شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (055)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: توقفنا عند قول المؤلف:

"عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» فقلت: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه»."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

راوي الحديث أبو بكرة، نُفَيع بن الحارث بن كَلَدة، بفتحتين، ابن عمرو الثقفي، كني بأبي بكرة؛ لأنه أسلم في حصن الطائف، وعجز عن الخروج فتدلَّى في النزول إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه ببكرة.

روي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة واثنان وثلاثون حديثًا، وكان ممن اعتزل يوم الجَمَل، توفي في البصرة سنة إحدى وخمسين.

هذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: بابٌ: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [سورة الحجرات 9] فسماهم المؤمنين.

كذا في رواية الأصيلي إفراد حديث أبي بكرة بترجمة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الحجرات 9] إلى آخره، وفي رواية أبي ذر عن مشايخه أدخل الحديثين -أعني حديث أبي ذر وأبي بكرة، حديث أبي ذر السابق، وحديث أبي بكرة الذي معنا- في ترجمة واحدة، هي عبارة عن مزيج بين الترجمتين على الحديثين، لكن سقط حديث أبي بكرة من رواية المستملي.

يقول ابن حجر: وكل من الروايتين جمعًا وتفريقًا حسن، يعني إفراد كل حديث بترجمة مستقلة حسن، وجمع الحديثين تحت ترجمة واحدة هي مزيج من الترجمتين أيضًا حسن.

يقول العيني: وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في الباب الأول أن مرتكب المعصية لا يكفَّر بها، وأن صفة الإيمان لا تُسلَب عنه، فكذلك في هذا الباب يبيِّن مثل ذلك؛ لأن الآية المذكورة فيه في حق البغاة، وقد سماهم الله تعالى المؤمنين، ولم تُسلَب عنهم صفة الإيمان، وبهذا يُرَدُّ على الخوارج والمعتزلة لما ذكرنا.

يقول ابن حجر -رحمه الله-: استدل المؤلف على أن المؤمن إذا ارتكب معصية لا يكفَّر بأن الله تعالى أبقى عليه اسم المؤمن، فقال: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [سورة الحجرات 9] ثم قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سورة الحجرات 10] واستدل أيضًا بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما» فسماهما مسلمَين مع التوعد بالنار.

ويقول النووي: فإن قيل: إنما سماهما الله تعالى في الآية مؤمنين، وسماهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث مسلمَين حال الالتقاء لا في حال القتال وبعده. يقول: فالجواب: إن الدلالة من الآية ظاهرة، فإن قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سورة الحجرات 10] سماهما أخوين بعد القتال، وأمر بالإصلاح بينهما؛ ولأنهما عاصيان قبل القتال، وهو من حيث سَعَيَا إليه وقصداه والحديث محمول على معنى الآية.

وحديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- السابق صريح في الدلالة، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» والأحاديث بنحو هذا كثيرة في الصحيح معروفة مع آيات من القرآن العزيز.

الإشكال الذي أورده النووي ما المراد به؟

المقدم: وهذا كان موضع سؤال بالنسبة لي، يعني ما المراد أو ما الدعي من قوله إنه سماهما مؤمنين أو مسلمَين حال القتال لا قبله ولا بعده؟

حال الالتقاء.

المقدم: حال الالتقاء.

لا في حال القتال وبعده.

المقدم: بالنسبة لي لم يتضح -الحقيقة- سبب الإشكال الذي ذكره النووي؟

فالجواب: إن الدلالة من الآية ظاهرة، فإن قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سورة الحجرات 10] سماهما أخوين بعد القتال كيف بعد القتال؟ {طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [سورة الحجرات 9] ثم بعد ذلك قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سورة الحجرات 10] يعني بعد ذلك القتال؛ لأن القتال في آية والصلح في الآية التي بعدها.

سماهما أخوين بعد القتال، وأمر بالإصلاح بينهما؛ ولأنهما عاصيان قبل القتال. عاصيان قبل القتال من أي وجه؟ يقول: وهو من حين سعيا إليه، يعني حال كونهما عازمَين عليه مع العزم -كما سيأتي­-، من حين سعيا إليه وقصداه، والحديث محمول على الآية؛ لأن الحديث: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما» محمول على الآية، وحديث عبادة بن الصامت واضح ما فيه إشكال، حديث عبادة بن الصامت السابق صريح في الدلالة، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» والأحاديث بنحو هذا كثيرة في الصحيح معروفة مع آيات من القرآن العزيز.

الآن آية الصلح أليست بعد آية القتال؟ {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [سورة الحجرات 9].

المقدم: بلى.

هنا آية ماذا؟ القتال، ثم بعد ذلك قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سورة الحجرات 10]، لكن الصلح ما هو موجود مع القتال في الآية الأولى؟

المقدم: بلى، {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [سورة الحجرات 9].

نعم، إذًا الإشكال الذي أورده النووي وإجابته بالآية الثانية للدلالة على أن الصلح متأخر عن القتال ما له وجه، ليس له وجه.

سبب إيراد أبي بكرة الحديث ما ذكره البخاري في الأصل عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» وسيأتي في حديث الفتن أن القصة وقعت مع الحسن كما سيأتي أيضًا، ولعلها وقعت مع الأحنف ومع الحسن أيضًا مع الاثنين معًا، وكأنه أشار إليهما ونصحهما بالرجوع عن المشاركة في القتال للحديث.

المقدم: نصرة هذا الرجل المراد به علي -رضي الله عنه-.

علي بن أبي طالب، نعم.

المقصود: هذا سبب إيراد أبي بكرة الحديث، وهناك فرق بين سبب الإيراد والورود؛ لأن عند أهل العلم ما يسمى بسبب الورود، سبب ورود الحديث الذي هو الباعث للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول ذلك الحديث، وسبب الإيراد هو إيراد من احتج بهذا الحديث، سواءً كان من صحابي أو من دونه، فإذا أراد أن يستدل به أورده، وسبب الورود الباعث للنبي -عليه الصلاة والسلام- على أن يقول ذلك الحديث هو بالنسبة لعلوم القرآن نظير سبب النزول.

والمراد بالرجل هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

قال ابن حجر: ورد في اعتزال الأحنف القتال في وقعة الجَمَل سبب آخر، فأخرج الطبري بسند صحيح عن حُصَين بن عبد الرحمن عن عمرو بن جاوان قال: قلت له: أرأيت اعتزال الأحنف ما كان؟ قال: سمعت الأحنف قال: حججنا فإذا الناس مجتمعون في وسط المسجد، يعني النبوي، وفيهم علي والزبير وطلحة وسعد إذ جاء عثمان، فذكر قصة مناشدته لهم في ذكر مناقبه -رضي الله عنه وأرضاه-، قال الأحنف: فلقيت طلحة والزبير فقلت: إني لا أرى هذا الرجل، يعني عثمان، إلا مقتولاً، فما تأمراني به؟ قالا: علي، فقدمنا مكة فلقيت عائشة، وقد بلغنا قتل عثمان فقلت لها: من تأمريني به؟ قالت: علي، اجتمع رأيهم على علي، قال: فرجعنا إلى المدينة فبايعت عليًا -رضي الله عنه-، ورجعت إلى البصرة، فبينما نحن كذلك إذ أتاني آتٍ، فقال: هذه عائشة وطلحة والزبير نزلوا بجانب الخريبة يستنصرون بك، فأتيت عائشة فذكَّرتها بما قالت لي، ثم أتيت طلحة والزبير فذكَّرتهما فذكر القصة، وفيها: فقلت: والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أقاتل رجلاً أمرتموني ببيعته، فاعتزل القتال مع الفريقين.

هكذا تكون الفتن بدايتها قليلة يسيرة، ثم بعد ذلكم تَطِيْش العقول، فلا تستطيع الخروج من هذه الفتن، أم المؤمنين هي التي أشارت ببيعة علي، ومبايعة علي -رضي الله عنه-، وعلي -رضي الله عنه- لما خرجت أم المؤمنين في قصة الجمل قال: والله إنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم، فإذا بدأت الفتن يصعب حينئذٍ الحل، فإذا كان هذا في حال الصحابة وهم أكمل الناس، وأتبع الناس للنصوص، وأخشى الناس، وأتقى الناس، فكيف بمن دونهم؟!

ويمكن الجمع بأنه هَمَّ بالترك ثم بدا له في القتال مع علي، ثم ثبَّطه عن ذلك أبو بكرة، أو هَمَّ بالقتال مع علي فثبَّطه أبو بكرة، وصادف مراسلة عائشة، فرجَح عنده الترك.

وأخرج الطبري أيضًا من طريق قتادة قال: نزل علي بالزاوية، فأرسل إليه الأحنف: إن شئت أتيتك، وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف، فأرسل إليه: كُف من قدرت على كفه.

قوله: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك، ولكن أمرهما إلى الله تعالى إن شاء عاقبهما، ثم أخرجهما من النار كسائر الموحِّدين، وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلاً، وقيل: هو محمول على من استحلَّ ذلك، ولا حجة فيه للخوارج، ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلَّدون في النار؛ لأنه لا يَلزَم من قوله: «فهما في النار» استمرار بقائهما فيها.

واحتج بالحديث من لم يرَ القتال في الفتنة، وهم كل من ترك القتال مع علي في حروبه كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة وغيرهم، وقالوا: يجب الكف حتى لو أراد أحد قتله لم يدفعه عن نفسه.

ومنهم من قال: لا يدخل في الفتنة فإن أراد أحد قتله دفعه عن نفسه، وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق، وقتال الباغين، وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال، أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحق، نعم عند الاشتباه يجب الاعتزال، لكن إذا تبين وترجح صاحب الحق حينئذٍ يجب نصره.

واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عُرف المحق منهم؛ لأنهم لم يقاتِلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجَر أجرًا واحدًا، وأن المصيب يؤجر أجرين، وحمل هؤلاء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ، بل بمجرد طلب الملك، ولا يرد على ذلك منع أبي بكرة الأحنف من القتال مع علي؛ لأن ذلك وقع عن اجتهاد من أبي بكرة أداه إلى الامتناع والمنع احتياطًا للامتناع بنفسه، والمنع لغيره احتياطًا لنفسه ولمن نصحه، فالصحابة اختلفوا في مثل هذا، فالأكثر مع علي -رضي الله عنه-، وهو المصيب عند أهل السنة والجماعة، ومنهم من اعتزل بالكلية لورود مثل حديث الباب، وما جاء في معناه إيثارًا للسلامة على حسب ظنه، ومنهم من مال إلى الطرف الآخر، وهم مجتهدون، والكل معذور، بل كلٌّ مأجور، لكن المصيب له أجران، والمخطئ له أجر واحد.

قال الطبري: لو كان الواجب في كلِّ اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل، وكسر السيوف لما أقيم حد، ولا أبطل باطل، ولوجد أهل الفسوق سبيلاً إلى ارتكاب المحرمات، من أخذ الأموال، وسفك الدماء، وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم بأن يقولوا: هذه فتنة، وقد نهينا عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء، انتهى.

هذا كلام صحيح، يعني لو كل إنسان قال: أنا أعتزل الفتن، ويترك الناس يتقاتلون وتصير الغلبة لأهل الباطل، خيار الأمة يعتزلون مثل هذه التي يبين فيها الحق، أما إذا اشتبه الأمر فالعزلة إيثارًا للسلامة، أما إذا رجحت كفة أحد الفريقين فلا بد من نصر المحق، وقتال الباغي إذا لم يرضَ بالصلح {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [سورة الحجرات 9] لا بد من أن تقاتَل.

قوله: «فالقاتل والمقتول في النار» أخرج البزار زيادة تبيِّن المراد، وهي: «إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار» لا يمكن أن يؤخذ الحديث على إطلاقه وعلى عمومه؛ لأن هناك من القتل ما هو واجب، ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ: «لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قَتَل، ولا المقتول فيم قُتِل» فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: «الهرج، القاتل والمقتول في النار».

وهكذا في الفتن لا يُدرَى، القاتل لا يدري كما ذكرنا سابقًا أنه في مثل هذه المواقف تطيش العقول، وتُسلَب الألباب، وحينئذٍ لا يَدرِي المقتول ولا القاتل، لا هذا فيم قَتَل، ولا المقتول فيم قُتِل.

يقول القرطبي في المفهم: قوله: «فالقاتل والمقتول في النار» معناه أنهما مستحقان لذلك، أما القاتل فبالقتل الحرام، وأما المقتول فبالقصد الحرام، والمستحق للشيء قد يُعفَى عنه {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة النساء 116] والقتل دون الشرك بلا نزاع، فأما من اعتقد استحلال دم المسلم بغير سبب ولا تأويل فهو كافر، وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في الأم -هذا كلام القرطبي- وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في الأم، ما هو الأم هذا؟

المقدم: يعني مسلم، كتاب مسلم، صحيح مسلم.

الأم الذي هو الأصل يعني الصحيح؛ لأن القرطبي يشرح المختصَر.

المقدم: نعم مختصَر مسلم.

نعم، وهو يشير إلى الأم يعني الأصل.

المقدم: أصل الكتاب.

نعم.

«إذا التقى المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح، فهما على جُرْف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه داخلاها جميعًا» وفي بعض روايات مسلم: «حَرْف» بدل جُرْف وكلاهما متقارب في المعنى والصورة، ويؤيده حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعًا: «من قاتل تحت راية عِمِّيَّة يغضب لعصبه، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقُتل فقِتْلته جاهلية».

الإخوان ذكروا أن الأم للإمام الشافعي، هل في ذلك من خلاف؟ هل في ذلك من خلاف؟ أو تواترت نسبتها إلى الإمام الشافعي بدون خلاف ولا نزاع؟ حتى جاء من جاء من الأدباء لا من الفقهاء ولا من العلماء، لا من الشافعية ولا من غيرهم لا في العِيْر ولا في النَّفِيْر، جاء من يصنِّف: إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي. كتب اتفقت ألسنة الناس على نسبتها إلى أربابها ويأتي من يشكك!

المقدم: وليس من أهل الصنعة.

لا، لا، أديب، بعيد كل البعد عن العلوم الشرعية -والله المستعان- وله كلام في غاية السقوط، وهو الذي ينعى على من طهَّر كتب الأدب من المجون، ويقول الكلام القبيح الشنيع: إن الحياة تفقد حيويتها حينما تكون هدى خالص. نسأل الله السلامة والعافية، هكذا يقول مثل هذا المفتون، والله المستعان.

ويأتي ليقول: إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي. وهذا مرده وسببه الجهل المطبِق بطرائق المتقدمين ومناهجهم في التصنيف.

حينما يُذكَر الراوي عن المؤلف في الكتاب يَظن كيف الشافعي يَذكُر قال الربيع، قال الشافعي، إذًا المصنِّف الأصلي يذكر الراوي؟! إذًا الأم ليست للإمام الشافعي، وعلى هذا فليطرد كل مؤلفات المتقدمين.

موطأ مالك: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا مالك، مسند الإمام أحمد: قال عبد الله: حدثني أَبِيْ، كل المؤلفات، مؤلفات المتقدمين ليست لهم على هذا، وهذا سببه الجهل المطبق، والله المستعان، وهذا إذا تكلم الشخص بغير فنه يأتي بمثل هذه العجائب.

قوله: "هذا القاتل" مبتدأ وخبر، أي: هذا القاتل يستحق النار لأنه قاتل، فالمقتول لِمَ يستحقه وهو مظلوم؟ "فما بال المقتول؟" أي فما حاله وشأنه؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» الحِرْص الجَشَع، وقد حَرِص على الشيء يحرَص، حَرِص يحْرَص، على مثال: سَمِع يسمَع، وحَرَص يحرِص على مثال: ضَرَب يضرِب، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ} [سورة يوسف 103] و«لا نولِّي هذا العمل من أراده أو حرَص عليه» فهي على مثال ضَرَب يضرِب، وتقال أيضًا على مثال: سَمِع يسمَع، حَرِص يحرَص.

يقول الكرماني: فإن قلت: قالوا في قوله تعالى: {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [سورة البقرة 286] يعني: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [سورة البقرة 286] لماذا عدل من الكسب إلى الاكتساب؟ فإن قلت: قالوا في قوله تعالى: {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [سورة البقرة 286] اختيار باب الافتعال للإشعار بأنه لا بد في الشر من الاعتمال والمعالجة بخلاف الخير، فإن النية المجرَّدة فيه يعني كافية، ويثاب عليه يعني الخير، تكفي فيه النية، وأما الشر لا بد فيه من الاعتمال والمعالجة.

فما وجه كون المقتول بمجرد القصد في النار؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم يتكلموا أو يعملوا» وفي الحديث الآخر: «إذا هَمَّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه» قلت -القائل الكرماني-: مَن عزَم على المعصية بقلبه، ووطَّن نفسه عليها أَثِم في اعتقاده وعزمه؛ ولهذا جاء بلفظ الحرص فيما نحن فيه، ويُحمَل ما وقع في هذه الظواهر وأمثالها على أن ذلك فيما لم يوطِّن نفسه عليها، وإنما مر ذلك في فكره بغير استقرار، ويسمَّى هذا همًّا، ويفرَّق حينئذٍ بين الهم والعزم، وأن هذا العزم يُكتَب سيئة، فإذا عملها كُتِبَت معصية ثانية.

المقدم: أحسن الله إليكم.

الحقيقة هناك مجموعة من المسائل الهامة في هذا الحديث، أستأذنكم في إرجائها في حلقة قادمة -بإذن الله- لتكون محور الحديث في الحلقة القادمة لأهمية هذا الحديث وما يتعلق به من مواضيع.

أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامج: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

نستكمل بقية المواضيع في هذا الحديث -بإذن الله تعالى- في حلقة الأسبوع القادم وأنتم على خير، حتى ذلكم الحين أستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.