شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (179)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلًا بكم إلى حلقةٍ جديدةٍ ضمن برنامجكم (شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)، وهو المشهور بمختصر صحيح البخاري للإمام زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي، المتوفى سنة (893هـ) ثلاثة وتسعين وثمانمائة للهجرة - رحمه الله-.

 يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، والذي نسعد بالترحاب به في أول هذه الحلقة، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حيَّاكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: في حديث أبي هريرة لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ توقفنا عند الحديث حول الشفاعة، أحسن الله إليك، نستكمل ما تبقى يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم على نبينا..

في الحديث يقول أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ يقول الحافظ ابن حجر: لعل أبا هريرة سأل عن ذلك عند تحديثه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة»، «وأريد أن أختبئ شفاعتي  دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة».

المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.

 وهذا الحديث مخرج في البخاري في أول كتاب الدعوات، باب لكل نبي دعوة مستجابة، وهذا على سبيل الترجي، قاله الحافظ ابن حجر، لكن هل مثل هذا الكلام «أريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة».

المقدم: على سبيل..

يبعث على مثل هذا السؤال.

المقدم: عفوًا، على سبيل الترجي تقصد.

لعل.

المقدم: هذا الكلام كلام ابن حجر.

نعم كلام ابن حجر لعل.

المقدم: نعم.

أبو هريرة سأل عن ذلك، يُسمى ترجّيًّا.

المقدم: نعم.

نعم، بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «أريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة».

المقدم: يعني مراد ابن حجر أن أبا هريرة -رضي الله عنه-.

لما سمع هذا الكلام سأل.

المقدم: نعم ما يمكن أن يسأل عن الشفاعة إلا، وقد سمعها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن هناك شفاعة..

نعم، سمع أبو هريرة هذه الشفاعة لعموم الأمة «أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي».

المقدم: نعم.

فهل يتصور أن الأمة على...

المقدم: درجة واحدة.

درجة واحدة في..

المقدم: الشفاعة.

حظّها من هذه الشفاعة، أبو هريرة سأل عن (أسعد الناس بهذه الشفاعة)، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إثر ذلك: «لقد ظننت» اللام فيه جواب قسم محذوف، قاله الكرماني، وقال العيني: الأولى أن يقال: لام التأكيد، لام التأكيد، «يا أبا هريرة» في الكرماني، والعيني: «يا با هريرة»، يا با هريرة، وقال: أصله يا أبا هريرة، فحذفت الهمزة تخفيفًا، هل الحذف هنا في النطق أو في...

المقدم: الكتابة.

في الكتابة؟ نعم.

المقدم: يا أبا هريرة.

 يا أبا هريرة، قالوا: إن حذف الهمزة تخفيفًا.

المقدم: نعم.

يعني هل هذا مثل: (يا أيها الناس) تحذف في الخط، ولا تحذف في النطق، أو أنها هكذا تنطق (يا با هريرة)، علمًا بأن الحذف لم يشر إليه القسطلاني، ولا اليونيني، فما أدري من أين جاء به؟ المتون كلها (يا أبا هريرة)، وقوله: يا أبا هريرة معترضٌ بين ظننت، ومفعوله «لقد ظننت يا أبا هريرة»، «لقد ظننت ألا يسألني» المفعول الثاني، يقول: معترضٌ بين ظننت، ومفعوله، وهو قوله: «ألا يسألني» يسألني بفتح اللام وضمها يسألني (ألا يسألَني، وألا يسألُني)، بضم اللام، وفتحها على حد قراءتي (وحسبوا ألا تكونُ)، (وألا تكونَ) بالرفع، والنصب.

المقدم: نعم، كلاهما.

لماذا؟ لأن (أن) هذه وقعت بعد الظن «ظننت ألا يسألُني» (حَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ) هذا ظن.

المقدم: نعم.

نعم، وإذا وقعت (أن) بعد الظن جاز الرفع والنصب؛ لأن (أن) إذا وقعت بعد الظن يجوز في مدخولها الوجهان؛ الرفع والنصب، يقول ابن مالك -رحمه الله تعالى- في ألفيته:

لا بعد علٍم والتي من بعد ظن

 

وبلن انصبه وكي كذا بأن

تخفيفها من أنّ، فهو مطرد

 

فانصبه بها والرفع صحح واعتقد

{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} منصوبة أم مرفوعة؟ (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ)؛ لأنها وقعت بعد العلم فيتعين رفعها، وحينئٍذ تكون أن هذه مخففة من الثقيلة.

المقدم: نعم.

التقدير: علم أنه سيكون، ولذلك قال: والتي لا بعد علم، يعني فيرفع فيضم العلم.

المقدم: نعم.

                                                      والتي من بعد ظن


 تخفيفها من أنّ فهو مطرد

فانصبه بها والرفع صحح واعتقد

 

 فينصب الفعل المضارع بأن إلا إذا وقعت بعد علم، ونحوه مما يدل على اليقين فيجب رفع الفعل بعدها، وتكون حينئذٍ مخففة من الثقيلة نحو: علمت أن يقوم، يعني علمت أنه يقوم، التقدير أنه يقوم فخففت، وحذف اسمها، وبقي خبرها، وهذه غير الناصبة للمضارع، وإن وقعت بعد ظن، هذه إذا وقعت بعد علم، تعين الظن، يعني تعين الرفع، وإن وقعت بعد ظن، ونحوه مما يدل على الرجحان جاز في الفعل بعدها وجهان: أحدهما النصب على جعل أن من النواصب، والثاني الرفع على جعل أن مخففة من الثقيلة، وهنا يقول: لقد ظننت يا أبا هريرة..

المقدم: ألا يسأل.

أنه لا يسألني، أو ألا يسألني، يجوز الوجهان، أحد بالرفع فاعل يسألني أوَّلَ منك، أو أوَّلُ، أحدٌ أولُ.

المقدم: أولَ منك.

أولَ، أو أولُ؟

المقدم: أولَ منك.

طيب، برفع أول صفة لأحد.

المقدم: نعم.

أحد أولُ.

المقدم: وبالنصب.

أو بدل منه، وبالنصب على الظرفية.

المقدم: نعم.

بالنصب على الظرفية، وقال عياض: على المفعول الثاني لظننت، على المفعول الثاني لظننت، وقال أبو البقاء: أبو البقاء من؟ أبو البقاء العكبري له إعراب القرآن، وله إعراب الحديث، وقال أبو البقاء: على الحال، أي لا يسألني أحد سابقًا لك، ولا يضر كونه نكرة؛ لأنها في سياق نفي كقولهم: ما كان أحدٌ مثلك، قال أبو البقاء: على الحال، أي لا، يعني أول على الحال، أي لا يسألني أحدٌ سابقًا لك، يعني أول مؤول سابقًا.

المقدم: نعم.

نعم، ولا يضر كونه نكرة، الأصل في الحال أن تكون نكرة أم معرفة؟

المقدم: الحال.

نعم.

المقدم: نكرة.

لازم تكون نكرة، والحال إن عُرِّف لفظًا، فاعتقد تنكيره معنًى كوحدك اجتهد، هنا يقول: ولا يضر كونه نكرة.

المقدم: نعم.

هو يقصد صاحب الحال، لا يقصد الحال.

المقدم: نعم.

لأنها في سياق النفي، كقولهم: ما كان أحدٌ مثلك، طيب النكرة في سياق النفي، هل تتعين، أو يزيدها استغراقًا وعمومًا؟ النكرة في سياق النفي تفيد العموم.

المقدم: تفيد العموم.

تفيد العموم، لكن هل ينحل إشكال كون صاحب الحال نكرة أنها وقعت في سياق النفي.

المقدم: ما ينحل.

نعم، ولذا المتجه أن نصبها؛ إما على الظرفية، أو على المفعول الثاني لظننت، قال الكرماني: اختلف في (أول) هل هي أفعل، أو فوعل؟ والصحيح الأول، واستعماله بمن من جملة أدلة صحته، وقال سيبويه: هو بمنزلة أقدم منك، وقال سيبويه: هو بمنزلة أقدم منك.

«لما رأيت»: ما موصولة والعائد محذوف أي الذي رأيته، أو تكون ما مصدرية أي لرؤيتي حرصك، أو موصولة مصدرية فيكون التقدير لرؤيتي حرصك.

«من حرصك»: من بيانية أو تبعيضية، والحرص مصدر حَرِصَ، أو حَرَصَ، وهو فرط الشره وفرط الإرادة، قال تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} [النحل:37] أي إن تفرض إرادتك في هدايتهم، وقال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96]، وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وأصل ذلك من (حَرَصَ القَصّارُ الثوبَ) أي قشره بدقه -قاله الراغب-، وهذا الحديث فيه فضل أبي هريرة.

المقدم: رضي الله عنه.

وفيه فضل الحرص على تحصيل العلم، ثم جاء الجواب، نعم، (أسعد الناس) يعني من المسلمين.

المقدم: لكن نحن أشرنا في حلقة ماضية إلى التطابق باب الحرص على الحديث، ومن حرصك على الحديث، وهذا يا شيخ في حلقات ماضية، الحديث هنا هل مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الإشارة إلى أن قوله يُسمى حديثًا، أم ما يفهم هذا؟

فيه إشارة.

المقدم: نعم.

يعني من حرصك على حفظ ما أنطق به، وتعلمه، أسعد الناس من المسلمين؛ الطائع والعاصي، من قال: لا إله إلا الله احترازًا من المشرك الذي لا يقول لا إله إلا الله خالصًا من قلبه، واحترازًا من المنافق الذي وإن قالها بلسانه.

المقدم: فهو لا يقولها مخلصًا.

فهو لا يقولها مخلصًا،

المقدم: نعم.

 وخالصًا حالٌ من الضمير، وفي بعض النسخ مخلصًا من الإخلاص، قالوا: والإخلاص في الإيمان ترك الشرك، وفي الطاعة ترك الرياء، يقول الكرماني: فإن قلت المشرك والمنافق لا سعادة لهما، وأفعل التفضيل يدل على الشركة، هناك من أسعد الناس، وهنا أسعد الناس.

المقدم: نعم.

نعم، كلام قريب مما تقدم هناك، فإن قلت: المشرك، والمنافق لا سعادة لهما، وأفعل التفضيل يدل على الشركة.

المقدم: ليس على بابها.

نعم، مثل ما ذكرنا سابقًا.

المقدم: نعم.

إما أن يقال: الأفعل هنا بمعنى الفعيل يعني سعيد الناس كقولهم: (الناقص والأشج) ( أعدل بني مروان) يعني عادل بني مروان، أو بمعناه الحقيقي المشهور، والتفضيل بحسب المراتب أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه المرتبة من الإخلاص المؤكد البالغ غايته، والدليل على إرادة تأكيده ذكر قلب، إذ الإخلاص معدنه القلب، إذ الإخلاص معدنه القلب، ففائدته التأكيد كما في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283].

المقدم: قلبه.

 يقول صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا اقتصر على قوله: فإنه آثم، يعني هل الإثم للقلب فقط، أو للشخص؟

المقدم: هو للشخص، لكن إطلاق الجزء يُراد به الكل يمكن.

يقول: فإن قلت: هلا اقتصر على قوله: فإنه آثم، وما فائدة ذكر القلب، والجملة هي الآثمة، يعني الشخص بمجموعه بجملته هو الآثم، والجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟ قلت: صاحب الكشاف من؟

المقدم: الزمخشري.

الزمخشري نعم.

قلت: كتمان الشهادة هو أن يضمرها، ولا يتكلم بها، ولما كان آثمًا مقترفًا بالقلب أسند إليه؛ لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول: إذا أردت التأكيد: أبصرته عيني؟

المقدم: نعم.

 وسمعته أذني، وسمعته أذني، أو تقول: عُلم عدم السعادة لهما من الدلائل الخارجية الدالة بالتصريح عليه، ما هذا؟ هذا من تتمة كلام الكرماني في إخراج المشرك، والمنافق.

المقدم: من هذه السعادة.

من الناس، نعم، يقول: عُلم عدم السعادة لهما من الدلائل الخارجية الدالة بالتصريح على ذلك، فإن قلت: فهل يكفي مجرد لا إله إلا الله دون محمد رسول الله؟

المقدم: لا إله إلا الله تقتضي.

يعني هل نقول: إن لا إله إلا الله الركن الأول من أركان الشهادة؟ الشهادة شهادة أن لا إله إلا الله، الركن الأول من أركان الإسلام، يعني هل يكفي فيها جزؤها الأول، أو لا بُدَّ من الجزأين؟

المقدم: لا بُدَّ.

لا بُدَّ من الجزأين، هو لا يدخل في الدين.

المقدم: إلا بهما.

إلا إذا اعترف.

المقدم: نعم بالشهادتين.

نعم، بالإلوهية والشهادة بالرسالة، «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» ومع ذلك لا بُدَّ أن يشهدوا أن محمدًا رسول الله، هنا «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة»، إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، هل كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله؟

المقدم: لا، آخر كلامه محمد رسول الله.

محمد رسول الله، فهل يدخل في الحديث، أو لا يدخل؟ أو نقول: إن المراد بلا إله إلا الله، هذه الكلمة التي هي مكونة من جملتين، كما تقول: قرأت الحمد لله.

المقدم: سورة الفاتحة.

يعني إن قرأت سورة الفاتحة بكاملها.

المقدم: نعم.

 قرأت {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] يعني قرأت سورة البقرة بكاملها، يقول: فإن قلت: فهل يكفي مجرد لا إله إلا الله دون محمد رسول الله؟

قلت: لا يكفي، لكن جُعِل الجزء الأول من كلمة الشهادة شعارًا لمجموعها، فالمراد الكلمة بتمامها، كما تقول: قرأت: {آلم ذَلِكَ الْكِتَابُ} [سورة البقرة: 1-2] أي السورة بتمامها، أو من نفسه، أن يقال من قلبه، أو قال من نفسه، يقول الكرماني: شكٌّ من أبي هريرة، شكٌّ من أبي هريرة، لكن قال العيني: التعيين غير لازم، يعني لا يلزم أن يكون الشك هو شك، لكن هل يلزم أن يكون من أبي هريرة، التعيين غير لازم؛ لأنه يحتمل أن يكون من أحد الرواة ممن هو دون أبي هريرة.

المقدم: نعم.

وفي رواية البخاري في الرقاق: خالصًا من قِبَل نفسه.

المقدم: نعم، أحسن الله إليكم، لعلنا نستكمل ما تبقى بإذن الله من الفوائد والأحكام في هذا الحديث في حلقة قادمة؛ لانتهاء وقت هذه الحلقة، أشكر لكم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير لما تفضلتم به، شكرًا لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات على طيب متابعتكم، لقاؤنا يتجدد بكم بإذن الله مع هذا البرنامج لاستكمال شرح حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.