شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (175)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج ومعه بلال، فظن أنه لم يسمع النساء.

 كنا توقفنا عند هذه اللفظة، وسألنا- أحسن الله إليكم- فيما يتعلق بتخصيص بعض الخطباء في خطبة العيد الأضحى أو الفطر الشق الأخير من الخطبة الثانية يخصصه للنساء، وينص على ذلك، ويستند إلى هذا الحديث، وخصوصًا أن الآن النساء يسمعن كامل الخطبة؛ لوجود المكبرات ونحو ذلك، فهل تخصيص النساء له أصل أم لا؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: ففيما تقدم من تخصيص النبي-عليه الصلاة والسلام- النساء بهذه الموعظة، لماذا؟ لأنه ظن أنه لم يسمع، فلو كان ظنه على أنه أسمع لما احتاج أن يخصصهن، ففي هذا دليل على أنه إذا كن يسمعن الكلام اكتفي بخطبة توجه إلى الرجال، والنساء شقائق الرجال، لكن لو تصور أن عند النساء شيئًا يخصهن من مخالفة أو تقصير في أمر من الأمور أتى به الرجال على الوجه المطلوب، فوجه النساء إلى المقصر من النساء لا بأعيانهن، بل خاطب المقصر عمومًا اتجه ذلك في الخطبة، وإلا فالأصل أن النساء شقائق الرجال، وفي الأمور التي يشترك فيها الرجال مع النساء يُكتفى بخطاب الرجال، وفي الأمور التي يستقل بها النساء يوجه الخطاب إلى النساء، كما في هذا الحديث.

فإذا غلب على الظن أنهن سمعن ما وجه إلى الرجال اكتفي به، إلا إذا كان هناك أمر يختص به النساء فيوجه إليهن.

وفي الحديث: فظن أنه لم يسمع فوعظهن، فوعظهن -عليه الصلاة والسلام- بقوله: «إني رأيتكن أكثر أهل النار؛ لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير»، قال القسطلاني: وهذا أصل في حضور النساء مجالس الوعظ ونحوه بشرط أمن الفتنة.

أولًا بالنسبة لصلاة العيد جاء الأمر النبوي بإخراج النساء إلى صلاة العيد، تقول أم عطية: أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى.

فصلاة العيد على وجه الخصوص أمر النساء بالخروج إليها، وما عدا ذلك ينظر فيه. حتى من أهل العلم من أوجب خروج المرأة إلى صلاة العيد؛ أخذًا من أمر النبي-عليه الصلاة والسلام-، والأصل في الأمر الوجوب كما هو معروف، وإن حمله الجمهور على الاستحباب.

الأمور الأخرى جاء فيها مثل الصلاة: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»، فليس فيه أمر. خروج النساء لطلب العلم وحضور الدروس، لا شك أنه مع أمن الفتنة واستقلال النساء بالأماكن البعيدة عن الرجال المستقلة عنهم هذا طيب، على أنه إن أمكن أن تتعلم المرأة في مكان مستقل لا علاقة للرجال به فهو الأصل.

لكن إذا وجد مكان مخصص للنساء في المساجد مثلًا؛ لأنه لا يمكن يخصص مساجد للنساء، الأصل في الجماعات والمساجد أنها للرجال، لكن في دور العلم يخصص مدارس خاصة بالنساء، أما المساجد فلا يخصص مساجد للنساء، إنما يحضرن الخير ودعوة المسلمين بالشرط الذي ذكر، بشرط أمن الفتنة، وبشرط البعد عن أنظار الرجال.

قال العيني: والفاء في «فوعظهن»: تصلح أن تكون للتعليل، وأمرهن عطف عليه، «أمرهن بالصدقة» يعني فقال: تصدقن، وأمرهن بالصدقة النفلية لما رآهن أكثر أهل النار، والصدقة ممحاة لكثير من الذنوب المدخلة النار.

أو لأنه كان وقت حاجة إلى المواساة والصدقة كانت حينئذٍ أفضل وجوه البر، قاله الكرماني والعيني والقسطلاني وغيرهم من الشراح.

 وقال الكرماني: الصدقة ما يبذل من المال لثواب الآخرة، وهي تتناول الفريضة والتطوع، لكن المراد هاهنا الثاني، فاللام فيه للعهد.

ما الدليل على أن المراد الثاني صدقة التطوع؟ وقالوا: المراد الصدقة النفلية؟

المقدم: تصرفهن بإخراج القرط والخاتم وغيره لا يدل على أنها..

يعني من غير نظر إلى بلوغ نصاب، ومن غير نظر إلى أن هذا المخرج يفي بالزكاة المفروضة أو لا يفي، كونهن تصرفن هذا التصرف يغلب على الظن أنها صدقة التطوع.

المقدم: في قوله: «فوعظهن» نلحظ، يعني سبق أن تكلمنا عن هذا في باب الغضب في الموعظة والتعليم، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يحرص على الموعظة، والآن مع كل أسف من يهجم على الموعظة والوعظ، ويتهم البعض ويقول: هذا واعظ، وجيل الوعاظ والحديث عن الوعظ، مع أنه لا ينفك العلم عن الوعظ في الغالب.

النصوص التي جاءت في الوعظ والموعظة، أولًا جاء اللفظ في القرآن وفي كثير من النصوص النبوية فهو شرعي.

المقدم: واعتبار القرآن موعظة.

بلا شك، وهو أيضًا تذكير { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [ق 45]، فالتذكير هو الموعظة، استبدال هذا اللفظ الشرعي بألفاظ وإن كان لها أصل من حيث الاشتقاق اللغوي مثل: توعية مثلًا، يستعملون توعية بكثرة، وهو قد لا يوجد في كلام السلف مرادًا به التوجيه والإرشاد، له أصل التوعية والإيقاظ والتنبيه كلها لها أصول لغوية. {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}[الحاقة 12].

المقدم: رب مبلغ أوعى من سامع.

نعم، رب مبلغ أوعى،  فهي توعية من هذه الحيثية، لكن كونه يهجر اللفظ الشرعي، لما استصحبه بعض الناس من أن الوعاظ في ظرف من الظروف، لا، كثير من الوعاظ في ظرف من الظروف أشبه ما يكون بالقصاص الذين لا علم عندهم، فهجموا على هذا اللفظ من أجل الواقع الذي شهدوه، وهذا لا يكفي، ليس بمبرر أن يلغى اللفظ والاصطلاح الشرعي لمجرد هذا، الأصل أن العالم واعظ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أعلم الخلق يعظ، ووعظ، ومع الأسف أن يتصور بعض طلاب العلم أن الوعظ نقيصة، تبعًا لذاك الفهم الذي فهمه بعضهم من أن الوعظ مقرون بعدم العلم، وقد أشير على بعض طلاب العلم أن يشرح مثلًا كتاب الرقاق أو الفتن، فقال: أنا لا أريد أن أصنف واعظًا. هذه مشكلة هذه، هذا خلل في التصور، النبي- عليه الصلاة والسلام- واعظ، لكنه يعظ بعلم، الإنسان الذي يتزود من العلم ما يعظ به الناس.

يقول الكرماني: الصدقة ما يبذل من المال لثواب الآخرة، وهي تتناول الفريضة والتطوع، لكن مراده ههنا هو الثاني، فاللام فيه للعهد.

«فجعلتْ المرأة»: أي طفقت، وهي مثل كاد في الاستعمال من أفعال المقاربة، مثل كاد في الاستعمال من أفعال المقاربة، ترفع الاسم وخبرها جملة مجردة عن أن. «والمرأة»: اسمها، فجعلت المرأة: اسم جعل.

«تلقي القرط»: خبرها مجردًا عن أن، وهذا هو الأصل، يقول ابن مالك في الألفية:

وَمِثْلُ كَادَ فِي الأصَحِّ كَرَبَا

وَتَرْكُ أنْ مَعْ ذِي الشُّرُوعِ وَجَبَا

كَأَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو وَطَفِقْ

 كَذَا جَعَلْتُ وَأَخَذْتُ وَعَلِق

يقول ابن عقيل في شرحه معنى قوله: وترك أن ما ذي الشروع وجبا أن ما دل على الشروع في الفعل لا يجوز اقتران خبره بـ أن.

لما بينه وبين أن من المنافاة؛ لأن المقصود به الحال، شرع الخطيب يخطب، طفق زيد يقرأ، أنشأ، علق إلى آخره.

«جعلت المرأة تلقي»: جعلت في الحال، يقول: لما بينه وبين أن من المنافاة؛ لأن المقصود به الحال، فجعلت في الحال، وأن للاستقبال، ففيه منافاة، وذلك نحو: أنشأ السائق يحدو، وطفق زيد يدعو، وجعل يتكلم، وأخذ ينظم، وعلق يفعل كذا. انتهى.

«تلقي»: في المفردات: الإلقاء: طرح الشيء حيث تلقاه أي تراه، ثم صار في التعارف اسمًا لكل طرح.

«القُرط»: بضم القاف وسكون الراء: ما يعلق في شحمة الأذن، وأما الخُرص بضم المعجمة فهو الحلقة الصغيرة من الحلي.

«الخاتم»: يقول الكرماني: فيه أربع لغات، كسر التاء، وفتحها خاتِم وخاتَم، وخيتام بفتح الخاء، وخاتام الكل بمعنى واحد.

قال ابن حجر: الخاتم جمعه خواتم وخواتيم، وخياتم بياء وخياتيم بدونها بلا ياء، وفي الخاتم  يقول ابن حجر: ثمان لغات، الكرماني يقول: فيه أربع لغات، وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر : في الخاتم ثمان لغات؛ فتح التاء وكسرها، وهما واضحتان: خاتَم، خاتِم، وبتقديمها على الألف مع كسر الخاء: خِتام، وبفتحها وسكون التحتانية وضم المثناة بعدها واو: خَيْتوم، وبحذف الياء والواو مع سكون المثناة: خَتْم، وبألف بعد الخاء وأخرى بعد التاء: خاتام هذه اللغة السادسة.

والسابعة بزيادة تحتانية بعد المثناة المكسورة: خاتيام، وبحذف الألف الأولى وتقديم التحتانية: خيتام.

يقول ابن حجر: وقد جمعتها في بيتٍ:

خاتام خاتم ختم خاتم وختام خاتيام وخيتوم وخيتام.

ثماني لغات.

وفي المصباح: الخاتم: بفتح التاء وكسرها، والكسر أشهر، قالوا: الخاتم حلقة ذات فص، فص من غيرها.

المقدم: مرت معنا اللغات أيضًا في حديث أنس في اتخاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الخاتم.

متى؟

المقدم: في أول كتاب العلم، في حديث أنس أن النبي-صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس أخبروه كان يبعث كتبًا فأخبروه أنهم لا يقرؤون كتابًا إلا مختومًا، فاتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا، مرت بنا هذه اللغات يا شيخ. ومر البيت.

ومر أيضًا في الشمائل.

المقدم: نعم، ولكن مر بنا قبل ستة أحاديث من هنا تقريبًا في حديث أنس-رضي الله عنه-: «كتب النبي كتابًا أو أراد أن يكتب فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا مختومًا، فاتخذ خاتمًا من فضة نقشه محمد رسول الله، كأني انظر إلى بياضه في يده».

نعم، هنا يقول: الخاتم حلقة ذات فص من غيرها، وجاء في البخاري: في خاتمه -عليه الصلاة والسلام- أن فصه منه، فإن لم يكن لها فص فهي فتخة، بفاء وتاء مثناة من فوق، وخاء معجمة، فتخة وزان قصبة.

فتخ واحدة الفتخات، وجاء في حديث الباب: «أنهن يلقين الفتخات» في بعض الروايات.

«وبلال يأخذ في طرف ثوبه»: يعني ما يلقينه من القروط والخواتم، وحذف المفعول للعلم به، بلال يأخذ في طرف ثوبه ماذا يأخذ؟ ما يُلقى، وحذف المفعول للعلم به؛ لأن المفعول يُحذف أحيانًا للعلم به.

{خلق الإنسان ضعيفًا} [النساء 28]: للعلم بالخالق، وأحيانا للجهل به، كما تقول: سُرق المتاع، تبني للمجهول وتحذف المفعول؛ لجهلك به.

ورفع بلال بالابتداء، وتاليه خبره، والجملة حالية: (وبلال يأخذ) أي دخلت عليه واو الحال، فالجملة حالية.

قال ابن بطال: فيه أنه يجب على الإمام افتقاد أمور رعيته، وتعليمهم ووعظهم، الرجال والنساء في ذلك سواء؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته»، فدخل الرجال والنساء، وأمر النساء بالصدقة لما رآهن أكثر أهل النار، ففيه دليل أن الصدقة تنجي من النار، وجاء فيها أنها تطفئ غضب الرب.

وفيه أن النساء إذا حضرن الصلاة -صلاة الرجال- ومجامعهم يكن بمعزل عنهم؛ خوفًا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه.

إذا حضر النساء مجامع الرجال يكن بمعزل عنهم خوفًا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه، وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى إيجاب وقبول، لا تفتقر إلى إيجاب وقبول بمعنى أن المتصدق ينطق بلفظ يبين فيه أن هذه صدقة، والمتلقي يقول: قبلت هذه الصدقة، وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى إيجاب وقبول، بل تكفي فيها المعاطاة.

المعاطاة وهي الإعطاء والأخذ، والإلقاء في الثوب في مثل هذا الأمر كافٍ، إذا دلت القرائن على إرادة الصدقة.

إذا دلت القرائن على إرادة الصدقة، لو أن شخصًا وضع نفسه في موضعٍ يقبل فيه الصدقة، يعني وقف عند باب المسجد، وبسط رداءه، وجعل الناس يلقون فيه الدراهم، ثم جاء شخص مدين لهذا الشخص بمبلغ ثم أعطاه إياه ووضعه في ردائه، هل نقول: إن هذا سداد للدين أو هو صدقة؟

المقدم: صدقة.

نفس المبلغ، تصور الشخص هذا يتصدق عليه الناس بعشرة، عشرين ريالًا، خمسة، أقل أكثر، ثم جاء هذا بخمسمائة ريال ووضعها، وهو مدين له بهذا بمبلغ خمسمائة ريال، ثم جاء يطلب منه الدين فقال: أنا أعطيتك والله الخمس مائة، نقول: تكفي المعاطاة في مثل هذا؟ ماذا نقول: أهذا سداد دين أم صدقة؟

المقدم: الظاهر يحكم على أنها صدقة.

القرائن تدل على ماذا؟ الناس يعطونه ريالًا أو ريالين أو خمسة، ولا يزيدون على عشرة، فيعطيه خمس مائة نفس المبلغ الذي في ذمته؟

المقدم: يعني تدل على السداد؟

القرائن كأنها تدل على هذا، لكن لو أعطاه عشرة عشرين مثل الناس، ثم قال: اخصم العشرين، نقول: لا هذه صدقة، القرينة تدل على أنك تتصدق مثل الناس، فمثل هذا مرده إلى القرائن.

وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى إيجاب وقبول، بل تكفي فيها المعاطاة؛ لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير كلام منهن ولا من بلال ولا من غيره، وهذا هو الصحيح من مذهبنا، القائل من؟ النووي ومذهبهم يعني الشافعية، وقال أكثر أصحابنا العراقيين: تفتقر إلى إيجاب وقبول باللفظ كالهبة، والصحيح الأول، وجزم به المحققون.

الهبة الآن تحتاج إلى لفظ وهبتك هذا المال؟

المقدم: أبدًا، ما تحتاج وما تفتقر إليه.

إذا كان مما تعارف الناس أن مثل هذا المال يوهب، وإذا دلت القرائن على أنه أعطاه إياه وديعة مثلًا أو اختلط الأمر بحيث لا يدري هل هو هبة أو وديعة، لا بد من التصريح هنا، إذا اختلط الأمر لا بد من التصريح.

وفيه جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، ولا يتوقف ذلك على ثلث مالها. يقول النووي: وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال مالك: لا يجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضا زوجها.

الآن المرأة حرة مكلفة رشيدة، هل لزوجها سلطان على مالها؟ الجمهور: لا، وقال مالك: لا يجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضى زوجها؛ لأن الشرع أباح لها أن توصي بثلث مالها من غير إذن زوجها، لكن أكثر من ذلك لا، وهنا يقول مالك: لا يجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضا زوجها، يقول: ودليلنا من الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسألهن استأذنّ أزواجهن في ذلك أم لا، وهل هو خارج من الثلث أم لا، ولو اختلف الحكم في ذلك لسأل، فعليه الصلاة والسلام ترك الاستفصال في هذا المجال مع قيام هذا الاحتمال، فترك الاستفصال في مثل هذا يفيد العموم بالثلث فما فوق فما دون، وأشار القاضي -يعني عياض- إلى الجواب عن مذهبهم بأن الغالب حضور أزواجهن، الأزواج حاضرون في المسجد.

المقدم: في الصفوف الأولى.

يقول: وأشار القاضي إلى الجواب عن مذهبهم أن الغالب حضور أزواجهن، فتركهم الإنكار يكون رضا بفعلهن.

المقدم: ما يرونهم يا شيخ.

يقول النووي: هذا الجواب ضعيف أو باطل؛ لأنهن كن معتزلات لا يعلم الرجال من المتصدقة منهن من غيرها، ولا قدر ما يتصدق به، ولو علموا فسكوتهم ليس إذنًا، لا بد أن ينطقوا. وفي الكرماني: قال محيي السنة -يعني البغوي-: وفيه دليل على جواز عطية المرأة بغير إذن الزوج، وأما ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها» فمحمول على غير الرشيدة. يقول الكرماني: وأقول أو المراد من مال زوجها لا من مالها لا تتصدق ولا تعطي إلا بإذن زوجها، إن كانت غير رشيدة وزوجها هو وليها في المال، فلا يجوز أن تتصدق إلا بإذنه، وإن كان المتصدق منه مال زوجها فلا يجوز لها أن تتصدق إلا بإذنه.

والحديث المذكور أخرجه أبو داود من طريقين عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها»، وهو حديث حسن.

قال العيني: هو محمول على الأولى والأدب، ذكره الشافعي في البويطي، وقال الكرماني: قال أصحابنا: يستحب إخراج النساء غير ذوات الجمال في العيدين. وفيه أن الأصل في الناس العقل؛ يعني ما سأل التي تلقي الخاتم والتي تلقي القرط هل أنت عاقلة رشيدة أو غير، فالأصل العقل، وفيه أن الأصل في الناس العقل وفي التصرفات الصحة، إذ لم يفتش رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عن كون الملقيات كلهن عاقلات بالغات أم لا.

فالأصل في التصرفات الصحة؛ إلا إذا غلب على الظن أن هذه المتصرفة هذه المتصدقة غير عاقلة أو غير رشيدة أو غير مكلفة، فإنه حينئذ يتوقف في أمرها، وترد عطيتها إلا بإذن وليها.

المقدم: أحسن الله إليكم. لعلنا نستكمل ما تبقى وخصوصًا الحديث عن أطراف هذا الحديث في حلقة قادمة بإذن الله.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاء جديد بكم بإذن الله تعالى لاستكمال هذه الحلقة وأطراف هذا الحديث في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، وأنتم بخير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.