شرح الموطأ - كتاب الحج (06)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: إفراد الحج:

حدثني يحيى عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع، فمنّا من أهَلّ بعمرة، ومنا من أهَلّ بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج وحده، وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر".

وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج.

وحدثني عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج.

وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: من أهل بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة فليس له ذلك.

قال مالك -رحمه الله تعالى-: وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: إفراد الحج" والباب الذي يليه القران، الأنساك ثلاثة، منها الإفراد، موضوع الباب الأول، والقران موضوع الباب الثاني، والثالث التمتع.

إفراد الحج: أن يأتي بالحج وحده مفردًا ولا يضيف إليه ولا يجمع معه عمره، سواءً كانت معه في أفعاله كالقران، أو تقدمت عليه في أشهر الحج من غير سفر كالتمتع، والقران: أن يجمع النسكين في سفرة واحدة وبأعمال واحدة، والتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يفرغ من جميع أعمالها ثم بعد ذلك يحرم بالحج من غير أن يقطع بينهما بسفر، هذا هو التمتع، والإفراد رجحه جمع من أهل العلم، يرون ترجيح الإفراد؛ لأنه يخصص الحج بسفر مفرد، بخلاف القران الذي يأتي بالحج والعمرة بسفرة واحدة، وكذلك التمتع، فالإفراد أفضل من هذه الحيثية، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يرى أن من أفرد الحج بسفرة مستقلة أفضل اتفاقًا، وكلامه محمول على من أراد أن يؤدي ما أوجب الله عليه دون زيادة، يعني شخص يقول: لن أتطوع لا بحج ولا بعمرة، أريد أن أؤدي ما أوجب الله علي؛ حجة الإسلام فقط، وعمرة الإسلام فقط، نقول في مثل هذه الصورة: الإفراد أفضل وهي التي عليها الاتفاق الذي ذكره شيخ الإسلام، أما من أراد أن يتابع بين الحج والعمرة فكونه يأتي..... نعم؟

طالب:.............

اتفاقًا نعم، لكن هذا الاتفاق محمول على هذه الصورة التي ذكرت لوجود الخلاف؛ لأن من أهل العلم من يفضل القران، ومنهم من يفضل التمتع، فكيف يقال: إن الإفراد اتفاقًا إلا إذا حمل على هذه الصورة، يعني المسألة مفترضة في شخص يقول: لن أزيد على ما أوجب الله علي، فهل أفرد أو أتمتع أو أقرن؟ نقول: افرد، من أجل أن تنشئ سفرًا للحج، وتنشئ سفرًا للعمرة، أما إذا كان يريد أن يكرر الحج والعمرة، ويتقرب إلى الله -جل وعلا- بهذه الأعمال الفاضلة التي جاء الحث على متابعتها وتكريرها ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) نقول: تمتع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه به، نعم، أمر أصحابه أن يجعلوا إحرامهم عمرة، فيتمتعون ويحلون الحل كله بعد أداء العمرة، ثم يحرمون بالحج؛ لأن هذه العمرة قدر زائد على ما يريد أن يأتي به، نعم.

ومنهم من يفضل القران، أولًا: تفضيل الإفراد من هذه الحيثية عند شيخ الإسلام لا خلاف فيه، وحملناه على الصورة التي سمعنا، وبعض العلماء يفضل الإفراد مطلقًا، هذا نقل من كلام شيخ الإسلام للحاج أحوال، وعلى كل حال يكون الأفضل فيها نوع من أنواع النسك، هذا انتهينا من التقرير، نقرأ هذا.

ومن أهل العلم من يفضل التمتع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر به، وأسف على سوق الهدي ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة)) فهذا -مع أمره -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه بأن يجعلوها عمرة- صريح في تفضيل التمتع، ومنهم من يفضل القران؛ لأنه هو حج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.

إحرام النبي -عليه الصلاة والسلام- وحج النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء ما يدل على أنه حج مفردًا، وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه حج قارنًا، وهذا هو المرجح عند أهل العلم، وجاء من قول الصحابي: "تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه" فالأنساك الثلاثة نسبت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

حديث عائشة الذي معنا: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن" بن نوفل بن خويلد، كان يتيمًا في حجر عروة "عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع -لخمس بقين من ذي القعدة- فمنا من أهل بعمرة" يعني فقط "ومنا من أهل بحجة وعمرة" الذي أهل بالعمرة فقط هذا المتمتع، "ومنا من أهل بحجة وعمرة" هذا القارن، "ومنا من أهل بالحج" يعني وحده وهذا المفرد، "وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج" منا من أهل بعمرة، جاء في حديثها وهو قبل هذا الحديث في صحيح البخاري مباشرة، قالت: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نرى إلا أنه الحج، لا نعرف العمرة كما جاء في بعض الروايات: لا نرى إلا أنه الحج، فلما قدمنا –قدمنا مكة- تطوفنا بالبيت، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من لم يكن ساق الهدي أن يحل، يعني حديثها الثاني يدل على أن منهم من أهل بعمرة؟ لا، كلهم على كلامها أهلوا بالحج، ولا نرى إلا أنه الحج، وحديثها الذي معنا: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج، فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ الظاهر التعارض، وهذا الحديث بعد الحديث الذي سقناه في الصحيح في البخاري.

يقول ابن حجر: يحمل هذا على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج، يعني خرجنا لا نرى إلا أنه الحج، ولا نعرف العمرة، يعني في السابق كانوا لا يرون إلا أنه الحج، ولا يعرفون العمرة في أشهر الحج إلى أن وصلوا المحرم فأعلمهم النبي وأخبرهم -عليه الصلاة والسلام- بأنواع النسك، وقال: ((من أراد أن يهل بعمرة)) ((من أراد أن يهل بحج)) ((من أراد أن يهل بحج وعمرة)) فعرفهم المناسك إلى أن وصلوا الميقات لا يرون إلا أنه الحج، ولا يعرفون العمرة في أشهر الحج، لما وصلوا الميقات أعلمهم الأنساك الثلاثة.

تقول: "فلما قدمنا تطوفنا بالبيت" يعني أخبرهم الأنساك الثلاثة على التخيير في المحرم، لما قدموا مكة وطافوا بالبيت أمر يعني أكد على التمتع نعم، كأنه صار في نفوس بعضهم شيء من العمرة في هذا الوقت؛ لأنهم في الجاهلية كانوا يرونها من أفجر الفجور، فأراد -عليه الصلاة والسلام- أن يجتث هذا الإشكال من قلوبهم، فأمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، وأخبرهم بجواز الأنساك الثلاثة في المحرم، ومنهم من أهل، وخرجوا من المدينة لا يعرفون إلا الحج، كما تقول عائشة، لما وصلوا المحرم خيرهم بين الأنساك الثلاثة، لما طافوا بالبيت أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، والسبب في هذا ما سمعتم؛ لأن الإشكال ما زال، يعني بعضهم أحرم بعمرة وفي نفسه شيء كما كان في أنفسهم من السعي بين الصفا والمروة، نعم كان في أنفسهم شيئًا من السعي بين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يسعون بينهما بين صنمين لإساف ونائلة، نعم فبقي في أنفسهم شيء، وهم يرون النبي -عليه الصلاة والسلام- يسعى بينهما، وبعض الشبه يصعب اجتثاثها، ومثل هذا المكان الذي يطاف فيه بين صنمين لا شك أنه يشق على النفس أن تؤدى عبادة يتقرب بها إلى الله -جل وعلا-، وكان هذا المكان مما يتقرب فيه لغيره -جل وعلا-، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجتث هذه الشبهة من أعماق قلوبهم، فأمرهم أمرًا، وألزمهم إلزامًا بأن يجعلوها عمرة، ولوحظ مثل هذا الظرف الذي جاء الأمر فيه فقال جمع من أهل العلم أو عامة أهل العلم على أن التمتع ليس بواجب، لولا وجود مثل هذا الذي احتف بهذا الأمر لكان وجوبه متجهًا فقد قيل به، قال بعض العلماء بوجوب التمتع لهذا الأمر، لكن إذا عرفنا السبب الذي من أجله أمر بالتمتع قلنا: إنه بالنسبة لهم واجب لتزول هذه الشبهة لمن لم يسق الهدي، أما بالنسبة لغيرهم فالأدلة الصحيحة الصريحة دلت على جواز الأنساك الثلاثة.

وبعضهم استنبط من هذا الظرف الذي جاء فيه هذا الأمر أن هذا الأمر خاص بالصحابة، وأن من أهَلّ بشيء لزمه إتمامه، ولا تغير النية بعد ذلك، فمن أهل بالحج لا يجوز له أن يقلبه إلى عمرة، من كان قارنًا ولم يسق الهدي لم يجز له أن يحوله إلى عمرة، نعم؛ لأنه لحظ الظرف الذي جاء فيه هذا الأمر، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يعني هذا الظرف لا شك أنه احتف بهذا الأمر، فمن أهل العلم من قال، يعني أوغل في إدخال الظرف في الحكم، فقال: إن قلب الإحرام من حج إلى عمرة خاص بالصحابة تلك السنة لتزول الشبهة فقط، وإلا من أحرم بنسك لزمه إتمامه، ومنهم من قال: هذا الأمر بغض النظر عما احتف به يدل على وجوب التمتع، والقول الوسط في هذه المسألة أن هذا الظرف معتبر، لكن لا يختص بهم، فيرجح التمتع على غيره للأمر به، ويكون الظرف الذي احتف بهذه القصة صارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.

يقول: يحمل هذا على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج، فخرجوا لا يعرفون إلا الحج، فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوه الإحرام في الميقات، وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج، لكن هذه الشبهة ما زالت تراود بعضهم حتى أمرهم بقلب الإحرام إلى عمرة، وهذا متى؟ بعد أن طافوا بالبيت، وبهذا الأسلوب تزول الشبهة.

لما توقفوا أو صار في أنفسهم شيء من السعي بين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يعظمون فيه غير الله -جل وعلا-، سعى النبي -عليه الصلاة والسلام- ونزل قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] يعني الإثم الذي يجدونه في نفوسهم مرتفع، نعم، "فمنّا من أهل بعمرة" يعني فقط، وهذا هو المتمتع بأن يهل بعمرة، وهذا إذا لم يسق الهدي ترجح في حقه أن يهل بعمرة، ثم يفرغ من أعمالها بالطواف والسعي والتقصير، ثم يحل له كل شيء، فإذا جاء يوم التروية أهل بالحج، وأكمل أعماله.

يقول: "ومنا من أهل بحجة وعمرة" يعني جمع بينهما فصار قارنًا "ومنا من أهل بالحج وحده" فصار مفردًا، "وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج" وذكرنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في نسكه -عليه الصلاة والسلام- أنه أهل حجًّا مفردًا، وجاء عنه أنه حج قارنًا، وجاء عنه أنه حج متمتعًا، وهنا يقول: "أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج" مفاده أنه حج مفردًا، فإما أن يقال في مثل هذا: إنه أهل أول الأمر بالحج إلى أن جاءه الجائي فقال له: ((صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: لبيك حجة وعمرة)) يعني اجمع بينهما، فصار قارنًا، ومنهم من يقول: إن هذا تعبير من عائشة ومن غيرها من الصحابة ممن نقل عنه أنه حج مفردًا أنه رأى أو نظر إلى صورة فعله -عليه الصلاة والسلام-، وصورة ما يفعله القارن وما يلزم القارن من أعمال لا تختلف عن صورة من حج مفردًا، الصورة ما تختلف، حج القارن مثل حج المفرد، ودخلت العمرة في الحج، ومن قال: إنه حج قارنًا فنظر إلى آخر الأمرين من إهلاله -عليه الصلاة والسلام- وأنه لما قيل له: ((صلِّ في هذا الوادي المبارك)) وقيل: جمع بينهما، وهذا هو المرجح عند أهل العلم أنه حج قارنًا، ومن قال: إنه -عليه الصلاة والسلام- حج متمتعًا نظر إلى المعنى العام للتمتع، وأصل التمتع الترفه بترك أحد السفرين، فالمعنى العام للتمتع يشمل القران والتمتع الاصطلاحي، ومن نظر إلى المعنى الخاص للتمتع وهو الحل بين النسكين، الحل التام والاستمتاع بما يمنع منه المحرم حتى النساء حمله على المعنى الخاص، فما نقل عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه تمتع معناه أنه جمع بينهما في سفرة واحدة كالمتمتع، ومنهم من نسب التمتع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمره به؛ لأنه أمر أصحابه بالتمتع، فلكونه أمر به ينسب إليه، وهذا في الاستعمال اللغوي كثير كما يقال: فعل الأمير كذا، إذا أمر بفعله، لا يلزم أن يباشره بنفسه، وعلى كل حال المرجح أنه -عليه الصلاة والسلام- حج قارنًا.

"فأما من أهل بعمرة فحل" الحل كله، وله أن يباشر امرأته إذا أدى جميع أعمال العمرة، أهل بها، ثم طاف وسعى وقصر، خلاص انتهى، لكن هل له أن يعود إلى بلده وقد جاء بنية التمتع من بلده؟ له ذلك أو ليس له ذلك؟

طالب:..............

لا، الإنصاف الذي يقول: ليس له ذلك بلا نزاع، لكن المراد بلا نزاع عنده في المذهب، أما إذا حل الحل كله ولم يدخل في نسك الحج، ما الذي يلزمه بالحج؟ نعم، يعني أدى العمرة وحل من الحل كله فرأى الزحام شديدًا، أو استدعي من قبل أهله، يلزم حضورك عندهم مشكلة، وقد أدى حجة الإسلام قبل ذلك، ما الذي يلزمه بالدخول في النسك؟ نعم؟ هو حل الحل كله، الجهة منفكة، جاء بالنسك كاملاً، وقال: والله أنا الحج نفل ولا دخلت فيه ما الذي يلزمني فيه؟ ولا يلزم إلا بالشروع وأنا ما شرعت، لا يوجد ما يمنع، لكن إذا أهل مفردًا أو أهل قارنًا ثم لما طاف طواف القدوم أو طواف العمرة، طواف القدوم، لما طاف للقدوم، قال: أريد أن أجعلها عمرة كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، ثم لما تم من أعمال العمرة، قال: ما الذي يلزمني بالحج وأنا ما شرعت فيه؟ لا، نقول: لا، يلزمك؛ لأنك لك أن تقلب النسك إلى أعلى وليس لك أن تنزل في النسك، أنت جئت مفردًا وأهللت بالحج أو قارنًا، لك أن تقلب إلى أعلى التمتع، لكن ليس لك أن تقلب إلى عمرة مفردة، وقد يتحايل بعض الناس على الرجوع إلى بلده بمثل هذا، فلا يجوز في مثل هذه الصورة، أما إذا جاء في ذهنه أن يحج بعد أن يؤدي العمرة، لكنه إلى الآن ما دخل في النسك، وما شرع فيه ليلزم به، كمثل شخص وصل المحرم فقيل له: ارجع، وهو ما بعد تلبس بالنسك له أن يرجع، نعم؟

طالب:.................

ينقطع التمتع.

طالب:...............

........ مفردين، يحرمون من الميقات.

طالب:.........

من الميقات نعم، إذا رجعوا إليه يحرمون منه.

"فأما من أهل بعمرة فحل" يعني بعد أن أداها طاف وسعى وقصر "وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر" لا بد أن يتموا الحج، لا يحلون حتى يوم النحر، فمن أهل بحج أو جمع بينهما والصورة واحدة لا تختلف إذا وصل قدم البيت طاف للقدوم، وسعى بعده سعي الحج، ثم بعد ذلك يبقى على إحرامه حتى ينزل من عرفة إلى مزدلفة، ثم إلى منى يرمي وينحر ويحلق ثم يطوف بالبيت طواف الإفاضة، والسعي ما عليه سعي؛ لأنه سعى بعد طواف القدوم بخلاف المتمتع، العمرة منفكة بطوافها وسعيها، والحج منفك بطوافه وسعيه.

يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج" وذكرنا أن هذا محمول على أول الأمر أنه أحرم مفردًا، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج، يعني أحرم بهما معًا.

أنا قلت: الظرف الذي قيل فيه هذا الكلام، واختلفت أفهام أهل العلم في فهم هذا الظرف وتأثيره على الأمر، نعم؟

طالب:.........

أمرهم، كل هذا ذكرناه، ومر علينا، وقلت: إن الظرف الذي احتف به هذا الأمر...، أنت تعرف أن من الأوامر ما هو للإباحة فقط إذا كان بعد حظر، تعرف؟ هناك أوامر للإباحة، وهناك أوامر للاستحباب، وهناك أوامر للوجوب نعم، الظرف الذي قيل فيه هذا الأمر لا شك أن له أثر، والعلماء نظروا إلى هذا الأثر، فمن قال: إن أمره -عليه الصلاة والسلام- إنما هو لمجرد اجتثاث الشبه من قلوبهم، وإلا فالأصل أن من أحرم بشيء لزمه إتمامه، قال: هذا خاص بالصحابة، ولا يتجه الأمر لغيرهم، ولا يجوز لأحد أن يحرم بحج مفرد ثم يدخل عليه عمرة أو العكس يبقى على إحرامه، وذلك الأمر خاص بالصحابة للظرف الذي ذكرناه، نعم، ومنهم من أعرض عن ذكر الظرف ونظر إلى الأمر مجردًا، وقال: يجب أن يحول الحج إلى عمرة، وأوجبوا التمتع، وهذا قول معروف، نعم والبقية توسطوا، الجمهور توسطوا، فقالوا: ليس خاصًّا بالصحابة ولا يلزم قلب الإحرام إلى عمرة، إنما لا شك أن الظرف له أثره فيكون صارفًا لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.

عاد المحقق في الأمر بعد الحظر أن الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، فإن كان للاستحباب فهو للاستحباب، إن كان للوجوب فللوجوب، إن كان للإباحة فهو للإباحة، يعني مثله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا} [(53) سورة الأحزاب] هذه الأوامر...، نعم؟

طالب:.........

نعم، مثلما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد طواف القدوم، نعم؟

طالب:.........

لكن ماذا عن الأمر النبوي؟ لا شك أن فهم السلف لا سيما كبارهم مقدم على غيرهم، لكن يبقى أن الحكم النص، فمن وافق قوله النص فهو المقدم؛ ولذلك يقول ابن عباس: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر" هذا كلامه -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:.........

لا، الجمهور رأوه صارفًا من الوجوب إلى الاستحباب، وإلا فالوجوب ظاهر، الأصل في الأمر الوجوب، نعم، لكن مع ذلك عامة أهل العلم على أنه للاستحباب.

يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن" بن نوفل بن خويلد، الذي كان يتيمًا في حجر عروة "عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج" كسابقه.

يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: من أهل -يعني أحرم- بحج مفرد، ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة فليس له ذلك" ثم بدا له أن يهل بعده يعني معه يدخلها عليه، أهل بحج مفرد، ثم أراد أن يدخل العمرة على الحج؟ أو يهل بحج مفرد، فإذا تمت أعماله جاء بعده بعمرة كما صنعت عائشة -رضي الله عنها-؟

يقول: "ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة فليس له ذلك" أي الصورتان؟ هل المراد أنه يدخل العمرة على الحج المفرد فيصير قارنًا، أو أنه إذا أتى بالحج المفرد كاملًا أهل بعمرة مستقلة؟ فليس له ذلك؟ الآن عندنا من أهل قارنًا معروف، نعم، من أهلت بعمرة ثم حاضت ولم تتمكن من أدائها إلا بعد عرفة، تدخل الحج على العمرة فتصير قارنة، هات عكس هذه المسألة من أهل بحج فقيل له: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- حج قارنًا قال: أدخل العمرة على الحج فأصير قارنًا؟ يجوز وإلا ما يجوز؟

طالب:.........

من كلام مالك لا يجوز، وكأن هذا هو المراد، نعم، على هذا يتنزل كلام مالك، قال مالك...، نعم؟

طالب: يعني يقلب من إفراد إلى قران.

 نعم، "قال مالك: وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا" والمراد المدينة؛ لأن أعمال العمرة داخلة في أعمال الحج فلا فائدة في إردافها عليه بخلاف عكسه، يعني إرداف الحج بالعمرة، يعني إدخال الحج على العمرة فيه فائدة، أما إدخال العمرة على الحج ما فيه فائدة يقول، فيستفيد به الوقوف والرمي والمبيت وغير ذلك من أعمال الحج.

وعلى كل حال إدخال العمرة على الحج محل خلاف بين أهل العلم، وقول مالك يدل على أنه لا يجيزها.

طالب: الأظهر أحسن الله إليك؟

والله ما دام ما ساق الهدي يبقى مفردًا.

طالب: إلا أن يتمتع؟

إلا أن يتمتع، هذا كلام ملخص من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في أفضل الأنساك، يقول: أفضل أنواع الأنساك...، كأن هذا من موسوعة فقه ابن تيمية -رحمه الله-، يقول: للحاج أحوال، وفي كل حال يكون الأفضل فيها نوع من الأنساك، الحالة الأولى: أن يسافر للحج سفرة وللعمرة سفرة أخرى في غير أشهر الحج وهذا أفضل من مجرد التمتع أو القران، وهذا الذي فعله أبو بكر وعمر وعلي -رضي الله عنهم-، وإن تمتع في السفرة الثانية فهو أفضل، فإن كثيرًا من الصحابة الذين حجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا قد اعتمروا قبل ذلك، ومع ذلك فقد أمرهم بالتمتع ولم يأمرهم بالإفراد؛ لأنه يجمع بين عمرتين وحجة وهدي وهو أفضل من عمرة وحجة.

الكلام الذي ذكرناه ظاهر في هذه المسألة، يعني تنزيل الاتفاق الذي ذكره شيخ الإسلام على الصورة التي صورناها، الظاهر أن كلام الشيخ ما يحتمل غيرها؛ لأنه يقول: وإن تمتع في السفرة الثانية فهو أفضل، يعني مفترض سافر للعمرة فقط، ثم سافر ثانية، يقول: أتمتع وإلا أفرد؟ هل نقول: الأفضل في حقك الإفراد لأنك خصصت العمرة بسفر وهو ما عنده مانع يتمتع؟ نقول: تمتع، لكن الذي يقول: أنا لا أزيد على ما أوجب الله عليّ، أجمعهن بسفرة واحدة وإلا بسفرتين؟ نقول: سفرتين أفضل، وعلى هذا ينزل كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-.

يقول: فإن كثيرًا من الصحابة الذين حجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذه اللفظة نقل الاتفاق عليها أشكل على كثير من طلاب العلم، كانوا قد اعتمروا قبل ذلك، ومع ذلك فقد أمرهم بالتمتع ولم يأمرهم بالإفراد؛ لأنه يجمع بين عمرتين وحجة وهدي وهو أفضل من عمرة وحجة.

الحالة الثانية: إن أفرد العمرة بسفرة في أشهر الحج ثم قدم للحج والتمتع في حق هذا أفضل، أظن هو الكلام نفسه الذي قبله، نعم؟

الحالة الثالثة: أن يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم في مكة حتى أيام الحج، فالإفراد في حق هذا أفضل باتفاق الأئمة، أن يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم في مكة حتى أيام الحج، فالإفراد في حق هذا أفضل باتفاق، باعتبار أن عمرة المكي مختلف فيها وهو في حكم المكي، وفي عمرة المكي خلاف، وفي تمتع المكي خلاف، وإذا تمتع لم يلزمه هدي على القول الصحيح {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] فهو في حكمهم، نعم.

الحالة الرابعة: أن يجمع بين الحج والعمرة في سفرة واحدة في أشهر الحج، وفي هذه الحالة ينظر فإن كان ساق الهدي معه من الحل فالقران في حقه أفضل، وإن لم يسق الهدي فالتمتع في حقه أفضل.

سم.

أحسن الله إليك.

باب: القران في الحج:

حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- بالسقيا، وهو ينجع بكرات له دقيقًا وخبطًا، فقال: هذا عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة، فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط، فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه حتى دخل على عثمان بن عفان، فقال: أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقال عثمان: ذلك رأيي، فخرج علي مغضبًا، وهو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معًا".

قال مالك -رحمه الله-: الأمر عندنا أن من قرن الحج والعمرة لم يأخذ من شعره شيئًا، ولم يحلل من شيء حتى ينحر هديًا إن كان معه، ويحل بمنى يوم النحر.

وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع خرج إلى الحج، فمن أصحابه من أهل بحج، ومنهم من جمع الحج والعمرة، ومنهم من أهل بعمرة فقط، فأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلل، وأما من كان أهل بعمرة فحلوا.

وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقولون: من أهل بعمرة ثم بدا له أن يهل بالحج معها فذلك له ما لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقد صنع ذلك ابن عمر -رضي الله عنهما- حين قال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني أوجبت الحج مع العمرة.

قال مالك -رحمه الله-: وقد أهل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع بالعمرة، ثم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: القران في الحج" المراد بالقران الجمع بين النسكين في أفعالهما كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-،

قال: "حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد" بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق "عن أبيه" محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر، وكلاهما من أئمة الهدى، ولا يضيرهما ما نسب إليهما زورًا وبهتانًا، وأهل السنة أهل عدل وإنصاف يروون عن مثل هذين لإمامتهما، ولا يؤثر فيهما ما نسب إليهما، وما نقل عنهما من الكذب والبهتان "أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا" قرية بطريق مكة "وهو ينجع -يسقي- بكرات له" والبكرات جمع بكرة، وهي ولد الناقة، وتطلق الآن على الأنثى فقط، "وهو ينجع بكرات له دقيقًا وخبطًا" الخبط ورق الشجر الذي يُنفض بالمخابط، عُصي تضرب بها الشجر حتى ينزل ورقها، "فقال: هذا عثمان بن عفان" دخل فقال، يعني المقداد دخل على علي بن أبي طالب فقال له: "هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة" وإنما يأمر بالإفراد، فلا يجمع بين النسكين بسفرة واحدة "ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة، فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط، فما أنسى أثر الدقيق" ومثل هذا يستدل به على أن الراوي ضبط القصة، وحفظها وحفظ ما يحتف بها، "فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه، حتى دخل على عثمان بن عفان، فقال: أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟" والمسألة في خلافة عثمان، "أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟" يعني واجهه -رضي الله عنهما- بالإنكار، واجهه بذلك لأمن المفسدة، وكلاهما من الراشدين الذين يقولون بالحق ويؤثرونه على آرائهم، والمفسدة منتفية.

"أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟" وإلا فالأسلوب قوي، فمثل هذا الأسلوب إذا أمنت الفتنة..، أولًا: التغيير والإنكار أمر لا بد منه مع أي شخص كان مرتكبه كائنًا من كان، لكن يتحرى الأسلوب المناسب الذي يضمن التغيير ولا يترتب عليه مفسدة، أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ يعني قد يقول قائل: لماذا لا يكون التغيير بطريقة على طريقة السؤال، ما رأيك -رضي الله تعالى عنك وأرضاك- فيمن يقرن بين الحج والعمرة بسفرة واحدة؟ يعني هذه الأسلوب لا شك أنه بالنسبة لبعض الناس الذين يخشى منهم أو ليس عندهم من الإيمان واليقين ما ينصاعون إلى الحق بسببه بمثل هذا الأسلوب، النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى الداخل، الداخل من باب المسجد يراه النبي -عليه الصلاة والسلام- وجلس، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هل صليت ركعتين؟)) أسلوب مناسب جدًّا، لكن لو قال له: قم فصل، قد يثقل على نفسه مثل هذا الأمر، مع أنه استعمله -عليه الصلاة والسلام- في بعض الأحيان حين أمن من هذه المفسدة، وعلى كل حال لكل مقام مقال، ولكل شخص ما يناسبه من الأساليب؛ لأن الهدف تغيير المنكر، هذا القصد وهذا الهدف، فإذا تغير المنكر بأي أسلوب يناسبه هذا هو الهدف؛ ولذا بعض الناس يغير ما يرتكبونه من المنكرات باليد؛ لأنه لا يترتب على ذلك مفسدة، وهو الأصل، إن لم يستطع هذا أو هذه المرتبة لا يستطيعها المغير ينتقل إلى المرتبة التي تليها وهكذا، فلا يغير المنكر بما يترتب عليه من مفاسد هي قد تكون أعظم منه، أيضًا إقرار المنكر والتواطؤ على إقراره والسكوت عنه لا يجوز، بل إنكار المنكر فرض على الأمة، وهو سبب خيريتها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [(110) سورة آل عمران] وما وصل الأمر إلى الحد الذي يعيشه المسلمون في سائر البقاع إلا بترك هذه الشعيرة، حتى إذا كثر الأمر، وكثر الخبث التفت بعض الناس إلى الإنكار بعد أن عمت البلوى بكثير من المنكرات مما لا يستطاع تغييرها الآن، ومع ذلك لا يأس، كل يغير حسب استطاعته، وحسب قدرته على أن يسلك الأسلوب المناسب؛ لأن الهدف تغيير المنكر، أما إذا ترتب على التغيير منكر أعظم منه فلا.

"أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟" يعني أبو سعيد -رضي الله عنه- ينكر على مروان وهو على المنبر، الفتنة مأمونة؛ لأن العصر عصر صحابة؛ لأنه في عصر الصحابة، الصحابة متوافرون، والحق ظاهر، والتعصب للرأي قد لا يوجد إلا على أمن على شيء يسير، وإلا قل أن يسلم منه، على كل حال إذا أمكن التغيير فالأصل التغيير باليد ثم اللسان ثم القلب، نعم؟

طالب:.........

على كل حال إذا كان يتأذى المنكِر يتضرر المنكِر بنفسه أو ماله أو ولده يجعلونه صارفًا، إذا ترتب على ذلك مفسدة تتعدى المنكِر فمثل هذا لا يقدم على الإنكار إلا بأسلوب يناسب، وإذا كان المنكِر لا يستطيع إنكار مثل هذا المنكر ويعرف من يستطيع تغييره عليه أن يتصل، من إنكاره لهذا المنكر أن يتصل بمن يستطيع تغييره، والتعاون بين الأمة صغارها وكبارها، شيوخها وطلابها، عوامها وعلمائها، الأمر لا بد منه.

"فقال: أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقال عثمان: ذلك رأيي" ذلك رأيي، لماذا؟ لأنه فهم أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بقلب الإحرام من حج إلى عمرة أنه فهم أنه خاص بهم، وقد صرح به بعض الصحابة، فقال: ذلك رأيي، يعني فهمي، وأوردنا الاحتمالات الثلاثة والأقوال الثلاثة التي قيلت من أجل ما احتف بذلك الأمر من ظرف.

"ذلك رأيي، فخرج علي مغضبًا وهو يقول" ولا بد من الغضب إذا انتهكت محارم الله، نعم هذه وجهة نظر لعثمان، وهو أمير المؤمنين وهو الخليفة، لكن مثل هذه الوجهة لا يعارض بها النص المرفوع، نعم ينظر ما عنده من شبهة فإن أمكن كشفها بها فنعمت، وإن أصر يبين الحق على أي حال.

"فخرج علي مغضبًا وهو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معًا" غير -رضي الله تعالى عنه- وأنكر بلسانه، ثم فعل ما يدل على إنكاره ما سمع وما رأى، فأنكر بالفعل والقول، فتضافر عليه قوله وفعله -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.

قال مالك: الأمر عندنا أن من قرن الحج والعمرة أو قرن الحج والعمرة، لم يأخذ من شعره شيئًا، ولم يحلل من شيء حتى ينحر هديًا {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] حتى ينحر هديًا إن كان معه ويحل بمنى يوم النحر، متى؟ إذا فعل أمرين، نعم، إذا رمى الجمرة وحلق لكن ولم يحلل من شيء حتى ينحر هديًا، هل نحر الهدي من أسباب التحلل عند أهل العلم؟ مع أنه جاء النص الصحيح، نص القرآن، النهي عن حلق الرأس حتى يبلغ الهدي محله، لكن هل بلوغ الهدي محله وقت حلوله، أو مكان حلوله؟ نعم؟ مكان حلوله، يعني لو أرسل الهدي إلى منىً قبل عرفة، بلغ المكان، يحلق؟ نعم، إذًا الوقت؛ ولذا قال: حتى ينحر هديًا إن كان معه، ويحل بمنىً يوم النحر، مكان الحلول، نعم؟

طالب:.........

يعني الإلزام، يعني ليس بإلزام، على كل حال على أي حال كان إذا نهى عن أمر فيه نص نعم ينكر عليه، وهذه المسألة فيها نص، نقول: الخلاف في الفهم، أنا أوردت هذا ورددته أكثر من مرة، الخلاف في الفهم، الظرف الذي احتف بهذا الأمر ما هو؟ ما وقع في نفوسهم مما ورثوه من الجاهلية، وأن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، لما وصل إلى الميقات خيرهم بين الأنساك الثلاثة، ومنهم من أهل بعمرة، منهم من أهل بحج، ومنهم من أهل بحج وعمرة، نعم، وبقي في أنفسهم شيء إلى أن دخلوا مكة، وفي أنفسهم شيء، يعني مثل ما نظرنا السعي بين الصفا والمروة بقي بأنفسهم شيء؛ لأنه كان يسعى بين صنمين، نعم؟ وتأنف النفس عمومًا يعني...، مسألة الحكم هو النص، يعني سعى النبي -عليه الصلاة والسلام- بين الصفا والمروة، ونزل قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] فلا بد أن يرتفع ما في النفوس، لكن قد يبقى في النفس شيء، أنت الآن لو معك مصحف، مصحف كلام الله -جل وعلا-، وعندك كرتون جديد من المصنع، لكن داخله حفايض جدد، تأتي فتضع المصحف فوقه ما في نفسك شيء أنت؟ هذا جديد من المصنع، ما فيه شيء، لو حملته وأنت تصلي ما عليك شيء، صلاتك صحيحة طاهر، لكن يبقى من بعض الأمور في النفس شيء، لا سيما إذا اختلط بالعبادة ما يضادها، فهم كانوا يطوفون بين الصفا والمروة لصنمين، نعم، فبقي من أنفسهم شيء، فسعى النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله، ونزل قول الله -جل وعلا-: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] فاجتث ما في قلوبهم، وهنا خيرهم بين الأنساك ثم ما زال في أنفسهم شيء، حتى أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن يقلبوا إحرامهم إلى عمرة، أن يجعلوها عمرة، فاجتث ما في قلوبهم، لما اجتث ما في قلوبهم وانتهى هذا الأمر عاد الأمر إلى ما كان عليه من جواز الأنساك الثلاثة.

عثمان -رضي الله عنه- ربط الأمر بهذا الظرف، فرأى أن هذه الظرف ارتفع، فالأمر المرتبط به ارتفع أيضًا، وغيره من أهل العلم منهم من قال: إن الأمر ثابت وقائم إلى قيام الساعة فأوجب التمتع، نعم، ومنهم من نظر إليه من زاوية وقال: إن هذا الظرف له أثر في الأمر، لكن لا يعني وجوب الأمر يصرفه من الوجوب إلى الاستحباب، ولا يعني أنه لا أثر له بالكلية فلا يجوز قلب الإحرام، وهذا رددناه.

يقول: "وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" سليمان بن يسار من الفقهاء السبعة من التابعين، فالخبر مرسل، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وقد تقدم موصولًا في أول الباب السابق.

طالب:.........

أين؟

طالب:.........

نعم، تابع.

طالب:.........

نعم، أن المقداد، يحكي قصة لم يشهدها.

طالب: يكون ضعيفًا؟

أين؟ لا، هو معروف من طرق أخرى، معروف من طرق أخرى ما فيه إشكال.

هذا الخبر الذي يليه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع خرج، هذا يحكي قصة أيضًا لم يشهدها، تابعي لم يشهد القصة فهي مرسلة، وهي ثابتة بالسند المتصل في الباب الذي قبله.

"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع خرج إلى الحج، فمن أصحابه من أهل بحج، ومنهم من جمع الحج والعمرة، ومنهم من أهل بعمرة، فأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلل" يعني حتى يوم النحر، "وأما من كان أهل بعمرة فحلوا" الحل كله بعد أن أدوا جميع أعمالها وهذا تقدم.

يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقولون: من أهل بعمرة ثم بدا له أن يهل بحج معها، فذلك له ما لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة" يعني أهَلّ متمتعًا أو أهل بعمرة مفردة، ثم أراد أن يدخل الحج على العمرة ليصير قارنًا نعم، هذا إن كان له عذر، مثل حائض، كقصة عائشة، هذا لا إشكال فيه، وأما إذا أراد أن ينتقل من فاضل وهو التمتع إلى مفضول وهو القران، فهذا فيه ما فيه عند بعض أهل العلم، ومالك يرى جوازه.

"ثم بدا له أن يهل بحج معها فذلك له ما لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقد صنع ذلك ابن عمر حين قال: إن صددت" يعني عام نزل الحجاج بمكة، وخشي أن يصد عن البيت، "فقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني أهل بعمرة فقال: إن صددت صنعنا مثل ما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديبية، نعم، صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يرى في أول الأمر اجتهاده على أن هذا في عمرة كالحديبية، "ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد" يعني الحج والعمرة واحد، إذا صددنا ننحر الهدي ولا عندنا إشكال، نحل، نعم "فقال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني أوجبت الحج مع العمرة" فصار قارنًا، أدخل الحج على العمرة، أهل بعمرة ليصنع كما صنع النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديبية، ثم قال: إن أمرهما واحد، إذا صددنا عن البيت سواءً كان بحج أو عمرة نذبح ما كان معنا من هدي، ونحلق رؤوسنا، وننتهي كما صنع النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديبية، وما أمرهما إلا واحد، وبهذا يستدل عمر على جواز إدخال الحج على العمرة.

"قال مالك: وقد أهل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع بالعمرة، ثم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة)) يعني يدخل الحج على العمرة، وهذا أفضل في حقه؛ لأنه ساق الهدي "((ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا))" والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
السؤال: كيف الجمع بين نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تمني الموت في قوله -عليه الصلاة والسلام- «لا يتمنين أحدكم الموت» تكملة الحديث «لضر نزل به»، وبين قول مريم بنت عمران:

(فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا) مريم: ٢٣ وأيضا بين قول يوسف عليه السلام: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ) يوسف: ١٠١ إلى آخره: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف: ١٠١ ؟
أما بالنسبة للنهي عن تمني الموت فهو لضر نزل به في دنياه أو في بدنه، أما إذا خشي على نفسه الفتنة في دينه فلا مانع من ذلك، وقد تمنى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقتل في سبيل الله ثم يحيا ثم يقتل، وهذا تمني للموت، لكنه مع الشهادة، فمثل هذا لا يدخل في النهي؛ لأن النهي الباعث إذا كان الباعث عليه الضرر الدنيوي لضر نزل به يعني في بدنه أو في ماله، المقصود أنه إذا خشي على دينه من الفتنة جاز له أن يتمنى، وجاء في آخر الزمان أن المسلم يمر بقبر أخيه في أيام الفتن فيتمنى أن لو كان مكانه، فتمني الموت من أجل حصول الفتن التي يغلب على الظن عدم اجتيازها، وإلا فالفتن لها شر لا شك، وقد لا يستطاع هذا الشر ولا تستطاع مقاومته فيؤثر في دين الإنسان، أما إذا مرت الفتنة وبذل جهده واستفرغ وسعه ونفع غيره ونفع نفسه واجتازها بسلام لم يتأثر في دينه، هذه الفتنة صارت بالنسبة له خير ليست شرًّا، لكن الكلام على الفتن المضلة التي تفتن الناس عن أديانهم. قول مريم عليها السلام: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا) مريم: ٢٣ ؛ لأنها جاءت بولد من غير أب، فخشيت أن تفتن في دينها من كثرة من يتكلم فيها، وقد يتعرض لها بأذى فتفتن عن دينها، فهو من هذا الباب، وأيضا بين قول يوسف عليه السلام: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ) يوسف: ١٠١ إلى آخره في قول يوسف عليه السلام: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا) يوسف: ١٠١ (أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا) يوسف: ١٠١ هل يعني أنه يتمنى الموت الآن، وإنما يتمنى الموت على الإسلام في وقته المقرر في علم الله جل وعلا، فهذا ليس فيه تمنٍّ للموت، إنما فيه تمني الموت على الإسلام.

هذه تقول: أرسلت مسبقًا أستفتي في الموسيقى التي في المدرسة التي تم وضعي فيها بعد ترقيتي كوكيلة مدرسة، لقد قمت بالتحدث مع المديرة في أمر انتقالي إن لم يتغير وضع الموسيقى في الطابور،

فأعلمتني بأنها قريبا ستخلص من الموسيقى في الطابور، وستقوم بنقل غرفة مدرسات الموسيقى لمبنى جديد خلف المدرسة حتى نتخلص من سماعها بتاتا، وفهمت أنها داعية لله على صبر، وحتى لا تحدث شوشرة علينا من قبل الوزارة، فهل أصبر معها قليلا ليتغير المنكر وتعليم الأطفال شيء صحيح؟
لا، إذا كان الأمر قريب الانتقال فليصبر على مثل هذه المفسدة؛ تحقيقا للمصلحة العظمى.

يقول: من أحرم قبل المواقيت الزمانية للحج فهل ينعقد إحرامه مع الكراهة أم لا؟

لا ينعقد إحرامه، أحرم بالحج في رمضان لم ينعقد إحرامه.

يقول: ما حكم قول القائل: الله أبخص؟

ما معنى: الله أبخص.
طالب: ...............
أنا أعرف، يعني الله أعلم، هذا معناها، لكن إذا كانت المعرفة لا تطلق على الله جل وعلا، فلا يقال: الله أعرف، فمن باب أولى ما في معناها، وإنما الذي يطلق على الله جل وعلا العلم؛ لأن المعرفة تستلزم سبق جهل بخلاف العلم فيطلق على الله جل وعلا، أما هذه العبارة فهي عبارة عامية يتداولها الناس فتجتنب، فيقال: الله أعلم.

يقول: من علق في أسنانه قطعة من لحم الإبل، ثم لما توضأ ابتلعها يعني بعد وضوئه، فهل ينتقض وضوءه أم لا؟

هل يسمى آكل، هل يسمى هذا أكل، كأن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يدخل مثل هذا في الأكل، وأن مثل هذا ولو كان شيئا يسيرا ينقض الوضوء، لكن إذا كان توضأ وصلى وانتهت الصلاة أمره بإعادتها من أجل هذا فيه ما فيه.