شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (237)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده، ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

 حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

كنا في الحلقة الماضية توقفنا عند كلام الإمام الشنقيطي -رحمه الله- في حديثه عن المجاز عند قوله تعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} [الكهف:77] لعلنا نستكمل ما تبقى، أحسن الله إليك.

 الحمد لله رب العالمين وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أما بعد،

 ففي تفسير القرطبي -رحمه الله تعالى- في مسألة المجاز قال: ذهب قوم إلى منع المجاز في القرآن منهم أبو إسحاق الإسفرايني، وأبو بكر محمد بن داود الأصفهاني، وغيرهما، فإن كلام الله -عز وجل-، وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- حمله على الحقيقة أولى، أولى بذي الفضل والدين؛ لأنه يقص الحق، كما أخبر الله تعالى في كتابه، ومما احتجوا به أن قالوا: لو خاطبنا الله تعالى بالمجاز لزم وصفه بأنه متجوز أيضًا، فإن العدول عن الحقيقة إلى المجاز يقتضي العجز عن الحقيقة، وهو على الله تعالى محال، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:24]، وقال تعالى: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30]، وقال تعالى: {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان:12]، وقال تعالى: {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج:17]، واشتكت النار إلى ربها، واحتجت الجنة والنار، وما كان مثلها حقيقة، وأن خالقها الذي أنطق كل شيء أنطقها.

 وفي صحيح مسلم من حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فيختم على فيه ويقال لفخذه: انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله؛ وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه» هذا في الآخرة.

وأما في الدنيا ففي الترمذي عن أبي سعيد الخضري، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدثت أهله من بعده»، قال أبو عيسى: في الباب عن أبي هريرة: وهذا حديث حسن غريب، وقد رد الإمام المحقق ابن القيم -رحمه الله تعالى- على القائلين به من وجوه كثيرة وسماه طاغوتًا في كتابه (الصواعق المرسلة)،

المقدم: الصواعق المرسلة.

وقد رد الإمام المحقق ابن القيم -رحمه الله تعالى- على القائلين به من وجوه كثيرة وسماه طاغوتًا في كتابه (الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة)، وبين أن مراد من ادعاه صرف نصوص الكتاب والسنَّة عن مراد الله -عز وجل-، ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحرفت به، وحُرف به عن دلالتها تأييدًا للبدع وحيدًا عن منهج السلف في إثبات ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال الخضر بيده؛ أي أشار بها، وفي رواية فمسح بيديه.

المقدم: عفوا يا شيخ نقف مع ها المسألة قليلًا لو تكرمت.

 اللي هي؟

المقدم: العلماء -رحمهم الله- الذين أنكروا المج

طاز قالوا: هذا حتى لا يفتحوا الباب والمجال للمبتدعة في رد نصوص الصفات وحملها على المجاز،

نعم

 العلماء من أهل السنَّة الذين أثبتوا المجاز لماذا لم يكن عندهم هذه الحساسية، ومع ذلك أثبتوا آيات الصفات ولم يردوها؟

 هم يقولون: المسألة مسألة اصطلاح،

المقدم: نعم.

والمحذور الذي يخشى منه يجتنب، فتستثني النصوص التي فيها أمور غيبية لم يستعملها العرب في أساليبهم؛

نعم

نعم؛ لأنه ليس هناك شاهد يقاس عليه أمر غيبي ما استعمل العرب المجاز في هذا الباب إذا لا نستعمله فنستثنيه وننفصل عن هذه الدعوى، مما يرد به المجاز على قول له حظ من النظر، وقوي جدًّا أن المجاز يمكن نفيه، وليس في النصوص ما يمكن نفيه، ما معنى هذا الكلام؟ لأنك إذا قلت: جاء أسد، وقال قائل: والله أنا ما شفت أسدًا، أنا شفت رجل وشجاع، وسيف، ويضرب ما شفت أسدًا، تقول: كلامك صحيح أم خطأ؟

المقدم: صحيح.

صحيح، إذًا المجاز يمكن نفيه، وليس في كلام الله تعالى وكلام نبيه ما يمكن نفيه، هذه من أقوى الأدلة التي يستدلون بها، وعلى كل حال ولج المبتدعة من هذا الباب ولوجًا، حقيقةً أساؤوا إساءة بالغة في نفي ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، وأثبته له الرسول -عليه الصلاة والسلام- من هذا الباب، وإن كان قصد بعضهم، أو لا نظن بأحد سوءًا، لكن لعله كان القصد من بعضهم حسن، يقصدون بذلك التنزيه لله –جل وعلا-، لكن وقعوا في شر ما فروا منه، يعني فروا من التشبيه، ووقعوا في التعطيل، فروا من التشبيه، ووقعوا في التعطيل، والخير كله في اتباع من...

المقدم: سلف.

سلف، أئمة هذه الأمة، وسلفها من الصحابة والتابعين يقرون بما جاء في النصوص، ولا يلتزمون باللوازم الباطلة.

 المقدم: الأئمة الذين نفوا المجاز من أمثال شيخ الإسلام، ومن مثله من نفى جاء عند هذه النصوص، واعتبرها من أساليب العرض المستخدمة، وليست من المجاز {يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} [الكهف:77]، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82].

 نعم، حتى في القرآن مستعملة في الأدلة التي ساقها الشنقيطي -رحمه الله-.

 المقدم: هو يقول: إنها هي استخدام عرض، وليس مجازًا، هذا مرادهم؟

 أسلوب من أساليب العرض يستعملونه.

 المقدم: أسلوب.

 يعني ماذا عن كلام النملة، وكلام الهدهد في القرآن جاء ماذا يقولون؟ يقولون: ما تكلمت؟ هذا كلام ليس بلسان المقال، بلسان حال، يمكن أن يقال مثل هذا؟

المقدم: لا ما يمكن.

 إذا التزموا مثل هذا يلتزموا بغيره، إذا قالوا إن النملة نطقت، والهدهد نطق، والبقرة التي ركبها صاحبها قالت: إنا ما خلقنا لهذا نطقت، كما في الصحيحين، إذًا ما الذي يمنع؟

في القرطبي قيل: قال الخضر بيده؛ أي أشار بها، وفي رواية قال فمسح بيده، وفي القرطبي قيل: هدمه ثم قعد يبنيه، هدمه ثم قعد يبنيه، لكن هل المعجزة تكمن في هدمه وبنايته من جديد، أو مسحه باليد؟

المقدم: لا، في إقامته بمجرد المسح.

نعم، علم بالرواية أشار بيده إشارة، هذا أشد أثخن في المعجزة.

المقدم: صحيح.

 هذا إذا قلنا إنه نبي، أو الكرامة إن قلنا إنه ولي، والخلاف معروف عند أهل العلم، وقال سعيد بن جبير: مسحه بيده، وأقامه فقام، وهذا هو القول الصحيح، وهو الأشبه بأفعال الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- بل والأولياء، وقيل: عمده بعمود، وفيه إطلاق القول على الفعل عمده بعمود ما معنى هذا؟

 المقدم: وضع عمودًا.

 وضع عمودًا يسنده به قال الكرماني: قيل: وهذا دليل على أنه نبي؛ لأنه معجزة، ولا دلالة فيه لاحتمال أنه كرامة، وكانت الحال حال اضطرار، وافتقار إلى المطعم، وقد مستهم الحاجة إلى آخر كسب المرء، وهو السؤال فلم يجدوا مواسيًا، فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى -عليه الصلاة والسلام- لِما رأى من الحرمان ومسيس الحاجة أن قال: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:77] يعني حتى ندفع به الضرورة، قال موسى: وفي رواية غير أبي ذر فقال له موسى أي للخضر: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ} [الكهف:77] بهمزة وصل وتشديد التاء، وفتح الخاء على وزن افتعلت من تخذ كـ اتبع من تبع، وليس من الأخذ عند البصريين {عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:77]؛ ليكون لنا قوتًا، وبلغة على سفرنا، قال الخضر لموسى -عليه السلام-: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78]، {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع، والإشارة في قوله: {هَذَا} [الكهف:78] إلى الفراق الموعود بقوله: {فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:76] أو تكون الإشارة إلى السؤال الثالث أي هذا الاعتراض.

 الاعتراض الثالث سبب للفراق، أو إلى الوقت أي هذا الوقت وقت الفراق -قاله القسطلاني-، وهو مأخوذ من الكرماني، قال النبي -صلي الله عليه وسلم- النبي -عليه الصلاة والسلام – النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «يرحم الله موسى» إخبار، ولكن المراد منه الإنشاء؛ لأنه دعاء له بالرحمة؛ لأنه دعاء له بالرحمة.

 «لوددنا» اللام في جواب قسم محذوف، وددنا بكسر الدال الأولى وسكون الثانية، أي والله لوددنا لو صبر أي صبره، لوددنا صبره؛ لأنه لو صبر لأبصر العجب، وقال العيني: وكلمة «لو» هاهنا بمعنى أن الناصبة للفعل كقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] وهكذا كل فعل وقع مصدرًا بلو بعد فعل المودة، وقال الزمخشري في قوله: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} [القلم:9]، ودوا إدهانك حتى يقص حتى يقص على صيغة المجهول «علينا من أمرهما» مفعول ما لم يسمَّ فاعله، قال النووي في شرح مسلم: استدل العلماء بسؤال موسى السبيل إلى لقاء الخضر -صلى الله عليه وسلم- على استحباب الرحلة في طلب العلم، واستحباب الاستكثار منه، أي من العلم، وأنه يستحب للعالم، وإن كان من العلم بمحل عظيم أن يأخذه ممن هو أعلم منه، ويسعى إليه في تحصيله، وفيه فضيلة طلب العلم.

وفي تزوده الحوت وغيره جواز التزود في السفر، وفيه الأدب مع العالم، وحرمة المشايخ، وترك الاعتراض عليهم، وتأويل ما لا يفهم ظاهره من أفعالهم، وحركاتهم، وأقوالهم، والوفاء بعهودهم، والاعتذار عند مخالفة عهدهم لكن دون مبالغة؛ لأن هؤلاء الشيوخ بغض النظر عن الأنبياء المعصومين، لكن النووي استدل بهذا على احترام الشيوخ، هذا لا شك احترام الشيوخ أمر لابد منه، وترك الاعتراض عليهم، ترك الاعتراض عليهم، هل يقال: إن اعتراض موسى على الخضر يستدل به على ترك الاعتراض على الشيوخ؟ إذا قلنا إن الخضر ما فعل هذا عن أمره، وإنما فعله عن الله -جل وعلا- لا يستدل بهذا على عدم الاعتراض على الشيوخ؛ لأن الشيوخ بشر يصيبون، ويخطئون، لكن مع الأدب يعترض عليهم بأدب.

المقدم: صح.

وينبهون إلى الخطأ، أو يستفهم منهم أقل الأحوال أن يؤتى بطريقة الاستفهام، وترك الاعتراض عليهم، وتأويل ما لا يفهم ظاهره من أفعالهم، وحركاتهم، أما التأويل فلا داعي له، وهم موجودون فيمكن أن يستفهم منهم الذي لا يفهم يقال: ما مرادك بهذا؟ بأسلوب مناسب من أفعالهم وحركاتهم وأقوالهم والوفاء بعهودهم، والاعتذار عند مخالفة عهدهم، وفيه إثبات كرامات الأولياء على قول من يقول: الخضر ولي، وفيه جواز سؤال الطعام عند الحاجة، وفيه جواز سؤال الطعام عند الحاجة، وجواز إيجارة السفينة، وجواز إجارة السفينة، وجواز ركوب السفينة، والدابة، من أين أخذ؟ من أين أخذ جواز إجارة السفينة؟

 المقدم: أخذوها بدون نول، مما يدل على الجواز.

 بدون نول؛ لأنهم عرفوا الخضر، ولو لم يعرفوه لأخذوا الأجرة التي هي النول.

المقدم: لأخذوا النول.

وجواز ركوب السفينة.

 المقدم: ركب في السفينة.

نعم وإن كان البحر يعتريه ما يعتريه من أخطار، لكن إذا غلب على الظن السلامة، أما إذا غلب على الظن الهلاك فإنه حينئذٍ لا يجوز ركوب السفينة، ولا يجوز ركوب البحر إذا غلب على الظن الهلاك. وجواز ركوب السفينة، والدابة، وسكنى الدار، ولبس الثوب ونحو ذلك بغير أجرة برضا صاحبه؛ لقوله: حملونا بغير نول، وفيه الحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه لإنكار موسى.

 ثم قال: وفي هذه القصة أنواع من القواعد، والأصول، والفروع، والآداب، والنفائس المهمة سبق التنبيه على معظمها سوى ما هو ظاهر منها، ومما لم يسبق أنه لا بأس على العالم والفاضل أن يخدمه المفضول، قد خدم الصحابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، أن يخدمه المفضول، ويقضي له حاجته، ولا يكون هذا من أخذ العوض على تعليم العلم والآداب، بل من مراعاة الأصحاب، وحسن العشرة، ودليله من هذه القصة حمل فتاه غداءهما، وحمل أصحاب السفينة موسى وفتاه الخضر بغير أجرة؛ لمعرفتهم الخضر بالصلاح، والله أعلم.

 لكن لا يسترسل في هذا فيعيش العالم عالة.

المقدم: عالة.

على طلابه، إنما يخدم فيما جرت العادة في خدمته له، ومنها الحث على التواضع في علمه وغيره، وأنه لا يدعي أنه أعلم الناس، وأنه إذا سئل عن أعلم الناس يقول: الله أعلم، ومنها بيان أصل عظيم من أصول الإسلام، ووجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع، وإن كان بعضه لا تظهر حكمته للعقول، ولا يفهمه أكثر الناس، وقد لا يفهمونه كلهم، كالقدر، موضع الدلالة على ما ذكر أن الأصل وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع، وإن كان بعضه لا تظهر حكمته، موضع الضلالة قتل الغلام، وخرق السفينة فإن صورتهما صورة المنكر، وكان صحيحًا في نفس الأمر له حكم بينة، لكنها لا تظهر للخلق، فإذا أعلمهم الله تعالى بها علموها، ولهذا قال: وما فعلته عن أمري، بل بأمر الله تعالى -والله أعلم.

في شرح ابن بطال، وفي قصة الخضر، وفي قصة الخضر أصل عظيم من أصول الدين، وذلك أن ما تعبد الله تعالى به خلقه من شريعته ودينه يجب أن يكون حجة على العقول، يعني العقول تابعة، تابعة لإيش؟ للنص بخلاف بعض طوائف البدع الذي يجعل النص تابع

المقدم: للعقل

للعقل، أو يجعلون العقل مع الشرع بمنزلة واحدة كما قال بعضهم: مع الأسف أنه ما وجد في كتاب الماوردي في أدب الدنيا والدين قال: المتبوع عقل مطبوع، أو شرع إيش؟ مسموع، المتبوع عقل مطبوع، أو شرع مسموع، لا شك أن جعل العقل في مصاف الشرع لا يمكن أن يقبل، بل العقل إذا لم يسنده الشرع فلا قيمة له، وأنت تجد في رؤوس الكفار من المشركين، وغيرهم، وأهل الديانات الأخرى من هم لو وزنت عقولهم لرجحت، لكنها لما لم تنقاد لنصوص الشرع، وللدين الصحيح صارت عقولهم لا تساوي شيئًا، ولذا جاء في الخبر: أين عقولنا لما كنا نعبد التمرة، فإذا جعنا أكلناها؟ فجاء في الخبر الرد: أخذها باريها.

 يعني تصور عقل عمر بن الخطاب لما كان مشركًا مثل عقله لما أسلم؟

المقدم: لا.

 أبدًا، وإن كان العقل هو هو، الغريزي واحد، لكنه لما انقاد للشرع تغير، وتجد في رؤوس أهل البدع ما يبهر العقول من دقة في النظر والاستنباط، لكن لما كان العقل يسير وحده دون شرع، لما تخلى عن الشرع تاه، يعني من يتصور أن من كبار العقلاء من أصحاب الفهوم أن يقول: إن أعمى الصين يمكن أن يرى بقة الأندلس، أعمى في الصين في أقصى المشرق يرى البقة صغار البعوض في أقصى المغرب هذا من ماذا؟ من شؤم التفرد، تفرد العقل دون الشرع، لكن لو كانت هذه العقول منقادة لشرع الله -جل وعلا- ومتبعة لنصوص الكتاب، والسنَّة ما حصل شيء من هذا، ولذلك تجد أئمة الإسلام من سلف هذه الأمة وأئمتها كلامه عليه نور، ولو قرأ طالب العلم في فضل علم السلف على الخلف للحافظ ابن رجب عرف مقدار عقول السلف وعلومهم، ولذا أهل البدع يروجون بدعهم بمثل قولهم: السلف، مذهب السلف أسلم.

المقدم: أسلم.

ومذهب الخلف أعلم وأحكم.

المقدم: أعلم وأحكم.

كيف تكون الحكمة مع عدم السلامة؟! تجتمع حكمة مع عدم السلامة؟! الحكمة في السلامة، والله المستعان.

في شرح ابن بطال: في قصة الخضر أصل عظيم من أصول الدين، وذلك أن ما تعبد الله به خلقه شريعته، ودينه يجب أن يكون حجة على العقول، ولا تكون العقول حجة عليه، ألا ترى أن إنكار موسى على الخضر خرق السفينة وقتل الغلام كان صوابًا في الظاهر، وكان موسى غير ملوم في ذلك، فلما بين الخضر وجه ذلك ومعناه، صار الصواب الذي ظهر لموسى من إنكاره..

 صار الصواب الذي ظهر لموسى من إنكاره خطأً، وصار الخطأ الذي ظهر لموسى من فعل الخضر صوابًا، وهذا حجة قاطعة، وهذا حجة قاطعة في أنه يجب التسليم لله في دينه ولرسوله في سنته، وبيانه لكتاب ربه، واتهام العقول إذا قصرت عن إدراك وجه الحكمة في شيء من ذلك، فإن ذلك محنة من الله لعباده الله -جل وعلا- قد امتحن العباد في إخفاء الحكمة، فإن ذلك محنة من الله لعباده، واختبار لهم ليتم البلوى عليهم؛ لينظر من ينقاد، ويستسلم، وينظر من يعارض، ويتلكأ يعني فرق من يؤمر بشيء فيبادر من غير نظر إلى حكمة مادام ثبت عنده النص عليك العمل وبين من يتلكأ، ويتردد، ويسأل، ويبحث، فإن وافق وجه الحكمة عمل، وإلا فلا.

 يعني تجد بين امتثال وامتثال، حتى ولو عمل العمل بعد إدراك الحكمة بعد تردده، وتأخره حتى يجد الحكمة ليس في مقام من عمل مباشرة يعني أخذ الدين بقوة، فرق بين امتثال إبراهيم -عليه السلام- أمر بذبح ابنه فتله للجبين، وأمة بكاملها تؤمر بذبح بقرة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71] يعني فرق بين هذا وهذا، ولمخالفة هذا ضل أهل البدع حينما حكموا عقولهم، وردوا إليها ما جهلوه من معاني القدر وشبهه، وهذا خطأ منهم؛ لأن عقول العباد لها نهاية، وعلم الله لا نهاية له، قال الله -عز وجل-: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:255] فما أخفاه عنهم فهو سر الله الذي استأثر به، فلا يحل تعاطيه، فلا يحل تعاطيه، لا يصلح، لا يجوز أن يبحث عن أمور غيبية لا يمكن أن تدرك، ولا يكلف طلبه، فإن المصلحة للعباد في إخفائه منهم، والحكمة في طيه عنهم إلى يوم تبلى السرائر، والله هو الحكيم العليم، قال الله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون:71].

 وكلامه كلام ابن بطال هذا في غاية الجودة، يعني لو قرره من غير ارتباط بالحديث، لكان في غاية الجودة، إلا أن أخذه من القصة فيه نظر؛ لأنه كأن موسى رد على الخضر بالعقل لا بالشرع، يعني كما تقدم نظيره في كلام ابن بطال، يعني تقدم في كلام ابن بطال نظير هذا حينما، عند قوله: الله أعلم نعم، وذكر عن السلف أن من سئل قال: الله أعلم، وأن من أفتى برأيه، وأن من ترك الله أعلم أصيب بمقتل، ومن قال: لا أدري.. المقصود أنه أكثر ذلك في كلام جميل جدًّا، ونقول عن السلف طيبة، لكن اقترانها بهذا الحديث لا شك أن فيه...

 المقدم: يعني المكان ما هو مناسب.

 ما هو مناسب؛ لأن هذا المأخذ بصدد انتقاص لمن لم يكل العلم إلى خالقه، وهو موسى -عليه السلام- في هذا الظرف، وإن كان له تأويله لكن مع ذلك الإجلاب على هذه المسألة في هذا الموضع لا يصلح، وإن كانت المسألة في أصلها صحيحة، وكلامه هذا في غاية الجودة إلا أن أخذه من القصة فيه نظر؛ لأن موسى إنما اعترض بظاهر الشرع، لا بمجرد العقل، ففيه حجة على صحة الاعتراض بالشرع على ما لا يسوغ فيه، ولو كان مستقيمًا في باطن الأمر، كما نقل ذلك ابن حجر عن ابن المنير.

المقصود أن المسألة ظهرت يعني كلام ابن بطال سواء كان فيه قول المفتي: الله أعلم، أو لا أدري، وحشد النصوص، والنقول التي تقدمت في هذه المسألة كلام جميل جدًّا، لكن ارتباطه بهذا الحديث، والحديث بصدد العتب على موسى -عليه السلام- أيضًا غير مناسب.

المقدم: ما يستقيم.

أيضًا الاعتراض على الشرع بالعقل جميل جدًّا كلامه في غاية الجودة، وأن المبتدعة إنما ضلوا بسبب هذا، لكن كونه مأخوذًا من هذا الحديث.

المقدم: من فعل موسى.

كأنه أخذه من اعتراض موسى على الخضر، وأن اعتراض موسى كان بالعقل على الشرع، وإنما هو بظاهر الشرع على ما خفي عليه من أمر الشرع.

المقدم: نختم.. أحسن الله إليكم، لعلنا نكتفي بهذا القدر، بهذا الحديث على أن نستكمل بإذن الله ما تبقي من ألفاظه وأطرافه أيضًا في حلقة قادمة.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

لنا بكم لقاء، بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.