شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (115)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال -رحمه الله-: عن ابن عباس- رضي الله عنهما- «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بكتابه رجلًا، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، قال: فدعا عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي يمزقوا كل ممزق».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

راوي الحديث عبد الله بن عباس حبر الأُمَّة وترجمان القرآن، مضى التعريف به.

 والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، وقال أنس: نسخ عثمان المصاحف فبعث بها إلى الآفاق، ورأى عبد الله بن عمر ويحيى بن سعيد ومالك ذلك كله جائزًا، واحتج بعض أهل الحجاز في المناولة لحديث النبي- عليه الصلاة والسلام- حيث كتب لأمير السرية كتابًا، وقال: «لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا»، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس، وأخبرهم بأمر النبي- صلى الله عليه وسلم-.

 يقول الحافظ ابن حجر: لما فرغ المؤلف- رحمه الله تعالى- من تقرير السماع والعرض أردفه ببقية وجوه التحمل المعتبرة عند الجمهور، لما فرغ من تقرير السماع والعرض أردفه ببقية وجوه التحمل المعتبرة عند الجمهور، فمنها المناولة، وصورتها أن يعطي الطالبَ الكتابَ، أن يعطي الشيخُ الطالبَ الكتابَ فيقول له: هذا سماعي من فلان، أو هذا تصنيفي فاروِه عني، وقد قدمنا صورة عرض المناولة، وهي إحضار الطالب الكتاب، وقد سوغ الجمهور الرواية بها، وردها من رد عرض القراءة من باب الأولى، ومنها المكاتبة، تكلم الإمام البخاري سابقًا في السماع من لفظ الشيخ، وهو الأصل في الرواية، وفي العرض الذي هو القراءة على الشيخ، العرض القراءة على الشيخ، وهنا يتحدث أو يستدل الإمام البخاري على جواز الرواية بالمناولة، وهي أي أن يناول الشيخُ الطالبَ كتابًا فيه مروياتُه، ويقول له: اروها عني، هذه المناولة المقرونة بالإجازة، ومنها المكاتبة، وهي شِق الترجمة.

 قال البخاري: باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، ومنها المكاتبة وهي أن يكتب الشيخ حديثه بخطه أو يأذن لمن يثق به بكتبه، ويرسله بعد تحريره إلى الطالب، ويأذن له في روايته عنه، وقد سوّى المصنف بينها وبين المناولة، ورجح قومٌ المناولة عليها؛ لحصول المشافهة فيها بالإذن دون المكاتبة؛ لأن الأصل أن المناولة يكون الطالب حاضرًا يناول الكتاب، والمكاتبة يكون الطالب غائبًا، وهنا يكون ترجيح المناولة؛ لأن الطالب يشافه بالإذن، الطالب يشافه بالإذن؛ لأنه حاضر، أما بالنسبة للمكاتب فالطالب في بلدٍ آخر.

المقدم: نعم، ويُكتب إليه.

يكتب إليه بالحديث، استدل المصنف على ذلك بما ذكره، مما ذكره بنسخ عثمان- رضي الله عنه- المصاحف وبعثه بها إلى الآفاق، واحتج أيضًا بما نسبه لبعض أهل الحجاز بحديث كتابه- صلى الله عليه وسلم- لأمين السرية ومناولته إياها، قال ابن حجر: شرط قيام الحجة بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختومًا، وحامله مؤتمنًا، والمكتوب إليه يعرف خط الشيخ إلى غير ذلك من الشروط الدافعة لتوهم التغيير، لابد أن يكون الكتاب مختومًا، لابد أن يكون الكتاب مختومًا، وأن يكون حامله مؤتمنًا؛ لئلا يزوَّر على الشيخ الذي كتب بهذه الأحاديث إلى الطالب، والمكتوب إليه يعرف خط الشيخ؛ ليتسنى له أن يروي عن الشيخ بهذه الكتابة، وكل هذا من احتياطات أهل الحديث لسُنَّة النبي- صلى الله عليه وسلم-.

 والمناولة والمكاتبة مفاعلة، والأصل فيها أن تكون بين طرفين، فهل كل من الشيخ والطالب يناول الآخر لتتحقق المفاعلة؟ أو أنَّ المناولة من طرف واحد؟ من طرف واحد الشيخ يناول الطالب، وكذلك المكاتبة سماها ابن الصلاح المكاتبة، وهي مفاعلة لا بد أن تكون من طرفين كما في الأصل، كما هو الأصل في ذلك، فهل يلزم من هذه الصيغة أن يكون كل من الطالب والشيخ كاتبًا ومكتوبًا إليه؟ ممكن يكتب الطالب.

المقدم: طلبًا للشيخ.

طلبًا للشيخ أن يحدِّثه بكذا، ثم يكتب إليه الشيخ...

المقدم: بالرد.

نعم بالرد، وقد تكون كتابة ابتداءً من الشيخ كما تقدم في المناولة، يعني صيغة المفاعلة الأصل فيها أنها بين طرفين، لكن قد ترد هذه الصيغة من طرف واحد كالمسافرة، سافر فلان، المسافرة من طرفين؟

المقدم: لا.

إذًا قولهم: طارقت النعل مطارقة من طرفين؟ هي من طرف واحد، لكن الأصل في هذا البناء أنه من طرفين، والمناولة إذا اقترنت بالإجازة جازت الرواية بها عند كل من أجاز الرواية بالإجازة، بل جوازها من باب أولى، الإجازة نحتاج إلى تعريفها من أجل أنَّ المناولة تحتاج إليها؛ ولذلك قدموها في الترتيب على المناولة، وإن كانت المناولة أقوى من الإجازة، الإجازة الإذن بالرواية، يأذن الشيخ للطالب أن يروي عنه. المناولة إذا اقترنت بالإجازة ناوله الكتاب، قال: هذا صحيح البخاري، وأنا أرويه بالإسناد، هذه النسخة اروِها عني، هذه نسختي صححتها وهي روايتي، بالسند المتصل للإمام البخاري فاروِها عني، هذه مناولة، فقوله: فاروها عني هذه إجازة إذن بالرواية، فإذا اقترنت المناولة بالإجازة صارت أقوى من الإجازة المجردة، كأن يقول له: ارو عني أنا من مروياتي صحيح البخاري فاروه عني، هذه إجازة معمول بها عند جمهور أهل العلم لا سيما..

المقدم: ولو لم يسمعه منه.

ولو لم يسمعه منه، لا سيما عندما اضطر الناس إليها، كثرت الكتب وكثر الطلاب، فلو لم يجز في الرواية إلا ما يُسمع من لفظ الشيخ أو يُقرأ على الشيخ صار الحرج عظيمًا، وانقطعت الرواية. لا سيما مع أن العلم ضبط ودُوِّن وحفظ، وإبقاء الرواية إنما هو لمجرد إبقاء خصيصة هذه الأُمَّة، أن تبقى الأسانيد متصلة إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- وإلا فلا يترتب على الرواية شيء، يعني كوني أنا والمتأخر في هذا القرن الخامس عشر أروي صحيح البخاري بإسناد متصل إلى الإمام البخاري، هل وجود راوٍ ضعيف أو انقطاع في إسناد يؤثر على صحيح البخاري؟

ما يؤثر. إذًا الرواية فائدتها في العصور المتأخرة إنَّما هي المحافظة على خصيصة هذه الأُمَّة أُمَّة أسانيد، أُمَّة رواية، الأسانيد المتصلة إلى سلفها يربط اللاحق بالسابق، بخلاف الأمم السابقة التي لا صلة لها بأنبيائها، انقطعت صلتها بأنبيائها، بينما عندنا إلى آخر الزمان والأسانيد متصلة إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-، فلما كان هذا هو الهدف من اتصال الأسانيد وبقاء الأسانيد إلى آخر الزمان تسامح الناس في كيفية الرواية، فأجازوها بمجرد الإذن، الذي هو الإجازة، والمناولة، والمكاتبة فضلًا عن طرق أخرى مختلف فيها اختلافًا كبيرًا بين أهل العلم كالإعلام من الشيخ بأن هذا مرويه والوصية والوجادة.

المقدم: مع ذلك المناولة ما كانت إلا متأخرة عند أهل العلم يا شيخ؟

متأخرة، هي متأخرة.

المقدم: يعني ما عُرفت في القرون الأولى المهتمة بالحديث.

هي لها أثر، النبي- صلى الله عليه وسلم- كتب كتابًا وناوله أمير السرية.

المقدم: نعم.

وقال: «لا تقرأه حتى تبلغ المكان كذا وكذا» فهي مناولة، وأذن له أن يقرأه، لكن..

المقدم: في مكان معين.

في مكان معين، ففيها الإذن بالرواية، هذا الأصل في شرعية الرواية بالمناولة، فالمناولة إذا اقترنت بالإجازة جازت الرواية بها عند كل من أجاز الرواية بالإجازة من باب أولى؛ لأنها إجازة، وأيضًا مناولة، والإجازة معروف أنَّ قول الجمهور جواز الرواية بها إذا كانت من معين في معين، وإن خلت المناولة عن الإذن والإجازة فالخلاف فيها قوي، يعني مجرد أن أعطيك الكتاب يقول: هذا صحيح البخاري، أعطاك الكتاب لا تدري هو على سبيل الهدية، هل هو على سبيل الوقف مثلًا لتستفيد منه، لكن هل ترويه عنه لمجرد أنه أعطاك الكتاب؟ مسألة الخلاف فيها بين أهل العلم، كما يقول الحافظ العراقي- رحمه الله تعالى- يقول:

وإن خلت عن إذن المناولة               قيل تصح والأصح باطلة

يعني إذا كانت مناولة مجردة عن الإجازة، يعني ناوله الكتاب.

المقدم: دون إذنه.

ولم يأذن له بروايته عنه.

المقدم: قيل تصح وقيل: والأصح أنَّها باطلة.

والأصح باطلة، وأما المكاتبة فهي أيضًا نوعان: مقرونة بالإجازة، والأخرى المجردة، والأولى: المقرونة بالإجازة من حيث الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة بالإجازة، وأما الثانية: فالصحيح المشهور فيها يعني بدون إذن، يكتب لشخص آخر في بلد آخر بأحاديث، أو حديث الأصح وإن لم يقل: اروها عني أنها تجوز الرواية بها بأن يقول: كتب إلى فلان، ما يقول: حدثني فلان؛ لأنه ما شافهه، يقول: كتب إلى فلان هذا، هذه الصيغة المطابقة للواقع، لكن لو قال: أخبرني فلان؟ مر بنا أنَّ دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث، وقلنا سابقًا إنَّه لو قال لعبيده: من أخبرني بكذا فهو حر، فكتب إليه، حصل الإخبار بالكتابة، فلو قال: أخبرني ما خالف الواقع؛ لأن الإخبار يقع بالكتابة كما يقع بالمشافهة.

 وفي الصحيح للإمام البخاري وغيره من كتب السُّنَّة من ذلك كثير مما اتفق عليه الشيخان حديث وراد كاتب المغيرة، قال: كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية: أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من الصلاة وسلم، قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» الحديث متفق عليه، وحديث عبد الله بن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب إلي «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أغار على بني المصطلق وهم غارون» الحديث متفق عليه، وغير ذلك من الأمثلة للكتابة الواقعة بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى شيوخ الأئمة المصنفين، في صحيح البخاري كتب إلي محمد بن بشار، الإمام البخاري يقول في صحيحه: كتب إلي محمد بن بشار. وذكر حديثًا للشعبي عن البراء مع أن كل رواياته عن محمد بن بشار المعروف ببندار كلها بقوله: حدثنا محمد بن بشار، إنما هذا الحديث على وجه الخصوص قال: كتب إلي محمد بن بشار لبيان الواقع، وأنه تحمله بطريق المكاتبة، وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا كتب بدأ بنفسه- عليه الصلاة والسلام- قائلًا: من محمد بن عبد الله إلى فلان كما تقدم في كتابه إلى هرقل.

«من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم» إلى آخره، فإذا كتب بدأ بنفسه قائلًا: من محمد بن عبد الله إلى فلان، فيستحب الاقتداء به، فيبدأ الكاتب بنفسه، فإن بدأ باسم المكتوب إليه فقد كرهه غير واحد من السلف، وقال النووي: نقلًا عن أبي جعفر النحاس في كتابه صناعة الكِتاب أو الكُتَّاب على ما اختلف في ضبطه: رخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه.

المقدم: إذا بدون تفضيل.

الآن بدون التفضيل بدون تفصيل، رخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه، وذكر منهم زيد بن ثابت ومحمد بن الحنفية وبكر بن عبد الله وأيوب السختياني، وكان الإمام أحمد- رحمه الله- يستحب إذا كتب الصغير إلى الكبير أن يقدم اسم المكتوب إليه، يعني استنادًا إلى «كبر كبر»، جاء في الحديث: «كبر كبر»، فيبدأ بالمكتوب إليه؛ لأنه أكبر، وأما هو- رحمه الله - يعني الإمام أحمد فكان يبتدئ باسم من يكاتبه كبيرًا كان أو صغيرًا تواضعًا، يعني إذا قبلت من الكبير أن يبدأ بنفسه، كبير السن كبير القدر والمنزلة لا بأس، لكن شاب يكتب لكبير من فلان إلى فلان، يعني كأنها في نظر الإمام أحمد غير لائقة، وإن كان الأصل الاقتداء بالنبي- عليه الصلاة والسلام-، فإذا لم يجد في نفسه شيئًا من التعالي والغرور وخلت نفسه عن كل هذا، وبدأ بنفسه اقتداءً بالنبي- عليه الصلاة والسلام- فإنه حينئذٍ لا يلام، ولو كان صغيرًا؟

وفي عمدة القاري مطابقة الحديث لجزئي الترجمة ظاهرة، أما للجزء الأول فمن حيث إن النبي- صلى الله عليه وسلم- ناول الكتاب لرسوله وأمره أن يخبر عظيم البحرين أن هذا الكتاب كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وإن لم يكن سمع ما فيه ولا قرأه، وإن لم يكن سمع ما فيه ولا قرأه، لماذا قال: وإن لم يكن سمع ما فيه ولا قرأه؟ لأنه إن كان سمع ما فيه فتحمله بطريق السمع لا بطريق المناولة، وإن كان قرأه هو على النبي- عليه الصلاة والسلام- فتحمله بطريق العرض، والحال أنه لم يسمع ولم يقرأ إنما المسألة مناولة، وأما للجزء الثاني فمن حيث إنه- عليه الصلاة والسلام- كتب كتابًا وبعثه إلى عظيم البحرين؛ ليبعثه إلى كسرى، بعث بكتابه رجلًا هو عبد الله بن حذافة السهمي قال الكرماني: بعث رجلًا متلبسًا بكتابه مصاحبًا له فرجلًا مفعول، وتسمية المبهم ستأتي في بعض الروايات في الصحيح، وأنه عبد الله بن حذافة السهمي.

هناك في كتاب النبي- عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل بعثه النبي- عليه الصلاة والسلام- مع من يذكر؟ دحية الكلبي، إلى من؟ صاحب بصرى؛ ليبعثه إلى هرقل، وهنا بعث به بعث عبد الله بن حذافة السهمي بالكتاب إلى من؟

المقدم: عظيم البحرين.

إلى عظيم البحرين ليبعثه.

المقدم: إلى كسرى.

إلى كسرى.

المقدم: يعني هؤلاء أشبه بالمناديب الآن في الدول، يعني مندوب دولة صغيرة لدولة كبرى.

نعم.

المقدم: يعني كانت البحرين تتبع لكسرى مملكة كسرى.

تحتاج إلى تثبت مثل هذا، لكن هذا حاصل، النبي- عليه الصلاة والسلام- بعثه إلى عظيم البحرين؛ ليدفعه إلى..

المقدم: كسرى.

 نعم، «وأمره» عطف على «بعث»، «أن يدفعه» أي بأن يدفعه، و(أن) مصدرية بدفعه «إلى عظيم البحرين» هو المنذر بن ساوى بالسين المهملة وفتح الواو، والبحرين بلد بين البصرة وعمان، يعني هذه طريقة كتب الجغرافيا المتقدمة، يعني يحدثون بهذه الطريقة بلد بين كذا وكذا ولو كان بينهما ألف ميل.

المقدم: نعم.

بهذه الطريقة يحدثون، لكن عندهم الجواد المسلوكة في الغالب ما تغير من طريق الحاج وطريق التجارة كلما تتغير تكون هذه البلدة من سلك هذا الطريق من البصرة إلى عمان لا بد أن يمر بالبحرين، قال ياقوت: هكذا.

المقدم: فضيلة الدكتور إذا أذنتم، يعني سؤال في مسألة الباء التي تتكرر كثيرًا «بعث بكتابه»، وفي التنزيل {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا} [سورة النمل: 28] مع أنه أحيانًا ترد بدون إدخال الباء، هل لها وجه؟

كيف؟

المقدم: بعث كتابه إلى فلان، يبعث كتابًا إلى فلان، يعني دخول الباء هنا.

ما يمنع أن يكون الفعل يتعدى بنفسه وبالحرف، ما يمنع أبدًا.

المقدم: يعني ممكن أن يأتي؟

نعم، ممكن، قال ياقوت: هكذا يتلفظ به البحرين في حال الرفع والنصب والجر، تقول هذا..

المقدم: البحرين.

البحرين، وتقول: هذا بحريني، تنسب إليه هكذا.

المقدم: ما تقول بحران.

نعم ما تنسب إليه في غير حالة الياء، قال ياقوت: هكذا يتلفظ به في حال الرفع والنصب والجر، يعني يلزم الياء، هو مثنى، الأصل أن يعرب بالحروف، لكنه لزم الياء على قولهم، إلا أن الزمخشري قد حكى أنه بلفظ التثنية، فيقولون: هذان البحران، وانتهينا إلى البحرين قال: ولم يبلغني من جهة أخرى، وأورده البكري مبتدأً مرفوعًا بالألف فقال البحران: تثنية بحر، وهو بلد مشهور بين البصرة وعمان.

المقدم: بين البصرة وعمان.

مثل ما قال في السابق.

المقدم: لكن ما كان يدخل فيه الإحساء يا شيخ الآن.

يعني حده قديمًا فاختلف، سيأتي إن شاء الله.

المقدم: نعم.

وقال ياقوت: البحرين: اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان وقيل: هي قصبة هجر، وقيل: هجر قصبة البحرين، يعني يختلف في المنطقة وقاعدتها.

المقدم: يهمأيهما يتبع الآخر؟

هل هجر هي المنطقة، وقاعدتها البحرين أو العكس؟. يقول: وفيها عيون ومياة وبلاد واسعة، وقد ظل اسم البحرين يطلق على الناحية المذكورة الواسعة حتى القرن الثامن، ثم إن اسم البحرين انحصر إلى جزيرة أوال التي هي الآن..

المقدم: المعروفة الآن دولة البحرين أو مملكة البحرين.

التي كانت تدعى جزيرة البحرين بإضافتها إلى القطر، إلى القطر الأعم، ثم بعد ذلك انحصرت التسمية بها في الجزيرة، قال الكرماني: لم يقل مالك: البحرين؛ إذ لا ملك ولا سلطنة للكفار؛ إذ الكل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولمن ولاه، هناك قال: عظيم الروم، وهنا قال: عظيم البحرين، ما قال: ملك الروم ولا ملك البحرين، «فدفعه عظيم البحرين» الفاء عاطفة على مقدر أي فذهب إلى عظيم البحرين فدفعه إليه ثم بعثه العظيم إلى كسرى فدفعه إليه، وتسمى هذه الفاء الفصيحة، قاله الكرماني، «إلى كسرى» هو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، ووهم من قال: هو أنو شروان، قاله الحافظ.

 وكسرى بكسر الكاف وفتحها أيضًا، قال ابن الجواليقي: الكسر أفصح، وهو فارسي معرب أصله كَسرُ، وقال الجوهري: وجمعه أكاسرة على غير قياس؛ لأن قياسه كسرون بفتح الراء، قاله العيني، وكسرى لقب لكل من ملك الفرس، كما أن قيصر لقب لكل من ملك الروم، «فلما قرأه مزقه»، «فلما قرأه» أي قرأ عليه، «مزقه» أي قطعه، في الحديث يقول: فحسبت أن ابن المسيب قال: نعم.

المقدم: أحد رواة الحديث. سعيد.

نعم، لكن ما عندك في المختصر كذا في الأصل، فحسبت أن ابن المسيب قال: نعم، القائل هو الزهري وهو موصول بالإسناد المذكور بإسناد الأصل عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله  بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره، فهذه فحسبت، القائل هو الزهري، وموصول بالإسناد المذكور ووقع في جميع الطرق مرسلًا، هنا يقول: فحسبت أن ابن المسيب قال: «فدعا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يمزقوا كل ممزق»، يعني من طريق من ذكر في الإسناد الأصلي، ووقع في جميع الطرق المرسل محتمل أن يكون ابن المسيب سمعه من عبد الله بن حذافة صاحب القصة، سمعه من عبد الله بن حذافة صاحب القصة «فدعا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» على كسرى وجنوده «أن يمزقوا كل ممزق» بفتح الزاء أي يتفرقوا ويتقطعوا، وفي حديث عبد الله بن حذافة: فلما بلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اللهم مزق ملكه، اللهم مزق ملكه»، وكتب كسرى إلى عامله في اليمن واسمه باذان، ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز، فكتب باذان إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- فقال: «أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة»، هذه رواية مختصرة جدًّا، لكن كسرى كتب إلى عامله باليمن.

المقدم: فيه تفصيل القصة طويلة.

نعم أي، أن ابعث رجلين إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز، فبعث إليه هذين الرجلين، ولما قالا له لما وصلا إليه: ضحك النبي-عليه الصلاة والسلام-، وقال: «أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربه في هذه الليلة» قال: وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع، وأن الله سلط عليه ابنه شيرويه فقتله.

المقدم: فضيلة الدكتور هي القصة أيضًا التي قال: من أمركما بحلق لحاكما، هي نفس القصة قال: إن ربي أمرني بإعفائها لما سأله بعض..

أي في بعض طرقها.

المقدم: في بعض طرقها.

 نستأذنكم في أن نبتدأ بها الحلقة القادمة بإذن الله نعود إلى هذه القصة وبداياتها لاستكمال ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، سوف نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث، والحديث عنه في حلقة قادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.