شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (150)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الأخوة المستمعين.

المقدم: بقي معنا بعض الأطراف في حديث أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما-، لعلنا نستكمل الأطراف، ثم نبدأ في الباب الذي يليه، أحسن الله إليك يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الموضع الثامن: في كتاب الجنائز، في باب ما جاء في عذاب القبر، قال الإمام البخاري- رحمه الله- تعالى: حدثنا يحيى بن سليمان، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن بن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما-، تقول: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خطيبًا فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجةً، والمناسبة ظاهرة؛ لأن عذاب القبر نتيجة للفتنة، والسؤال لا سيما في حق من لم يجب الجواب المطابق.

المقدم: الله المستعان.

والموضع التاسع: في كتاب العتق، في باب ما يستحب من العتاقة في الكسوف والآيات، قال: حدثنا موسى بن مسعود، قال: حدثنا زائدة بن قدامة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بالعتاقةِ في كسوف الشمس، أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بالعتاقةِ في كسوف الشمس، والمناسبة ظاهرة في الكسوف وهو آية؛ لقوله- عليه الصلاة والسلام- : «إن الشمس والقمر آيتان، من آيات الله يخوف بهما عباده»، وفي حكمه بقية الآيات، التي يخوف بها الله، {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ} [سورة الإسراء:59].

المقدم: {إِلَّا تَخْوِيفًا} [سورة الإسراء:59].

{إِلَّا تَخْوِيفًا} [سورة الإسراء:59]؛ لأنها نتيجة غضب، رتب على معصية، وهذه المعصية تُكَفَّر بالعتاقة، وغيرها من القُرب، ولذا شُرع إذا رأيت هذه الآية ،شرع الصلاة، أن يفزعوا إلى الصلاة، والدعاء، والعتق، والصدقة، وفي حكمها بقية الآيات، وفي صلاة الكسوف لغيرها من الآيات، خلاف بين الصحابة، وتذكر عن ابن عباس وغيره أنهم صلوا للزلزلة، لكن الجمهور على أن الصلاة خاصة للكسوف.

 الموضع العاشر: في الباب السابق، من الكتاب السابق، قال: حدثنا محمدٍ بن أبي بكر، قال: حدثنا عثامٌ، قال: حدثنا هشام، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما-، قالت: كنا نؤمر عند الخسوف بالعتاقة، الباب السابق، من الكتاب السابق، إلا أن الفرق بين الطريقين أن الأول من طريق موسى بن مسعود، وهذا من طريق، محمد بن أبي بكر، موسى بن مسعود في الطريق الأول قال: حدثنا زائدة بن قدامة، وهنا قال: حدثنا محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا عثام، وفي المتن فرق ينبغي التنبه له، في الطريق الأول قال: أمر النبي- صلى الله عليه وسلم-، وفي الطريق الثاني، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت:" كنا نؤمر عند الخسوف بالعتاقة" المناسبة تقدمت ظاهرة، يلاحظ الفرق بين أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وكنا نؤمر.

المقدم: نعم.

يلاحظ هذا الفرق، أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا خلاف في كونه..

المقدم: أمر.

مرفوعًا.

المقدم: نعم.

إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-، لذكر الآمر.

المقدم: نعم.

وأما إذا قال الصحابي..

المقدم: أُمر.

أُمر، أو كنا نؤمر، أو أمرنا.

المقدم: نعم، الأصل أنه مرفوع أيضًا.

هذا قول الجماهير.

المقدم: نعم.

قول جماهير أهل العلم، أن له حكم الرفع؛ لأن الصحابي لا يطلق الأمر والنهي في.. لا سيما في المسائل الشرعية، إلا لمن له الأمر والنهي، وهو النبي- عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: عليه الصلاة والسلام.

ولذا مرة قالت: كنا نؤمر، ومرة قالت: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلا فرق، فلا فرق، بين الصيغتين.

المقدم: نعم.

يقول الحافظ العراقي- رحمه الله- تعالى:

قول الصحابي من السُّنَّة، أو      نحو أمرنا حكمه الرفع، ولو

بعد النبي، قاله: بأعصر         على الصحيح وهو قول الأكثر

منهم من قال: لا يحكم له بالرفع؛ لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير النبي- عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يتصور من الصحابي أنه يستدل على مسألة شرعية، بغير..

المقدم: بغير أمره- عليه الصلاة والسلام-.

أمره، ونهيه- عليه الصلاة والسلام-، والدليل على ذلك ما عندنا الآن في هذا الباب بنفسه، أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقالت: كنا نؤمر، إذ لا فرق بينهما عندها، ولو كان هناك فرق عندها، أو عند من روى عنها لما غُيرت الصيغة.

المقدم: صحيح.

الموضع الحادي عشر: في كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، في باب الاقتداء بسنن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، في كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، في باب الاقتداء بسنن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وقول الله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [سورة الفرقان:74]، قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدي بنا من بعدنا، وعن ابن عونٍ، ثلاثٌ أحبهنَ لنفسي، وإخواني، هذه السُّنَّة أن يتعلموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهموه ويسألوا الناس عنه، السُّنَّة أن يتعلموها ويسألوا عنها، يعني يسألوا عما يشكل عليهم منها، والقرآن أن يتفهموه، ما قال يتعلموه؛ لأن المسألة مفترضة، في جيل التابعين، وكلُهم حُفاظ، ولذا لا نجد من يترجم له من أهل العلم، وهو لا يحفظ القرآن، لم أقف إلا على واحد، ونُص عليه.

المقدم: ابن أبي شيبة.

نعم ابن أبي شيبة.

المقدم: سبحان الله.

ما.. غيره ما ذُكر أنه لم يحفظ القرآن، ولو كان عدم حفظ القرآن معروفًا عندهم، لما نص على من لم يحفظ.

المقدم: سبحان الله العظيم.

والقرآن أن يتفهموه ويسألوا عنه، ويسألوا الناس عنه، ويدعوا الناس إلا من خير، هذا كلام نفيس وصية بالكتاب، والسُّنَّة، ووصية أيضًا لترك أذى الناس، «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، قال الإمام البخاري- رحمه الله- تعالى: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالكٍ، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء ابنة أبي بكر- رضي الله عنهما-، أنها قالت: أتيت عائشة حين خسفت الشمس، الحديث وفيه، «فأما المؤمن، أو المسلم فيقول: مُحمد جاءنا بالبينات، فأجبناه، وآمنا»، الحديث، والمناسبة بين الإيمان بما جاء به النبي- صلى الله عليه وسلم- «فأجبناه، وآمنا»، والمناسبة بين الإيمان بما جاء به النبي- صلى الله عليه وسلم- من الكتاب، والسُّنَّة من مقتضاه الاعتصام بهما، كوننا نؤمن بالكتاب والسُّنَّة، هل معنى هذا أننا نصدق أن  الكتاب من عند الله- جلَّ وعلا-، والسُّنَّة قالها النبي- عليه الصلاة والسلام- مُبلغًا عن ربه، نعم، ولا نعتصم بهما، من لازم هذا الإيمان والعلامة على صدق هذا الإيمان.

المقدم: الاعتصام.

لأن هذه دعوة، إذا لما تصدق بالعمل الذي هو الاعتصام الفعلي بالكتاب، والسُّنَّة، صار ليس بإيمان؛ لأن الإيمان ما وقر في القلوب، وصدقه العمل.

 والحديث خرجه أيضًا، الإمام مسلم فهو متفقُ عليه.

المقدم: قال- رحمه الله-: عن عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- أنه تزوج ابنة لأبي إيهاب بن عزيز، فأتته امرأةُ فقالت: إني أرضعتُ عقبة، والتي تزوج بها، فقال لها عقبة: ما أعلم إنَّكِ أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة فسأله؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «كيف، وقد قيل»؟ ففارقها عقبة، ونكحت زوجًا غيره.

راوي الحديث عقبة بن الحارث بن عامر القرشي المكي أبو سروعة، أبو سروعة، على المشهور عند المحدثين، هو بكسر السين المهملة، وسكون الراء، وفتح الواو، والعين المهملة، أسلم يوم فتح مكة، قال ابن حجر: بقي إلى بعد الخمسين، يعني إلى ما بعد سنة خمسين، وادعى ابن عبد البر في الاستيعاب أن ابن أبي مُليكة راوي الخبر عن عقبة بن الحارث، لم يسمع من عقبة، وبينهما عبيد بن أبي مريم، قال الكرماني: وهذا سهو منه، سهو من ابن عبد البر، لما سيجيء في كتاب النكاح، في باب شهادة المرضعة، أن ابن أبي مُليكة قال: حدثنا عبيد بن أبي مريم، عن عقبة بن الحارث، قال:  وقد سمعته من عقبة، نص على أنه سمعه من عقبة، ورواه بالواسطة، ومع ذلك رواه بواسطة، وقد سمعه من عقبة، يقول: لكني لحديث عبيد أحفظ، فهذا تصريح.. هذا صريح في سماعه من عقبة، فكونه يذكر واسطة أحيانًا، وأحيانًا يحذفها، لا يعني أنه لم يسمع الحديث..

المقدم: مباشرة.

من الصحابي مباشرة. والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب الرحلة في المسألة النازلة، باب الرحلة في المسألة النازلة.

المقدم: وتعليم أهله.

وتعليم أهله، قال ابن حجر: وتعليم أهله كذا في رواية كريمة، كذا في رواية كريمة، والصواب حذفها؛ لأنها تأتي في باب آخر.

المقدم: للزيادة.

وتعليم أهله.

المقدم: نعم.

يعني ليس في الحديث ما يدل عليها، وستأتي في باب آخر، الصواب حذفها؛ لأنها تأتي في باب آخر، ومناسبة الرحلة لكتاب العلم ظاهرة.

المقدم: نعم.

مناسبة الرحلة لكتاب العلم ظاهرة؛ لأن الرحلة إنما تكون لطلب العلم، ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، في قوله: فركب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

المقدم: فسأله.

نعم، وليس فيه ما يطابق قوله: وتعليم أهله.

المقدم: نعم.

نعم، ولذا قال ابن حجر والعيني والصواب حذفه؛ لأنه يأتي في باب آخر، والرحلة بكسر الراء الارتحال، من رحل يرحل إذا مضى في سفرٍ، ورحلتُ البعير، أرحله رحلًا، إذا شددتَ عليه الرحل، وهو للبعير أصغر من القتب، وهو من مراكب الرجال دون النساء، أصغر من القتب، وهو من مراكب الرجال دون النساء، وهو من المراكب المتواضعة، وقد حج النبي- عليه الصلاة والسلام-...

المقدم: عليه الصلاة والسلام.

 على رحل، وحج أنس على رحل، ولم يكن شحيحًا، كما في صحيح البخاري، الرحل مركب متواضع، فحج النبي- عليه الصلاة والسلام- على رحل، بإمكانه أن يحج على شيء وثير مريح.

المقدم: اللهم صلى عليه.

وأنس ولم يكن شحيحًا، حج على رحل اقتداءً بالنبي- عليه الصلاة والسلام-، فعلينا أن نقتدي به- عليه الصلاة والسلام- في جميع أمورنا، لاسيما في مواطن العبادة، فتجد بعض الناس إذا أراد أن يحج، أو يعتمر، أو يسافر سفر طاعة، يتنعم، ويترفه في سفره أكثر من اللازم، ليس المطلوب من الإنسان أن يعذب نفسه، والله- جلَّ وعلا- إذا أنعم على عبد يحب أن يرى أثر النعمة عليه، لكن مع ذلك لا يبالغ في هذا، ونسمع من المبالغات في الإنفاق لاسيما في الحج.

المقدم: الله المستعان.

على.

المقدم: الحملات.

الحملات.

المقدم: نعم.

ألوف، عشرات الألوف، بل ذُكر مبالغ خيالية لأربعة أيام، أو خمسة أيام، نعم، يوفر لهم جميع وسائل الراحة، لماذا؟! والمسألة أربعة أيام، والنبي- عليه الصلاة والسلام- حج على رحل، والرحل مركب متواضع، وأنس رضي الله تعالى عنه اقتداءً بالنبي- عليه الصلاة والسلام- ولم يكن شحيحًا ولا عاجزًا حج على رحل، فعلى المسلم لا سيما من ينتسب إلى العلم أن يكون قدوة، وأسوة لغيره، قال ابن حجر: الرِّحلة بكسر الراء، بمعنى الارتحال، وفي روايتنا أيضًا الرَّحلةَ، بفتح الراء أي الواحدة، وأما بضمها فالمراد به الجهة، وقد تطلق على من يُرتحل إليه، يعني يذكر في تراجم بعض أهل العلم، الكبار يقال: فلان الرُّحلة، رحلة، يعني يرحل إليه.

المقدم: يرحل إليه.

نعم.

المقدم: نعم، وليس كثير الرحلة.

لا، لا.

المقدم: نعم.

لا، لا، الرحلة يرحل إليه، وبعضهم يقول: رُحلَة كهُمزة، ولُمزة.

المقدم: نعم.

نعم، لكن التسكين هو الأجود.

أحد الحضور: عندهم يا شيخ يقولون: من يكن رِحلة، لم يكن رُحلة.

نعم من لم يرحل لغيرهِ، لن يرحل إليه فيما بعد، وقد تُطلق على من يرتحل إليه، قال العيني: وقال بعضهم: وهذا الأسلوب يستعمله دائمًا مع ابن حجر، وقال بعضهم: الرِّحلةُ، بالكسر من الارتحال، قلت: المصدر لا يشتق من المصدر، لكن ابن حجر ماذا قال؟ الرِّحلةُ بكسر الراء بمعنى الارتحال.

المقدم: بمعنى.

بمعنى الارتحال، ما قال من الارتحال.

المقدم: نعم.

ولذا لم يتعرض ابن حجر للرد عليه بالانتقاض، ولا البوصيري في المبتكرات، لكن وقال بعضهم في الغالب أنه يستعملها، بإزاء الحافظ ابن حجر- رحمه الله- تعالى، بل هي عين كلام العيني، العيني يقول: الرِّحلةُ بكسر الراء الارتحال، وابن حجر يقول: الرِّحلة بكسر بمعنى الارتحال فلا فرق، فلعله، لعل العيني يقصد آخر.

 المقدم: نعم.

نعم، لكن الصيغة تدل على.

المقدم: ابن حجر.

يعني الجادة والعادة أنه لا يقول: بعضهم إلا بإزاء ابن حجر، نقل العيني عن ابن قرقول قوله: الرِّحلةُ بكسر الراء، ضبطناه عن شيوخنا ومعناه الارتحال، وحكى أبو عبيدة ضمها..، ضمَها، قلت- والقائل العيني-: الرُّحلةُ بالضم الوجه الذي تريده، قال أبو عمرو: يقال أنتم رُحلتي، أي الذي أرتحل إليهم، وقال العيني: فإن قلت: قد تقدم باب الخروج في طلب العلم، وهذا الباب أيضًا بهذا المعنى فيكون تكرارًا، قد تقدم باب الخروج في طلب العلم، وهذا الباب أيضًا بهذا المعنى فيكون تكرارًا، قلت- القائل العيني-: ليس بتكرار، بل بينهما فرق؛ لأن هذا لطلب العلم في مسألة خاصة، وقعت للشخص ونزلت به، وذاك ليس كذلك، هل يريد التكرار العيني في المتن أم في الترجمة؟ أصل الإشكال لما قال: فإن قلت: قد تقدم باب الخروج في طلب العلم، وهنا قال: ماذا؟ باب الرِّحلةِ.

المقدم: في المسألة النازلة.

في المسألة النازلة، نعم، البخاري ترجم الرِّحلة في مسألة واحدة.

المقدم: نازلة.

نازلة، وهناك الخروج في طلب العلم، فهناك في طلب العلم عمومًا، وهنا في مسألةٍ بعينِها، ولذا يقول العيني: ليست بتكرار، بل بينهما فرق؛ لأنَّ هذا لطلب العلم في مسألة خاصة وقعت للشخص، ونزلت به، وذاك ليس كذلك، فإن قلت: ما وجه المناسبةِ بين البابين؟ يعني بين هذا الباب.

المقدم: والذي...

والذي قبله مباشرةً.

المقدم: نعم.

ما هو بالباب الذي فيه.

المقدم: الخروج.

الخروج لطلب العلم، لا.

المقدم: باب من..

لا الباب الذي قبله.

 المقدم: باب من..

لا، باب تحريض النبي- صلى الله عليه وسلم- وفد عبد القيس.

المقدم: نعم.

يعني هذا لم يذكره المختصر.

المقدم: نعم.

باب تحريض النبي- صلى الله عليه وسلم- وفد عبد القيس، على أن يحفظوا الإيمان والعلم، ويخبروا من وراءهم، هذا الباب الذي يريد أن يقرن بينهما.

المقدم: نعم.

العيني.

المقدم: وهم أصلًا سافروا؛ لأن وفد عبد القيس، جاؤوا لطلب العلم، ارتحلوا.

نعم، يقول: فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين، قلت: من حيث إن المذكور في الباب الأول التحريض على العلم.

المقدم: نعم.

والمحرض من شدة تحرضه قد يرحل إلى المواضع لطلب العلم.

المقدم: نعم.

ولا سيما لنازلة تنزل به، وعرفنا أن المراد بهذا الباب، باب الرحلة، مع باب التحريض.

المقدم: نعم.

والرِّحلة من سنن أهل الحديث، وأخبارهم فيها أكثر من أن تحصر؛ طلبًا للعلو وتحصيل ما ليس عنده من الأخبار، وللخطيب البغدادي مُصنف أسماهُ الرحلة لطلب الحديث، مُصنف نفيس جمع فيه كثيرًا من الأخبار، وبالإمكان إضافة أضعاف أضعاف ما كتبه الخطيب ممن سبر أحوال أهل العلم، بعد الخطيب.

المقدم: نعم.

وقصص، وحكايات حصلت لمن في زمن الخطيب ومن قبل الخطيب، في جزءٍ متوسط، وبالإمكان أن تخرج أخبار الرحالين في مجلدات، بل كل واحدٍ من هؤلاء الرحالة، أو كثير منهم صنف في رحلتِهِ مصنفًا.

المقدم: صحيح.

بلغت في بعض الأحيان.

المقدم: إلى خمس.

إلى خمسة مجلدات.

المقدم: نعم.

رحلةُ ابن رشيد من أنفس ما كتبه الرحالة.

المقدم: ابن رشيد.

في خمسة مجلدات، ابن رشيد الفهري.

المقدم: نعم.

السبتي، من أنفس ما كتب، وفيها من نفائس العلوم، ودقائق علوم الحديث على وجه الخصوص ما لا يوجد في غيرها.

المقدم: وسماها هكذا، رحلة ابن رشيد.

لا.

المقدم: نعم.

سماها ملء العيبة، نعم، ملءُ العيبة بما جُمع بطول الغيبة، في الوَجهة، في الوِجهة الوجيهة إلى مكة وطيبة.

المقدم: الله.

ما من بلد يمر به إلا ويجتمع بعلمائه، ويناقشهم، ويعرض الإشكالات عليهم، ويتلقى إشكالاتهم.

أحد الحضور: شيخ، كم طبع من هذا المجلدات.

نعرف طبع الأول، والثالث، والخامس الظاهر، طبع منها ثلاثة.

المقدم: نعم.

يعني هذا الذي طبع منها إن كان طبع شيء بعده ما أدري.

أحد الحضور: السبتي.

نعم، السبتي من سِبت من المغرب، من المغرب، وهناك الرحلات الكثيرة لأهل العلم، وفيها فوائد عظيمة على طالب العلم أن يُعنى بها، وفيها طرائف، وأخبار، وفيها علوم، من أواخر هذه الرحلات رحلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، في رحلتهِ إلى الحج، وفي رحلتهِ من بلده إلى هذه البلاد، وفي بلاد إفريقية، مسائل عظيمة عرضت للشيخ.

 ولا شك أن الناس، يعني أهدافهم شتى؛ منهم من يهتم بالعلم الخالص، بمتين العلم، ومنهم من يُعنى بمُلح العلم، وطرائفه، ومنهم من يُعنى بالنظر في الآفاق والضرب في الأرض للاعتبار، والتذكر، هذا أيضًا دونه كثير من الرحالة، ومنهم من ينظر في حضارات الأمم، وعمارات الأرض، ومنهم من خلّط في رحلتهِ وادعى ما لم يسمع وما لم يرى.

 المقصود أن هذه الرحلات فيها وفيها، لكن رحلات المحدثين مما ينبغي أن يُعنى به طالب العلم، فالرحلة من سُنن أهل الحديث وأخبارهُم فيه أكثر من أن تُحصر؛ طلبًا للعلوم وتحصيل ما ليس عنده، قال الشعبي: لو أن رجلًا سافر من أقصى الشام، إلى أقصى اليمن لحفظ كلمةٍ تنفعهُ فيما بقي من عمرهِ لم أر سفرهُ يضيع. وتقدم في باب الخروج في طلب العلم مما لم يذكره..، مما لم يُذكر في المختصر معنا.

المقدم: نعم.

قول البخاري: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أُنيس، في حديثٍ واحد، رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أُنيس، في حديثٍ واحد، كذا علقه البخاري في صحيحهِ وأخرجه في الأدب المفرد، وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغني عن رجُلٍ، بلغني عن رجُل حديث سمعه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاشتريت بعيرًا ثم شددتُ رحلي فسرتُ إليه شهرًا حتى قدمتُ الشام، فإذا عبد الله بن أُنيس فقلت للبواب: قل له جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ استفهم، قلت: نعم، فخرج فاعتنقني فقلت: حديثُ بلغني عنك، أنك سمعته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخشيت أن أموت قبل أن أسمعهُ.

المقدم: رضي الله عنه.

فقال: سمعتُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «يحشُر الله الناسَ يوم القيامةِ عراة» فذكر الحديث، والحديث له طرق ذكرها الحافظ ابن حجر في الشرح، وإن كان في أصل الإسناد عبد الله بن محمد بن عقيل وهو معروفٌ بسوء الحفظ، لكن بطُرقهِ يصل إلى درجة القبول، ولذا جزم البخاري في تعليقهِ، ورحلَ جابر بن عبد الله جزم به، ولا يجزم إلا لما يغلب على الظن ثبوتهُ، استمر العمل بهذه السُّنَّة الحسنة فرحل العلماء ودونوا في رحلاتهم غرائب العلوم، وعجائب الفنون، ومن أفضل ما يُقرأ في هذا الباب رحلاتُ المحدثين، ورحلات العلماء عمومًا، ويدونونَ فيها فوائدهم، وما يحصُل لهم، وما يعرضُ لهم؛ لأن الإنسان قد يقرأ في الكُتب أحكام السفر مثلًا، أحكام السفر مثلًا، ثم يعرضُ له في سفرِهِ ما يعدل بواسطةِ بعض التصورات؛ لأن النظري قد يُفهم على وجه.

المقدم: نعم.

ثم، إذا طُبق.

المقدم: اختلف.

اختلفت النظرة، وهذا يحصُل كثيرًا.

المقدم: في الحج.

في الحج، في الحج.

المقدم: نعم.       

حتى إن من أهل العلم، من أحرقَ ما ألّفهُ في المناسك لما باشر الحج.

المقدم: نعم.

نعم، أقول: هذا العمل استمر، ولله الحمد، استمرت هذه السُّنَّة الحسنة إلى يومنا هذا، وما قيام الدورات العلمية في عصرنا في أنحاء هذه البلاد المباركة وغيرها إلا امتداد لهذه الرحلات العلمية، فتجد العالم يرحل ليُلقي ما عنده من علم على أهل تلك البلاد، والطلاب يرحلون إلى هذه الدورات من أنحاء البلاد وخارجها، وأثبتت- ولله الحمد- هذه الدورات نجاحًا باهرًا، وأكِملَ فيها بعضُ الكتب التي لا تُكمل في أمدٍ طويل، في الدروس الأسبوعية خلال العام، وأنجز فيها إنجازات طيبة جدًا، ورتبت ترتيبًا دقيقًا، فجزى الله القائمين على هذه الدورات، ومن يسر الأمر لهم من المسؤولين خير الجزاء.

 ومما ينبغي التنبيه عليه أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فمن يرحل لطلب العلم والخير والفضل يؤجر على ذلك، لكن لا يجوز له أن يرتكب في رحلتهِ، ولا في طريقها محظورًا، كما حصل من بعض من تكرر منه السفر إلى بعض البلدان خارج هذه البلاد؛ لأن الفتن متاحة في خارج هذه البلاد إلا من رحمه الله، والمعصوم من عصمه الله تعالى، فيحرص طالب العلم أشد الحرص على أن يرتحل ليلتقي بأهل العلم، أما إذا كان في بلد كبار أهل العلم متوافرين فيهِ فليحرص على علماء بلده.

المقدم: الله المستعان.

نعم، اغتنامًا للوقت، واختصارًا له، واختصارًا للجهد، فإذا انتهى ما عندهم وعرف، أو سمع في البلدان الأخرى من يستحق الرحلة وعنده شيء ليس عند علماء بلده شُرِعَ له ذلك.

المقدم: أحسن الله عليكم ونفِعَ بعلمكمَ، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نستكمل بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.