التعليق على تفسير القرطبي - سورة الصافات (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- "قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيم طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} 

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَذَلِكَ} خَيْرٌ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَزَّ-. نُزُلًا عَلَى الْبَيَانِ، وَالْمَعْنَى: أَنَعِيمُ الْجَنَّةِ خَيْرٌ نُزُلًا. {أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} خَيْرٌ نُزُلًا. وَالنُّزُلُ فِي اللُّغَةِ الرِّزْقُ الَّذِي لَهُ سعة قال  النَّحَّاسُ: وَكَذَا النُّزْلُ، إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النُّزُلُ".

النُزْل.

"وَكَذَا النُّزْلُ، إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النُّزْلُ بِإِسْكَانِ الزَّاي لُغَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ النُّزُلَ".

ثم خفف، ثم خفف بتسكينه.

" وَمِنْهُ: أُقِيمُ لِلْقَوْمِ نُزُلُهُمْ، وَاشْتِقَاقُهُ أَنَّهُ الْغِذَاءُ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَنْزِلُوا مَعَهُ وَيُقِيمُوا فِيهِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا".

على كل حال النزل ما يعد للضيف من مأكول، ومسكن، ومركوب، وغيره.

"وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي آخِرِ سُورَةِ "آلِ عِمْرَانَ" وَشَجَرَةُ الزَّقُّوم ِمُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّزَقُّمِ، وَهُوَ الْبَلْعُ عَلَى جَهْدٍ لِكَرَاهَتِهَا وَنَتْنِهَا. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَهِيَ فِي الْبَابِ السَّادسِ، وَأَنَّهَا تَحْيَا بِلَهَبِ النَّارِ كَمَا تَحْيَا الشَّجَرَةُ بِبَرْدِ الْمَاءِ، فَلَا بُدَّ لِأَهْلِ النَّارِ مِنْ أَنْ يَنْحَدِرَ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ فَوْقَهَا فَيَأْكُلُونَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ أَسْفَلَ".

الباب السادس ألا يعني لكم شيئًا؟

طالب: أبواب جهنم.

{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ}[الحجر:44]

طالب: لها سبعة أبواب.

في درجاتها يصعد إليها من في السابع، وينزل إليها من في الأول إلى الخامس.

 "وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ مِن شَجَرِ الدُّنْيَا الَّتِي تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ مِنْ شَجَرِ الدُّنْيَا. وَمَن قَالَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ قُطْرُبٌ: إِنَّهَا شَجَرَةٌ مُرَّةٌ تَكُونُ بِتِهَامَةَ مِنْ أَخْبَثِ الشَّجَرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ هُوَ كُلُّ نَبَاتٍ قَاتِلٍ.

والْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا لَا تُعْرَفُ فِي شَجَرِ الدُّنْيَا. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَجَرَةِ الزَّقُّومِ قَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: مَا نَعْرِفُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ. فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: هُوَ عِنْدَنَا الزُّبْدُ وَالتَّمْرُ. فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: أَكْثَرَ اللَّهُ فِي بُيُوتِنَا الزَّقُّومَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لِجَارِيَتِهِ: زَقِّمِينَا، فَأَتَتْهُ بِزُبْدٍ وَتَمْرٍ. ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَزَقَّمُوا، هَذَا الَّذِي يُخَوِّفُنَا بِهِ مُحَمَّدٌ، يَزْعُمُ أَنَّ النَّارَ تُنْبِتُ الشَّجَرَ، وَالنَّارُ تُحْرِقُ الشَّجَرَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى :{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} أَيِ الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: كَيْفَ تَكُونُ فِي النَّارِ شَجَرَةٌ وَهِيَ تُحْرِقُ الشَّجَرَ؟

وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُبْحَانَ وَاسْتِخْفَافُهُمْ فِي هَذَا كَقَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} مَا الَّذِي يُخَصِّصُ هَذَا الْعَدَد؟ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا أَكْفِيكُمْ مِنْهُمْ كَذَا فَاكْفُونِي الْبَاقِينَ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} وَالْفِتْنَةُ الِاخْتِبَارُ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ جَهْلًا، إِذْ لَا يَسْتَحِيلُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِي النَّارِ شَجَرًا مِنْ جِنْسِهَا لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ، كَمَا يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهَا الْأَغْلَالَ وَالْقُيُودَ وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَخَزَنَةَ النَّار".

لماذا لا تأكل النار هذه الأشياء، وقد خلقها الله فيها؟ {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} قالوا: لماذا لا يكون العدد عشرين؟ أو عشرة، أو مائة، لماذا خصص هذا العدد تسعة عشر؟ هذا لمجرد الفتنة، والابتلاء، والاختبار هل يسلمون؟ هل ينقادون؟ هل يعاندون ويكابرون؟ وبعضهم أخذ من العادات شيئًا فطرده، وجعله من المعجزات، والمسألة لا هذا ولا هذا، إنما هذا لمجرد الفتنة ابتلاء لهم اختبار لهم.

طالب:....

العدد نعم، ينظر هل ينقادون؟ هل ينقادون؟ وليقول قائلهم: أنا أستطيع أن أغلب عشرين؛ لأن من الشجعان من يغلب العشرين، ولذا قال بعضهم: أنا أكفيكم منهم كذا؛ لأنه يعرف أنه يستطيع أن يغلب عشرة، فقوني الباقي مثلاً، ابتلاء.

"وَقِيلَ: هَذَا الِاسْتِبْعَادُ الَّذِي وَقَعَ لِلْكُفَّارِ هُوَ الَّذِي وَقَعَ الْآنَ لِلْمُلْحِدَةِ، حَتَّى حَمَلُوا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ عَلَى نَعِيمٍ أَوْ عِقَابٍ تُخَلِّلُهُ الْأَرْوَاحُ، وَحَمَلُوا وَزْنَ الْأَعْمَالِ وَالصِّرَاطَ وَاللَّوْحَ وَالْقَلَمَ عَلَى مَعَانٍ زَوَّرُوهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، دُونَ مَا فَهِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَوَارِدِ الشَّرْعِ".

نعم؛ لأن هناك من الأمور إذا قاسها الإنسان بعقله، ونظَّرها بما يعرف استحالت، يعني ضرس الكافر مثل الجبل، وما بين منكبه وعاتقه كذا فالذي يستعمل العقل، ويقيس الأشباه بنظائرها الموجودة يقول: هذا مستحيل، لكن لا بد أن يؤول، لكن المسلم عليه أن يسلِّم، ويستسلم كما هو مقتضى الإسلام، وأهل العلم يقولون: قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، ما يمكن إنسان يعمل عقله في الغيبيات فهذا مآله إلى الضلال؛ لأنه لن يصل إلى نتيجة؛ لأن الأقيسة إنما تكون بين المرئيات، المرئيات، المشاهدات، المحسوسات، ما له نظير، ما له شبه في الدنيا بنظيره، أما الأمور الغيبية فلا، وليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء، فيها فواكه، لكن لا نستطيع أن نقول: إن عنب الدنيا مثل عنب الآخرة، أو تمر الدنيا مثل تمرها، أو زيتون الدنيا مثل كذا، لا، أبدًا ما يمكن، ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء.

 "وَحَمَلُوا وَزْنَ الْأَعْمَالِ، وَالصِّرَاطَ، وَاللَّوْحَ، وَالْقَلَمَ عَلَى مَعَانٍ زَوَّرُوهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، دُونَ مَا فَهِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَوَارِدِ الشَّرْعِ".

على طريقة القرامطة، وطريقة الباطنية، ويوافقهم في هذا بعض العقلانيين كالمعتزلة، ومن يقول بقولهم، الذين يجعلون العقل هو مرد الأمور كلها.

 "وَإِذَا وَرَدَ خَبَرُ الصَّادِقِ بِشَيْءٍ مَوْهُومٍ فِي الْعَقْلِ، فَالْوَاجِبُ تَصْدِيقُهُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْوِيلٌ، ثُمَّ التَّأْوِيلُ فِي مَوْضِعِ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ".

لماذا؟ لأن مثل هذا التأويل يقضي على الشرائع، إذا أدخلنا مثل هذا التأويل في هذه الأمور اضطرد مثل ما أول الباطنية الصلاة، والصيام، والحج أولوها وعطلوا الشرائع.

"وَالْمُسْلِمُونَ مُجْمِعُونَ عَلَى الْأَخْذِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ غَيْرِ مَصِيرٍ إِلَى عِلْمِ الْبَاطِنِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا فِتْنَةٌ أَيْ: عُقُوبَةٌ لِلظَّالِمِينَ، كَمَا قَالَ: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}. 
قَوْلُهُ تَعَالَى :{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} أَيْ قَعْرُ النَّارِ، وَمِنْهَا مَنْشَؤُهَا، ثُمَّ هِيَ مُتَفَرِّعَةٌ فِي جَهَنَّمَ. طَلْعُهَا أَيْ ثَمَرُهَا، سُمِّيَ طَلْعًا لِطُلُوعِهِ .

{كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} قِيلَ: يَعْنِي الشَّيَاطِينَ بِأَعْيَانِهِمْ، شَبَّهَهَا بِرُءُوسِهِمْ لِقُبْحِهِمْ، وَرُءُوسُ الشَّيَاطِينِ مُتَصَوَّرٌ فِي النُّفُوسِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْئِيٍّ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لِكُلِّ قَبِيحٍ هُوَ كَصُورَةِ الشَّيْطَانِ، وَلِكُلِّ صُورَةٍ حَسَنَةٍ هِيَ كَصُورَةِ مَلَكٍ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ صَوَاحِبِ يُوسُفَ: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} وَهَذَا تَشْبِيهٌ تَخْيِيلِيٌّ، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقُرَظِيِّ .وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ :
وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ، وَإِنْ كَانَتِ الْغُولُ لَا تُعْرَفُ، وَلَكِنْ لِمَا تُصُوِّرَ مِنْ قُبْحِهَا فِي النُّفُوسِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} فَمَرَدَةُ الْإِنْسِ شَيَاطِينُ مَرْئِيَّةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ»، وَقَدِ ادَّعَى كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ رُؤْيَةَ الشَّيَاطِينِ وَالْغِيلَانِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ".

نعم قد ترى أشباح، أشباح، فإذا رأيت، يبادر بالأذان إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان؛ لأنه يطرد الشياطين، لكن التدقيق فيها، والنظر في أجزائها لا يمكن، والشياطين أيضًا قد تتمثل بالمألوف تتمثل بقط، تتمثل بكلب، تتمثل بحية، لا تظهر للناس على هيئتها، ولذلك هذا التشبيه {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} هذا لما استقر في النفوس من قبحها لما استقر في النفوس من قبحها فيشبه بها كل قبيح.

"وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ: الشَّيَاطِينُ حَيَّاتٌ لَهَا رُءُوسٌ وَأَعْرَافٌ، وَهِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْحَيَّاتِ وَأَخْبَثِهَا وَأَخَفِّهَا جِسْمًا. قَالَ الرَّاجِزُ وَقَدْ شَبَّهَ الْمَرْأَةَ بِحَيَّةٍ لَهَا عُرْفٌ :
قد يكون تسمية الحيات بهذا الاسم من هذا الباب لقبحها سميت الشياطين؛ لأنها من الأصل شياطين، أو أن اسمها الأصلي شياطين، إنما قيل لها شياطين وصفت بهذا؛ لأنها قبيحة، أو سُمِّيت به.

"قَالَ الرَّاجِزُ وَقَدْ شَبَّهَ الْمَرْأَةَ بِحَيَّةٍ لَهَا عُرْفٌ:

عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ

عَنْجَرِدٌ

عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أَحْلِفُ
 

كَمِثْلِ شَيْطَانِ الْحِمَاطِ أَعْرَفُ
  

 

الْوَاحِدَةُ حَمَاطَةٌ. وَالْأَعْرَفُ الَّذِي لَهُ عُرْفٌ. وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ نَاقَتَهُ :

تُلَاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ كَأَنَّهُ
 

تَعَمُّجُ شَيْطَانٍ بِذِي خِرْوَعٍ قَفْرِ
  

 التَّعَمُّجُ: الِاعْوِجَاجُ فِي السَّيْرِ. وَسَهْمٌ عَمُوجٌ: يَتَلَوَّى فِي ذَهَابِهِ. وَتَعَمَّجَتِ الْحَيَّةُ: إِذَا تَلَوَّتْ فِي سَيْرِهَا ."

طالب:......

كيف؟

طالب:......

سهم عموج.

طالب: منه أم هو سهم

التَّعَمُّجُ: الِاعْوِجَاجُ فِي السَّيْرِ. وَسَهْمٌ عَمُوجٌ: يَتَلَوَّى فِي ذَهَابِهِ.

طالب: وسهم؟

سهم نعم.

"وَقِيلَ: إِنَّمَا شُبِّهَ ذَلِكَ بِنَبْتٍ قَبِيحٍ فِي الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ الْأَسْتَنُ وَالشَّيْطَانُ. قَالَ النَّحَّاسُ :وَلَيْسَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ .قال الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ شَجَرٌ خَشِنٌ مُنْتِنٌ مُرٌّ مُنْكَرُ الصُّورَةِ يُسَمَّى ثَمَرُهُ رُءُوسَ الشَّيَاطِين ِقال النَّحَّاسُ :وَقِيلَ: الشَّيَاطِينُ ضَرْبٌ مِنَ الْحَيَّاتِ قِبَاحٌ .{فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} فَهَذَا طَعَامُهُمْ وَفَاكِهَتُهُمْ بَدَلُ رِزْقِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ فِي الْغَاشِيَة: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} وَسَيَأْتِي. {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا} أَيْ بَعْدَ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} الشَّوْبُ الْخَلْطُ، وَالشَّوْبُ وَالشُّوبُ لُغَتَانِ، كَالْفَقْرِ وَالْفُقْرِ، وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ. قَالَ الْفَرَّاءُ :شَابَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ إِذَا خَلَطَهُمَا بِشَيْءٍ يَشُوبُهُمَا شَوْبًا وَشِيَابَةً. فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُشَابُ لَهُمْ. وَالْحَمِيمُ: الْمَاءُ الْحَارُّ لِيَكُونَ أَشْنَعَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} قال  السُّدِّيُّ :يُشَابُ لَهُمُ الْحَمِيمُ بِغَسَّاقِ أَعْيُنِهِمْ وَصَدِيدٍ مِنْ قَيْحِهِمْ وَدِمَائِهِمْ. وَقِيلَ: يُمْزَجُ لَهُمُ الزَّقُّومُ بِالْحَمِيمِ لِيُجْمَعَ لَهُمْ بَيْنَ مَرَارَةِ الزَّقُّومِ وَحَرَارَةِ الْحَمِيمِ، تَغْلِيظًا لِعَذَابِهِمْ وَتَجْدِيدًا لِبَلَائِهِمْ .{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} قِيلَ: إِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا حِينَ أَكَلُوا الزَّقُّومَ فِي عَذَابٍ غَيْرِ النَّارِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَيْهَا .وَقَالَ مُقَاتِلٌ".

يعني: جاء في الأخبار أنهم إذا أكلوا من الزقوم، وأثَّرت في بطونهم ما أثرت طلبوا الماء ليشربوا، ثم يؤتى لهم بالحميم، فإذا أدناه من وجوههم سقطت جلود وجوههم بكاملها حتى جاء في الخبر أنه لو وقف عليها من يعرفهم لعرف هذه الجلود -نسأل الله السلامة والعافية-.

" وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْحَمِيمُ خَارِجُ الْجَحِيمِ، فَهُمْ يُورَدُونَ الْحَمِيمَ لِشُرْبِهِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى الْجَحِيمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى  :{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آن}".

لأنه لما أخبر عن شربهم هذا الحميم قال: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} يخرجون من الجحيم للشرب، ثم يردون إليها.

"وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ :ثُمَّ إِنَّ مُنْقَلَبَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ. وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ :يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ "ثُمَّ" بِمَعْنَى الْوَاوِ قال الْقُشَيْرِيُّ :وَلَعَلَّ الْحَمِيمَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ جَهَنَّمَ عَلَى طَرَفٍ مِنْهَا."

فيكون معنى {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} يعني إلى وسطها الذي فيه أشد العذاب -نسأل الله السلامة-.

طالب:......

قالوا: الأستم ويقال لها: الشياطين، وشيء منها الشيطان، لكن ما يلزم أن يكون اسمها في الأصل الشياطين، أو الشيطان مثل ما قيل في الحيات وغيرها.

طالب:             

 ما أدري والله تسمى الأستم؟ معروفة شجر شجرة باليمن، لا لا، ما يعرفونها، لكن تري أهل المدن ما يعرفون مثل هذه الأمور مثل أهل البادية.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} 
قَوْلُهُ تَعَالَى :{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} أَيْ صَادَفُوهُمْ كَذَلِكَ فَاقْتَدَوْا بِهِمْ .{فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} أَيْ يُسْرِعُونَ، عَنْ قَتَادَةَ .وَقَالَ مُجَاهِدٌ :كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ :الْإِهْرَاعُ الْإِسْرَاعُ بِرَعْدَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ :يُهْرَعُونَ يَسْتَحِثُّونَ مَنْ خَلْفَهُمْ. وَنَحْوَهُ قَوْلُ الْمُبَرِّدِ ."

لو من أنفسهم الهرع منه لقيل يهرعون يهرعون على هذه القراءة الحث من أنفسهم، ويهرعون يحثهم غيرهم.

 "قَالَ: الْمُهْرِعُ الْمُسْتَحِثُّ، يُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ يُهْرَعُ إِلَى النَّارِ إِذَا اسْتَحَثَّهُ الْبَرْدُ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: يُزْعَجُونَ مِنْ شِدَّةِ الْإِسْرَاعِ، قَالَهُ الْفَضْلُ قال الزَّجَّاجُ :يُقَالُ هُرِعَ وَأُهْرِعَ إِذَا اسْتُحِثَّ وَأُزْعِجَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى".

نعم في الظروف التي تستدعي مثل هذه السرعة، أو هذه العجلة مع الاضطراب في الحركة من هول ما يريد من إنقاذهم، وما أشبه ذلك كما يقال مثلاً هرع، هرع رجال الحريق للإطفاء، رجال الدفاع المدني لإطفاء حريق، أو ما أشبه ذلك، أو لإنقاذ غريق ونحوه، هذا يلزم منه السرعة في المشي والاضطراب فيه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} أَيْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ أَيْ رُسُلًا أَنْذَرُوهُمُ الْعَذَابَ فَكَفَرُوا .{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} أَيْ آخِرُ أَمْرِهِمْ. {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أَيِ الَّذِينَ اسْتَخْلَصَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكُفْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمُنْذَرِينَ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ}.

 قَوْلُهُ تَعَالَى".

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} الرسل وظيفتهم البشارة، والنذارة، يبشرون من وافقهم وأجابهم، وينذرون، ويخوِّفون من خالفهم، فإذا كانت النذارة خاصة بالمخالف، فالمخلصون موافقون، هؤلاء موافقون فيكون الاستثناء من إيش؟ {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} إذا قلنا: إن النذارة خاصة بالمخالف، والبشارة بالموافق، أو أن النذارة للجميع، للجميع في أول الأمر النذارة للجميع، ثم يكون منهم الموافق، ومنهم المخالف، فعلى الأول يكون الاستثناء منقطعًا وعلى الثاني يكون الاستثناء متصلًا.

طالب:.........

متفاوت العذاب، العذاب متفاوت كل بحسب كفره، وظلمه، وشدته، ويخالف الكفر -نسأل الله العافية-.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ}[الصافات:75] مِنَ النِّدَاءِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِغَاثَةُ".

يعني بالصوت المسموع، الصوت المسموع المرتفع، هذا الأصل في النداء، والصوت الخفي يقال له: مناجاة، مناجاة، {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} هل ناداه -جل وعلا- بالصوت المرتفع، أو أنه دعا بصوت يسمعه من حوله، ولا يلزم أن يكون مرتفعًا؛ لأن النداء كما يكون بالصوت المرتفع يكون أيضًا بما دونه بما لا يصل إلى حد المناجاة، فإذا قلنا: إنه في مقابل المناجاة الذي هو الصوت المنخفض يكون الصوت مرتفعًا بقدر الحاجة، بقدر الحاجة.

" وَدَعَا قِيلَ بِمَسْأَلَةِ هَلَاكِ قَوْمِهِ فَقَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} قَالَ الْكِسَائِيُّ :أَيْ: {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} لَهُ كُنَّا .{فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} يَعْنِي أَهْلَ دِينِهِ، وَهُمْ مَنْ آمَنَ مَعَهُ وَكَانُوا ثَمَانِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .{مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} وَهُوَ الْغَرَقُ. {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}".

أهله الذين وافقوه على دينه هم أهله، وهم آله بخلاف من خالفه ولو كان أقرب الناس إليه كامرأته وولده.

"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا خَرَجَ نُوحٌ مِنَ السَّفِينَةِ مَاتَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَلَدَهُ وَنِسَاءَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ :{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}".

ذريته؛ يعني النسل من كان من صلبه، وصلب ولده هؤلاء هم الباقون، هذه دلالة ظاهرة على أن من عدا نوح لم ينجب، ولم يستمر له نسل هذه دلالة الآية في ظاهرها، وجعلنا ذريته هم الباقين يعني دون من سواهم، فجميع من على وجه الأرض بعد نوح إنما هم من ذرية أولاده الثلاثة والقول الآخر على ما سيأتي ذريته؛ يعني ذريته، ومن وافقه، ذريته وذرية من وافقه.

"وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ :كَانَ وَلَدُ نُوحٍ ثَلَاثَة، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ وَلَدِ نُوحٍ :فَسَامُ أَبُو الْعَرَبِ وَفَارِسَ وَالرُّومِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى .وَحَامُ أَبُو السُّودَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ: السِّنْدِ وَالْهِنْدِ وَالنُّوبِ وَالزَّنْجِ وَالْحَبَشَةِ وَالْقِبْطِ وَالْبَرْبَرِ وَغَيْرِهِمْ، وَيَافِثُ أَبُو الصَّقَالِبَةِ وَالتُّرْكِ واللَّانِ وَالْخَزَرِ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَمَا هُنَالِكَ".

ماذا عندكم؟ الخزر لكن الذي قبلها؟ هي الأصول فيها الأبر نعم، لكن قال: إنها صححها التاريخي المسعودي في مروج الذهب، وأنه لا يوجد بهذا الاسم أمة بهذا الاسم.

 "وَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ لِغَيْرِ وَلَدِ نُوحٍ أَيْضًا نَسْلٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} وَقَوْلِهِ :{قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ :{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} دُونَ ذُرِّيَّةِ مَنْ كَفَرَ، فإنَّا أَغْرَقْنَا أُولَئِكَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} أَيْ تَرَكْنَا عَلَيْهِ ثَنَاءً حَسَنًا فِي كُلِّ أُمَّةٍ، فَإِنَّهُ مُحَبَّبٌ إِلَى الْجَمِيعِ، حَتَّى إِنَّ فِي الْمَجُوسِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ أَفْرِيدُونَ .رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ. وَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} يُقَالُ: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ} أَيْ: تَرَكْنَا عَلَيْهِ هَذَا الثَّنَاءَ الْحَسَنَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ .أَيْ: تَرَكْنَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بَاقِيَةً، يَعْنِي يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا وَيَدْعُونَ لَهُ، وَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} .وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ، وَتَمَّ الْكَلَامُ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ}".

يعني ما الذي ترك عليه -عليه السلام- هل هو السلام فقط؟ {تَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} جملة {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ} فيكون بدل كل من كل، أو يكون {تَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} الذكر الحسن الذي منه {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ}، ويكون بعض من كل.

"أَيْ سَلَامَةٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ بِسُوءٍ فِي الْآخِرِينَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ :وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " سَلَامًا" مَنْصُوبٌ بِ " تَرَكْنَا " أَيْ: تَرَكْنَا عَلَيْهِ ثَنَاءً حَسَنًا سَلَامًا. وَقِيلَ: {فِي الْآخِرِينَ} أَيْ: فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

لأن كل من قرأ هذه السورة ووصل لهذه الآية سوف يسلِّم على نوح، لا بد أن يقرأها، ولا يدرى هل أنزل السلام عليه في الكتب السابقة من التوراة، والإنجيل والزبور، أو لم ينزل، المؤكد أنه في هذه الأمة مقطوع به؛ لأنه نزل السلام عليه في القرآن الذي يقرأه الخاص، والعام، وأما بالنسبة للأمم السابقة فيشملهم الآخرين على قراءة الفتح، وأما {الْآخِرِينَ} يعني المتأخرين التي هي أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-.

"وَقِيلَ: فِي الْأَنْبِيَاءِ، إِذْ لَمْ يُبْعَثْ بَعْدَهُ نَبِيٌّ إِلَّا أُمِرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ :وَبَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ قَالَه حِينَ يُمْسِي: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} لَمْ تَلْدَغْهُ عَقْرَبٌ .ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي التَّمْهِيدِ. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– قَالَ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ: أَعُوَذٌ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرٍّ مَا خَلَقَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ». وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: مَا نِمْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَا إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ»" .

نعم، وهذا الذكر، وهذه الاستعاذة لا تمنع من حصول اللدغ، لا يمنع منه، لكن الضرر المترتب عليه ينتفي به، ولذلك حصل أن إنسانًا قال مثل هذا، ثم لدغ، حصل لو لدغ حية، أو عقرب لكنه سلم منه، ما ضرته، الأثر الأول خرج.

طالب:......

لا الذي قبله بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ قَالَه.

طالب:........

نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أَيْ نُبْقِي عَلَيْهِمُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ".

يعني مثل هذا هل يلزم فيه نص أو لا يلزم؟ التجربة كافية في مثل هذا، يعني جربت، جرب أن من قال {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}  لم يلدغه عقرب تكفي التجربة في مثل هذا، أو لا بد من نص؟

طالب:.........

تبين كمن قاله ما لدغ، تجربة.

طالب :.........

لا لا، يعني كل من قاله ما لدغ؛ لأن أن تريد أن النفي ما يمكن حصره بخلاف الإثبات، النفي لا يمكن حصره، لكن إذا نزل منزل كله حيات، وعقارب ونزل فلان، وقالها، ونزل فلان وقالها ما حصل لهم شيء.

طالب:...........

على كل حال هذه الجملة يتناقلونها، ويتداولونها، حتى أناس من أهل التحقيق يقولها ما يقال أنها بنيت على غير أساس، أو أنها آية من القرآن فيها حرز من لدغ العقرب بالتجربة ما دام ما ثبت فيها خبر صحيح فبالتجربة، وهل تكفي التجربة في مثل هذا الاحتراز؟ وهل تكفي بمثل الاستشفاء بآية بعينها في مرض بعينه؟ لو قيل مثلاً هذه الآية تنفع في مرض كذا، يعني جُرِّبت قرئت على أكثر من مريض هذا المرض وشفي، فهل نلتزم بهذه الآية لعلاج هذا المرض؟ أو نقول: إن التخصيص لا بد له من دليل؟

يعني كأن ابن القيم –رحمه الله- له تجربة كافية في مثل هذا، القرآن شفاء، لكن بعضه يصلح لبعض الأمراض، وبعضه لا يصلح.

طالب:..........

 لكن الكلام فيه تخصيص بعض الآيات لبعض الأمور.

طالب:............

هناك نقول: الأسباب منها ما هو شرعي، ومنها ما هو عادي، الأسباب منها الشرعي، ومنها العادي، وما عدا ذلك من جعل سببًا، وهو في الحقيقة ليس بسبب لا شرعي، ولا عادي فهذا مشرك، هذا يشرك، يعني لو قيل: إن هذا المنديل ينفع بمرض كذا، وما ثبت لا في الشرع، ولا في العادة، أو هذه الورقة تضعها على وجهك يذهب ما بك من أذى، هذا شرك جعلت مؤثر لم يجعله الله -جل وعلا- مؤثرًا ولا اطرد، وليس فيه مادة تنفع في مثل هذا الأمر، أقول: جاء بعض الآيات نافعًا لبعض الأمراض دون بعض، هذا من التخصيص بغير مخصص، لكن هل تكفي فيه التجربة كما يذكر ابن القيم، أو لا؟ ابن القيم نعم يكتب لكذا كذا، ويكتب لكذا كذا وينفذ على كذا بكذا، يخصص.

طالب:......

لا لا اطردت، يعني عندهم اطرد، يعني هذه الآية {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي}[هود:44]، تكتب علي جبين من يصاب بالرعاف، ويقف من يبتلى بالرعاف، والناس يعني شبه يومي يرعف، ويكتب على الضرس كذا، ويكتب للمرأة التي عثرت، ولادتها كذا، وابن القيم يثبت مثل هذا، وأنه إذا ثبت بالتجربة، واستمر، ودام الأمر على ذلك ما فيه ما يمنع؛ لأن القرآن في الأصل، لأن مثل هذه الاختيارات تنطوي تحت الأصل العام، وهو أن القرآن شفاء، وهذا يمشي على قول من يقول: إن من هذه تبعيضية، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ}[الإسراء:82]، تبعيضية، وليست بيانية بعضه شفاء، فإذا ثبت بالتجربة أنها نافعة على رأي من يقول: إن التجربة تثبت مثل هذا ما فيه إشكال، وإلا في الأصل أن الأمور المنوطة بالشرع لا بد من التنصيص تخصيص شيء لم يأتِ تخصيصه في الشرع لا يجوز تخصيصه.

طالب:.........

يقول: بلغني، بلغه عمن؟ يحتاج إلى مبلغ، ثم هذا المبلغ هل اعتمد على نص أو اعتمد على تجربة؟ لتعود المسألة إلى أصلها.

طالب:...........

نعم على هذا لم تضر أصلاً، هناك لم تضر قالوا، على المتبع المقتفي أن يقتصر على الوارد نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أَيْ نُبْقِي عَلَيْهِمُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ: جَزَاءً كَذَلِكَ. {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} هَذَا بَيَانُ إِحْسَانِهِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِين} أَيْ مَنْ كَفَرَ. وَجَمْعُهُ أُخَرُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ "مِنْ" إِلَّا أَنَّهَا حُذِفَتْP لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوفٌ، وَلَا يَكُونُ آخِرًا إِلَّا وَقَبْلَهُ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِهِ. ثُمَّ لَيْسَ لِلتَّرَاخِي هَاهُنَا بَلْ هُوَ لِتَعْدِيدِ النِّعَمِ، كَقَوْلِهِ: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ: ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ أَنِّي قَدْ أَغْرَقْتُ الْآخَرِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ تَأَخَّرُوا عَنِ الْإِيمَانِ".

طالب:..............

الدعاء يقول مر بنا بالموطأ عن بعض التابعين قال: أدركنا الناس يعني الصحابة، وهم يدعون على اليهود، والنصارى في قنوطهم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى :{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :أَيْ: مِنْ أَهْلِ دِينِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ :أَيْ: عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسُنَّتِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ :الشِّيعَةُ الْأَعْوَانُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشِّيَاعِ، وَهُوَ الْحَطَبُ الصِّغَارُ الَّذِي يُوقَدُ مَعَ الْكِبَارِ حَتَّى يُسْتَوْقَدَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالْفَرَّاءُ :الْمَعْنَى: وَإِنَّ مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ لَإِبْرَاهِيمَ .فَالْهَاءُ فِي شِيعَتِهِ عَلَى هَذَا لِمُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَعَلَى الْأَوَّلِ لِنُوحٍ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا".

نعم؛ لأن المُشايع، واحد الشيعة المُشايع هذا تابع، وليس بمتبوع، وكون إبراهيم تابعًا لمحمد وهو قبله فيه بعد، فيه بعد، وإن أمه في الإسراء، لكن مع ذلك الأقرب أنه يكون من شيعة نوح؛ لأنه هو الذي تقدمه.

" وَمَا كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ إِلَّا نَبِيَّانِ هُودٌ وَصَالِحٌ، وَكَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ أَلْفَانِ وَسِتُّمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. 

قَوْلُهُ تَعَالَى :{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أَيْ مُخْلِصٍ مِنَ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ. وَقَالَ عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ :سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ مَا الْقَلْبُ السَّلِيمُ؟ فَقَالَ: النَّاصِحُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ- فِي خَلْقِهِ .وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ وَعَوْفٍ وَغَيْرِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلْحَجَّاجِ: مِسْكِينٌ أَبُو مُحَمَّدٍ !إِنْ عَذَّبَهُ اللَّهُ فَبِذَنْبِهِ، وَإِنْ غَفَرَ لَهُ فَهَنِيئًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَلْبُهُ سَلِيمًا فَقَدْ أَصَابَ الذُّنُوبَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ .قَالَ عَوْفٌ :فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ مَا الْقَلْبُ السَّلِيمُ؟ قَالَ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ قَائِمَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ .وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ :كَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا: يَا بَنِيَّ لَا تَكُونُوا لَعَّانِينَ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْعَنْ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ تَعَالَى :{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، وَيَحْتَمِلُ مَجِيئُهُ إِلَى رَبِّهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عِنْدَ دُعَائِهِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، الثَّانِي: عِنْدَ إِلْقَائِهِ فِي النَّارِ. {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} وَهُوَ آزَرُ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ. {وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} تَكُونُ مَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ".

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} آزر منصوص عليه في سورة الأنعام على أن المؤرخين، ومنهم ابن كثير وغيرهم يجعلون إبراهيم بن تارح أو بن تارخ بالحاء أو بالخاء يتفقون على هذا الطبري نعم رجّح أنه ابن آزر، لكن هل هذا مجال للترجيح؟ وهو منصوص عليه في القرآن، أو مجال للنزاع؟ يعني مثل ما يقول المؤرخون: يوسف بن راحيل، وهذا ابن كثير في البداية والنهاية كذلك العنوان يوسف بن راحيل، المؤرخون كلهم يقولون هذا، يعني أمر عجب مع أن المسألة مفروغ منها، يعني مقطوعة في القرآن.

طالب: يقال إن آزر لقب يقول: تارح اسم، وآزر لقب.

على كل حال مادام {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ} فليس لأحد كلام، كونه يصدر الكلام عنوان الكلام كله بما يخالف القرآن، نعم يأتي بما هو مقتضى القرآن ثم يورد ما يمكن تفصيله، يورد ما يمكن تفصيله، نعم.

"تَكُونُ مَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَ"ذَا" خَبَرَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ "مَا" وَ"ذَا" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ{تَعْبُدُونَ}. {أَئِفْكًا} نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، بِمَعْنَى أَتُرِيدُونَ إِفْكًا. قَالَ الْمُبَرِّدُ :وَالْإِفْكُ أَسْوَأُ الْكَذِبِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ وَيَضْطَرِبُ، وَمِنْهُ ائْتَفَكَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ {آلِهَةً} بَدَلٌ مِنْ إِفْكٍ {دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} أَيْ تَعْبُدُونَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا بِمَعْنَى أَتُرِيدُونَ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ آفِكِينَ {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ مَا ظَنُّكُمْ بِهِ إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ؟ فَهُوَ تَحْذِيرٌ، مِثْلَ قَوْلِهِ: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} وَقِيلَ: أَيُّ شَيْءٍ أُوهِمْتُمُوهُ حَتَّى أَشْرَكْتُمْ بِهِ غَيْرَهُ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى :{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} قَالَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلِكُهُمْ إِنَّ غَدًا عِيدُنَا فَاخْرُجْ مَعَنَا، فَنَظَرَ إِلَى نَجْمٍ طَالِعٍ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَطْلُعُ مَعَ سَقَمِي. وَكَانَ عِلْمُ النُّجُومِ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمْ مَنْظُورًا فِيهِ، فَأَوْهَمَهُمْ هُوَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَأَرَاهُمْ مِنْ مُعْتَقَدِهِمْ عُذْرًا لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ رِعَايَةٍ وَفِلَاحَةٍ، وَهَاتَانِ الْمَعِيشَتَانِ يُحْتَاجُ فِيهِمَا إِلَى نَظَرٍ فِي النُّجُومِ .وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :كَانَ عِلْمُ النُّجُومِ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَلَمَّا حَبَسَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّمْسَ عَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونَ أَبْطَلَ ذَلِكَ، فَكَانَ نَظَرُ إِبْرَاهِيمَ فِيهَا عِلْمًا نَبَوِيًّا .وَحَكَى جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ :كَانَ عِلْمُ النُّجُومِ بَاقِيًا إِلَى زَمَنِ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَقَالَتْ لَهُمْ مَرْيَمُ :مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ بِمَوْضِعِهِ؟ قَالُوا: مِنَ النُّجُومِ. فَدَعَا رَبَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُفْهِمْهُمْ فِي عِلْمِهَا، فَلَا يَعْلَمُ عِلْمَ النُّجُومِ أَحَدٌ، فَصَارَ حُكْمُهَا فِي الشَّرْعِ مَحْظُورًا، وَعِلْمُهَا فِي النَّاسِ مَجْهُولًا .قَالَ الْكَلْبِيُّ :وَكَانُوا فِي قَرْيَةٍ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُمْ هُرْمُزْ جِرْدَ، وَكَانُوا يَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ. فَهَذَا قَوْلٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ :الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا كَلَّفُوهُ الْخُرُوجَ مَعَهُمْ تَفَكَّرَ فِيمَا يَعْمَلُ. فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّهُ نَظَرَ فِيمَا نَجَمَ لَهُ مِنَ الرَّأْيِ، أَيْ: فِيمَا طَلَعَ لَهُ مِنْهُ، فَعَلِمَ أَنَّ كُلَّ حَيٍّ يَسْقَمُ فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} قال الْخَلِيلُ وَالْمُبَرِّدُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا فَكَّرَ فِي الشَّيْءِ يُدَبِّرُهُ: نَظَرَ فِي النُّجُومِ. وَقِيلَ: كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي دَعَوْهُ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُمْ فِيهَا سَاعَةً تَغْشَاهُ فِيهَا الْحُمَّى. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَنَظَرَ فِيمَا نَجَمَ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَعَلِمَ أَنَّ لَهَا خَالِقًا. وَمُدَبِّرًا، وَأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ كَتَغَيُّرِهَا.
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} وَقَالَ الضَّحَّاكُ :مَعْنَى {سَقِيمٌ} سَأَسْقَمُ سَقَمَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ يَسْقَمُ فِي الْغَالِبِ ثُمَّ يَمُوتُ، وَهَذَا تَوْرِيَةٌ وَتَعْرِيضٌ".

التورية، والتعريض أمرهما واسع، يعني سقيم فعيل يعني بمعنى مريض، باعتبار ما كان، أو ما سيكون، هذا أمره سهل، وعُدت من كذباته -عليه السلام-، وهي في ذات الله، الإشكال في قوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} النظر في النجوم، وترتيب الحوادث الأرضية على حركات هذه النجوم هذا هو محل الإشكال، فهل قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} مرتب على نظره في النجوم، أو هذه جملة، وتلك جملة؟ نظر في النجوم من باب الإيهام لهم أنهم هم أهل تنجيم، فنظر فيها غير معتقد تأثير لها غير معتقد تأثير لها، ثم قال بعد ذلك: {إِنِّي سَقِيمٌ} يعني لا أستطيع الخروج معكم، والسقيم المريض باعتبار ما كان، أو ما سيكون، مرض في الماضي، وقد يمرض في المستقبل، وهذا مما عد عليه -عليه السلام-، واحتج به لما طلب منه الشفاعة، مع أنها منقبة تُعدّ له، أو تعد عليه؟

يعني لو أن إنسانًا احتال على شيء بمثل هذا، احتال على تحقيق أمر واجب، أو لترك محظور بمثل هذا.

طالب:...........

نعم يمدح بها، لكن باعتبار منزلة إبراهيم -عليه السلام-، يعني على ما قال أهل العلم وتواطئوا عليه إن حسنات الأبرار سيئات المقربين، هذا بالنسبة لو فعلها غيره كن من أعظم الحسنات، لكن بالنسبة لإبراهيم، ومنزلته عند الله -جل وعلا- تعد عليه، ولذا اعتذر بالكذبات الثلاث عن الشفاعة، وكلها في ذات الله قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وقوله: {فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}[الأنبياء:63]، وقوله عن سارة: هذه أختي.

طالب :............

خوفًا من أيش؟

طالب: .............

لا، ليتركوه، لكي لا يذهب معهم ليحطم الأصنام.

" كَمَا قَالَ لِلْمَلِكِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ سَارَةَ :هِيَ أُخْتِي، يَعْنِي أُخُوَّةَ الدِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ أَيْضًا: أَشَارَ لَهُمْ إِلَى مَرَضٍ وَسَقَمٍ يُعْدِي كَالطَّاعُونِ، وَكَانُوا يَهْرُبُونَ مِنَ الطَّاعُونِ".

يعني مثل هذا التفاوت بين المكلفين موجود في المحسوس إلى يومنا هذا، يعني الإمام إذا انصرف من الصلاة وجد طالب علم في طرف الصف أدرك تكبيرة الإحرام قد يلومه لماذا تأخرت إلى الإقامة؟ وفي الصف الثاني شخص فاته نصف الصلاة قد يمدحه، ويثني عليه، وجزاك الله خيرًا، وأثابك الله، وثبَّتك الله، يتفاوتون، ولما أراد أن يخرج من المسجد قابله عند الباب شخص يريد الصلاة، وقد فاتته كلها قال: ما شاء الله، ما شاء الله، يثني عليه بهذا؛ لأنه جاء يصلي فلا شك أن الناس منازل متفاوتة، ومراتب متباينة، يعني قد يُذم شخص بما يمدح به آخر؛ لأنه مثل ما قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين، يعني بالنسبة لهؤلاء تحسب عليهم، وبالنسبة لهؤلاء تحسب لهم.

طالب:...........

أين؟

طالب:..........

يعني يلتمس ظرفًا غير هذا، يعني شيء ما فيه ولا تعريض يلتمس وقتًا وظرفًا ما يحتاج فيه إلي تعريض.

"فَلِذَلِكَ تَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ أَيْ: فَارِّينَ مِنْهُ خَوْفًا مِنَ الْعَدْوَى .وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ  حَمَّادٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَأَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَن سمُرَةَ".

مُرة مُرة ليس سمُرة، ماذا عندكم؟ مُرة مُرة مُرة أنا عندي سمرة، لكن ليس بصحيح، ماذا يقول؟

طالب:..........

مُرة، لا مُرة مُرة معروف سند مطروق هذا، ابن جرير يمكن في كل ورقة يذكر هذا السند، وابن كثير عنده أيضًا عند ابن كثير.

 "وعن مرة عَنِ الْهَمْدَانِيِّ".

هو الهمداني مُرة الهمداني.

"عن الهمداني".

هو الهمداني عن مرة الهمداني عن ابن مسعود.

"وعن مرة الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ :إِنَّ لَنَا عِيدًا لَوْ خَرَجْتَ مَعَنَا لَأَعْجَبَكَ دِينُنَا. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ خَرَجُوا إِلَيْهِ وَخَرَجَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَلْقَى بِنَفْسِهِ، وَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ أَشْتَكِي رِجْلِي ، فَوَطَئُوا رِجْلَهُ وَهُوَ صَرِيعٌ، فَلَمَّا مَضَوْا نَادَى فِي آخِرِهِمْ {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :وَهَذَا لَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اجْتَمَعَ لَهُ أَمْرَانِ .

قُلْتُ: وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ» . . . الْحَدِيثُ ".

وجاء في الحديث الصحيح: "وكلها في ذات الله، كلها في ذات الله" يعني من أجله، من أجل الله، نعم.

 "وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ "الْأَنْبِيَاءِ" وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَقِيمًا، وَإِنَّمَا عَرَّضَ لَهُمْ".

عرّض عرّض.

"وَإِنَّمَا عَرَّضَ لَهُمْ. َقَدْ قَالَ -جَلَّ وَعَزَّ :{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} فَالْمَعْنَى إِنِّي سَقِيمٌ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ، فَتَوَهَّمُوا هُمْ أَنَّهُ سَقِيمٌ السَّاعَةَ. وَهَذَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا".

المعاريض يجوز استعمالها للوصول إلى فعل الواجب، أو ترك المحظور، كالحيل، وأما للفرار من الواجب لا تجوز، ولا تنفع لا تجوز، ولا تنفع، أو لارتكاب المحظور كالحيل سواء بسواء، وهي من حيل الكلام هي من حيل الكلام، والحيل إذا استعملت للوصول إلى فعل ما أوجب الله- جل وعلا- صارت شرعية، وكذلك إذا استعملت للفرار مما حرم الله صارت شرعية، أما إذا استعملت لانتهاك ما حرم الله، أو لترك ما أوجب الله فهي حيل اليهود التي جاء التحذير منها، لا "تفعلوا ما فعلت اليهود فترتكبوا ما حرم الله بأدنى الحيل"، هذا -نسأل الله العافية- مشابهة لليهود، وقد يرتكب بعض المفتين بعض الحيل لتخليص بعض المستفتين مما أوجب الله عليهم وهذه من حيل اليهود، لا تجوز بحال، وألف في الحيل كتب، وضابطها أنها إذا كانت للوصول إلى ما أوجب الله -جل وعلا-، ولفعل ما أوجب الله هذه شرعية، ولم تذكر الحيلة منصوصًا عليها في القرآن إلا في الهجرة يعني للإنسان أن يتحايل يبذل الحيلة، ويفعل الحيلة من أجل أن يهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.

 "وَمِنْهُ الْمَثَلُ السَّائِرُ (كَفَى بِالسَّلَامَةِ دَاءً) وَقَوْلُ لَبِيَدٍ:

فَدَعَوْتُ رَبِّي بِالسَّلَامَةِ جَاهِدًا             لِيُصِحَّنِي فَإِذَا السَّلَامَةُ دَاءُ

 وَقَدْ مَاتَ رَجُلٌ فَجْأَةً فَالْتَفَّ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالُوا: مَاتَ وَهُوَ صَحِيحٌ! فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَصَحِيحٌ مَنِ الْمَوْتُ فِي عُنُقِهِ! فَإِبْرَاهِيمُ صَادِقٌ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ لِقُرْبِ مَحَلِّهِمْ وَاصْطِفَائِهِمْ عُدَّ هَذَا ذَنْبًا، وَلِهَذَا قَالَ: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}، وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلُّهُ مُبَيَّنًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقِيلَ: أَرَادَ سَقِيمَ النَّفْسِ لِكُفْرِهِمْ. وَالنُّجُومُ يَكُونُ جَمْعَ نَجْمٍ، وَيَكُونُ وَاحِدًا مَصْدَرًا .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} قَالَ السُّدِّيُّ :ذَهَبَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ :جَاءَ إِلَيْهِمْ".

يعني مع الخفة والخفاء الروغان الذهاب مع الخفة والخفاء، يعني مثل ما راغ -عليه السلام- لإحضار العجل السمين للملائكة، يعني ذهب، انسل من بينهم في خفية، وفي خفة، وهذه طريقة عند أهل الكرم معروفة؛ لئلا يشعر به الضيف فيمنعه من الذهاب، أو يحلف عليه ألا يتكلف شيء.

طالب:.............

{رَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}[الذاريات:26]، وراغ إلى هؤلاء؛ لئلا يشعر به، ويعرف مقصده، وهدفه ومقصده فيمنع -عليه السلام-.

 "وَقَالَ قَتَادَةُ :مَالَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ :أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: عَدَلَ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. فَرَاغَ يَرُوغُ رَوْغًا وَرَوَغَانًا إِذَا مَالَ. وَطَرِيقٌ رَائِغٌ أَيْ: مَائِلٌ. وَقَالَ الشَّاعِرُ :
             

وَيُرِيكَ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ حَلَاوَةً
 

وَيَرُوغُ عَنْكَ كَمَا يَرُوغُ الثَّعْلَبُ
 

فَقَالَ: {أَلَا تَأْكُلُونَ} فَخَاطَبَهَا كَمَا يُخَاطِبُ مَنْ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُمْ أَنْزَلُوهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ. وَكَذَا {مَالَكُمْ ما تنطقون} قِيلَ: كَانَ بَيْنَ يَدَيِ الْأَصْنَامِ طَعَامٌ تَرَكُوهُ لِيَأْكُلُوهُ إِذَا رَجَعُوا مِنَ الْعِيدِ، وَإِنَّمَا تَرَكُوهُ لِتُصِيبَهُ بَرَكَةُ أَصْنَامِهِمْ بِزَعْمِهِمْ. وَقِيلَ: تَرَكُوهُ لِلسَّدَنَةِ. وَقِيلَ: قَرَّبَ هُوَ إِلَيْهَا طَعَامًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ، فَقَالَ: {أَلَا تَأْكُلُونَ} {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}".

يعني عاملهم معاملة العقلاء على حد زعم أتباعهم، يعني كما يقال عند أهل الحديث شر الحديث الموضوع هو ليس بحديث، لكن على حد زعم صاحبه، أو واضعه يزعم أنه حديث فهو شر الأحاديث.

 "{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} خَصَّ الضَّرْبَ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى، وَالضَّرْبَ بِهَا أَشَدُّ، قَالَه الضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ الْيَمِينُ الَّتِي حَلَفَهَا حِينَ قَالَ :{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَثَعْلَبٌ :ضَرْبًا بِالْقُوَّةِ، وَالْيَمِينُ: الْقُوَّةُ. وَقِيلَ: بِالْعَدْلِ، وَالْيَمِينُ هَاهُنَا الْعَدْلُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أَيْ: بِالْعَدْلِ، فَالْعَدْلُ لِلْيَمِينِ وَالْجَوْرُ لِلشِّمَالِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَدُوَّ عَنِ الشِّمَالِ، وَالْمَعَاصِي عَنِ الشِّمَالِ، وَالطَّاعَةَ عَنِ الْيَمِينِ، وَلِذَلِكَ قَالَ".

نعم الملك الذي يكتب الطاعات يكتب الحسنات عن اليمين، والذي يكتب السيئات عن الشمال نعم.

 "وَلِذَلِكَ {قَالَ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} أَيْ: مِنْ قِبَلِ الطَّاعَةِ. فَالْيَمِينُ هُوَ مَوْضِعُ الْعَدْلِ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَالشِّمَالُ مَوْضِعُ الْجَوْرِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَايَعَ اللَّهَ بِيَمِينِهِ يَوْمَ الْمِيثَاقِ، فَالْبَيْعَةُ بِالْيَمِينِ، فَلِذَلِكَ يُعْطَى كِتَابَهُ غَدًا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالْبَيْعَةِ، وَيُعْطَى النَّاكِثُ لِلْبَيْعَةِ الْهَارِبُ بِرَقَبَتِهِ مِنَ اللَّهِ بِشِمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ هُنَاكَ. فَقَوْلُهُ: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} أَيْ: بِذَلِكَ الْعَدْلِ الَّذِي كَانَ بَايَعَ اللَّهَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْمِيثَاقِ ثُمَّ وَفَّى لَهُ هَاهُنَا. فَجَعَلَ تِلْكَ الْأَوْثَانَ".

ومن نقص أقول بعض الطوائف المبتدعة تجده إذا وضع في قبره كسرت يده الشمال؛ لئلا يستطيع أن يأخذ بها الكتاب فيأخذ على حد زعمهم الكتاب باليمين، وبعضهم يتجاوز ذلك فيقطع اليد اليسرى؛ لأنها لا تكون محلاًّ للأخذ، وما يدرون أن القادر على إحياء من أوصى أهله، وذويه أن يحرقوه، ثم يذروا رماده في يوم شديد الريح، جمع أطرافه، وجمع أجزاءه، وأحياه وسأله عن الذي حمله على ذلك ألا يقدر أن يرد هذه اليد سلوا الله السلامة، هذا من الإيغال في الضلالة، نسأل الله العافية.

"فَجَعَلَ تِلْكَ الْأَوْثَانَ جُذَاذًا، أَيْ: فُتَاتًا كَالْجَذِيذَةِ وَهِيَ السَّوِيقُ، وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْقُوَّةِ، قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ.

 {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} قَرَأَ حَمْزَةُ " يُزِفُّونَ " بِضَمِّ الْيَاءِ. الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا. أَيْ: يُسْرِعُونَ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وقال قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ :يَمْشُونَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَمْشُونَ بِجَمْعِهِمْ عَلَى مَهَلٍ آمَنِينَ أَنْ يُصِيبَ أَحَدٌ آلِهَتَهُمْ بِسُوءٍ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَتَسَلَّلُونَ تَسَلُّلًا بَيْنَ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ، وَمِنْهُ زَفِيفُ النَّعَامَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ :يَسْعَوْنَ. وَحَكَى يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: يُرْعِدُونَ غَضَبًا. وَقِيلَ: يَخْتَالُونَ وَهُوَ مَشْيُ الْخُيَلَاءِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .وَمِنْهُ أُخِذَ زِفَافُ الْعَرُوسِ إِلَى زَوْجِهَا. وَقَال َالْفَرَزْدَقُ:

وَجَاءَ قَرِيعُ الشَّوْلِ قَبْلِ إِفَالِهَا
 

يَزِفُّ وَجَاءَتْ خَلْفَهُ وَهْيَ زُفَّفُ
  

وَمَنْ قَرَأَ: "يُزِفُّونَ" فَمَعْنَاهُ يُزِفُّونَ غَيْرَهُمْ أَيْ: يَحْمِلُونَهُمْ عَلَى التَّزْفِيفِ. وَعَلَى هَذَا فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ :أَزَفَفْتُ الْإِبِلَ أَيْ: حَمَلْتُهَا عَلَى أَنْ تَزِفَّ. وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ. يُقَالُ: زَفَّ الْقَوْمُ وَأَزَفُّوا، وَزَفَفْتُ الْعَرُوسَ وَأَزْفَفْتُهَا وَازْدَفَفْتُهَا بِمَعْنًى، وَالْمُزَفَّةُ: الْمِحَفَّةُ الَّتِي تُزَفُّ فِيهَا الْعَرُوسُ، حَكَى ذَلِكَ عَنِ الْخَلِيلِ النَّحَّاسُ: "يُزِفُّونَ" بِضَمِّ الْيَاءِ. زَعَمَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ هَذِهِ اللُّغَةَ، وَقَدْ عَرَفَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الْفَرَّاءُ وَشَبَّهَهَا بِقَوْلِهِمْ: أَطَرَدْتُ الرَّجُلَ أَيْ: صَيَّرْتُهُ إِلَى ذَلِكَ".

اطردت طردت واطردت.

"وَشَبَّهَهَا بِقَوْلِهِمْ: أَطَرَدْتُ الرَّجُلَ أَيْ: صَيَّرْتُهُ إِلَى ذَلِكَ. وَطَرَدَتْهُ نَحَّيْتُهُ، وَأَنْشَدَ هُوَ وَغَيْرُهُ:

تَمَنَّى حُصَيْنٌ أَنْ يَسُودَ جِذَاعَةً
 

فَأَمْسَى حُصَيْنٌ قَدْ أُذِلَّ وَأُقْهِرَا
  

أَيْ: صُيِّرَ إِلَى ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ "يُزِفُّونَ" يَصِيرُونَ إِلَى الزَّفِيفِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ :الزَّفِيفُ الْإِسْرَاعُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ :الزَّفِيفُ أَوَّلُ عَدْوِ النَّعَامِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ :وَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنَّ قَوْمًا قَرَءُوا {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُونَ} خَفِيفَةٌ، مِنْ وَزَفَ يَزِفُ، مِثْلَ وَزَنَ يَزِنُ. قَالَ النَّحَّاسُ :فَهَذِهِ حِكَايَةُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو حَاتِمٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكِسَائِيِّ شَيْئًا. وَرَوَى الْفَرَّاءُ وَهُوَ صَاحِبُ الْكِسَائِيِّ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ "يَزِفُونَ" مُخَفَّفَةً. قَالَ الْفَرَّاءُ :وَأَنَا لَا أَعْرِفُهَا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ :وَقَدْ عَرَّفَهَا غَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُقَالُ: وَزَفَ يَزِفُّ إِذَا أَسْرَعَ. قَالَ النَّحَّاسُ :وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَرَأَ "يَزِفُونَ".

قُلْتُ: هِيَ قِرَاءَةُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ فِيمَا ذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ، وقال الزَّمَخْشَرِيُّ :وَ"يُزَفُّونَ" عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. "يُزْفُونَ" مِنْ زَفَاهُ إِذَا حَدَاهُ، كَأَنَّ بَعْضَهُمْ يَزِفُّ بَعْضًا؛ لِتَسَارُعِهِمْ إِلَيْهِ. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ السَّمَيْقَعِ. "يَرْفُونَ" بِالرَّاءِ مِنْ رَفِيفِ النَّعَامِ، وَهُوَ رَكْضٌ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالطَّيَرَانِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى :{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} فِيهِ حَذْفٌ، أَيْ: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا}، فَقَالَ مُحْتَجًّا: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} أَيْ: أَتَعْبُدُونَ أَصْنَامًا أَنْتُمْ تَنْحِتُونَهَا بِأَيْدِيكُمْ تَنْجُرُونَهَا. وَالنَّحْتُ النَّجْرُ وَالْبَرْيُ، نَحَتَهُ يَنْحِتُهُ بِالْكَسْرِ نَحْتًا أَيْ: بَرَاهُ. وَالنُّحَاتَةُ الْبُرَايَةُ، وَالْمِنْحَتُ مَا يُنْحَتُ بِهِ. {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} "مَا" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ".

والنحت كما يستعمل في المحسوسات يستعمل أيضًا في المعنويات بعض الكلمات يقول أهل العربية: منحوتة، يعني ليست على الأوزان المعروفة عندهم ليست على أوزانهم فيقولوا: إنها منحوتة.

"{مَا} فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْ: وَخَلَقَ مَا تَعْمَلُونَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ، يَعْنِي الْخَشَبَ وَالْحِجَارَةَ وَغَيْرَهُمَا، كَقَوْلِهِ: {بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنّ} َوَقِيلَ: إِنَّ "مَا" اسْتِفْهَامٌ، وَمَعْنَاهُ التَّحْقِيرُ لِعَمَلِهِمْ. وَقِيلَ: هِيَ نَفْيٌ، وَالْمَعْنَى: وَمَا تَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَكِنَّ اللَّهَ خَالِقُهُ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ "مَا" مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَاللَّهَ خَلَقَكُمْ وَعَمَلَكُمْ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ الْأَفْعَالَ خَلْقُ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَاكْتِسَابٌ لِلْعِبَادِ .

وَفِي هَذَا إِبْطَالُ مَذَاهِبِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ".

القدرية نفاه القدر الذين يثبتون مع الله خالقًا، فيجعلون العبد هو الذي يخلق فعله، والجبرية يقولون: ليس للعبد شيء، لا خلق، ولا اكتساب، إنما أفعاله مثل حركة أوراق الشجر في مهب الريح، وأهل السنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء؛ لأن العبد له حرية، وله اختيار، وله إرادة، وله مشيئة لكنها تابعة لمشيئة الله مقيدة بها.

"وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ .وَخَرَّجَهُ الْبَيْهَقِيّ ُمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- صَنَعَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهَ، فَهُوَ الْخَالِقُ وَهُوَ الصَّانِعُ سُبْحَانَهُ» وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى".

طالب:.....