كتاب الحدود من المحرر في الحديث - 01

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سم.

السلام عليكم. بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الإمام ابن عبد الهادي –يرحمه الله تعالى- في "كتابه المحرر كتاب الحدود" باب حد الزنا:

"عن أبي هريرة وزيدَ".

وزيدِ.

 "وزيدِ بن خالدٍ الجُهني –رضي الله عنهما- أنهما قالا: إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله– صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر-وهو أفقه منه-: نعم، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «قُلْ» قال: إن ابني كان عِسيفًا".

 عَسيفًا.

"كان عَسيفًا على هذا، فزنا بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاةٍ ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائةٍ، وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» قال: فغدا عليها، فاعترفت، فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت. متفقٌ عليه، وهذا لفظ مسلم.

وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خُذُوا عني..خُذُوا عني، فقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» رواه مسلم.

وعن ابن شهابٍ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: أتى رجلٌ من المسلمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه، فقال له: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ثنَّى ذلك عليه أربع مرات. فلما شهد على نفسه أربع شهاداتٍ دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فقال: «أبك جُنُون؟» قال: لا، قال: «فَهَل أحصنت؟» قال: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اذْهَبُوا بِهِ فارجموه»، قال ابن شهابٍ: وأخبرني من سمع جابر بن عبد الله يقول: فكنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه. متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.

وعن عكرمة عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: لمَّا أتى ماعز بن مالك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: «لَعَلَّك قبلت، أَو غمزت، أَو نظرت؟» قال: لا يا رسول الله، قال: «أنكتها» -لَا يُكنِّي أو لا يُكني- قال: نعم. فعند ذلك أمر برجمه. رواه البخاري.

ولمسلمٍ عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  قال لماعز بن مالكٍ: «أَحَقٌ مَا بَلغنِي عَنْك؟» قَالَ: وَمَا بلغك عني؟ قَالَ: «بَلغنِي أَنَّك وَقعت بِجَارِيَة آل فلَان؟» قال: نعم، فشهد أربع شهاداتٍ، ثم أَمر به فرُجم.

وعن عبد الله بن عبد الله بن عتبة، أنه سمع عبد الله بن عباسٍ يقول: قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم- وهو جالسٌ على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد بعث محمدًا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أُنزل الله عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها، فرجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمانٌ أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضةٍ أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حقٌّ على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبَّل، أو الاعتراف.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِذا زنت أمة أحدكُم، فَتبين زنَاهَا، فليجلدها الْحَد، وَلَا يثرِّب عَلَيْهَا، ثم إن زنت الثَّانية فليجلدها الحد، ولا يُثَرّب عليها، ثمَّ إِن زنت الثَّالِثَة فَتبين زنَاهَا فليبعها وَلَو بِحَبلٍ من شعر» وَفِي رِوَايَة: «ثمَّ ليبعها فِي الرَّابِعَة» متفقٌ عليهما، واللفظ لمسلم.

وعن أبي عبد الرحمن قال: خطب عليٌّ -رضي الله تعالى- عنه فقال: يا أيها الناس: أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم، ومن لم يحصن، فإن أمةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهدٍ بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أَحْسَنت»، وَفِي لفظٍ: «اتركها حَتَّى تماثل».

وعن عمران بن حصينٍ –رضي الله عنه- أن امرأةً من جهينة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي حُبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله أصبت حدًا فأقمه علي؟ فدعا نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وليها فقال: «أحسن إِلَيْهَا، فَإِذا وضعت فائتني بهَا» ففعل، فأمر بها نبي الله- صلى الله عليه وسلم- فشُكت عليها ثيابها، ثُم أمر بها فرُجِمت، ثُم صلى عليها، فقال له عمر -رضي الله عنه-: تصلي عليها يا نبي الله، وقد زنت؟! فقال له: « لقد تابت تَوْبَة لَو قسمت بَين سبعين من أهل الْمَدِينَة لوسعتهم، وَهل وجدت تَوْبَةً أفضل من أَن جَادَتْ بِنَفسِهَا لله؟» رواهما مسلم.

وعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأةً زنيا، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة فِي شَأْن الرَّجْم؟» فقالوا: نفضحهم ويجلدون قال لهم عبد الله بن سلامٍ: كذبتم. إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرُجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة. متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: رجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً من أسلم، ورجلاً من اليهود وامرأة. رواه مسلم.

وعن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف، عن سعيد بن سعد بن عبادة، قال: كان بين أبياتنا رويجلٌ ضعيف مخدجٌ، فلم يرع الحي إلا وهو على أمةٍ من إمائهم يخبث بها، قال: فذكر ذلك سعد".

 سعدُ.

"فذكر ذلك سعدُ بن عبادة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان ذلك الرجل مسلمًا، فقال: «اضربوهُ حَدّه» قالوا: يا رسول الله: إنه أضعف مما تحسب لو ضربناه مائةً قد قتلناه، فقال: «خذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ، ثُم اضْرِبُوهُ ضَرْبَة وَاحِدَة» قال: فَفَعَلُوا. رواه أحمد، وابن ماجه والنسائي، والطبراني وإسناده جيد، لكن فيه اختلافٌ، وقد روي مرسلاً.

وعن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من وجدتموه وَقع عَلَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ، واقتلوا الْبَهِيمَة، وَمن وجدتموه يعْمل عمل قوم لوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وأبو يعلى الموصلي، وإسناده صحيح، فإن (عكرمة) روى له البخاري، (وعمرو) من رجال الصحيحين، وقد أُعل بما فيه نظر، وروى النسائي أوله، وابن ماجه آخره".

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "كتاب الحدود" الكتاب مر الكلام فيه مرارًا، وأنه مصدر كتب يكتب كتابًا، وكتابةً وكتبًا، وأصل المادة الجمع، وتكرر الكلام في هذا مرارًا، ومنه قولهم: تَكتَّب بنو فلان، يعني: اجتمعوا، والكتاب سُمي كتابًا؛ لاجتماع الكلمات والحروف فيه، والمراد هنا: المكتوب اسم المفعول، المكتوب الجامع لمسائل الحدود، أو لأحاديث الحدود.

قال -رحمه الله-: "باب حد الزنا" والزنا فاحشة من الفواحش، وموبقة من الموبقات، وعظيمةٌ من عظائم الأمور، مجمعٌ على تحريمه بين الشرائع، ومقرونٌ بالشرك والقتل، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]، فالزنا مقرونٌ بالشِّرك والقتل؛ لعظمه وشناعة أمره، فالشِّرك أعظم ما عُصي به الله– جلَّ وعلا- والقتل مضى الكلام فيه، وأن المسلم لا يزال في فسحة من دينه أو من أمره حتى يُصيب دمًا حرامًا، وجاء الوعيد على من قتل عمدًا في آية النساء أنه مُخلَّد في النار –نسأل الله العافية-.

 والكلام في الآية ومذهب أهل السُّنَّة والجماعة معروف، وهنا الزنا –نسأل الله العافية- أمره عظيم، وهو شنيع.

ومع الأسف الشديد أنه الآن تيسرت أسبابه بوجود هذه الآلات التي تعرضه على الفتيان، تعرض الزنا الصريح على الفتيان والفتيات؛ ولذلك كثُر في آخر الزمان كثُر الخبث الذي يُخشى منه العقوبة، وفي الحديث الصحيح: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثُر الخبث»، والله المستعان.

قال –رحمه الله-: "عن أبي هريرة وزيد بن خالدٍ الجُهني –رضي الله عنهما- أنهما قالا: إن رجلاً من الأعراب" من البادية، الأعراب هم: البدو الذين يسكنون في البراري والقفار، ويتصفون غالبًا بالجهل والجفاء، وفي الخبر: «من بدا جفا»، ومع ذلك منهم الصالح، ومنهم المنفق في سبيل الله يُريد بذلك وجه الله، كما أشار لذلك –جلَّ وعلا- في سورة التوبة بعد أن بيَّن بعض ما يُنتقد عليهم.

"إن رجلًا من الأعراب أتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أنشدك" يعني: أطلب منك رافعًا نشيدتي أي: طلبي "إلا قضيت لي بكتاب الله" وكتاب الله أعم من أن يكون القرآن، بل المراد: حكم الله المُنزَّل سواءً في القرآن أو في سُنَّة نبي الله –عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى.

"إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم -وهو أفقه منه-: نعم، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي" يعني: اسمح لي أن أتكلم، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أذن له، "فقال له: «قُلْ»" يعني: تكلم.

"قال: إن ابني كان عسيفًا" يعني: أجيرًا. "عسيفًا على هذا" يعني: عنده، يعمل عنده.

"فزنا بامرأته" وهذه أيضًا مما يسَّر بعض المحرمات في عصرنا وجود الأُجراء في البيوت وكأنهم من أهلها، السائق تجده يدخل ويخرج من البيت كأنه من أولادهم، والعاملة والخادمة تغدو وتروح في البيوت، وبين أولاد وفتيان وشباب كأنها من بناتهم -والله المستعان- هذه أمور -كما قلنا سابقًا- مما يُيسر مثل هذا الاختلاط الذي يكثر فيه الإمساس بين الأجانب، وأعني بالأجانب: من ليس من المحارم، ويُذكر في المحاكم من هذه الأمور أشياء كثيرة جدًّا. نسأل الله -جلَّ وعلا- أن يدفع عن المسلمين.

بعض الناس يتساهل في الأجنبي إذا كان ليس من أهل البلد؛ لأن الفضيحة تكون منه أقل، وهذه كارثة، إذا تحولت التصورات والنظرات إلى هذا الحد، فمن وصل به الأمر إلى هذا الحد إلى حد الدياثة، وكذلك الخادمة، يتساهلون في أمرها، ويخرجون من البيت وهي موجودة والأولاد موجودون، ومعهم الشيطان «وَمَا خَلا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا».                

"إن ابني كان عسيفًا" يعني: أجيرًا "على هذا، فزنا بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم" أفتاه من لا علم له أن الابن يُرجم، وهو بكر لم يتزوج، أفتاه من أفتاه من الجهلة قال: يُرجم. "فافتديت منه"، يعني بدلاً من أن يُرجم اشتريت هذا الحد "بمائة شاةٍ ووليدة"، الحدود حقوق الله -جلَّ وعلا- ما تُفتدى بالأموال والرشاوى، بل لابد من إقامتها، وتضييعها والتساهل فيها بما يخرج عما جاء في الشرع من قضايا أو من مسائل الستر على من يستحق أن يُستر عليه، أو العفو عن زلات ذوي الهيئات الذين لا تحصل منهم الأشياء إلا هفوة أو زلة مرة أو ما أشبه ذلك، وأما أصحاب الجرائم والموبقات الذين استمرأوا الفواحش، وتكررت منهم، فهؤلاء لا يجوز الستر عليهم.

 فالستر المطلق كما يظنه بعض من يتكلم في أمور الحسبة الستر المطلق توطئة للإباحية، وتعطيل لحدود الله –نسأل الله العافية-، إذا كان كل من وُقِف عليه مرتكب لحد من الحدود يُستر عليه ويترك، ما قيمة الحدود التي شُرِعت لأجل الحيلولة بين الناس، وبين ما حرمه الله جلَّ وعلا؟!!

فالحدود إنما جُعلت؛ لتحد من هذه المعاصي والمنكرات لتحد منها، وتمنع منها، فالأصل في الحد المنع؛ لأنه يمنع من تداخل الأشياء، فحدود البيوت والدور والأراضي تمنع من دخول الجار على جاره، وقيل للبواب: حدادًا؛ لأنه يمنع من دخول ما لا يُراد دخوله. 

"فافتديت منه بمائة شاة ووليدة" جارية، "فسألت أهل العلم" لابد من سؤال أهل العلم، ما كل أحد يُسأل، سأل فأفتاه الجاهل بما ذُكِر بحكمٍ خطأ، فالجاهل جرؤ على هذه الفتوى «وَأَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ»، والمسكين الذي سأل وهو مأمورٌ بسؤال العلم، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] الحديث الصحيح المتفق عليه «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ صدور الرِّجال، وإنما يَقْبِضُه بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، فإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» مثل هذا الذي أفتى والد العسيف.

"فسألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائةٍ، وتغريب عام" جلد مائة جلدة بسوطٍ متوسط لا جديد ولا خلِق، بمتوسطٍ في قوة الضرب، "جلد مائة جلدة وتغريب عام" يعني نفيه من بلده إلى بلدٍ آخر لمدة سنة، وأن على امرأة هذا الرَّجم. الحكم على العسيف بأن عليه جلد مائة ونفي سنة؛ لأنه بكر، والحكم على المرأة بأن عليها الرَّجم؛ لأنها ثيب كما سيأتي بحديث عبادة.

"فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ»، كثيرًا ما يُقسم النبي –عليه الصلاة والسلام- بهذا القسم، وفيه إثبات اليد لله –جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، كثيرٌ من الشراح: والذي نفسي بيده، والذي روحي في تصرفه، وهم يفرون بهذا التأويل من إثبات اليد لله –جلَّ وعلا-، وهذا من لوازم كونها بيده أن تكون أرواحهم في تصرفه، وهذا لا يختلف فيه أحد جميع الأرواح في تصرف الله –جلَّ وعلا-، لكن إذا كان المقصود من هذا التأويل الفرار من إثبات الصفة، فهو تأويلٌ باطل مردودٌ على من قاله، وإن كان معناه صحيحًا.

«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّه» يعني: بحكم الله. «الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عليك» لماذا؟ لأن الفدية لا تُقبل في الحدود، بل لابد من تنفيذها إذا بلغت السلطان، وإن لم تبلغ السلطان ورُؤي أن المصلحة الستر على مثله يُستر عليه «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».

«الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عليك، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» يعني: مثل ما قال أهل العلم الذين سألهم.

«وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ» رجل من الصحابة «إِلَى امْرَأَةِ هذا» المرأة التي زنا بها العسيف اغدُ إليها يعني: اذهب إليها يا أنيس، وإن كان اللفظ يدل على أنه يذهب إليها بالغداة هذا هو الأصل، وإلا المراد: الذهاب إليها في أي وقت.

«وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» "قال: فغدا عليها" أنيس، فسألها "فاعترفت" مما يدل على أن هذه الأمور من وظائف الرجال، وليس للنساء فيهن مدخل؛ لأن صاحبة الشأن امرأة، ما قال: اغدي يا فلانة ولا علانة إلى امرأة هذا، قال: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ» هذه الأمور لا يُطيقها ولا يتحملها إلا الرجال، ولا يقوم بها إلا الرجال، وتشيع المطالبات والدعوات إلى توظيف المرأة في كل شيء بما في هذه الأمور التي يصعب على النساء القيام بها.

 "قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت".

وسيأتي في الحديث اللاحق أنه أمر بمن يُراد رجمها أن تُشَك عليها ثيابها، تُشك عليها ثيابها يعني: تُشد وتُربط؛ لئلا تنكشف عما تحتها؛ لأنها امرأة عورة، فتُشد عليها ثيابها، ثُم يُؤمر بها فتُرجم قاعدة.

وهل يُحفر للمرجوم أو لا؟ سيأتي إن شاء الله تعالى.

"فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت" رُجِمت بالحجارة حتى ماتت. "متفقٌ عليه، وهذا لفظ مسلم".

ثم قال –رحمه الله-: "وعن عبادة بن الصامت" عبادة بن الصامت من الأنصار، ومن النُّقباء، وحضر بيعة العقبة الأولى والثانية، قال ابن عبد البَر: والثالثة، فهل هناك بيعة للعقبة ثالثة؟

طالب:..........

بيعة العقبة الأولى والثانية والثالثة.

طالب:..........

لا..لا، تأوَّلوها على وجوهٍ ضعيفة، وإلا فالأصل أن العقبة حصلت مرتين، لا..لا يقصدون بيعة الرضوان.

"قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خُذُوا عني..خُذُوا عني» قالها في مناسبات يعني في الحج قال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، وفي الصلاة «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وهنا قال: «خُذُوا عني» تحملوا عني هذا الحكم «فقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً» إشارةً إلى ما جاء في آية النساء {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:15] يقول: «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً» الحكم كان موقوفًا حتى يأتي الحكم بالتفصيل من الله –جلَّ وعلا- بجعل السبيل.

فقال: «فقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْر» البكر المراد به: الذي لم يطأ في نكاحٍ صحيح ذكرًا كان أو أنثى، فإن وطئ في نكاحٍ صحيح فإنه يكون ثيبًا ليس ببكر، حكم الثيب يختلف عن حكم البكر.

«خُذُوا عني..خُذُوا عني، فقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ» يعني البكر يزني بالبكر، وهذا لا مفهوم له كأنه يقول: البكر من الذكور والبكر من الإناث حدُّه «جلد مائَة وَنفي سنة»، وليس المراد أنه إذا زنا البكر بثيب يختلف الحكم أو زنا الثيب ببكر يختلف الحكم، البكر حكمه كذا سواءً كان زناه مع بكر أو مع ثيب، والثيب حكمه كذا سواءٌ كان مع بكرٍ أو مع ثيب «جلد مائَة وَنفي سنة».

إذا زنا البكر وطئ بزنا مثلاً، هل يكون ثيبًا أو بكرًا؟

طالب: بكر.

بكر؛ لأنه لم يطأ بنكاحٍ صحيح، لم يكن وطؤه عن نكاحٍ صحيح.

«الْبكر بالبكر جلد مائَة» مائة جلدة كما تقدَّم «وَنفي سنة» تغريب سنة، «وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَةٍ وَالرَّجم» "رواه مسلم".

جلد مائة ونفي سنة سواءً كان الزاني البكر ذكرًا أو أنثى، قال بعض العلماء: الأنثى لا تُغرَّب لا تُنفى؛ لأنه خطرٌ عليها، ويكون البديل لتغريبها السجن، فلا تُغرَّب عن البلد؛ لأنها تحتاج إلى من يُحافظ عليها.

المقصود النص بالنفي والتغريب، فلا يُعارض بمثل هذا، فلا يمنع أن تُغرَّب وتكون تحت النظر، وإن سُجِنَت في بلد التغريب من باب المحافظة عليها لا زيادةً لما عليها من حد، وإنما من باب المحافظة عليها.

«جلد مائَةٍ وَنفي سنة، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَةٍ وَالرَّجم» جلد مائة جلدة والرَّجم كما تقدَّم في الحديث السابق. جلد مائة والرَّجم.

في الحديث السابق «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَة هَذَا، فَإِن اعْترفت فارجمها» اعترفت فرجمها وليس فيه جلد، القضايا التي في عهده –عليه الصلاة والسلام- بالنسبة للثيب ما نُصَّ فيها على جلد إلا في هذا الحديث حديث عبادة بن الصامت «وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَةٍ وَالرَّجم» فالجمهور يقولون: على أنه لا جلد مع الرَّجم؛ لأن القضايا التي حصلت في عصره –عليه الصلاة والسلام- ليس فيها إلا الرَّجم كما تقدَّم في الحديث الذي قبل هذا «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَة هَذَا، فَإِن اعْترفت فارجمها» فاعترفت، فأمر النبي –عليه الصلاة والسلام- برجمها، ولم يأمر بجلدها، وهنا الحديث صريحٌ وصحيح «جلد مائَةٍ وَالرَّجم».

وتلك الأحاديث في القضايا التي حصلت في عهده –عليه الصلاة والسلام- وهي لا تزيد على خمس قضايا، كل ما حصل في عهده لا تزيد على خمس قضايا، ويكتب مَن يكتب: وأن الزنا ظاهرة طبيعية وجبلية، وحصلت في عهد النبي –عليه الصلاة والسلام- أين الخمس قضايا في مدته -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة وعشرين سنة مما يحصل في بلاد المسلمين اليوم، وفي بلاد غيرهم أكثر وأكثر، أين هذا منه هذا؟! كيف يتم ويُقبل مثل هذا القول في مقابلة خمس قضايا بألوفٍ مؤلفة، ويحصل ما هو أشنع من ذلك في هذا الباب من الزنا بالمحارم وغيره مما يقشعر منه الجلد، وتنفر منه الطِّباع السَّوية.

قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث الذُّباب «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ» قال: كان يُقدِّم الجناح الذي فيه الداء، قال: من يُضعِّف الحديث وهو في البخاري من أين للذباب العقل، حتى يُقدِّم الجناح الذي فيه الداء، ويُؤخر الجناح الذي فيه الدواء؟ قال العلماء: هذه المخلوقات ليس لها عقول بالاتفاق؛ ولذلك لم تُكلَّف؛ لأن العقل مناط التكليف، قالوا: ليس لها عقول، ولها قوى مدركة، فالذباب يفعل هذا.

وزنت قردة، فاجتمع عليها قردة، فرجموها في الجاهلية، وهذا مُثبت في صحيح البخاري، وإن لم يكن من الأصول.

قال ابن حجر: وأتي بفرسٍ وضُرِب، حتى يقع على أمه فأبى رفض، فجللوها بكساءٍ، فصار الفرس لا يعرف أمه فوقع عليها، فلمَّا رفعوا الكساء التفت إلى ذكره فقطعه بأسنانه. فرس لا عقل له، ولا إثم عليه، ولا عذاب عليه، فكيف يحصل هذا ممن ينتسب إلى الدِّين؟! وأما الكفار ما بعد الكفر ذنب، لكن يحصل من شخصٍ نشأ بين المسلمين، ويتدين بالإسلام، ويعرف النصوص الواردة في ذلك، ويحصل منه ذلك!! الفطر انتكست، والأمزجة تغيرت، نسأل الله العافية.

وقد يكون الخلل في الطرفين تجد الولد وبيده الجهاز يطَّلع على هذه الأمور، والبنت أو الأم كذلك، وتلبس من الألبسة المغرية الفاتنة –نسأل الله العافية-، ولذا يحصل، والقضاة في المحاكم يذكرون من هذا أمثلة.

كتب مَن كتب وقال: إن عشرة بالمائة ليست ظاهرة، والناس ليسوا معصومين، عشرة بالمائة إذا كان البلد فيه مليون مائة ألف زاني سُميت ظاهرة- نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الضلال- ليست ظاهرة!! مائة ألف من مليون، فكيف بالملايين من البشر إذا قيل: عشرة بالمائة؟! وكم نسبة ما وقع في عصره –عليه الصلاة والسلام- من الوقائع الخمس، اعتبر الصحابة الذين حجوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- مائة ألف، كم نسبة خمسة إلى مائة ألف؟ والله المستعان. "رواه مسلم".

ثم قال: "وعن ابن شهاب" محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الإمام المعروف، "عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن المسيب" والثلاثة من الفقهاء السبعة، من فقهاء المدينة المعروفين.  

"عن أبي هريرة أنه قال: أتى رجلٌ من المسلمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه" "إني زنيت" في مثل هذا التعبير يقولون: إن الأدب ألا ينسبَ مثل هذا لنفسه، لا ينسبه لنفسه، مثل ما جاء في قصة أبي طالب حينما قال: هو على ملة عبد المطلب. أبو طالب ماذا قال في آخر كلامه؟ أنا على ملة عبد المطلب، لكن الرواة يتاحشون من نِسبة هذا الأمر القبيح إلى أنفسهم.

فقال: "إني زنيت"، لكن مثل هذا لابد من التصريح فيه، والتدقيق، وأن يكون من الأمر من الوضوح مثل الشمس، فلو قال: إنه زنا، فكان الضمير لغائب، هل ينطبق على هذا أو لا ينطبق عليه؟ يكون فيه نوع تردد، لكن الحدود يُتحرى فيها الدِّقة في العبارة التي لا تحتمل.

فقال: "إني زنيت، فأعرض عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى ثنَّى ذلك عليه أربع مرات" ويضبطها بعضهم بالتخفيف "حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات"؛ لأنه "ثنَّى" يعني: مرتين، كيف تصير "ثنَّى" وهي أربع مرات؟ لعل المراد: أنه ثنَّى ذلك عليه أربع مرات؛ لأنه جاء واعترف مرتين، ثُم جاء ثانية فاعترف مرتين، صار المجموع أربع مرات، وأما قولهم: "حتى ثنى" يعني: من الثني، والثني الذي هو ثني الشيء على بعضه لا حد له قد يُثنى بعضه على بعض مرتين..ثلاث..أربع..عشر؛ ولذلك رَجَّح بعضهم التخفيف.        

"أربع مرات. فلمَّا شهد على نفسه أربع شهاداتٍ" لابد من الاعتراف والإقرار أربع مرات استدلالاً بهذا الحديث، والرجل اسمه: ماعز بن مالك الأسلمي، شهد على نفسه أربع مرات، هذا الاعتراف بالزنا لابد أن يكون أربع مرات، كما أن الشهود في هذا الباب لابد أن يكونوا أربعة شهود.

وفي الأحاديث الأخرى ما فيها ذِكر للعدد؛ ولذا يرى بعضهم أن الإقرار لو حصل مرة واحدة، والاعتراف لو حصل مرة واحدة كفى، كغيره من الحدود والحقوق إذا اعترف الإنسان على نفسه يُؤاخذ، طيب هذا أربع مرات صريح، والحديث مُتفق عليه، كيف يُلغى العدد هنا؛ لأنه لم يُذكر في الأحاديث الأخرى؟

في المسألة السابقة «وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَةٍ وَالرَّجم» قالوا: ما ذُكِر في القضايا جلد مائة، لكن البيان حصل بحديث عبادة، ولا يلزم من تكرار البيان في كل مناسبة، حصل البيان بقوله- عليه الصلاة والسلام-: «جلد مائَةٍ وَالرَّجم» ولا يلزم من تكرار البيان في كل مناسبة، وهذا أيضًا استقر الأمر بالإقرار أربع مرات كما في حديث ماعز، ولا يلزم من كل مرةٍ أن يحصل البيان ففي الحديث السابق «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ» ما قال: اعترفت أربع مرات ارجمها، والقصص اللاحقة كذلك، يكفي أن حصل البيان في هذا الحديث، ولا يلزم من تكرار البيان في كل مناسبة، والقول: بأن الاعتراف لابد أن يكون أربع مرات هو المُرجَّح.

وأما الجلد مع الرَّجم، ففي البخاري عن علي –رضي الله عنه- أنه جلد شُراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة.  

"فلمَّا شهد على نفسه أربع شهاداتٍ، دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فقال: «أبك جُنُون؟»" لأن هذا الرجل جاء مُقدمًا نفسه للقتل، فهل يُشك في توبته؟ ما يُشك في توبته، فأراد النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يدرأ عنه؛ لأنه جاء تائبًا، لكنه أصر حتى رُجِم. 

"«أبك جُنُون؟» قال: لا"، وسأل عنه قومه ما تقولون في ماعز؟ قالوا: إنه وفيُّ العقل من صالحينا؛ لأن المجنون تسقط عنه الحدود والتكاليف.

 "«أبك جُنُون؟» قال: لا، قال: «فَهَل أُحصنت؟» قال: نعم" يعني: تزوجت ووطئت في نكاحٍ صحيح؟ قال: نعم.

"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اذْهَبُوا بِهِ فارجموه»" بمعنى: أنه يُرجَم بالحجارة حتى يموت.

"قال ابن شهاب" الراوي للحديث.

"وأخبرني من سمع جابر بن عبد الله، يقول: فكنت فيمن رجمه" يقول جابر: كنت فيمن رجمه، والخبر فيه راوٍ مجهول، "وأخبرني من سمع جابر بن عبد الله، يقول: فكنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى"، والمصلى مصلى العيد والجنائز خارج المدينة في الصحراء.

فلمَّا أذلقته الحجارة" أصابته الحجارة وأثرت فيه "هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه" يعني: لحقوا به فأدركوه فرجموه. "متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم".

وجاء في بعض الروايات «هلا تركتموه»؛ لأن هذا الرجل جاء تائبًا، وأثر الذنب قد محته التوبة، لا يُقال: إن كل من ثبت عليه حدّ أنه يُترك، والله المستعان.

"وعن عكرمة عن ابن عباسٍ قال: لمَّا أتى ماعز بن مالك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: «لَعَلَّك قبَّلت»" يُريد أن يُثنيه عن الاعتراف، لماذا؟ لصدق توبته «لَعَلَّك قبَّلت أَو غمزت، أَو نظرت؟» لأن كل هذا يُطلق عليه زنا؛ لأن زنا العين النظر كما جاء في الحديث.

"«لَعَلَّك قبلت أَو غمزت،أَو نظرت؟» قال: لا يا رسول الله، قال: «أنِكْتَها» لَا يَكنِي" يعني: باللفظ الصريح؛ لأن الحدود لابد من التثبت فيها، لابد فيها من التثبت كما تقدَّم في قوله: "إني زنيت"

"قال: نعم. فعند ذلك أمر برجمه" عليه الصلاة والسلام. "رواه البخاري".

"ولمسلمٍ عن ابن عباسٍ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لماعز بن مالكٍ: «أَحَقٌ مَا بَلغنِي عَنْك؟»" لعل مخبرًا بادر، فأخبر النبي –عليه الصلاة والسلام-، ثُم جاء ماعز، واعترف على نفسه بما تقدَّم.

"«أَحَقٌ مَا بَلغنِي عَنْك؟»" قَالَ: وَمَا بلغك عني؟ قَالَ: «بَلغنِي أَنَّك وَقعت بِجَارِيَة آل فلَان؟»" يعني: المملوكة لآل فلان "قال: نعم، فشهد أربع شهاداتٍ" كما تقدَّم اعترف أربع مرات "ثُم أَمر به فرُجم".

 والآمر هو النبي -صلى الله عليه وسلم- فرُجِم.

وعن عبيد الله بن عتبة.......