التعليق على تفسير القرطبي - سورة الزمر (02)

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "قَوْلُهُ تَعَالَى:} أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. 

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} {شَرَحَ} فَتَحَ، وَوَسَّعَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَسَّعَ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ حَتَّى ثَبَتَ فِيهِ".

 في الأول شرح صدره يعني فتحه، ووسعه لقبوله، شرحه لقبوله، ثم للثبات عليه، ثم لزيادته، ورسوخه.

"وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَسَّعَ صَدْرَهُ بِالْإِسْلَامِ لِلْفَرَحِ بِهِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ إِلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّرْحُ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ".

 وعلى الأول يكون قبله وبعده.

"وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْحُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّه} [الزمر:22] أَيْ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِ، كَمَنْ طَبَعَ عَلَى قَلْبِهِ، وَأَقْسَاهُ، وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ}".

نعم، لتتم المفاضلة بين الفريقين {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}[الزمر:22]، أو مقابله، الذي قسا قلبه -نسأل الله العافية-.

"قَالَ الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ: قَسَا الْقَلْبُ إِذَا صَلُبَ، وَكَذَلِكَ عَتَا، وَعَسَا مُقَارِبَةٌ لَهَا، وَقَلْبٌ قَاسٍ أَيْ: صُلْبٌ لَا يَرِقُّ، وَلَا يَلِينُ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ هَاهُنَا فِيمَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ عَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، وَحَكَى النَّقَّاشُ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا، وَالْكَلْبِيِّ :رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِيمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ بِخَلْقِ الْإِيمَانِ فِيهِ".

خلق الإيمان، هذا تعبيرٌ كما هو معلوم أشعري؛ لأن عندهم القدرة لا توجد إلا مقارنة للعمل، القدرة عندهم لا توجد إلا مقارنة للعمل.

وَرَوَى مُرَّةُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:} أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}  كَيْفَ انْشَرَحَ صَدْرُهُ؟ قَالَ: إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ انْشَرَحَ، وَانْفَتَحَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ«، وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: »أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا، وَإِذَا دَخَلَ النُّورُ فِي الْقَلْبِ انْفَسَحَ، وَاسْتَوْسَعَ. قَالُوا: فَمَا آيَةُ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ«، فَذَكَرَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ- خِصَالًا ثَلَاثَةً".

خرَّجه؟

طالب:..........

هما حديثان الأول.

طالب:.........

نعم، الأول حديث ابن مسعود، والثاني حديث ابن عمر، حديث ابن عمر.

طالب:.........

طيب.

طالب: الثاني قال حديث من؟

طالب: عندما خرج ....... حديث ابن مسعود.

ماذا يقول؟

طالب: قال، وهو حديث بعيد جدًّا قال الدارقطني في العلل: يرويه عمرو بن مرة، واختُلف........

عمرو يرويه.

طالب: وذكر عدة طرق.

طالب: نعم يا شيخ.

عمرو عن مرة.

طالب: يرويه عمرو بن مرة، واختُلف.

يعني، عن أبيه؛ لأنه أبو مرة الطيب معروف عن ابن مسعود.

طالب: أحسن الله إليكم، أضاف عن أبي عبيدة.........

عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، وهو منقطع، ومرة ضعيف.

طالب: .......... ما قوله، فمن شاء الله سلل بخلقه إيمان هذه الجمل أيطرح على الإيمان المخلوق؟

كيف؟

طالب: شيخ الإسلام ابن تيمية قسم الإيمان جزء مخلوق، وجزء غير مخلوق.

عمل العبد مخلوق.

طالب: نعم.

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:96].

طالب: ما...... للحكم عليها.  

لا لا لا، عندهم الاستطاعة مقرونة بالفعل، العبد لا يستطيع قبل أن يشرع بالفعل. وهذا تعبيرهم نعم.

طالب:.............

مرة.

طالب: نعم مر..............

مرة بن شراحيل.

طالب: ...

نعم.

طالب: ذكر شرحين، وحسن ......

يعني؛ بالطريقين لكن واحد واهٍ، والثاني ضعيف جدًّا ما يقبل التحسين.

طالب: ............. ما ذكر بالتحسين.

لا لا بالطريقين ما يقبل التحسين.

طالب:............ وبرواية تفسيره.

معروف، لكن لا يعني أنه إذا ورد من طريقين كلاهما شديد الضعف أنه يقبل التحسين.   

"فَذَكَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ- خِصَالًا ثَلَاثَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ، فَهُوَ الْكَامِلُ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الْإِنَابَةَ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُ الْبِرِّ؛ لِأَنَّ دَارَ الْخُلُودِ".

الإنابة، الإنابة هي الإقبال، الإقبال على الله بالأعمال الصالحة.

"لِأَنَّ دَارَ الْخُلُود إِنَّمَا وُضِعَتْ جَزَاءً لِأَعْمَالِ الْبِرِّ، أَلَا تَرَى كَيْفَ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ فِي تَنْزِيلِهِ، ثُمَّ قَالَ بِعَقِبِ ذَلِكَ: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأحقاف:14]،  فَالْجَنَّةُ جَزَاءُ الْأَعْمَالِ، فَإِذَا انْكَمَشَ الْعَبْدُ فِي أَعْمَالِ".

لن يُدخل أحدكم عمله الجنة، إنما تُدخل الجنة، وتُنال برحمة أرحم الراحمين هذا الدخول الأصلي، والمنازل بالأعمال، كما قرَّر ذلك أهل العلم قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته.

"فَإِذَا انْكَمَشَ الْعَبْدُ فِي أَعْمَالِ الْبِرّ،ِ فَهُوَ إِنَابَتُهُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ".

انكمش يعني قصر نفسه عليها.

"وَإِذَا خَمَدَ حِرْصُهُ عَنِ الدُّنْيَا، وَلَهَا عَنْ طَلَبِهَا، وَأَقْبَلَ عَلَى مَا يُغْنِيهِ مِنْهَا فَاكْتَفَى بِهِ وَقَنَعَ، فَقَدْ تَجَافَى عَنْ دَارِ الْغُرُور، وَإِذَا أَحْكَمَ أُمُورَهُ بِالتَّقْوَى، فَكَانَ نَاظِرًا فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَاقِفًا مُتَأَدِّبًا مُتَثَبِّتًا حَذِرًا يَتَوَرَّعُ عَمَّا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ، فَقَدِ اسْتَعَدَّ لِلْمَوْتِ، فَهَذِهِ عَلَامَتُهُمْ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنَّمَا صَارَ هَكَذَا لِرُؤْيَةِ الْمَوْتِ، وَرُؤْيَةِ صَرْفِ الْآخِرَةِ عَنِ الدُّنْيَا، وَرُؤْيَةِ الدُّنْيَا أَنَّهَا دَارُ الْغُرُورِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ لَهُ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ بِالنُّورِ الَّذِي وَلَجَ الْقَلْبَ.

 وَقَوْلُهُ تَعَالَى:} فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ قِيلَ: الْمُرَادُ أَبُو لَهَبٍ، وَوَلَدُهُ، وَمَعْنَى مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَنَّ قُلُوبَهُمْ تَزْدَادُ قَسْوَةً مِنْ سَمَاعِ ذِكْرِهِ".

ولو نزلت في أبي لهب وولده إلا أن لفظها عام، وهذا يشمل كل من اتصف بهذا الوصف إلى قيام الساعة.

 "وَقِيلَ: إِنَّ مِنْ بِمَعْنَى عَنْ، وَالْمَعْنَى قَسَتْ عَنْ قَبُولِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اطْلُبُوا الْحَوَائِجَ مِنَ السُّمَحَاءِ؛ فَإِنِّي جَعَلْتُ فِيهِمْ رَحْمَتِي، وَلَا تَطْلُبُوهَا مِنَ الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ؛ فَإِنِّي جَعَلْتُ فِيهِمْ سَخَطِي«، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ القَلْبٍ، وَمَا غَضِبَ اللَّهُ عَلَى قَوْمٍ إِلَّا نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ."  

مخرج اطلبوا الحوائج؟ ماذا يقول؟

طالب: قال: باطل أخرجه بن الجوزي في الموضوعات من طريق العقيل عن أبي سعيد مقطوعًا به قال: لا يصح، عبد الرحمن السُدي مجهول، قال العقيلي: لا يُتابع عليه.

نغم.

طالب:..........

نعم. هو مادام الطريق واهيًا، طريق عمر، والثاني ضعيف جدًّا فلا بد من أن يُحكم عليه بهذا نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى:} اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ، وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.

 فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى:} اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} يَعْنِي الْقُرْآنَ. لَمَّا قَالَ: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} بَيَّنَ أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُسْمَعُ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي، وَقَّاصٍ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ-  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه،ِ وَسَلَّمَ-: لَوْ حَدَّثْتَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ –عَزَّ وَجَلَّ-:} اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}، فَقَالُوا: لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا، فَنَزَلَ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}[يوسف:3]، فَقَالُوا: لَوْ ذَكَّرْتَنَا، فَنَزَلَ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}[الحديد:16]، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُود- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ- مَلُّوا مَلَّةً، فَقَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا، فَنَزَلَتْ، وَالْحَدِيثُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ الْمُحَدِّثُ، وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ حَدِيثًا".

الحديث يشمل، عمومه يشمل جميع ما يُتحدث به، جميع ما يُتحدث به، والله نزل أحسن الحديث، والموضوع شر الأحاديث يعني المكتوب عن النبي -عليه الصلاة والسلام- شر الأحاديث، وهذا من باب التسمية العامة القرآن تحدث الله به، ويُتحدث به، والحديث حدث به النبي -عليه الصلاة، والسلام-، وكلام الناس تكلموا به، وحدثوا به، والمكتوب أيضًا حديث من هنا يُرد على من استنكر مقالة الخطابي أن الموضوع شر الأحاديث، الموضوع شر الأحاديث بالمعنى الأعم؛ لأنه يُتحدث به، أو على حد زعم واضعيه حديث، حديث سعد.

طالب:........

فيه أحد يحيل، وفيه أحد يخرج، فيه شيء عن حديث سعد بن أبي وقاص؟

طالب:........

 طيب الذي يليه ابن مسعود.

طالب:.......

نعم.       

 "وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ حَدِيثًا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ- كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ أَصْحَابَهُ، وَقَوْمَهُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ} :فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}[المرسلات:50]، وَقَوْلِهِ:أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ}[النجم:59]، وَقَوْلِهِ: {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[الكهف:6]، وَقَوْلِهِ:} وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء:87]، وَقَوْلِهِ: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ}[القلم:44] قَال َالْقُشَيْرِيُّ: وَتَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنَ الْحُدُوثِ، فَيَدُلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ مُحْدَثٌ، وَهُوَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ لَفْظَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}[الأنبياء:2]، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ الْحُدُوثَ يَرْجِعُ إِلَى التِّلَاوَةِ لَا إِلَى الْمَتْلُوِّ، وَهُوَ كَالذِّكْرِ مَعَ الْمَذْكُورِ إِذَا ذَكَرْنَا أَسْمَاءَ الرَّبِّ تَعَالَى".

القرآن كلام الله مُنزل غير مخلوق كما يعتقد أهل السنة، وهو قديم، قديم النوع؛ لأن الله -جل، وعلا- تكلم في الأزل والقدم، حادث الآحاد، متجدد الآحاد، وهو –جل وعلا- يتكلم متى يشاء إذا يشاء يتكلم، متى يشاء إذا يشاء، فلا يقال: قديم بإطلاق، ولا يقال: حادث مُحدث بإطلاق؛ إنما نوعه نوع الكلام، نوع صفة الكلام قديم، الله –جل وعلا- تكلم في الأزل، وهذه الصفة أيضًا متجددة، متجددة باعتبار أنه –جل وعلا- يتكلم متى يشاء إذا يشاء بحسب ما تقتضيه الوقائع، والحوادث يُنزل فيها ما يشاء.

طالب:........ يصح تسريب حدوث من حَدَثَ من حَدَّثَ.......

حَدَثَ مخفف حَدَثَ.

طالب: من الحدوث.

وكل مادة تدل على التجدد على الجدة حَدَثَ يَحْدُثُ حدوثًا، والمصدر حَدَثَ نعم. 

"{كِتَابًا} نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ {أَحْسَنَ الْحَدِيثِ}، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْهُ، {مُتَشَابِهًا} يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْحُسْنِ، وَالْحِكْمَةِ، وَيُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، لَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ، وَلَا اخْتِلَافٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ :يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْآيِ، وَالْحُرُوفِ، وَقِيلَ: يُشْبِهُ كُتُبَ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ، لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ أَمْرٍ، وَنَهْيٍ، وَتَرْغِيبٍ، وَتَرْهِيبٍ، وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ، وَأَعْجَزَ، ثُمَّ وَصَفَهُ، فَقَالَ: {مَثَانِيَ} تُثَنَّى فِيهِ الْقَصَصُ، وَالْمَوَاعِظُ، وَالْأَحْكَامُ، وَثُنِّيَ لِلتِّلَاوَةِ، فَلَا يُمَلُّ، {تَقْشَعِرُّ}  تَضْطَرِبُ، وَتَتَحَرَّكُ بِالْخَوْفِ".

لا شك أن القرآن منه المُحكم، ومنه المتشابه، المحكم: الواضح البين، والمتشابه: الذي لا يتضح معناه، لا يتضح معناه، فيُرد أمره إلى الله، وليس المراد هنا لأن التشابه هنا في مقابل المثاني المتشابه الذي يشبه بعضه بعضًا، فأوصاف الفئة الواحدة متشابهة، وأوصاف الفئتين المختلفتين مثاني القرآن فيه تشابه كثير، قصة موسى كُررت في مواضع كثيرة، وهذه متشابهة، لكن لما يذكر قصة موسى، ويذكر قصة فرعون، وما قاله موسى، وما قال فرعون هذا من المثاني، لما يذكر حال السعداء، أو حال الأشقياء، ثم يذكر حال السعداء فهذا من أسباب تسميته مثاني، نعم.     

"{تَقْشَعِرُّ} تَضْطَرِبُ، وَتَتَحَرَّكُ بِالْخَوْفِ مِمَّا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ، {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أَيْ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ، وَقِيلَ: إِلَى الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَالتَّصْدِيقِ بِهِ، وَقِيلَ: إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَعْنِي؛ الْإِسْلَامَ.

 الثَّانِيَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَتْ: »كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ كَمَا نَعَتَهُمُ اللَّهُ، تَدْمَعُ أَعْيُنُهُمْ، وَتَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ. قِيلَ لَهَا: فَإِنَّ أُنَاسًا الْيَوْمَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ خَرَّ أَحَدُهُمْ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: أَعُوذَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ«، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ:» مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ سَاقِطٍ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: إِنَّهُ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَسَمِعَ ذِكْرَ اللَّهِ سَقَطَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّا لَنَخْشَى اللَّهَ، وَمَا نَسْقُطُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ أَحَدِهِمْ، مَا كَانَ هَذَا صَنِيع أَصْحَابِ مُحَمَّدٍصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ-«.

 وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ:»  ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ سِيرِينَ الَّذِينَ يُصْرَعُونَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ، فَقَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَنْ يَقْعُدَ أَحَدُهُمْ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ بَاسِطًا رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يُقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنْ رَمَى بِنَفْسِهِ، فَهُوَ صَادِقٌ«.

 وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ :وَعَظَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ -بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَشَقَّ رَجُلُ قَمِيصَهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى:  قُلْ لِصَاحِبِ الْقَمِيصِ لَا يَشُقُّ قَمِيصَهُ؛ فَإِنِّي لَا أُحِبُّ الْمُبَذِّرِينَ، يَشْرَحُ لِي عَنْ قَلْبِهِ".

هذه المسألة، وهي مسألة ما يحصل لمن سمع القرآن، ومن قرأ القرآن من الغشي هذه عُرفت في التابعين، ومن بعدهم، ولم تُعرف في عصر الصحابة، ولا حصلت من النبي –عليه الصلاة والسلام- مما جعل بعض أهل العلم ينكر ذلك، يشدد النكير على من حصل منه شيء من ذلك، وأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه، من أهل العلم من يرى أنه لا مانع من ذلك، وأنه قد يحصل مثل هذا استشعارًا لعظمة المسموع، وهو كلام الله، والثقيل الذي وصفه الله –جل وعلا- بالثقل كان النبي –عليه الصلاة والسلام- يُصاب بشيء من ذلك عند الوحي، يُصاب بشيء من ذلك عند الوحي كما في حديث المُحرم الذي أحرم متضمقًا في جُبَّته الطيب، فجاءه الوحي، وحصل له شيءٌ من ذلك.

المقصود أن من سمع القرآن، أو قرأ القرآن في عصر الصحابة لا يُعرف منهم شيء من فقد العقل والغشي، وأما بالنسبة لمن بعدهم، فقد حصل فيهم ذلك، وكثر؛ استشعارًا لعظمة هذا النازل، مع أن الذي نزل عليه القرآن وصحابته الكرام كانت قلوبهم تحتمل هذا القول الثقيل، فيحصل التكافؤ، يتأثرون، لكنهم لا يضعفون أمامه؛ لأن قلوبهم قوية، وأما من بعدهم فقد استشعروا هذه العظمة، مع أن قلوبهم ضعيفة فلم تحتمل، والقرآن مؤثر حتى في الجبال الصم؛ {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا}[الحشر:21].

 لكن الإشكال فيمن خلف بعدهم من الخلوف، الذين يقرؤون القرآن، ومع ذلك كأنهم يقرؤون كلام الناس لا يؤثر فيهم، فلا يحصل لهم تأثر، ولا خشوع، ولا انكسار، ولا، فضلاً عن كون أحدهم يفقد عقله، أو يفقد حياته، ويموت.

وعلى كل حال المسألة مسألة تأثر {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ}[الزمر:23]، هذا الأصل، لكن إذا ضعف القلب عن ذلك، واستشعر العظمة، فيحمد على هذا الاستشعار، وإن كان ضعفه صفة نقص، ليس صفة كمال، لكن الكلام في استشعار عظمة هذا الكلام، وقائل هذا الكلام، أما أن يخلف خلوف يُقرأ عليهم القرآن، والإنسان كأنه في سوق يبيع، ويشتري، ولا يسمع، أو كأنه يقرأ الأخبار، ويقرأ الجرائد، أو ما أشبه ذلك كذلك كما هو حالنا، إلى الله نشكو قسوة القلوب.

طالب:..........يا شيخ! فيما ورد عن عمرو بن.....-رضي الله عنه-: سمع آياته عدوا ثلاثة أيام في البيت.

يمرض، يمرض، لكن ما يُغشى عليه، ما يفقد عقله.

طالب: كان ابن سيرين يشكك....

ينكر، ينكر نعم، ينكر هذا يقول: ضعوه على جدار، أو على سطح ماله الدار، واقرؤوا عليه القرآن إن سقط، فهو كلامه صحيح كان يظنهم يمثلون كأنه يتهمهم بالتمثيل.

"الثَّالِثَةُ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: قَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَرَقُّوا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »اغْتَنِمُوا الدُّعَاءَ عِنْدَ الرِّقَّةِ، فَإِنَّهَا رَحْمَةٌ "

خُرج؟

طالب: قال عزاه السيوطي في الجامع الصغير للفردوس وضعفه الألباني. انظر: ضعيف الجامع، والضعيفة.

واضح مادام ما رواه إلا الديلمي، فهو ضعيف.

وَعَنِ الْعَبَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْمُؤْمِنِ مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْبَالِيَةِ وَرَقُهَا.

هذا؟

طالب: قال: أخرجه البغوي في تفسيره، والبزار من حديث العباس قال في المجمع: فيه أم كلثوم بنت العباس، ولم أعرفها، وبقية رجاله ثقات، وأخرجه أبو يعلى من طريق هارون بن أبي الجوزاء عن العباس به، قال في المجمع: لم أعرف هارون هذا، وبقية رجاله وُثِّقوا على ضعفٍ في محمد بن عمر الرومي، ووثَّقه ابن حِبان.

يبقى أنه ضعيف.

"وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:» مَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ عَبْدٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ«، وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: »إِنَّمَا الْوَجَلُ فِي قَلْبِ الرَّجُلِ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ، أَمَا تَجِدُ إِلَّا قَشَعْرِيرَةً؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ؛ فَإِنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَ ذَلِكَ مُسْتَجَابٌ«، وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: »قَالَ فُلَانٌ: إِنِّي لَأَعْلَمُ مَتَى يُسْتَجَابُ لِي قَالُوا: وَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدِي، وَوَجِلَ قَلْبِي، وَفَاضَتْ عَيْنَايَ، فَذَلِكَ حِينَ يُسْتَجَابُ لِي «يُقَالُ: اقْشَعَرَّ جِلْدُ الرَّجُلِ اقْشِعْرَارًا، فَهُوَ مُقْشَعِرٌّ، وَالْجَمْعُ قَشَاعِرُ، فَتُحْذَفُ الْمِيمُ؛ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ، يُقَالُ أَخَذَتْهُ قُشَعْرِيرَةٌ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ.

فَبِتُّ أُكَابِدُ لَيْلَ التَّمَامِ
 

وَالْقَلْبُ مِنْ خَشْيَةٍ مُقْشَعِرُّ
  

وَقِيلَ: إِنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا كَانَ فِي غَايَةِ الْجَزَالَةِ، وَالْبَلَاغَةِ، فَكَانُوا إِذَا رَأَوْا عَجْزَهُمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، اقْشَعَرَّتِ الْجُلُودُ مِنْهُ إِعْظَامًا لَهُ، وَتَعَجُّبًا مِنْ حُسْنِ تَرْصِيعِهِ، وَتَهَيُّبًا لِمَا فِيهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:} لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، فَالتَّصَدُّعُ قَرِيبٌ مِنَ الِاقْشِعْرَارِ، وَالْخُشُوعُ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ:} ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ، وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، وَمَعْنَى لِينِ الْقَلْبِ رِقَّتُهُ، وَطُمَأْنِينَتُهُ، وَسُكُونُهُ} ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ} أَيِ الْقُرْآنُ هُدَى اللَّهِ، وَقِيلَ: أَيِ: الَّذِي وَهَبَهُ اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ مِنْ خَشْيَةِ عِقَابِهِ، وَرَجَاءِ ثَوَابِهِ هُدَى اللَّهِ} وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} أَيْ مَنْ خَذَلَهُ، فَلَا مُرْشِدَ لَهُ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ".

القدرية الذين يزعمون أن العبد يخلق فعله، وأن بيده هداية نفسه -نسأل الله العافية-، هم مجوس الأمة، مجوس هذه الأمة الذين يثبتون خالقًا مع الله -جل وعلا-، ويقابلهم الجبرية، يقابلهم الجبرية، الذين يرون أن العبد مجبور على أفعاله، وأنه لا حرية له، ولا اختيار، ومذهب أهل السنة وسط بين هذين، يرون أن العبد له شيءٌ من الاختيار، وله شيءٌ من الإرادة والقدرة، لكنها تابعة لإرادة الله ومشيئته.

"وَقَدْ مَضَى مَعْنَى هَذَا كُلِّهِ مُسْتَوْفًى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَوَقَفَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ عَلَى قَوْلِهِ: {هَاد} فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْيَاءِ، والْبَاقُونَ بِغَيْرِ يَاءٍ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى:} أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ}[الزمر:24] قَالَ عَطَاءٌ، وَابْنُ زَيْدٍ: يُرْمَى بِهِ مَكْتُوفًا فِي النَّارِ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ تَمَسُّ مِنْهُ النَّارُ وَجْهَهُ، وَقَالَ مُجَاهِد: يخر عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ أَنَّ الْكَافِرَ يُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ مَغْلُولَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، وَفِي عُنُقِهِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ مِنَ الْكِبْرِيتِ، فَتَشْتَعِلُ النَّارُ فِي الْحَجَرِ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ فِي عُنُقِهِ، فَحَرُّهَا، وَوَهَجُهَا عَلَى وَجْهِهِ، لَا يُطِيقُ دَفْعَهَا عَنْ وَجْهِهِ مِنْ أَجْلِ الْأَغْلَالِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ أَفْضَلُ، أَمْ مَنْ سُعِدَ، مِثْلَ: أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ، أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ} أَيْ، وَتَقُولُ الْخَزَنَةُ لِلْكَافِرِينَ} ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} أَيْ جَزَاءَ كَسْبِكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي، وَمِثْلُهُهَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}[التوبة:35]". 

ذوق كل شيءٍ بحسبه، ذوق كل شيءٍ بحسبه، فالمأكول ذوقه باللسان كما هو معروف، كذلك المشروب، والمسموع تذوُّقه عند السامع معروف، والمقروء أيضًا تَذوُّقه عند القارئ، والمؤلم أيضًا يذوقه بدن بدن المعذب كما هنا، فذوق كل شيء بحسبه.  

"قَوْلُهُ تَعَالَى:} كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الزمر:25-26] تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ لِكُلِّ مَا نَالَ الْجَارِحَةَ مِنْ شَيْءٍ قَدْ ذَاقَتْهُ، أَيْ: وَصَلَ إِلَيْهَا كَمَا تَصِلُ الْحَلَاوَةُ، وَالْمَرَارَةُ إِلَى الذَّائِقِ لَهُمَا. قَالَ: وَالْخِزْيُ مِنَ الْمَكْرُوهِ، وَالْخَزَايَةُ مِنَ الِاسْتِحْيَاءِ، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ}: أَيْ مِمَّا أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[الزمر:26].

 قَوْلُهُ تَعَالَى:} وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الزمر:27] أَيْ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:} مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:38]".

هو من العام المخصوص، من العام المخصوص، أو الذي أُريد به الخصوص، باعتبار أن عمومه غير مراد، {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} مما يُحتاج، {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} مما يُحتاج إليه، }مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:38] مما يتعلق بالأمم السابقة من إهلاكهم، ومما يحتاج إليه من الأحكام سواء كانت بالتنصيص، أو بالإيماء، أو بالأصول، والقواعد العامة.

 المقصود: أن العموم هنا ليس على عمومه، ليس باقيًا على عمومه؛ لأن الإنسان قد يبحث عن مسألة في كتاب الله، ثم لا يجدها منصوصًا عليها، فيقول: أين قول الله –جل وعلا-: }مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:38]؟ هذا على أن المراد به القرآن، وأما على أن المراد به اللوح المحفوظ، فيبقى على عموم.

"وَقِيلَ: أَيْ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِهْلَاكِ الْأُمَمِ السَّابقة مَثَلٌ لِهَؤُلَاءِ.} لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[الزمر:27] يَتَّعِظُونَ، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزمر:28] نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: لِأَنَّ قَوْلَهُ –جَلَّ وَعَزَّ-: فِي هَذَا الْقُرْآنِ مَعْرِفَةٌ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ :{عَرَبِيًّا} نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَ{قُرْآنًا} تَوْطِئَةٌ لِلْحَالِ، كَمَا تَقُولُ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ رَجُلًا صَالِحًا، فَقَوْلُكَ صَالِحًا هُوَ الْمَنْصُوبُ عَلَى الْحَالِ،  وَقَالَ الزَّجَّاجُ} :عَرَبِيًّا} مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ".

لأن رجلًا مناط بزيد رجلًا صالحًا، زيد متميز، زيد متميز، فلم نستفد من قوله رجلًا بيانًا لهيئة زيد، اللهم إلا إذا لحظنا معنى رجل، والرجل كما هو معلوم من يستحق أن يسمى رجلًا، غير ذكر، يعني نجزم أن زيدًا ذكر، لكن لا نجزم بأنه رجل، وعلى هذا إذا استشعرنا هذا المعنى، فهو مبين لهيئته، فيكون حالًا، وإذا لم نستشعر مثل هذا، فالحال صالحًا؛ لأنه هو الذي يبين هيئة زيد، وأما بالنسبة للذكورة، والأنوثة فمتميز بنفسه؛ لأن الاسم يختص بالرجال، أما لو كان الاسم يحتمل أن يكون لرجل، أو لأنثى، ثم قلت رجلًا عرفنا أن هذه حال.

"وَقَال الزَّجَّاج: {عَرَبِيًّا} مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَ{قُرْآنًا} تَوْكِيدٌ، {غَيْرَ ذِي عِوَج} [الزمر:28] قال النَّحَّاسُ".

التوكيد تابع، التوكيد تابع من التوابع، والأصل في التابع أن يكون بعد المتبوع أن يكون بعد المتبوع.     

 "قال النَّحَّاسُ: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ قَوْلُ الضَّحَّاكِ، قَالَ: غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ، وَقَالَهُ السُّدِّيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: غَيْرُ مُتَضَادٍّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غَيْرُ ذِي لَبْسٍ، وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: غَيْرُ ذِي لَحْنٍ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذِي شَكٍّ، قَالَ السُّدِّيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَال:

وَقَدْ أَتَاكَ يَقِينٌ غَيْرُ ذِي عِوَجٍ
 

مِنَ الْإِلَهِ وَقَوْلٌ غَيْرُ مَكْذُوبِ
  

{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الْكُفْر".

العوج في الأصل؛ هو الميل يقابله الاستقامة والعدالة، الأصل في هذه المادة أنها في الميل، فالقرآن مستقيم، وهو صراطه المستقيم، وقد فُسِّر به فُسر الصراط المستقيم بالقرآن.

طالب: ........ الملة العوجاء.

ماذا فيه؟

طالب:........

العوجاء التي  مالت عن سنن المشركين.

"{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الْكُفْرَ، وَالْكَذِبَ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} قَالَ الْكِسَائِيُّ :نُصِبَ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ تَرْجَمَةٌ لِلْمَثَلِ، وَتَفْسِيرٌ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَهُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، مَجَازُهُ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا بِرَجُلٍ فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ، قَالَ الْفَرَّاءُ أَيْ: مُخْتَلِفُونَ،  وَقَالَ الْمُبَرِّد :أَيْ: مُتَعَاسِرُونَ مِنْ شَكُسَ يَشْكُسُ شُكْسًا بِوَزْنِ قُفْلٍ، فَهُوَ شَكِسٌ".

شُكْسًا شُكْسَا بوزن قُفْل.

"مِنْ شَكُسَ يَشْكُسُ شُكْسًا بِوَزْنِ قُفْلٍ، فَهُوَ شَكِسٌ".

نعم.

طالب: شَكَسَ.

عندنا بالضم، شَكُسَ يَشْكُسُ.

طالب: قُفْل.

طالب: شَكِسَ يَشْكُسُ شَكَسًا.

طالب: شَكُسَ..... بالظم.

بالضم شَكُسَ مثل قَبُحَ يَقْبُحُ قُبْحًا.

قُفْلًا.

نعم.

فَهُوَ شَكِسٌ مِثْلَ عَسُرَ يَعْسُرُ عُسْرًا، فَهُوَ عَسِرٌ، يُقَالُ: رَجُلٌ شَكِسٌ، وَشَرِسٌ، وَضَرِسٌ، وَضَبِسٌ،  وَيُقَالُ: رَجُلٌ ضَبِسٌ، وَضَبِيسٌ أَيْ: شَرِسٌ عَسِرٌ شَكِسٌ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، قال الزَّمَخْشَرِيّ: وَالتَّشَاكُسُ، وَالتَّشَاخُسُ الِاخْتِلَافُ؛ يُقَالُ: تَشَاكَسَتْ أَحْوَالُهُ، وَتَشَاخَسَتْ أَسْنَانُهُ، وَيُقَالُ: شَاكَسَنِي فُلَانٌ أَيْ: مَاكَسَنِي، وَشَاحَّنِي فِي حَقِّي،  قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ شَكْسٌ بِالتَّسْكِينِ أَيْ: صَعْبُ الْخُلُقِ. قَالَ الرَّاجِزُ  :

شَكْسٌ عَبُوسٌ عَنْبَسٌ عَذَوَّرُ".

عَذَوَّر، عذورُ.

"شَكْسٌ عَبُوسٌ عَنْبَسٌ عَذَوَّرُ وَقَوْمٌ شُكْسٌ مِثَالُ رَجُلٍ صَدْقٍ، وَقَوْمٌ صُدْقٌ، وَقَدْ شَكِسَ بِالْكَسْرِ شَكَاسَةٍ، وَحَكَى الْفَرَّاء :رَجُلٌ شَكْسٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهَذَا مَثَلُ مَنْ عَبَدَ آلِهَةً كَثِيرَةً". 

نعم لا يدري من يرضي، لا يدري من يرضي، إذا كان له أكثر من إله، ومثله العبد إذا كان له أكثر من سيد، كل سيد له مطالب، وتوزَّعت أعماله، وأفكاره على هؤلاء الأسياد، فإنه يعيش عيشة الشقاء، يبذل كثيرًا، لكن هذا الكثير يتفتت بسبب كثرة الأسياد، ولا يرضى واحدٌ منهم، وهذا يحتاجه في وقت كذا، وهذا يحتاجه في نفس الوقت، وهذا يبعثه في كذا، وهذا يبعثه إلى جهة اليمين، وهذا يبعثه إلى جهة الشمال، هذا حاله -نسأل الله العافية- شقاء بخلاف من يرجع إلى سيد واحد، سلمًا لرجل واحد لا يحصل عنده هذه الازدواجية، ولا هذا الاضطراب، ويتحدد، وإذا أجاب طلبه رضي عنه، لكن في حال الشركاء إن أجاب واحدًا غضب الثاني، وهكذا.

طالب: ..... المشاكسة...

هي المخاصمة؛ لأنها تؤدي إلى هذا، تؤدي إلى مثل هذا.

"{وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} أَيْ خَالِصًا لِسَيِّدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَثَلُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} هَذَا الَّذِي يَخْدُمُ جَمَاعَة شُرَكَاءَ أَخْلَاقُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، وَنِيَّاتُهُمْ مُتَبَايِنَةٌ، لَا يَلْقَاهُ رَجُلٌ إِلَّا جَرَّهُ، وَاسْتَخْدَمَهُ، فَهُوَ يَلْقَى مِنْهُمُ الْعَنَاءَ، وَالنَّصَبَ، وَالتَّعَبَ الْعَظِيمَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا يُرْضِي وَاحِدًا مِنْهُمْ بِخِدْمَتِهِ لِكَثْرَةِ الْحُقُوقِ فِي رَقَبَتِهِ، وَالَّذِي يَخْدُمُ وَاحِدًا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ، إِذَا أَطَاعَهُ وَحْدَهُ عَرَفَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ صَفَحَ عَنْ خَطَئِهِ، فَأَيُّهُمَا أَقَلُّ تَعَبًا، أَوْ عَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ،  وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ:} وَرَجُلًا سَلَمًا}، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَعَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَيَعْقُوبُ: "وَرَجُلًا سَالِمًا"، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ لِصِحَّةِ التَّفْسِيرِ فِيهِ. قَالَ: لِأَنَّ السَّالِمَ الْخَالِصَ ضِدُّ الْمُشْتَرَكِ، وَالسَّلَمَ ضِدُّ الْحَرْبِ، وَلَا مَوْضِعَ لِلْحَرْبِ هُنَا قال النَّحَّاسُ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ إِذَا كَانَ لَهُ مَعْنَيَانِ لَمْ يُحْمَلْ إِلَّا عَلَى أَوْلَاهُمَا، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ السَّلَمُ ضِدَّ الْحَرْبِ، فَلَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ، كَمَا يُقَالُ: لَكَ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ شُرَكَاءُ، فَصَارَ سِلَمًا لَكَ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا فِي سَالِمٍ مَا أَلْزَمَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: شَيْءٌ سَالِمٌ أَيْ: لَا عَاهَةَ بِهِ،  وَالْقِرَاءَتَانِ حَسَنَتَانِ قَرَأَ بِهِمَا الْأَئِمَّةُ، وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِمٍ قِرَاءَةَ أَهْلِ الْمَدِينَة" سَلَمًا" قَالَ: وَهَذَا الَّذِي لَا تَنَازُعَ فِيه،ِ وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَعِكْرِمَةُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَنَصْرٌ "سِلْمًا" بِكَسْرِ السِّينِ، وَسُكُونِ اللَّامِ، وَسَلَمًا، وَسِلْمًا مَصْدَرَانِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَرَجُلًا ذَا سِلْمٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ، وَ{مَثَلًا} صِفَةٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَالْمَعْنَى هَلْ تَسْتَوِي صِفَتاهُمَا، وَحَالَاهُمَا، وَإِنَّمَا اقْتُصِرَ فِي التَّمْيِيزِ عَلَى الْوَاحِدِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ} الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {الْحَقَّ فَيَتَّبِعُونَهُ".

قد يقول قائل: إن هذا المشرك الذي أشرك مع الله غيره لا يعبد إلا شيئًا واحدًا، فهمه متجه لشيء واحد، فلا ينطبق المثل {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ}[الزمر:29]، وما فيه إلا واحد، لا يعبد إلا شيئًا واحدًا، لكنه وإن عبد هذا في الظاهر، وإنما عبوديته القهرية، واعترافه إنما هو لله -جل وعلا- لو سألتهم في أسئلة كثيرة ليقولن: الله، وهم يشركون معه غيره، فهذا التنازع كونه يعترف بالنعم لله -جل وعلا-، وهو الذي خلقه، وأوجده ورزقه، ويصرف عبادته إلى غيره هذا شركة، وينطبق عليه المثل بخلاف من وحَّد الاتجاه إلى الله -جل وعلا-.

طالب:...هل خلا من هذا الحديث...... ظهر حاله متعدد الأصنام، ومتعدد الآلهة عندهم.

لا، هو الكلام عن واحد، عن واحد، لا يقصد المجموع }وَرَجُلًا سَلَمًا{[الزمر:29].

"قَوْلُهُ تَعَالَى:} إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاق" إِنَّكَ مَائِتٌ وَإِنَّهُمْ مَائِتُونَ"، وَهِيَ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ، وَبِهَا قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قالَ النَّحَّاس :وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَلِفِ تُحْذَفُ فِي الشَّوَاذِّ، وَ"مَائِتٌ" فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِثْلُهُ: مَا كَانَ مَرِيضًا، وَإِنَّهُ لَمَارِضٌ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالْفَرَّاءُ، وَالْكِسَائِيُّ :الْمَيِّتُ بِالتَّشْدِيدِ مَنْ لَمْ يَمُتْ، وَسَيَمُوتُ، وَالْمَيْتُ بِالتَّخْفِيفِ مَنْ فَارَقَتْهُ الرُّوحُ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُخَفَّفْ هُنَا. قَالَ قَتَادَة :نُعِيَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسُهُ، وَنُعِيَتْ إِلَيْكُمْ أَنْفُسُكُمْ، وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: نَعَى رَجُلٌ إِلَى صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ أَخًا لَهُ، فَوَافَقَهُ يَأْكُلُ، فَقَالَ: ادْنُ فَكُلْ، فَقَدْ نُعِيَ إِلَيَّ أَخِي مُنْذُ حِينٍ".

تركز منذ سمع هذه الآية} وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} يعني سيموتون، والتشديد يقولون: للمستقبل، ِنَّكَ مَيِّتٌ} يعني ستموت، {وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} يعني سيموتون، والتخفيف لمن مات بالفعل، فلان ميت، وقد مات بالفعل، فارقت روحه جسده.

ليس من مات فاستراح بميتٍ
 

إنما الميت ميت الأحياء
  

 يجري على قولهم هذا أو لا يجري؟

ليس من مات فاستراح بميتٍ

هو مات بالفعل، لا يجري، لكن الموت هنا حُمل على غير وجهه، ليس المراد به هنا ليس من مات المُثبت مات هو الحقيقي بمفارقة الروح للبدن ليس بميت موتًا لا يُذكر معه، وإنما هو يُذكر كأنه موجود بين الأحياء.

إنما الميت ميت الأحياء

 الذي لا يُذكر بين الناس، وهو موجود بينهم.

طالب:....أوله التسكين.

ليس من مات فاستراح.

طالب: ميت.

ينكسر البيت.

طالب: نعم.

البيت ينكسر.

طالب: يعني يستقيم المعنى.

لا، هما يستدركون بهذا على قوله.

"فَقَالَ: ادْنُ، فَكُلْ، فَقَدْ نُعِيَ إِلَيَّ أَخِي مُنْذُ حِينٍ قَالَ: وَكَيْفَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ أَتَاكَ بِالْخَبَرِ؛ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَعَاهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}، وَهُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَهُ بِمَوْتِهِ، وَمَوْتِهِمْ، فَاحْتَمَلَ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ:

 [أَحَدُهَا] أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَحْذِيرًا مِنَ الْآخِرَةِ، [الثَّانِي] أَنْ يَذْكُرَهُ حَثًّا عَلَى الْعَمَلِ، [الثَّالِثُ] أَنْ يَذْكُرَهُ تَوْطِئَةً لِلْمَوْتِ، [الرَّابِعُ] لِئَلَّا يَخْتَلِفُوا فِي مَوْتِهِ كَمَا اخْتَلَفَتِ الْأُمَمُ فِي غَيْرِهِ، حَتَّى إِنَّ عُمَر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا أَنْكَرَ مَوْتَهُ احْتَجَّ أَبُو بَكْر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَأَمْسَكَ، [الْخَامِسُ] لِيُعْلِمَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَوَّى فِيهِ بَيْنَ خَلْقِهِ مَعَ تَفَاضُلِهِمْ فِي غَيْرِهِ، لِتَكْثُرَ فِيهِ السَّلْوَةُ، وَتَقِلَّ فِيهِ الْحَسْرَةُ" .

إذا تفاضل الناس في هذا الباب لكان الغبن، كان كثير من الناس يموت من الحسرة كيف يُعمر فلان، وأنا أموت؟ لأن أغلى ما يملك الإنسان حياته، وما دامت التسوية موجودة {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن:26] {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}، ولولا ذلك لمات كثير من الفقراء، والأشقياء غمًّا؛ إذ يرون الناس يتخبَّطون بالنعم، والأموال، ويتقلبون فيها، وهم لا أموال لهم، لكن الذي يسلي الناس أن هذا يموت، وهذا يموت، كلهم مدة يسيرة، ويموتون، فهذا فيه لا شك تسلية.  

} "ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} يَعْنِي تَخَاصُمَ الْكَافِرِ، وَالْمُؤْمِنِ، وَالظَّالِمِ، وَالْمَظْلُومِ  قَالَه ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ، وَفِي خَبَرٍ فِيهِ طُولٌ: إِنَّ الْخُصُومَةَ تَبْلُغُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى أَنْ يُحَاجَّ الرُّوحُ الْجَسَد، وَقَالَ الزُّبَيْرُ:» لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُكَرَّرُ عَلَيْنَا مَا كَانَ بَيْنَنَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَوَاصِّ الذُّنُوبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَيُكَرَّرَنَّ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُؤَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنَّ الْأَمْرَ لَشَدِيدٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَر: لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا، وَنَحْنُ نَرَى هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِينَا، وَفِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ«".

يعني الخصومة بين مسلم وكافر لا تكون خصومة بين مسلم ومسلم، وإن كانت في الدنيا إلا أنها بالآخرة لن تكون، هذا ظنهم، فلما وقعت الفتن؛ مقتل عمر، مقتل عثمان، وحصل بين علي وأهل الشام عرفوا أنهم هم المقصودون بهذه الخصومة.  

}" ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}» فَقُلْنَا: وَكَيْفَ نَخْتَصِمُ، وَنَبِيُّنَا وَاحِد،ٌ وَدِينُنَا وَاحِدٌ، حَتَّى رَأَيْتُ بَعْضَنَا يَضْرِبُ وُجُوهَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهَا فِينَا نَزَلَتْ«، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: كُنَّا نَقُولُ: رَبُّنَا وَاحِدٌ، وَدِينُنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ، فَمَا هَذِهِ الْخُصُومَةُ؟ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ، وَشَدَّ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ قُلْنَا: نَعَمْ هُوَ هَذَا، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُونَ: مَا خُصُومَتُنَا بَيْنَنَا؟ فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَان- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالُوا: هَذِهِ خُصُومَتُنَا بَيْنَنَا، وَقِيلَ: تَخَاصُمُهُمْ هُوَ تَحَاكُمُهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَيَسْتَوْفِي مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَيَرُدُّهَا فِي حَسَنَاتِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمَظَالِمِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ» :أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسِ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ.

يعني أجابوا بالحقيقة العرفية المتداولة بينهم، وهي أيضًا حقيقة شرعية، فليس حقيقة شرعية من لا درهم له، ولا متاع، وهو من كانت ديونه أكثر من موجوداته هذا المفلس، وفيه من وجد متاعه عند رجل قد أفلس، لكنه في هذا الموضع الذي يريد النبي -عليه الصلاة والسلام- تقريره يريد معنى آخر، وحقيقة شرعية أخرى.

»"قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ مَضَى الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي [آلِ عِمْرَانَ]، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:» مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ، أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يَكُونَ دِينَارٌ، وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ«، وَفِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ» :أَوَّلُ مَا تَقَعُ الْخُصُومَاتُ فِي الدُّنْيَا«، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْبَابَ كُلَّهُ فِي التَّذْكِرَةِ مُسْتَوْفًى.

في الدماء، أم في الدنيا؟ في الدنيا، أم في الدماء؟

طالب: في الدنيا.

طالب: ..... في الدنيا...

ماذا عندكم؟

طالب:...............الدنيا.

خرجه؟

طالب: أخرجه ابن المبارك في رواية ............ بلفظ: إن الله يجمع الناس في صعيد واحد، ثم يكون أول ما يبدءون من الخصومات في الدنيا ......

في الدماء، في الدماء هذا لفظ الحديث، يعني فيما يتعلق بحقوق المخلوقين أول ما يُبدأ بالدماء، نعم.

طالب: أحسن الله إليك، إذا تحلل منه فأبى .... في أمور العرض هل يكفي؟

لا، إذا أبى لا يكفي حتى يرضيه، حتى يرضى.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ} أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ} مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا، وَشَرِيكًا،} وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ{ يَعْنِي الْقُرْآنَ،أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ{ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍمَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} أَيْ؛ مُقَامٌ لِلْجَاحِدِينَ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ ثَوَى بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ يَثْوِي ثَوَاءً، وَثُوِيًّا مِثْلُ مَضَى مَضَاءً، وَمُضِيًّا، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَثْوَى لَكَانَ مُثْوًى، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَوَى هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ".

الثلاثية نعم.

"وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَثْوَى، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الْأَعْشَى:

أَثْوَى وَقَصَّرَ لَيْلَةً لِيُزَوَّدَا
 

وَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا"
 

 وعلى الأصل ثواء في قريش بضع عشرة حجة هذا الأصل ثلاثي، وقد تزاد الهمزة للتعدية، لكن الأصل هو الثلاثي.

"وَالْأَصْمَعِيُّ لَا يَعْرِفُ إِلَّا ثَوَى، وَيَرْوِي الْبَيْتَ: (أَثَوَى) عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَأَثْوَيْتُ غَيْرِي يَتَعَدَّى، وَلَا يَتَعَدَّى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: }وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ} أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، وَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ، فَقَالَ عَلِي- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَصَدَّقَ بِهِ أَبُو بَكْر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  وَقَالَ مُجَاهِدٌ:  النَّبِيُّ -عَلَيْهِ السَّلَامُوَعَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقال السُّدِّيُّ: الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ جِبْرِيلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ مُحَمَّدٌصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَمُقَاتِلٌ، وَقَتَادَةُ :الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَصَدَّقَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:} أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} كَمَا قَالَ :{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2]". 

والمتقون جمع، فيكون لا يُصدق به الجمع، ويدخل الصديق فيهم دخولًا أوليًا.

 "وَقَالَ النَّخَعِيّ وَمُجَاهِدٌ :الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ، وَصَدَّقَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَجِيئُونَ بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا قَدِ اتَّبَعْنَا مَا فِيهِ، فَيَكُونُ الَّذِي عَلَى هَذَا بِمَعْنَى جَمْعٍ".

بمعنى جَمْع.

بمعنى جَمْع.

نعم.

فَيَكُونُ الَّذِي عَلَى هَذَا بِمَعْنَى جَمْعٍ، كَمَا تَكُونُ مَنْ بِمَعْنَى جَمْعٍ".

نعم، فيُعاد عليها الضمير بالجمع، والأصل فيها أن لفظها مفرد، فإذا أُعيد على اللفظ أُفرِد، أُفرِد الضمير، وإن أُعيد على الجمع جُمِع.

" وَقِيلَ: بَلْ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ لِطُولِ الِاسْمِ".

وإلا فالأصل الذين.

"وَتَأَوَّلَهُ الشَّعْبِيُّ عَلَى أَنَّه وَاحِدٌ، وَقَالَ: الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ مُحَمَّد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا خَبَرُهُ جَمَاعَةً، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يُعَظَّمُ: هُوَ فَعَلُوا، وَزَيْدٌ فَعَلُوا كَذَا، وَكَذَا، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ دَعَا إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ –عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، "وَالَّذِي جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ"، وَهِيَ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ".

على أنه قد يُجمع الضمير، فيراد به الواحد في حال تعظيم الإنسان نفسه، وفي حال توكيد الفعل، في حال توكيد الفعل، والعرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع كما قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه.  

"وَفِي قِرَاءَةِ أَبِي صَالِحٍ الْكُوفِيِّ}  وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ، وَصَدَقَ بِهِ} مُخَفَّفًا عَلَى مَعْنَى: وَصَدَقَ بِمَجِيئِهِ بِهِ، أَيْ: صَدَقَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَقَدْ مَضَى فِي [الْبَقَرَةِ] الْكَلَامُ فِي {الَّذِي}، وَأَنَّهُ يَكُونُ وَاحِدًا، وَيَكُونُ جَمْعًا،هُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ {أَيْ مِنَ النَّعِيمِ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا يُقَالُ : لَكَ إِكْرَامٌ عِنْدِي، أَيْ: يَنَالُكَ مِنِّي ذَلِكَ،ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} الثَّنَاءُ فِي الدُّنْيَا، وَالثَّوَابُ فِي الْآخِرَة قَوْلُهُ تَعَالَى: }لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ} أَيْ؛ صَدَّقُوالِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} أَيْ؛ يُكْرِمَهُمْ، وَلَا يُؤَاخِذَهُمْ بِمَا عَمِلُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} أَيْ يُثِيبُهُمْ عَلَى الطَّاعَاتِ فِي الدُّنْيَابِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وَهِيَ الْجَنَّةُ".

نعم يجزيهم بأكثر، وبأحسن من عملهم، الحسنة بعشرة أمثالها.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} حُذِفَتِ الْيَاءُ مِنْ {كَافٍ} لِسُكُونِهَا، وَسُكُونِ التَّنْوِينِ بَعْدَهَا، وَكَانَ الْأَصْلُ أَلَّا تُحْذَفَ فِي الْوَقْفِ لِزَوَالِ التَّنْوِينِ، إِلَّا أَنَّهَا حُذِفَتْ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الْوَصْلِ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُثْبِتُهَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَصْلِ، فَيَقُولُ: كَافِي، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ {عَبْدَهُ} بِالتَّوْحِيدِ يَعْنِي مُحَمَّدً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكْفِيهِ اللَّهُ وَعِيدَ الْمُشْرِكِينَ وَكَيْدَهُمْ. وَقَرَأَ حَمْزَة، وَالْكِسَائِيُّ "عِبَادَهُ"، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، أَوِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِمْ، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ قِرَاءَةَ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ عَقِيبَهُ} :وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}". 

يعني الإفراد.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لَفْظَ الْجِنْسِ، كَقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[العصر:2]، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْقِرَاءَةُ الْأُولَى رَاجِعَةً إِلَى الثَّانِيَةِ".

نعم، إذا أريد الجنس، فالمراد الجميع، فعبده وعباده سواء كما جاء في الحديث الصحيح:» لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء«، في رواية أخرى: «ليس على عاتقيه»، العاتق المفرد محمول على الجنس، فيُرَدُّ المعنى إلى الثاني.   

"وَالْكِفَايَةُ شَرُّ الْأَصْنَامِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُخَوِّفُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَصْنَامِ، حَتَّى قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ، وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ}[الأنعام:81]، وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ :إِنَّ اللَّهَ كَافٍ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ، وَعَبْدَهُ الْكَافِرَ هَذَا بِالثَّوَابِ، وَهَذَا بِالْعِقَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى:} وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَوَّفُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَضَرَّةَ الْأَوْثَانِ، فَقَالُوا: أَتَسُبُّ آلِهَتَنَا؟ لَئِنْ لَمْ تَكُفَّ عَنْ ذِكْرِهَا لَتُخَبِّلَنَّكَ، أَوْ تُصِيبَنَّكَ بِسُوءٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: مَشَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى لِيَكْسِرَهَا بِالْفَأْسِ، فَقَالَ لَهُ سَادِنُهَا: أُحَذِّرُكَهَا يَا خَالِدُ، فَإِنَّ لَهَا شِدَّةً لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، فَعَمَدَ خَالِدٌ إِلَى الْعُزَّى، فَهَشَّمَ أَنْفَهَا حَتَّى كَسَرَهَا بِالْفَأْسِ، وَتَخْوِيفُهُمْ لِخَالِدٍ تَخْوِيفٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَّهَ خَالِدًا، وَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ تَخْوِيفُهُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَثْرَةِ جَمْعِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ".

هو مازال، مازال الأمر على ذلك إلى الآن، وأن الذي يقلل من شأن الالتجاء إلى القبور، والطواف في القبور، فالسدنة يخوفونه، يخوفون هؤلاء بأن هذا الولي سوف يضرك، أو يفعل بك كذا، أو كذا، أو كذا مازال الأمر على ذلك، ولكل قوم وارث.      

"كَمَا قَالَ: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِر}[القمر:44]،} وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد} تَقَدَّمَ. }وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ، فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ}[الزمر:37] أَيْ مِمَّنْ عَادَاهُ، أَوْ عَادَى رُسُلَهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى:وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ{ أَيْ؛ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يَا مُحَمَّدُمَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ، وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} بَيَّنَ أَنَّهُمْ مَعَ عِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ اللَّهُ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ، فَكَيْفَ يُخَوِّفُونَكَ بِآلِهَتِهِمُ الَّتِي هِيَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَهَا، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ{ أَيْ؛ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ بَعْدَ اعْتِرَافِهِمْ بِهَذَا: أَفَرَأَيْتُمْإِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرّ} بِشِدَّةٍ وَبَلَاءٍهَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ{ يَعْنِي؛ هَذِهِ الْأَصْنَامَ،أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ { نِعْمَةٍ وَرَخَاءٍ".

وهذا الأسلوب يُطلب به الإخبار، أفرأيتم أخبروني، أفرأيت أخبرني.

}" هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} قَالَ مُقَاتِلٌ: «فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَكَتُوا وَقَالَ غَيْرُهُ: قَالُوا: لَا تَدْفَعُ شَيْئًا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَلَكِنَّهَا تَشْفَعُ«. فَنَزَلَتْ} قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ}، وَتَرَكَ الْجَوَابَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ يَعْنِي؛ فَسَيَقُولُونَ: لَا، أَي: لَا تَكْشِفُ، وَلَا تُمْسِكُ، فَقُلْ أَنْتَحَسْبِيَ اللَّهُ} أَيْ: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ أَيِ: اعْتَمَدْتُ، وَ}عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} يَعْتَمِدُ الْمُعْتَمِدُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي التَّوَكُّلِ وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِير،ٍ وَالْكُوفِيُّونَ".

تقدم أيضًا في آل عمران قول: }حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173] ينفع في أوقات الشدائد، قد قالها إبراهيم حينما أُلقي في النار، وقالها محمد -عليه الصلاة والسلام- حينما قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}[آل عمران:173] قد أُمر بها يقول: حسبي الله الذي يكفيني شر الأشرار.

"وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِير،ٍ وَالْكُوفِيُّونَ مَا عَدَا عَاصِمًا:كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَشَيْبَةُ، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ مِنْ قِرَاءَةِ الْحَسَنِ، وَعَاصِمٍ "هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ".

يعني الإضافة في مثل هذا جائزة، والقطع جائز، إلا أن الإضافة تحسن إذا كان المعنى في المُضي قد مضى، وقطعها إذا كان في المستقبل، ويقولون: فرق بين أن يقول الشخص: أنا قاتلُ زيدٍ، وبين أن يقول: أنا قاتلٌ زيدًا، فالذي يقول: أنا قاتلُ زيدًا يخبر عن نفسه، يعترف فيما مضى أنه قتله، والذي يقول: أنا قاتلٌ زيدًا يهدد، يريد أن يقتله في المستقبل.    

"بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّنْوِينُ أَجْوَدَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

الضَّارِبُونَ عُمَيْرًا عَنْ بُيُوتِهِمْ
 

بِاللَّيْلِ يَوْمَ عُمَيْرٌ ظَالِمٌ عَادِي
  

وَلَوْ كَانَ مَاضِيًا لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّنْوِينُ، وَحَذْفُ التَّنْوِينِ عَلَى التَّحْقِيقِ، فَإِذَا حَذَفْتَ التَّنْوِينَ لَمْ يَبْقَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ حَاجِز،ٌ فَخَفَضْتَ الثَّانِي بِالْإِضَافَةِ، وَحَذْفُ التَّنْوِينِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَوْجُودٌ حَسَنٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى} :هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة:95]، وَقَالَ:} إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ}[القمر:27] قَالَ سِيبَوَيْه: وَمِثْلُ ذَلِك {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْد}[المائدة:1].

وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

هَلْ أَنْتَ بَاعِثُ دِينَارٍ لِحَاجَتِنَا
 

أَوْ عَبْدِ رَبٍّ أَخَا عَوْنِ بْنِ مِخْرَاقِ
 

دِرَبٍّ أَخَا عَوْنِ بْنِ مِخْرَاقِ، وقال النابغة:

احْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ
 

إِلَى حَمَامٍ شَرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ
  

مَعْنَاهُ وَارِدٍ الثَّمَدَ، فَحُذِفَ التَّنْوِينُ، مِثْلَ} كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}. 

قَوْلُهُ تَعَالَى:قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ} أَيْ عَلَى مَكَانَتِي أَيْ: عَلَى جِهَتِي الَّتِي تَمَكَّنَتْ عِنْدِي {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}  وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ بِالْجَمْعِ "مَكَانَاتِكُمْ"، وَقَدْ مَضَى فِي ]الْأَنْعَامِ[. {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} أَيْ يُهِينُهُ وَيُذِلُّهُ أَيْ: فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ بِالْجُوعِ، وَالسَّيْفِ،} وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}. 

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ، فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُسْتَوْفًى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ".

يعني للإنسان أن يختار لنفسه، العاقل الذي يريد نجاة نفسه }فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}[الزمر:40] في مقابله الذي يأتي آمنًا منعمًا يدخل الجنة، وفيها ما ذُكر في نصوص الكتاب، والسنة، فكيف يؤثر عاقل الطريق الثاني، ويترك هذا السبيل المُرضي لله –جل وعلا-، }فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[الزمر:39]؟ يعني سوف يظهر لكم عيانًا ما ذُكر لكم خبرًا  {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}[الزمر:40].

يعني إذا وُجدت المعاينة، ودخل أهل النار النار، ودخل أهل الجنة، الجنة تبين الغبن ذلك يوم التغابن.

 اللهم صل على محمد وعلى وآله وصحبه.                 

 طالب:..........

نعم، يعني على حسب المهتم به في موضعه، على حسب المهتم به في موضعه.

طالب:......... المهتم بالقرآن يعني.

نعم.

طالب:...... تقدم الناس.

على كل حال ليزدجر ويتبع.

طالب: وقال الجرجاني: إن الله كافٍ عبده المؤمن، وعبده الكافر هذا بالثواب، وهذا بالعقاب. كيف يعني الكافر؟

يكفيه، يكفيه.

طالب: من الكفاية؟

ليس من الكفاية.

طالب: الكفاية باستنفار الإحسان............

يعني يوفيه ما يكفيه مما يستحق يكفيه، ويعطيه كفايته مما يستحقه من نعيم، ومن عذاب.

طالب:.............

بعيد، بعيد.

اللهم صلِّ على محمد.