شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (19)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
المدرج
المدرج الملحق آخر الخبر نحو إذا قلت: التشهد وصل قلت: ومنه مدرج قبل قلب ومنه جمع ما أتى كل طرف كوائل في صفة الصلاة قد ومنه أن يدرج بعض مسند نحو ولا تنافسوا في متن لا من متن لا تجسسوا أدرجه ومنه متن عن جماعة ورد فيجمع الكل بإسناد ذكر فإن عمرًا عند واصل فقط وزاد الأعمش كذا منصور |
| من قول راو ما بلا فصل ظهر |
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
"المدرج" اسم مفعول من أدرج الشيء في غيره، فهو مدرج أي مُدخل، ومنه أُدرج فلان في كفنه، أي أُدخل في كفنه، فالإدراج الإدخال، فمعنى الإدراج إدخال شيء في شيء، وإدخال ما ليس من الحديث فيه، فهو الزيادة في الخبر من غير فصل، هذا مدرج المتن، كما أنه يكون –أيضًا- الإدراج في السند، فإدخال شيء في شيء هو الإدراج، ويوجد الإدراج في المتن في أوله، في أثنائه، في آخره، كما أنه يوجد الإدراج في السند على صور ثلاث، أو أربع يأتي تفصيلها -إن شاء الله تعالى-.
والسبب في الإدراج إما استنباط حكم، أو تفسير غريب، أو غير ذلك، فتفسير الغريب يتسامحون فيه، يتسامحون في تفسير الغريب، والتحنث التعبد، ومثال ذلك –أيضًا- تفسير الشغار، وتفسير المزابنة، من غير ذكر لمن أدرج، من غير فصل بين هذا المدرج، وبين الخبر الذي أدرج فيه، هذا تفسير إما تفسير كلمة غريبة، أو تفسير لمعنى الحديث يلحق به، أو فهم واستنباط يستنبط من الخبر على ما سيأتي في الأمثلة.
يقول -رحمه الله تعالى- في القسم الأول، وهو مدرج المتن:
المدرج الملحق آخر الخبر |
| ................................... |
"المدرج" يعني في المتن.
"الملحق" يعني المدخل في الخبر مما ليس منه في آخره:
المدرج الملحق آخر الخبر |
| من قول راو ما ............. |
يعني سواءٌ كان صحابيًّا، أو غير صحابي، ويكون الإدراج من الصحابي، وأبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أدرج، وغيره من الصحابة أدرج، ويعرف الإدراج بأن يأتي مفصولًا في بعض طرق الحديث، وقد يكون هذا المدرج حديثًا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه في غير هذا الموضع، وفي غير هذه المناسبة: ((فأسبغوا الوضوء))، الأمر بإسباغ الوضوء مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في الحديث: ((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار))، هذه الجملة: ((أسبغوا الوضوء))، الأمر بالإسباغ ليست من هذا الحديث، وإن جاءت في طرق أخرى، فمثل هذا يسمى إدراجًا، ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)) فيعرف الإدراج بوروده مفصولًا في طرق أخرى، أو مبينًا منصوصًا عليه في طرق أخرى، كحديث: "أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار))"، وقد يعرف الإدراج باستحالة إضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "للعبد المملوك أجران، ولولا الجهاد في سبيل الله، وبر أمي، لأحببت أن أموت، وأنا مملوك" فهذا لا يمكن أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن أمه قد ماتت، فبهذا نعرف أن هذا اللفظ مدرج، وإن وجه بعضهم هذا الكلام بكون المراد من ذلك تعليم الأمة، تعليم الأمة في هذا، بأن الرق على حساب بر الأم، فبر الأم أولى من الرق، يريد أن يعلم الأمة -عليه الصلاة والسلام-، أو يكون المراد كما قال بعضهم أن المراد بالأم هي أمه من الرضاعة، وعلى كل حال اللفظ مدرج، يستحيل أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا الكلام، كيف يتمنى أن يكون رقيقًا مما يعوقه دون تبليغ ما أرسل به -عليه الصلاة والسلام-، فهذا لا يمكن أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو تأولنا ما جاء في ذكر الأم في هذا الخبر المدرج؛ لأن أمه قد ماتت.
المدرج الملحق آخر الخبر |
| من قول راو ما ............. |
يعني سواءً كان صحابيًّا، أو غير صحابي.
"بلا فصل ظهر" بلا فصل ظهر بين الخبر والملحق به، يعني من غير فاصل "نحو" قول ابن مسعود:
.... إذا قلت التشهد وصل |
| ذاك زهير وابن ثوبان فصل |
"نحو" قول ابن مسعود: "إذا قلت" هذا "التشهد" الذي علمه إياه النبي -صلى الله عليه وسلم- "فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، هذا مدرج، وليس من أصل الخبر "وصل ذاك" بالخبر يعني أدرجه بالخبر "زهير" بن معاوية وصله، وهو من قول ابن مسعود، وصله بالخبر المرفوع الذي هو التشهد الذي يرويه ابن مسعود عن النبي -عليه الصلاة والسلام- زهير بن معاوية، وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فقد فصله عن الخبر.
"وصل ذاك زهير" ذاك يعني بالخبر زهير بن معاوية، وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فصل ذلك عن الخبر.
يقول: قال ابن مسعود، يعني بعد أن أنهى التشهد، وقبل السلام، يقول: قال ابن مسعود: إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، واتفق الحفاظ كما قال النووي على أنه مدرج، وليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه معارض بما يدل على أن السلام ركن من أركان الصلاة لا بد منه، معارض بحديث: ((تحليلها التسليم))، ((تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم))، فالتسليم لا بد منه، ومقتضى الخبر الذي ألحق به ما ليس منه أنه إذا فرغ من التشهد له أن يقوم، وعلى هذا عول الحنفية في عدم إيجاب التسليم، وأنه إذا انتهى من التشهد، فقد انتهى من صلاته، فقد قضى صلاته، وتعرفون القصة التي وقعت، والمناظرة التي وقعت بين يدي محمود بن سُبكتُكين، وكان على مذهب أبي حنيفة، فجاء القفال من الشافعية، إن صحت القصة؛ لأنهم يذكرونها في باب المناظرات، فجاء هذا الشافعي، إمام من أئمة الشافعية، فأراد أن يحول الأمير محمود بن سبكتكين إلى مذهبه، بدلًا، بعد أن كان حنفيًّا، يريد أن يكون شافعيًّا، ولا شك أن المذهب يستفيد، إذا دعمته السلطة، وينتشر، وتيسر أموره، وتعرفون أن انتشار المذاهب إنما تزداد، وتقوى وتضعف بحسب تبني الدول لها، محمود بن سبكتكين معروف بصلاحه، وحرصه على الخير، جاء هذا الشافعي، إمام من أئمة الشافعية، وأظنه القفال، فقال: أنت على مذهب أبي حنيفة، وأريد أن أصلي بين يديك صلاةً صحيحة على مذهب أبي حنيفة، وهي باطلة عندنا، فإن أعجبك مذهب أبي حنيفة، فاستمر عليه، فأتى بنبيذ، والجو حار، والنبيذ حلو، والجو الحار يكثر فيه الذباب، فتوضأ بهذا النبيذ، فاجتمعت عليه من كل جانب، ثم عمد إلى جلد ميتة غير مدبوغ فلبسه بحيث جعل الشعر مما يليه، وسلخ هذه الشاة، أو هذا الكبش غير متقن، فيه شيء من اللحم، والشحم، فازداد الأمر سوءًا، فاجتمعت عليه الحشرات من كل صوب، ثم صلى صلاة بدون طمأنينة؛ لأن الحنفية يجيزون الوضوء بالنبيذ، ويصلي في الجلد غير المدبوغ، لكن لا يليه، والطمأنينة ليست بركن عندهم، فلما فرغ من التشهد أحدث قبل أن يسلم، هذه الصلاة من يقبلها؟ هذه الصلاة لا يقبلها عاقل، فجمع جميع مساوئ المذهب في صورة واحدة، فمحمود بن سبكتكين سأل الحنفي قال: هذه الصلاة صحيحة عندكم؟ ما يقدر ينكر، الوضوء بالنبيذ معروف عندهم، والسلام لا يلزم، وأيضًا الصلاة بالجلد غير المدبوغ عندهم إذا لم يلي يباشر المصلي –أيضًا- فيه كلام عندهم، المقصود أن محمودًا لما رأى هذه الصورة انتقل من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الإمام الشافعي.
وفي دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي تكلم على هذه القصة، ووجهها توجيهًا عجيبًا؛ لأنه هو حنفي، فقال: إن الوضوء بالنبيذ، النبيذ كحول، والكحول مطهرة، فما المانع من أن..، لأنها تزيد في التطهير أكثر من الماء العادي؛ لأن الأدوية المطهرة، والعلاجات المطهرة فيها من هذا النوع الكحول، فهي تستعمل في التطهير أقوى من الماء، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، العبرة بما جاء عن الشرع، وأن الوضوء بالماء لا بالنبيذ، واعتمادهم على خبر ابن مسعود في ما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الجن، وأنه توضأ بالنبيذ، وأنه قال: ((تمرة طيبة، وماء طهور)) هذا الحديث في غاية الضعف.
الذي جرنا إلى هذا الكلام، هذا الإدراج من قول ابن مسعود: "فقد قضيت صلاتك" يعني إذا قلت هذا التشهد "فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" فلا يجب السلام حينئذٍ، وعرفنا أنه عمدة الحنفية في عدم إيجابه، وإن كان الجمهور على أنه واجب، بل ركن من أركان الصلاة، والخلاف بينهم هل الركن التسليمة الأولى، أو التسليمتين؟ محل هذا كتب الفقه.
"وابن ثوبان فصل" هذا بالنسبة للإدراج في آخر الخبر، وهو أكثر هذا النوع أمثلة، يعني أكثر المدرج يكون في آخر الخبر: ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، وتحجيله، فليفعل)) هذا كلام أبي هريرة، وإن كان في كلام لبعض أهل العلم أنه يمكن أن يثبت مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، مع أن الغرة لا يمكن إطالتها، الغرة لا يمكن إطالتها، أما التحجيل الواقع في اليدين والرجلين هذا يكمن إطالته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- غسل يديه حتى أشرع في العضد، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، فهذا ممكن، أما الغرة فلا يمكن إطالتها.
"قلت" الحافظ العراقي يقول:
قلت: ومنه مدرج قبل قُلِب |
| ................................... |
أي من المدرج في المتن عكس ما تقدم، ما تقدم الإدراج في آخر الخبر، وهنا يقول: "قلت: ومنه مدرج قبل" أي قبل الآخر سواءٌ كان في أوله، أو أثنائه "قُلِب" يعني بدلًا من أن يكون في آخر الخبر صار في أوله:
................................... |
| كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب" |
قلب بالنسبة للمدرج في آخره، يعني عكس، فصار في أوله بدلًا من أن يكون في آخره، ومنه:
قلت: ومنه مدرج قبل قُلِب |
| ................................... |
يعني قبل اللفظ النبوي "قلب" يعني عكس، بدلًا من أن يكون في آخره كالأول هذا صار في أوله: كـ"أسبغوا" كخبر: أسبغوا أي أكملوا، وأتموا:
................................... |
| كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب" |
يعني من النار، وهنا أفرد العقب للوزن، وإلا في الحديث في الصحيحين، وغيرهما: ((ويل للأعقاب من النار))، ويل للأعقاب، على أن الإفراد: ((ويل للعقب من النار)) جاء في رواية الطيالسي، لكن عدوله عن رواية الصحيحين إنما هو للوزن، لوزن البيت، هذا إدراج في أول الخبر، والأول إدراج في آخر الخبر، ومنه مدرج في أثناء الخبر، وهو قليل بالنسبة للمدرج في آخر الخبر كثير بالنسبة للمدرج بالأول، فأكثر هذا النوع الإدراج في آخره، وأقله الإدراج في أثنائه، وأقله الإدراج في أوله، وأما بالنسبة للإدراج في أثناء الخبر فإنه متوسط بين الاثنين كتوسط موقعه من الخبر، من ذلك حديث بسرة بنت صفوان، حديث: ((من مس ذكره فليتوضأ))، هذا هو المحفوظ، وهو المعروف، هذا هو المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، روي مرفوعًا بلفظ: ((من مس ذكره، أو أنثييه، أو رفغه فليتوضأ)) وهما؛ أعني الأنثيين والرفغ من قول عروة كما بينه جماعات عن هشام ابنه، وروي بتقديم الرفغ والأنثيين على الذكر فهو من سابقه، قاله ابن حجر، فيكون من الإدراج في أول الخبر، يعني جاء بلفظ: ((من مس رفغه، أو أنثييه، أو ذكره فليتوضأ)) فقدم الإدراج على أصل الخبر، فيكون من النوع الذي سبق، من النوع الثاني الذي سبق وهو الإدراج في أول الخبر، هكذا قال ابن حجر، لكن هل يتم التمثيل به على هذه الرواية للإدراج في أول الخبر، أو لا يتم؟ أصل الحديث: ((من مس ذكره فليتوضأ))، أدرج فيه من قول عروة: ((من مس ذكره، أو أنثييه، أو رفغه فليتوضأ)) جاء من طريق: ((من مس رفغه، أو أنثييه، أو ذكره فليتوضأ)) هل يتم التمثيل به للإدراج في أول المتن على قول ابن حجر، أو لا يتم؟
طالب:......
لماذا؟
طالب:......
نعم؛ ((من مس)) هذه ثابتة في أصل الخبر المرفوع، فهذه الكلمة تحول دون كونه إدراج في أول الخبر، فأول الخبر: ((من مس))، وهي ثابتة في الخبر المرفوع، هذه بينت الرواية: "أسبغوا الوضوء؛ فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويل للأعقاب من النار))" هذه التي حكمنا من أجلها أن الجملة مدرجة، هذه بينت الإدراج.
طالب:......
نعم؛ هذه ما هي مدرجة: "أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال" هذا ما هو بإدراج، الإدراج: ((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار)) من غير فصل، هذا بالنسبة للإدراج في المتن،
وينقسم إلى ثلاثة أقسام: الإدراج في أوله، في أثنائه، في آخره، ومنه الإدراج في السند، "ومنه" أي من المدرج وهو القسم الثاني، وهذه هي الصورة الأولى من صور الإدراج في القسم الثاني في السند:
ومنه جمع ما أتى كل طرف |
| منه بإسناد بواحد سلف |
"ومنه" أي: من المدرج، وهو القسم الثاني: الإدراج في السند.
"ما" أي خبر، أتى كل طرف منه، عن راويه بإسناد غير إسناد الطرف الآخر "منه بإسناد" يعني غير إسناد الطرف الآخر "بواحد سلف" سلف يعني من الإسنادين متعلق بجمع، وسلف تكملة المقصود أنه جمع بين اللفظين الواردين عن راو واحد بإسنادين مختلفين، فيجمعهما كأنهما بإسناد واحد "كوائل" يعني كخبر وائل بن حجر في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه زائدة، وغيره عن عاصم بن كليب عن أبيه، فإنه قد أدرج فيه بعض رواته في آخره بهذا السند قطعة من حديث لوائل بن حُجر في غير هذه المناسبة.
كوائل في صفة الصلاة قد |
| أدرج............................. |
فيه بعض رواته في آخره بهذا السند، ثم جئتهم في زمان، أو في زمان برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب، تحرك أيديهم تحت الثياب، "ثم جئتهم وما اتحد" يعني سند الجملتين، بل الذي عند عاصم بهذا السند الجملة الأولى فقط، وأما الثانية فإنما رواها عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل، وجمعهما وهم، فكأنه أدرج أحد السندين في الآخر، وائل جاء، وصلى خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وضبط صلاته، ووصفها، ورويت عنه، ومجيئه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من مرة، فمرة وصف شيئًا، ووصف شيئًا في المرة الثانية، ما وصفه في المرة الأولى يروى عنه بإسناد، وما وصفه في المرة الثانية يروى عنه بإسناد آخر، فجاء من جاء وهو زائدة، زائدة ابن قدامة؛ وغيره –أيضًا- وافقه عليه، عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه، أدرج القصة الثانية في القصة الأولى، كلاهما يروى عن وائل بن حجر، إلا أن الأولى تروى عنه بإسناد، والثانية تروى عنه بإسناد آخر، فجاء زائدة وغيره، فجعلوا القصتين ساقوهما مساقًا واحدًا بإسناد إحدى القصتين، ما المحذور في مثل هذا الإدراج؟ يعني إثبات سند، وحذف السند الآخر، ما المحذور في مثل هذا؟ المحذور أن تكون القصة الثانية المدرجة في الأولى التي حذف إسنادها أن تكون مشتملة على زيادات مؤثرة في الحكم، وفي رواتها ضعف، أو في بعض رواتها ضعف، فإنه إذا حذف هذا الضعيف، وبقيت زيادته ملصقة بخبر من تثبت الحجة بخبرهم؛ هذا لا شك أنه يقتضي الاستدلال والاحتجاج بمن لا يحتج به، يعني لو تصورنا القصة الأولى بسند نظيف كلهم ثقات، رويت عن وائل، القصة الثانية رويت عنه بسند فيه ضعف، فجاء من جمع القصتين بالسند الأول النظيف، أو جمعهما بالسند الثاني؛ الذي فيه ضعف؛ هذا إدراج إسناد في إسناد، صح وإلا لا؟ نعم؛ إدخال إسناد في إسناد، وسياق القصتين مساقًا واحدًا، لو كان السندين، لو كان رجال الإسنادين كلهم ثقات الأمر سهل، الأمر سهل؛ لأنه أينما دار فهو على ثقة، ولو كانوا كلهم ضعفاء –أيضًا- الأمر ما فيه إشكال؛ لأنه مردود، سواء رويناه عن هؤلاء، أو عن هؤلاء، الأثر المترتب عليه أقل، لكن إذا كان رجال القصة الأولى ثقات، ورجال القصة الثانية فيهم ضعف، وأضفنا القصة الثانية إلى القصة الأولى برجال القصة الأولى؛ ترتب على هذا قبول القصتين، ولولا هذا الإدراج ما قبلت القصة الثانية، ففي هذا الإدراج تغرير؛ تغرير للواقف على هاتين القصتين بقبولهما معًا، مع أن الأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة؛ لأن رواتها فيهم ضعف، وقد يكون فيها زيادات يتأثر فيها الحكم، فلا بد من فصل القصتين وذكر رواة كل من القصتين، لو عكسنا، وقلنا: إن رجال القصة الأولى ثقات، ورجال القصة الثانية ضعفاء، ثم أدخل رجال القصة الأولى في رجال القصة الثانية، وروى القصتين، وساقهما مساقًا واحدًا عن رجال القصة الثانية الذين فيهم ضعف؛ جنايته على الخبر من أي وجه؟ الصورة الأولى: جنايته على الخبر بجعل الناس يعملون بخبر لا يجوز العمل به؛ لأنه ضعيف، والصورة الثانية: جعل الناس يتركون ما تقوم به الحجة، يتركون ما تقوم به الحجة؛ واضح وإلا ما هو بواضح؟ واضح.
يعني ننظر لهذا بصنيع ابن الجوزي في الموضوعات، وصنيع الحاكم في المستدرك؛ صنيع ابن الجوزي في الموضوعات في الحكم بالوضع على أحاديث صحيحة، وإن كان نادرًا، والحكم بالوضع على أحاديث حسنة؛ وهذا موجود، وحكم بالوضع على أحاديث ضعيفة لا تصل إلى درجة الوضع، هذا أقرب ما يكون بالصورة الثانية؛ يعني يحرم الناس من العمل بأحاديث مقبولة، بينما صنيع الحاكم يقرب من الصورة الأولى، فقد صحح أحاديث ضعيفة، فيجعل المطلع والواقف على كتابه يعمل بأحاديث لا يجوز العمل بها، التنظير مطابق وإلا غير مطابق؟ وضح لنا الصورتين أو ما وضح؟ اتضحت الصورتان من خلال هذا التنظير، وإلا ما اتضحتا؟
أيهما أبلغ في الضرر؟ صنيع ابن الجوزي، أو صنيع الحاكم؟ يعني كون الناس يحرمون من أحاديث صحيحة حكم عليها ابن الجوزي بالوضع، وفيها أحكام، أو كون الناس يعملون بأحاديث ضعيفة حكم عليها الحاكم بالصحة، أو نقول: هما على حد سواء؟
طالب:......
يعني أبلغ في الضرر؟ نعم، تصحيح الحاكم أبلغ في الضرر من تضعيف ابن الجوزي؛ لأن الحاكم، أو لأن المصحح قد يكتفي به بعض الناس، أما بالنسبة للمضعف يُكتفي به؛ فإذا وجد من يصحح نسخ كلامه، بينما إذا صحح الخبر، وعمل به فإن تضعيف المضعف لا ينسخه، وهذا استرواح عند أكثر الناس.
على كل حال هذه هي الصورة الأولى من صور الإدراج في السند.
"ومنه" يعني من الإدراج.
طالب:......
نعم، حديث ماذا؟
طالب:......
حينما جمع، نعم، منه حديث الزهري في قصة الإفك، والقصة مخرجة في الصحيح، لكنها عن رواة كلهم ثقات، فلا أثر لمثل هذا الإدراج:
.................................قد |
| أدرج ثم جئتهم وما اتحد |
يعني اللفظان "ومنه" يعني من صور الإدراج في الإسناد.
ومنه أن يدرج بعض مسند |
| في غيره مع اختلاف السند |
ومنه أن يدرج من قبل الراوي بعض خبر مسند في خبر غيره مع اختلاف السند فيهما:
نحو: ((ولا تنافسوا)) في متن: ((لا |
| تباغضوا)) فمدرج قد نُقلا |
يعني لفظ: ((لا تنافسوا))، لا يوجد في الأصل في متن: ((لا تباغضوا ولا تحاسدوا)) إلى آخره، ليس فيه: (ولا تنافسوا)، هذه اللفظة، أو هذا النهي: (ولا تنافسوا) لا توجد في: ((لا تباغضوا ...)).
"قد نقلا من متن لا تجسسوا" الأصل يعني أول الحديث: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا))، وفي رواية بالمهملة: ((ولا تحسسوا، ولا تنافسوا))، هذه اللفظة، وهذا النهي: ((ولا تنافسوا)) في الحديث الثاني، وليست في الحديث الأول، والحديث الأول بإسناد، والثاني بإسناد، فبدلًا من أن يأخذ القصة كلها؛ كما في قصة وائل بن حجر في المجيء الثاني، وإلحاقه بقصته في المجيء الأول؛ يأخذ لفظة من حديث، وهذا يحصل عند كثير ممن يعتمد على حفظه في سياق الأحاديث من غير مراجعة؛ تجده يهجم على باله هذا اللفظ، ويرى أنه مناسب لهذا الحديث، فيضعه فيه، وكلها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ يعني المتنان اللذان معنا ثابتة في الصحيح، ما فيهما إشكال، لكن على كل حال هو إدراج، وإن كان إدراج شيء يسير، وليس بإدراج حديث كامل، إنما هو إدراج كلمة.
ومنها أن يدرج بعض مسند نحو: ((ولا تنافسوا)) في متن: ((لا
|
| في غيره مع اختلاف السند تباغضوا)) فمدرج قد نُقلا |
أي لفظ: ((لا تنافسوا)) مدرج في متن: ((لا تباغضوا)) من متن: ((لا تجسسوا))، وبداية المتن: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا)) جاء إفراد كل واحد منهما عن الأخرى، وجاء جمعهما –أيضًا- بالجيم والحاء.
أدرجه محمد بن الحكم بن أبي مريم "إذ أخرجه" أي حين رواه عن مالك فصيرهما بإسناد واحد وهو وهم، الصورة ظاهرة، وإلا ما هي بظاهرة؟ ما الفرق بينها، وبين الأولى؟
الأولى:
ومنه جمع ما أتى كل طرف |
| منه بإسناد بواحد سلف |
يعني يأتي إلى قصة، أو إلى حديث يدرجه مع حديث آخر بإسناد أحدهما؛ يقتصر على إسناد أحدهما.
الصورة الثانية: يأتي إلى كلمة، أو جملة ينتزعها من حديث، ويجعلها في حديث، فيرويها بإسناد الحديث الأول وهي لا تروى به في الأصل، هي ثابتة لكنها بإسناد آخر:
ومنها أن يدرج بعض مسند نحو: ((ولا تنافسوا)) في متن: ((لا من متن: ((لا تجسسوا)) أدرجه |
| في غيره مع اختلاف السند تباغضوا)) فمدرج قد نُقلا ابن أبي مريم إذ أخرجه |
وابن أبي مريم اسمه محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي، أي: حين رواه عن مالك فصيرهما بإسناد واحد، وهو وهم، فاللفظ الأول يروى عن مالك بإسناد، واللفظ الثاني يروى عن مالك بإسناد آخر.
الصورة الثالثة:
"ومنه متن" أي خبر "عن جماعة ورد"، "ومنه متن" أي خبر، أو حديث.
"عن جماعة ورد، وبعضهم خالف بعضًا" بزيادة، أو نقص "في السند"
ومنه متن عن جماعة ورد |
| وبعضهم خالف بعضًا........ |
تكون هذه المخالفة في الزيادة والنقص "في السند"، "فيجمع" بعض من روى عنهم "الكل" أي الجميع، الجماعة.
"بإسناد" واحد "ذُكر" أي مذكور، ويدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق "كمتن" أي خبر ابن مسعود: "أي الذنب أعظم؟".
قال: ((أن تجعل لله ندًّا..))" "الخبر"، "فإن عمرًا" وهو ابن شرحبيل "عند واصل" بن حيان الأحدب "فقط بين شقيق" أبي وائل "وابن مسعود سقط".
فرواه: عن شقيق عن ابن مسعود، وأسقط عمرو بن شرحبيل، الأصل أنه: عن شقيق عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود؛ هذا الأصل فيه، وهو ثابت من رواية الأعمش ومنصور:
وزاد الأعمش كذا منصور |
| ................................... |
يعني زاده، زاد عمرو بن شرحبيل كذا منصور، ننتبه لهذه الصورة، واصل ابن حيان الأحدب يروي هذا الخبر المخرج من حديث ابن مسعود: "أي الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله ندًّا..))" الحديث، يرويه واصل عن شقيق بن سلمة، أبو وائل، عن أبي وائل شقيق عن ابن مسعود مباشرة، أبو وائل يروي عن ابن مسعود، وإلا ما يروي؟ له رواية عن ابن مسعود، أو لا؟ له رواية عن ابن مسعود، لكنه في هذا الحديث بينه وبين ابن مسعود عمرو بن شرحبيل، فأسقطه واصل بن حيان الأحدب، وذكره الأعمش ومنصور، إذا وازنا بين الأعمش ومنصور، وبين واصل الأحدب من نقدم؟ نعم؟ نقدم من؟ واصل وإلا الاثنين؟
طالب:......
نقدم الاثنين بلا شك، فما ذكروه من هذه الزيادة -أعني عمرو بن شرحبيل- هو المحفوظ.
طيب لو صرح بالتحديث، فقال: عن أبي وائل، قال: حدثنا ابن مسعود، مع أن رواية الأعمش ومنصور مذكور فيها بين شقيق -أعني أبا وائل- وابن مسعود، مع وجود التصريح بالتحديث، والإسنادان كلهم ثقات:
وزاد الأعمش كذا منصور |
| ................................... |
يعني زاده، زاد عمرو بن شرحبيل الأعمش ومنصور؛ الأعمش سليمان بن مهران الحافظ الثقة المعروف، ومنصور بن المعتمر، يعني لو كان العكس الذي زاده واصل، وأسقطه الأعمش، ولم يذكر صيغة التحديث؛ قلنا: دلسه الأعمش، نعم، زاده الأعمش كذا منصور فروياه عن شقيق عن عمرو عن ابن مسعود، فلما رواه الثوري عنهما، وعن واصل صارت رواية واصل هذه مدرجة على روايتهما، وقد فصل أحد الإسنادين عن الآخر الإمام يحيى بن سعيد القطان؛ يعني وجه الإدراج لما روي عنهما..، الآن عندنا في رواية واصل أسقط عمرو بن شرحبيل، في رواية الأعمش ومنصور ذكر عمرو بن شرحبيل بين شقيق، وبين ابن مسعود، فلما رواه الثوري عنهما وعن واصل يعني عن الثلاثة كلهم، صارت رواية واصل هذه مدرجة، لما رواه الثوري عن الثلاثة؛ أقحم عمرو بين شقيق، وبين ابن مسعود، فذِكْر عمرو بن شرحبيل في رواية واصل إدراج، وفي رواية الأعمش ومنصور إدراج، وإلا لا؟
طالب:......
لا، بقي على الأصل، ففصل الإسنادين وميز المدرج من غيره الإمام يحيى بن سعيد القطان، لكن الخبر روي من طريق واصل بإثبات عمرو بين أبي وائل، وبين ابن مسعود؛ كرواية الأعمش ومنصور، فيكون صنيع الثوري صحيحًا، وإلا غير صحيح؟ نعم؟
طالب:......
صحيح، وصنيع يحيى بن سعيد القطان، وهو إمام من أئمة الحديث، صحيح، وإلا ما هو بصحيح؟ صحيح باعتبار الأشهر، التي هي الراوية الأولى.
لو قدر أن واصل بن حيان قال: عن أبي وائل، قال: حدثنا ابن مسعود، وفي رواية الأعمش، ومنصور: عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود، صُرح في الرواية الأولى بالتحديث، فهل نقول: إن هذا من المزيد في متصل الأسانيد؟ أو نقول: إنه مرة يرويه أبو وائل عن ابن مسعود بواسطة، ويرويه مرة أخرى بدون واسطة؟ يعني رواه عنه عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود، فلما لقي ابن مسعود أخذه عنه بدون واسطة، فكان يرويه على الأول تارة، ويرويه على الثاني تارة، وهل مثل هذا يقدح في السند أو لا يقدح؟ لأن فيه نوع من أنواع علوم الحديث اسمه: "المزيد في متصل الأسانيد" يعني إذا صرح بالتحديث..، يعني كيف نفرق بين هذا النوع: "المزيد في متصل الأسانيد"؟ يعني يأتي السند بصيغة التحديث مصرحًا فيه بالتحديث من طريق أربعة رجال، ويأتي مصرحًا فيه بالتحديث من طريق خمسة رجال، فيهم واحد زائد عن الأربعة؛ هل نقول: إن هذا الواحد مزيد في متصل الأسانيد، ووجوده كعدمه؟ أو نقول: إن الراوي مرة يرويه بواسطة ومرة يرويه بغير واسطة، ومتى يكون مزيدًا في متصل الأسانيد؟ عندك المزيد في متصل الأسانيد في الألفية؛ نوعان: "خفي الإرسال، والمزيد في متصل الأسانيد":
وعدم السماع واللقاء كذا زيادة اسم راو في السند |
| يبدو به الإرسال ذو الخفاء إن كان حذفه بعن فيه ورد |
يعني إذا كان جاء مصرحًا فيه بالتحديث بدونه، وموجود بالعنعنة؛ يعني هو وجوده بغير تصريح بالتحديث، وعدمه مصرح فيه بالتحديث؛ فإنه يحكم "إن كان حذفه بعن فيه ورد"، يقول:
كذا زيادة اسم راو في السند وإن بتحديث أتى فالحكم له |
| إن كان حذفه بعن فيه ورد مع احتمال كونه قد حمله |
"عن كل" يعني الاحتمال الذي أبديناه سابقًا أنه رواه عن شيخه بواسطة، ورواه مرة بدون واسطة:
إلا حيث ما زيد وقع |
| وهمًا وفي ذين الخطيب قد جمع |
يعني إذا كانت الزيادة وهمًا، فإنه يحكم عليه بأنه مزيد، أما إذا كان الاحتمال قائمًا، والرواة كلهم ثقات؛ رواة الإسنادين كلهم ثقات، الإسناد الذي فيه خمسة، والإسناد الذي فيه أربعة؛ كلهم ثقات على حد سواء؟ فهذا الزائد بين شيخين لقي أحدهما الآخر، وروي عنهما الحديث بدون هذا الزائد، مصرحًا فيه بالتحديث، فإنه لا يمنع حينئذٍ أن يكون قد سمعه من الشيخ مرة بواسطة؛ فذكر الواسطة، ومرة بدون واسطة؛ فحذف الواسطة.
قالوا: من مدرج الإسناد أن لا يذكر المحدث متن الحديث؛ بل يسوق الإسناد فقط، ثم يعوقه، ويحول دون سياقه لمتن الحديث حدث، يعوقه، ويحول دونه ودون سياق متن الحديث حدث يطرأ عليه، ثم لا يذكر متن الحديث، فيتكلم بكلام مناسب لهذا الحدث، فالسامع يسمع الإسناد، ويسمع هذا الكلام المناسب لهذا الحدث، فيركب عليه هذا الإسناد؛ السامع سمع إسناد، وسمع كلام، فظن هذا الإسناد لهذا الكلام، فرواه على هذا النسق، وهو في الحقيقة لا علاقة لهذا الإسناد بهذا الكلام، إنما جاءت مناسبة لذكر هذا الكلام، وهذا يحصل كثيرًا، تجد الشيخ يتكلم، ثم بعد ذلك يلحظ على بعض الطلاب شيئًا، فيدخل كلامًا مناسبًا لهذه الملاحظة، فيظنه السامع من ضمن ما يقال في هذه المسألة، وهذا إدراج كلام في كلام، كقصة شريك؛ يحدث فذكر إسنادًا، فدخل ثابت بن موسى الزاهد، وعلى وجهه النور من أثر العبادة، فلما رآه شريك قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" ويقصد بذلك ثابت هذا الذي دخل، فثابت لغفلته واشتغاله بالعبادة، وغفلته عن حفظ الحديث؛ ظن أن هذا الكلام يروى بهذا الإسناد، فركَّب عليه الإسناد على ضوء ما سمع، وهو ليس من أهل العناية بالحديث، فيمشي عليه مثل هذا، هذا إدراج متن في سند، متن في سند ليس له.
جزم ابن حبان أن مثل هذه القصة من نوع المدرج، هذا القصة تدخل في نوع المدرج، وستأتي في الموضوع أن هذا يسمى شبه وضع، بل هو وضع لم يقصد؛ لأنه نسبة كلام إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يقله، والمثال الواحد قد يتجاذبه أكثر من نوع، كما يُمثل للمعل بالمضطرب مثلًا، تجدون بعض الأمثلة موجودة في أكثر من باب، وتكون حينئذٍ علته الاضطراب.
بعد هذا ذكر الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- حكم الإدراج:
.................................. |
| وعمد الإدراج لها محظور |
أي: ممنوع، لا يجوز الإدراج، إلحاق كلام بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- من غيره؛ من غير فاصل يفصل بين كلام النبوة وبين كلام غيره -عليه الصلاة والسلام-، تعمده حرام، إلا أنهم يتساهلون في مثل تفسير الغريب؛ يعني مرت في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- كلمة غريبة، ففسرها الراوي، كتفسير الشغار، وتفسير المزابنة، وتفسير التحنث بالتعبد، لكن قد يقول قائل: كيف نحكم على الإدراج بأنه حرام، وقد فعله بعض الصحابة؟ نقول: نعم فعله بعض الصحابة، لكن من فعله من الصحابة أو من غيرهم من الرواة الثقات الذين لم يجرحوا بهذا؛ فعلوه، أدرجوا في مناسبة بعد أن بينوا في مناسبات، ولولا هذا البيان لما عرفنا أنه مدرج، فمن حُفظ عنه هذا الإدراج حُفظ عنه الفصل، وبهذا الفصل عرفنا أن هذا الكلام مدرج، فإذا بين الإنسان في موضع لا يلزم أن يبين في كل موضع، وهذا نظير ما جاء في بعض الأحكام الشرعية تجد ما يحتاج إليه من قيد مثلًا أو استثناء يقال في مناسبة، ثم يذكر الحكم بغير هذا القيد في مناسبات أخرى، اعتمادًا على أن هذا القيد ذكر، وإلا ما الذي يدرينا عن هذا القيد؟ إلا أنه ذكر في مناسبة أخرى؛ مثاله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدةٍ]، الذي يريد أن يأخذ بهذه الجملة فقط، أو بهذه الآية يحرم جميع أنواع الدم، حتى دمًا مأكول اللحم، دمًا، العروق، أي دم كان: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدةٍ]، لكنه جاء مقيدًا في آية أخرى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام]، ولو كان البيان يلزم في كل مناسبة؛ لقلنا: لا بد من أن يذكر القيد في كل مناسبة، فالصحابي إذا أدرج في مناسبة، وقد بين في مناسبة أخرى؛ لا يلزم أن يبين في كل مناسبة، بعض القضايا يختلف فيها العلماء بناءً على مثل هذا البيان؛ هل يكفي، أو لا يكفي؟ قد يكون البيان كافيًا؛ فمثل هذا لا يختلف فيه، قد يكون البيان يأتي ما يعارضه ويضعفه، فمثلًا حديث عبادة بن الصامت: ((خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا؛ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) جلد مائة والرجم، الحديث صريح وصحيح في كون الزاني الثيب يجلد ثم يرجم.
القضايا التي حصلت في عهده -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر فيها جلد: ((واغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها))، وفي حديث ماعز: ((اذهبوا به فارجموه)) في قصة ماعز؛ ما ذكر جلد، وهذا وقت بيان، ووقت حاجة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فالجمهور يقولون: لا يجلد، يكتفى برجمه؛ لأن القضايا المتعددة لم يذكر فيها الجلد، والذين يقولون بأنه يجلد كالحنابلة؛ يقولون: خلاص ما دام بُين في مناسبة واحدة ما احتاج أنه يبين في جميع المناسبات، فاعترى هذا البيان عند بعض أهل العلم ما يضعفه، فيجعله بحاجة إلى تكرار، ومثال ذلك –أيضًا- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ولا يلبس المحرم الخفين إلا أن لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، ثم بعرفة والحجاج كلهم متوافرون من المدينة، وغيرها لم يذكر القطع، فمن أهل العلم من يقول: ما دام ذكر في مناسبة لا يلزم تكراره في كل مناسبة، فعندنا مطلق ومقيد؛ يحمل المطلق على المقيد وما فيه إشكال، لا بد من القطع، وقال بعضهم: لا، ذكره بالمدينة وقد سمعه بعض الحجاج لا يغني عن ذكره بعرفة حينما سمعه جميع الحجاج، فهذا الموضع موضع حاجة؛ حاجة للبيان، فلا بد من البيان في هذا الموضع، فلا يحتاج حينئذٍ إلى قطع، ولو كان يحتاج إلى قطع لبينه للناس كلهم، وهذا موضعه.
أقول: إن الأصل أنه إذا بين في مناسبة لا يلزم تكرار البيان في جميع المناسبات إلا إذا اعترى هذا البيان أو عارضه ما يضعفه؛ مثل المثالين الذين ذكرتهما، فليكون للنظر والاجتهاد فيه مجال.
اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.
"في إجابة السؤال السابق ما يغني عن إجابة مثل هذا السؤال، على طالب العلم أن يحضر الدرس، فإن كان يستفيد تابع، وإن كان لا يستفيد بمعنى أن الكلام وجوده مثل عدمه بالنسبة له، فمثل هذا ينصرف إلى دروس ينتفع منها، فلا يضيع وقته بمثل هذه الدروس التي هي فوق مستواه وفوق تحصيله، علمًا بأنه جرب، جربنا بعض الإخوة الصغار من المرحلة الثانوية، أو قبل الثانوية ممن استمر معنا سنين، مشوا ولله الحمد؛ لأننا بطبيعة الحال نكرر ما يقال في هذا الدرس، يمكن يقال في درس ثان، فإذا لم يستوعبه هذه المرة استوعبه مرة أخرى، ونلقي المسألة على وجه، ونصورها على وجه آخر، ثم بعد ذلك بعض التصوير يوضح بعضه، والشيوخ مدارس –أحيانًا- قد لا يستفيد طالب العلم من أول شهر، أو شهرين أو ثلاثة، ثم بعد ذلك يحكم على أنه لن يستفيد من هذا الشيخ، هذا الكلام ما هو بصحيح، العلم لا شك أنه يوضح بعضه بعضًا، والعلوم المتعددة، والفنون المتعددة لا شك أنه يبين بعضها بعضًا، وهي كالحلقة المتواصلة، بعضها مبني على بعض، فإذا حضر هذا الدرس، وحضر درس ثان، وألقيت عليه هذه المسألة، صورت له على وجه لم يفهمها، ثم صورت من الغد فهمهما، على كل حال شريطة أن يكون طالب العلم قد أخذ المتون التي هي متون المبتدئين، متون المبتدئين لا بد من تحصيلها قبل حضور مثل هذه الدروس.
أحكام الترمذي -رحمه الله تعالى-، على كل حال هو إمام، لا يماري أحد في إمامته إلا ما قاله ابن حزم من جهالته، أنه يجهله، وليس العيب بالترمذي، القصور أو التقصير من ابن حزم نفسه، فالترمذي أشهر من نار على علم، والخلاف في اعتماد أقواله تصحيحًا وتضعيفًا معروف عند أهل العلم، ورماه جمع منهم بالتساهل، وذكر ذلك الحافظ الذهبي، وقال: إنه متساهل، فعلى هذا لا بد أن يقرن حكمه بحكم غيره، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- يذكر أن الإمام الترمذي إمام من أئمة الحديث، وهذا لا نختلف معه فيه، إلا أنه قال: وتصحيحه معتبر، وزاد على ذلك، فقال: بل تصحيحه توثيق لرجاله، وهذا الكلام لا يمكن قبوله؛ لماذا؟ لأنه قد ينص على حديث بأنه حسن صحيح، وتجد في إسناده ضعيفًا، تجد في إسناده منقطعًا، انقطاعًا، تجد في الإسناد راويًا ضعيفًا، فكيف يكون تصحيح الترمذي توثيقًا للرجال، نعم تصحيح الترمذي لما يلحظهم، ولما يذكره في الشواهد؛ لأن ما يذكره بقوله، يصدر بقوله: وفي الباب عن فلان، وفلان وفلان، ويذكر عدد من الصحابة، هذه شواهد لهذا الحديث يرتقي بها إلى الصحة، ولا يلزم أن يكون صحيحًا لذاته.
على كل حال الغرابة هذه هي التفرد الذي سبق الحديث عنه، ويفرقون بين الغرابة، فأكثر ما يطلقونها على النسبية، والتفرد أكثر ما يطلقونه على المطلق، والترمذي قد يطلق الغرابة، ويريد بها المطلق، وقد يطلقها ويريد بها النسبية، حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد يكون معروفًا من غير هذا الوجه، لكنه لا يعرفه إلا من هذا الوجه من طريق يصح، أو عن هذا العالم، هذا الإمام، أو هذا الراوي على وجه الخصوص، وأما حسن صحيح، فهذه فيها من الأقوال ما يزيد على ثلاثة عشر قولًا، وتأتي مناسبتها -إن شاء الله تعالى-.
مرت بنا مرارًا، التي تكون من الثقة، من ناحية القبول والرد، من يحتمل تفرده، من احتمل الأئمة تفرده بالخبر الكامل هذا لا إشكال في قبول روايته، أما من لا يحتمل الأئمة تفرده، فهذا يحكم على ما يتفرد به بأنه شاذ، هذا من لا يحتمل تفرده، وقد يطلق عليه أنه منكر، وقد يسمى منكرًا، وإذا تفرد بجملة لا بحديث كامل فقد مضى الكلام فيها في زيادات الثقات.
إذا كان نائمًا في الدرس، في حلقة الدرس يوقظ؛ لأنه إن كان يريد المتابعة تابع، وإن كان لا يستطيع المتابعة، ينام نومة مريحة تنفعه، أما الخفقات في الدرس، فهذه تحرمه من الاستماع والفائدة، ولكنها لا تريحه، ولا تفيد شيئًا في تعبه.
هذه التسميات لا ينتظر فيها أن تصدر من جهات رسمية، أو يصدر فيها صك شرعي، كان العلماء يعطون إجازات لطلابهم بأنهم بلغوا منزلة من العلم، وهذه بمثابة التزكية، فإذا حصلت التزكية من أحد من العلماء المعتبرين، أو جمع من العلماء المعتبرين لطالب من طلاب العلم بأنه أدرك علمًا يستحق أن يوصف به عالم، فهذا شيء جيد، لكن –أحيانًا- لا يحصل ذلك، فإذا استفاض أمره بين الناس، واشتهر فضله بين الناس، وعرف بعلمه، وعدم شذوذه عن الجادة؛ هذا يستحق أن يسمى عالمًا، شريطة أن يكون علمه بالكتاب والسنة؛ لأنه هو العلم الذي جاء مدحه في نصوص الكتاب والسنة، ما يتعلق بهما، وما يعين على فهمهما، ويلاحظ أن طلاب العلم في هذه العصور، بل وفيما تقدم من عصور، الذي يحدد عندهم المقدار الذي يسمى به فلان عالم، أو طالب علم، وقد يزيدون، ويقولون: علّامة، كل هذا مثاره في كثير من الأحيان الإعجاب، يعجب بشخص من الأشخاص، ثم يضفي عليه من الألقاب ما لا يستحقها، هذا شيء مجرب ومشاهد، بينما يبخل على من هو أفضل من هذا الشخص بأدنى لقب؛ لأنه لا يعجبه، والله المستعان، فالمسألة مسألة إنصاف، لو زل الإنسان، أو أخطأ، أو هفا، أو شذ في مسألة، أو في مسائل يسيرة، هذا يبقى عالمًا، يعني إذا كان قصده في ذلك نصر الحق، ولا يسلب اسمه، وأذكر أن شخصًا من شيوخ الأزهر ألف كتابًا انتُقد فيه من بقية الشيوخ، فأصدروا فتوى مضمونها أنه ليس من أهل العلم، سلبوا منه الوصف، فإذا هفا هفوة لا تليق بأهل العلم، وأصر على ذلك، وعاند، ونوقش، وبينت له الأدلة لا مانع من أن يسلب عنه الوصف؛ لئلا يغتر به العامة، والله المستعان.
المبتدئ عليه أن يسلك الجادة في المتون الصغيرة، التي ألفت لمثله في شتى الفنون، أما أن يتطاول على الكتب المطولة، المسندة، التي ألفت للكبار فلا؛ لأن هذا يحرمه من الاستمرار في طلب العلم.