كتاب الصلاة (25)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الحافظ -رحمه الله تعالى-: "قوله: (بابٌ هل تنبش قبور مشركي الجاهلية) أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم بخلاف المشركين، فإنهم لا حرمة لهم، وأما قوله: (لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-) إلى آخره، فوجه التعليل أن الوعيد على ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد؛ تعظيمًا ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرّهم ذلك إلى عبادتهم، ويتناول من اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بأن تنبش وترمى عظامهم، فهذا يختص بالأنبياء، ويلتحق بهم أتباعهم، وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم، إذ لا حرج في إهانتهم. ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم، فعُرِف بذلك أن لا تعارض بين فعله -صلى الله عليه وسلم- في نبش قبور المشركين، واتخاذ مسجده مكانها وبين لعنه- صلى الله عليه وسلم- من اتخذ قبور الأنبياء مساجد؛ لما تبين من الفرق، والمتن الذي أشار إليه وصله في باب الوفاة في أواخر المغازي من طريق هلال عن عروة عن عائشة بهذا اللفظ وفيه قصة، ووصله في الجنائز من طريق أخرى عن هلال، وزاد فيه: والنصارى، وذكره في عدة مواضع من طريق أخرى بالزيادة".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الشارح -رحمه الله- في بيان معنى حديث: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» على أنها مساجد حقيقية تؤدى فيها الفرائض، وكغيرها من المساجد التي تبنى للصلاة فيها، حمله على هذا، ولكن المراد من ذلك ما هو أعمّ، إذا زاول المسلم أو غير المسلم في المقابر ما يكون في المساجد، من الصلاة وصلى فيها، وشبهها بالمساجد، وبالمقابل النهي عن اتخاذ البيوت: «لا تتخذوا بيوتكم قبورًا»، يعني هذا يبين أن المراد باتخاذها مساجد الصلاة فيها، واتخاذها قبورًا تعطيل الصلاة فيها بالمقابل، وليس المراد أن يعمد اليهود أو النصارى إلى قبور أنبيائهم فينبشونها، ويضعون مكانها مساجد، ليس هذا هو المراد، ولا فهمه، الصح أن اتخاذ المسجد أن يبنى المسجد ويكون بوضعه المعتاد للمسجد، هذا الأصل في استعمال اللفظ، لكن الذي ورد الحديث من أجله ليس لهذا، يعني هل عُرف عن اليهود أنهم نبشوا قبور أنبيائهم واتخذوا مكانها مساجد، أو اتخذوها مصليات، فشبهوها بالمساجد؟ هذا هو المراد قطعًا، وبالمقابل النهي عن اتخاذ البيوت قبورًا؛ لتعطيلها من الصلوات، والله الذي قرره الحافظ بأن الذين لعنوا بسبب نبش قبور الأنبياء وإهانة الأنبياء واتخاذ أماكنها مساجد، وليس هذا هو المراد؛ لأن هذا يعطِّل الحديث من حقيقته، ومن مراد الشارع منه، ومن فائدته الأصلية التي هي النهي عن الصلاة في المقابر التي تجرّ إلى عبادة المقبورين والغلو فيهم، وتؤدي في النهاية إلى عبادتهم، وسيأتي في كلام البيضاوي وفي كلام ابن دقيق العيد ما هو نحوٌ من كلام الحافظ، لكنهم زادوا عليه، فأجازوا شيئًا من ذلك.

طالب:...

نعم؟

طالب: ..........

هو البخاري ترجم على الحديث، جاء النهي عن اتخاذ القبور مساجد، واتُّخِذَت قبور المشركين بعد نبشها يعني مكانها مسجدًا، فهل هذا يؤثر على هذا؟ هل هذا يدخل في النهي أو ما يدخل؟ قطعًا ما يدخل، قطعًا لا يدخل، من الطرائف يعني أن قبور المشركين فيما قرره الحافظ تهان، وقبور الأنبياء والصالحين تعظَّم، في كتاب في تاريخ سينا قديم، وذكر في هذا التاريخ صورة لمقابر الأولياء الصالحين، وأخرى مقابلة لها للأولياء الشياطين، ما أدري كيف صاروا أولياء، ما هي بأولياء الشياطين، الشياطين لهم أولياء، لكن هم أولياء يكونون بعيدًا، ولا معنى له.

 كمِّل.

"قوله: (وما يكره من الصلاة في القبور) يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين. وفي ذلك حديث رواه مسلم من طريق أبي مرثد الغنوي مرفوعًا: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها أو عليها».

قلت: وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة، وأورد معه أثر عمر الدال على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة، والأثر المذكور عن عمر رُوّيناه موصولاً في كتاب الصلاة لأبي نعيم شيخ البخاري، ولفظه: "بينما أنس يصلي إلى قبر ناداه عمر: القبر القبر، فظن أنه يعني القمر، فلما رأى أنه يعني القبر جاز القبر وصلى"، وله طرق أخرى بينتها في "تغليق التعليق" منها من طريق حميد عن أنس نحوه، وزاد فيه: "فقال بعض من يليني: إنما يعني القبر فتنحيت عنه"، وقوله: (القبر القبر) بالنصب فيهما على التحذير. وقوله: (ولم يأمره بالإعادة) استنبطه من تمادي أنس على الصلاة، ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقطعها واستأنف".

لأن أنسًا -رضي الله عنه- جاز القبر، تعداه، وكمّل صلاته، ففهم منه أن ما مضى من الصلاة صحيح، ولكن هناك فرق بين أن تصلي في مكان لا تدري ما هو، ولا تعرف أن فيه قبرًا، وبين أن تقصد القبر وتصلي إليه أو تصلي عليه.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب:...

والله، المعروف عن أئمة الدعوة يبطلونها، ويحكون الإجماع.

طالب:...

ما عليه، نعم، ما تبطل، ما تبطل إذا كان لا يعلم، صلى في مكان لا يعلم مثل صنيع أنس -رضي الله عنه-.

طالب: ..........

يستأنف نعم. في كتاب للغماري أحمد الصديق عن بناء المشاهد على القبور، بناء المشاهد على القبور، هل هي سنَّة متبعة وموجودة في جميع أقطار المسلمين، أو هي بدعة شركية كما يزعمه القرنيون؟ من هم القرنيون؟

 يعنينا، يعنينا الدعوة السلفية، نسبها إلى قرن الشيطان، وهذا الرجل فيه غلو في التصوف والانحراف، وفيه نوع رفض؛ لأنه ردّ على الأئمة كلهم، على الأئمة كلهم؛ بسبب الحارث الأعور، وصف البخاري بأبشع الصفات من أجل الحارث الأعور، كذاب؛ لأنه يروي حديث علي حديث أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها، من أجله خسف بالأئمة كلها، نسأل الله العافية.

طالب: ..........

 من هو؟

طالب: ..........

يعني كمّل كمّل، ما يظهر.

طالب: ..........

يحتمل أنه استأنف، اللفظ يحتمل، لكن الظاهر أنه ما ذُكِر، تمادى وتجاوز وصلى إلا أنه في في الظاهر أنه كمّل.

"قوله: (حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى) هو القطان (عن هشام) هو ابن عروة. قوله: (عن عائشة) في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه "أخبرتني عائشة". قوله: (أن أم حبيبة) أي رملة بنت أبي سفيان الأموية (وأم سلمة) أي هند بنت أبي أمية المخزومية، وهما من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة، كما سيأتي في موضعه.

قوله: (ذكرتا) كذا لأكثر الرواة، وللمستملي والحموي" "ذكرا" بالتذكير، وهو مشكل. قوله: (رأينها) أي هما ومن كان معهما، وللكشميهني والأصيلي: "رأتاها" وسيأتي للمصنف قريبًا في "باب الصلاة في البيعة" من طريق عبدة عن هشام أن تلك الكنيسة كانت تسمى مارِية بكسر الراء وتخفيف الياء التحتانية، وله في الجنائز من طريق مالك عن هشام نحوه، وزاد في أوله "لما اشتكى النبي -صلى الله عليه وسلم-"، ومن طريق هلال عن عروة بلفظ: "قال في مرضه الذي مات فيه"، ولمسلم من حديث جندب أنه -صلى الله عليه وسلم- قال نحو ذلك قبل أن يتوفى بخمس، وزاد فيه: «فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك». انتهى. وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ؛ لكونه صدر في آخر حياته -صلى الله عليه وسلم-.

قوله: (إن أولئكِ) بكسر الكاف، ويجوز فتحها. قوله: (فمات) عطف على قوله: "كان"، وقوله: "بنوا" جواب "إذا". قوله: (وصوروا فيه تلك الصور)، وللمستملي: "تيك الصور" بالياء التحتانية بدل اللام، وفي الكاف فيها وفي أولئك ما في أولئك الماضية".

هل هو مخاطب للنسوة أولئكِ عائشة ومن معها، أو أم سلمة وأم حبيبة، أولئكِ خطاب للنسوة، وبفتحها أولئكَ يعني أولئكَ الأقوام، إذا مات فيهم الرجل الصالح، فيجوز الوجهان، وهو مروي بهما.

"وإنما فعل ذلك أوائلهم؛ ليتأنسوا برؤية تلك الصور، ويتذكروا أحوالهم الصالحة، فيجتهدوا كاجتهادهم".

يعني مثل ما فعل قوم نوح لما جاءهم الشيطان قال: صوروهم في مجالسكم، ضعوا لهم تماثيل إذا رأيتموهم نشطتم على العبادة، ثم بعد ذلك إذا ذهب هذا القرن جاء الشيطان إلى من بعده وقال: إنما صوروهم؛ ليعبدوهم.

"ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها، فعبدوها، فحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مثل ذلك؛ سدًّا للذريعة المؤدية إلى ذلك. وفي الحديث دليل على تحريم التصوير، وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان؛ لقرب العهد بعبادة الأوثان، وأما الآن فلا".

يعني قول النبي -عليه الصلاة والسلام- في البخاري: «ولعن المصوّر» المصوّر الذي في ذلك الزمان؟ والله المستعان.

"وقد أطنب ابن دقيق العيد في ردّ ذلك كما سيأتي في كتاب اللباس".

اقرأ كلام ابن دقيق العيد.

قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-.

في شرح العمدة.

طالب: الحديث الثاني عشر، الحديث الحادي عشر.

ما هو، من أوله؟ تقرأ الحديث من أوله؟

طالب:...

نعم، أعطني إياه.

طالب: "الحديث الحادي عشر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما اشتكى النبي –صلى الله عليه وسلم- ذكر بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها: مارية، وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا الحبشة فذكرتا من حُسنها وتصاوير فيها فرفع رأسه فقال: «أولئكِ إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئكِ شرار الخلق عند الله».

 قال الشارح -رحمه الله-: فيه دليل على تحريم مثل هذا الفعل، وقد تظاهرت دلائل الشرعية على المنع من التصوير والصور، ولقد أبعد غاية البعد من قال: إن ذلك محمول على الكراهة، وأن هذا التشديد كان في ذلك الزمان لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان، وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام، وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في هذا التشديد، هذا أو معناه، وهذا القول عندنا باطل قطعًا؛ لأنه قد ورد في الأحاديث الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين، وأنه يقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل، وقد صرح بذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «المشبهون بخلق الله»، وهذه علة عامة مستقلة مناسبة لا تخص زمانًا دون زمن، فليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنىً خيالي يمكن أن لا يكون هو المراد مع اقتضاء اللفظ للتعليل بغيره، وهو التشبيه بخلق الله.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «بنوا على قبره مسجدًا» إشارة إلى المنع من ذلك، وقد صرح به في الحديث الآخر: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد».

خلاص؟

طالب:...

نعم، ردٌّ في غاية القوة والجودة -رحمه الله-، وسيأتي كلام البيضاوي بخلاف ذلك.

وقال البيضاوي..

 اقرأ كلامه في الفتح.

"وقال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا لعنهم، ومنع المسلمين عن مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد".

يقول الشيخ ابن باز في تعليقه.

هذا خطأ واضح، والصواب تحريم ذلك، ودخوله تحت الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد، فانتبه واحذر، والله الموفق.

نعم، اقرأ اقرأ كلام البيضاوي.

"قال: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال -صلى الله عليه وسلم-: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء –عليهم السلام- تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، فاتخذوها أوثانًا، لعنهم، ومنع المسلمين عن مثل ذلك، ونهاهم عنه، أما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح، أو صلى في مقبرته، وقصد به الاستظهار بروحه ووصول أثر من آثار عبادته إليه، لا التعظيم له أو التوجه نحوه، فلا حرج عليه، ألا ترى أن مرقد إسماعيل –عليه السلام- في المسجد الحرام عند الحطيم، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي لصلاته، والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمقابر المنبوشة؛ لما فيها من النجاسة".

نعم، هذا رأي الشافعية، يفرقون بين المقبرة المنبوشة، فلا تجوز الصلاة فيها؛ لأن ترابها اختلط بدماء الموتى وصديديهم، فتنجست، وغيرهم يقول: لا، ليس لهذا، لا فرق بين المنبوشة وغير المنبوشة؛ لأن المحذور في هذا نجاسة الشرك المعنوية وإلا فالآدمي لا ينجس بالموت.

طالب:...

اقرأ نعم، اقرأ.

طالب: يقول المحقق لكتاب شرح مصابيح السُّنَّة: "كلام المؤلف غير صحيح كما قال شيخ الإسلام في الفتاوى، قال شيخ الإسلام: ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في المقبرة عمومًا فقال: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» رواه أهل السنن، وقد روي مسندًا ومرسلاً، وقد صحّح الحفاظ أنه مسند، فإن الحمام مأوى الشياطين، والمقابر نهي عنها؛ لما فيه من التشبيه بالمتخذين القبور مساجد، وإن كان المصلي قد لا يقصد الصلاة لأجل فضيلة تلك البقعة، بل اتفق له ذلك، لكن فيه تشبه بمن يقصد ذلك، فنهي عنه كما ينهى عن الصلاة المطلقة وقت الطلوع والغروب، وإن لم يقصد فضيلة ذلك الوقت؛ لما فيه من التشبه بمن يقصد فضيلة ذلك الوقت، وهم المشركون، فنهيه عن الصلاة في هذا الزمان كنهيه عن الصلاة في ذلك المكان.

 وقال أيضًا طائفة من أهل العلم: إن الصلاة في المقبرة نهي عنها من أجل النجاسة؛ لاختلاط تربتها بصديد الموتى ولحومهم، وهؤلاء قد يفرقون بين المقبرة الجديدة والقديمة، وبين أن يكون هناك حائل أو لا يكون، والتعليل بهذا ليس مذكورًا في الحديث، ولم يدل عليه الحديث لا نصًّا ولا ظاهرًا، وإنما هي علة ظنوها، والعلة الصحيحة عند غيرهم ما ذكره غير واحد من العلماء من السلف والخلف في زمن مالك والشافعي وأحمد وغيرهم إنما هو ما في ذلك من التشبه بالمشركين، وأن تصير ذريعة إلى الشرك.

 وقال ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: فصلٌ: ونهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السُّرج عليها، واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعله، ونهى عن الصلاة إلى القبور، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيدًا، ونهى ولعن زوارات القبور، وكان هديه ألا تُهان القبور وتُوطَأ، وألا يُجلَس عليها ويُتَّكأ عليها، ولا تعظَّم بحيث تُتَّخذ مساجد فيصلى عندها وإليها، وتُتَّخذ أعيادًا أو أوثانًا".

في حديث أبي مرثد الغنوي المخرج في صحيح مسلم، وسبقت الإشارة إليه: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها»، «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها»، فالجلوس عليها محرم، وإن نُقِل عن مالك أنه لا يرى به بأسًا، وأن المحظور الجلوس عليها لقضاء الحاجة، رحم الله الإمام مالك أبعد النجعة، ويستدلون- أعني المالكية- بما يذكر عن ابن عمر أنه قال: كان يجلس على القبر ويضطجع عليه، ولعل النهي لم يبلغه، وإلا فالنهي صريح، وقد جاء في الحديث الصحيح: «لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر»، الله المستعان.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

 لكن هل سرى هذا الحكم لغير هذا القبر؟ يعني يدعون أن بين الركن والمقام سبعين نبيًّا، وهل ثبت أن قبر إسماعيل في هذا المكان؟ يحتاج إلى إثبات.

طالب:...

الأحاديث ترده، الأحاديث الصحيحة ترده.

طالب:...

على كل حال تتفق في الأصل الذي هو التوحيد، نعم.

طالب: ..........

ماذا فيه؟

طالب: ..........

عمدة القاري؟ أراك جئت به، أنت من الأصل مهتم للموضوع، وتريد أن تفيدنا...

أعط عبد الله يقرأه.

طالب: قال -رحمه الله تعالى-: "ذكر ما يستنبط منه من الأحكام، واعلم أن العلماء اختلفوا في جواز الصلاة على المقبرة، فذهب أحمد إلى تحريم الصلاة في المقبرة، ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها، ولا بين أن يفرش عليها شيء يقيه من النجاسة أم لا، ولا بين أن تكون بين القبور أو في مكان منفرد عنها كالبيت والعلو، وقال أبو ثور: لا يصلي في حمام ولا مقبرة، على ظاهر الحديث، يعني قوله -صلى الله عليه وسلم-: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» وذهب الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي إلى كراهة الصلاة في المقبرة، وفرّق الشافعي بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقال: إذا كانت مختلطة التراب بلحوم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها؛ للنجاسة، فإن صلى رجل في مكان طاهر منها أجزأته صلاته. وقال الرافعي: أما المقبرة فالصلاة فيها مكروهة بكل حال، ولم ير مالك بالصلاة في المقبرة بأسًا، وحكى أبو مصعب عن مالك كراهة الصلاة في المقبرة كقول الجمهور، وذهب أهل الظاهر إلى تحريم الصلاة في المقبرة سواء كانت مقابر المسلمين أو الكفار، وحكى ابن حزم عن خمسة من الصحابة النهي عن ذلك، وهم: عمر وعليّ وأبو هريرة وأنس وابن عباس- رضي الله تعالى عنهم-، وقال: ما نعلم لهم مخالفًا من الصحابة، وحكاه عن جماعة من التابعين إبراهيم النخعي ونافع بن جبير بن مطعم وطاوس وعمرو بن دينار، وخيثمة وغيرهم.

قلت: قوله: لا نعلم لهم مخالفًا من الصحابة معارَض بما حكاه الخطابي في معالم السنن عن عبد الله بن عمر أنه رخص في الصلاة في المقبرة، وحُكي أيضًا عن الحسن البصري أنه صلى في المقبرة، وفي شرح الترمذي حكى أصحابنا اختلافًا في الحكمة في النهي عن الصلاة في المقبرة، فقيل: المعنى فيه ما تحت مصلاه من النجاسة، وقد قال الرافعي: لو فرش في المجزرة والمزبلة شيئًا وصلى عليه صحت صلاته، وبقيت الكراهة؛ لكونه مصليًا على نجاسة، وإن كان بينهما حائل، وقال القاضي حسين: إنه لا كراهة مع الفرش على النجاسة مطلقًا، وقال ابن الرفعة في الكفاية إن الذي دلّ عليه كلام القاضي أن الكراهة لحرمة الموتى، وعلى كل تقدير من هذين المعنيين فينبغي أن تقيد الكراهة بما إذا حاذى الميت، أما إذا وقف بين القبور بحيث لا يكون تحته ميت ولا نجاسة فلا كراهة، إلا أن ابن الرفعة بعد أن حكى المعنيين السابقين قال: لا فرق في الكراهة بين أن يصلي على القبر أو بجانبه أو إليه، قال: ومنه يؤخذ أنه تكره الصلاة بجانب النجاسة وخلفها".

العلل التي ذكروها من النجاسة أو من امتهان الأموات دون ما قصد إليه الشارع بكثير، والظرف الذي احتف بخبر الكنيسة أن المراد ما وراء ذلك، وهو الغلو بالأموات، واتخاذهم أوثانًا يعبدون من دون الله، والذريعة في بدايتها قد لا تظهر الحكمة فيها، لكن في النهاية تظهر جلية واضحة، فالذين صوروا الصالحين؛ ليتذكروهم فيحرصوا على العبادة مثلهم، ثم بعد ذلك الجيل الثاني نسيت هذه العلة، وجاءهم الشيطان وقال: إنما صوروهم ليعبدوهم، وحصلت عبادتهم، ووقع الشرك في بني آدم؛ بسبب هذا التصوير.

 كمّل.   

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وفي الحديث جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب، ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به".

ومن العجائب جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب، من العجائب التي تخلو عن المحرمات المؤثرة، ما يجيء واحد ويقول: أسافر في أقطار الدنيا من أجل أن ما أرى من العجائب، ويتورط في أمور لا تحمد عقباها عقدية وعملية، كما هو حاصل لكثير من أهل الأسفار، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث يقول: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، زاد البزار في روايته: «فإن فيهم الأعاجيب»، يعني الأعاجيب التي تلفت النظر وتروح عن النفس هذه لا مانع من حكايتها وتداولها ما لم تكن كذبًا صُراحًا أو يأتي في ديننا ما يخالفها، ولذا مما يوصى به طالب العلم ألا يقتصر على العلم المحض المتين، بل ينظر في كتب التواريخ، وفيها العبر، وينظر في كتب الأدب، وفيها كذلك عبر وتسلية وترويح للنفس، هذا يعين طالب العلم على النشاط لطلب العلم.

"ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به، وذم فاعل المحرمات، وأن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل. وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر أو عليه أو إليه، وسيأتي بيان ذلك قريبًا".

الإشكال في الخلط في معنى الكراهة، الأئمة في الصدر الأول أكثر ما يستعملون الكراهة للتحريم، والمتـأخرون يجدون هذا اللفظ، وينزلونه على اصطلاحهم الذي هو كراهة التنزيه. إذا كان في السور كالمقبرة إذا كان في إطار سور المسجد، فما فرق بينه وبين الصلاة في المقبرة.

طالب:...

نعم؟

طالب: ..........

إذا كان سابقًا للمسجد يجب هدم المسجد، يهدم المسجد، وإذا كان المسجد سابقًا ينبش القبر ويُخرَج، يُخرَج، يجب الإخراج، بنبشه.

طالب: ..........

 نعم بالخارج؟ ذا أم بالخارج؟

طالب: ..........

 بالخارج ما هو من المسجد ما عليك، ما عليك منه، القبلة يتقى بقدر الإمكان وإلا إذا كان خارج المسجد فما لك منه.

طالب:...

هذا مشكِل يتبركون به مثل ما جاء إلى قبر النبي -عليه الصلاة والسلام- وأدخل رأسه في خوخة وفي قصة علي بن الحسين.

طالب:...

لا تصلي، لا تصلي، هذا المتجه، الأمور بمقاصدها، يأتون ليصلوا في هذا المسجد من أجل القبر وليس فيه؟

طالب: ..........

هم جاؤوا لهذا الظن، هذا تعلق به الحكم، الذي يعرف أنه ما فيه قبر، ويجزم أنه ما فيه شيء ما عليه شيء، الكلام على من يأتي إلى هذا المكان يظن أن فيه قبرًا، وليس فيه قبر، فهو على قصده، مثل من يأتي إلى هذه المرأة يظنها أجنبية، وهي امرأته أو العكس، الأمور بمقاصدها، نعم.

"ويأتي في حديث أنس في بناء المسجد مبسوطًا في كتاب الهجرة، وإسناده كلهم بصريون. وقوله فيه: "فأقام فيهم أربعًا وعشرين" كذا للمستملي والحموي، وللباقين "أربع عشرة"، وهو الصواب من هذا الوجه، وكذا رواه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري، وفيه: "وقد اختلف فيه أهل السير" كما سيأتي.

وقوله "وأرسل إلى بني النجار" هم أخوال عبد المطلب; لأن أمه سلمى منهم، فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- النزول عندهم لما تحول من قباء، والنجار بطن من الخزرج، واسمه تيم اللات بن ثعلبة".

تيم يعني عبد نعم.

"قوله: (متقلدين السيوف) منصوب على الحال، وفي رواية كريمة: "متقلدي السيوف" بحذف النون، والسيوف مجرورة بالإضافة.

وقوله: (وأبو بكر ردفه) كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أردفه تشريفًا له وتنويهًا بقدره، وإلا فقد كان لأبي بكر ناقة هاجر عليها كما سيأتي بيانه في الهجرة.

قوله: (وملأ بني النجار حوله) أي جماعتهم، وكأنهم مشوا معه أدبًا. وقوله: (حتى ألقى) أي ألقى رحله، والفناء الناحية المتسعة أمام الدار.

قوله: (وأنه أمر) بالفتح على البناء للفاعل، وقيل: روي بالضم على البناء للمفعول.

قوله: «ثامنوني» بالمثلثة: اذكروا لي ثمنه؛ لأذكر لكم الثمن الذي أختاره، قال ذلك على سبيل المساومة، فكأنه قال: ساوموني في الثمن.

قوله: (لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) تقديره لا نطلب الثمن، لكن الأمر فيه إلى الله، أو "إلى" بمعنى من، وكذا عند الإسماعيلي: "لا نطلب ثمنه إلا من الله"، وزاد ابن ماجه "أبدًا". وظاهر الحديث أنهم لم يأخذوا منه ثمنًا. وخالف في ذلك أهل السير كما سيأتي. قوله: (فكان فيه) أي في الحائط الذي بنى في مكانه المسجد.

 قوله: (وفيه خرب) قال ابن الجوزي: المعروف فيه فتح الخاء المعجمة، وكسر الراء بعدها موحدة جمع خربة، ككلم وكلمة.

 قلت: وكذا ضبط في سنن أبي داود، وحكى الخطابي أيضًا كسر أوله، وفتح ثانيه، جمع خربة".

خِربة كعنب.

"كعنب وعنبة، وللكشميهني: "حرث" بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة، وقد بين أبو داود أن رواية عبد الوارث بالمعجمة والموحدة، ورواية حماد بن سلمة عن أبي التياح بالمهملة والمثلثة، فعلى هذا فرواية الكشميهني وَهْمٌ; لأن البخاري إنما أخرجه من رواية عبد الوارث، وذكر الخطابي فيه ضبطًا آخر، وفيه بحث سيأتي مع بقية ما فيه في كتاب الهجرة، إن شاء الله تعالى".

رواية الكشميهني حرث لا شك أنها تصحيف لخرب؛ لأنها رواية الجميع، والكشميهني كما قال الحافظ ابن حجر: ليس من الحفاظ، فترجَّح رواية غيره عليه، وأطبقوا على وهمه في حديث، ما الحديث؟

لو يعلم المار، لو يعلم المار ما عليه من الإثم، ما عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين مبهمة، أربعين مبهمة ليوم أو شهر أو سنة، خيرٌ له من أن يمر بين يديه، فزيادة من الإثم تفرد بها الكشميهني، وابن حجر تعقب صاحب العمدة حينما ذكرها في العمدة، ووقع فيها في البلوغ ابن حجر نفسه، ووقع فيها في البلوغ، ذكرها، وأنه تعقب صاحب العمدة في فتح الباري، وأنه ذكر من الإثم، وأنه تفرد بها الكشميهني، وليس من الحفاظ من الإثم؟

طالب: ..........

 لا، مهما كانت ما هي موجودة في الأصل، ما هي بمعنى هذا، أو حرث، رواية حرث؟ ولا من الإثم؟

طالب:...

هذه زيادة ما رويت بالمعنى ما هي موجودة.

"قوله في آخره (فاغفر للأنصار) كذا للأكثر، وللمستملي والحموي: "فاغفر الأنصار" بحذف اللام، ويوجه بأنه ضمّن اغفر معنى استر، وقد رواه أبو داود عن مسدد بلفظ: "فانصر الأنصار". وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع، وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة".

هذا إذا لم توقَف المقبرة، إذا كانت مملوكة.

طالب:...

يجوز التصرف فيها؛ لأنه لا يلزم أن تكون المقبرة موقوفة، يمكن أن تستأجر، يمكن أن تعار، يمكن أن تباع إذا لم تكن موقوفة، فإذا وقفت انتهت.

"وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها، وجواز بناء المساجد في أماكنها، قيل: وفيه جواز قطع الأشجار المثمرة؛ للحاجة؛ أخذًا من قوله: "وأمر بالنخل فقُطِع"، وفيه نظر لاحتمال أن يكون ذلك مما لا يثمر إما بأن يكون ذكورًا، وإما أن يكون طرأ عليه ما قطع ثمرته. وسيأتي صفة هيئة بناء المسجد من حديث ابن عمر وغيره قريبًا".

 وقطع النخل جاء في غزوة بني النضير:

 وهان على سراة بني لؤي      حريق في البويرة مستطير

 ماذا يقول؟

طالب: ..........

نعم؟

طالب:...

لا، ما هي بمشكلة عندهم، ينقَل التراب، وتطين من جديد، ما فيه إشكال هذا.

طالب:...

النووي -رحمه الله- متبع، ويخالف المذهب في كثير من المسائل، خلاص ما علينا مثل ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالوا فيها قبور.

 اللهم صلِّ على محمد.