شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (074)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

هذا الكتاب يتولى شرحه وبيان ألفاظه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والذي نرحب به مع مطلع حلقتنا، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: لعلنا نستكمل حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها-، وهو حديث في باب أحب الدين إلى الله أدومه، أشرنا إليه في حلقتين ماضيتين، نستكمل في هذه الحلقة -أحسن الله إليكم-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ما زال الكلام في الملل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «فو الله لا يمل الله حتى تملوا» ذكرنا أقوال أو بعض الأقوال في هذا، وذكرنا أن ابن حجر، قال: إن هذا كله بناءً على أن (حتى) على بابها في انتهاء الغاية، وما يترتب عليها من المفهوم.

«حتى تملوا» انتهاء الغاية ملل المخلوق، وهذا محقَّق أو غير محقق؟ محقق، إذًا ما رُتِّب عليه محقق، ومفهومها أنكم إذا لم تملوا فإن الله لا يمل، وإذا مللتم مفهومها أن الله -سبحانه وتعالى- يمل، ويلزم من ذلك إثبات هذه الصفة، وعرفنا فيما تقدم أن العلماء ابن رجب وابن حجر حاولوا تأويل هذا الكلام، وصرفه عن ظاهره، وقلنا: إن في مثل هذه الصفة التي يختلف فيها السلف سلف هذه الأمة فيها مندوحة لأنها قابلة للنقاش، بخلاف ما يجتمع عليه سلف هذه الأمة، فليس لأحد أن يجتهد فيه.

قال ابن رجب: وقد قيل: إن (حتى) هاهنا بمعنى واو العطف؛ ولكن لا يصح دعوى كون (حتى) عاطفة؛ لأنها إنما تعطف المفردات لا الجمل، هذا هو المعروف عند النحويين، وخالف فيه بعضهم، وقيل: إن (حتى) فيه بمعنى (حين) وهذا غير معروف، وزعم ابن قتيبة أن المعنى لا يمل إذا مللتم، وزعم أن هذا الاستعمال معروف في كلام العرب، وقد يقال: إن (حتى) بمعنى لام التعليل، وأن المراد أن الله لا يمل لكي تملوا أنتم من العمل، وفيه بعد أيضًا، ولو كان كذلك لقال: حتى لا تملوا، ويكون التعليل حينئذٍ بإعلامهم بأن الله لا يمل من العطاء، فيكون إخبارهم بذلك مقتضيًا لمداومتهم على العمل، وعدم مللهم وسآمتهم.

وقد يقال: إنما يدل هذا الكلام عل نسبة الملل والسآمة إلى الله بطريق مفهوم الغاية، ومن يقول: إنه لا مفهوم لها فإنه يمنع من دلالة الكلام على ذلك بالكلية.

يعني لا شك أن المفهوم قد لا يكون مرادًا، قد يلغى المفهوم متى؟ إذا عورض بمنطوق أو بمفهوم أقوى منه، {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [سورة آل عمران 130] {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [سورة الإسراء 31] مفاهيم ملغاة، أضعاف مضاعفة يعني لو أكل الربا ضعفًا واحدًا حلال؟ بالإجماع حرام {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [سورة الإسراء 31] الذي لا يخشى الإملاق يسوغ له أن يقتل ولده؟ لا.

ومن يقول بالمفهوم فإنه يقول: متى دل الدليل على انتقائه لم يكن مرادًا من الكلام، وقد دلت الأدلة عل انتفاء النقائص والعيوب عن الله تعالى، ومن جملة ذلك، لحوق السآمة والملل له.

ولكن بعض أصحابنا ذكر أن دلالة مفهوم الغاية كالمنطوق؛ بمعنى أنه لا يجوز أن يكون ما بعد الغاية موافقًا لما قبلها بمفهوم الموافقة أو غيره.

هل يمكن أن يلغى المفهوم هنا أو هو بمنزلة المنطوق؟ "ولكن بعض أصحابنا" مَن الذي يقوله؟ ابن رجب، ولكن بعض أصحابنا ذكر أن دلالة مفهوم الغاية كالمنطوق؛ بمعنى أنه لا يجوز أن يكون ما بعد الغاية موافقًا لما قبلها بمفهوم الموافقة أو غيره، فعلى قوله يتعين في هذا الحديث أحد الأجوبة المتقدمة.

يعني أنه لا مفر من إثبات المفهوم، لا مفر منه؛ لماذا؟ لأنه علق على أمر لا بد من وقوعه وهو ملل المخلوق، فلا بد من التأويل بأحد الأوجه السابقة.

وقال النووي: اختلف العلماء في المراد به، فالصحيح الذي عليه المحققون وهو الظاهر أن معناه: لا يترك الثواب على العمل حتى تتركوا العمل، وقيل: معناه لا يمل إذا مللتم قاله ابن قتيبة وغيره، وحكاه الخطابي وآخرون، وأنشدوا عليه شعرًا، قالوا: ومثاله: قولهم في البليغ: فلان لا ينقطع حتى تنقطع خصومه، معناه لا ينقطع إذا انقطعت خصومه، وعلى هذا يكون معنى الحديث: لا يمل الله إذا مللتم، فالتنظير الخطيب البليغ يقال له: فلان لا ينقطع حتى تنقطع خصومه، هل يُمدَح بأنه ينقطع إذا انقطعت خصومه؟ يُمدَح إذا انقطعت خصومه استمر واسترسل فلا ينقطع.

معناه لا ينقطع إذا انقطعت خصومه، ولو كان معناه ينقطع إذا انقطعت خصومه لم يكن له فضل على غيره.

قلت: وهذا كله إذا استحضرنا ملل المخلوق، وهو استثقال الشيء، ونفور النفس عنه بعد محبته، ولا شك أنه بهذا المعنى محال على الله -عز وجل-؛ لأنه نقص، وإذا عرفنا أن مذهب سلف هذه الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- على ما يليق بجلاله وعظمته، فلا محذور حينئذٍ من إثباته، وقلت مرارًا: إن مثل هذه الصفات للإثبات والنفي لها مجال، على أنها قابلة للتأويل؛ لأن التأويل وجد ممن هم على مذهب السلف وعلى الجادة.

سائل: مثلها يا شيخ -أحسن الله إليك- إذا قلنا بمثل هذه الصفات الملل صفة النوم هل يصح إطلاقها {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [سورة البقرة 255] وهي صفة سلبية، ومثلها الملل، فإطلاق مثل هذه الصفات التي جاءت مثلها -أحسن الله إليك- السخرية، مثلها {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [سورة التوبة 67] النسيان، فهذه ألا يقال -أحسن الله إليك-: إنه من الأولى أن تطلق مقيدة، فإن الله يمكر بمن يمكر به، فإن الله يستهزئ بمن يستهزئ به؟

أما بالنسبة للنوم فلم يقابَل بما هو محقَّق {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [سورة البقرة 255] نفي مطلق، نفي مبتوت لم يعلق على أمر محقق، لم يعلق نفيه على وجود أمر محقق كما هنا، ما قال: لا ينام، لا تأخذه سنة ولا نوم حتى تناموا، نقول: هذا مرتب على أمر محقق، هذا نفي بالكلية فلا يَرِد أصلاً.

أما الصفات التي فيها شيء من المقابلة مثل الاستهزاء والخداع والمكر نعم الله -سبحانه وتعالى- يستهزئ بمن يستهزئ به، ينسى من نسيه، يمكر بمن يمكر به، لكن الكلام في إثبات أصل الصفة بغض النظر عن متعلَّقها، إذا أثبتنا صفة الرحمة مثلاً، هل نبحث ونحن بصدد إثباتها لا بد أن نشير إلى المرحوم؟ الغضب هل لا بد إذا استحضرنا إثباتها أن نستحضر من يُغضَب عليه؟ لا يستلزم ذلك، نحن نثبت الصفة على ما يليق بجلال الله وعظمته، من غير تعرض لتأويل ولا تحريف ولا تكييف ولا تشبيه، ومع ذلك إذا أثبتها الله -سبحانه وتعالى- لنفسه أثبتناها، هذه جادَّة السلف، إذا ثبتت في الكتاب والسنة ليس لنا أن نبحث عما وراء ذلك، كما جاء عن جمع من السلف عن مالك وأم سلمة وغيرهما الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ليس لنا أن نبحث عما وراء هذه النصوص.

قوله في الحديث: "وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه" في رواية: "ما داوم عليه صاحبه" وفيه إثبات المحبة لله -عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته "إليه" في رواية المستملي: "إلى الله" وهو موافق لترجمة الباب، الترجمة: بابٌ أحب الدين إلى الله أدومه، وفي الحديث: "وكان أحب الدين إليه" الضمير يعود إلى مَن؟

 المقدم: إلى الله -جل وعلا-.

إلى الله، الترجمة تدل على ذلك، استنباط الإمام البخاري يدل على ذلك، ورواية المستملي يعني الترجمة اعتمد فيها البخاري على رواية المستملي: "وكان أحب الدين إلى الله" وقال باقي الرواة: "إليه" والضمير يحتمل أن يعود إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وصرَّح به المصنف في الرقاق، في كتاب الرقاق في رواية مالك عن هشام وليس بين الروايتين تخالف، أحب الدين إلى الله أو أحب الدين إلى الرسول، فيه اختلاف؟ ليس فيه اختلاف.

 المقدم: لأن ما يحبه الرسول هو ما يحبه الله.

نعم، وليس بين الروايتين تخالف؛ لأن ما كان أحب إلى الله كان أحب إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

قال النووي: بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله بخلاف الكثير الشاق حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة، نظير ذلك من يأخذ على نفسه أنه يحفظ في اليوم جزءًا من القرآن، فإذا تعب طول يومه يردد هذا الجزء، ثم انقطع شهرًا مثلاً، أي هذا أفضل أو مَن يأخذ على نفسه أن يحفظ في اليوم ورقة واحدة مع الاستمرار؟

المقدم: الثاني لا شك أولى.

الثاني أولى، ولذا يقول: بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله، بخلاف الكثير الشاق حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة.

وقال ابن الجوزي: إنما أَحَب الدائم لمعنيين: أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمُعْرِض بعد الوصل، فهو متعرض للذم، ولذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها، وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه، يعني حفظ القرآن نفل، ليس بواجب، نعم يجب ما يجب في الصلاة، لكن ما عدا ذلك يتعين حفظ القرآن؟ نفل، لكن إذا حفظ يحرم عليه أن ينساه، يعني يتسبب في نسيانه، جاء الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها، وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه.

ثانيهما: أن مداوم الخير ملازم للخدمة، وليس مَن لازم الباب في كل يوم وقتًا ما كمن لازم يومًا كاملاً، ثم انقطع.

يقول ثانيهما يقول ابن الجوزي: أن مداوم الخير ملازم للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يوم وقتًا ما كمن لازم يومًا كاملاً ثم انقطع.

يعني التنظير لو شخص له سبعة أولاد، اتفق الأولاد على أن كل واحد يخدم الأب يومًا، يترتب عليه أنه ينقطع ستة أيام، لكن لو وُزِّع اليوم على السبعة، وصار الأب يرى أولاده في كل يوم، ويرونه في كل يوم أيهما أفضل؟

المقدم: الحالة الثانية.

الحالة الثانية بلا شك؛ لأن الانقطاع يورث وحشة، والانقطاع عن العبادة يورث استثقالاً، وهذا أقول: هذا مجرَّب.

يقول العيني: في الحديث بيان شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأفته بأمته؛ لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم، وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة؛ لأن النفس تكون فيه أنشط، ويحصل منه مقصود الأعمال، وهو الحضور فيها، والدوام عليها، بخلاف ما يشق عليه، فإنه تعرُّض لأن يترك كله أو بعضه، أو يفعله بكُلْفة، فيفوته الخير العظيم.

قال ابن بطال: وقد ذم الله من التزم فعل البر ثم قطعه، بقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [سورة الحديد 27] رهبانية ابتدعوها يعني من تلقاء أنفسهم {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ} [سورة الحديد 27] (ما) هذه، ما معنى الآية؟ {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ} [سورة الحديد 27].

يعني هم ابتدؤوا بها، ثم كُتبت عليهم، يعني أُلزَموا أنفسهم بها فأُلزِموا بها، يعني كمن يُلزِم نفسه بالنذر، يُلزَم بوفائه {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [سورة الحديد 27] وليس في هذا دليل على أن للإنسان أن يبتدع، قد يقول قائل: مادام ابتدعوها ومقصودهم بذلك ابتغاء رضوان الله هل لكل أحد أن يبتدع مبتغيًا بذلك رضوان الله؟ كل بدعة ضلالة في شرعنا، ثم بعد ذلك من يقرر أنها من باب ابتغاء رضوان الله، انقطع الوحي، وأما في وقت التشريع، وهذا في شرع من قبلنا كما هو معروف {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ} [سورة الحديد 27] لأنهم ابتدؤوا بها، ثم فُرِضَت عليهم وأُوجِبَت {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [سورة الحديد 27] ألا ترى أن عبد الله بن عمرو لما ضعف عن العمل ندم على مراجعته رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التخفيف عنه، وقال: ليتني قبلت رخصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقطع العمل الذي كان التزمه، التزم بأن يصوم يومًا ويفطر يومًا، صوم داود -عليه السلام-، لكنه في آخر عمره لما ضعف صار يجمع الأيام، يصوم أيامًا ثم يرتاح أيامًا كثيرة، يستجم بها.

والحديث خرَّجه الإمام البخاري في موضعين:

الأول: هنا في كتاب الإيمان، بابٌ أحب الدين إلى الله أدومه. قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى عن هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال... فذكره، وسبق ذكر المناسبة.

الثاني: في كتاب التهجد، باب ما يكره من التشديد في العبادة، التشديد، باب ما يكره من التشديد في العبادة، قال: وقال عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل عَلَيَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «من هذه؟» قلت: فلانة، لا تنام الليل، تذكر من صلاتها... الحديث.

ومناسبة الحديث للباب ظاهرة، الحديث مناسبته للباب، باب ما يكره من التشديد في العبادة، زجر النبي –عليه الصلاة والسلام- عائشة حيث أثنت على هذه المرأة، ما يكره من التشديد في العبادة، فدل على أن التشديد الذي يصل بصاحبه إلى الانقطاع مكروه، ومناسبة الباب ما يكره من التشديد في العبادة لكتاب التهجد ظاهرة أو ليس بظاهرة؟ ظاهرة، التشديد في العبادة التهجد عبادة، فإذا تهجد كل الليل أو جل الليل، وصل إلى حد التشديد، والله المستعان.

يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: وقال عبد الله بن مسلمة، والمراد به القعنبي، من أخص تلاميذ مالك، وقال عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام قال عبد الله بن مسلمة، الآن البخاري لقي عبد الله بن مسلمة أو ما لقيه؟ يعني كم الوسائط بينه وبين مالك في العادة؟

الأخ الحاضر: واحد يا شيخ.

واحد.

المقصود أن مثل هذا يقال له: تعليق أو ليس بتعليق؟ إذا كان الشيخ من شيوخ المصنِّف لكنه بدلاً من أن يقول: حدثنا عبد الله بن مسلمة كما يقوله كثيرًا قال: وقال عبد الله بن مسلمة، يعني كما جاء في حديث المعازف: قال هشام بن عمار هل هذا متصل أو معلَّق؟

الأخ الحاضر: متصل -أحسن الله إليك- لأنه ورد بإسناد آخر، وصله البخاري في موضع آخر، فعلَّقه البخاري في كتاب...

وصله أين؟

الأخ الحاضر: عن عبد الله بن مسلمة؟

نعم.

الأخ الحاضر: ما وصله.

لا، الموضع الأول: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى عن هشام، وهنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام ما وصله عن عبد الله بن مسلمة في موضع آخر.

على كل حال إذا قال المصنِّف إذا عزا المصنف إلى شيخه بصيغة (قال) ولم يقل: حدثنا، لم يصرح بالتحديث معروف الخلاف، الحافظ العراقي وابن الصلاح قَبْلَه يرونه من قبيل الموصول؛ لأن غاية ما يقال في (قال) أنها مثل (عن) يحكم لها بالاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم، وعلى هذا يكون هذا الحديث متصلاً، ومنهم من يرى...، والحافظ المزي يعلِّم عليه بتحفة الأشراف، أعني حديث هشام بن عمار، وقال هشام ابن عمار علَّم عليه بعلامة التعليق، والحافظ ابن حجر كأنه مال إلى أنه معلَّق، وعلى كل حال هو معلَّق بصيغة الجزم.

الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- يقول:

.......................... أما الذي
عنعنة كخبر المعازفِ         
.

 

لشيخه عزا بـ(قال) فكذي 

لا تصغِ لابن حزم المخالفِ     .

فهي موصولة، وإن كانت الصيغة (قال) وغاية ما يقال في (قال) إنها مثل (عن).

والحديث مخرَّج في صحيح مسلم، فالحديث متفق عليه.

سائل: أحسن الله إليكم يا شيخ إذا تقرر أنه الغاية من النهي عن الإكثار من العبادة على وجه غير مشروع هو بسبب الانقطاع عن العبادة، وأن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، لكن -أحسن الله إليكم- من عنده همة لحفظ القرآن أو حفظ السنة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهرين أو في ثلاثة وداوم على هذا، هل هذا يدخل في الذم الذي ذكره القرطبي في قوله: فهو متعرِّض للذم؟

جاء في الحديث من قول الصحابة -رضوان الله عليهم- إذًا نكثر، ماذا كان الجواب؟ قال: «الله أكثر» إذا ضمن الاستمرار ولم يترتب على ذلك مشقة أو تضييع لمن تحت يده، أو تفريط بما هو أوجب وأهم لا شك أن هذا مطلوب؛ لأن بهذا تُنال الدرجات، وهذا ديدن خيار الأمة، يعني يحفظ عن السلف في باب العبادة، وفي باب العلم وتحصيله وبذله شيء قد لا يتصوره بعض الناس الذين يعيشون في مثل ظروفنا، والله المستعان.

سائل: شيخنا -أحسن الله إليك- يجنح البعض إلى تأويل الصفات استنكارًا لما في إثباتها من زعم التشبيه لله تعالى بالمخلوق، كما في -مثلاً- هذا الحديث أوَّلَ بعضهم صفة أحب الدين إليه، بأن المحبة بمعنى إرادة الثواب، وكما صنعوا في ما يتعلَّق بالملل، وفي غير ذلك من الصفات، فما توجيهكم -أحسن الله إليكم- إلى الطريقة المثلى التي يجب أن يلتزم بها المؤمن في إثبات الصفات لله تعالى؟

لا شك كل خير في اتباع من سلف، وسلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعلماء هذه الأمة كلهم على إثبات ما أثبته الله -سبحانه وتعالى- لنفسه، وهذا هو الأصل، الله -سبحانه وتعالى- يحب التوابين، ونقول: إن الله لا يوصف بالمحبة؟! هذه معاندة، لا شك أنها معاندة بنوع شبهة، وإلا لو خَلَت من الشبهة لصارت ردة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [سورة البقرة 222] وتقول: الله لا يحب؟! لولا شبهة التشبيه والله -سبحانه وتعالى- ليس كمثله شيء، لكنها شبهة ضعيفة، لا تصل إلى حد أن تلغى الصفة من أجل هذه الشبهة، فإذا انفصلنا عن اللازم الذي يلتزمه المبتدعة الذين ينفون مثل هذه الصفات من مشابهة المخلوق، وقلنا: إن هذه الصفات تليق بجلاله وعظمته، ونقف عند النص حيثما وقف، ولا نتعداه إلى ما وراءه، مع جزمنا بأن له معنى، ما هي طلاسم، هذه ليس بطلاسم، هذه ألفاظ جاءت بلسان عربي مبين، لها معاني، وفهمها الرسول، وفهمها الصحابة، وفهمها سلف هذه الأمة؛ لكنهم من غير تعرض لتكييفها وتشبيهها، والله المستعان.

المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم ونفع بعلمكم.

بهذا نصل وإياكم أيها الإخوة والأخوات إلى ختام هذه الحلقة، وأيضًا أنهينا ما يتعلق بهذا الحديث.

أذكركم في ختام حلقتنا بالعنوان البريدي: المملكة العربية السعودية، وزارة الإعلام، إذاعة القرآن الكريم، صندوق بريد: 60059 الرياض: 11545، ولا بد يا مستمعينا الكرام من النص على اسم البرنامج، برنامج: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

أما الإخوة الذين بعثوا بأسئلتهم عبر الفاكس فإني أؤكد على أن ينصوا على اسم البرنامج؛ لأنهم إذا لم يذكروا اسم البرنامج فستحال إلى برامج أخرى فلا بد أن يُنَص على اسم البرنامج، شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، عبر الفاكس 4425543.

شكرًا لكم مرةً أخرى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.