه من العوامل المؤثرة، الأصل في المثنى أنه مرفوع قبل دخول العوامل، ثم بعد ذلك ينسب إلى أصله؛ لأنه في النسب ترد الأمور إلى أصولها، لكن إذا التبس هذا، شخص من خيار أهل السنة، ومن خيار الناس تقول له: بحراني، ويلتبس بشرار الناس هذا ما هو بصحيح، نعم؛ لأن هذا يوقع في لبس، وإن كان من حيث العربية له وجه.

"أنه أقبل من البحرين"... في كتب البلدان القديمة تقول: موضع مثلًا بين البصرة وعمان، يعني هذا مثل ماذا؟ الجهاز الذي يستعملونه الآن للتحديد، ماذا يسمونه؟

طالب:........

جارمان؟

طالب:........

لا، يعرفونه الإخوان، الصيد والرحلات نعم، مثل الجارمن، بين البصرة وعمان، كم من ألف كيلو؟ وقالوا: في فيد -قرية في شمال الجزيرة- قالوا: بين مكة والبصرة، يعني اركب البعير ومباشرة تبغي تقف -إن شاء الله-...

طالب:........

لا، لكن عندهم هم الطرق معروفة ومسلوكة لا تميل يمينًا ولا يسارًا، طريق الحاج من البصرة إلى مكة ما يميل لا يمين ولا يسار، معروف القرى التي يمر بها، فتكون بين مكة والبصرة، أنت إذا قصدت مكة تبغي..، لا بد أن تقع في هذا الموقع، وكان تحديدهم ما هو بدقيق، معروف، ما له دقة؛ لأن هذه براري وقفار، ومساحات شاسعة، فكيف يتوصل إلى معرفتها بدقة على طريقتهم؟ الآن هنا الخرائط، وهنا المقاييس، وهنا..، أمور محددة، بل عندهم الآن لو جعل الوحدة الطرفية لما يراد الوصول إليه في موضع الوحدة الثانية لا بد من الوقوف على تلك الوحدة، نعم، لا بد من الوقوف عليها بدقة، وهذا يستعملونه بدقة في الحروب.

"يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين، حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا من أهل العراق محرمين" الربذة قرية كانت إلى وقت قريب، وأهل العناية بالبلدان يجزمون بأنها الحناكية، ثم خرج لجان من أهل التحري والتتبع، ودراسة أوضاع القرية فوجدوا أن في الربذة ما لا يوجد في الحناكية، ثم أداهم اجتهادهم إلى أنها بعيدة جدًّا عن الحناكية، بالربذة هذه التي نفي إليها أبو ذر -رضي الله تعالى عنه-، ومات فيها "وجد ركبًا من أهل العراق محرمين" يعني أحرموا قبل الميقات "محرمين فسألوه عن لحم صيد" سألوا أبا هريرة هؤلاء المحرمون، سألوه عن لحم صيد "وجدوه عند أهل الربذة" الحمام صيد، جاء هؤلاء وهم محرمون، ودخلوا على بندة وإلا غيرة بندة، ووجدوا حمامًا، يأكلون وإلا ما يأكلون؟ نعم؟

طالب:.........

صيد يا أخي، دعنا من الدجاج، هذا حمام صيد، نعم؟

طالب:.........

ما صيد لهم.

"فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله" لماذا؟ لأنهم لم يصيدوه، ولم يصد من أجلهم، قال أبو هريرة.... طيب، لم يصيدوه ولم يصد من أجلهم، فيه حمام يباع مثلًا بالمشاعر، هذا الحمام معد لمن؟ فيه أحد غير الحجاج، هل نقول: إن هذا الحمام صيد من أجل الحجاج فلا يأكلونه؟

طالب:........

لا، الذين يخدمون إنهم لا عبرة بهم، نفر يسير، نعم لكن شخص معه حمام مورد مستورد نعم، جاء به للمشاعر هو قصد بيعه على الحجاج، فهل قصد صيده من أجل الحجاج؟ لا، هو مجمد، يعني يباع بالمشاعر، أو يباع بالرياض أو بمصر أو بغيرها من البلدان لا فرق، فلم يصد من أجلهم.

طالب:.......

لا، حكمه...... صيد كله، صيد، لكن الذي يصيد نقول: فرصة الموسم يبغي يصرف كل ما نصيده، نعم فيكون صاده من أجل الحجاج أو يكون صاده من أجل حاج بعينه؟ وهذا الشخص الذي يأكل ما صيد من أجله بعينه، يعني افترضنا أنه وقت صيد، وخرج مجموعة، جمع غفير من الناس يصيدون من أجل هذا الموسم، يتكسبون من جهة، وينفعون إخوانهم بتوفير اللحم لهم، هل نقول: إن قصد الحجاج بهذا وقصد هذا الموسم أنه صيد من أجلهم؟ أو صاده من أجل نفسه ليتكسب به، ثم يبيعه من حاج أو غير حاج؟ أنا أقول: مثل هذه النية تؤثر في الحكم أو لا تؤثر؟ نعم، أنا أقول: هذا يقول: أنا صائده للحجاج، أنا أبيعه للحجاج، هل هذا معناه أنه صاده لهم؟ نعم؟

طالب: لا، هو ليس لهم، يسترزق.

صاده لنفسه، وإن أكله الحجاج، نعم؟

طالب:........

صاده لنفسه، لمصلحته هو.

طالب:........

نعم؟

طالب:.........

نعم، لكن هل صاده لهم في الأصل من أجل الحجاج ليعينهم به أو صاده لشخص بعينه؟ أنت افترض شخصًا صاد حمارًا وحشيًّا، وهو شخص واحد وهو يكفي مائة أو عشرة على الأقل، ولا وجد إلا حجاج، نعم أو يغلب على ظنه أنه لن يوجد إلا حجاج، فقال: أنا أصيد هذا، وآكل منه، وأتصدق بباقيه، أو أهدي باقيه، لكن هل يشترط تعيين المصيد من أجله؟ أو يكفي النية المطلقة أنه لا يصاد لحاج، ولو لم يعين، نعم؟

طالب: مؤثر؟

نعم، مؤثر؛ لأنه ما صاده من أجله، صاد من أجل الدراهم، طيب هذا بغير عوض، أنا أقول: هذا حمار وحش آكل رجل منه أو يد، والباقي أتصدق به على الحجاج أو أهديه إليهم، حتى من أصل النية، هل يقصد التعيين أنه صاده لزيد من الناس؟ إذا صاده من أجل شخص معين، هذا لا إشكال فيه أنه لا يجوز، لكن لو صاده وقال: أنا أتصدق به على الحجاج وهم محرمون، هل نقول: إنه صاده من أجلهم؟

طالب:........

هو صاده لنفسه، أو صاده لأناس غير معينين من الحجاج؟

طالب: حديث أبي قتادة فيه إشارة إلى هذا؛ لأنه الحمار ما آكله لحاله أبو قتادة، يأكلوه.... وقال لهم: كلوا، فيه ميل إلى أنه كان منهم، لكن لم يصده من أجلهم لنفسه وهم؛ ولذلك أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأكله، لكن لم يصده بعينه لفلان، فيه إشارة.....

نعم؟

طالب: مثل أول حديث....... يدل على أنهم صاده من أجل أن يضيفهم.

لا ما فيه ما يدل على هذا، أنت افترض شخصًا يقول: زمن صيد، وأنا أريد أن أنفع الحجاج، وبر الحج إطعام الطعام، وأصيد لي عشرة من حمار الوحش وأوزعه على الحجاج، أنا ما أمامي إلا حجاج، لكن من غير قصد أناس معينين، صاده لهم، ولا أكل أبدًا هو، عنده حوافظ، وكل ما صاد وضعه بحافظة.

طالب: من باب الصدقة.

لكنه صاده من أجل الحجاج على نية العموم لا على نية الخصوص.

طالب: هم لا يعلمونه.

لا، لعل في الباب ما يكشف.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله" وعرفنا السبب أنهم لم يصيدوه، ولم يصد من أجلهم، "قال أبو هريرة: ثم إني شككت فيما أمرتهم به، فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب" يعني مع هيبة عمر، ومع قوته في الحق إلا أن الأمر وهذه الفتاوى أخذت تساور أبا هريرة لتحريه وورعه واحتياطه لذمته شك، فلما قدم المدينة ذكر ذلك لعمر بن الخطاب، "فقال عمر: ماذا أمرتهم به؟ فقال أبو هريرة: أمرتهم بأكله" وهذا فيه التفات، وإلا فالأصل أن يقول: فقلت: كلوه، "فقال: أمرتهم بأكله، فقال عمر بن الخطاب: "لو أمرتهم بغير ذلك لفعلت بك" يتواعده" في الرواية التالية: لأوجعتك، الرواية التي...: "لو أفتيتهم بمنع أكله لأوجعتك". في الحديث الذي يليه يقول: "وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر أنه مر به قوم محرمون بالربذة فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلة -جمع حلال، وهم من أهل الربذة- يأكلونه فأفتاهم بأكله، قال: ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك" يعني شك في فتواه، كما يدل على ذلك الرواية السابقة "فقال: بمَ أفتيتهم؟ فقلت: أفتيتهم بأكله" والعلة ما ذكرنا "قال: فقال عمر: لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك" يعني بالضرب أو بالتقريع، وفي هذا ما يدل على أن ولي الأمر عليه أن يهتم بهذا أشد الاهتمام، ولو أدى ذلك إلى الضرب؛ لأن هذا الأمر حفظ الأديان من أولى ما يعنى به ولي الأمر، وإلا لضاعت أديان الناس، لو ترك الناس يفتون بغير علم فيضلون ويضلون هذه مشكلة توقع الناس في ضلال مبين، فعلى ولي الأمر أن يتدخل في مثل هذه الأمور التي تؤدي إلى ضياع الدين بضياع الفتوى، هذا عمر يقول: "لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك" فهؤلاء الذين يتساهلون في الفتوى، أو يفتون بغير علم، أو تكثر عندهم الشواذ، مثل هؤلاء يمنعون، وهذه من وظائف ولي الأمر.

المقصود أن عمر -رضي الله تعالى عنه- عرف بهذا، القوة في الحق، ومثل هذا يورد لبيان فقه أبي هريرة من وجوه، أولًا: إصابته الحق، الأمر الثاني: خوفه من الله -جل وعلا- أن يكون لم يصب، فأراد أن يتثبت مع ما في المسألة من هيبة عمر، ما منعته هيبة عمر من أن يتثبت، وهذا هو العلم، ليس العلم بالجرأة إنما العلم بالورع.

وليس في فتواه مفتٍ متبع

 

ما لم يضف للعلم والدين الورع

لا بد من هذا، عمر -رضي الله عنه- أراد أن يختبر أبا هريرة فقال له: يا أبا هريرة إذا طُلقت المرأة طلقة واحدة أو اثنتين ثم تزوجت بآخر ثم رجعت إلى الأول تعود بطلقاتها أو تستأنف؟ معروف أنها إذا كانت بائنًا، طلقت ثلاثًا ثم تزوجت، ثم تزوجها الأول ثانية، تعود صفر، تستأنف من جديد، تبدأ بالعد من جديد، لكن لو طلقت طلقتين هل نقول: إنها تبدأ من جديد كالبائنة أو نقول: إنها ترجع بطلقاتها ويبقى له واحدة؟ نعم؟ ترجع بطلقاتها، يبقى له واحدة فقط، وقال له عمر نفس الكلام هذا، لو قلت غير هذا لأوجعتك، وهذا اختبار من عمر -رضي الله تعالى عنه- لمن يتصدى للإفتاء مثل أبي هريرة، وهذا استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على فقه أبي هريرة، وهذا لدفع قول من يقول: إن أبا هريرة راوية غير فقيه، ويشترطون في قبول رواية الراوي أن يكون فقيهًا، لكن هذا قول مردود، نعم؟

طالب:........

هذا قول أبي هريرة وعمر بعد ما نحن معارضينه -إن شاء الله-، وقال: لو أفتيت بغير هذا لأوجعتك، لكن نحن ما عندنا أحد يوجع الحين.

يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار -الحميري التابعي المشهور- أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد -صاده حلال- فأفتاهم كعب بأكله قال: فلما قدموا على عمر بن الخطاب بالمدينة ذكروا ذلك له فقال: من أفتاكم بهذا؟ قالوا: كعب قال: فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا" يعني إمارة جزئية على هؤلاء الركب، وإلا فالحاج له أمير، ومكة لها أمير، نعم لأن الإمارات تتجزأ، والصلاحيات تتوزع، نعم فهي إمارة جزئية، "فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل من جراد -قطيع من جراد- فأفتاهم كعب بأن يأخذوه فيأكلوه، فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك، فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟" أي بأكل الجراد وهم محرمون، ومعروف أن الجراد يصاد، نعم فتشمله الآية، فهو صيد، ومصيد "ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟" يعني بأكل الجراد وهم محرمون؟ "قال: هو من صيد البحر" والله -جل وعلا- يقول: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] "قال: هو من صيد البحر، قال: وما يدريك؟" ما الذي يعلمك؟ رأيته يخرج من البحر؟ نعم؟ "قال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هي -يعني (إن) هذه نافية بدليل وجود الاستثناء بعدها- إن هي إلا نثرة حوت -عطسة، عطس الحوت فخرج الجراد- إن هي إلا نثرة حوت ينثره -يعني يرميه متفرقًا، يعطس ويطلع الجراد ذا- ينثره في كل عام مرتين" وورد به حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة حوت من البحر، لكنه حديث ضعيف، والأكثر على أن الجراد بري وليس ببحري، فلا يجوز صيده وفيه الجزاء، ومن قال: بأنه بحري ولا جزاء فيه اعتمد على مثل هذا وهو ثابت، يعني قرره كعب الأحبار بحضور عمر -رضي الله تعالى عنه-، وهذا مما يتلقى عن بني إسرائيل مما لا يصدقون فيه ولا يكذبون، نعم، لكن المشاهدة والواقع بعد التتبع من جهات تعنى به يدل على خلاف هذا، نعم، والمسألة اجتهادية، يعني من اقتنع، بلغه مثل هذا الخبر واقتنع به، وقال: إن كعب ذكره في محضر عمر -رضي الله تعالى عنه- وسكت، وقال به بعض الصحابة أنه بحري، بناءً على هذا، وثبت عن بعض الصحابة أنه بحري، أما الحديث المرفوع فهو ضعيف لا يصح، فالمسألة اجتهادية، والذي يراه بحري لا جزاء فيه، والذي يقول: هو بري فيه الجزاء، فيتصدق بدرهم أو بقبضة طعام أو ما أشبه ذلك، وأقيامه ترتفع وتنخفض، نعم، أحيانًا يكفي قبضة من طعام، وأحيانًا تمرة، وأحيانًا كذا، والآن سعر الجراد أظن أغلى بكثير، نعم، كان الناس يخرجون لاصطياده ويتقوتون عليه، وسافروا مع النبي وغزوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- سنين يأكلون الجراد، وواحد من المشايخ يقول: إنهم صادوا جرادًا ووضعه في كيس، فطلبت المدرسة هندسة، من أين هندسة ذاك الوقت؟ قالوا: بكم الهندسة؟ بخمسة ريالات، وبعث الجراد لبلد آخر وبيع بخمسة واشتروا هندسة، واحد من المشايخ المشاهير، المقصود أن المسألة قابلة للاجتهاد، والذي يغلب على الظن أنه بري، ويشهد الواقع بهذا.

"وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق" والرسول -عليه الصلاة والسلام- أكل الجراد، وأكل بحضرته فهو حلال، إلا ما يذكر عن جراد الأندلس، وأنه فيه سم، يعني سام هذا الجراد، فيمنع للضر لا لأن الجراد ممنوع. "وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه المحرم؟" يعني يشتريه المحرم؟ "فقال: أما ما كان من ذلك يعترض به الحاج -يقصد به الحاج- ومن أجلهم صيد فإني أكرهه" هذا يدل على أن النية العامة كافية، نعم، إذا قال: موسم الحج يصيد من أجل الحاج ليبيع عليهم فتنفق سلعته في هذا الموسم، نية عامة لا يقصد به حاجًّا بعينه، ولا يقصد به الإهداء إلى الحاج إرفاقًا بهم، إنما يقصد بيعه على الحجاج، نعم، إنما يقصد به البيع على الحجاج، يعني فرق بين أن يجعله في محل يرتاده الحجاج وغيرهم على محل سواء، هذا مثل الربذة ما فيه إشكال، لكن إذا قصد موضع ما فيه إلا حجاج، ويجزم بأنه لن يشتريه إلا حجاج، فهو يقصد الحجاج بهذا، هذا الذي يقصده مالك.

يقول: "فقال: أما ما كان من ذلك يعترض به الحاج -يعني يقصد به الحاج- ومن أجلهم صيد فإني أكرهه" والمراد بذلك كراهة تحريم "وأنهى عنه" تحريمًا، وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة كراهة التحريم، "فأما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين -بحج أو عمرة- فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به" أي يجوز له شراءه كما في فتوى أبي هريرة -رضي الله عنه-.

"قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد قد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله" من أحرم وعنده صيد قد صاده قبل أن يحرم، أو ابتاعه اشتراه قبل أن يحرم واستصحبه معه، "فليس عليه أن يرسله -يطلقه- ولا بأس أن يجعله عند أهله" أي يبقيه عندهم، لكن لو صاد صيدًا قبل أن يحرم ثم أحرم وهو بيده حي، له أن يذبحه؟ ليس له أن يذبحه بعد أن نوى الدخول في النسك.

هل له أن يبعثه إلى أهله في بلده وهو حي؟ ليس له ذلك، بل يجب عليه أن يرسله، يطلقه إذا كان حيًّا؛ لأن الصيد ما بعد تم، يعني مجرد الإمساك ليس بصيد.

يقول: "ولا بأس أن يجعله عند أهله" أي: يبقيه عندهم، وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه ومعه إلى أهله، يعني لو افترض أن عنده تجارته بالحمام مثلًا للبيع للأكل، نعم في بلده ثم أحرم هل يقال: اتصل على أهلك يفتحون الباب..، نعم؟

طالب:.........

لا، ليس.......؛ لأنه ما صاده محرم، ولا صادها في حرم، وليس عليه أن يرسلها، يطلقها.

"قال مالك في صيد الحيتان" وغيرها من صيد البحر "في البحر والأنهار" يعني سواءً كانت المياه المالحة أو العذبة "والبرك وما أشبه ذلك" كالغدير "أنه حلال" {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [(96) سورة المائدة] فصيد البحر حلال "فللمحرم أن يصطاده" بنص القرآن، لكن هل هناك من الصيد صيد يعيش في البر والبحر؟ يصير برمائيًّا؟ نعم؟ فيه طيور يمكن أن تعيش في الماء؟ نعم؟ مائية؟

طالب:........

برمائية، إذًا إذا وجد من هذا النوع برمائي مما يصاد وبالإمكان أن يعيش في البر، وأحيانًا يعيش في البحر في مثل هذا يغلبون جانب الحظر فلا يصاد.

سم.

أحسن الله إليك.

باب: ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد:

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن الصعب بن جثَّامة الليثي -رضي الله عنه- أنه أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمارًا وحشيًّا وهو بالأبواء أو بودان، فرده عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما في وجهي، قال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)).

وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة قال: "رأيت عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان، ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا، فقالوا: أو لا تأكل أنت؟ فقال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي".

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت له: "يا ابن أختي إنما هي عشر ليال فإن تخلج في نفسك شيء فدعه" تعني أكل لحم الصيد.

قال مالك -رحمه الله- في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أنه من أجله صيد، فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله.

وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم: أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة؟ فقال: بل يأكل الميتة، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- لم يرخص للمحرم في أكل الصيد، ولا في أخذه في حال من الأحوال، وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة".

قال مالك: وأما ما قتل المحرم أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم؛ لأنه ليس بذكي كان خطأ أو عمدًا فأكله لا يحل، وقد سمعت ذلك من غير واحد، والذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة واحدة مثل من قتله ولم يأكل منه.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد" في الباب السابق ما يحل، وهو ما لم يصده أو يصد من أجله، والباب الثاني: ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد وهو ما صاده بنفسه أو صيد من أجله.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب -الإمام الجليل محمد بن مسلم الزهري- عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود -الهذلي أحد الفقهاء السبعة من التابعين- عن عبد الله بن عباس -حبر الأمة وترجمان القرآن- عن الصعب بن جثامة -بن ربيعة الليثي- أنه أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمارًا وحشيًّا" هذه الرواية تدل على أنه كامل، حمار كامل، وحشي، في بعض الروايات: لحم حمار، وهذا لا يدل على كماله، وهي في مسلم، وفي رواية: رجل حمار، وفي رواية: عجز حمار وحشي، ويطلق الكل ويراد به البعض والعكس، فلا اختلاف بين هذه الروايات "وهو بالأبواء" يقولون: جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا "أو بودان" موضع قرب الجحفة، فهما موضعان متقاربان، "فرده عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فتأثر؛ لأن رد الهدية لا شك أن فيه كسر لقلب المهدي؛ ولذا لما رد النبي -عليه الصلاة والسلام- الخميصة على أبي جهم، قال: ((أتوني بأنبجانية أبي جهم)) أو أبي جهيم، نعم، لكي يعرف أنه إنما رده لأمر، لا لأنه رده لذات المهدي بدليل أنه طلب منه غيرها لما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا التأثر في وجهه قال تطييبًا لقلبه: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) يعني محرمون، ولأجل أننا محرمون رددناه عليك، وهذا محمول على أن الصعب صاده من أجله -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذلك رده لكي يتم الجمع والتوفيق بين هذا وبين حديث أبي قتادة.

((إنا لم نردَّه عليك)) ضبط نرده؟ المحدثون يضبطونه هكذا (لم نردَه) الدال مفتوحة، حرف مضعف، والأصل في (لم) أنها عاملة تجزم الفعل المضارع والمضعف لا يبين عليه مشدد، فالمحدثون ينطقونه هكذا لم نردَّه، والنووي ينقل عن أهل اللغة قاطبة وهم يخطئون أهل الحديث في مثل هذا الموضع (لم نردُّه عليك) لكن لو كان مضافًا إلى ضمير المؤنث فتح لم نردَّها للمناسبة، المحدثون يقولون: (لم نردَّه) وأهل اللغة يقولون: (لم نردُّه) ما الذي يترتب على قول أهل اللغة؟ نعم؟

طالب:........

نعم إهمال العامل، الآن إذا الفعل أولًا لا يدخله الجر، لكن إذا ترتب على إهمال العامل سواءً كان اللفظي أو المعنوي إذا ترتب عليه ما يلغيه عن العمل يحرك، ويحرك بحركة لا تلتبس بتأثير العوامل الأخرى، وإذا كان..، إذا الفعل في موضع جزم ووليه ساكن يكسر {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] نعم لالتقاء الساكنين، يُرفع لالتقاء الساكنين، لو حرك بالضم بالرفع مثلًا لألغي عمل العامل، صح وإلا لا؟ لو قيل: يرفعُ الله، أُلغي عمل العامل، والعامل لا يمكن إلغاؤه، فيحرك بحركة إذا لم تمكن حركته المناسبة له يحرك بحركة لا تؤدي إلى إلغائه، ولذلك حركوا المضارع المجزوم عند التقاء الساكنين بالكسرة، والأصل أن الكسر لا يدخل الأفعال، فإذا قرأ القارئ الفعل المضارع مكسور، وهو يعرف أن الفعل لا يدخله الكسر تبين أن هناك عامل أثر في هذا الفعل؛ لأنه لا يتعذر النطق فيه على إلغاء العامل، لا يتعذر، الرفع ما يتعذر، لكن إعمال العامل متعذر فيحرك بحركة تدل على أن الفعل انتقل من حركته الأصلية قبل دخول العامل إلى حركة فرعية، وحيث تعذر إعمال العامل بحركة مناسبة له يحرك بحركة تدل على أنه انتقل عن وضعه الأصلي مثل تحريك الفعل المضارع المجزوم بالكسر عند التقاء الساكنين.

ونأتي هنا إلى (نردُّه) لو قلنا: (إنا لم نردُّه) ترتب على ذلك إلغاء عمل العامل (لم)، وإذا قلنا: (لم نردَّه) ولم يتقدمه ضمير نصب عرفنا أن العامل أثر فيه، لكن لما لم نتمكن من الحركة الأصلية حركناه بحركة تدل على أنه فعل منتقل، من فعل مجرد عن العوامل إلى فعل أثر فيه العامل، أيضًا المضارع لو أتينا بفعل الأمر منه والأمر يجزم..، أقول: الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، فكيف نصوغ الأمر من (نردُّه)؟ ردَّه، هل يستطيع أن يقول: ردُّه؟ نعم؟ بالضم؟ ما يمكن، إذًا هذا مثله، ونسبة النووي هذا إلى أهل اللغة لعل المراد به بعضهم.

طالب:........

ماذا فيها ربيعة؟

طالب:.......

المسألة معروفة عند أهل اللغة، (لم) حرف نفي وجزم وقلب، الجزم هنا متعذر لأن التضعيف أخفى الحرف الذي عليه الجزم، فشدد، نعم، فيحرك بالضم إذا حركناه بالضم على ما ادعاه النووي من أنه قول أهل اللغة إذا حركناه بالضم أدى ذلك إلى إلغاء العامل، ورده إلى الأصل، والعامل عامل، نعم، فيحرك بحركة تدل على أن الفعل منتقل عن وضعه الأصلي قبل دخول العوامل إلى ما أثر فيه العامل، لكن لما تعذر عمل العامل بالحركة المناسبة انتقل إلى غيرها كما في جر الفعل المجزوم عند التقاء الساكنين.

أما لغة ربيعة التي تذكر فهم لا ينونون "سمعت أنسَ بن مالك" هذه اللغة الربيعية عندهم "سمعت أنسَ بن مالك" والأصل أن تقول: "سمعت أنسًا بن مالك" فلا تأتي هنا، طيب عندنا {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [(233) سورة البقرة] لا تضارَّ نعم {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} [(233) سورة البقرة] {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [(282) سورة البقرة] كلها حركت بالفتح، أصلها: تضارِر، أو تضارَر، فالفعل مشترك بين المسند إلى الفاعل والمسند إلى المفعول، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
يقول: ما المراد بحمار الوحش الوارد في الحديث؟

هو الحمار المعروف المخطط، الذي يعيش في البراري، نعم؟