التعليق على الموافقات (1430) - 17
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة الخامسة: "وأما الثامن، وهو ما يكون أداؤه إلى المفسدة كثيرًا لا غالبًا ولا نادرًا فهو موضع نظر والتباس، والأصل فيه الحمل على الأصل من صحة الإذن، كمذهب الشافعي وغيره، ولأن العلم والظن بوقوع المفسدة منتفيان؛ إذ ليس هنا إلا احتمال مجرد بين الوقوع، وعدمه ولا قرينة ترجح أحد الجانبين على الآخر، واحتمال القصد للمفسدة والإضرار لا يقوم مقام نفس القصد ولا يقتضيه لوجود العوارض من الغفلة، وغيرها عن كونها موجودة، أو غير موجودة".
الوجه الثامن فيما قرره المؤلف -رحمه الله تعالى- وهو ما يكون أداؤه إلى المفسدة كثيرًا، لا غالبًا ولا نادرًا، يعني لا غالبًا بمعنى أنه ستون سبعون في المئة، ولا نادرًا بمعنى أنه واحد اثنان خمسة بالمئة، إنما كثير، يعني عشرين، ثلاثين بالمئة فاحتماله مرجوح لا غالب، احتماله راجح، ولا نادر بحيث لا يُلتفت إليه ألبتة، لكن له وقع، وله أثر، لكنه مغلوب مكسور، ولذلك قال: فهو موضع نظرٍ والتباس، فمن نظر إلى كثرته قال: يؤثِّر، ولا بد من اعتباره، ومن نظر إلى أنه أقل من مقابله قال: لا يلتفت إليه، قال: والأصل فيه الحمل على الأصل من صحة الإذن، يعني اِفعل؛ لأن المصلحة مُحققة، والمفسدة وإن كانت محتملَة وبكثرة، لكنها ليست غالبة، ولا مُحقَّقة. قال: والأصل فيه الحمل على الأصل من صحة الإذن كمذهب الشافعي وغيره، ولأن العلم والظن بوقوع المفسدة منتفيان، العلم الذي هو اليقين المقطوع به، الذي لا يحتمل النقيض، والظن الذي هو الاحتمال الغالب؛ لأن الاحتمال الموجود معنا بالنسبة للمفسدة ليس بيقيني مقطوع به يفيد علمًا، ولا مظنون بمعنى أنه احتمال الراجح، ولذلك قال": كثيرًا لا غالبًا، لو كان غالبًا لقلنا إنه مظنون، وانتفى الظن والعلم، إذًا لا داعي للالتفات إلى مثل هذا إلا على سبيل الورع، ما لم يشق على نفسه أو على غيره.
"وأيضًا فإنه لا يصح أن يعد الجالب، أو الدافعُ هنا مُقصِّرًا ولا قاصدًا كما في العلم والظن؛ لأنه ليس حمله على القصد إليهما أولى من حمله على عدم القصد لواحد منهما، وإذا كان كذلك فالتسبب المأذون فيه قوي جدًّا إلا أن مالكًا اعتبره في سد الذرائع بناءً على كثرة القصد وقوعًا، وذلك أن القصد لا ينضبط أن القصد لا ينضبط في نفسه؛ لأنه من الأمور الباطنة".
لا ينضبط القصد في الأمور الباطنة؛ لأن القصد إلى تحقيق المصلحة ودرء المفسدة في هذا الباب الكثير الغالب الكثير الذي ليس بغالب ولا مجزوم به، لا ينضبط، الآن لو قدرنا أن هناك مسجدًا فيه دروس، مؤكدة مُحققة، ومسجد آخر فيه جنائز كثيرة، لكنها ليست في أكثر الأوقات، فهل نُقدِّم الدروس باعتبار أنها مُحقَّقة، أو نُقدِّم الجنائز باعتبار أنها مصالح تفوت، والدروس يمكن أن تستدرك فيما بعد من تسجيل أو من غيره.
على كل حال إذا قلنا: إن الجنائز في كل وقت وكثيرة كثيرة، يعني في كل وقت عشر جنائز عشرون جنازة كما هو في بعض المساجد وفي الحرمين وغيرهما، هذه لا شك لا بد من ملاحظة هذه المصلحة؛ لأن أجرها عظيم، نعم العلم أجره ونفعه متعدٍّ، وهو مُقدَّم على غيره من نوافل العبادات، لكن يبقى أن له ما يُعوِّض يعني يمكن أن تستمع ما يفوتك من الدرس بتسجيل أو بآلة أخرى ببث ولا ما أشبه ذلك، وهو محفوظ على كذا، المقصود أن الأمور هذه لا بد من مراعاتها. قبل التسجيل وقبل البث وغيره لا يمكن أن يُقدَّم شيئًا على العلم، لكن الآن لأنه عندنا مصلحة تفوت، وهي كثيرة، وليست غالبة، وعندنا مفسدة، يمكن أن ترتكب بحيال هذه المصلحة.
"وذلك أن القصد لا ينضبط في نفسه؛ لأنه من الأمور الباطنة، لكن له مجال هنا، وهو كثرة الوقوع في الوجود، أو هو مظِنَّة ذلك، فكما اعتبرت المظنة، وإن صحّ التخلف، كذلك تعتبر الكثرة؛ لأنها مجال القصد ولهذا أصل، وهو حديث أم ولد زيد بن أرقم. وأيضًا فقد يشرع الحكم".
قصة ولد أم زيد هذه ذكرها المُعلِّق أنها باعت حديث أم يونس قالت ما معناه أنها باعت أم ولد أم ولد زيد جارية له، بثمانمائة درهم إلى العطاء إلى العطاء، العطاء وقته محدد وإلا لو كان وقته غير محدد لما صحّ البيع؛ لأن الأجل مجهول، وشرطت عليه أنها إذا باعها لا يبيعها إلا لها، هذا الشرط صحيح أم باطل؟ باطل؛ لأنه ينافي مقتضى العقد ثم اشترته منه قبل الأجل بستمائة، هي بثمانمائة، لكنها اشترتها قبل الأجل بستمائة، في مقابل المُدَّة، حصل التخفيف من القيمة بربعها في مقابل ربع المُدَّة مثلاً، يعني هل هذا يدخل في باب ضع وتعجل؟ هذه مسألة بيع وشراء، باعتها بثمانمائة إلى العطاء، نفترض أن العطاء بعد سنة، ثم لما تمَّ تسعة أشهر اشترتها منها بستمائة، هي لم تستوف القيمة الأولى، لم تستوف القيمة الأولى، هذه عكس التورُّق؛ لأنه لو جئت إلى صاحب سيارة أو عندك سيارة أنت، بعتها إلى شخص ثم اشتريتها منه، هذه بقيمة أقل أو أكثر هذه مسألة العِينة، لكن إذا اشتريت منه سيارته بقيمتها ثم بعتها عليه بقيمة أكثر يعني كأن السيارة مجرد حيلة، مجرد حيلة، وهي ملحوظة في هذا العقد؛ لأنه يقول: ثم اشترتها منه قبل الأجل بستمائة، فاستفتت عائشة فقالت: بئس ما شريت، أي لوجود الشرط الذي يخالف عقد البيع من أنه لا يبيعها إلا لها، وبئس ما اشتريت.
قال: وبالغت في الزجر عن هذا، فكثيرًا ما يكون القصد من هذا البيع التوصل إلى دفع قليل كالستمائة في كثيرٍ هو الثمانمائة، وتوسط الجارية حيلة، يعني مثل ما قال ابن عباس في مسألة التورُّق، في مسألة التورُّق، يعني المسألة السلعة هذه مجرد حيلة، لكن في مسألة التورُّق جماهير أهل العلم على جوازها، يعني منعها ابن عباس، ومنعها عمر بن عبد العزيز، ومنعها شيخ الإسلام، لكن عامة أهل العلم على جوازها؛ لأنها هي الحل الوحيد حينما يمسك الناس أموالهم عن القروض، ولا يوجد من يبيع السلَّم ما فيه حل الإشكالات إلا التورُّق، وفيها مندوحة عن الربا الصريح، لكن هنا قال: فكثيرًا ما يكون القصد من هذا البيع التوصل إلى دفع قليل كالستمائة في كثيرٍ هو الثمانمائة، وتوسُّط الجارية حيلة، والأجل له فرق المئتين، فهذا كثيرٌ أن يُقصد، ولكنه ليس غالبًا، هذا غرضه، ولكن ذلك بحسب زمانهم، أما اليوم فإنه الغالب في القصد قطعًا، كلام متجه ولا النيات لا يعلم ما فيها إلا الله -جل وعلا- قديمًا وحديثًا؟ ما دام دُيِّنوا في السابق يُديَّنون في اللاحق.
طالب:...
المقصود أن عين السلعة لا تعود إلى صاحبها الأول. ولو لم يحصل، ولو لم يحصل تواطؤ، نعم.
طالب:...
للصورة المجتمعة هو للصورة المجتمعة نعم.
"وأيضًا فقد يشرع الحكم لعلة مع كون فواتها كثيرًا كحد الخمر، فإنه مشروع للزجر، والازدجار به كثير لا غالب".
بدليل أن أكثر الشُرَّاب لا يزجرهم الحد أو كثيرٌ من الشُرَّاب لا يزجرهم الحد، تجد أن الخمرة بكثرة مع إقامة الحد.
"فاعتبرنا الكثرة في الحكم بما هو على خلاف الأصل، فالأصل عصمة الإنسان عن الإضرار به، وإيلامه، كما أن الأصل في مسألتنا الإذن، فخرج عن الأصل هنالك لحكمة الزجر، وخرج عن الأصل هنا من الإباحة لحكمة سد الذريعة إلى الممنوع. وأيضًا فإن هذا القسم مشاركٌ لما قبله في وقوع المفسدة بكثرة، فكما اعتُبِرَت في المنع هناك فلتُعتَبَر هنا كذلك".
يعني بعض الناس في مسألة التورُّق وأيضًا نظيرتها الزواج بنية الطلاق، بعض الناس يقول: ما دام عامة أهل العلم على الجواز في المسألتين، وفيها مندوحة عن ارتكاب المُحرم الصريح المجمع عليه، فيها مندوحة عن ارتكاب المحرم المجمع عليه الربا دراهم بدراهم، ما وجد من يقرضه، وقلنا له: التورُّق ممنوع؛ لأنه ربا وحيلة كما يقول بعضهم، فهو أشدّ من الربا الصريح، لكن ماذا عن عامة أهل العلم؟ الأئمة الأربعة وأتباعهم؟ وقل مثل هذا في مسألة الزواج بنية الطلاق.
لأنه يقول: هذا متعة وحيلة، يعني تحايل على المتعة، تحايل على شرع الله، فالزنا الصريح كما يقول بعضهم أسهل؛ لأنه ليس فيه حيلة كما أن الربا... نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، هذا الكلام ليس بصحيح، ما دام المسألة لها وجه شرعي، وعامة أهل العلم بما فيهم سلف هذه الأمة وأئمتها يعني ما عُرف من الصحابة إلا ابن عباس، ولا خالف من الأئمة من يُعتد بقوله إلا شيخ الإسلام، ومن الخلفاء عمر بن عبد العزيز، وأما غيرهم فكلهم على الجواز.
بالنسبة للتورُّق، هذا يقول: كأنه يُفهم من كلامك جواز التورُّق مطلقًا بلا شروط، ما معنى شروط؟ ما الشروط؟
طالب:...
ما التورُّق المُنظم؟ ما نعرف إلا التورُّق المعروف عند أهل العلم الذي أباحه أهل العلم.
طالب:...
ما علينا منهم، هؤلاء يتلاعبون بكيفهم، نحن نتكلم على لسانهم أم على لسان أهل العلم؟ هذه الممارسات الخاطئة ليس لها أثر في الحكم الشرعي، ولا يُمنع الشيء من أجلها، لا يُمنع المباح من أجل بعض الممارسات الخاطئة من بعض الناس، هذا لا قيمة له، هذا لا قيمة له، كونه يرتكب محرمًا، يرتكب محرم، لكن أمور منظمة معروفة، وحدّها معروف عند أهل العلم، يعني لازم أن تفصل في كل مسألة؟ ليس لازمًا أن تفصل في كل مسألة، يعني هل أنا إذا قلت بالتورُّق معناه التورُّق الموجود في الأسواق اليوم؟ التورُّق الذي أتكلم عنه، وهو الذي أقرره، وما يقرره أهل العلم قاطبة، أنا يقول: يبيحه الأئمة الأربعة وأتباعهم، يعني الذي في الأسواق؟
طالب:...
هذا الكلام على التورُّق الذي يجيزه أهل العلم، وكذلك النكاح بنية الطلاق الذي يجيزه أهل العلم، أما والله كون إنسان راح ولعب وضحك على الناس وتحايل وفعل وترك فهذا شيء آخر، هذا ما يبسط في مسائل العلم، هذه مخالفات فردية لا قيمة لها.
"وأيضًا فقد جاء في هذا القسم من النصوص كثير، فقد نهى -عليه الصلاة والسلام- عن الخليطين، وعن شرب النبيذ بعد ثلاث".
التمر والبُسر والزبيب والعنب أو العنب والتمر إذا خُلطا ما يُسكِر فرعه بغيره وأسرع إليه الإسكار هذا ينهى عنه وهما خليطان، تمر وبسر، ولا زبيب وعنب، بحيث يساهم في الإسراع بالإسكار، ولذا جاء النهي عنه.
"وعن الانتباذ في الأوعية التي لا يعلم بتخمير النبيذ فيها".
الانتباذ بالأوعية الصُلبة، التي يتغير ما فيها من غير أن يُشعَر به، الأسقية والأوعية من الأدم من الجلد إذا تغير ما فيها انتفخت، عرفنا أن الذي فيها تغيَّر، لكن من من الحنتم والنقير والمقيَّر والمُزفَّت هذه أمور صلبة يتغير ما فيها ولا يُحَس به، مثل هذه ينهى عن الانتباذ بها في أول الأمر، ثمّ أبيح الانتباذ في جميع الأوعية والأسقية وإن كانت صلبة لا يعلم ما فيها إلا أن النهي عن المسكر «ولا تشربوا مسكرًا».
"وبين -عليه الصلاة والسلام- أنه إنما نهى عن بعض ذلك؛ لئلا يتخذ ذريعة، فقال: «لو رخصت في هذه لأوشك أن تجعلوها مثل هذه»".
نعم بعض الناس يريد مدخلًا إلى شيء ولو يسير، يعني لو رخصت في هذه الشيء اليسير لأوشك أن تجعلوها مثل هذه الشيء الكثير جدًّا؛ لأن الناس لا يُفتَح لهم مجال، ولذلك نجد بعض الناس يتحدث ويتكلم في مسائل العلم، ويفتي في مسائل العلم، ولا يحسب لها حسابًا، ما يحسب لها حسابًا ولا يحسب لآثارها المترتبة عليها حساب، تجده يفتي على نطاق ضيق، لكن ما يُنبِّه على المحترزات، فالناس يلجون من خلال هذه الفتوى، ويحققون مآربهم على أوسع نطاق، الآن الذي يفتون البنوك يفتونهم في صور معينة، لكن هذه الصور فيها شيء من الإجمال، فتجد البنك يدخل في هذه الصورة عشرات الصور التي ليست على خاطر ولا على بال المفتي، ويلبسون على الناس بهذه الفتوى، هذا حاصل.
فلا بد أن يكون المفتي على دراية وحذر شديد مما يمكن أن يُحمل عليه كلامه، مما لا يريده، نعم.
"يعني أن النفوس لا تقف عند الحد المباح في مثل هذا، ووقوع المفسدة في هذه الأمور ليست بغالبةٍ في العادة، وإن كثر وقوعها. وحرم -عليه الصلاة والسلام- الخلوة بالمرأة الأجنبية، وأن تسافر مع غير ذي محرم، ونهى عن بناء المساجد على القبور، وعن الصلاة إليها".
نعم نهى عن الخلوة؛ لأنها ذريعة إلى الفاحشة، والسفر كذلك يُجرئ عليها الأشرار، إذا سافرت من غير محرم، وكذلك اختلاطها بالرجال الأجانب يجرئهم عليها، ولذا جاء في حق أزواج النبي- عليه الصلاة والسلام- ألا يُسألن شيئًا إلا من وراء حجاب، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}[سورة الأحزاب: 53]، هذا في أزواجه وفي عصره في عصر التنزيل، والله -جل وعلا- قد حمى عرضه، فكيف بغيره؟ -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن نساء المؤمنات عليهن يجب عليهن من الاحتياط أكثر مما يجب على أمهات المؤمنين؛ لأن الناس يهابون عرضه -عليه الصلاة والسلام- بخلاف غيره.
"ونهى عن بناء المساجد على القبور، وعن الصلاة إليها".
لأنها ذريعة إلى الشرك ذريعة إلى الشرك، جاء في حديث أبي مرثد: «لا تجلسوا على القبور» «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» كل هذا لأنه ذريعة إلى الشرك، وأما من قال بأنها مظنة للنجاسة فليس الأمر كذلك؛ لأنها لو غُطيت، لو فُرشت تصحّ الصلاة فيها؟ لا تصحّ الصلاة فيها.
"وعن الجمع بين المرأة، وعمتها، أو خالتها، وقال: «إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم».
وعلى هذا كل ما يؤدي إلى قطيعة رحم وكل ما يؤدي إلى شرك وكل ما يؤدي إلى فاحشة من الوسائل والذرائع المفضية إلى المحرمات كلها محرمات.
"وحرم نكاح ما فوق الأربع لقوله تعالى: {ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا} [ النساء: 3 ]، وحرمت خطبة المعتدة تصريحًا ونكاحها".
خشية أن تُنكَح في عدتها، خشية أن تُنكَح في عدتها بأن تستعجل وتزعم أنها خرجت من العدة فلا يصرّح لها في ذلك.
"وحُرِّم على المرأة في عدة الوفاة الطيب والزينة، وسائر دواعي النكاح، وكذلك الطيب، وعقد النكاح للمحرم، ونهى عن البيع والسلف".
حُرِّم الطيب وحُرِّم عقد النكاح؛ لئلا يفضي إلى الجماع والنكاح المحرم بالإحرام.
"ونهى عن البيع والسلف، وعن هدية المديان".
هدية المديان المدين المدين لا يهدي لدائنه، لماذا؟
طالب:...
إذا أدى المدين الأكثر من دينه من غير شرط، قلنا: هذا من حُسن القضاء، لكن المدين ما زال مدينًا، وفي ذمته الديّن، يُهدي لدائنه، على كل حال الحديث الوارد فيه ضعيف، الحديث الوارد فيه ضعيف، فهل يفضي إلى أمر محظور؟ ما المحظور في كون المدين يهدي إلى دائنه؟ يعني احتمال أن ينظره أو يخفف عنه من دينه، هل في هذا من بأس؟ يعني يمكن أن يُلحَظ أن المدين ليس له أن يهدي، وليس له أن يتصدق؛ لأنه مطالب بسداد الواجب قبل المندوب، يعني لو أن شخصًا مدينًا ويتصدق الآن المدين يحجّ؟ ما يحجّ، إلا بإذن دائنه، هل له أن يتصدق وهو مدين؟ الجمهور: لا، ليس له أن يتصدق، وليس له أن يأخذ زكاة ثم يتصدق منها، كأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إلى أن الشيء اليسير الذي لا يؤثر في الدين لا يضر، يعني شخص مدين بمليون ريال، ورأى سائلًا، وأعطاه عشرة مثلاً، عشرة ريال هل نقول: إن هذا له أثر، له وقع في الدين؟ لو ذهبه بهذه العشرة إلى الدائن يقبلها أم ما يقبلها؟ لو ذهب بعشرة آلاف ما قبلها، فمثل هذه الأمور التي لا تؤثر، وقل مثل هذا في مدين بملايين، والحجة تكلف ألفًا، هل يقال له: لا تحج؟ لو رحت بها الألف لصاحب الدين يقبل؟ ما يقبله، فمثل هذا على قاعدة شيخ الإسلام ما يضر.
طالب:...
الزيادة، هداه لينظره؟
طالب:...
لا هذه من غير مشارطة هذه، هذه من غير مشارطة مثل الحُسن في القضاء، نعم؟ وعن ميراث القاتل؛ لئلا يكون ذريعة إلى قتله.
"وعن تقدم شهر رمضان بصوم يوم، أو يومين، وحرُم صوم يوم عيد الفطر، وندب إلى تعجيل الفطر، وتأخير السحور إلى غير ذلك مما هو ذريعة، وفي القصد إلى الإضرار والمفسدة فيه كثرة".
وسد الذرائع أمر مقرر في الشرع، وله شأن كبير وكثير من الممنوعات، إنما منع من هذا الباب؛ لأنها هي بذاتها لا تترتب عليها المفسدة المرتبة على الغاية، لكنها تسهل الغاية، تسهل الغاية، إذا كان منع الزنا من أجل اختلاط الأنساب، فهل في القُبلة اختلاط أنساب؟ وهل يجوز وهل يقول عاقل بجواز القُبلة؟ ما يمكن.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
نعم، المقصود الذي لا تتحقق به العلة يعني ما دونه مباح؟ هذه هي الذرائع، هذه هي الذرائع، وهي محرمة بالإجماع ما فيه أحد يقول: إن الخلوة أو القُبلة أو ما دون أو ما دون الجماع حلال، لكن ليس حكمه حكم الجماع.
"إلى غير ذلك مما هو ذريعة، وفي القصد إلى الإضرار والمفسدة فيه كثرة وليس بغالب ولا أكثري والشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم".
خلاف ما يُنادى به الآن، وأن الناس ضيقوا على أنفسهم، وتوسعوا في سد الذرائع، وحرموا كثيرًا من المباحات، والأصل أن الله أباح لنا ما في الأرض جميعًا، فنحن الذين، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا يؤدي في يوم من الأيام ولا محالة أن كثيرًا من المسلمين يباشر المحرمات المجمع عليها وهو لا يشعر، كالراعي يرعى حول الحمى، كالراعي يرعى حول الحمى، أنت لو عندك ظالم وقد حمى أرضًا، هل تستطيع أن تقترب من هذه الأرض؟ ولك عبرة بمن تقدمك، ضرب فلانًا حتى شُل، وضرب فلانًا حتى مات، وضرب، تستطيع أن تقترب من هذه الأرض؟ لماذا؟ يوجد سد للذريعة حتى ما تدخل، فأين أنت من شديد العقاب! إن الله إذا أخذ الظالم أخذه ولم يفلته، يأخذه أخذ عزيز مقتدر، يعني سبحان الله! نغفل عن هذه الأمور، وننظر إلى ما يفعله المخلوق على ضعفه وعلى غفلته يمكن أن يغفل عنك ولا يدري بك، ونحن نقترب من المحرمات بذريعة فتح الذرائع، وقد كُتب بهذه الوقاحة، كُتب مقالات بفتح الذرائع، والله المستعان.
"والشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم والتحرز مما عسى أن يكون طريقًا إلى مفسدة، فإذا كان هذا معلومًا على الجملة والتفصيل، فليس العمل عليه بِبِدع في الشريعة، بل هو أصل من أصولها راجع إلى ما هو مكمل إما لضروري، أو حاجي، أو تحسيني ولعله يقرر في كتاب الاجتهاد إن شاء الله".
طالب:...
نعم.
طالب:...
نعم، مبنية على الاحتياط، مبنية على الاحتياط فيما جاء فيه الدليل وما يقاس عليه، لكن الشريعة جاءت بتحقيق المصالح، هنا مفسدة، مفسدة كثيرة، لكنها ليست غالبة، يعني كون إنسان شفع لآخر، ليعالج في المستشفى الفلاني والأسرة محدودة، معالجة هذا الشخص ألا يحتمل وهذا كثير، لكن هو ليس هو الغالب، ألا يحتمل أن يوجد مريض أولى بهذا الكرسي بهذا السرير منه؟ يعني نترك الشفاعة لهذا نقول: لأن فيه احتمال، أو شفعت لطالب يدرس في كلية شرعية أو غيرها من الكليات لاحتمال أن يوجد من هو أولى منه بهذا الكرسي؟
طالب:...
نفس الشيء لكن أمور تؤدي إلى محرمات محققة، ذرائع إلى محرمات منصوص عليها، هذا ليس من هذا الباب.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، أهل العلم عندما يقررون بأن ما مُنع سدًا للذريعة يباح عند تحقق المصلحة الراجحة.
نعم، يعني ما منعه من باب سد الذرائع؛ لأنه مُنع لمفسدة مظنونة، منع لمفسدة مظنونة، فهل يباح عند تحقق المصلحة الراجحة؟ مثلاً التصوير قالوا: التصوير مُنع؛ لأنه ذريعة إلى أن تُعبد هذه الصور كما حصل لقوم نوح، وفيه المضاهاة، وفيه كذا، المقصود أنه من باب سد الذريعة هكذا قالوا، هكذا قالوا، فيباح للمصلحة الراجحة، قعّدوا وفرّعوا، لكن من قال: إنه مُنع سدًّا للذريعة؟
يعني تأتي فيه النصوص الشديدة، يعني هناك ذرائع تقرب جدًّا من الغايات حتى تكون في حكم الغايات، هناك وسائل تقرب من الغايات، الآن الوضوء هل هو غاية أم وسيلة إلى الصلاة؟ وسيلة إلى الصلاة، هل يقول قائل: إذا وجدنا مصلحة راجحة نترك؟ لأنه قريب جدًّا من الغاية حتى جاء فيه نصوص تحثُّ عليه بمفرده لذاته فصار قريبًا من الغاية فصار له حكم الغاية، فليست الوسائل ليست على درجة واحدة، الوسائل منها القريب جدًّا من الغاية ومنها البعيد، ومنها البعيد من الغاية.
"المسألة السادسة: كل من كُلف بمصالح نفسه فليس على غيره القيام بمصالحه مع الاختيار، والدليل على ذلك أوجه: أحدها: أن المصالح إما دينية أخروية".
كل من كُلف بمصالح نفسه، كل من بلغ حد التكليف وقدر عليه هو المُكلَّف وهو المخاطب بالشرع، ولد عند أبيه عند أبويه، عائش عند أبويه وعنده ما يحج به وعنده ما يتزوج به وعنده ما يؤدي الفطر عن نفسه، هل يلزم الأب أن يفعل شيئًا من ذلك؟ كل من كُلف بمصالح نفسه فليس على غيره القيام بمصالحه مع الاختيار، لكن إذا اضطر إلى ذلك ما وجد ما يحج به، ما وجد ما يتزوج به، ما وجد ما يدفع به عن الفطر يقوم أبوه بذل.
طالب:...
كذلك نعم.
طالب: أنها ضرورة؟
لا، إذا كان الأب قادر على النفقة لا يلزم الابن، والعكس.
"أحدها: أن المصالح إما دينية أخروية، وإما دنيوية، أما الدينية، فلا سبيل إلى قيام الغير مقامه فيها حسبما تقدم وليس الكلام هنا فيها؛ إذ لا ينوب فيها أحد عن أحد، وإنما النظر في الدنيوية التي تصح النيابة فيها، فإذا فرضنا أنه مكلف بها، فقد تعينت عليه، وإذا تعينت عليه سقطت عن الغير بحكم التعيين فلم يكن غيره مكلفا بها أصلاً. والثاني: أنه لو كان الغير مكلفًا بها أيضًا لما كانت متعينة على هذا المكلف".
لأن الشيء الواحد لا يُكلف به أكثر من واحد، يعني تعيّن على شخص عمل من الأعمال لا يمكن أن يتعين على غيره، ولذلك الذين يناقشون في زكاة المدين شخص عنده أموال وعليه ديون، وهذه الديون لأشخاص، هذا الدين الذي بذمة فلان لفلان الزكاة على من؟ هذا مليّ، وهو مدين لفلان، وصاحب الدين دينه في ذمة ملي تلزمه الزكاة، لكن المدين له أموال في مقابل هذا الدين، يعني اقترض مئة ألف، فاشترى بها فيها بضائع، هذه المئة ألف، فنقول: الأول يلزمه الزكاة، الدائن يلزمه الزكاة؛ لأن دينه في ذمة مليء، المدين هذه الأموال التي اقترضها واشترى بها عروض تجارة تجب فيها زكاة، وعليه دين بهذا يناقش من يقول إن المدين، لا زكاة في مال من عليه دينٌ ينقص النصاب، هذا نصّ الحنابلة، ولا زكاة في مال من عليه نصاب؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون الفرض مطالبًا به اثنين في آنٍ واحد، يعني على كلام المؤلف كلام الحنابلة مُتجه، لكن الذين يقولون إنه يجب عليه الزكاة نظروا إلى أصل الدليل، قالوا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يبعث العمال يجبون الزكاة ولا سألوا ولا أمرهم أن يسألوا هل أنت مدين أو غير مدين؟ نعم.
طالب:...
نعم، لكن على كلامه الآن أنه مطالب، فرض واحد مطالب به أكثر من واحد، هذه المئة ألف تزكى من المدين والدائن.
طالب:...
أين؟
طالب:...
والله على كلام أهل العلم أن الرسول لا يقول للسعاة: اسألوا هل هو مدين أو لا، بعضهم يفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة، بين الأموال الظاهرة والباطنة، الأموال الظاهرة كالماشية وبهيمة الأنعام يقولون: إن الفقراء تتعلق أنظارهم بها، ولا يدرون عن الأمر الخفي الدين وغيره، ولذلك ما سئل أصحاب الأموال الظاهرة هل عليه دين أم لا، بخلاف الباطنة.
"والثاني: أنه لو كان الغير مكلفًا بها أيضًا لما كانت متعينة على هذا المكلف، ولا كان مطلوبًا بها ألبتة؛ لأن المقصود حصول المصلحة، أو درء المفسدة، وقد قام بها الغير بحكم التكليف فلزم أن لا يكون هو مكلفًا بها وقد فرضناه مكلفًا بها على التعيين، هذا خُلفٌ لا يصح".
للزم أن لا يكون مكلفًا، وقد فرضناه مكلفًا، يعني نجمع بين التكليف وعدم التكليف في آن واحد نعم.
"والثالث: أنه لو كان الغير مكلفًا بها فإما على التعيين، وإما على الكفاية، وعلى كل تقدير فغير صحيح، أما كونه على التعيين فكما تقدم، وأما على الكفاية فالفرض أنه على المكلف عينًا لا كفاية، فيلزم أن يكون واجبًا عليه عينًا، غير واجب عليه عينًا في حالة واحدة، وهو محال اللهم إلا أن تلحقه ضرورة، فإنه عند ذلك ساقط عنه التكليف بتلك المصالح، أو ببعضها مع اضطراره إليها فيجب على الغير القيام بها، ولذلك شرعت الزكاة والصدقة والإقراض والتعاون، وغسل الموتى، ودفنهم والقيام على الأطفال والمجانين والنظر في مصالحهم، وما أشبه ذلك من المصالح التي لا يقدر المحتاج إليها على استجلابها والمفاسد التي لا يقدر على استدفاعها.
فعلى هذا يقال: كل من لم يُكلَّف بمصالح نفسه فعلى غيره القيام بمصالحه بحيث لا يلحق ذلك الغير ضرر.
فالعبد لما استغرقت منافعه مصالح سيده كان سيده مطلوبًا بالقيام بمصالحه، والزوجة كذلك صيرها الشارع للزوج كالأسير تحت يده فهو قد ملك منافعها الباطنة من جهة الاستمتاع والظاهرة من جهة القيام على ولده وبيته، فكان مكلفًا بالقيام عليها فقال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء : 34] الآية .
يعني ليس من العقل ولا من النقل أن يستوفي المنافع كاملة من العبد أو من الزوجة، ثم في النهاية يقول: ابحثي لك عمن يقوم بمصالحك، كيف يتم الجمع بين الأمرين؟ عبد مستغرَق، عمله في مصالح سيده، فإذا جاء أكله وشربه ونومه وملبسه قال له سيده: ابحث عن سبب، اترك لي فرصة، دعني أتسبب، يقول: لا منافعك لي، لا يمكن أن يقبل هذا عاقل.
يكفي.
اللهم صل على محمد.
أستغفر الله أستغفر الله.